الجمعة, آذار 14, 2025

اشترك معنا للاطلاع والحصول على أحدث المقالات والأعداد

الجمعة, آذار 14, 2025

اشترك معنا للاطلاع والحصول على أحدث المقالات والأعداد

بحث ..

  • الكاتب

  • الموضوع

  • العدد

سماحة شيخ العقل الشيخ نعيم حسن يشجب الإعلان الأميركي بسيادة مزعومة للكيان الصهيوني على أرض الجولان العربية المحتلة

شجب سماحة شيخ عقل طائفة الموحدين الدروز الشيخ نعيم حسن الإعلان الأميركي بسيادة مزعومة للكيان الصهيوني على أرض الجولان العربية المحتلة، مشدداً على أن أهل الجولان بصمودهم التاريخي وتشبثهم بأرضهم وجذورهم العربية الإسلامية أقوى من كل الخطوات المدانة والمرفوضة، وسيحافظون على هويتهم العربية مهما اشتدت عليهم ظروف الاحتلال ومؤامرات الأمم.

وأكد سماحته في تصريح أن إرادة الانتماء العربي لدى الموحدين الدروز في الجولان إلى جانب إخوانهم في الوطنية والعروبة، لن تلويها لا القرارات ولا الإملاءات ولا حتى أعتى الاعتداءات، وسيبقى الجولان عربيا؛ كما كل الأراضي المحتلة في فلسطين أو في أي بقعة عربية، ولن تتغير على الإطلاق حقائق التاريخ مهما حاول مغتصبو الحقوق ومحتلو الأرض.

مراجعات كتب

وأسأل لماذا
عاطف أبو شقرا، شعر، ٢٠١٨

 ديوان شعر جديد للشاعر عاطف فؤاد أبو شقرا، 200 صفحة، قطع وسط، في بابين: الأول بالفصحى، والثاني باللغة المحكية، وباب ثالث قصره الكاتب على وقائع توقيع ديوانيه السابقين (خطرات في رحلة العمر) و (أشواك وورود). قدّم لهذا الديوان د. وجيه فانوس، نوّه فيه بشعر عاطف الذي يتميّز بسلاسة تعبير، وصفاء رؤية، وطيب كلام، ونبل أخلاق، واعتماده شعراً عامودي البنية، متنوع الموضوعات، متنقلاً فيه بين الوصف والسياسة، الاجتماع والغزل، وبين الشعر العامودي أو قصيدة التفعيلة، أو القصيدة الحرّة. يهدي عاطف عمله كما يقول «إلأى روح والديّ، وأرواح جمال عبد الناصر- كمال جنبلاط – رشيد سليم الخوري، (الشاعر القروي)، وجميع الشهداء الذين سقطوا دفاعاً عن تراب الوطن».

 ونقول، ومن وحي عمل الصديق عاطف، إن الشعر الحقيقي بتقديرنا هو في الجمالية والموسيقى، فالشعر خارج الموسيقى، أو اللغة المسبوكة في قوالب من البلاغة والخيال والعاطفة ليس شعراً مهما أدّعى المدّعون. ماذا بقي من النثر الشعري بعد عقود؟ وهل يُفهم أو يُدرك إلا بعد كدّ ذهن؟
———————————————-

العمل المصرفي واستراتيجية السوق
سليم سعيد مهنّا

 في 200 صفحة، قطع وسط، وتجليد فني متقن، ينشر المؤلف عمله هذا وسط الظروف الاقتصادية والسياسية الصعبة التي يمرّ بها لبنان، ودور المصارف اللبنانية المعروف في رفد الاقتصاد الوطني بأسباب النمو والتطور.

 هذا الكتاب بمندرجاته مقسمٌ إلى فصول يتحدث فيه المؤلف الملمّ إلماماً واسعاً بالعمل المصرفي، اختصاصاً وتمرّساً، عن عناصر بناء الاستراتيجية التسويقية، الإدارة العامة، المنتجات أو الخدمات المصرفية، الموظفون، الاستثمار الحقيقي، تجنب الأخطاء، الزبائن، المنافسة، أثر القوانين والأنظمة، المحيط، ثم الخاتمة. الكتاب، وكما في المقدمة بحق، هو مرجع مصرفي، يُنصح بالعودة إليه كل

من أراد التزوّد بالعلم والمعرفة المصرفيين.
———————————————-

سيزيف: لعبة الدائرة في شعر
نعيم تلحوق
الأديبة نادية كريت

 كتاب عن شعر الشاعر الطليعي الحداثي، نعيم تلحوق، صاحب دواوين عشرة، وضعته الأديبة ناديا كريت، أستاذة آداب، لما يزيد على خمسة وثلاثين عاماً، هو عبارة عن دراسة توصيفية، نقدية، في خمسة وثمانين صفحة، من القطع الوسط، مع غلاف جميل، يتضمن صورة للأسطورة، (سيزيف) يبدو فيها محاولاً الصعود بصخرة كبيرة إلى قمة جبل…

 أنتجت العمل ووزعته، دار الفرات للنشر، في طبعة ثانية بعد الطبعة الأولى عام 2015، وقالت المؤلفة في الإهداء: إلى فاغنر الشعر العربي الحر، نعيم تلحوق، مع التقدير العميق لتجربته الإنسانية. ويحدد جان ستاروبنسكي، وهو ناقد مشهور: إن الدائرة هي الصورة الأكثر كمالاً بالنسبة للإنسان، لأنه ليس من شكل منجزٍ وتام أكثر منها، وهي أكثر الأشكال ديمومةً، أما علاقة الدائرة في نتاج تلحوق الشعري، فهي تحتل مكاناً أساسياً، بالغ الأهمية، يقسم شعره إلى مجموعتين دائريتين، كل منها تتضمن خمسة دواوين. من خلال مطالعاته الصوفية، عرف تلحوق معنى الدائرة عند ابن عربي، ومعنى النون، والنقطة في قلب الدائرة، وعرف أن للأحرف الشمسية في النقاط، مكاناً كروياً أو دائرياً. ويتطور النص والتحليل المعرفيين معاً لديه إلى أن نصل إلى نعيم تلحوق الأيزتيريكي، وهو الإنسان ككل، وذلك بمعرفة النواحي الخفية واللا منظورة في معناها اللا محدود. ظهر الإيزوتيريك في الشرق الأدنى في علم ثورات الأفكار، وفي اليونان عبر علم الأعداد، والهندسة والفلسفة في بلاد ما بين النهرين، من خلال علم الفلك، وأسرار الفضاء، هذا ما سيعرفه القارئ بكثير من التفصيل في كتاب: نعيم تلحوق، ولعبة الدائرة.
———————————————-

أحمد فارس الشدياق: أديب الأنوار
د. جان نعوم طنوس

في هذا الكتاب أعادنا المؤلف الدكتور جان طنوس، إلى العصور الوسطى في لبنان، بشيء من التفصيل، متناولاً حياة أديب الأنوار أحمد فارس الشدياق، ودوره المميز في القرن التاسع عشر، وهو أستاذ جامعي، وباحث معروف جيداً، بالنسبة إلى مؤلفاته التي بلغت حتى الآن، اثنين وثلاثين، في موضوعات أدبية وقضايا اجتماعية، ونفسية، وروحية، وسياسية، منها على سبيل المثال: أساطير الجسد والتمرد، الجذور الثقافية للإرهاب، الموارنة والمصير المجهول، تفكك الدولة الوطنية، سعيد عقل على سرير التحليل النفسي، في عدم إلغاء الآخر… أما ما ضوَّأ عليه الدكتور طنوس من قضايا، كانت همَّ «الفارياق»، وقد عرضها كما يلي: الاستبداد السياسي، الاستبداد الديني، التخلف الحضاري، مجتمع الكراهية والحقد، الكبت والفجور، امتلاك الحقيقة المطلقة ورفض الاختلاف، التقشف والحقد، الجهل باللغة العربية، التكامل أضداد ثنائية، الذكورة والأنوثة.

 «جاء أحمد فارس الشدياق إلى هذه الدنيا، وناضل على جبهتين: جبهة حرية الفكر، وجبهة الفصاحة والبلاغة. كان هدفه تحرير العقل والعلم فحالفه الفتح المبين في اللغة والأدب والصحافة، فأمسى سادن هيكل الفصحى في القرن التاسع عشر». أما الصحافة العربية فهو الذي جعل لها كرسياً في منتدى الصحافة العالمية فكانت «الطان» و»التيمس» وغيرهما تصدر عن (جوائبه) في القضايا الشرقية، فتنقل آراءه السديدة في معالجة المسائل الشرقية.

 ظل الشدياق مدة نصف قرن معلم العالم العربي ومثقفه، ومن يرجع إلى آثاره يعلم ذلك. جدد الشدياق في الفكر والأسلوب، وكان زعيم حرية الفكر والدين بقدر ما استطاع، لأنه كان لزمانه رقابة صارمة جداً. رحم الله ذلك القلم الجبار.
———————————————-

الخميرة
ش. غالب سليقة

 كتاب في سياق ستة كتب أخرى سبقته للكاتب الأديب غالب سليقة وهي: قصائد مهاجر، تاريخ حاصبيا وما إليها، مآثر وعبر، حصاد من الزمن، قيم ومقامات من التراث والتاريخ، من خوابينا. والكتاب الأخير هذا يحفل بموضوعات مختلفة كثيرة تحمل طابع المرويات تارة، والتاريخ تارة أخرى. شخصيات وعائلات وبلدان سلّط المؤلف الضوء عليها بدراية، ذاكراً أهم منجزاتها، التي لم تعرف من قبل، فكان بذلك باحثاً أدخل الدمج بين الأدب الشعبي والتاريخ من باب الطرائف والأمثال والحِكم التي تمثّل اختبارات الحياة البشرية من بابها العملي الواسع، وما تترك من دروس في النفوس، أفراداً وجماعات، فكأنما المؤلف قد وُهِب القدرة على استعادة وقائع التاريخ بعين فاحصة، ودقائق مضت ينبغي أن يعادُ الاعتبار إليها، لإنصاف أصحابها المستحقين.

عذوبةُ اللّسان

الإنسان لا لحمهُ يُؤكَل ولا جِلدهُ يُلبس فماذا فيه غيرُ طيب النيّةِ وحلاوة اللّسان؟!

صحيح أنَّ عذوبة اللّسان ولطف الكلام ونعومة التّعامل عند الإنسان أطيب وأشهى من العسل، وأنها وذلك يجلب التّقدير والاحترام وحتّى الرّزق وعلوّ الشّأن.

 إذ رُوِيَ أنّ صديقين متجاورين في السكن اتّخذ كلٌّ منهما مهنة يسترزق منها. الأوّل اتّخذ مهنة بيع العسل والاتجار به مُعَلّلاً نفسه بالرّبح الوفير والغنى السّريع ولَرُبّما ظنّ أنّه من خلالها يصبح من رؤوس المجتمع وجاهةً وكرامةً حيث إنّ المال عنده عصبُ الحياة وعلى قدر مال المرء يكون احترامه وتقديره
عند الكثير من الناس. أمّا الرّجل الثاني، وحيث إنّ رأس ماله قليل، لهذا اكتفى بأن يتاجر بالخلّ لرخصه وإمكان شرائه رغم قلّة احتياج الناس إليه، ولربّما أنّ البعض لا يقتنيه.

 سبحان الله، سبحان الله، فقد ثبتَ العكس، إذ ليس نوع البضاعة هو مصير النّجاح وزيادة الأرباح، وهذا ما سنعلمه بعد تصفّح حقيقة أمريهما. فالتاجر الثاني، تاجر الخلّ، كان دؤوباً في عمله، وكان شخصاً محبوباً وتعامله مع الناس فيه لطفٌ وسلاسة، فهو متواضع وقليل المشاكل، ونادر العيوب، لذا ازدهرت تجارته وتشجّع العديد من الزبائن إلى شراء بضاعته حتى وإن كان بعضهم من قبيل التّزاور والمودّة. فازدادت أرباحه وكثُر روّاده

وظهرت معالم الغنى والبحبوحة عليه، كاقتناء المنازل الفاخرة والمزارع الواسعة. غير أنّ التاجر الأوّل، تاجر العسل، وعلى ما للعسل من فوائد صحيّة ورغبة وشهيّة في تناوله صباحاً وعشيّة وليس أيّ طعام يماثله منفعة ورغبة عند العديد من أبناء البشر… لما له من منافع غذائية وصحية. ورغم ذلك فإنّ التاجر المذكور كسَدت بضاعته وقلّ زبائنه وغدا على شفير الهاوية مصيره، فاحتار في أمره، كيف سيكمل مشواره ويحافظ على رأس ماله وكيف سيَفي ديونَه؟؟ ما العمل، وما التّدبير وخصوصاً بعد مقارنة تجارته مع تجارة صديقه وكيف سيتمكّن من ذلك، وشتّان بين هذا وذاك في المقارنة من حيث كَثرة الزبائن، والتفاوت في البيع والأرباح. «إذاَ سأذهب إلى تاجر الخلّ»، قالها تاجر العسل لنفسه، ولأقف على حقيقة أمره ونجاحه وعلوّ شأنه، وطول باعه في حقله ومضمار عمله، وحقّاً أقرّله

تألّقه في عمله، لكن ما هو سرّه وصفاته وميّزاته في ارتقائه سلّم النجاح؟!

 حال وصوله إلى بغيته، بادره بالسؤال بعد السلام عليه: يا صاحبي ويا زميلي، ليس من قبيل الحسد بل من قبيل الاستفسار وحشريّة المعرفة، والله باعث الرّزق للجميع، هَلّا أخبرتني ما سرّ نجاحك في عملك وتجارتك، رغم الفرق الشاسع والكبير بين احتياج الناس لبضاعتك وبضاعتي..؟
ضحك تاجر الخلّ بعدما هزّ برأسه مقدّراً مجيء زميله وتواضعه في سؤاله إيّاه… استوى في مجلسه ثم أجاب: أوّلاً أقول أهلاً وسهلاً بصاحبي القديم والدائم، إن شئت القبول بصحّة قصدي، فيا أخي؛ إنّ رزقنا وأرباحنا وأرواحنا هي مِنّة من الله تعالى. لكن فلنعلم معاً وإن لم يكن من إحراجٍ لك في قول الحقيقة، فيا صاحبي، عليك أن تستمع لي وتتّعظ بما سأرويه وأقوله لك: «حقيقة الحال، أنكم تبيعون العسل، لكنّ كلامكم مع الناس خَلّ

وأكثر حُموضة منه. أمّا نحن يا سيدي فالعكس تماماً، صحيح أنّنا نبيع الخلّ لكنّ كلامَنا مع الناس وعلى مسامعهم وأذواقهم عسلٌ بشهده وطعمه».
وحيث إنني اتّخذت من هذه المأثرة حكمةً للكُتّاب بعد أن سمعتها من رجلٍ عاقلٍ في بلدة الماري وقد لَفَتَني استشهاده بها لكون مضمونها يتناسب مع مسالك بعض التّجار في بلدته.

 أمّا مقصدي من إشهارها فهو لاعتباري أنّ مغزاها يؤشّر لكتابنا الجديد «الخميرة» متمنّياً أن يكون فحواه عسلٌ بِشَهده وطعْمه عند القارئ العزيز، أمّا أسلوبنا فأرجو أن يماثل أسلوب بائع الخلّ لكون عذوبة الكلام كعذوبة اللّسان سواء أكان مكتوباً أم منقولاً…

أخلاقيّات ومأثورات
يروى أن سلمان الفارسي مرّ براعي غنم، فقال له: ماذا معك من العلوم أيها الراعي؟ فأجاب: “معي خمس كلمات، فزدني منك خمساً أكمل بها علومي”.
فقال له، وماذا معك لأزيدنك؟
قال، “يا سيدي:
الأولى، لا استعمل الكذب والصدق موجود.
الثانية، لا استعمل الحرام، والحلال موجود.
الثالثة، لا أذكر عيوب الناس، والعيب فيّ.
الرابعة، لا أعصى الله، وهو يراني.
والخامسة، لا أجحد نعمة، وهو يكفيني.”
فقال له سلمان:
لقد حويت علم الأولين والآخرين،
وليس على الخمس كلمات التي معك من مزيد

أنشطة سماحة شيخ العقل، رئيس المجلس المذهبي

في باب أنشطة ومناسبات لهذا العدد من الضّحى (27)، تغطية للكثير من الأنشطة والاستقبالات والمناسبات والندوات المهمة والمتميزة المنعقدة طوال الشهور الثلاث السابقة، ما ألزم الضّحى نظراً لضيق المساحة المتاحة، الاكتفاء بالعناوين (مع الاحترام الشديد للمعنيين وللجميع ومن دون استثناء)، مع قدر أوسع قليلاً لاستقبالات المبعوثين الأجانب ونشاط اللجان في المجلس المذهبي، والندوات، وبخاصة الندوة المهمة حول «وثيقة حوار الأديان»، التي وقّعت في أبو ظبي بين البابا فرنسيس الأول وفضيلة شيخ الأزهر الامام الأكبر الدكتور أحمد الطيّب، التي انعقدت في قاعة المكتبة الوطنية بعقلين.

يتضمن باب «أنشطة ومناسبات» لهذا العدد استقبالات سماحة شيخ العقل لعدد كبير من المبعوثين الأجانب والسفراء والقناصل، ولعدد من السادة الوزراء والنوّاب والمحافظين، والقضاة، والعلماء، ورؤساء ولممثلي هيئات دينية وخيرية وثقافية واجتماعية وتربوية ومهنية وسواها.

كما يتضمن الملف تغطية لتكريم فضيلة القاضي الشيخ سليمان غانم، بعد تقاعده، وتكريم سعادة المهندس فؤاد أبو حمدان في عمّان، اضافة إلى أنشطة أخرى.

[Best_Wordpress_Gallery id=”13″ gal_title=”استقبالات سماحة الشيخ عدد 27″]

استقبالات سماحة شيخ العقل: هيئات دينية/قضاة
  1. وفد من المجلس الأعلى للطائفة الإنجيلية في لبنان ٨-١-٢٠١٩.
  2. وفد من هيئة علماء المسلمين ١٩-٢-٢٠١٩.
  3. وفد علمائي ضم أئمة ومشايخ ورابطة «دعاة بلاد الشام» 29-2-2019.
  4. وفد من قضاة المذهب الدرزي 29-2-2019
  5. وفد من جمعية الإرشاد والإصلاح برئاسة المهندس جمال محيو 12-3-2019
استقبالات سماحة شيخ العقل: هيئات سياسة ومدنية
  1. عضو كتلة «الجمهورية القوية» النائب انيس نصّار تاريخ 29-1-2019.
  2. النائب وائل أبو فاعور 29-1-2019.
  3. وفد من نقابة محامي طرابلس برئاسة النقيب محمد مراد 29-1-2019.
  4. مدير عام المعهد الوطني للإدارة الدكتور جمال الزعيم المنجد 5-2-2019.
  5. عضوي اللقاء الديمقراطي النائبين هادي أبو الحسن وفيصل الصايغ 7-2-2019.
  6. وفد من آل عقل من عاليّه 7-2-2019.
  7. رئيس وأعضاء من لجنة وقف أهالي بيروت 19-2-2019.
  8. رئيس تحرير مجلة الدكتور محمد شيّا 21-2-2019.
  9. رئيس البيت الدرزي في البرازيل الاستاذ هيثم المصري 22-2-2019.
  10. الاستاذ يقظان التقي 22-2-2019.
  11. رجل الأعمال الشيخ وجدي أبو حمزة 26-2-2019.
  12. أمين السر العام في الحزب التقدمي الاشتراكي الأستاذ ظافر ناصر 28-2-2019.
  13. وفد من رجال الاعمال ضم، كلا من أنور أبو الحسن، وسميح ضو، ورافع أبو الحسن 29-2-2019.
  14. وزير شؤون المهجرين غسان عطالله، ومدير عام الوزارة احمد محمود 5-3-2019.
  15. محافظ جبل لبنان القاضي محمد مكّاوي 12-3-2019.
  16. النائب بكر الحجيري، يرافقه رئيس الحركة اليسارية اللبنانية منير بركات 19-3-2019.
  17. عضو المجلس المذهبي الدكتور رامي عز الدين على رأس وفد 21-3-2019.
  18. وفد من آل زيدان من بلدة رويسة البلوط 21-3-2019.
  19. معتمد مشيخة العقل في الولايات المتحدة الأميركية السيد شوكت نصر الله 28-3-2019.
  20. الفنان الدكتور عمران القياسي بحضور عضو المجلس المذهبي الأستاذة دنيا الشعار 28-3-2019.

رواية “واو الدهشة”

من المرات القليلة، يكتب عملاً روائياً فنياً كاتبان، رجل وامرأة، ويأتي عملهما إبداعياً ناجحاً كما في رواية (واو الدهشة). فكيف التقى صحافيان، جهينة العوام ابنة البيئة السورية – اللبنانية، ومحمود عبد الغني، المصري، وتوافقا على كتابة هذا العمل مُجْتَمِعَيْن؟

 فيما المعروف أنّ لكل إنسانٍ أسلوبه الخاص به، وفقاً لجبلَّته أو تكوينه النفسي والعقلي، كما يقول علماء النفس والاجتماع، وهو أمر عَجَبٌ، يُحسبُ للكاتبين، ولو كان التطابق في ضوء الواقع المعيش أمراً مستحيلاً، أو شبه مستحيل. أو لم يُقَلْ قديماً، (الرجلُ، الأسلوب). أمَّا في ما يتعدّى الشكل إلى المضمون، فإن (سلمى سعيد) (جهينه العوّام) التي تجري الروايةُ على لسانها، قد اعتمدتْ منهج السيرة الحياتية، كي توضح التكوينات الجزئية لمجتمع القرى الحدودية، ممتهنةً المخاطر، فهي تغامر بكل ما أُوتِيَتْ كي تسجلَ هدفاً في مرمى الأدب الحديث، لتفوز بنعمة الرواية الحقيقية… هي شاعرة تكتب نصاً يطرح مسائل أرضية في فضاءٍ إنسانيّ رحب، بإحساسٍ تغلب عليه (كما علَّق على الرواية، الشاعر نعيم تلحوق) متعةُ المبارزة، وأكثر ما يشُدُّ الانتباه، ويأسر الإحساس تَعرُّف (سلمى سعيد) على جبران خليل جبران (دير العواصف) أسامة العارف (المعجب بجبران أشد الإعجاب والمقلد له)، في سياق جولاتها الصحافية على القرى الحدودية العالقة بين التهميش، والتهريب، وضبابية النسب، وتلازمه معجبةً بمبادئه ومجمل فلسفاته الحياتية، ومنحوتاته الفنية ولوحاته التشكيلية. هذا هو عنوان البحث الذي كانت تنوي كتابته في مراحل كتابتها للسيرة الحياتية للفلاحين السوريين واللبنانيين تحت الاحتلال، الذين هاجر أغلبهم وتقسمت بلادهم، ووجدوا أنفسهم عالقين بين ثلاث دول؛

سورية، لبنان، وفلسطين.

 في (واو الدهشة) الكثير من الوقائع التي تدهشنا، وتأخذنا إلى الإعجاب بالنص الذي صوَّرَ بواقعيةٍ صادقةٍ ما حصل إبان الثورة السورية الكبرى عام 1925، وهو ما تحتاجه الرواية الحقيقية، إنها رواية جديرة بأن تُقرأ وتعمَّم، كونها تدلنا على نوازع فينا لم تصهر بعد، مضافاً إليها البعد الجبراني، المؤسس لفكرة خلود المعنى، النمط الجديد الذي تسعى إليه رواية العصر.

 وهنا مقاطع من «الرواية» تعميمهاً لجمالية النص وتاريخية الحدث بتفاصيله الممتعة:

 (سبحان الخلاق العظيم).
ينظر أبو سليم إلى جبل حرمون، يلف الشال الصوفي الذي حاكته له فخرية زوجته، لفة ثانية على رقبته. قريباً سيذهب القطيع إلى المشتى في أواخر تشرين الثاني وسيرتاح إلى جانب ولديه وزوجته ومدفأة الحطب. حمل عصاه وبدأ يهش قطيعه (هرررر
هرررر) بعد أن تفاجأ بعدد من الجنود الفرنسيين
على أحصنتهم يقتربون منه بسرعة، تنحَّى جانباً، ◀ ▶ وتجاوزوه تاركين سحابة من الغبار، أدخلت شيئاً ما في عينه، فدمعت بشدة، وصارت تحرقه، حتى مسحها بطرف الشال الملفوف على رقبته. مشى خطوتين… سمع صوت طلقتين قريبتين. أو ربما ثلاث، صراخ سيدة، وأربعة جنود يشتمونه، ويصرخون بلغة غريبة، ويصوبون بنادقهم إلى رأسه، حتى خرَّ راكعاً، ورافعاً كلتي يديه إلى الأعلى، بينما عنزاته تركته وقفزت هاربة غير آسفة على شيء.

Dhoha

صعد المنادي في دير (العواصف) (دير العشائر) أعلى السطح، ونادى بأعلى صوته… يا سامعين الصوت… زغار وكبار، الحاضر يعلم الغائب، بلاغ من قيادة الحامية الفرنسية بالقلعة، الاجتماع بالساحة حالاً، وهلي بيتأخر ما بلوم إلا نفسه.

 لم يكن هذا تبليغاً عادياً للأهالي، لضرورة التطعيم ضد الجدري، أو الهوى الأصفر، أو الفزعة لنشل الربد، ولا لضرورة إجراء العداد لمواشيهم. هذا النوع من البلاغات العاجلة، والمتضمنة تهديداً يثير الرعب والخوف، فيهمس الكل بينهم وبين أنفسهم (الله يستر) تحلق الأهالي في ساحة القرية حول (أبو سليم) الذي كان بدوره يبادلهم نظرات الاستغراب والخوف. لم تُجب السياط الثمانين التي جلدت ظهره، وأكلت بعض لحمه عن الجرم الذي ارتكبه، ولا عن مصير قطيعه، إلى أن تقدم الكابتن (سيمون) من (أبو سليم) وبصق في وجهه، ثم صفعه أمام أقاربه وولديه سليم وهديه، زوجته فخرية، جيرانه، أمه وأبيه.

 الكل شهد عقاب (أبو سليم) واستمع للكابتن (سيمون) وهو يوضح جرماً مباغتاً اقترفته عنزة هوجاء، انتهزت انشغال (أبو سليم) بتأمين الطريق للجنود الخيالة الفرنسيين، وقفزت إلى أعلى سور بيت قريب تبيَّن أنه استأجره أحد الضباط الفرنسيين، وقضمت أحواض زهور غالية على قلب زوجة الضابط، قسوة المشهد على السيدة الأنيقة، جعلها تصرخ باكية حتى كاد يغمى عليها، فانتقم لها زوجها الذي قفز عن حصانه على جناح السرعة، وأردى العنزة جازماً، أنها مؤامرة عن سابق إصرار وترصد للنيل من هيبة الدولة الفرنسية.

 حدد الكابتن (سيمون) تهديده ووعيده لكل الحاضرين وأنه لن

يتساهل بإنزال أقصى العقوبات في كل من يقدم على أي فعل مهما كان صغيراً. ثم رحل مع جنوده بعد أن صادروا عنزات (أبو سليم) وتركوه على الأرض مضرجاً بدمه وقهره، وبصقة الكابتن.

 أبو سليم لم يغادر الساحة تلك الليلة، ولم يفتح فمه، توقفت حواسُهُ وروحُه، ولم تنفع دموع أمه، وتوسلات زوجته وولديه للعودة إلى بيته، وَحْدَهُ والدُهُ هوَّن عليه الأمر، تركه ومثلُهُ فعلت (دير العواصف).

 كان الكابتن (سيمون) يقوم بدوريته الصباحية المعتادة في منطقة (كرم أبو جسر) ترافقه زمرة من
الفرسان السنغاليين وأحد مسؤولي الجندرما والضابط (توفيق). انزوى الكابتن خلف صخرة لقضاء حاجته، فقضى ميتاً بطلقةٍ واحدة، مكفناً ببوله.

 أبو سليم الذي كان حتى الأمس فلاحاً وراعياً، لا علامة فارقة تميزه عن المئات، إلا ما تناقلُه الرعاة عن تسديداته التي أردت العديد من الوحوش، كان آخرها الكابتن (سيمون). البارودة الألمانية الصنع، كانت مخبأة في (كوارة القمح) إلى جانب عظمة من عظام (الشيخ صالح) الذي ببركته وسره عند خالقه، أعمى عيون حملات التفتيش والمداهمات عنها، وبرصاصة واحدة منحت (أبو سليم) اسماً جديداً (سعد القناص). أُعلنت حالة الاستنفار العام، ووضعت الحامية الفرنسية بحالة تأهب قصوى بعد وصول أنباء اختفاء الكابتن سيمون وتعرّضه لإطلاق نار.

 أرسلت فرقة استطلاع إلى (كرم أبو جسر) ولكنها لم تعثر على

جثّة الكابتن الفرنسي المقتول. مضى يومان حتى تمكن الجنود من إيجاد جثته، وقد سرقت ثيابه وأوراقه، وساعته، وخاتمه، التي طالبت بهما زوجته التي حضرت إلى قلعة راشيا، وتسلمت جثة زوجها ملفوفاً بالعلم الفرنسي. وقفت تنظر من القلعة إلى (دير العواصف). أمرت الجنود أن تحرق بيوت هذه القرية كلها ويقتل كل ذكر فيها، طفلاً، شيخاً، شاباً، وأن تكون عبرة لكل القرى المجاورة. قالت إنها لن ترحل ولن تدفن زوجها، حتى تسترجع ساعته وخاتمه، وتمَّحي (دير العواصف) من الوجود.

 بمساعدة الوجهاء تمَّ العثور على الجثّة، ولكن لغز اختفاء الساعة وخاتم الزواج والثياب لم يستطع أحد تفسيره. فالوجهاء أصرّوا على أن هذا الفعل ينافي أخلاقهم وأعرافهم. هم لا ينكرون قتل الضابط، حيث إنه عدو محتل، أهانهم وأهان كرامتهم، أما السرقة فهي بالتأكيد من عمل رجل غريب عنهم وعن قريتهم.

 وعد قائد حامية القلعة زوجة (سيمون) بتنفيذ انتقامها قريباً، ولكن في الوقت الراهن ثمة أمر أكثر إلحاحاً. فقبل شهور قليلة انضمّ العديد من رجال قرى راشيا وحاصبيا وأغلب القرى المحيطة بهما إلى الثورة السورية الكبرى التي أعلن القائد العام سلطان الأطرش انطلاقها في 21 تموز 1925 ووضعوا أنفسهم تحت قيادته.

 ثوار الجبل تجمعوا في المقرن الشرقي ثم ساروا باتجاه الغرب حتى مرجعيون وحاصبيا، فانسحب الجنود الفرنسيون إلى الحامية في (قلعة راشيا) بعد معارك عدة اشتبك فيها المجاهدون مع الجنود. انضمَّ (سعد القناص) إلى المجاهدين الذين دخلوا البلدة،  وانقسموا إلى أربع فرق مقاتلة، أخذت كل واحدة منها مركزها المناسب حول القلعة، وبدأت تُعِدُّ العدة للهجوم.

 في اليوم الثاني تحصَّن بعضها في كروم (المنشار) الواقعة إلى الجنوب الغربي من القلعة، حيث كانوا يشاهدون جنود الحامية متأهبين للقتال وراء تحصينات برج القلعة الواقع في هذه الجهة، وخلف أكياس الرمل المقامة في نوافذ القلعة، وشرفاتها المختلفة، مجهزة بالبنادق والرشاشات. كان

لجنود الفرنسيون قد استبقوا المعركة بأيام فنسفوا بيوت الأهالي الملاصقة للقلعة بالديناميت، وأحاطوها بالأسلاك الشائكة، بحيث غدت القلعة أعظم منعة وتحصيناً، وأشدها سيطرة وتحكماً على ما حولها من بيوت وأراضٍ. قرر المجاهدون اتباع خطة تقضي بحفر نفقٍ عبر جدران البيوت التي يفصلها عن برج القلعة حاجز الأسلاك الشائكة، وإحداث فتحات في جدران الغرف الخارجية المقابلة لسور القلعة، لتكون متاريس للمجاهدين، يشغلون به العدو ويمنعونه من التسديد. أما عناصر الاقتحام فسيتولون قطع الأسلاك وتسلق جدار السور المفصول عن سقف الطابق العلوي القرميدي بممر لا يزيد عرضُهُ عن مترين.

 في ليل اليوم السابق لاقتحام القلعة، نفّذ المجاهدون عملية الخرق بواسطة بنائين ماهرين، وانقسم الثوار إلى قسمين، فريق خرج لقطع الأسلاك الشائكة، وفريقٌ تسلق جدار البرج على سلمين خشبيين. باشر الفريق الأول مهمته تحت وابل من الرصاص

Dhoha

لقنابل اليدوية، فسقط العديد من الشهداء. وبعد أن اقتلعوا الأسلاك الشائكة، اندفعوا يتسابقون للصعود إليها الواحد تلو الآخر، وأعُلنت بداية معركة راشيا في فجر ذلك اليوم من 20 تشرين الثاني 1925.

 في اليوم الأول لمحاولة الثوار اقتحام القلعة استطاع (سعد القناص) وبرصاصةٍ واحدةٍ قنص رئيس حامية القلعة (غرونجيه).

 بعد محاولات عدة فاشلة من المجاهدين لحرق باب القلعة تمكن الشيخ (قاسم) من تحطيم باب القلعة بخمس ضربات من فأسه، وإيمان سبعة أجيال من «روحه». أخلى الجنود الفرنسيون ساحة المعركة، وتراجعوا إلى الخطوط الخلفية، فلم يبقَ من جند الحامية سوى من كان مختبئاً في الأقبية، في حين تزاحمت جثث الرجال والخيول التي حصدها الجنود بأنفسهم إثر تسلل الثوار إلى مرابطها كي لا تكون من غنائمهم. حاصر المجاهدون الحامية

فرنسية داخل القلعة بعد تدمير خط دفاعها الأول، وبات وضع الحامية يزداد سوءاً تحت حصار الثوار ورماياتهم وقطع طرق الإمداد.

 حاول الجنود طلب النجدة عبر الحمام الزاجل، فربطوا رسائل النجدة والاستغاثة بأرجل حمامات أطلقوها بينما الثوار يقنصونها الواحدة تلو الأخرى، تضاعف يأس الجنود، وإيمان المجاهدين. لكنَّ حمامة وحيدة نجت من القنص وأوصلت رسالة النجدة إلى القيادة الفرنسية التي أرسلت على الفور طائرة
حربية رمت بمناشير تطلب فيها من الحامية الصمود
ومواصلة القتال ريثما تصل المؤازرة. المناشير الورقية
تساقطت فوق بيوت راشيا، ولكن بعيداً عن
القلعة، فقد سبق للمجاهدين أن أسقطوا ببنادقهم أربع طائرات للفرنسيين مما أرغم الطائرة على الحذر، وخصوصاً أن القلعة في منطقة عالية، وإمكانية إسقاطها كبيرة.

 مرّ اليوم الثاني من القتال الحامي، والثوار يستبسلون في الهجوم. أدركوا ظهر يوم 22 تشرين الثاني قرب استسلام الحامية وتحرير القلعة فقد كان الجنود الفرنسيون محاضرين تماماً وهم على وشك الاستسلام، وتضاعف يأسهم من وصول المآزرة إليهم.

 لكن للأقدار لحظاتها، فحين التقطت (مريم) إحدى المناشير التي رمتها الطائرة وقرأته، ذهبت مسرعة إلى القلعة حتى بلغت السور من الناحية الشمالية الغربية لتسلم الرسالة لحاميتها ووقفت في زاوية صعبة لا تستطيع بنادق المجاهدين قنصها، وبدأت تصرخ من الأسفل وهي تلوح بيدها لهم: رسالة.. رسالة! رمى لها الجنود الفرنسيون المحاصرون في الأعلى بحبال، وسلة كبيرة، قفزت داخلها، وسحبوها إليهم وهم يؤمِّنون تغطية نارية لها.

 قالت لي (فخرية) إنها لم تنس هذا المشهد حتى بعد مماتها، فقد كان قلبها يخفق بشدة، والشلل يتسلل إلى جسمها كلما ارتفعت تلك السلة للأعلى. أما أنا فقد بدا لي مشهداً من فيلم سينمائي من إخراج (كورساوا). السلة للأعلى وعشرات البنادق تحاول إسقاطها، وعيون المجاهدين المتمترسين حول القلعة، الأهالي والذين يرصدون خلف النوافذ، وعلى السطوح وقد تجمهروا، تقابلها عيون جنود الحامية، جُثث القتلى والشهداء والخيل، ريش، ورسائل ملفوفة ما زالت مربوطة بأرجل الحمام، صمْتٌ، ثم مطر يتساقط، جبل حرمون يخفي رأسه تحت غيمة سوداء كثيفة، يحاول ألا يكون شاهداً على مهزلة كهذه، (وسعد القناص) يطلق النار، السلة ترتفع وترتفع، و(ماري) تُلَوِّح للجنود فرحة لا تأبه للدماء التي تسيل من ذراعها، تمد يدها، توصل الرسالة ليد الضابط و(سعد القناص) ما زال يتابع المشهد مستعيداً ساحة دير

واصف، والجلدات، وبصقة الكابتن التي اختلطت يومها بالمطر وهي تسيل على وجهه. كان نص الرسالة: «من الجنرال غاملان إلى قائد قلعة راشيا: ستصل النجدات إلى راشيا في الوقت المحدد لها كي تطيح المتمردين نهنئكم على دفاعكم المجيد».

 وصلت الرسالة، ومريم التي أصيبت في يدها،
قُلدت فيما بعد وساماً فرنسياً، داوى جرحها، وفتح جراح قرى بكاملها.

 في 24 تشرين الثاني 1925 تمكنت قوة الدعم من دخول راشيا، وترأس الكولونيل (كلينمان غرانكور، نجدة كبيرة صعد بها إلى وادي التيم الجنوبي عن طريق النبطية مرجعيون ثم واصل زحفه نحو الشمال
ليُحكم الطوق على راشيا. كانت إشارات الدعم تلمع في السماء، وقوات المساندة في طريقها إلى القلعة لنجدة الحامية الفرنسية، مما أدى إلى انسحاب الثوار.

 بعبارات صريحة وجرعات زائدة من الحقد، وإشارات لا تقبل التأويل، هبَّ جنود الحامية بعد وصول المؤازرة للانتقام من المجاهدين من جهة، ولمقتل الكابتن سيمون، وتنفيذ، رغبة زوجته بحرق دير العواصف، وإبادة كل سكانها، خصوصاً الذكور من جهة ثانية، لبى الجنود النداء متخندقين ببزة الحرية. ألقوا القبض على الكثير من الشبان والرجال اقتادوهم إلى القلعة،
زجوهم في سجونها التي امتلأت، فصاروا يطلقون النار على المعتقلين، ويرمون الجثث في بئر قديمة داخل القلعة ردمها الفرنسيون بعد ذلك بسنوات قبل خروجهم من لبنان.

 الهاربون من (دير العواصف) ركضوا حفاةً عراة، حملوا ما استطاعوا حمله، الطائرات فوقهم والمدافع صوبهم وبنادق الجنود تصطادهم كالعصافير. النساء والشيوخ والأطفال، تركوا خلفهم بيوتاً تحترق وقلوباً تحترق، مواشيهم وأرزاقهم وطيورهم كانت

جعر وتصرخ بينما النار تصهر كل شيء. قفزوا فوق جثث أحيائهم، تعددت خيارات موتِهِم، عمق جراحهم وأنواع حروقهم. ظلّت عيونهم مفتوحة ترصد الفاجعة، تركوا امرأة تلد طفلها الأول، طلقات الولادة اشتبكت مع طلقات البواريد، حملت المرأة وليدها وحبل السرة ما زال متدلياً يصل بينهما، وزحفت بعيداً عن كرة نارٍ قذفها جندي سنغالي قرب فراشها، أجهز على ابنها.

 أبو (محمود الطحان) قتل أمام بيته وهو يقول (مثل ما الله بريد) مهيبة حملت رضيعها على صدرها وثياباً دافئة على عجل صرّتها بيدها الثانية، ظلت تركض مع الفارين. لم تلتفت إلى الوراء، ولا انتبهت أنها حافية القدمين، حتى وصلت إلى مغارة (سعد القناص)، قد أرشد أهل بلدته إليها، هو الذي خبر المراعي بين سوريا ولبنان شبراً شبراً وكانت النار لا تزال تشتعل ورائحة الدخان تتصاعد من القرية، وداخل المغارة غطت النساء الأطفال بما تيسر بينما وقف الرجال يتأملون منظر النار من بعيد. مهيبة انزوت بالقرب من النساء، التقطت أنفاسها على عجل، ضمت وليدها إلى صدرها، وأسندت ظهرها على حجر داخل المغارة، سحبت غطاء رأسها لتغطي ثديها وترضع وليدها وكشفت عن وجهه، وكمن قرصها ثعبان، فتحت البقجة وهي تصيح: يوسف… يوسف… رميت يوسف… يوسف ضارررع.
لا حول ولا قوة إلا بالله، جنّت المرا وكانت تحمل ابنها وبقجة ثيابه طول الطريق، ونحن هربانين، وبعدين تعبت، وتخلصت من البقجة لتخفف حملها، وهلق اكتشفت أنها رمت ابنها بدل البقجة.

 (سعد القناص) في الخارج كان يرقب النار وهي تأكل دير العواصف، يشير بسبابته: هذا بيت أبو حسن الذي يحترق، وهذا بيت ديب الأخرس الذي بدأ يشتعل… ثم أطلق وبحرقة، وهذا بيتي الذي يحترق الآن. نزل من المغارة بأعلى الجبل، وعاد إلى (دير العواصف)، مقتفياً أثر الهاربين علَّه يهتدي إلى الطفل. على الطريق كانت دماء القتلى لا تزال طازجة، ورائحة الدخان تحملها الريح مغمسة برائحة الأجساد المشوية، فتفتك بما تبقى من عقل. ثمة من

يجرؤ على التفرج، وبيع النصائح لجرحك في مهرجانات اليباب، كفّه التي أردتك تبقى شاهدة ويبقى لجثتك المستمرة في محاولة الحياة ظلاً دافئاً يحفر جلد التراب المحترق في صمته، فتتخلى الشعارات عن تجلياتها غير آبهةٍ بالانزلاق إلى خانة الإذلال.

 من بعيد، الناجون من (دير العواصف) في المغارة كانوا يتأملون قريتهم، ويبكون بيوتهم التي تحترق. زعموا أنهم شاهدوا الدخان الأبيض يغطي السماء ويرسم خيّالاً ظل فوق بيت الشيخ (أبو محمود) كلما حاول الجنود الفرنسيون حرق منزله. كان يظهر الخيال فتنطفئ النار، أكثر من ثلاث مرات ظهر الخيال وأنقذ البيت من الحريق، كما أنقذ (سعد القناص) يوسف ابن (مهيبة) أو (يوسف الضائع) كما لقبته (دير العواصف) في ما بعد، العناية الإلهية تكفلت بكتابة يوم ميلاد جديد، ليوسف ودين برقبة والدته لـ (سعد القناص) لن تنساه حتى الموت.

Dhoha

المرحوم المؤرّخ د. عباس أبو صالح

كتاب «دور الدروز في المنطقة: 1842 – 1958» للمؤرّخ الرّاحل الدكتور عباس أبو صالح (1943 – 2011)، صادر عن دار نيلسن في بيروت عام 2017 باللغة الانكليزية بعنوان: The Role of The Druze in the Region (1958 – 1842) هو موضوع هذه المراجعة. يناقش المؤلّف في كتابه ويدرس دور طائفة الموحّدين الدّروز في المنطقة خلال مئة سنة تقريباً، ابتداءً من العام 1842، غداة الحرب الأهليّة الطائفيّة الأولى الكبرى التي اشتعلت في جبل لبنان بين الدروز والموارنة، وصولاً إلى العام 1958 يوم اندلعت الثورة الشعبيّة في وجه كميل شمعون – رئيس الجمهورية اللبنانية آنذاك في غير منطقة لبنانية، ولا سيّما في مناطق الجبل، بسبب سياسته الداخلية والخارجية.

يُقْسَم الكتاب إلى أربعة أقسام، إضافة إلى مقدَّمة وخاتَمة وعدد من الوثائق الأجنبة التي كانت بعض ما استند إليه البحث، وذلك على الشّكل التالي:

القسم الأوّل: الدّروز في لبنان،

القسم الثاني: الدّروز خلال الحرب العالميّة الأولى وبعدها،

القسم الثالث: الدّروز وأبطال الاستقلال اللبناني،

القسم الرابع: (كمال جنبلاط) أمير الدّروز غير المُتَوَّج والأزمة السياسية في خمسينيّات القرن العشرين.

قبل الدّخول في استعراض مُفَصّل لهذا الكتاب القيّم وفقاً للتقسيم الذي أراده المؤلف، ومن خلال قراءتنا الكاملة له، لا بدّ من التوقّف هنيهةً أمام الإتقان والدقّة والاتّزان الذي يتحلّى به الكاتب، فتراه يروي كلّ أحداث تلك المرحلة بطريقة موضوعية تخلو من أيّة مُجانبة أو ممالأة أو مُحاباة سواء لهذا الطرف أو ذاك، حتى ولو كان أبناء جِلدته هم أحد طرفيّ كل حدث أرّخ له الكتاب، فلم تأخذه غفلةٌ أو نشوةٌ أو ألم، بل حافظ على اتّزانه وموضوعيّته، وكان ينظر إلى سائر الأحداث والوقائع نِظْرة العالِم المحايد والمؤرّخ المدقّق والأكاديمي العريق، فما انحاز إلاّ للحقيقة ولو كانت ضد أهله وأبناء قومه، وما انتصر لسواها على الإطلاق.

لكنّ الملاحظة البارزة التي يخرج بها القارئ، وتراها ترافق سائر الأحداث التي شهدتها هذه المنطقة، أنّ الموحدين الدّروز كانوا باستمرار يحافظون على هُوِّيِّتهم الدينيّة ويؤكّدون على إخلاصهم لأُصولهم العربيّة.

الموحدون الدروز، على الرّغم من عددهم القليل نسبيّاً، قد لعبوا دوراً هامّاً في تاريخ المنطقة، إذ كانت مهمّتهم العسكرية التي كُلِّفوا بها حماية الواجهة البحريّة الغربية للدولة العربية – الإسلامية.

الدّروز في لبنان

في عرضه لتاريخ الدّروز في لبنان، في القسم الأوّل من الكتاب، يعود بهم الدكتور أبو صالح إلى أصولهم العرقيّة العربيّة وبداية هجرتهم من جنوب الجزيرة العربية إلى الحيرة في العراق شمالاً، ثم إلى المعرّة في شمالي سوريا في القرن الثامن، وليستقروا أخيراً في منتصف القرن الحادي عشر في جنوبي جبل لبنان ووادي التّيم، وليتمدّدوا مع مرور الزمن الى حوران والجَولان في جنوب سوريا والجليل الأعلى في شمال فلسطين.

والموحدون الدروز، على الرّغم من عددهم القليل نسبيّاً، قد لعبوا دوراً هامّاً في تاريخ المنطقة، إذ كانت مهمّتهم العسكرية التي كُلِّفوا بها، وهي حماية الواجهة البحريّة الغربية للدولة العربية – الإسلامية. فاستمرّ التنّوخيّون الدروز، على حد تعبير أبو صالح، لمئتي سنة في الخطوط الأمامية بمواجهة الحملات الصليبيّة. وكانت عائلة بُحْتُر التّنوخيّة تحتفظ بمركز القيادة بين العائلات الدرزية الأخرى، وتحافظ على علاقات متينة مع مختلف الحكّام المسلمين في الشرق الإسلامي وذلك بسبب دورها العسكري البارز وبسبب ولائها السياسي للسّلالات الإسلامية الحاكمة لأكثر من أربعمئة سنة لحين انتهاء عهد المماليك في بداية القرن السادس عشر. وهكذا استمرّت الإمارة التَّنوخيّة – الدّرزية ما بين العامين (1147-1516) وامتدّ نفوذها من طرابلس شمالاً إلى صفد جنوباً. ومع انتقال المنطقة إلى الحكم العثماني، استمرّ الدروز في حكمهم للبنان ضمن الإمارة المعنيّة الدرزية (1517-1697) التي شهدت ذروة قوتها مع الأمير فخرالدين المعني الثاني، الذي وحّد اللبنانيين من مختلف الطوائف وسهّل قدوم الكثير من المسيحييّن من شمال لبنان والتوطن داخل الإمارة الدرزيّة، ويُعْتَبر المؤسّس الحقيقي لفكرة الدولة اللبنانيّة المستقلّة.

وهكذا، يستنتج الدكتور أبو صالح، أنّ هجرة الدروز الأوائل إلى لبنان في القرون الوسطى قد حصلت بطريقة طوعية ولأسباب سياسيّة واستراتيجيّة عسكريّة قررتها الدولة العربية – الإسلامية آنذاك. كما يفترض أبو صالح أنّ إخلاص الدروز السياسي للدولة العربية الإسلامية في مختلف مراحلها بالتوازي مع كفاءتهم العسكرية وتضحياتهم خلال تلك الحقبة من الزمن قد منحتهم نوعاً من المناعة تجاه تعرّضهم للاضطهاد وتهجيرهم إلى أماكن أُخرى في الشرق. إلّا أنّ الهجرة الدرزية سيُقَدّر لها أن تحدث لاحقاً خلال القرن الثامن عشر جزئياً إلى حوران بسبب خلافاتهم السياسية الداخلية في ما بينهم (بين القيسيين واليمنيين) إبّان حكم الشهابيين، الذين اختارهم الدروز أنفسهم بعد وفاة الأمير أحمد المعني دون وريث، كونهم أنسباء للمعنيين. وبانتقال الحكم إلى الأسرة الشهابية السنّية التي كانت تقطن حاصبيّا، وبالأخص في عهد الأمير بشير الشهابي الثاني (1788-1840) الذي اعتنق الدين المسيحي، والذي عمل على إضعاف الدروز، فعرفت البلاد صعوداً بارزاً للكنيسة المارونية مقابل تراجع مُتَعمّد في دور الدروز سيبلغ ذروته بأحداث العام 1860 رغم رجحان كفّتهم العسكرية في تلك الأحداث.

ساهم تدخل الدول الأوروبية في شؤون لبنان والدولة العثمانية عموماً في تغيير موازين القوى بين اللبنانيين. فعلى أثر وصول القوّات الفرنسيّة إلى بيروت لنُصرة المسيحييّن وتأديب الدروز، وبازدياد الضغوط التي مارستها السلطات العثمانية عليهم، سيشهد جبل لبنان هجرة عدد لا يستهان به من الدروز وعائلاتهم الى حوران لينضمّوا إلى الذين سبقوهم في الهجرة إلى هناك بعد معركة عين داره بين القيسييّن واليمنييّن سنة 1711. وهكذا وبعد تأسيس حكم المُتَصرِّفية لحكم لبنان على أنقاض نظام القائم مقاميتين الذي كان معمولاً به، وكان على رأس المتصرّفية مُتَصرّف مسيحي، خسر معها الدروز موقعهم التقليدي المُسيطر في جبل لبنان لمصلحة الموارنة.

قابل تراجع سلطة الدروز في جبل لبنان، وهجرة الكثيرين منهم إلى حوران، توثيق علاقاتهم بدروز حوران الذين كانوا يسلّمون قيادتهم لآل  الأطرش، الذين سبق وشاركوا دروز جبل لبنان ووادي التّيم في حوادث الستينيّات تلك. لكنّ الفرنسيين والعثمانيين قرّروا إخضاع الدروز في جبل حوران وفرض الضرائب والتّجنيد الإجباري عليهم، لا سيّما وإنّ هذا الجبل أصبح موئلاً للدروز الهاربين من ظلم العثمانيين أو الذين فقدوا سلطتهم في جبل لبنان. وهكذا اشتدّ عَضُدُهم هناك، ولا سيّما بقيادة شبلي الأطرش وخاضوا عدة  مواجهات عسكريّة مع العثمانيين لمنعهم من السّيطرة على جبل الدروز أواخر القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين. أدّت تلك المواجهات إلى فقدان الثقة بين العثمانيين والدروز، والتي ستظهر أكثر في الانحياز الكامل للدروز إلى الثورة العربية ضد الأتراك خلال الحرب العالميّة الأولى.

الدروز خلال الحرب العالمية الأولى وما بعدها

يَعْتَبر الدكتور أبو صالح أنّ اندلاع الحرب العالميّة الأولى شكّل نقطة فاصلة في تاريخ سوريا عموماً والمجتمع الدرزي فيها خاصةً. وفي الوقت الذي كان فيه دروز جبل لبنان يعانون المجاعة، كان دروز جبل حوران ينخرطون في الصراع الدائر بين العثمانييّن ودول المحور من جهة ودول الحلفاء من جهة ثانية. وفي حين كان الطرفان بحاجة لقمح حوران، قام الأتراك، ورغبة منهم بإظهار حسن النيّة تجاه الدروز بإعفائهم من التجنيد الإجباري ومن الضرائب. لكنّ الدروز لم ينسَوْا قُسْوة العثمانيين عليهم، فرَأَوْا في الشريف حسين مُخَلّصاً، بينما فضّل فريق آخر منهم الإبقاء على علاقة طيّبة معهم؛ فقاد سلطان باشا االأطرش الفريق الأوّل وسليم لأطرش الفريق الثاني. أمّا المُثَقّفون من دروز لبنان، فقد انغمسوا في السياسة بصورة فعّالة، وانضمّ بعضٌ منهم إلى حركة إصلاح الامبراطورية العثمانيّة أو إلى الحركة القوميّة العربية مثل الأميرين شكيب وعادل أرسلان وعارف بك النكدي. في حين كان فؤاد سليم أوّل ضابط درزي ينضمُّ إلى الثورة العربية، وكذلك سلطان الأطرش الذي قاد ثلاثمئة مقاتل درزي إلى ساحة المعركة لقتال الأتراك في معركة بصرى – الشام، حيث تمكّن من هزيمتهم وتقدم الى دمشق قبل وصول قوات الشريف حسين اليها. كذلك يوسف الحكيم

وزير الشهير في حكومة الأمير فيصل العربية، والذي ذكر في مذكراته أنّ دروز حوران كانوا الأكثر اندفاعاً وحماسة لوحدة سوريا تحت حكم الأمير فيصل وقاتلوا الأتراك في العديد من الأماكن. وهذا الأمر انسحب على دروز حاصبيّا وراشيّا الذين أعلنوا تأييدهم لحكومة فيصل العربية. وكذلك الأمر فقد أعلن دروز جبل لبنان، بفريقيهم الجنبلاطي واليزبكي تأييدهم لفيصل، وكان الأمير عادل أرسلان أكثر المقرّبين منه. لكن مع نهاية الحرب العالمية الأولى خابت آمال القومييّن العرب بتأسيس دولة عربية مستقلة من خلال البدء بتطبيق اتفاق سايكس – بيكو السِّرِّي الإنكليزي – الفرنسي. ووفقاً لهذا الاتّفاق، شنّ الفرنسيّون هجوماً ناجحاً على جيش فيصل العربي وهزموه في معركة ميسلون الشهيرة وأنهَوْا بذلك الحكم العربي في دمشق. أمام هذا الوضع اجتمع دروز الجبل المؤيدون للحكم العربي في السويداء لتنظيم الدفاع عن دمشق، إلّا أنّ خروج فيصل إلى درعا، ومنها إلى حيفا أفسد مُخطط الدروز.

ومع إدراكهم للأهمية الاستراتيجيّة لجبل الدروز، حاولت سلطات الانتداب الفرنسيّة أخذ موافقة زعماء الجبل على مُخطَّطهم لتقسيم سوريا إلى أربعة دول طائفية من ضمنها دولة درزية في جبل الدروز. وعلى الرغم من قبول بعض وجهاء جبل الدروز للعرض الفرنسي وعلى رأسهم سليم الأطرش، في حين أنّ فريقاً كبيراً من الدّروز كان معارضاً من حيث المبدأ للانتداب الفرنسي، وكان يشجّعه في ذلك دُعاة القوميّة العربية كسلطان الأطرش في سوريا، ورشيد طليع وعادل أرسلان وفؤاد سليم في لبنان.

لكنّ الحدث الأكبر في مواجهة الفرنسييّن سيكون ثورة سلطان الأطرش في تموز 1922حماية لضيفه الشّيعي من جنوب لبنان أدهم خنجر المُتّهم بمحاولة اغتيال المُفوّض السامي الفرنسي غورو. فنجح سلطان والثوّار في مواجهاتهم الأولى مع الفرنسيين، ومن ثمّ هَزْمُهم للحملة الفرنسيّة في قرية الكفر في 21تموز 1925 وواصلوا هجومهم إلى السويداء، حيث تراجع الفرنسيّون وجرى حصارهم في قلعة المدينة، ومن ثمّ تصدّى سلطان ورجاله لحملة فرنسية كبيرة في محلَّة المزرعة وأنزلوا بهم هزيمة كبرى وقتلوا المئات منهم. أعطى هذا الانتصار الثورة الدرزية أبعاداً تجاوزت حدود الجبل، خاصّة في بيروت ودمشق، ولا سيّما بعد أن أذاع سلطان نداءه الشهير الذي يدعو فيه جميع السورييّن للانخراط في الثورة.

لكنّ الفرنسيين جرّدوا حملة أخرى كبرى تمكنت من هزيمة الثوار في سهل المسيفرة، وتقدمت إلى السويداء. ورغم الدّمار الواسع للقرى الدرزية ومقتل الكثير من الرّجال، إلاّ أنَّ ثورة الدّروز تمكّنت في النهاية من إفشال المخطّط الفرنسي لتقسيم سوريا وأجبرت الفرنسيين في النهاية على منحها الاستقلال. وبعد أن وقّع القادة السوريّون مع السلطات الفرنسية اتفاقية باريس 1936 التي أقرت باستقلال سوريا، جرى في العام 1937 في دمشق استقبال حافل لسلطان باشا الأطرش ورفاقه لم تشهد المدينة مثيلاً له.

يقول الدكتور أبو صالح إنّ سوريا بعد نيلها الاستقلال، وبعد عدم انتظام الوضع الداخلي لأسباب متعدّدة، ولمّا كان للدروز دور هام في حكومات ما بعد الاستقلال نظراً لدورهم في تحقيق الاستقلال، سيتعرّض جبل الدروز لهجوم عنيف أثناء حكم الشيشكلي. فقد جرّد أكثر من عشرة آلاف جندي لاحتلال الجبل، مدمّراً القرى والبيوت وقتل الكثيرين. ويقول أبو صالح إنّ هدف الهجوم كان إزالة دَوْر سلطان باشا الأطرش كأيقونة وطنية، وضرب آل الأطرش وإزالة التأثير الدرزي على السياسة الوطنية في سوريا.

الدروز وأبطال الاستقلال في لبنان

الأمير مجيد أرسلان

تناول الدكتور أبو صالح استقلال لبنان منذ إعلان الجنرال كاترو، نيابة عن الجنرال ديغول في 8 تموز 1941، عن رغبة فرنسا الحُرَّة في منح سوريا ولبنان استقلالهما مدعوماً من بريطانيا، إلى حين تحقُّق الاستقلال اللبناني فعليّاً في العام 1943. لكنّ تسويف الفرنسيين ومحاولاتهم التهرُّب من هذا الالتزام، أطلق ما سُمِّي بأزمة الاستقلال، التي تمثَّلت باعتقال مُعظم رموز الدولة اللبنانية في قلعة راشيا، والدور المحوري الذي لعبه الأمير مجيد أرسلان في هذه الفترة. فلدى لجوء من تبقّى من حكومة الاستقلال إلى قرية بشامون، محاولة الفرنسيين مهاجمة البلدة، جرى تعبئة أعداد كبيرة من المواطنين الدروز لحماية الحكومة، فسقط شهيد الاستقلال الأول سعيد فخر الدين من أبناء بلدة بشامون أثناء التصدّي للفرنسيين في بلدة عين عنوب القريبة من بشامون. دفعت هذه التطوّرات إلى إعلان إضراب واسع في جميع أنحاء البلاد، إلى حين تدخّل بريطانيا وإنذارها الفرنسيين لإطلاق المُعتقلين وإتمام عمليّة الاستقلال. فجرت الأمور من ثمّة على ما يرام، وأطلق على الأمير مجيد أرسلان يومها لقب بطل الاستقلال.

أزمة الخمسينيّات السياسية

يتناول الدكتور أبو صالح في القسم الأخير من الكتاب تقلّبات السياسة اللبنانية بُعيد الاستقلال، والفساد الذي ضرب إدارة الرئيس بشارة الخوري، والمعارضة القوية له من كثير من الشخصيّات اللبنانية، ولا سيّما من الجبهة الاشتراكيّة التي تشكّلت من شخصيّات مُعارضة برئاسة الزّعيم كمال جنبلاط.

ففي العام 1952، تعرّض لبنان لأزمة اقتصادية فشلت حكومة سامي الصلح في مواجهتها، واندلعت المظاهرات كنتيجة للبطالة وغلاء المعيشة والفضائح التجارية. كما ازدادت الشكوى من الضغوط السياسية والرّشوة والفساد وانعدام الشفافية في الإدارة عموماً. فتمكنت المعارضة من إسقاط الرئيس الخوري وانتخاب نائب رئيس الجبهة الاشتراكية كميل شمعون رئيساً للجمهورية.

لكنّ وصول شمعون إلى الرئاسة لم يؤدِّ إلى استقرار الأوضاع الداخليّة، ولم يحصل التغيير على النّحو الذي توقعه اللبنانيون. بل ازدادت الانقسامات السياسية وتعمقت لأسباب مختلفة ومتعدّدة، بعضها داخلي وبعضها الآخر خارجي. فالتعدّدية الطائفية أصبحت نقمة على لبنان، بحيث أنّها استُخدمت لضرب الوحدة الوطنية ولتسهيل فساد الإدارة وتخريب علاقات لبنان العربية والخارجية. يُضاف إلى ذلك، الخلافات الشخصية وعدم تصرّف المسؤولين كرجال دولة، والارتباطات التي وُسم بها كثيرون من سياسيي لبنان. أمّا الأسباب الخارجية فقد لعبت دوراً هاماً وسبباً مباشراً للانقسامات والتوتّرات بين اللبنانيين. وفي هذا المُناخ كانت تدور سياسة لبنان خلال ولاية الرئيس كميل شمعون والمعارضة الشّرسة التي تزعّمها كمال جنبلاط.

لكنّ رغبة كميل شمعون بتعديل الدستور لتمكينه من إعادة انتخابه رئيساً لمرّة ثانية، دفعته إلى ممارسة مختلف أنواع الضّغط والتدخل وتزوير انتخابات العام 1957 ليحصل على أكثرية نيابية، ما أدى إلى سقوط مُعظم رجال المعارضة وعلى رأسهم كمال جنبلاط. شكّلت هذه الانتخابات عاملاً إضافيّاً لازدياد التوتّر في البلاد، إضافة إلى عوامل أخرى، يَعتبرها أبو صالح كانت السبب لأزمة العام 1958 التي انتهت باشتعال الثورة على كميل شمعون. فمن هذه الأسباب: الشّكوى الاقتصادية – الاجتماعية للمسلمين اللبنانيين التي تضمّنت حرمان المناطق الإسلامية من أبسط المساعدات الاقتصاديّة وعُزلتها الثقافية، عدم الرّضا عن سياسة شمعون الخارجية التي تخالف المبادئ الأساسية للميثاق الوطني، وتزويره للانتخابات الأخيرة.

انتهت الثورة على الرّئيس شمعون بتوافق أميركي – عربي (جمال عبد الناصر) على انتخاب قائد الجيش، ذي السّمعة الطيّبة والمواقف الوطنيّة اللّواء فؤاد شهاب صديق كمال جنبلاط، رئيساً للجمهورية. وهذا ما حصل في 23 أيلول 1958 قبل انتهاء ولاية الرئيس شمعون بعدة أشهر.

يخلص الدكتور أبو صالح إلى أنّ المجتمع الدرزي، رغم الازدهار الذي عرفه في خمسينيّات القرن الماضي، إلّا أنّه لم يستطع تحقيق مكاسب سياسية كبرى بسبب جمود النظام الطائفي في لبنان. لكنّ تأثيرهم السياسي فاق حجمهم العددي كأقليّة، بسبب الدور القيادي الذي لعبه بعض الساسة الدروز على المستوى الوطني مثل الأمير شكيب أرسلان، الأمير مجيد أرسلان و كمال جنبلاط. فكمال جنبلاط على وجه الخصوص، لم يحفظ المركز السياسي التقليدي لعائلته فقط، بل أخذ دور القائد القومي العربي في لبنان وفي الشرق العربي. فقد أيّد الرئيس جمال عبد الناصر ضد الإمبريالية الغربية. وكان مُصلحاً سياسياً، وأسّس الحزب التقدّمي الاشتراكي منذ العام 1949، وتزعم الخط العربي في لبنان بما فيها ترؤسّه للجبهة العربية لدعم المقاومة الفلسطينية، واستمر على الدوام داعماً بقوة للحقوق التاريخية للشعب الفلسطيني، كما أحيا في الواقع الدور التاريخي الطليعي للموحدين الدروز في تبني القضايا العربية المشروعة، مثل شكيب أرسلان، عادل أرسلان، سلطان الأطرش وغيرهم من القادة الدروز في الفترة الزمنيّة المبكّرة للتاريخ العربي الحديث. ويتابع أبو صالح بالقول إنّ اغتيال جنبلاط في آذار 1977، شكّل صدمة سياسية للدروز، وللبنان وللعالم. ويستنتج بعد ذلك أنّ الدروز في لبنان توحّدوا خلف قيادة وليد جنبلاط الحكيمة بعد استشهاد والده وتمكنوا من الانتصار في حرب الجبل التي هددت وجودهم فيه، وبسبب من كفاءتهم العسكرية التقليدية ووحدتهم السياسية.

يستنتج الدكتور أبو صالح في النهاية، أنّ تاريخ الدروز السياسي في القرن العشرين بمعظمه قد تقدم من التأييد للعثمانيين بدايةً، إلى تأييد الخط القومي العربي فيما بعد. وبرغم هجرتهم الواسعة إلى مناطق كثيرة في العالم، ومن ضمنها الغرب، فإنّهم حافظوا على خصوصياتهم السياسية والاجتماعية. وبرأيه فإنّ الحفاظ على الصفات الدرزية في المُستقبل يبقى ضروريّاً لبقاء الدروز في عالم يتغيّر بسرعة خلال القرن الحادي والعشرين. والسلام.

أما حان وقت وضع خلافاتنا “الصغيرة” جانباً؟

﴿وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُواۚ وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنتُمْ عَلَىٰ شَفَا حُفْرَةٍ مِّنَ النَّارِ فَأَنقَذَكُم مِّنْهَا ۗ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ﴾ (آل عمران، 103)

آن لمن لا يعرف، والجميع يعرفون كما اعتقد، أن في الاتحادِ والوحدةِ والتعاضدِ والتضامنِ القوةَ والمنعةَ والسؤددَ، والخيرَ كلُ الخير؛ أما في الشقاقِ والافتراقِ فالشرُّ كلّ الشرّ، وما يصحبُ ذلك من التنابذ، والاختصام، والفتنة، والضعف، والعجز في المحصلة عن إدراك الحقوق البديهية المشروعة لأبنائنا، كما لسائر المواطنين، في وطنهم.

من يطلب برهاناً اجتماعياً أو سياسياً أو واقعياً على ما نقول فله ألفُ برهانٍ. فالخير المتأتي عن الاتحاد والوحدة والتسامح والتفاهم هو أضعافُ أضعاف ما «يؤملُ» تحصيله من التصعيد والافتراق والتنابذ والتناحر؛ ويبقى كلام الله في الآية الكريمة أعلاه خاتمة كل قول.

لا للافتراق والاختصام والتنابذ، «نعم» للتنوع في الاجتهاد والرأي، والتنافس في أفضل ما يخدم الوطن والمواطنين.

الاختلاف في الرأي داخل البيت الواحد والوطن الواحد أمرٌ شرعي، بل هو صحّيٌ وضروري. فهو يُظهر على المدى البعيد أفضلَ ما لدى الجماعة أو الأمة من مضمون وإمكانات – وهو معنى الديمقراطية وتفوقها على كل ما عداها. والاختلافُ في الرأي يعزز التنوعَ في مناهج التفكير وزوايا النظر في جملة المسائل التي تدخل في ما نسمّيه «الشأن العام»، الذي يخصّ الجميع من دون استثناء. وبهذا المعنى جرى القول المأثور، الصحيح، المتناقل منذ زمن طويل (الخلافُ في الرأي لا يفسدُ في الودّ قضية). ولكن هل ما يجري على المستوى المحلي هو فعلاً في باب الخلاف الصحّي ومن النوع المطلوب بل الضروري وجوده؟ مع الأسف، لا.

وعليه، فمن واجبنا الوطني والأخلاقي – والمهني – أن نقول على الورق، ما يقوله المواطنون علانية بمئة طريقة، وبينهم أكثرية الموحدين الدروز.

وهو أيضاً، ومن باب أولى، أبسط الواجب في أن نُخْلِص الخطاب، وكما تفعل دائما، حيال الآلاف من جمهور قرّائها ومريديها.

من باب الواجب الوطني والأخلاقي، إذاً، وبالصراحة تلك، القول إن القضايا الحقيقية التي تعني الشباب المعروفي – العاطل عن العمل، المهمّش، المُبعد عن دائرة القرار الإداري والاقتصادي – ليست تلك التي نصطرع عليها، وينشر البعض مع الأسف غسيلها على كل سطح – كما حدث في الأشهر القليلة الماضية.

المسائل الجزئية والفرعية، وغير الحقيقية في نهاية المطاف، ومهمّا زيّن في أهميتها المصطادون في الماء العكر، والمتربصون بالموحدين الدروز شرّاً، لا تستحق شيئاً مما أعطيناها من اهتمام وضجة وصراخ، أحياناً، ومن على بعض المنابر، عمداً أو عفو الخاطر في الغالب.

هي لا تستحق – وهنا بيت القصيد – أن تكون وبكل المعايير سبباً لشقاقٍ داخل البيت الوطني الواحد، أو لنزاعٍ أو فرقةٍ في جمهورنا، ولا لكلمات غير مناسبة – بل معيبة – تصدر عن مُعتدٍّ مُحتدٍّ متسرّعٍ لا علاقة لها بالسياسة ولا بلغة السياسة. التنافس بين القيادات السياسية والاجتماعية في الخدمة العامة مطلوب، والاختلاف في المواقف والأراء ضروري، ولكن أين؟ في أي ساح؟ ولأية غاية؟

مطلوبٌ أن تتنافس القيادات والمعنيون بالشأن العام في استعادة الحقوق السياسية والاقتصادية والوظيفية للمستضعفين في هذا الوطن والتي جرى اقتناصها، تدريجاً ومن دون خجل، وإلى الحد الذي بات معه «أهل الصبي» لا يعرفونه، ولا يخصّهم بشيء.

مطلوبٌ أن تكون لمواطنينا المهاجرين، بل المهجّرين ظلماً واستبعاداً وإكراهاً ويأساً، حقوق لهم مساوية لسواهم في خيرات الوطن وفرص العمل والترقي فيه.

مطلوبٌ أن تكون للمهمّشين منّا – ومن سوانا – في أطراف الوطن، مستشفيات وثانويات وفروع جامعية ووزارات ومصالح ومكاتب ودوائر نفوس ومراكز ميكانيك تُبقي أهلنا في قراهم فلا يجبرون على هجرة داخلية لا قِبل لهم بها، أو لنسيان حقوقهم، أو استجدائها عندما يسدّ كل طريقٍ آخر.

مطلوبٌ أن ينال شبابنا المتعلم والكفوء فرصاً مساوية لسواه في الدخول إلى «جنّة» الإدارة العامة: إلى مصرف لبنان، ووزارة المال، وشركة الكهرباء، والإحصاء المركزي، ومجلس الإنماء والإعمار، والجامعة اللبنانية، والأوجيرو، والهيئات الناظمة، والمواقع الحساسة الأخرى في كل الوزارات والمجالس والصناديق والمصالح (التي تفرّخ يومياً فلا نسمع بحاجتها إلى الموظفين إلا بعد سنة من امتلاء كادراتها!).

مطلوبٌ أن نكون موجودين في الوفود والبعثات الديبلوماسية حين تُرسل إلى الخارج، إسوة بمكوّنات الوطن الأخرى، وأن تكون لمناطقنا ومجتمعاتنا الفقيرة والمهمّشة حصتها العادلة من تقديمات المؤسسات والصناديق العربية والدولية.

المطلوبٌ أخيراً، وأكثر من ذلك بكثير، أن نرفع الصوت، وربما العرائض، لنقول للجاهلين الناسين أوالمتناسين، وللناكرين والجاحدين في آن: أنْ مَهلاً يا قوم … فليقف من ضحّى أكثر منّا في سبيل قيام الوطن، وحفظه، لنتعرّف عليه…لأننا بالفعل لا نعرفه. ليقف من دفع من دمه وجيبه وعرقه وتعبه أكثر من سلطان باشا ومحمد أبو شقرا وكمال جنبلاط ومجيد أرسلان … لتكون لنا بلدان مستقلة وأوطان شامخة لنتعرف عليه حقاً – من دون أن يعني ذلك أبداً أننا وحدنا من أقام البلدان وحفظها، إلا أننا كنا وبشهادة التاريخ في الصف الأمامي في كل ساح تطلّب إقداماً وتضحية بالغالي والنفيس!

المطلوب كثيرٌ جداً، إذاً، لمن يحتاج عناوين لمعاركه ولعمله السياسي. أما أن ننساق في حملات تجريح وافتراء وتزييف داخلية، فهذا ظلم لأنفسنا قبل الآخرين، نندم عليه بعد حين، ساعة نستفيق من ضغط اللحظة ونكشح غشاوة الأوهام عن أعيننا. وباب مؤسسات الطائفة مفتوح على مصراعيه للجميع، ودون استثناء، لمن يرغب بالعمل العام، والتضحية والبذل والعطاء: ولم يحدث قط أن وُضِع قيدٌ أو شرطٌ واحد، في أية لحظة، ومن أي نوع، على راغبٍ بالإسهام والعمل في واحدة من مؤسسات الطائفة الشرعية، بل إن المؤسسات نفسها هي من تبحث في غالب الأحيان عمّن يرغب ويستطيع أن يكون جزءاً من العمل الوطني والاجتماعي العام لطائفتنا المعروفية، وفي ظل القوانين والأنظمة المرعية الإجراء.

وبعد، فمطلوبٌ، وعلى المستوى الداخلي، أن نجتهد حتى درجة الاختلاف في المواقف والأراء، ومن وجهة إيجابية، في كل ما يخدم أكثر وطننا، ومجتمعنا، وشبابنا، ولكن، كفى تضييعاً للطاقات التي نحتاج لكل قطرة منها، وأكثر. كفى تناقضات لا ترضي رب العالمين ولا تتصل أو تخدم مجتمعنا وأهلنا في شيء. ألا «اعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرّقوا»….وأنتم قادرون بالحكمة التي أوتيتم إياها على حلّ ما أشْكَلَ من إشكاليات وما استعصى من صعوبات. والقادة السياسيون والروحيون بيننا أهلٌ لتولّي مناط كل الأزمات وإدارتها على النحو الهادئ والصحيح وصولاً الى خواتيمها السعيدة.

لقد دلّ سماحة شيخ عقل طائفة الموحدين الدروز القاضي الشيخ نعيم حسن إلى الطريق الصحيح للخلاص من كل الإرباكات الصغيرة التي بتنا نتسربلُ بها منذ بضعة أشهر بأن دعا الجميع إلى «كلمة سواء» واحدة، نجتمعُ حولها فننجح، فيصيبُ من ثمة سهمُنا… إذا خلُصت النوايا. فالأعمال بالنيّات.

هوذا مضمونُ رسائل شيخ العقل المتكررة، من خلال منبر ، وفي مناسبات دينية واجتماعية كثيرة، دعوةٌ يجب أن تشكل القاعدة لالتفاف واسع حول الموقف الوطني التوحيدي الجامع، والعمل من ثمة في هَدْيه، فيستقيمُ أمرُنا أمام مجتمعنا، وضمائرنا، وأمام رب العالمين قبل كل شيء.

والله وليّ التوفيق.

أخبار ثقافية سريعة

المكتبة الوطنية – بعقلين

تستمر قاعات المكتبة الوطنية في بعقلين (بإدارة الأستاذ غازي صعب) منصة للتلاقي الروحي والثقافي والوطني، وفسحة للأدب والمطالعة والتحصيل العلمي، فتحقق أرقاماً قياسية في الإعارات الخارجية، وفي عدد المستفيدين من أنشطتها. وتشهد المكتبة الوطنية أسبوعياً تقريباً أنشطة وندوات ومناسبات، نكتفي بذكر اثنتين الآن:
٢٠١٩/٢/٢٨، افتتاح مسرح المكتبة الوطنية بحضور معالي وزير الثقافة الدكتور محمد داوود، وشخصيات وطنية وثقافية.Dhoha
٢٠١٩/٣/٢٣، ندوة موسعة حول مضمون وثيقة «الأخوة الإنسانية» التي وقعت في أبو ظبي، وأهميتها، لبنانياً وعربياً وإنسانياً، بحضور رجال دين لبنانيين بارزين وجمهور واسع.


تستمر اللجنة الثقافية في بلدية الشويفات برئاسة الأستاذ هيثم عربيد في نشاطها الثقافي الواسع في قاعة مكتبة الأمير شكيب أرسلان التابعة لبلدية مدينة الشويفات، وقد أعلنت الشويفات «مدينة ثقافية للعام 2019». ومن بين أبرز أنشطتها الأخيرة:

تكريم الشاعر نعيم تلحوق وندوة حول شعره.

ندوة وتوقيع لديوان الشاعرة سناء البنّا الجديد «أشجار الليل»


ندوة وتوقيع للأديب د. نبيه الأعور في مركز الجرد الثقافي التابع لبلدية صوفر.

راغب بوحمدان يقدم تجربة رائدة في المزج بين الحروفية العربية والمظاهر المادية العربية، وقد بات للتجربة تلك نجاحات في غير مدينة عربية.
مشاركة للفنانة التشكيلية عتاب فخرالدين في معرض «لوحات تحت الماء»، وهي مشاركة أخرى لها بعد مشاركة سابقة في معرض «لوحات ضد السرطان».
معرض للفنانة التشكيلية هناء عبد الخالق في 5 نيسان.
معرض في الطبيعة لمنحوتات وائل أبي عاصي في راشيا تناولت مشاهداته. يجسّد الفنان المقتدر في الحجر اللبناني أحاسيسه وأفكاره، والكثير من أعماله بات يزيّن مداخل قرى عدة في منطقة راشيا.
———————————————-

وداعاً… الأستاذ محمود صافي

تنعي إلى اهل الثقافة بعامة، وإلى قراء على وجه خاص صديق الاستاذ محمود صافي، مدير الدار التقدمية للطباعة والنشر، الذي وافته المنيّة الاثنين في ٨ نيسان ٢٠١٩. اشرف المرحوم محمود على انتاج ونشر مئات الأعمال المهمة، لعل أبرزها الأعمال الكاملة للامير شكيب أرسلان، كمال جنبلاط، الأمير عادل ارسلان.
رحمة الله لروح الاستاذ صافي ونتقدم بأحر التعازي من أسرته واصدقائه.

أحْوجُ ما نحتاجُه اليوْم

إذا كانت النّفس – وهي أَمّارة بالسّوء – تدفع صاحبها إلى الشرّ والفِتن ومهاوي الاختلاف والتّفرقة والرذائل والشّهوات وغيرها، فقد أوجد الله ضدّاً لها يكبح جماح هواها وهو الضّمير.

وأحياناً تسيطر النفس الهاوية لما ذُكر على الضّمير فيبدو ضعيفاً لا قوّة له على المعارضة منقاداً إلى غاية تلك النّفس، ولكنّها وإن تغلّبت عليه في الفتن والمعاصي، فإنّها ستبقى عاجزة عن قتله، ولا بُدّ يوماً من أن تضعف، ويكون الضمير هو المُنتصر يدعوها إلى التّوبة، ولو قبل رجوع النفس إلى خالقها بساعات.

ضميرُ المُوَحِّد بمثابة رُوحه، لا يُهمِلُه، ولا يتغافل عنه، ولا يغدر به، لأنَّه إنْ فعل – لا قدَّر الله – ضاعت روحُه وتاهتْ عن الغاية التي وُجِدت أصلًا لبلوغها مقدار الوُسْع. والضَّميرُ هو سرُّ المرء وما في «داخل الخاطِر»، لكنْ يُعرَف منهُ للنَّاسِ ما يُظهِره صاحبُه من أعمال. ولا يجبُ بأيِّة حالٍ من الأحوال الحُكم على مُجرَّد الظاهر والأقاويل والتأويلات، بل إنَّ ذا البصيرة يتحقَّقُ الصِّدق فيما يُضْمرُه ويحكم به. فالسّرائر يعرفُها ربُّ العالَمِين معرفةً تقومُ بها الأحكامُ يوم الدِّين ﴿يَوْمَ يتـذكَّرُ الإنْسَانُ مَا سَعَى﴾.

و«الخَاطرُ» لُغويّاً هو «ما يخطُرُ في القـلبِ من تدبيرٍ أو أمْر». والقلبُ كما قال الشيخ البقعسماني:

أرى القلبَ مَوْلًـــــــى والجوارحَ جُنـــــــده
وكـــــــــلٌّ هَـوَ بـــــــادٍ بمَــــــــــا هوَ عنـــــــدَهُ

أي أنَّ ما تجترحُهُ آلةُ الرُّوح (الجسم) من أفعال هي في الحقيقةِ مُترتِّبةٌ عمَّا في القلب من أحوال، فإنْ مالَ القـلبُ مع الهوَى، ضعُـف العـقلُ وكثُرت العثَرات. أمَّا إن كان القلبُ خفّاقاً بمحبَّة الفضيلة، مُتَشوِّقاً إلى تحقيق ثَمَراتها في ذاته ومع أهله وفي مجتمعه، فهو إذاً القلبُ المُوحِّد، وهو إذاً الذي سكنَت فيه لطائفُ المعاني لا يزحزحُها منه أيُّ شأنٍ مُخالِف.

إنَّ أحوجَ ما نحتاجُه اليومَ، وسط عواصف الرِّمال الخانقة من الأقاويل المُلتبسة، والظنون المُركَّبة، والالتباسات المُشوِّشة، والتلفيق المتكاثر في الإعلام، وسيْـل الصُّوَر والخبريَّات التي ليس لها شأن سوى إثارة الغرائز والتحريض والانفعالات وزرع هواجس الشكوك والشُّبهة من عن يمين وعن شِمال دون الأخذ بعيْن الاعتبار الأولويَّة الأولى الضروريَّة (وهي ما نحتاجه) أي التزام التعقُّل والهدوء والحكمة والإمعان في استيعاب الأمور تقرُّباً إلى حقائقها وفق ما هي عليه لا وفق ما تشتهيه نفوسُنا، وتتمنَّاهُ أهواؤنا، وترغب به أطماعُنا في الوصول إلى مصالحِنا الخاصَّة أو الفئويَّة أو العصبيَّة في غفلةٍ عمَّا تقتضيه المصالح العُليا للمجتمع المتضامن.

نحتاجُ إلى جلاء بصيرتنا لترى ما لا تراهُ العيون ولا تنقله الألسُن المُغرضَة. والتي زادت حدّتُها مع وسائل التواصل الاجتماعي، فسهُلت الغيبة والنميمة خلافاً للقاعدة التي تقول «إنّ الغيبة تأكل الحسنات كما النار تأكل الحطب»، نحتاجُ إلى المثال الأخلاقيّ الذي يعلِّمنا إيَّاه تراثنا التَّوحيدي في بُعْدَيْه: الذاتي والاجتماعي. وهو مثـالٌ يوجبُ الكثير من الخصال السامية منها: التواضُع والحِلم والإيثار وحُسن الظَّنّ واتِّساع فُسحة العقل، هذا بالطبع بعد الخصال البديهيَّة التي يجب أن تكون في جِبِلَّاتنا وهي الصِّدق والتعاطُف والتمييز والتقوى التي هي «جماع الخير كلّه».

ولا شكَّ عندنا أنَّ الإخلاص في هذا السياق الآنف الذِّكر هو السِّلاح الذي يجدُر بنا أن نتحصَّن به إزاء كلّ الصِّعاب التي هي من طبائع الزَّمن. والمُوحِّدون يهذِّبون أنفسهَم وأخلاقَهم وعاداتهم ومسالكهم بما هو أشدُّ رسوخاً من كلِّ الأزمنة، مُرَدّدين قوله تعالى
﴿وَاتَّــقُوا اللهَ وَاعْلـمُوا أنَّ اللهَ مَعَ المُـتَّـقِـين﴾.

نسألُ اللهَ أن يجعلَ في الضّمائر قوّةً في مواجهة النفوس الهاوية إلى الفتن والمعاصي لكي تستفيق تلك الضمائر، وقدَّرَنا على اتّباع الرّأي الصائب إنّه سميعٌ مجيب.

أزمة الصحافة الورقية… وسخاء أصدقاء الضحى

الصحافة المطبوعة (الورقية) في أزمة. لا يتضمن العنوان هذا جديداً. هوذا حال الصحف والمجلات الورقية (غير المموّلة من الحكومات) في العالم بأسره، وحال الصحافة العربية واللبنانية على وجه الخصوص. ففي سنتين لا أكثر توقفت 4 صحف لبنانية يومية عن الصدور، وأكثر من دزينة من المجلات الثقافية وغير الثقافية، الأسبوعية أو الشهرية أو الفصلية.

مربطُ الخيلِ في هذه المقدمة هو مجلتنا، ومجلتكم، العزيزة الضّحى. إذ ليس سرّاً أنه ما كان في وسع الضّحى أن تستمر بالصدور في مستواها الحالي الهادف والمتقن مضموماً، والمُكلف جداً إنتاجاً وطباعة وتوزيعاً، من ريع اشتراكاتها السنوية، ومبيعاتها في المكتبات أو للأفراد، فقط.

بتعبير آخر، الضّحى تستمر، وستستمر مستقبلاً، بتوفيق من الله قبل كل شيء، وبدعم غير محدود من سماحة شيخ العقل رئيس المجلس المذهبي، واللّجنة المشرفة، وبسخاء التبرعات والإسهامات المالية التي تتكفل بنفقاتها: من أعضاء مجلس الأمناء الأكارم أولاً، ولهم الفضل الكبير، ثم من مساهمة المجلس المذهبي لطائفة الموحدين الدروز ثانياً، وثالثاُ من أصحاب الأيادي البيضاء والمعطاءة من قيادات ورؤساء بلديات وشخصيات عامة خيّرة، ومن أفراد عاديين.

بفضل جهود العاملين في الضحى ، المتفانين في عملهم، وبفضل من ذكرتُ آنفاً من الخيّرين، تستمر الضّحى بالصدور، وتتطور، وتتعزز، وتصل باستمرار إلى شرائح جديدة في لبنان وسوريا ومناطق أخرى…

الضّحى رسالة سامية نؤديها معاً، وليست مجرد مطبوعة دورية، وستظل بتوفيق من الله تعالى، وبدعمٍ من أصدقائها وإخلاص العاملين فيها، خطاب المسلمين الموحدين، العربي، الوطني والجامع.

The Druze Spoons

When the battles of the Great Syrian Revolt ended and the rebels moved to Azraq area in Jordan, Britain promised France to end the revolt and besieged the rebels by various means of oppression and starvation until they left to Sirhan Valley and so their journey of torment and the urgent need of children and women for food began in this harsh desert. Sultan al-Atrash was informed and he contacted the Mufti of Jerusalem, Amin al-Husseini, asking for help who indeed aided them and entrusted Sobhi al-Khadra to accompany a relief convoy carrying life necessities. After an arduous journey, the convoy arrived to Sirhan Valley and it had a great impact on the rescue of al-mujahideen and their families.

Sobhi al-Khadra noticed that al-mujahideen used wooden spoons made from boxes filled with subsidies because of the lack of metal spoons. Sobhi al-Khadra asked the permission of the General Leader to take these spoons. When he returned to Jerusalem, he talked to members of the Supreme Muslim Council about the suffering of the rebels and the evidence was these spoons. Therefore, Amin al-Husseini ordered to put these spoons in Al-Aqsa Mosque and wrote a phrase beside them:

(He who wants to be connected to the land and national dignity shall contemplate and eat with the Druze spoons)

This phrase remained in the mosque until 1948.

Mercy for those who made the glory of the homeland and its independence away from the lights of the hollow fame.

ملاعق الدروز مدينة القدس (المسجد الأقصى) أيار ١٩٢٧

عندما انتهت معارك الثورة السورية الكبرى وانتقل الثوار إلى منطقة الازرق في الأردن تعهدت بريطانيا لفرنسا بإنهاء الثورة وحاصرت الثوار بشتى الوسائل من قهر وتجويع حتى غادروا إلى وادي السرحان ولتبدأ رحلة العذاب في هذه الصحراء القاسية والحاجة الماسة إلى الأطعمة للأطفال والنساء وقد أعلم سلطان الأطرش وطلب النجدة من مفتي القدس أمين الحسيني وفعلا انجدهم المفتي وكلف صبحي الخضرا بمرافقة قافلة إغاثية تحمل مستلزمات الحياة وبعد رحلة شاقة وصلت القافلة الى وادي السرحان – الحديثة – وكان لها الاثر البالغ في إنقاذ المجاهدين وعائلاتهم.

ولاحظ صبحي الخضرا أن المجاهدين يستخدمون ملاعق خشبية صنعت من الصناديق المعبأة بالإعانات لعدم توفر الملاعق المعدنية وقد استأزن صبحي الخضرا من القائد العام بأخذ هذه الملاعق وعندما عاد للقدس تحدث الى أعضاء المجلس الإسلامي الأعلى عن معاناة الثوار والدليل هذه الملاعق التي يأكلون بها ….فأمر امين الحسيني أن توضع هذه الملاعق في المسجد الأقصى وكتب عبارة بجانبها:

«من أراد أن يرتبط بالأرض والكرامة الوطنية عليه أن يتأمل ويأكل بملاعق الدروز».

وبقيت هذه العبارة موجودة بالجامع حتى عام 1948 الرحمة لمن صنع مجد الوطن واستقلاله بعيدا عن الأضواء والجاه الأجوف.

2019