الثلاثاء, آذار 19, 2024

اشترك معنا للاطلاع والحصول على أحدث المقالات والأعداد

الثلاثاء, آذار 19, 2024

اشترك معنا للاطلاع والحصول على أحدث المقالات والأعداد

بحث ..

  • الكاتب

  • الموضوع

  • العدد

البلاستيك يغزو الأمعاء

 

إعلان توعوي للحدّ من استخدام البلاستك.

وجدت دراسة جديدة أنّنا نلتهم جميعاً نحو 73 ألف قطعة صغيرة من البلاستك كل عام، من خلال طعامنا وشرابنا، ويدخل البلاستيك عن غير قصد الفم والأمعاء والفضلات، حيث وجد الباحثون أنّ المياه المعبّأة في زجاجات يمكن أن تكون واحدة من أكبر مصادر الجُسيمات المجهرية، التي قد تعرض صحّتنا للخطر.

كما يوجد الكثير من المواد البلاستيكية الدقيقة في الحياة البحرية، التي تبتلع القمامة الملقاة في البحر قبل أن تشقّ طريقها إلى أطباقنا المفضلة.

وفي المتوسط، وَجدت الدراسة أنّ هناك 20 قطعة من البلاستيك المجهري لكل 10 غ من البراز البشري. وعُثر على البلاستيك في كلِّ عيّنة من البراز البشري، مأخوذة من المشاركين حول العالم، بما في ذلك المملكة المتحدة.
وقال كبير الباحثين الدكتور، فيليب شوبيل، من جامعة فيينا الطبيّة في النّمسا إنّ «هذه أوّل دراسة من نوعها تؤكد اعتقادنا منذ فترة طويلة، بأنّ المواد البلاستيكية تصل في نهاية المطاف إلى الأمعاء البشرية».

وتشمل المواد البلاستيكية الدقيقة نفايات البلاستيك، والألياف الصناعية، والخرز الموجودة في منتجات النظافة الشخصية. وما يزال الخطر على الأشخاص غير معروف، في حين انتشرت مخاوف من إمكانية تراكم المواد الكيماوية السامّة ودخولها مجرى الدم. واكتشف فريق البحث 7 أشكال من أنواع البلاستيك، ما يشير إلى وجود العديد من مصادر التلوّث المختلفة.

الهواءُ الملوّثُ وخطرُه على صحّة الدّماغ

الدّراسة التي نُشرت حديثاً في النّسخة الإلكترونية لمجلة Epidemiology وفي صفحة ديلي ميل البريطانية في 26 من آب الماضي أدّت إلى دعَوات لاتّخاذ إجراءات صارمة تتعلّق بتنقية الهواء، بعد أن ثبت أنّ التلوّث يمكن أن يؤثّر على السّلوك، وليس فقط على الصّحة البدنيّة. ووفقاً للدراسة فقد وجد العلماء، عقب إجراء دراسة ضخمة امتدّت 13 عاماً وتضمّنت بيانات 86 مليون شخص في 301 مقاطعة في كل أنحاء الولايات المتّحدة، شملت المناطق الحضَريّة والريفيّة أنَّه كلَّما كان الهواء أكثر تلوّثاً، يتم ارتكاب جريمة أشدّ عنفاً.

صحّة الدماغ في خطر.

وكتب فريق البحث من كلّية الصحّة العامّة في جامعة مينيسوتا وجامعة ولاية كولورادو، يقول وجدنا أنّ جرائم العنف تزداد بنسبة 1.17% لكل 10 ميكرو غرامات في المتر المكعب زيادة في الجسيمات الدقيقة اليوميّة، و0.59% لكل زيادة قدرها 10 أجزاء لكلّ مليار، في
الأوزون اليوميّ.

وارتفعت جرائم العنف عندما كان الهواء أكثر تلوّثاً في المناطق الفقيرة والغنية، وأشار إلى أنّ الدراسات السابقة التي أُجريت على الفئران والكلاب وجدت أنّ الحيوانات المعرّضة لمستويات عالية من الجُسيمات الدقيقة الموجودة في أبخرة الديزل، تُظهر زيادة في العدوانية والتحيُّز، كما قد يؤدّي تعرّض الإنسان لتلوّث الهواء إلى زيادة القلق، الأمر الذي قد يؤدّي إلى سلوك إجرامي وغير أخلاقي.

وتُظهر بيانات منظمة الصحة العالمية التي أعلنت عنها في 2 ايار 2018 أنّ تسعة من أصل عشرة أشخاص يتنفّسون هواءً يحتوي على مستويات عالية من الملوِّثات، وعن خسائر بالأرواح تبلغ 7 ملايين شخص سنويًّا بسبب تلوّث الهواء الخارجي وتلوث الهواء المنزلي.
أمّا محليًّا فليس خافياً على الخبراء البيئيين تلوّث هواء بيروت وجبل لبنان وجونية والمناطق المحيطة بها بنسب عالية من الأوزون (O3) وثاني أوكسيد النيتروجين (NO2)، والجسيمات الدقيقة (5.PM2) و(PM10) والمكوّنات العضوية المتطايرة COV، وثاني أوكسيد الكبريت (SO2)، وبعضها وصل إلى حد خطير نتيجة التلوث الصادر عن قطاع النقل بالدرجة الأولى، ومحطات توليد الطاقة، ومولّدات الكهرباء الخاصة المنتشرة بين الأحياء، وانبعاثات المصانع وحرق النفايات.

وتفيد نتائج بحوث علميّة صادرة عن الجامعة اليسوعية في بيروت في تموز 2019 أنّ 96 بالمئة من سكان بيروت وضواحيها معرّضون لحوالي 250 يزما من التلوث سنويًّا، ويستنشقون حوالي 40 ميكروغراماً من الغازات الملوثة في المتر المكعب الواحد من الهواء على مدار السنة، ويقول ماهر عبّود رئيس قسم البيئة في الجامعة: بيروت معرّضة لملوثات كثاني أوكسيد النيتروجين الذي يتخطّى النّسب المسموح بها من منظمة الصحة العالمية والأخطر ما في الملوثات هو الغبار المتطاير والذي يتخطّى بحسب دراساتنا هذه النّسب بـ 150 إلى 300 في المئة». وتشترك بيروت مع مدن عربية كثيرة في غياب التخطيط لِلْحَدِّ من تلوث الهواء وتنفرد بغياب أوتوبيسات النّقل العام وميترو الأنفاق، ويدخل إلى بيروت نحو نصف مليون سيارة يوميا تزيد من تلوثها. وفي السّياق عينه أثبتت دراسات أنَّ التعرض لبعض الملوثات قد يسبب التهاباً في الدماغ ويتلف الخلايا العصبية. هذه الملوثات قد تتلف الفَصَّ الجبهيّ الأماميّ، وهذه المنطقة من الدّماغ هي المسؤولة عن التحكّم في دوافعنا وسلوكيّاتنا وقدرتنا على اتّخاذ القرار وضبط النفس.

تلوّث الهواء

يبدو أنّ ما تراه العين يصعب أحياناً أن يُترجَم بمُستندات ووثائق رسميّة تعترف بما نستنشقه من تلوّث ومواد سامة ومُسَرطنة. دخان المولدات والمصانع والسيارات في لبنان وآراء الخبراء والمُختصّين في مجال التلوّث والأمراض الصدريّة والسّرطانية والأبحاث العلميّة التي يقودونها في هذا المجال، كفيلة بنقل صورة عن نوعيّة الهواء في لبنان. عيّنة صغيرة لمنطقة واحدة في بيروت تكشف حقيقة مخيفة عمّا نشهده.

نحن على معرفة تامّة بأنّ التلوّث موجود في لبنان عامة، ولو بنسبة متفاوتة بين منطقة وأخرى، على الرّغم من غياب الأرقام الرسميّة المفروض صدورها من الجهات والوزارات المعنيّة. المبادرات الفردية التي تقوم بها المراكز والجامعات الكبيرة المشهود لها بدقّتها كالجامعة الأميركية في بيروت وجامعة القديس يوسف، تُظهر نوعيّة  الهواء الذي نتنشّقه وربما تفسّر نسبة السرطان المتزايدة في لبنان.

تتعدّد مصادر التلوث، من المصانع لى المولّدات والسيارات وغيرها من الانبعاثات السامّة ومعامل الزُّوق والجيّة وغيرها. وبعدها فقد وصلت نسبة التلوّث في بيروت إلى 3 أضعاف الحد الأقصى المسموح به وفق منظّمة الصحّة العالمية، وقد كشفت منظمة «غرينبيس» في أيلول 2018 نتائج تحليل «غير مسبوقة» لبيانات حديثة صادرة عن الأقمار الصناعية في الفترة المُمتدّة من 1 حزيران إلى 31 آب، عن تصنيف مدينة جونيه في المرتبة الـ 5 عربيّاً والـ 23 عالميّاً من حيث نسبة الغاز الملوّث «ثاني أوكسيد النيتروجين NO2» في الهواء. من جونيه إلى الحمرا، حيث أظهرت الدراسة التي أعدّتها الجامعة الأميركية نسبة الملوّثات المُسَبِّبة للسرطان الصادرة عن المولدات العاملة بالديزل في منطقة الحمرا.

تلوث الهواء في مدينة بيروت

قراءة هذه الوقائع والأرقام كفيلة بنقل واقع التلوّث في لبنان. لم نعد نبحث اليوم عن المسبّبات والعوامل، فكلّها باتت معروفة ومكشوفة بالعين المجرّدة. ما يهمّنا هو إيجاد خطّة عمل واستراتيجيّات للحدّ من هذا التلوث الذي يقتلنا بأمراضه ومواده المسرطنة.

لدى أستاذة مادة الكيمياء في الجامعة الأميركية في بيروت والمتخصّصة في تلوّث الهواء ومديرة مركز حماية الطبيعة، الدكتورة نجاة عون صليبا، الكثير من المُعطيات والأرقام التي تكشف حقيقة واقع التلوث، وهي تعرف جيّداً كيف تُلخّص ذلك. الانطلاقة كانت مع الدراسة العلمية التي أعدّتها الجامعة الأميركية في بيروت حول الملوثات المسببة للسرطان الصادرة عن المولّدات العاملة بالديزل، وذلك بتمويل من الجامعة الأميركية وبالتعاون مع الدكتورين عصام لقّيس وآلان شحاده.

رصدت الدراسة «الملوثات الصادرة عن المولدات العاملة بالديزل في منطقة الحمرا حيث شملت نحو 588 بناية سكنية من ضمنها 50 فندقاً». وأظهرت وجود 469 مولّداً في هذه المنطقة، وهو عدد هائل، مقارنةً بمساحة المنطقة، أي ما يقارب مولّداً واحداً لكلّ مبنيين. إزاء هذا الواقع، وإذا سلّمنا جدلاً بتشغيل هذه المولدات لمدة 3 ساعات يوميّاً في الوقت ذاته، فنحن نستهلك نحو 40 طنّاً من الفيول الذي يُنْتَج منه نحو ١،٥  طن من ثاني أوكسيد النيتروجين NO2 في الهواء.

عدد الجزيئات المنتشرة في الهواء الطّلق في لبنان […] أضعاف ما هو مسموح به وفق منظمة الصحّة العالمية.

وجود هذا العدد الهائل في مساحة صغيرة، يفسّر نسبة الجزيئات الخطيرة المسببة للأمراض والسرطان، حيث تسجّل تقريباً نحو 50 ميكروغراماً في المتر المكعب عند تشغيل هذه المولدات جميعها في التوقيت نفسه لمدة 3 ساعات فقط. إذاً، «تشغيل المولدات العاملة بالديزل في بيروت، يشكّل نسبة نحو 40 بالمئة من كميّة الهيدروكربونات الأروماتية المتعدّدة الحلقات التي يتعرّض لها السكّان في منطقة الحمرا. وإن استعمال المولّدات العاملة بالديزل في بيروت، ثلاث ساعات يوميّاً، يزيد من نسبة التعرّض للمسرطنات نحو 60 بالمئة عن المستويات الطبيعية، وهي أعلى بكثير في المناطق التي تعمل فيها المولّدات 12 ساعة في اليوم».

تشير الدراسة أن «هذه ليست سوى عيّنة صغيرة من واقع أكبر، ففي قراءة تقريبيّة، قمنا بدراسة استنتاجية عن توزيع المولّدات في منطقة بيروت الكبرى استناداً إلى نتائج منطقة الحمرا. وأظهرت النتائج أنّ استهلاك المولّدات يقارب الـ 750 طناً من الفيول وإنتاج نحو 30 طناً من ثاني أوكسيد النيتروجين وطنّاً من الجزيئات. علماً أنّ عدد الجزيئات المنتشرة في الهواء الطّلق في لبنان يراوح بين 30- 25 ميكروغراماً في المتر المكعب، وهو أضعاف ما هو مسموح به وفق منظمة الصحّة العالمية».

مشكلة النفايات في لبنان أحدثت كوارث بيئية خطرة جداً.

تشدّد الدراسة عن تلوّث الهواء على أنّ «مشكلة التلوّث ليست محصورة في مدينة بيروت فقط وإنّما تشمل كل المدن اللبنانيّة، وليست محصورة في المولّدات والانبعاثات الصادرة منها، وإنّما تطال أيضاً مشكلة السيارات القديمة التي تنتج منها انبعاثات سامة أهمّها ثاني أوكسيد الكربون وثاني أوكسيد النيتروجين والجزيئات وغيرها من الانبعاثات التي تؤثر في نوعية الهواء وزيادة السموم والمواد المُسَرطنة فيه». بناء عليه، تكشف دراسة تُعدّها الجامعة الأميركية في بيروت عن وجود نحو مليون و500 سيارة صغيرة بين 2005 و2006 بلغ عمرها 19 عاماً. هذا الواقع يعكس أزمة حقيقية على أرض الواقع، فهذه الانبعاثات الناتجة من السيارات القديمة، تكون سامّة كلّما طال بقاؤها وازداد عمرها. وهي تكون أعلى من السيارات الحديثة المبرمج للسيطرة على هذه الانبعاثات بفضل التكنولوجيا الصناعية. فكلّما كانت السيارة قديمة أنتجت موادَّ سامة.

لا يخفى على أحد أنه يُحكى عن أرقام كثيرة في مسألة التلوث الهوائي، سواء من المولدات والمصانع أو حتى السيارات. وفي الحديث عن حماية نوعية الهواء، أنشأت وزارة البيئة في العام 2013 خمس محطّات لرصد نوعيّة الهواء في لبنان شكّلت قاعدة أساسية وأولوية لهذا البرنامج. وفي العام 2017 الجسيمات، ومختبر قياس واحداً، وثماني محطات مستقلة لرصد الطقس.

إنّ مراقبة نوعية الهواء هي الخطوة الأولى في مكافحة تلوّث الهواء والاتجاه نحو اعتماد استراتيجية لإدارة نوعية الهواء. وعلى الرغم من إقرار مجلس النوّاب في 13/ 4/ 2018 قانون حماية نوعية الهواء رقم 78، إلّا أنّ القانون هذا لم يترافق مع أيّة خطة عمل أو إجراءات للتخفيف من مصادر التلوث. كما لم نسمع أو لم تتمَّ مشاركتنا بأيّة نتائج حول ما أظهرته محطّات رصد تلوث الهواء. وفي انتظار وضع استراتيجيات واقعية يُعمل بها على، استُكملت المرحلة الثانية التي شملت 10 محطات لرصد نوعية الهواء مجهزة بالكامل، وثلاث محطات لرصد رض الواقع. ويكشف تقرير منظمة الصحّة العالمية هول مخاطر التلوث على صحتنا، إذ بيّن أنّ أكثر من 90%  من سكان العالم يتنشّقون هواء مُلوّثاً، أي أنّ هناك تسعة من كلّ 10 أشخاص في العالم يتنشقون هواء يحوي مستويات عالية من الملوثات. وبحسب بيانات المنظمة، يموت نحو سبعة ملايين شخص سنويًّا نتيجة تعرّضهم لجزيئات دقيقة تتسلل عميقاً إلى الرّئتين  وفي النظام القلبي ـ الوعائي، الأمر الذي يؤدي إلى أمراض  مثل الجلطات الدماغية ومشاكل القلب وسرطان الرّئة.

من معمل الجِيّة، إلى مولّدات الكهرباء، فالسيارات… أزمة لبنان البيئية تتفاقم

الياسميــن الأصفــــر الجميــــل ..القــاتــــل

الياسميــن الأصفــــر الجميــــل ..القــاتــــل

كل جـزء منـــه سام وحتـــى رحيـــق الأزهـــار
مميت ليرقات النحـل والعامـــلات الصغيـــرات

تناول زهرات قليلة منه قد يصيبك بالشلل أو الموت
لكن طب الأعشاب صنع منه ترياقاً لكثير من الأمراض

كتب المحرر الزراعي
كم مرة صدف أن مررت بمنازل تزين أسوارها أو مداخلها صفوف من الياسمين الأصفر المنورة بأغصانها الطويلة المتدلية وأوراقها الخضراء ومجموعات الأزهار الصفراء التي تعطي لهذه الشجيرة زهواً مدهشاً، ومع هبوط الليل تطلق أزهار الياسمين الأصفر شذاها الرائع ليحمله النسيم العذب إلى النوافذ والشرفات. هذا بالطبع مطلع قصة الياسمين الأصفر فقط وليست القصة كلها لأن للحديث تتمة قد تبدو صادمة للكثيرين وخصوصاً أولئك الذين يتباهون بصفوف الشجيرة العطرة التي تعتلي أسوار حدائقهم أو مداخل بيوتهم.

تتمة القصة هي أن الياسمين الأصفر جميل قاتل بكل معنى الكلمة، لأن زهوره الصفراء تحتوي على سمّ هو من القوة بحيث يمكنه أن يقتل طفلاً بمجرد امتصاصه لزهرات معدودة. فما هي حقيقة هذه الشجيرة التي قد لا يخلو منها حي أو شارع في بعض قرى لبنان؟ وهل يبرر جمال زهورها الاحتفاظ بها بين أشجار الحديقة أم أن سُمِّيتها العالية تحمل مخاطر تجعل من المفضل التخلّص منها؟

لنبدأ بتوضيح مهم وهو أن الياسمين الأصفر Gelsemium sempervirens يختلف تماماً عن الياسمين الشامي الأبيض Jasminum grandiflorum والذي يعتبر جزءاً أساسياً من تراث المدن المشرقية خصوصاً في سوريا ولبنان وفلسطين ويزرع بكثرة في دول حوض البحر الأبيض المتوسط، فهذا الأخير عطري لكنه غير سام وهو يستخدم في إنتاج أفخر العطور الباريسية.

الياسمين المزيَّف
أما الياسمين الأصفر فموطنه الأصلي هو الولايات المتحدة الأميركية، وهو شجيرة مستديمة الخضرة مزهرة ذات أغصان رفيعة تشبه السلك، وهي سريعة النمو ويمكن أن يصل ارتفاعها من 3 إلى 6 أمتار، ويتم استخدام العطر الذي تكونه زهرة الياسمين الأصفر في بعض أنواع العطور، لكن الخاصية الأهم التي عرف بها هو أن كل أجزائه تعتبر سامة، مما يفرض درجة معينة من الحذر في التعامل معه والانتباه لإمكان تناوله من قبل الأطفال الذين قد تغريهم ألوانه وحلاوة أزهاره ولا يدركون أنه سمّ زعاف، لهذا السبب، فإن من بين الأسماء التي أطلقت على الياسمين الأصفر اسم “الياسمين المزيّف” False Jasmine بينما اشتهر أحياناً باسم ياسمين كارولينا Carolina Jasmine لوجوده بكثرة في ولاية كارولينا الجنوبية الأميركية التي اتخذته رمزاً للولاية. ويوجد الياسمين الأصفر كنبات بري في الولايات الجنوبية الأميركية، لكنه زرع لاستخدامه كسياج للحدائق بسبب نموه السريع وميله للتشكل في شبكة أغصان كثيفة ومتداخلة وبسبب قوة نموه، لكن النبتة انتقلت إلى لبنان تدريجياً حيث استخدمت كنبات زينة بسبب سهولة زرعها وإمكان تكثيرها بالفسائل والعقل، لكن من المؤكد أن القليل من أصحاب هذه الشجيرات لا يعلم أن مظهرها الجميل يخفي مخاطر شديدة بسبب سميتها التي تقترب من سمية نبات سم الشوكران Hemlock المميت، وقد اشتهر الأخير بأنه أعطي لسقراط الحكيم في الكأس الذهبي الذي تجرعه وأدى إلى موته.

الياسمين الأصفر الجذاب القاتل
الياسمين الأصفر الجذاب القاتل

السم عندما يصبح ترياقاً
إن استهلاك أي قسم من أقسام النبتة يؤدي إلى آلام مبرحة تؤدي الشلل أو الغيبوبة أو الموت وذلك حسب الكمية التي تم تناولها، لكن كما في يحدث في طب الأعشاب فإن السم قد ينتج منه علاج شاف لبعض الأمراض، وبالفعل فإن الأجزاء الغضة من جذور النبتة السامة تستخدم من قبل الطب التماثلي Homeopathy في تحضير علاج لبعض حالات الخلل العصبي أو الجسدي، وقد تم استخدام الياسمين الأصفر في القرن التاسع عشر في الولايات المتحدة لأغراض علاجية وجرى استخدام أزهاره أو جذوره من قبل السكان الأصليين (الهنود الحمر) لتحضير محاليل مسكنة للألم أو مخدَّرة أو كعلاج للحمى أو الربو أو السعال الديكي، وهناك نصوص قديمة جاء فيها أن أزهار الياسمين الأصفر استخدمت لصنع شاي يعالج اللهاث والسعال والاضطرابات المعوية. لكن استخدام الياسمين الأصفر اضمحل بعد ذلك بالنظر الى دقة عملية تحضيره وسميته العالية بكل جزء من أجزاء النبتة.

خطر الياسمين الأصفر على النحل
بالنظر إلى انتشار الياسمين الأصفر في الولايات الجنوبية للولايات المتحدة، فإن الأميركيين يمتلكون تجربة طويلة مع هذه النبتة، وقد أعدّت دراسات وكتب عن الآثار السامة للياسمين الأصفر على الإنسان والحيوان والنحل، والمهم هنا أن أكثر الدراسات والمقالات العلمية التي نشرت تؤكد خطر الياسمين الأصفر على خلايا النحل، وقد جاء في تقرير أعدّه كيميائي في ولاية جورجيا في آذار سنة 1919 طلب منه تحليل عسل قيل إنه أدى إلى حالة تسمم لدى بعض الأفراد أنه وجد فيه حبوب لقاح من الياسمين الأصفر.
وكتبت إحدى مربيات النحل في سان فرانسيسكو في العام 2013 تقول: إن هذه النبتة رغم كونها نبتة أميركية أصلية ليست مما يجب زرعه في أي مكان بسبب سميتها العالية جداً وإضرارها بالنحل لذلك دعت الكاتبة إلى الاستغناء عن هذه النبتة كما دعت من توجد في حديقته لأن يقتلعها.
وكتب نحال سنة 1879 يقول إنه لاحظ منذ تسع سنوات أنه في كل مرة يبدأ موسم إزهار الياسمين الأصفر كانت نحلاته تتعرض لاعتلال مميت كان يصيب بصورة خاصة النحلات الصغيرات وكان المرض يختفي فجأة بمجرد انتهاء موسم إزهار تلك النبتة، ولاحظ النحال أن أعراض تسمم النحل برحيق الياسمين الأصفر كانت تمدداً في بطنها وتصرف النحل كما لو كانت تحت تأثير الكحول، وكانت بعض النحلات وقد بدا أنها خسرت قوتها العضلية تزحف خارج الخلية حيث كانت تموت، وكانت كميات النحل النافقة كبيرة.
وجاء في تقرير أعدّته وزارة الزراعة الأميركية في العام 1936 : إن العاملات الصغيرات من النحل تتأثر فوراً بالتعرض لرحيق الياسمين الأصفر حيث تموت بعد مدة قصيرة، بينما لم يلاحظ التأثير نفسه على العاملات الناضجات. وأضاف التقرير أن يرقات النحل والعذارى ماتت بتأثير تغذيتها برحيق الياسمين الأصفر حيث بدت محنطة في العيون السداسية. لذلك يمكن القول إن تعرض الخلية كلها لرحيق الياسمين الأصفر أدى إلى إضعافها بصورة كبيرة.

الوضع في لبنان
لا يوجد الياسمين الأصفر في لبنان كنبتة برية ولا توجد منه كميات يمكن أن تؤثر على النحل السارح، لكن النحال الذي يجد في بيته الكثير من تلك النبتات التي ربما زرعت للزينة عليه أن ينتبه لأثرها المحتمل على الخلايا خصوصاً وأن الياسمين الأصفر يزهر في وقت مبكر من الربيع وقبل تفتح الأزهار البرية التي يتغذى عليها النحل وهو لذلك قد يكون لفترة مصدر غذاء أساسياً للنحل ويمكن لهذا السبب أن يؤثر على الخلية. وفي هذه الحال، فإنه من الأفضل اقتلاع تلك النبتات الغريبة عن بلادنا لأن أثرها التزييني قد لا يعادل ضررها على النحل وخطرها المحتمل على الأطفال أو بعض الحيوانات.

خنفساء الصنوبر تهدد غابات لبنان

خنفساء الصنوبر
تهدد غابات لبنان

تراجع تساقطات الأمطار والتقليم الجائر والتلوث البيئي
وفّرت الظروف المثلى لانتشار مرض يباس الصنوبر

مطلوب تحرك من البلديات لإزالة الأشجار المصابة
وتوفير الإرشاد ووسائل المكافحة لمالكي الغابات

أشجار صنوبر أصابها اليباس بسبب الخنفساء
أشجار صنوبر أصابها اليباس بسبب الخنفساء

يعتبر لبنان مركزاً هاماً للتنوع الحيوي Biodiversity كونه يجمع بين بيئات متعددة جبلية وساحلية وداخلية وتتعايش فيه عشرات بل مئات الأصناف من الأشجار والأزهار والنباتات البرية المتنوعة وذلك جنباً إلى جنب مع الزراعات التقليدية للزيتون والتين والكروم والفاكهة فضلاً عن الزراعات والأصناف التي أدخلت لاحقاً مع تزايد عمليات التبادل الزراعي مع الدول الأوروبية والآسيوية. لكن وسط هذه التغييرات التي نشهدها في المجال الزراعي بقي هناك ثابت أساسي يتميز به لبنان هو غابات الصنوبر التي تزين قممه وسفوحه منذ مئات السنين مع فارق أساسي هو أن الثروة الصنوبرية باتت تشكل مورداً اقتصادياً مهماً جداً لأصحابها بسبب ارتفاع أسعار الصنوبر البلدي وزيادة الطلب عليه، لذلك، فإن الأنباء المتزايدة عن انتشار حالات يباس في أشجار الصنوبر وظهور آفات لم تكن موجودة سابقاً مثل خنفساء الصنوبر يثير قلق المالكين كما يواجه الدولة وخصوصاً وزارة الزراعة بتحد جديد يتمثل في كيفية حماية هذه الثروة الحرجية وهذا المورد الاقتصادي للبنان. وبسبب تزايد انتشار حالات يباس الصنوبر فإن الحاجة باتت ماسة لوضع استراتيجية مكافحة فعالة وسياسات وقائية تحول دون عودة الآفات الحالية، وإلا فإن لبنان مهدّد بخسارة مساحات خضراء شاسعة، ومرفق اقتصادي مهم ومكون أساسي من مكونات البيئة اللبنانية الفريدة.
تشير مراكز الأبحاث البيئية في لبنان إلى أن لبنان يحتوي على 125 نوعاً من الحشرات، وهي نسبة تركز جغرافي عالية ، إذ إن بلداً مثل السويد تقدر مساحته بنحو 450,000 كلم2 يحتوي على 120 نوعاً فقط، لكن هذا الفارق طبيعي بسبب اختلاف المناخ إذ إن السويد تقع في القسم الشمالي النائي والبارد من الكرة الأرضية وهي تتمتع بمناخ قارس جداً في الشتاء وبارد عموماً على مدار السنة، بينما ينتمي لبنان إلى منطقة المناخ المعتدل المائل إلى الحرارة في الصيف، وهذا المناخ يولّد عوامل مشجعة لانتشار الكائنات الحشرية والطفيلية. لكن يجب القول إن عوامل حديثة تتعلق بانتشار العمران وانحسار المساحات الخضراء والاستخدام المكثف للمبيدات الكيميائية أدت إلى تراجع مناعة البيئة الطبيعية وانتشار الحشرات والطفيليات والآفات المقاومة للمكافحة الكيميائية، وهذا هو التفسير الأهم لتزايد هجمات الطفيليات والآفات والتي باتت تصيب أكثر المحاصيل اللبنانية، وها هي شجرة الصنوبر تأخذ قسطها من هذا التدهور في البيئة الطبيعية والزراعية اللبنانية.

نموذج للضرر الفادح الذي تسببه يرقات خنفساء الصنوبر
نموذج للضرر الفادح الذي تسببه يرقات خنفساء الصنوبر

آفات لم تكن معروفة
تمثّل أشجار الصنوبر نظاماً إيكولوجياً فريداً كان على العموم وحتى وقت قريب بمنأى عن الآفات، حتى دودة الصندل لم تكن معروفة بسبب وجود الأعداء الطبيعيين في بعض أنواع الطيور مثل السفاري، لكن تراجع أعداد تلك الطيور بسبب الصيد الجائر أدى إلى اختفائها تقريباً الأمر الذي سمح لدود الصندل بالتحول إلى وباء حقيقي يرهق المزارعين ويتطلب سنوياً جهوداً كبيرة للمكافحة وتنقية الأحراج الصنوبرية، وقد بدأت أعشاش دودة الصندل مثلاً ترى على أشجار الصنوبر المثمر (وليس أشجار الصنوبر البري – اليرز- فقط) وهذا في حد ذاته مؤشر إضافي على تراجع صحة البيئة الحرجية وتزايد ضغط الآفات وقدرتها على مقاومة عمليات المكافحة. ومن الآفات التي تصيب الصنوبر المثمر حشرة Leptoglossus occidentalis التي تصيب الأكواز (الثمار)، أما أخطرها وهي المتسببة في يباس أشجار الصنوبر فهي حشرة Tomicus Destruens التي بدأت تعاني منها غابات الصنوبر المثمر وتعتبر الأضرار الكبيرة التي أوقعتها تلك الحشرة في صنوبر حرج بيروت الذي بات منتزهاً ومتنفساً أساسياً لسكان العاصمة مثالاً واضحاً على خطورة هذه الآفة والحاجة الماسة للتصدي لها، وقد شملت عمليات مكافحة آفة خنفساء الصنوبر في تلك البقعة الجميلة من العاصمة إزالة ما يزيد على 700 شجرة مصابة من أصل 4500 شجرة أي حوالي 15 في المئة من الأشجار وهذه نسبة كارثية، لأن نسبة 5 في المئة هي من دواعي التدخل، كما تم استخدام المبيد المعروف باسم Lambda-Cyhalothrin مرة كل 15 يوماً، فضلاً عن توزيع المصائد الفيرومونية طول فترة الصيف حتى بداية تشرين الأول، وتقول مصادر الخبراء إن حرج بيروت دخل نتيجة لذلك التدخل الواسع مرحلة التعافي ، لكن المسؤولين مستمرون في عمليات المرافقة.

دورة حياة خنفساء الصنوبر
يقول الخبراء إن حشرة Tomicus موجودة في لبنان منذ زمن بعيد، إلا أن خطرها وحالات الإصابة بها بدأت تتزايد في أواخر القرن الماضي ومطلع القرن الحالي، وتعتبر الحشرة من “الخشبيات” أي أنها تقطن خشب الأشجار، وتتغذى يرقاتها في المنطقة من اللحاء والخلايا الوعائية المسؤولة عن نقل المياه من التربة والغذاء من الأوراق التي تسمى xylem، وهي تتغذى عليه، وفي الحالات الطبيعية لا تؤثر على الأشجار، كون الأشجار الصحيحة لديها مناعة كافية للقضاء عليها، إنما عندما تكثر هذه اليرقات بصورة كبيرة كما يحصل الآن أو عندما تنخفض مناعة الشجرة نتيجة عوامل طبيعية مثل الجفاف أو التغييرات المناخية غير الملائمة فإن في إمكان هذه الحشرات أن تتكاثر بسرعة وتقضي على الشجرة بالجوع والعطش، وهو ما يؤدي في نهاية المطاف إلى حالات اليباس.

صنوبرة مصابة
صنوبرة مصابة

راقبوا صنوبركم في آذار
وتبدأ دودة خنفساء الـ Tomicus دورة حياتها في آذار بمجرد ارتفاع حرارة الجو وقد يتأخر نشاطها إلى مطلع أيار في حالات الشتاء البارد وتأخر الجو الدافئ، وتبدأ الحشرة بالتزاوج في شهر أيار ثم تبدأ بالتغذي على لحاء الأغصان، ولاسيما المجموعات الطرية أو النموّات الجديدة، ويقدر الخبراء أن الشجرة المصابة تأوي عادة نحو 3000 حشرة بالغة نصفها من الإناث كحد أدنى، وهذه الحشرات تضع بيضها في لحاء الشجرة، ويبلغ عدد البيوض لكل منها ما بين 100 و120 بيضة، تفقس معظمها وتبدأ بالتغذي على اللحاء، أي أننا في نهاية الدورة نصل إلى ما يزيد على 150 ألف حشرة بالغة، ستعود لتبيض، وتعيد الدورة، وبعد نفاذ الغذاء، أي يباس الشجرة، ستنتقل إلى شجرة جديدة وهكذا، في السنة الأولى قد تصاب شجرة، لتصاب عدة أشجار أخرى في جوارها، وبعدها تنتقل الآفة لتصاب عشرات الأشجار في الموقع الحرجي. وبالنظر إلى التوارد التصاعدي أو التضاعفي لهذه الشجرة exponential فإن الحشرة تعطي 100 والـ 100 نصفها أي الإناث ستعطي مئة فلا غرابة أن يصل عددها في وقت قصير إلى الملايين!
ولحسن الحظ فإن دورة حياة خنفساء الصنوبر قصيرة لا تتعدى سنة واحدة وبعدها تنفق، وإلا فإن الكارثة ستكون أسرع، لكن في المقابل فإن خطر هذه الحشرة يتضاعف بسبب عدم وجود أعداء طبيعيين سوى نقار الخشب وهو نادر للغاية في بلادنا، كما إن الحالة لا تصيب الصنوبر فحسب، وإن كانت تفضلها، بل تصيب كل شجرة تحتوي جذعاً خشبياً، وغاباتنا فيها 12.700 هكتار صنوبر مثمر، و14 ألف هكتار صنوبر بري (يرز) وليست كلها مهددة بنفس الدرجة لأن المرض يزداد احتماله كلما انخفض الارتفاع عن سطح البحر وقلّت رطوبة التربة (الجفاف)..لهذا فإن من الممكن أن نربط بين تزايد حالات يباس الصنوبر بسبب عمل الخنفساء وبين تراجع معدل هطول الأمطار في موسم الشتاء وتعرض أحراج الصنوبر لحالات جفاف لسنوات عدة متتالية، وهذا التغيير غير المسبوق يرتبط بدوره بظاهرة التغير المناخي والتقلبات المتزايدة في طقس لبنان؛ وهذا المناخ هو الأكثر ملاءمة لتكاثر الحشرات المهاجمة لخشب الأشجار كما إن التقليم الجائر يزيد من ضعف الشجرة لأن الشجرة تفرز مواد تربنتينية تجذب الحشرات، لذا فإن من المفضل عدم القيام بعمليات تقليم لأية أشجار في حال وجود إصابات بهذه الآفة.

الخنفساء
الخنفساء

أهمية التبليغ عن الإصابات
نتيجة لانتشار حالات الإصابة بحشرة الـ Ponticus فقد نصح الخبراء بنشر أكبر قدر من التوعية بشأن هذه الآفة الخطرة وسط المزارعين إلى حد الإعلان عن “حالة طوارئ” والطلب من المواطنين التبليغ عن كل حالة يباس في أشجار الصنوبر وذلك لكي يتمكن المعنيون من اتخاذ الإجراءات اللازمة قبل استفحال الأضرار وانتشار العدوى إلى مناطق جديدة، ومن ضمن الإجراءات التي تم اتخاذها تسريع وزارة الزراعة في إعطاء التراخيص بقطع الأشجار المصابة أو اقتلاعها، وكذلك تطبيق تقنيات معالجة سريعة مثل نزع اللحاء المصاب، وتعريض داخل الشجرة للشمس والهواء لتنفق اليرقات، أو لف الجذوع بالنايلون لخنقها، خصوصاً في الأماكن التي من الصعب نقل الأشجار فيها أو رش الشجرة المقطوعة بالزيوت الصيفية أو الشتوية لعزل اليرقات وخنقها.
ويؤكد الخبراء على ضرورة أن تتم المعالجة قبل آخر أيار أي قبل أن تصل الحشرة إلى أعالي الشجر وتعمل على قضم لحاء الأغصان والتزاوج، وتتطلب المعالجة في هذه الفترة من العام مصائد خاصة تشبه جذع الشجرة، تجلب من تركيا، ومادة فيرومونية موجودة لدى وزارة الزراعة، وهي مادة alpha-Pinene ومادة – Pinene beta ممزوجة مع مادة الإيثانول، ويبلغ سعرها مع العلاج أقل من 10 دولارات، وتدوم فعاليتها أكثر من 10 سنوات علماً أن من الضروري إعادة وضع المادة الفيرومونية الجاذبة داخل المصائد كل ستة أسابيع خلال فترة الإصابة.
ويذكر أن 85 % من الغابات في لبنان أملاك خاصة، مما يرتب على هؤلاء العناية بأشجارهم، علماً أن عدم قيامهم بقطع الأشجار المصاب يحملها مسؤولية معنوية (وفي بلدان أخرى مسؤولية قانونية) لأنهم بذلك يساهمون في انتشار الوباء إلى مناطق مجاورة لهم واستفحال التهديد للثروة الصنوبرية، وأن قانون الغابات الموجود منذ العام 1949 يفرض على المالكين أن يقوموا بتفريد الأشجار وإزالة اليابسة منها ابتداء من آذار من كل عام.

حشرة-أكواز-الصنوبر-بدأت-تصيب-بصورة-متزايدة-صنوبر-لبنان-2
حشرة-أكواز-الصنوبر-بدأت-تصيب-بصورة-متزايدة-صنوبر-لبنان-2

شبح كارثة حقيقية
على سبيل الاستنتاج، فإن من المهم أن يعي المزارعون وأصحاب الأملاك الحرجية والصنوبرية أننا نواجه شبح كارثة طبيعية حقيقية قد تؤدي إلى إزالة غابات بكاملها وتعرية قمم وأودية لبنانية هي اليوم عنوان جمال الطبيعة اللبنانية وقيمتها الاقتصادية، وأن على البلديات واتحادات البلديات بصورة خاصة التحرّك بسرعة وتنظيم حملات التوعية وتزويد أصحاب الأملاك بالتعاون مع وزارة الزراعة بكافة وسائل المكافحة وعمليات الإرشاد، وعلى البلديات أن تشرف بنفسها على قطع الأشجار المصابة وإزالتها من الغابات وعزلها وعلى جلب المصائد وتوزيعها، وإلا فإن حالات يباس أشجار الصنوبر ستزداد سنة بعد سنة بسبب تفاقم أعداد الحشرات، فالتحدي كبير ولا بدّ أن نكون على قدر التحدي، مواطنين وحكومة وبلديات وجمعيات.

البعوضة اللاسعة كيف ندرأ شرَّها؟

البعوضة المخيفة غرست خرطومها ونالت وجبة المساء

دورة حياة البعوضة

صورة معبرة تظهر البعوض الناضج على سطح المياه الراكدة حيث يضع بيضه بينما تزدحم بركة المياه بيرقات البعوض من مختلف الأعمار

البعوضة اللاسعة كيف ندرأ شرَّها؟

مزوّدة بأحدث تقنيات الإستشعار والهجوم
وأكثر ما يجذبها التنفس والعرق القديم

مادة الـ DEET طاردة للبعوض لكنها ضارة بالإنسان
وأهم البدائل الطبيعية زيت السيترونيلا والفيتامين B1

سهرات الصيف في الجبل على الشرفات وفي الصالونات والميادين أوقات سمر ومودة ومرح، لكن كائناً بالكاد تلحظه في تلك اللقاءات له القدرة على أن ينغص الجلسة ويصرف الحضور عن سمرهم إلى معاناة القرص والحك والأزيز الملحاح والمزعج حول الرؤوس الحائرة.
إنها البعوضة شريكة الصيف غير المرغوب بها، الهابطة على السهرات من دون دعوة ولا إذن لتبدأ اللسع الصامت لمن يعجبها من الحضور ويقول العلماء إن واحداً من كل خمسة أشخاص يعتبر من الأهداف الجذابة للبعوض، فهل أنت جاذب للبعوض وماذا يمكنك أن تفعل لتجنب أذاه خصوصاً في أشهر الصيف؟

الهجوم عن بعد
السبب الأهم لنجاح البعوضة في إقلاقنا هو أن بإمكانها أن تستشعر وتحلل عدداً كبيراً من العناصرالكيماوية الموجودة في جسدنا أو على جلدنا من مسافة لا تقل عن 40 متراً. لكن هناك فارق أساسي وهو أن ذكر البعوضة لا يهاجم الإنسان أما أنثى البعوض فأمر مختلف فهي عطشى دائماً للبروتينات وعنصرالحديد الموجود في دم الإنسان لكي تستطيع أن تضع بيضها. وفي ضوء المكتشفات العلمية الأخيرة، فإن هناك عناصر تجتذب البعوضة إلى جسدنا أهمها التالي:
البكتيريا: هناك أكثر من تريليون ميكروب تنتشر على جلدنا وتحدد رائحة جسمنا. 10% فقط من تلك البكتيريات مشتركة بين الناس، أما الـ 90% الباقية فتختلف باختلاف الفرد، والبعض منا يمتلك كوكتيلاً من البكتيريات يبدو جذاباً جداً للبعوض.
العناصر الكيماوية: عندما تبدأ البعوضة بتحليل جسدنا فإنها تبحث عادة بين نحو 227 عنصراً كيماوياً تم عزلها وتحديدها كعناصر جذب للبعوضة.
أكثر العناصر جاذبية للبعوض هو حامض اللاكتيك Lactic acid وحامض الكاربوكسيليك والأوكتنول الموجود في نفس الإنسان عند إخراجه الهواء من الرئتين وفي عرقه، وأكثر ما تحبه البعوض هو ثاني أوكسيد الكربون وهو الغاز الذي نخرجه من الرئتين ضمن عملية التنفس.
كلما أخرجت ثاني أوكسيد الكربون كلما كنت أكثر جاذبية للبعوض ولهذا، فإن الأشخاص ذوي البدانة يخرجون عادة قدراً أكبر من ثاني أوكسيد الكربون الأمر الذي يجعلهم عرضة للسعات البعوض أكثر من الأشخاص النحيلين، وهذا أيضاً السبب في أن الأطفال أقل عرضة للسعات البعوض من الأشخاص الكبار.
الحركة والحرارة: ينجذب البعوض إلى الشخص عندما يكون متحركاً بسرعة (كما عند ممارسة الرياضة في الصيف) فعندها يكون البعوض قد وجد هدفه الأمثل.

البعوض يحب العرق القديم
على عكس الظن السابق بأن البعوض ينجذب إلى عَرَق الإنسان، فإن الأبحاث العلمية أظهرت أن العرق في حد ذاته ليس هو ما يجذب البعوض، إنما هي البكتيريا التي تتوالد في العَرَق عندما يمرّ عليه وقت معين، وهذا يعني أن العرق لا رائحة له وهو يكتسب رائحته الخاصة من تكاثر البكتيريا فيه، وعندها يصبح جاذباً جداً للبعوضة التي تحب “العرق المتخمر”.
وقد أظهرت دراسة جرت في العام 1999 أن البعوض الناقل لجرثومة الملاريا ينجذب إلى الشخص بعد مرور يومين على تعرّقه دون أن يكون قد اغتسل وأزال العرق. ويؤدي تكاثر البكتيريا في العرق إلى إفراز الأمونيا وإلى تحول العرق البشري من محلول حمضي إلى محلول قلوي مناسب لعمل البعوضة.
لكن كما إن البعوضة تنجذب بقوة إلى رائحة معينة في بعض الأجسام، فإن أجساماً أخرى تفرز رائحة تحدث تشويشاً في عمل البعوضة وأحد هذه العناصر هو المتيل بيبرزين الذي يشل حاسة الشم لدى البعوضة بفعالية تجعلها لا تشعر أبداً بوجود اليد البشرية التي تشتهيها في المكان، لهذا فقد تم صنع بخاخات تحتوي على هذا العنصر لتضليل البعوضة لكن العلماء لم يفلحوا حتى الآن في منع تبخر تلك المادة ضمن مدة معينة. ويبدو أن بعض الأشخاص يفرزون قدراً أكبر من هذه المادة الأمر الذي يجعلهم لا يظهرون على “رادار” البعوضة وهو ما يفسر لماذا يتعرض بعض الأشخاص للسعات أكثر من غيرهم.

كيف تحمي نفسك؟
في السوق حالياً مئات المنتجات الطاردة للبعوض لكن الذي يدخل في تركيبها العنصر الفعال DEET لكن لهذا العنصر الكيميائي الذي يمكنه أن يذيب البلاستيك محاذير كثيرة على صحة الجلد وصحة الجهاز العصبي، خصوصاً بالنسبة الى الأطفال الذين يمتص جسمهم هذا العنصر الكيميائي بدرجة أكبر، وقد أثبتت 30 سنة من الدراسات لأثر الـ “ديت” على الصحّة أنه يساهم في ضعف الذاكرة وأوجاع العضلات والدوخة وتهيّج الجلد ومشاكل التنفس والصداع..
عنصر كيميائي آخر قد تجده في المحاليل الطاردة للبعوض هو البرمترين وهو من فئة العناصر الكيميائية المعروفة بأنها تسمم الجهاز العصبي، كما إن وكالة حماية البيئة في الولايات المتحدة اعتبرت البرمترين مادة مسرطنة يمكنها أن تتسبب بحصول أورام في الرئتين وفي الكبد وإضعاف نظام المناعة، كما إن البرمترين سام جداً للبيئة وخصوصاً للنحل والحياة المائية.

إجراءات احتياطية لاجتناب لسع البعوض
1. المياه الراكدة : يجب التخلص من أي مياه راكدة حول المنزل أو في الحديقة حتى ولو كانت في وعاء صغير لأن هذه المياه ستصبح حاضنة ليرقات البعوض.
2. ارتدِ ثياباً فاتحة اللون وواسعة نسبياً مع أكمام طويلة وبنطال مع كلسات
3. إجراءات مساعدة: الماريغولد أو أزريون الحدائق يفرز رائحة طاردة للبعوض، استعمال مروحة كهربائية في الخارج يساعد على طرد البعوض، أبو مغيزل أيضاً من أكبر مفترسي البعوض فلا تؤذوها.

علاجات طبيعية
هناك بدائل طبيعية لمادة الـ “DEET” المضرة وهي بدائل لا تقل فعالية عنها لكن من دون أي آثار جانبية منها ومن هذه البدائل:
• زيت ورق القرفة، أظهرت دراسة أنه أكثر فعالية في قتل البعوض من الـ “ديت”
• امسح زيت الفانيلا عيار 14 ممزوجاً بزيت الزيتون على المناطق المكشوفة من الجلد
• امسح زيت سيترونيلا صافياً (بنسبة 100%) على الجلد
• فيتامين B1 يجعل رائحة الشخص منفرة للبعوض وبما أن الفيتامين يذوب في الماء فإنه يذهب في البول ولا يبقى في الجسم، لذلك ينصح أطباء1 بتناول حبة واحدة يومياً من الفيتامين B1 خلال أشهر ظهور البعوض بين نيسان وتشرين الأول.

كيف تعالج لسعات البعوض؟
هناك مجموعة من الأعشاب التي يمكنها التخفيف من لسعات البعوض أهمها التالي:
1. الألوفيرا Aloe Vera
2. أزريون الحدائق Calendula
3. البابونج
4. زيت الخزامى أو زيت الزنزلخت
5. خل التفاح
6. الحبق
7. السيترونيلا

كما إن أطباء العلاج الطبيعي ينصحون باستخدام الثلج أو الحرارة العالية لمعالجة موضع اللسعة ويكون ذلك إما بوضع قطعة من الثلج على المكان المصاب وإما بالضغط على مكان اللسعة بملعقة صغيرة محماة على النار إلى درجة معينة بحيث تكون ساخنة يمكن احتمالها دون أن تسبب حروقاً. ويمكن تحمية الملعقة بوضعها تحت صنبور الماء الساخن أو وضعها في ماء ساخن مع اختبار الحرارة قبل وضعها على الجلد، وهذه الطريقة ستزيل ألم اللسعة وتطهر الجلد في الوقت نفسه فلا يتعرض إلى التهيج.

سد بسري

أحدُ أكبرِ السّدود المائيّة في لبنان

سَدُّ بِسْرِي يُنهي عطش بيروت
ويعزّز السّياحة في الشّوف وجِزّين

مهندس المشروع إيلي موصلّلي لـ “الضّحى”

بُحيـــرة السَــد ستكــون بطــول 1000 متــر وعــرض كلــم واحــد
والمشاريــــع السّياحيــــــــة مُتاحــــــة ضمــــــن ضوابــــــط بيئيّـــة

ســــــــدّ بِســــري مقـــــــــاوم للــــــزّلازل بسبــــب تِقَنيّــــات بِنائِــــه
كســــدٍّ ركامــــــيّ مــــــــن الصّخــــــــور بــــــدلاً من الإسمنــــــــت

تغــــــــــــــــــذية بحيـــــــــــــــــرة بِسْــــــــــــــــــري من الميــــــــــــــاه
تصــــــــــل إلــــــــــــى 125 مليــــــــــون مــتــر مكعــــــــب سنــــوياً

بعد إقراره من قِبَل الحكومة، والمباشرة بتنفيذه من قبل مجلس الإنماء والإعمار، يكتسب سّد بسري أهمّية خاصّة، بالنّظر إلى وجوده في أهمّ وأجمل بُقعة جغرافيّة عرفها لبنان، على تخوم منطقتيّ الشّوف، وجِزّين على مُنْبَسط أرضيّ غنيّ عن الوصف فائق الرّوعة والجمال. أمّا المخزون الإجماليّ من المياه التي سيتمّ تجميعها بعد الانتهاء من تنفيذه، فسيتغذَّى من فائض الينابيع التي تجري في واديه والتي تشكل روافد نهر الأوّلي. وهذا النّهر الجميل الذي تغنّى به الشّعراء واجتهد في وصفه الرّحالة والباحثون، يصبّ شمالي مدينة صيدا مشكّلاً الحدّ الفاصل بين محافظتي الجنوب وجبل لبنان.
وتفيد المراجع التّاريخيّة أنّ ما يعرف اليوم بمرج بِسري كنقطة تلاقٍ لنبعيّ الباروك وجِزّين وما يتبعهما من روافد مائية كان يشكّل في ما مضى، الممرّ الآمن لجميع الجيوش التي غزت لبنان منذ عهد الإسكندر المقدوني، إلى عصر الرّومان، والآشوريين، والبابليين، والكلدانيين، مروراً بالفتح العربي الإسلامي، والصّليبيين، والفاطميين، وصولاً إلى حكم التنوخيين، والمعنيّين، والشهابيّين. هو المكان المُحدّد لإنشاء السَّدّ الذي يُعرف بسدّ بسري. وكلمة المرج تعني المنبسط الشّديد الخضرة، ومرج بِسري مشهور بخصوبة أرضه وبساتينه الغنّاء، وبآثاره الرّومانيّة، والصّليبيّة.أمّا ملكيته فتعود لمجموعة من المستثمرين من باتر ونيحا وعماطور ومزرعة الشوف. ويتوزّع عقاريّاً على تلك البلدات، وعلى بعض بلدات قرى قضاء جزين. وعبره كانت تمرّ ما يسمى بـ “طريق البلاد” التي كانت تربط إمارة الجبل بولايتيّ صيدا، وعكّا. ومن خلاله كانت تعبر قوافل المكارين والتجّار من البقاع والشوف وجزين إلى صيدا وبالعكس وبقي المرج يُستخدم حتى مطلع القرن العشرين. فهو يربط منطقة جزيّن بإقليم الخرّوب عبر بْسابا، ومزرعة الظَّهر، ويربط قرى وبلدات الشّوف الأعلى، عبر بوابة باتر الشّهيرة، وكلّ هذه الدّروب كانت تخضع لنقطة مراقبة أنشئت في شقيف تَيرون أو قلعة نيحا الشهيرة.
أما السّدّ الذي باشر مجلس الإنماء والإعمار بتنفيذه كما أسلفنا، فهو اليوم في مرحلته الأولى، التي تشمل حفر أنفاق بطول 20 كلم إنطلاقاً من الدامور، وصولاً الى الوردانية بنفق يبلغ طوله 15 كلم، وسيستكمل من الوردانيّة الى موقع السدّ في بِسري.
أمّا المرحلة الثّانية فتنطلق من الدّامور إلى خزّانات الحازميّة. وقد يستغرق تنفيذ هذه المرحلة 5 سنوات. ولمزيد من المعلومات وتسليط الضّوء على هذا المشروع القيّم التقت “الضّحى” المهندس المشرف على تنفيذ هذا المشروع الأستاذ إيلي موصلّلي،واطّلعت منه على المراحل التي قطعها إلى أن دخل أخيراً مرحلة التّنفيذ. وهنا نصّ الحوار:

> كيف وُلدتْ فكرة سَدّ بِسري، وما هي الجدوى المتوقّعة من هذا المشروع؟
سَدُّ بِسري ليس فكرة جديدة، بل فكرة قديمة يعود تاريخها الى العام 52 19 وذلك عندما اقترحت شركةUSBR إنشاء السدّ وأثبتت الجدوى من إنشاء هذا السّد في هذه المنطقة بالتّحديد. ثم جرى إدخال مشروع السدّ في منظومة مشاريع عبد العال التي نَفّذت ما يُعرف بمشروع اللّيطاني ونهر الأوّلي، وهي الشّركة التي أنشأت بُركة أنان وسَدّ القرعون.

> متى بدأت الدّراسات الهندسيّة تمهيداً لعمليّة التنفيذ؟
وُضِعت الدّراسات الأولى من قبل المصلحة الوطنيّة لنهر اللّيطاني في الثمانينيّات، وبعدها تم تحويل المشروع إلى مجلس الإنماء والإعمار، وذلك في العامين 1998 و1999. وكانت هذه الدّراسة عبارة عن استقصاءات جيوتقنيّة، بوشر بعدها بإعداد الدّراسات التّقنيّة. وكان هناك استحالة لتنفيذ المشروع نظراً لوجوده على الحدود بين الشّوف وجِزّين التي كانت تحت سلطة الاحتلال الإسرائيلي. فقد كان هناك صعوبة وصول المهندسين والخبراء إلى المنطقة، وخاصة لدراسة وضع التربة، فتوقف المشروع. وهذا من الأسباب، التي أخَّرت التّنفيذ الى هذا الوقت.
أمّا السّبب الثّاني للتّأخير فكان بالدّرجة الأولى ضرورة إيجاد التّمويل اللّازم لتنفيذه. وفي العام 2012 ومع بداية تنفيذ مشروع الأوّلي بتمويل من البنك الدّولي، أعطى البنك الدّولي الحكومة اللّبنانيّة وعداً بتمويل سَدّ بِسري. وبالمقابل قامت الحكومة بتأمين الدّراسات التّفصيليّة للمشروع، وأُقِرّ التّمويل في العام 2014 واليوم أنهينا إعداد معظم الدراسات تقريباً، وباشرنا التنفيذ.

ما هي المناطق التي تستفيد من هذا المشروع؟
تمتدّ المناطق المُستفيدة من الدّامور ساحلاً وإلى الجديدة ــ البوشريّة في قضاء المتن الشّمالي، مروراً بالعاصمة بيروت، والضّاحيتين الجنوبيّة والشّماليّة، وعدد من مدن وبلدات الشّوف الساحليّة، والبلدات المُماثلة في قضائيّ عاليه وبعبدا الساحليّة أيضاً، بما في ذلك الرّميلة، الجيّة، السعديّات، النّاعمة، حارة النّاعمة، الشويفات، كفرشيما، وادي شحرور، بطشاي، بعبدا، الحازميّة، المكلّس، الدّكوانة اللّويزة، الفيّاضيّة، سنّ الفيل، مار روكز، الفنار، الجديدة، والبوشريّة.

> كيف سيتمّ بناء شبكات جرّ المياه إلى هذه المناطق؟
عملية جرّ المياه ستتمّ عبر أنفاق تبدأ من منطقة جون– الوردانيّة، بطول 4 كلم. ونفق آخر من الوردانيّة الى خلدة، بطول 20كلم ومن خلدة يتمّ جر المياه الى خزانات الحازميّة، وبعد ذلك تُوَزّع المياه على المناطق الموجودة في الخارطة الخاصّة بالمشروع عبر قنوات توصيل وأنفاق تحت الأرض بعمق 40 م. والنّفق بحدّ ذاته عبارة عن قسطل مغلّف بالإسمنت من كل جوانبه. كما سيتمّ تمديد شبكات ثانويّة في المناطق المشمولة بالمشروع، مع إنشاء خزّانات صغيرة لتجميع المياه..

> كم سيستغرق تنفيذ المشروع؟
خمس سنوات، وعلى ثلاث مراحل، المرحلة الأولى تمت المباشرة بتنفيذها من الدامور إلى الوردانيّة، وهي كما أسلفنا تنقسم إلى ثلاثة أجزاء: 10 كلم – 10 كلم – 4 كلم.

السّد يروي العاصمة
> ما هي كمية المياه المتوقّع تزويد العاصمة بها؟
في الوقت الرّاهن تتغذّى بيروت من محطّة ضبيّة بـ 250 ألف متر مُكعب يوميّاً أمّا الكمية المتوقّع الإستفادة منها من سَدّ بِسري فتصل إلى 500 ألف متر مكعب يومياً. أمّا عمليّة التّوزيع فتخضع لاستراتيجيّة خاصّة.

> كم تبلغ كُلفة المشروع الإجماليّة؟
نحو 474 مليون دولار تغطّي كلّ الاستثمارات.

> هل حدّدتم سعر متر للأراضي المُسْتملكة في المشروع؟
السّعر النّهائي لم يُحدّد بعد من قبل لجان الاستملاك المختصة، وهي عبارة عن محكمة في الوقت نفسه، مهمّتها البتّ بالأسعار، وجلسات التّحكيم بهذا الخصوص بدأت أعمالها.

> هل لديك فكرة كم سيتراوح السّعر؟
حسب شكل الأرض، وحسب التّصنيف، وهناك فرق بين الأراضي المغروسة والأراضي البور، والأراضي الحرجيّة.

> أين هو مكان السّدّ بالتّحديد؟
السَّدّ يقع ضمن خراج بلدة خربة بِسري، وبالتّحديد بمحاذاة كنيسة مار موسى قرب الجسر الذي يربط بسري بمزرعة الضَّهر وبسابا.
> ما هو إجمالي الاستملاكات؟
المساحة التّقريبيّة تصل إلى حدود 450 هكتاراً، ومع الاستملاكات تصبح 570 هكتاراً. أي أنّ مجموع الاستملاكات تبلغ 50 كيلومتراً مربّعاً.

> الى أين سيصل منسوب المياه وما هو حجم البحيرة التي يُتوقّع أن تنشأ خلف السّدّ؟
المياه ستصل شرقاً وشمالاً إلى بلدة باتر، وخراج عمّاطور ومزرعة الشّوف، بطول يبلغ 5 كلم، وعرض كلم واحد. أمّا ارتفاع السدّ فقد يصل بحسب الدّراسات إلى 73 متراً.

> الدّراسات الجيولوجيّة حول خصائص تربة وادي السّد، هل جاءت مُرْضية هندسيّاً؟
كلّ الدّراسات التي أجريناها، أفادت أنّ هذا هو المكان المناسب من الناحية الجيولوجيّة، نظراً لوجود كميّة كبيرة من الطّمي في مجرى النّهر، ومعظمها طبقات دلغانيّة. كما أنّ تصميم السدّ يلحظ إقامة حائط من الباطون المسلّح بسماكة وافية لمنع تسرّب المياه. حتى في حالات الامتصاص تبقى بداخل التّربة في أرض البحيرة ولن تذهب إلى خارج السّدّ، وهذا الحائط يجب أن يكون بعمق يزيد عن سماكة الطّمي ليمنع تسربه الى خارج السّد. لأنّ الموقع مسطّح، والطّمي متراكم عبر السّنين. مع الإشارة إلى وجود فالق كبير بقلب النّهر، لكنّ ارتفاع الحائط الذي يصل إلى 100 متر، كفيل بمنع تسرّب المياه.

> كم يبلغ ارتفاع المنطقة التي سيقام عليها السدّ عن سطح البحر؟
420 متراً عند أرض البُحَيرة، ومع منسوب المياه سيصبح 500 م

ماذا عن مصادر المياه، وكم تبلغ كميّتها؟
مصادر المياه كما بات معلوماً، ستأتي بالدّرجة الأولى من نبع جِزّين، ومن نبع الباروك، وجميع الينابيع الصّغيرة التي تصبّ في الأودية المؤدّية الى مجرى النّهر، انطلاقاً من الباروك وصولاً إلى بسري. فالدّراسة تفرض حاجة المشروع إلى كميّات كبيرة من المياه، والدّراسة الهيدرولوجيّة تلحظ أنّ الحاجة السّنويّة هي بين 125 مليون متر مكعب إلى 130 مليون متر مكعب. المهمّ في البداية ملء السّدّ، لأنّ المخزون الاستراتيجي غير قابل للاستعمال، والمياه تتجدّد كلّ سنة، وليس لدينا فائض كبير، وبالمقابل لسنا بحاجة إلى مياه إضافيّة.
> كيف سيتمّ منع تراكم الصّخور والأتربة التي تجرفها السّيول إلى البحيرة؟

المهندس-إيلي-موصللي-مدير-المشروع
المهندس-إيلي-موصللي-مدير-المشروع

مصير الثّروة الأثريّة

> من المعروف أنّ مرج بِسري غنيّ بالآثار الرّومانية وغير الرّومانية وهناك كنيسة قديمة، ماذا سيكون مصير تلك الثّروة من الآثار والمواقع التّاريخيّة؟
الآثار، والكنيسة، سيتمّ نقلها إلى مكان قريب للاستفادة منها كمعالم سياحيّة، وهناك دراسة موجودة لدى مديريّة الآثار تشير إلى عمليّة مسح للمكان من قبل بعثة بولونيّة، قامت بتحديد المواقع الأساسيّة التي ستجري الاستقصاءات حولها من أجل إزالتها. وكلّ موقع أثريّ له خصوصيّته. بالنّسبة لكنيسة مار موسى، جرى التّنسيق مع المطرانيّة، والبلديّة، والمراجع الدينيّة في المنطقة لكي تُنقل إلى مكان يحدّد لاحقاً. وكذلك تمّ التّنسيق مع مديريّة الآثار لوضع آلية لنقل الآثار وحمايتها. نظراً لوجودها بقلب البحيرة، وفي خراج عمّاطور. وهذه الآثار عبارة عن أعمدة رومانية، ومعبد للقدّيسة صوفيا، أو سانت صوفيا.

> ماذا سيكون مصير البيوت السكنيّة الموجودة ضمن حَرَم البُحيرة، وهل ستصل المياه إلى مزرعة خَفيشة التابعة لبلدة باتر؟
لا أعرف ما إذا كانت المياه ستصل إلى مزرعة خَفيشة أم لا، لأنّ استملاك المنازل السكنيّة محدود جدّاً ضمن المشروع. ومعظم المنشآت العامّة هي أراض زراعيّة سيتمّ التعويض على مالكيها بالسّعر المناسب.

> ماذا سيكون مصير حُرج عمّاطور والمرامل المُستحدَثة في تلك المنطقة؟
إنّها من ضمن الأراضي المُستملكة لأنّ منسوب المياه قد يصل إلى خراج باتر وعمّاطور. وسنعوّض على البلديات بمبلغ مقبول. وكلّ الأراضي المُستملكة من المفروض أن ندفع ثمنها، والمبالغ الماليّة مقبولة جدّاً
> بماذا ستستفيد القرى المحيطة من السدّ؟
بعد سلسلة اجتماعات أجريناها مع البلديات في السّنوات 2012 و2013 و2014 طرحنا عليهم أن يتقدّموا باقتراحات للاستفادة من المشروع سياحيّاً، وبيئيّاً، واقتصاديّاً. البعض منهم كان متجاوباً، والبعض الآخر ما زال يدرس خياراته. ونحن من جهتنا رصدنا مبلغاً من المال مخصّصاً لإفادة تلك القرى عبر مشاريع صغيرة. ونحن نفضّل أن تتقدّم هذه البلديات باقتراحات بشأنها تكون ذات جدوى ومترابطة بالمشروع، مثل إقامة أماكن للأنشطة العامة، أو مشاريع السّياحة البيئية.

> ماذا سيكون مصير درب المرج الذي ينطلق من مزرعة الشّوف وعمّاطور، إلى مرج بسري؟
أعتقد أنّ هذا الطّريق سيُقفل أو يتحوّل إلى محيط السَّدّ من ضمن برنامج السّياحة البيئيّة

القرى المحيطة
> كيف سيكون مصير القرى المحيطة بالسّدّ التي تتغذّى من مياه الباروك؟
إنّ هدف المشروع هو توزيع المياه على القرى الساحلية الواقعة تحت منسوب البحيرة، لتجنب عملية ضغط المياه أما بسابا ومزرعة الظهر فهما أعلى من السدّ، وكلفة الضّخ من تحت إلى فوق مُكلفة، ونفضّل توزيع المياه بواسطة الجاذبية. وعندما تتغذّى القرى الساحليّة بالمياه بواسطة الجاذبية، نكون قد وفرّنا استهلاك المياه للمناطق العالية التي تتغذى من الباروك بشكل غير مباشر. كما إنّ توزيع المياه على البلدات الساحلية سيكون أفضل بكثير ممّا هو عليه اليوم.

مرج بسري
مرج بسري

هل يترتّب على مجلس الإنماء والإعمار دفع مبالغ ماليّة للقرى التي يتواجد فيها ينابيع تغذّي البحيرة، مثل الباروك، وجزين، والمختارة، وحارة جندل، وجبليه، وباتر؟
إذا وجدت ينابيع أو آبار مستثمرة سيتمّ التّعويض عليها بحسب مُلكيتها.

> هل يمكن توليد الطّاقة الكهربائيّة مستقبلاً؟ هذا الأمر ملحوظ بالدّراسة، وبتمويل مستقل من البنك الإسلامي، وهناك معمل لتوليد الكهرباء بقوة 12 ميغاوات، ويمكن الاستفادة من الفارق في مستوى المياه بين السّد ومعمل شارل حلو، أو ما يُعرَف بمعمل بول أرقش.

دة في معمل أرقش؟
سيتمّ الرّبط على الشّبكة مباشرة، مع زيادة التّوربينات على مجرى مياه مستقل عن المياه المأخوذة من السّد، فيصبح لدينا كما أشرت 12 ميغاوات، سيتمّ ربطها مباشرة بشبكة كهرباء لبنان بواسطة مشروع اللّيطاني. والمشروع خَصص القرى الواقعة في محيط البحيرة بزيادة التّغذية من كهرباء اللّيطاني.

خارطة-المشروع
خارطة-المشروع

لمشاريعُ السّياحيّة

سياحياً، ماذا سيقام على ضفاف السدّ شرقاً وغرباً، أم ستحوّل الأراضي إلى هامش للبحيرة كما هو حال بحيرة القرعون؟
من حيث الاستملاك، هناك منطقة بعمق 15 مترا غير مُستملكة وهي تتطلّب مخطّطاً توجيهيّاً، وقد ناقشنا مع البلديّات حول مصير الأراضي المحيطة بالسدّ من حيث انتشار نشاطات أو عمليات تطوير غير منظّمة، وذلك لمنع التلوّث الذي قد يصيب البحيرة ومياه الشرب. وسنلحظ أيضاً منفعة القرى المحيطة بالبحيرة، وطالبنا البلديّات بوضع تصوّر لذلك. فكانت مناطق جِزّين الأكثر حماساً. ومن بين الأفكار المقترحة، غرس الأشجار في محيط البحيرة. وفي النّهاية يتوجّب على البلديّات المعنيّة وضع الأفكار المناسبة لإقامة مشاريع على جانبي البحيرة تكون جاذبة سياحياً، وسليمة بيئياً. ونحن سسنساعدهم بدراسة المخطّط التوجيهي، لكنْ عليهم تقديم اقتراحاتهم أوّلاً.

هل يسمح لأصحاب الأراضي الخاصّة بإقامة مشاريع سياحيّة على جوانب السّواقي والينابيع التي تتغذّى منها البحيرة؟
هذا الأمر مسموح شرط عدم تلوث البحيرة.

البعض قد يلجأ لإقامة سدود صغيرة على مجاري الأنهر والسّواقي التي تؤدي إلى البحيرة، فهل سيسمح بها؟
كلّ شيء ممكن ضمن القانون. ومن يُرِدْ إنشاء مشاريع سياحيّة في أملاكه الخاصّة، فعليه الالتزام بالشّروط الصّحيّة والبيئيّة، ومنع تسريب المياه الملوّثة إلى قلب البحيرة..

دور مجلس الإنماء والإعمار

من هي الجهة المشرفة على التّنفيذ، وما دور مجلس الإنماء والإعمار؟
الجهة التي تتولّى تنفيذ العمل في السّد حالياًّ هي مجلس الإنماء والإعمار. ووفق العقد سيتولّى المجلس الإشراف على المشروع إلى ما بعد انتهاء العمل مدة سنتين. وفي مرحلة لاحقة يجري تسليم المشروع والسّد إلى مصلحة مياه بيروت وجبل لبنان. باعتبارها الجهة المسؤولة عن تأمين المياه لمنطقة بيروت وضواحيها. وكذلك إدارة كلّ المنشآت مثل محطّة التّكرير، وصيانة النّفق، وكلّ المكوّنات الأخرى، كلّ الإدارات الرّسميّة مَعنيّة بها، مثل وزارة البيئة، ومجلس الإنماء والإعمار المكلّف من قبل الحكومة بتنفيذ المشروع والتأكّد من صِحّة تشغيله.

متى تتوقع أن تتشكّل بحيرة السّدّ وتغمر الأراضي المُسْتملكة؟
بالتّحديد سيكون هناك بحيرة في مرج بِسري، أي في صيف العام 2020.

هل هناك عمليّات ضخ للمياه أم أنّ المشروع كلّه مبنيّ على التوصيل بالجاذبيّة؟
ليس هناك عمليّة ضخّ، وبمجرّد وجود السدّ أصبحت المياه خلفه تذهب بالجاذبيّة 24 / 24 ساعة.

معنى ذلك أنّ كلّ المياه في مجرى النّهر ستذهب إلى بيروت؟
هذا صحيح، لكنْ هناك فائض كبير من المياه في فصل الشّتاء لا يستفاد منه بل ينتهي مهدوراً في البحر، ومن هنا الأهمية الاقتصادية لإنشاء السّد. كما أنّ استخدام المياه في الشّتاء أقلّ بكثير منه في الصيف.

كيف ستتمّ حماية السدّ من الملوّثات ومن التعدّيات البيئية؟
سيتمّ ذلك بإنشاء شبكات ومحطّات تكرير مياه الصرف الصّحيّ.

هل محطات التكرير أصبحت موجودة في غالبية القرى؟
هناك جزء منها معطّل، ويلزمه إعادة تأهيل، وخاصة لجهة جِزّين. وهذه الصيانة سنقوم بها على نفقتنا كمجلس إنماء وإعمار. والمجلس بصدد زيادة محطّات التّكرير قي المختارة، وعين قني وباتر. ومن جهة جزّين في معظم القرى، وخاصة في الغباطيّة.

هل سيكون للبحيرة أهمية من الناحية الجمالية؟
وجود بحيرة في منطقة حُرجية تحيط بها من كافّة جوانبها، مع تنظيم لضفافها سيزيدها روعة وجمالاً. تماماً كما هي حال البحيرات في أوروبا. المنطقة جميلة وستصبح أجمل.

البعض يتحدث عن مخاطر بيئيّة قد تؤثر على سكّان القرى المحيطة بالبحيرة؟
فليطمئن الجميع، لا وجود للمخاطر البيئيّة في هذا المشروع لقد تمّت دراسته بعناية وليست هناك أيّة مخاطر، لا بيئيّة ولا صحيّة.لا معوقات والمال موجود

هل ذُلِّلَت كلّ المعوقات والعراقيل أمام التّنفيذ الكامل للمشروع بحيث لا نشهد مثلا تأخيراً في بعض المراحل أو نقصاً في التّمويل أو ما شابه؟
المعوقات الفنّيَّة تمت دراستها كلّها، وكلّ اللّقاءات مع رؤساء البلديّات تشير إلى عدم وجود أيّة عراقيل، وأكثر من ذلك كانوا جميعاً مُرَحّبين بالمشروع ويستعجلون تنفيذه. على الصّعيد المالي، المال أصبح موجوداً ومؤمَّناً، وعلى الصّعيد الفنّي تمّت دراسة المشروع بشكلٍ كافٍ ووافٍ، والآن نحن مهتمّون بإطلاق عمليّات التنفيذ.

ما هي الآلية المعتمدة في التّعويض على أصحاب الأراضي الواقعة خارج نطاق السدّ؟
كل الأراضي المُصابة بالتّخطيط سَيُعوّض على أصحابها. وسيشمل التّعويض كلّ المُنشآت القائمة. بالنّسبة لحقوق المياه، لدينا كميّة مياه ستبقى في النّهر لأسباب سيكولوجية، ولا يمكننا أن نقطع المياه من قلب النّهر. المياه تذهب إلى بيروت 24/ 24 ولكن بكميّات أقل، وما يتبقّى يمكن الاستفادة منه.

هل ستستفيد صيدا وبعض مناطق الجنوب من هذا المشروع؟
بالنّسبة لمشروع سدّ بِسري، هذا الأمر غير ملحوظ، ولكنْ تحت المنظومة التي تحدّثنا عنها وهي مشروع عبد العال، يمكن جرّ المياه مستقبلاً إلى صيدا ولكنْ تفاصيل ذلك غير واضحة

أعمدة-رومانية-سيتم-نقلها-قبل-ارتفاع-مياه-السد
أعمدة-رومانية-سيتم-نقلها-قبل-ارتفاع-مياه-السد

فالق روم وخطر الزلازل

في حال حصول زلازل أو كوارث طبيعيّة، كيف يمكن تجنّب المخاطر التي قد تنتج عن ذلك وخاصة “فالق روم”؟
هذا الأمر تمّت دراسته بعناية كبيرة، وخاصّة “فالق روم” بشكل خاص، وإنّ مجلس الإنماء والإعمار كلّف استشاريّاً محلّيّاً وآخرَ أجنبيّاً. كما أُجريت سلسلة دراسات قام بها خبراء من الجامعة الأميركيّة في بيروت وتمّ من خلالها تحديد “فالق روم”. ولدينا خبير تركيّ أيضاً يعمل ضمن لجنة خبراء مستقلّين، ولقد حُدِّدت العوامل ذاتها التي اعتُمِدَت في الدّراسات السابقة من قِبَل مكاتب مختصّة في فرنسا. وإذا رأينا حجم السدّ ونوعيّته باعتباره سَدّاً رُكاميّاً يتكّوّن من ردميّات للحدِّ من مخاطر الزّلازل، لأنّ سدود الباطون معرّضة لمخاطر الزّلازل، بينما سدود الرّدميات تبقى ثابتة مهما بلغت قوّة الزّلازل

ممّ تتكوّن الرّدميّات؟
الرّدميّات لها نُواة ترابيّة لجهة المياه، وفي الخارج من اليمين إلى الشّمال ردميّات صخريّة، بحسب المواصفات صخور كبيرة، وأخرى صغيرة. وهي مُتناسقة من أكبر إلى أصغر.
> هل يمكن المقارنة بين سَدّ بِسري، وسَدّ القرعون؟
في بسري الأمر مختلف تماماً، السدّ سيُنشأ من الرّدميّات. أمّا سدّ القرعون فهو من الباطون، وقائم على فالق شهير، لكن حتى الآن لم يحصل شيء. بالنّسبة لسدّ بسري الانحدارات الخفيفة زادت من حجم الرّدميّات في قلب السَدّ كلّه، وهو ما تم أخذه بعين الاعتبار للحدّ من مخاطر الزّلازل.

كم يبعد فالق روم عن السدّ؟
من 2 إلى 3 كلم، وبعد الدّراسة تأكّد لنا أنّ تأثيره ليس خطيراً. ولديه تفريعات قد تصل إلى 0.7 من التّسارع الأفقي للجاذبيّة على مقياس ريختر بمعدل 7.8 وهذا السّدّ مقاوم للزّلازل.

هل يوجد رابط بين بُركة أنان ومشروع السّدّ؟
بين بُركة أنان ومعمل بول أرقش يوجد نفق لجرّ المياه من اللّيطاني لتوليد الكهرباء، ولا علاقة بين المشروعين.

هل يَعِدُ مجلس الإنماء والإعمار القرى المجاورة للسدّ بتزويدها بالطّاقة الكهربائيّة؟
لسنا مُتَخَصّصين في هذا الأمر، ويبقى على شركة كهرباء لبنان النّظر بأوضاع هذه القرى.

صيدلية الطبيعة

أقراص مُستَخْلص الصّفصاف أفضل من «منقوع اللّحاء» ويجب دومـــاً الانتباه لعدم تجاوز الجُـــرعات المُقَــــــرّرة

• دار البلدة: أنشأها المغفور له سماحة الشيخ محمد أبو شقرا لتكون مقرّاً جامعا للمناسبات والاحتفالات في البلدة.
• النّادي الاجتماعي الرّياضي (عُدِّل الاسم فأصبح: “النّادي الثّقافي الرّياضي”).
• رابطة سيّدات عمّاطور.
• الاتحاد النّسائي التّقدّمي.

لُحاءُ شَجَرِ الصّفْصاف

أسبرينُ طبيعيٌّ ومضادٌّ للالتهاب
لكنْ من دونِ الأعراض الجانبية

استُخدمَ لُحاء شجرِ الصّفصاف (ساليكس ألبا) منذ ألفي سنة في الصّين كعلاج طبيعيّ يمكنه أن يخفّف الألم ويعالج الالتهابات ويخفض الحرارة، كما أنّ المستوطنين الأوائل للقارّة الأميركية وجدوا أنّ سكان البلاد الأصليّين من الهنود الحمر يجمعون لُحاء أشجار الصّفصاف المحلّيّة للغرض ذاته
إنّ العنصر الفعال في لحاء شجرة الصّفصاف هو الساليسين Salicin والذي يقوم الجسم بتحويله إلى حامض السّاليسيليك. وقد صُنع العلاج المعروف وهو الأسبرين في البدء من مصدر عشبيّ مشابه للحاء الصّفصاف وكان في البدء يحتوي على حامض السّاليسيليك أي ذات مادّة لُحاء الصّفصاف، لكن تمّ تعديله في ما بعد كيماويّاً ليصبح حامض الأستيل ساليسيليك. ولأنّ لحاء شجر الصّفصاف يعمل بالطّريقة نفسها التي يعمل بها حامض السّاليسيليك، فقد سُمِّي باسم “الأسبرين العشبيّ” أو أسبرين الطبيعة، لكن مع فارق أنّ الأسبرين الذي يباع في الأسواق الآن لم يعد يُصْنع من مصدر عشبيّ بل من مركّبات كيماويّة وهو يتسبّب بأعراض جانبيّة وبمحاذير لا يتسبّب بها لحاء شجر الصّفصاف.

أنواعه
رغم أنّ النّوع الشّائع من الصّفصاف هو النّوع الأبيض أو الفضّيّ فإنّ هناك أنواعاً أخرى يمتلك لُحاؤها الخصائص الطّبّيّة ذاتها ومن هذه الأنواع الصّفصاف المتشقّق والصّفصاف البنفسجيّ والصّفصاف القُرمُزيّ وكلّ هذه الأنواع تُباع في صيدليّات الأعشاب تحت اسم لحاء الصّفصاف، نفسها وهي عمليّاً تبيع مستخلص اللُّحاء وهي مادّة السّاليسين.

الخصائص العلاجيّة
يؤدّي حامض السّاليسيليك إلى خفض مستويات البروستاغلاندين في الجّسد وهو مادّة شبه هرمونية يمكنها أن تتسبّب بالآلام وبحالات الالتهاب. ولهذا فإنّه عنصر مهمٌّ في خفض مستويات الألم الجسديّ الذي قد ينجم عن أعراض كثيرة.
لكنّ الفارق الأساسيّ هنا هو أنّ لحاء الصّفصاف قد يأخذ وقتا أطول ليحقّق مفعوله لكنّ ذلك المفعول يمتدّ لفترة أطول بكثير من الفترة التي يعمل فيها الأسبرين. أمّا الفارق الثّاني والأهمّ فهو أنّ لُحاء الصّفصاف لا يتسبّب بالأعراض الجانبيّة الخطرة التي قد يتسبب بها الأسبرين وقد تزايدت في السنوات الأخيرة الدّراسات التي تسلّط الضّوء على مخاطر استخدام الأسبرين سواء كمسكّن للألم أم للوقاية من أمراض القلب والذّبحات الصّدرية.
أهمّ الحالات التي يمكن للحاء الصّفصاف أن يساعد في علاجها هي التّالية:
• تسكين الآلام المبرحة المزمنة بما في ذلك صداع الرأس وآلام الرّقبة والظّهر والعضلات.
• آلام الدّورة الشّهريّة.
• التهاب المفاصل: أثبتت الأبحاث والاختبارات قدرة لحاء الصّفصاف على تسكين أوجاع مرض التهاب المفاصل Arthritis وفي الوقت نفسه خفض الالتهاب، وقد حقّق مصابون بهذا المرض نتائج مُلفتة نتيجة التّداوي بلحاء الصّفصاف كان من بينها تراجع تورّم المفاصل والتهابها وبالتّالي تحسّن قدرتهم على تحريك الرّكبتين والحوض والظّهر وغير ذلك من المفاصل.

لحاء-الصفصاف-يمكن-تناوله-كشاي-بدل-الأسبرين-لكن-يجب-الانتباه-إلى-الجرعات
لحاء-الصفصاف-يمكن-تناوله-كشاي-بدل-الأسبرين-لكن-يجب-الانتباه-إلى-الجرعات

التّداوي بلُحاء الصّفصاف
يتوافر لُحاء الصّفصاف بأشكال مختلفة مثل الصّباغ tincture أو كمسحوق (برشامات) أو كأقراص.
يمكن من حيث المبدأ استخدام اللّحاء المجفّف لصُنع منقوع (شاي) يتمّ تناوله بهدف تسكين الآلام لكن “شاي” الصّفصاف يتوقّف تأثيره على استخدام الكمّية المناسبة وهو أمر غير متيسِّر لأنّ اللّحاء لا يحتوي بشكله الخام إلّا على نسبة بسيطة من السّاليسين. أضِف إلى ذلك أنّ من الصّعب تقدير جرعة السّاليسين في الشّاي فقد تكون أقلّ من المطلوب أو في حال استخدام كمّيّة أكبر من اللّحاء قد تزيد عن المطلوب وتتسبّب بضرر. لذلك فإنّ الأفضل هو شراء مُستخلص لُحاء الصّفصاف على شكل أقراص يحتوي الواحد على 40-50 ميلّيغرام من السّاليسين وتناول ما بين قرصين وثلاثة أقراص يوميّاً (أو نحو 120-150 ميليغرام) لتسكين الألم، ومن مزايا الأقراص أيضاً أنّها تغطّي الطّعم المر لمادّة السّاليسين الموجودة في لُحاء الصّفصاف.

الأعراض الجانبيّة والاحتياطات
القاعدة الأهمّ في تناول (مُستخلص) لُحاء الصّفصاف هو عدم استخدامه مع الأسبرين المتوافر في الصيدليّات ولا مع أي من أدوية الالتهاب المسكِّنة غير الستيرويدية NSAIDs مثل الأندوسيد والبروفنيد وغيرها لأنّ الجمع بين الاثنين يزيد احتمال الإصابة بأعراض جانبيّة مثل نزيف المَعِدة.
عدا ذلك فإنّه وعلى عكس الأسبرين الصّناعي فإنّ مُستخلص لُحاء الصّفصاف يمكن تناوله دون محاذير لمدّة طويلة مع التزام الجُرعة المحدّدة، فإنْ تمّ تجاوز الجرعة ربّما طمعاً في الحصول على تسكين أفضل للألم فإنّ المريض قد يشعر بأعراض جانبيّة مثل الغثيان وتلبُّك عمل المَعِدة أو طنين الأذن فإنْ شعرتَ بأيٍّ من هذه الأعراض فعليك بالتوقّف عن تناول لحاء الصّفصاف وإنْ كان ذلك ناجماً عن تجاوز الجُرعة الطبّيّة فعليك الالتزام مجدّداً بها.
هناك أيضا احتياطات يجب الأخذ بها، إذا كان للمريض حساسيّة لمادّة الأسبرين أو كان يشكو من قُرحة المَعِدة أو أيّ اضطرابات معوية أو كان يشكو من طنين في الأذن أو أنْ يكون مُعالَجا بأدوية ترقيق الدّم أو أنْ يكون لديه مشاكل في الكُلى. فيجب عندها عدم تناول مُستخلص لُحاء الصّفصاف كما يجب بالنّسبة للنّساء استشارة وبالطّبع كما في حال الأسبرين يجب عدم إعطاء مُستخلص لُحاء الصّفصاف للأطفال أو للأولاد تحت سنّ الـ 16 عاماً الذين يشكون من نزلة البرد أو الإنفلونزا أو الحصبة. ورغم أنّ من المستبعد جدّاً أن يثير مُستخلص الصّفصاف ردّ الفعل (المُميت أحياناً) الذي قد يُحدِثه الأسبرين والمسمّى Reye’s syndrome (إذ إنّ طريقة تحضير لُحاء الصّفصاف مختلفة عن تحضير الأسبرين) فإنّ من المفضّل التزام جانب الحذر في هذه الحال.

الجُرعات
التهاب المفاصل وآلام الظّهر: تناول قرص واحد ثلاث مرّات يوميّاً من مُستخلص لُحاء الصّفصاف يحتوي على 40-50 ميلّيغرام من السّاليسين أو نصف مِلْعقة طعام من المُستخلص بشكله السّائل.
الآلام المبرحة والمزْمنّة: تناول قرص واحد عيار 50-100 ميلّيغرام من السّاليسين أو ما بين نصف مِلعقة ومِلعقة طعام من المُستخلص بشكله السّائل ثلاث مرّات يوميّاً.
آلام العضل والأوجاع العامّة: قرص عيار 50 ميلّيغرام أو نصف مِلعقة من المحلول السّائل 3 إلى 4 مرات يوميّاً.

الزراعة الكيماوية

أيتها الزراعة الكيماوية
ماذا فعلتِ بكوكب الأرض؟

تربة الأرض أخذت الطبيعة في تكوينها ملايين السنين
لكن الزراعة الكثيفة والكيماوية تميتها في سنوات قليلة

التربة أصل الحياة في الكون وملعقة واحدة منها
تحتوي 40 ملياراً من الكائنات المجهرية المفيدة

المبيدات الحشرية والفطرية تُتلف الجهاز العصبي
وهي عامل مسبب للسرطان والعقم وتشوه الأجنة

القيمة المقدرة لمبيعات المنتجات العضوية في العالم
بلغت في العام 2010 حوالي 94.2 مليار دولار

الزراعة الكيماوية تقتل أرضنا، تبيد كل معالم الحياة في تربتنا. هذه التربة التي احتاجت آلاف السنين لكي تتطور وتكتسب عناصر الخصوبة والحياة والبكتيريات النافعة نجح نظام الزراعة المكثفة ذات المحصول الواحد والمعتمدة بشدة على المبيدات والأسمدة الكيماوية في إفقارها وتعقيم الكثير من عناصرها الحيوية الأساسية من أجل بقاء الأرض ومن عليها.
لكن العالم في حاجة ملّحة وشديدة إلى هذه التربة وإلى أراض خصبة يمكن زرعها وإنبات الغذاء فيها إلى الأرض، لماذا؟ لأن سكان الأرض في ازدياد ولأن مستوى معيشة أكثرهم في تحسّن سنة بعد سنة. لقد كانت الصين والهند تعتبران بلدين فقيرين قبل عقدين من الزمن لكنهما برزتا الآن كعملاقين اقتصاديين وأدى ذلك إلى ارتفاع مستوى دخل الأفراد فيهما، ومع تحسّن دخل الناس يزداد طلبهم على كل أنواع الغذاء والأطعمة وهذا ما جعل الطلب على السلع الغذائية يتضاعف في العالم وأدى قبل أعوام إلى أزمة غذاء رفعت أسعار السلع الغذائية بصورة غير مسبوقة.
إذا أخذنا بآخر النماذج الإحصائية الدقيقة، فإن عدد سكان الكرة الأرضية سيصل إلى نحو 11 مليار نسمة في نهاية القرن الواحد والعشرين، وبالطبع فإن إطعام هذا العدد الهائل من الناس يحتاج إلى نمط من الزراعة مختلف تماماً عن الأنماط المدمرة التي سيطرت على مناطق كثيرة في الكرة الأرضية وما زالت تزيل كل سنة مساحات هائلة من أراضيها الصالحة للزراعة.
هذا العام وحده قدرت مساحات الأراضي الزراعية التي اختفت من على سطح الأرض بسبب عوامل التعرية والانجراف وتآكل التربة بنحو خمسة ملايين هكتار أي ما يعادل خمس مرات مساحة بلد مثل لبنان. لنتخيل أن مساحة بهذا الحجم تختفي من على وجه الأرض كل سنة فإلى أين سيتجه مصيرنا كجنس بشري؟
ما هي طبيعة المخاطر التي تطرحها الزراعة الكيماوية وتهدّد حياتنا واستمرارنا كجنس؟ هل ما زال لدينا وقت لوقف المسار الكارثي، وكيف يمكن للزراعة العضوية أن تساهم في إنقاذ الأرض ومن عليها؟

جوهر الأزمة التي تهدّد مصير البشرية الآن يمكن تلخيصه ببساطة بأنه التدهور المتسارع لنوعية التربة وعلة النطاق الكوني من جراء استخدام زراعات المحصول الواحد وتعميم استخدام الأسمدة الكيماوية والمبيدات فضلاً عن المقامرة الهائلة المتمثلة بتعديل الخصائص الجينية أو الوراثية للكثير من النباتات والحيوانات من دون أن يكون هناك أي قدر من التقييم العلمي للمخاطر الطويلة الأمد الناجمة عن هذا الأسلوب.
من أجل فهم أفضل لطبيعة المخاطر التي تتهدّد تربة الأرض يجب أولاً أن نعرّف عن التربة نفسها وعن تكوينها وكيف تعمل في إطار دورة الحياة على الكرة الأرضية.

ماذا نعرف عن تربة الأرض؟
إن معظم الكرة الأرضية مكوّنة من صخور صماء صلبة لا يمكن أن تنتج الغذاء . أما الغطاء الترابي الذي نستخدمه لكي ننتج غذاءنا فإن نحو 75% منه هو عبارة عن أتربة محمولة مثل الأتربة التي تنقلها الريح، وفقط 25% من هذا الغطاء الترابي يتكون في مكانه، وبسبب الظروف الكثيرة التي تؤثر في تكوّن التربة فإن تربة الأرض بطبيعتها شديدة وتختلف خصائصها بين منطقة ومنطقة، لكن الجماعات البشرية تعلمت مع الزمن كيف تكيِّف أنماط عيشها وزراعاتها مع أنماط التربة التي تعيش عليها فباتت تعرف بالتجربة أي تربة تصلح لأي نوع من الأشجار أو أي نوع من المحاصيل، كما إنها تعلمت عموماً كيف تعطي للتربة فترة الراحة اللازمة لتجديد عناصرها الغذائية وصحتها، وهذا المبدأ ألغته الزراعة المكثفة وحاولت الأرض تعويض عناصرها الغذائية عن طريق التسميد المستمر والزائد عن الحدّ في كثير من الأحيان.

التربة بيئة حية
تبدأ التربة بالتكوّن من مصدر معدني مثل الصخور المتآكلة والطمي الجليدي وطمي الأنهار ولا سيما عند فيضانها، وكذلك الصهارة البركانية والرمال وغيرها. أما المكونات العضوية التي تضاف إلى هذا الخليط فمع الزمن فقد تكون حية أو غير حية، وكذلك أوراق الأشجار المتساقطة، الحيوانات النافقة والكائنات الحية الدقيقية كلها تقوم مع الزمن بإغناء تركيبة التربة بالكربون الضروري للحياة النباتية.
تتألف التربة الصحيحة من 50% من مكونات صلبة و50% من هواء وماء،لكن هذا المزيج هو عالم يضج بالحياة، إذ تعيش فيه مئات أنواع الحشرات الصغيرة والديدان الخيطية والبوروتوزوا فهو عالم كامل من الكائنات الصغيرة والبكتيريا والكائنات المجهرية والتي أكثرها أصغر من رأس الدبوس لكنها بالملايين.
إن المكونات المجهرية للتربة هي من الكثافة والتنوع ما زلنا نجهل ما يقل عن 70 أو 80% منها ويقدر أن ملعقة واحدة من التراب تحتوي على نحو 50 مليار ميكروب ونحو 90% من النباتات تتغذى من كائنات ميكروبية mycorrhizae وهي نوع من النموات الفطرية التي تساعد في نقل المغذيات الموجودة في التربة إلى جذور النباتات.
إلا أن هناك أيضاً الآلاف من الميكروبات الأخرى التي تلعب دورها أيضاً في ما سماه أحد الباحثين البيئيين «سمفونية الأرض». وفي دراسة لجامعة نورث كارولاينا صدرت في العام الماضي أثبت الباحثون أنه ومع تكون الحياة في التربة فإن المكونات الحية التي تسكنها تبدأ بفتح أقنية وأنفاق دقيقية تؤدي إلى تحسين تهوئة التربة وصرف المياه بينما تسبح الديدان دقيقية والبروتوزوا في الغشاء المائي الدقيق المتكون حول ذرات التربة وتتغذى بالبكتيريا وتقوم حشرات العث المتناهية الصغر mites بالتهام النموات الفطرية بينما تقوم الأخيرة بتفكيك المكونات العضوية للتربة. وعن هذا الطريق تساعد تلك الكائنات في تحرير المغذيات الأساسية وثاني أوكسيد الكربون، كما إنها تلعب دوراً رئيسياً في دورة تثبيت النيتروجين والفوسفور وإزالة النيترات وتثبيت التربة وإغنائها بالمعادن، لكن هذه الكائنات المجهرية في حاجة دائمة إلى المادة العضوية وإلا فإن عددها سيتراجع بسرعة وسيؤثر ذلك على خصوبة التربة وإنتاجيتها.
هذه البيئة النابضة بالحياة تهاجمها الزراعة الحديثة والكيماوية بلا هوادة وتُسهم بذلك في تعقيم التربة وشيخوختها بسرعة كبيرة، حتى إن بعض العلماء يعتقدون أن التربة التي يمكن أن تبقى نابضة بالحياة لملايين السنين يتم إفقارها وتحويلها إلى تربة لا حياة فيها بسبب زراعة الصنف الواحد Monoculture في بضع سنين لا غير. والمأساة الحقيقية هي أن هذه التربة ستأخذ مئات وربما آلاف السنين للتعافي واستعادة حيويتها مجدداً. وهذا شرط وضع حداً لعملية الاستنزاف البربرية القائمة.

” التربة الصحية تتألف من 50 % مكونات صلبة و 50 % ماء وهواء لكنها تضج دائماً بملايين الكائنات الصغيرة والنمــوّات الفطــرية والمغذيات  “

ماذا فعلت الزراعة الكيماوية؟
تؤدي الزراعة الكيماوية والتي تستخدم المعدات الثقيلة إلى تكوّن تربة مشبعة بالماء ومرصوصة بسبب عمل الآليات وتصبح هذه التربة بذلك سريعة التأثر بعوامل الجرف والتعرية. لقد فقدت البشرية نحو ثلث الأراضي الصالحة للزراعة على هذا النحو في أقل من نصف قرن من الزراعة الكثيفة.
لكن الأمر لا يتوقف عند هذا الحد، إذ هناك أيضاً المضار والأخطار التي تمثلها الزراعة الكيماوية على صحتنا وصحة أطفالنا. وعلى سبيل المثال فإنه ومن أصل 800 الف من المواد الكيماوية المستخدمة في العالم فإن بضعة مئات فقط تتم إخضاعها لاختبارات السلامة بينما لا نعرف حقيقة ما هي الآثار البعيدة لاستخدام آلاف المنتجات الباقية والتي تستقر أكثريتها في التربة وفي مجاري المياه، فتدمر المكونات العضوية والحيوية للتربة وتشجع في المقابل على تكاثر الفطريات والميكروبات الضارة. وهذه الكيماويات ليس فقط تقوم بتدمير التربة بل إنها في الوقت نفسه تقتل النحل والفراشات وجزءاً كبيراً من الغطاء الزهري ومن المخلوقات الحيوانية. ورغم أن نحو 60% من البيئة العالمية أصبحت على شفير الإنهيار، ومع ذلك فإن الصناعة الكيماوية والشركات الزراعية الكبرى ما زالت تتجاهل تماماً حجم الكارثة.

الدرس
الدرس الأهم الذي بدأ العقلاء يستخلصونه من كل هذه النتائج هو أن حل مشكلة الغذاء في العالم لن يتم من خلال التركيز على إنتاج المزيد وبأي وسيلة ممكنة بل في توجيه الاهتمام إلى أصل الأصول وهو صحة التربة في المدى الطويل لأن صحة التربة هي التي ستضمن إنتاج الغذاء بما يكفي لإطعام البشرية التي يزداد عددها بإطراد، أما إذا تردّت التربة واستمر زوال مساحات إضافية كل عام من الأراضي الصالحة للزراعة فإننا أمام مستقبل قاتم لا يعلم إلا الله أبعاده ونتائجه المتوقعة على البشرية.
لقد أصبح مؤكداً أن الزراعة الحديثة تدمّر تربة الكوكب وتحدث خللاً جوهرياً في تكوينها، والتربة هي أعظم كنوز الأرض التي لا يوجد بديل عنها فهي ولّادة معظم الحياة النباتية وبالتالي الحياة الحيوانية على هذا الكوكب، هي نقطة تلاقي علم الأحياء بالجيولوجيا، وهي الغلاف الحيوي للكرة الأرضية. لكن، ما فعله معظم المعنيين بالزراعة الحديثة وما زالوا هو أنهم أعلنوا الحرب على التربة بالأسلحة الكيماوية وبزراعة المنتج الواحد، وتناسوا أن ما يفعلونه هو انتحار على مستوى الجنس البشريّ.

ما هي الزراعة الكيماوية؟
تستخدم بعض المواد الكيماوية في الزراعة لإنتاج الأغذية على مستوى العالم. وفي البداية، قُدمت المبيدات والأسمدة الكيماوية للمزارعين بحجة أنها توفّر وسيلة ثورية لزيادة منتوج وجودة المحاصيل الزراعية، لكن هذا الهدف القصير المدى خلّف وراءه تربة زراعية متآكلة وفقيرة، بالإضافة إلى مياه جوفية ملوّثة وإلى تراجع مقاومة النباتات للأمراض والطفيليات الضارة على المدى الطويل.

كيماويات سامة في غذائنا!
تعتبر معظم أنواع المواد الكيماوية المستخدمة في الزراعة من النوع السام، ومنها :
الإترازين: رغم أن هذه المادة قد لا تستخدم أثناء الزراعة بسبب منع استخدامها، إلا أنها لاتزال تستعمل في بعض الدول للقضاء على الأعشاب الدغلية وهذه المادة مدرجة على اللائحة الحمراء للمبيدات الخطرة جداً على البيئة، كما تعدّ مسببة للسرطان عند الإنسان.
الديكارب: ينتمي هذا النوع من المبيدات إلى مجموعة الكاربامايتس، وقد منع استعمالها في العديد من البلدان كاليابان والسويد وبلدان أخرى. وقد أكّدت منظمة الصحة العالمية خطورة هذه المادة على صحة الإنسان، وكذلك أثبتت الدراسات تأثيرها على جهاز المناعة. لكن وللأسف، لا تزال بعض الدول تستخدمها في بعض المحاصيل الزراعية مثل القنبيط.
بينوميل: يستعمل في العديد من المحاصيل كالحبوب والخضار والفواكه. له قدرة على مكافحة الفطريات، وتصنفه منظمة حماية البيئة بأنه أحد مسببات السرطان عند الإنسان ويؤدي أيضاً إلى تسمم بعض الكائنات غير المستهدفة، كالطيور وبعض الحشرات.
كابتان: تستعمل هذه المادة في بعض الدول في حماية محاصيل الفاكهة. وقد وجدت ترسبات منها في الفراولة والتفاح، وتصنفها منظمة حماية البيئة بأنها تسبب السرطان، وقد منع استعمالها في أميركا على بعض أنواع الخضر والفواكه.
كاباريل: تنتمي هذه المادة إلى مجموعة كاربوميت، وقد صنفتها الحكومة البريطانية بأنها مسببة للسرطان وحُدِّد استخدامها ومع ذلك فقد وجدت ترسبات من هذه المادة في التفاح وبعض الفواكه الأخرى.
كلورفيفاينفوس: تمّ تطوير هذه المادة الكيماوية خلال الحرب العالمية الثانية، لإنتاج غاز الأعصاب الذي يضرب الجهاز العصبي. وتؤكد منظمة الصحة العالمية بأنها خطرة للغاية. ومع ذلك، لا تزال تستخدم لدى بعض الدول في القمح والخضروات الجذرية. وقد اكتشفت إحدى الدراسات ترسبات هذه المادة في الجزر بنسبة تفوق النسب المسموح بها بـ 25 مرة.
لينداين: تنتمي هذه المادة إلى مجموعة تدعى اوركانوكلورينز. وقد سبّب استخدام هذه المادة جدالات كثيرة، حيث تعدّ معطلاً للهرمونات وتتركز في الأنسجة الدهنية، وتزداد فاعليتها السمية، وتبقى في البيئة لمدة طويلة بعد استعمالها. وقد تمّ الربط بين هذه المادة وسرطان الثدي وأمراض فقر الدم وقد منع استخدامها في العديد من البلدان، وظهرت آثارها في الحليب والأجبان لأنها تستخدم في إنتاج الحبوب والشعير.
مالاثيان: تستخدم هذه المادة الكيماوية لقتل العديد من الآفات، لذلك انتشر استخدامها مع كثير من أصناف الفاكهة والخضار. وتصنف هذه المادة ضمن اللائحة الحمراء التي تمثل خطراً على البيئة.
هل يمكن إزالة المواد الكيماوية من الأغذية الزراعية عند غسلها؟!
الحشرات يمكن إزالتها من الخضروات الورقية باتباع الطرق الصحيحة في غسلها، لكن لا يمكن للمستهلك شراء محاصيل من السوق تكون خالية من الملوثات الكيماوية، أو إزالتها بطرق الغسيل الاعتيادية. ورغم أن إزالة القشرة لبعض أنواع الفواكه والخضروات تقلل من خطورة التلوث بالمواد الكيماوية، إلا أن عدم الاستخدام الصحيح للمبيدات، ولا سيما «الجهازية» منها قد يؤدي إلى وجود التلوث في بنية الخلية داخل الفواكه والخضروات. ومن الناحية النظرية، يفترض بأن الاستخدام الصحيح للمواد الكيماوية يجعلها تختفي عند موعد القطاف وهذا ما نقضته إحدى الدراسات العالمية عام 1996 إذ أثبتت وجود ترسبات من المبيدات في 41% من الفواكه والخضر التي تمت معاينتها.

آثار مدمرة
إن تلوث الأراضي الزراعية بالمبيدات يؤدي إلى تلوث خطر في منتجاتها الزراعية وتدهور نوعية التربة والمياه التي تمرّ بها. وتنتقل تلك الخطورة إلى الإنسان والحيوانات التي يتم تناول لحمها حيث إن المبيدات الحشرية تؤثر بيولوجياً على الشخص المصاب وبخاصة على الكبد الذي قد يصاب بالتليّف بسبب تراكم سموم المبيدات الحشرية وقد تسبب هذه المبيدات تلف الجهاز العصبي أو السرطانات المختلفة، كما قد تؤثر على الأجنة عند المرأة الحامل أو تسبب العقم عند الإنسان
وقد تتسرب المبيدات الحشرية إلى الجسم عند تناول لحوم الأغنام والأبقار والجمال التي تمت تغذيتها بالأعلاف والشعير الملوث بالمبيدات، كما إن تلوث الأنهار والبحيرات بالمبيدات الحشرية قد ينقل هذه المبيدات إلى الطيور والأسماك ومن ثم تنتقل إلى الإنسان كما حصل عندما تلوثت بحيرات كثيرة بالمبيد الحشري الخطير (DDT) وانتقل هذا المبيد إلى الأسماك والطيور التي تناولها الإنسان.

ضحايا بالآلاف
في مقاطعة جيانغسو Jiangsu الصينية يُصاب نحو 27 الف شخص سنوياً بالتسمّم نتيجة المبيدات الكيماوية 10% منهم يموتون. وقدّر أحد التقارير الصادرة عام 1997 من الأكاديمية الوطنية للعلوم (أميركا) بأن المبيدات الكيماوية قد تكون السبب الرئيسي في 1.4 مليون حالة سرطان بين الأميركيين، بينما يعتبر التسمم بالمبيدات الكيماوية من قبل المزارعين في كاليفورنيا الحالة المرضية الأكثر شيوعاً في تلك الولاية.
إن نظرة سريعة إلى الخريطة التي تظهر المساحات الزراعية التي لم تعد صالحة بسبب التلوث وتدهور التربة تظهر أننا على خط انحداري خطير وأنه لم تعد هناك فرصة طويلة لبقاء الأرض كما عرفناها إذا استمرّ التداول بالمبيدات الكيماوية في المجال الزراعي على وتائره الحالية. وعندما نأخذ في الاعتبار أن 1% فقط من المبيدات المرشوشة على النباتات تصل الى الحشرات التي صممت لقتلها، حينها سنفهم ماذا تفعل النسبة الباقية (99%) بالهواء والتربة والمياه والغذاء التي تلوّثها. فالكيماويات المرشوشة فوق المزارع تساهم في تلويث المياه الجوفية، وتزيد من نسبة التعرية، وتجرّد التربة من الحيوية، كما تقتل الحياة البريّة التي تعتبر مهمة في إكمال دورة الحياة. لكن رغم هذا كله، فقد وجد معظم المزارعين أن شراء الكيماويات ورشّها في مزارعهم أسهل بكثير من إجهاد أنفسهم في استيعاب آلية عمل الزراعة العضوية أو الطبيعية. والجميع يفضّل الطريق الأسهل. وفي كل عام، تساهم الوسائل الزراعية العصرية في تدمير القدرة الحيوية الطويلة الأمد للحقول الزراعية على إنتاج الأغذية الصحّية والطبيعية، حيث إن ما يعادل 90% من المزارعين (98% في أميركا وحدها) يلجأون إلى الأدوية الكيماوية، أكانت سماداً أو مبيدات. ويُقدّر «مجلس الدفاع عن المصادر الطبيعية» في الولايات المتحدة The Natural Resources Defense Council بأن حوالي 450 الف طن من المبيدات الكيماوية تُستخدم في المزارع الأميركية سنوياً، كما كشف مركز البحوث الاقتصادية Economic Research Service في أميركا بأن 25 مليون طن من السماد الكيماوي يلقى بها في الأراضي الأميركية (وحدها) سنوياً.

التسميد الكيماوي عدو للتربة!
يلجأ المزارعون الى التسميد بغرض الحصول على أكبر كمية من المحصول وعلى أحسن نوعية، وبالتالى تعظيم الدخل. والتسميد يشكل حوالي 50% من العملية الزراعية برمتها لذلك نجد ان هناك ميلاً لدى المزارعين الى اضافة كميات زائدة من الاسمدة إلى التربة دون الالتزام بالمعايير الموصى بها أو بتوقيت أو طرائق الاستخدام المنصوص عليها في الإرشادات.
وعلى الرغم من أن الاستخدام الصحيح للأسمدة يؤدي الى الحصول على انتاج أفضل فإن الاستخدام الزائد عن الحد الموصى به يؤدي الى مضار على المحصول ويترك آثاراً سلبية على البيئة نتيجة إحداث تراكمات مختلفة من المواد الكيماوية وحدوث تفاعلات جانبية عديدة على البيئة والتربة، كما إن الزيادة عن الحد المقرر تؤدي الى زيادة النمو الخضري للنبات وخفض المحصول ومستوى الجودة وتضعف مناعة النبات وقدرته على مقاومة الآفات والأمراض فضلاً عن هدر كميات كبيرة من الاسمدة مما يؤدي الى رفع تكاليف الانتاج من دون مبرر. بالإضافة الى ذلك، فالكميات الزائدة عن الحاجة تؤدي الى تلوث المياه الجوفية التي غالباً ما تستخدم لأغراض الشرب للإنسان والحيوانات أو لري المزروعات .
ومن أجل فهم التأثيرات السلبية للإستخدام المفرط للأسمدة تقسّم الأسمدة الرئيسية الى ثلاثة، وهي الأسمدة النيتروجينية والفوسفاتية والبوتاسية لتبيان تأثيراتها السلبية على البيئة.

الأسمدة النيتروجينية
هي أكثر انواع الأسمدة استعمالاً لأهميتها الحيوية وتأثيراتها الايجابية السريعة والملحوظة على مختلف انواع النباتات. لكن الإفراط فى اضافتها يؤدي الى وصول النترات (وهي الصورة الشائعة للسماد النيتروجيني) بمعدّلات عالية الى المياه الجوفية، او الى مياه الصرف الزراعي التي غالباً ما تصل الى مصادر مياه الشرب والري). وفي حالة احتوائها على النترات بتركيز يزيد على 40 ملغم لكل لتر من المياه تتحول النترات في الأمعاء الآدمي وخصوصاً عند الأطفال الى مادة كيماوية يطلق عليها إسم «نتريت» وهي مادة ذات تأثير سلبي على كريات الدم الحمراء، الأمر الذي قد يسبب الاصابة بسرطان الدم. كما إن التركيز العالي للنترات فى مياه الشرب يسبب مرض السرطان في المعدة والأمعاء.. وتسبب هذه المادة تسمم الأبقار التي تسقى بها أو تتغذى بالأعلاف الخضراء التي رويت بالمياه الملوثة بالنترات.
كذلك فإن الكميات الزائدة من التسميد النيتروجيني يؤدي الى أن يتجه النبات الى النمو الخضري على حساب المحصول الثمري فيتأخر النضج ويقل المحصول. ويصبح النبات غضاً طرياً سهل الانكسار عند تعرضه للرياح، ويصير أكثر عرضة للإصابة بالآفات والأمراض.
أما في حالة وصول مياه الصرف الزراعي الذي يحتوي على نسب عالية من النترات الى مياه البحيرات والمستنقعات الراكدة، فستنمو الطفيليات والطحالب المائية وغيرها ويطلق عليها ظاهرة البترنة وهي تؤدي الى استنفاذ الاوكسيجين من المياه، وتشجع نمو الكائنات اللاهوائية anaerobic وبقاء المادة العضوية في صورتها المختزلة في هذه الظروف دون تحلل وتستمر في التراكم فتعطي مركبات سامة للكائنات الحية ومنها الاسماك، كما وتؤدي الى انتشار الحشائش المائية في المصارف مما يسبب إعاقة جريان المياه وخلق أضرار فيها ما يستوجب تطهير تلك القنوات خوفاً من انسدادها ما يكبّد الدول خسائر مالية كبيرة.

خارطة تآكل تربة الأرض
خارطة تآكل تربة الأرض

الأسمدة الفوسفاتية
يكون الفوسفور العنصر الاساسي لها ويتميز بقدرته العالية على الارتباط بحبيبات التربة وترسبه على شكل مركبات كيماوية غير عضوية، ومن ثم ينتقل مع جريان المياه السطحية نتيجة عملية انجراف التربة فيشكل خطراً ملحوظاً على متناولي هذه المياه، كما إنه يساعد او يسرع في حدوث ظاهرة التصحر. وزيادة الفسفور في التربة تعمل على إحداث خلل في التوازن الغذائي بين العناصر الغذائية في النباتات مما يقلل من انتاجيتها.

أزمة فوسفات
وبوتاس في الأفق؟

في مقال نشر في العام 2012 كتب جرمي غرانثام في مجلة Nature مقالاً توقع فيه حصول أزمة نقص عالمي خطيرة في مادتي الفوسفات والبوتاس.
ولفت الكاتب إلى أنه وعلى عكس النيتروجين فإن الفوسفات والبوتاس لا يمكن تصنيعهما كيماوياً، لذلك فإن الاستخدام الواسع النطاق لهما في الزراعة الكثيفة يمكن أن يهدد بتناقص كبير في الكميات المتوافرة منهما قبل مضي وقت طويل، وهو أمر قد يهدد الزراعة الحديثة فعلاً. وحسب غراهام فإن مادتي الفوسفات والبوتاس ليس فقط لا يمكن تصنيعهما بل لا يوجد بديل لهما لتنمية الإنتاج النباتي. ويتم استخراج المادتين من مناجم في الارض، وتحتوي بلدان الاتحاد السوفياتي سابقاً وكندا على 70% من الاحتياط العالمي من البوتاس بينما تحتوي المغرب وحدها على 85 % من الفوسفات في العالم. وتساءل غرانثام: ما الذي سيحصل عندما تبدأ هاتان المادتان بالنفاد؟ الجواب البسيط في نظرالكاتب، أن العالم قد يتعرض لمجاعة والحل لذلك هو في الاستخدام العقلاني للأسمدة الفوسفاتية والبوتاسية وبالتالي إحداث خفض كبير في وتيرة استخدامها الحالي.

الاسمدة البوتاسية، لا تختلف التأثيرات السلبية لها عن تأثيرات الأسمدة النيتروجينية والفوسفاتية لأن البوتاسيوم يعدّ عنصراً متحركاً وغير مستقر في التربة، وهو اكثر حركة من الفوسفور وأقل من النتروجين. لذا، فإن امكانية تسرّبه الى مياه الصرف عالية وتشكل خطراً ملحوظاً على المياه. ونظراً إلى أن الأسمدة البوتاسية قليلة الاستخدام في الزراعة من قبل المزارعين على عكس الأسمدة النيتروجينية والفوسفاتية، فإن تأثيراتها السلبية تكون قليلة جداً كذلك فإن زيادة الأسمدة البوتاسية في التربة تؤدي الى عدم انتظام الضغط الأوسموزي في محلول التربة والنبات، وبالتالي قلة قدرة الجذور على امتصاص العناصر الغذائية المضافة عن طريق التسميد وهنا ترتفع الملوحة مما يخلق اضراراً للنبات ويترتب على ذلك فقدان مقدرة النبات على الاحتفاظ بالمياه واصابته بالذبول، كما يمكن أن يتعرض النبات للاصابة بالآفات المرضية والحشرية. ولأن البوتاسيوم يكون مرافقاً للنترات عند تسربها الى اعماق التربة فإن خطر اصابة الانسان او الحيوان بالتسمم من مياه الشرب يصبح مرتفعاً جداً.
لهذه الأسباب، فإن الاستخدام المكثف والمفرط للأسمدة في الزراعة يؤدي الى تراكم العناصر الثقيلة في التربة وبخاصة عنصر الكادميوم الموجود في الأسمدة الفوسفاتية بصورة طبيعية، حيث يترك هذا العنصر أضراراً صحية على الانسان والحيوان بسبب امكانية امتصاصه من قبل النبات وتسربه إلى غذاء الانسان أو أعلاف الحيوانات.

عودوا إلى الزراعة العضوية
كان الإنسان والحيوان يأكلان من الطبيعة طعامهما ويلقيان بفضلاتهما في الأرض كما إن الحيوانات بعد أن تموت تتحلل أجسامها، وهاتان آليتان كانتا تضمنان تسميد الأرض وتغذيتها بالعناصر والمواد العضوية. وبنفس الطريقة كانت النباتات تنمو وتموت وتتحلل أنسجتها فوق التربة. ومن خلال هذه الدورة الحياتية للكائنات الحية كانت تتم الزراعة التقليدية والطبيعية. ولما بدأت الزراعة الدورية كانت الأرض تغل محاصيلها لعدة سنوات. وعندما تقفر وتنضب مواردها، كان الإنسان يتجه لأرض جديدة ليزرعها. لكنه عندما اكتشف الأسمدة العضوية والكيماوية الصناعية إستخدمها لتحسين إنتاجية التربة ومضاعفة محاصيلها من مساحة الأرض نفسها. فأصبحت الأسمدة الكيماوية أسهل وأقل كلفة من الأسمدة الطبيعية، إلا أنها تعرض التربة للتجريف والتعرية، مما جعل العالم يطالب بالعودة للزراعة التقليدية بالمخصبات الطبيعية. لكن من سيضمن أخلاقيات المنتجين وتقيدهم بوسائل الزراعة العضوية وأساليبها؟ فالمشكلة هي في كيفية الحصول على البذور القديمة قبل أن يتم تهجينها أو معالجتها أو تغيير صفاتها الوراثية.
ما هي الزراعة العضوية؟
كلمة عضوية في الكيمياء هو علم من فروعها ويقصد به المركبات المكونة من الكربون والتي أصلها نباتي أو حيواني، منها ماهو موجود بالطبيعة أو ما يصنع، إضافة الى المواد العضوية كالطعام والبلاستيك والنفط وغيرها من المواد التي عند احتراقها تعطينا كربوناً أسود.
في الزراعة العضوية يمنع استعمال الكيماويات بشتى أنواعها في جميع مراحل النمو، إلا أن المنتجات العضوية لا تخلو تماماً من التعرض للكيماويات عن غير قصد لأنه لا توجد حواجز طبيعية تمنع وصولها إلى المزارع العضوية سواء من المياه المستخدمة للري أو الهواء إلا أنها رغم هذا لا تضر بالبيئة. أما الزراعة المكثفة بالمبيدات فهي تستنزف التربة وتبيد الكائنات الحية والحشرات فيها، كما تقضي على الطيور وتدمر بيئة الحيوانات التي تعيش قربها. وقد تتسرب هذه الكيماويات عبر التربة للمياه الجوفية. في المقابل، فإن الزراعة العضوية من دون مبيدات تزيد الحياة البرية وأنواع الطيور والفراشات مما يجعلها تحافظ على التنوع الحيوي للكائنات الحية في بيئاتها فيتحقق التوازن البيئي مع تحسين نوعية التربة، كما إن كثرة الإقبال على شراء المنتجات العضوية الغذائية تزيد من تدعيم هذه الزراعة المتنامية.
يستغرق تحويل الأراضي الزراعية التقليدية إلى عضوية سنتين على الأقل لتطهيرها من المبيدات والكيماويات. لكن بالنظر إلى إدمان التربة على الأسمدة الكيماوية فإنها قد تصاب بأعراض «فقر دم» بمجرد رفع الأسمدة عنها والتوجه إلى الزراعة التي تستخدم فقط الأسمدة العضوية، ومن أجل مساعدة التربة في الفترة الانتقالية يقوم المزارع العضوي بزراعة محاصيل تخصيب (أسمدة خضراء) الهدف منها زيادة خصوبة التربة ومساعدتها على استعادة حيويتها الماضية، ومن هذه المحاصيل المخصبة نبات البرسيم.
يزداد حجم التصدير لهذه الأطعمة العضوية ويزداد الإقبال عليها عالمياً رغم أن معظم الدول المنتجة لهذه الأطعمة تخفي بعض الحقائق وتسمح مؤخراً بختم شهادات على عبواتها لتؤكد بأنها عضوية لترويجها. وبحسب مجلة Nature فإن المبيعات السنوية للصناعات الغذائية العضوية تزداد بمعدل 20 % سنوياً. لكن الخوف من تسلل جينات غريبة للمحاصيل أصبح مقلقاً للعلماء، وهو احتمال وارد الوقوع ولا يمكن تفاديه أو تجنّبه بسهولة ولاسيما من الكائنات المعدّلة وراثياً لأن الزراعة العضوية للنباتات رغم عزلتها النسبية عن الزراعات الكثيفة لا يمكنها تجنب الحشرات والطيور والهواء.
رغم هذه المخاوف فقد حققت المنتجات الزراعية العضوية انتشاراً وتنامياً ملحوظين في السنوات الأخيرة في الكثير من دول العالم، وأصبح إقبال المستهلكين على المنتجات العضوية يفوق بكثير ما كان متوقعاً ليس فقط في الدول المتقدمة بل في جميع أنحاء العالم. فقد أصبح المنتج العضوي عنصراً مهماً في استراتيجيات الاستثمار الزراعي في كثير من الدول. وتوضح الإحصاءات الزيادة المطردة في المساحات المزروعة بالنظام العضوي في العالم منذ عام 2002 وحتى عام 2006، حيث تضاعفت المساحة في قارة أفريقيا ستة أضعاف وفي قارة آسيا ستة أضعاف وفي قارة أميركا الجنوبية 1.36 ضعف وفي القارة الأوروبية 1.27 ضعف. ويعكس التزايد المستمر في القيمة الاقتصادية للمنتجات العضوية في العالم مقدار ما تناله هذه النظم من اهتمامات المستهلكين حيث تقدّر القيمة المقدرة للمنتجات العضوية في عام 2010 حوالي 94.2 مليار دولار.

مثال للزراعة الطبيعية الصديقة للأرض- حقول الأرز في إحدى قرى جنوب الصين
مثال للزراعة الطبيعية الصديقة للأرض- حقول الأرز في إحدى قرى جنوب الصين

خلاصة
من أجل حماية الصحة العامة ونوعية الحياة بدأ الكثير من بلدان العالم في السنوات الأخيرة يتجه إلى العمل بمبادئ الزراعة العضوية التي لا يدخل فيها استخدام المركبات المصنعة مثل المبيدات الحشرية والأسمدة الكيماوية والهرمونات والمواد الحافظة، والتي هي في الواقع سموم نتناولها يومياً في غذائنا ونطعم منها أبناءنا. وهذه المبيدات الصناعية تدمر صحتنا وثبت تسببها في كثير من الأمراض الخطيرة مثل الفشل الكلوي وتليف الكبد وسرطان الكبد… والزراعة العضوية هي نظام حيوي مأخوذ من الطبيعة لا يعتمد على أية إضافات كيماوية أو هرمونية، مما يعني أن العمل بها سوف يحدّ من التلوث البيئي، كما إنه سوف يحسن تدريجياً من صحة الأفراد ومن الثروة الزراعية على المدى الطويل، لذا فإن المنتجات العضوية المتوافقة مع معايير السلامة العضوية تعتبر أهم ركائز الوقاية الصحية والمحافظة على البيئة في الدول حول العالم.

الفوائد البيئية والاقتصادية للزراعة العضوية
في تقرير لمنظمة الزراعة العالمية

الزراعة العضوية الأمل الوحيد بإنقاذ الأرض
.الزراعة العضوية الأمل الوحيد بإنقاذ الأرض

في وثيقة صادرة عن منظمة الأغذية والزراعة العالمية (فاو) قدمت المنظمة تعريفاً علمياً موجزاً ومن أهم مرجع زراعي في العالم لفوائد الزراعة العضوية على الشكل التالي:

الاستدامة في المدى الطويل
الكثير من التغييرات الملاحظة في البيئة تعتبر طويلة الأجل وتحدث ببطء مع مرور الوقت. وتدرس الزراعة العضوية التأثيرات المتوسطة والطويلة الأجل لتدخل الإنسان والصناعة في النظم الايكولوجية الزراعية. وتهدف الزراعة العضوية إلى إنتاج الأغذية مع إيجاد توازن ايكولوجي يسهم في تلافي مشكلات خصوبة التربة والآفات (التي تسببت بها الزراعة التقليدية ولا سيما الكثيفة) وتتخذ الزراعة العضوية منهجاً استباقياً بحيث تركز على الاحتياط للمشكلات قبل ظهورها.
صحة التربة
تعتبر أساليب بناء التربة مثل استخدام الدورات المحصولية والزراعة البيئية ومحاصيل التخصيب Cover crops والأسمدة العضوية عوامل تشجع على تكاثر الكائنات الحية المفيدة وتؤدي إلى تحسين تكوين التربة وقوامها، كما إنها تؤدي إلى إقامة نظم استغلال أكثر استقراراً وأكثر ملاءمة للبيئة. وفي المقابل تؤدي أساليب الزراعة العضوية إلى تسريع دورة المغذيات والطاقة وتعزز قدرة التربة على الاحتفاظ بالمغذيات والمياه، والتعويض بالتالي عن عدم استخدام الأسمدة المعدنية أو الكيماوية. ويمكن لأساليب الإدارة في الزراعة العضوية أن تقوم بدور هام في مكافحة تعرية التربة، فهي تساهم في خفض احتمالات التعرض لعوامل التعرية، وفي زيادة التنوع البيولوجي للتربة، وتقلل فاقد المغذيات مما يساعد على المحافظة على إنتاجية التربة وتعزيزها. ويتم عادة تعويض ما تفقده التربة من مغذيات من موارد متجددة مستمرة محل تلك المزروعة وهي مغذيات ضرورية في بعض الأحيان لإغناء التربة العضوية بالبوتاس والفوسفات والكالسيوم والمغنيزيوم والعناصر المغذية من المصادر الخارجية.

سلامة المياه
يعتبر تلوث مجاري المياه الجوفية بالأسمدة والمبيدات الكيماوية مشكلة كبيرة في كثير من المناطق الزراعية. ونظراً إلى أن استخدام هذه المواد محظور في الزراعة العضوية، فإنها تستبدل بالأسمدة العضوية (مثل الكومبوست وروث الحيوانات والسماد الأخضر) ومن خلال استخدام قدر أكبر من التنوع البيولوجي (من حيث الأصناف المزروعة والغطاء النباتي الدائم)، وتعزيز قوام التربة وقابلية التربة لصرف المياه. وتؤدي النظم العضوية إلى قدرة أفضل للتربة على الاحتفاظ بالمغذيات، مما يساعد في إحداث خفض كبير في مخاطر تلوث المياه الجوفية. وفي بعض المناطق حيث يعتبر التلوث مشكلة حقيقية، يجري بشدة (كما حصل من قبل حكومتي فرنسا وألمانيا) تشجيع الزراعة العضوية باعتبارها من التدابير المهمة لمعالجة الموقف.

سلامة الهواء
تقلل الزراعة العضوية من استخدام الطاقة غير المتجددة من خلال خفض الاحتياجات من الكيماويات الزراعية (والتي يتطلب انتاجها استهلاك كميات كبيرة من الوقود الأحفوري). وتسهم الزراعة العضوية في التخفيف من تأثيرات ظاهرة ارتفاع حرارة جو الأرض أو ما يسمى بـ «الاحتباس الحراري» من خلال قدرتها على استيعاب وتثبيت الكربون في التربة، كما إن الكثير من أساليب الإدارة التي تستخدمها الزراعة العضوية (مثل تقليل الحراثة إلى أدنى حد ممكن، وزيادة استخدام البقول المثبتة للنيتروجين) يساعد على عودة الكربون إلى التربة مما يؤدي إلى زيادة الإنتاجية وتوفير الظروف المؤاتية لتخزين الكربون بدل بقائه حراً في الجو.

التنوع البيولوجي
يعتبر ممارسو الزراعة العضوية من أهم العاملين على حفظ التنوع البيولوجي على جميع المستويات. فعلى مستوى الجينات، تفضل البذور والسلالات التقليدية المكيفة لزيادة مقاومتها للأمراض وصمودها أمام الإجهاد المناخي. وعلى مستوى الأنواع، تؤدي التوليفة المتنوعة من النباتات والحيوانات إلى توافر الدوران الأمثل للمغذيات والطاقة اللازمين للإنتاج الزراعي. وعلى مستوى النظام الايكولوجي، فإن المحافظة على المناطق الطبيعية داخل وحول الحقول العضوية وفي غياب المدخلات الكيماوية تؤدي إلى توفير بيئات حاضنة مناسبة للحياة البرية بينما يقلل الاستخدام المتكرر للأصناف المستخدمة في تخصيب التربة من تآكل التنوع البيولوجي الزراعي مما يؤدي إلى توافر «بنك» طبيعي من الجينات السليمة، وهذا هو الأساس الذي يعتمد عليه لضمان زراعة غذائية سليمة وقوية في المستقبل. ويؤدي اجتذاب المواد الكيماوية في المناطق العضوية إلى الحفاظ على التنوع الحيواني والنباتي والكائنات البرية (مثل الطيور) والكائنات المفيدة للنظم العضوية مثل النحل وحشرات التلقيح الأخرى والأعداء الطبيعيين للآفات.

الكائنات المعدلة وراثياً GMO
لا يسمح باستخدام الكائنات المعدلة جينياً أو وراثياً في النظم العضوية خلال أية مرحلة من مراحل إنتاج الأغذية العضوية أو مناولتها. ونظراً إلى أنه لم تفهم تماماً حتى الآن التأثيرات المحتملة لهذه الكائنات على البيئة والصحة، فإن الزراعة العضوية تتخذ منهجاً وقائياً وتختار تشجيع التنوع البيولوجي الطبيعي. ولذا فإن استمارات البيانات العضوية التي تستخدم لمنح شهادات المصادقة على المنتجات العضوية يجب أن تحمل تأكيداً على أن الكائنات المعدّلة جينياً لم تستخدم عن عمد في إنتاج وتصنيع المنتجات العضوية وهذا أمر لا يمكن ضمانه في المنتجات التقليدية نظراً إلى أن وضع بطاقات البيانات التي تشير إلى وجود كائنات محورة وراثياً في المنتجات الغذائية لم يدخل بعد موضع التطبيق في معظم البلدان، غير أنه مع إزدياد استخدام الكائنات المعدلة وراثياً في الزراعة التقليدية ونتيجة لطريقة نقل هذه الكائنات في البيئة (ومن خلال حبوب اللقاح) فإن الزراعة العضوية قد لا تستطيع دوماً اجتناب التلوث بخصائص المنتجات المعدلة جينياً إلى هذا الحد أو ذاك.

الفوائد الايكولوجية
يوفّر تأثير الزراعة العضوية على الموارد الطبيعية ظروفاً مؤاتية للتفاعلات داخل النظام الايكولوجي الزراعي التي تعتبر حيوية لكل من الإنتاج الزراعي وصيانة الطبيعة. وتشمل الفوائد الايكولوجية المستمرة تكوين التربة وتكيفها، وتثبيت التربة، وإعادة استخدام المياه العادية وامتصاص الكربون، ودوران المغذيات، وحماية الأعداء الطبيعيين للآفات، وحشرات التلقيح، والبيئات الطبيعية الحاضنة. ويقوم المستهلك باختياره للمنتجات العضوية باستخدام قوته الشرائية في دعم نظم الزراعة الأقل تلويثاً، ومهما اعتبر أن تكلفة المنتجات العضوية أعلى نسبياً فإنها في الحقيقة أرخص في النهاية إذا أخذ في الاعتبار ما توفره من مشاكل بيئية ومخاطر على الأرض والحياة البشرية وهي مخاطر يحتاج التعامل معها إلى تكلفة هائلة لا تحتسب الآن في تكلفة الزراعة التقليدية.

نحن والأفاعي

نحن والأفاعي

قصة سوء تفاهم قديـــمة

في لبنان 25 صنفاً من الأفاعي ثلاث منها فقط سامة
والسامة منها لا تخرج إلا في الليل بحثاً عن فرائسها
الأفاعي مفيدة للزراعة بسبب دورها في الحدّ من القوارض

وهي عامل أساسي في التوازن البيئي في طبيعتنا الجبلية

الإنسان سيّد المخلوقات حباه الله تعالى بقدرات وسخّر له ما لا يحصى من الوسائل، بعضها مما يعينه على العيش وكسب الرزق، وبعضها الآخر مما ابتكرته مخيلته بهدف النيل من الكائنات الأخرى أو من أخيه الإنسان. هذا الإنسان القوي المسلح غالباً، الماكر في تعامله مع محيطه، قلما يهتم، وبسبب سلطانه على الأرض، بالتعرف عن قرب على المخلوقات البرية التي تعيش في جواره أو أدغاله أو بحاره. وقد أصبحت كل هذه المخلوقات صيداً مشروعاً له، وإن هو سعى الى معرفة شيء عنها فبهدف تعلم أفضل السبل للفتك بها وتسخيرها لوجوده المهيمن.
في بلادنا المشرقية أو ما يمكن أن نسميه بلاد الشام، فإننا قضينا منذ زمن طويل على السباع والدببة، ومعظم أصناف الذئاب هي في طور الانقراض، وقد خلت الساحة لساكني هذه المنطقة ليتمتعوا بمواردها الطبيعية من دون خوف كبير.
وبالطبع، إذا قارنا الأمن الكبير الذي نعيشه في طبيعة بلادنا بما يتعرض له سكان العديد من البلدان في أفريقيا أو آسيا أو حتى الولايات المتحدة من هجمات الوحوش، لأدركنا أننا في نعمة لا تقدر. ومن أكبر النعم أنه يمكنك السير في الجبال وقطع الأودية حتى في الليل من دون رهبة أو خوف. ربما بسبب غياب الحياة البرية عن بلادنا أصبحنا لا نعرف إلا القليل عنها. ومن أبرز مظاهر جهلنا بالحياة البرية في بلدنا موقف العداء المطلق للحيات والأفاعي وحالة الذعر التي تصيب الناس لمجرد أن يروا حية تسعى في الطبيعة، ناهيك بالحالات التي قد يصادفونها في منزلهم.
قليلاً ما يذكر أحدنا قصة عن حية أو أفعى إلا ونهاية تلك القصة معروفة: قتلت الحية المسكينة شرّ قتلة، وقد يتم إلى ذلك عرضها في الشارع وسط تهليل أولاد الحي وحماسهم. بالطبع الحية ليست وحدها الهدف الجاهز. فقد تعلمنا إطلاق النار على كل شيء يطير بجناحين حتى لو كان صقراً أو باشقاً أو نسراً أو بجعاً أو حتى وطواطاً، لا يهم، المهم هو القتل وبسط السيطرة على كل مخلوق يدفعه حظه العاثر لمحاولة العيش في جوارنا.

الصقر الصائد للحيات كان موجودا في لبنان لكنه اختفى أو يكاد – مصغرة

” في لبنان لا أحد يموت من لدغات الأفاعي وفي الهند يموت 11,000 شخص كل سنة بسبـب لدغاتها “

لماذا نخاف منها
السؤال المهم الذي يطرح نفسه هو: لماذا هذا الخوف بل هذا الرعب من مشهد الحيات؟ الجواب البسيط والمختصر: إنه الجهل المطبّق بحقيقتها وحقيقة دورها في التوازن الطبيعي، والله تعالى لم يخلق كائناً إلا وهناك حكمة من خلقه. أضف إلى ذلك أن الله كرم هذه البقعة من المشرق بأن أرسل فيها من الأفاعي والحيات ما لا يحمل السم إلا في حالات قليلة، وقد عرفت هذه الواقعة مرة عندما لدغت عقرب أحد العاملين في الأرض وقد قلقت على حال المسكين وأسرعنا به إلى المستشفى، لكنني لمزيد من الاطمئنان اتصلت بطبيب العائلة لأفاجأ به يُهوِّن عليّ الأمر، مؤكداً أننا في لبنان وفي سوريا وفلسطين محظوظون لأن بلادنا لا تحتوي على عقارب مميتة أو حتى أفاعٍ قاتلة، كما هي الحال في بلدان آسيوية أو أفريقية. وهو كان يعني بذلك أنه حتى الأفعى السامة في بلدنا ليست من السمّية بما يعرّض حياة الإنسان للخطر في ساعات قليلة، لأن سمّها هو مما يمكن معالجته في المستشفى أو العيادة. أما في بعض بلدان آسيا مثل سريلنكا أو الهند أو أفريقيا، فإن بعض الأفاعي هي من السمية بحيث لا يملك المصاب أكثر من 30 دقيقة لتناول المصل المضاد، وإلا فإنه سينفق ويموت شرّ موتة.
على الذين يخافون من الأفاعي في حياة لبنان البرية ويطاردون أي أفعى يرونها حتى ولو كانت صغيرة، أن يسألوا أنفسهم: متى كانت المرة الأخيرة التي سمعوا فيها بشخص لدغته أفعى في جوارهم أو في القرى المحيطة بقريتهم؟ عليهم أيضاً أن يسألوا: متى حصل أن مات أحد من سكان هذه البقاع من لدغة أفعى؟ الجواب على ذلك أن لدغات الأفاعي أو الموت بسبب إحداها في لبنان نادر الحدوث لدرجة أننا لم نسمع منذ سنوات طويلة عن حادثة من هذا النوع في منطقة الجبل كله. وقد تكون حصلت حوادث في الماضي بالتأكيد خصوصاً عندما كان الناس لا يملكون وسائل النقل، وعندما كانت المستشفيات غير موجودة إلا في مناطق معينة والأمصال المضادة لسموم الأفاعي غير معروفة. المفارقة الملفتة أن خطر التعرّض للدغة أفعى يكاد لا يذكر في لبنان إذا قارناه بخطر الموت على الطرق جرّاء حادث سيارة. وفي لبنان يموت كل سنة أكثر من 700 شخص من مختلف الأعمار، ويتعرض أكثر من 2000 لإصابات دائمة من جرّاء حوادث السيارات.
قلنا إننا محظوظون جداً في لبنان بسبب نوع الأفاعي التي خصنا الله بها. على سبيل المقارنة نذكر بعض الإحصاءات التي تنشر عن حوادث الموت بلدغات الأفاعي، والتي تبلغ حسب هيئات الصحة الدولية وبعض المؤسسات المهتمة أكثر من 100,000 كل عام خصوصاً في مناطق جنوب وجنوب شرق آسيا وأفريقيا، بينما يتعرض 250,000 للإعاقة الدائمة جرّاء لدغات الافاعي. وفي الهند وحدها يموت سنوياً بلدغات الأفاعي السامة أكثر من 11,000 شخص، وهو عدد هائل لكنه يتكرر كل سنة حتى بات الموت بلدغة أفعى جزءاً من الحياة اليومية للفلاحين الهنود.

متى كانت آخر مرة رأيتم أفعي أفي طبيعتنا الساحرة
متى كانت آخر مرة رأيتم أفعي أفي طبيعتنا الساحرة

غير سامة في معظمها
قبل سنوات أجرت صحيفة الدايلي ستار اللبنانية حديثاً مهماً وشيقاً مع أستاذ البيولوجيا وخبير الزواحف في الجامعة الأميركية في بيروت الدكتور رياض صادق، وجاء الحديث ليقدم للمرة الاولى شرحاً علمياً من رجل مختص حول ظاهرة الأفاعي في لبنان، ودورها في الحياة البرية والتوازن البيئي. كشف الدكتور صادق يومها عن أن في لبنان 25 نوعاً من الأفاعي والحيات، ثلاثة أنواع منها فقط تعتبر سامة. ومن هذه الأجناس السامة، فإن واحدة تعيش في قمم الجبال العالية حيث لا توجد مناطق سكنية، أما الاثنتان الباقيتان فإنهما تخرجان في الليل لاصطياد فرائسهما من القوارض، وبالتالي، فإنه من غير المرجح أن يقع نظرنا عليها في وضح النهار. النتيجة الطبيعية لهذا الواقع أننا على الأرجح لن نصادف أفعى سامّة إلا في حالات قليلة في لبنان. وهذه الحقيقة قد تدهش الكثيرين ممن يعانون من رعب الأفاعي ولا يتحملون منظر أي منها بغض النظر عمّا إذا كانت هذه سامة أو غير مؤذية.
للذين قد يحتفظون بشكوكهم حول الأفاعي وخطرها، فإنه من المفيد الإشارة إلى ملتقى علمي عقد في بيروت في سنة 2011 بهدف البحث في سبل الاحتياط من لدغات الأفاعي والتعاطي الطبي معها. وقد ذكرت دراسة قدمت إلى الملتقى أن عدد حالات لدغ الأفاعي في لبنان بين منتصف سنة 2010 ومنتصف سنة 2011 بلغ 47 حالة، أكثرها (42 في المئة) في منطقة عكار. وجاء في الأبحاث المقدمة أن 21 من أصل الحالات الـ 47 التي تمّ تسجيلها أظهر فيها المصاب أعراض التقيؤ بينما شعر 15 في المئة من المصابين بأوجاع في البطن، وأظهر مصاب واحد فقط أعراض تسارع واضطراب دقات القلب. ولم تؤدِ أي من اللدغات إلى حالة وفاة، وعاد جميع المصابين إلى منازلهم، إما في اليوم نفسه بعد معالجتهم بمضاد التتانوس أو المصل المضاد للسم، وإما بعد إقامتهم أياماً في المستشفى بهدف النقاهة. وتم إدخال نحو 19 العناية الخاصة في المستشفيات إلا أن ذلك تمّ غالباً على سبيل الاحتياط وبهدف مراقبة استجابة المصاب للأمصال المضادة للسم. وقد شدّد المجتمعون على أن معظم الحيات والأفاعي في لبنان غير سامّة، وإن كان من الضروري توعية المواطنين بأساليب الاحتياط وبالإجراءات الخاصة التي يتعين اتباعها في الحالات الطارئة.
يذكر هنا أن لبنان لا ينتج حتى الآن الأمصال المضادة لسموم الأفاعي المحلية، وهو يستورد أكثرها من المملكة السعودية التي تملك أحدث مركز لمعالجة لدغات العقارب والأفاعي في الشرق الأوسط، وذلك بأمصال مضادة يتم تطويرها محلياً لتناسب أنواع الأفاعي والعقارب التي تعيش في أراضيها، كما يستورد لبنان جزءاً آخر من الأمصال من الجمهورية الإسلامية الإيرانية. وكان لبنان قبل ذلك يستورد الأمصال من بعض البلدان الأوروبية، إلا أنه تبين أن هذه الأمصال لا تناسب نوع الافاعي المنتشرة في لبنان مما كان يقلل من فعاليتها.
بصورة عامة، فإن انتشار وسائل النقل السريع والمستشفيات في مختلف مناطق لبنان ساهم في تقريب المسافة الزمنية بين المصاب بلدغة أفعى وبين أقرب مستشفى، وهو ما يساعد على معالجة المصابين بسرعة، وبالتالي إنقاذهم من مضاعفات اللدغة التي قد تكون خطيرة إذا تركت ساعات طويلة من دون معالجة. وهنا، فإن خبراء العناية الصحية بحالات لدغ الأفاعي ينصحون بعدم اللجوء إلى الأسلوب التقليدي، وهو محاولة إحداث جرح في مكان اللدغة وامتصاص الدم بالفم، وهم يشيرون بضرورة صرف الاهتمام إلى نقل المصاب بسرعة إلى قسم الطوارئ في أقرب مستشفى، حيث يمكن أن يقدم له العلاج مجاناً، وعلى حساب وزارة الصحة. ويشير الخبراء إلى أن أسلوب فصد الدم قد يؤدي بعض الفائدة لكن لا يمكنه أن يستخرج كل السم الذي حقنته الأفعى، ولأن اللدغة قد تصيب شرياناً أو وريداً ولو صغيراً، وهو ما يسرّع انتشار السم في الجسم، والخطر هنا أن يعتقد المصاب أن عملية فصد الدم جعلته في منجى عن مضاعفات اللدغة فيهمل التوجه الى المستشفى لتلقي الإسعافات الأساسية، وهو ما قد يعرّض حياته للخطر.

 ” مستشفياتنا معظمها مجهّز بأمصال مضادة للسم وجميع المصابين يتلقون العلاج ويعودون إلى منازلهم “

الدور البيئي للأفاعي
الأفاعي – سامّة وغير سامّة- هي عامل مهم جداً في التوازن البيئي خصوصاً في الأرياف لأنها جزء من نظام الطبيعة وعامل أساسي في حماية المزارعين والزراعة من خطر انتشار القوارض ولا سيما فئران الحقل. اسأل أي مزارع متابع لما يجري في أرضه وهو سيخبرك عن الدور المهم الذي تلعبه الأفاعي في حماية حقله وزرعه من التدمير بسبب القوارض المنتشرة بالآلاف في البراري. لقد اختبرت شخصياً أهمية الأفاعي في التوازن البيئي عندما انتقلنا إلى منزلنا في أعلى الجبل في قريتي. وكنت قد بدأت، حتى قبل انتقالي إلى محل إقامتي الجديد في العمل، على استصلاح الأرض وغرس أشجارها وزرعها بمختلف أنواع المحاصيل البقولية والخضر، وقد أصبنا في السنوات الأولى بصدمة عندما بدأنا نرى الانتشار السريع لفئران الحقل، والتي حفرت جحوراً وأنفاقاً بالمئات في الأرض حتى باتت تلك الجحور حفراً صغيرة ظاهرة تغطي التربة في كل مكان. وتسبب ذلك بأذى للكثير من المزروعات والمحاصيل، ولم تنفع شتى أنواع السموم الباهظة الثمن في الحدّ من الفئران التي تتكاثر بسرعة كبيرة، خصوصاً إذا وجدت البيئة المساعدة.
لكن بعد سنتين، بدأنا نلاحظ أن عدد الجحور بدأ يخف، وكذلك الأضرار التي تصيب الزرع. وقد ترافق تراجع عدد الجحور والفئران بتزايد ملحوظ في عدد وأنواع الأفاعي التي اجتذبتها الفئران من البراري المحيطة فبدأت تتغذى عليها. وقد زادت عائلة الأفاعي في الأرض لدرجة أننا لم نعد نرى فيها الحفر إلا في أوقات البيات الشتوي للأفاعي، أي في عزّ الشتاء والبرد القارس، علماً أن الأفاعي تدخل في مرحلة بيات شتوي خلال فصل الشتاء، أما فأر الحقل فإنه يبقى نشطاً حتى في عزّ الشتاء لأنه يحتمي في جحوره وأنفاقه العميقة من البرد. قبل ذلك حاولنا الاستعانة بالقطط المنزلية كسلاح للحدّ من إنتشار الفئران لكن النمس إفترسها في وقت قصير، وتبيّن لنا لذلك أن خير ما يمكن أن نكافح به فئران الحقل والحراذين وغيرهما من القوارض إنما هي الأفاعي، وقد صدرت تعليمات للعاملين في الأرض بعدم التعرض لها تحت أي ظرف من الظروف، بل أننا أصبحنا نوزّع المياه في أوعية صغيرة لهذه الأفاعي لكي تتمكن من إرواء عطشها في البرية ولا تحتاج للإقتراب من المنازل.
نُذكِّر هنا بأن أكثر الأفاعي التي تنتشر في بريتنا ليست سامة، ولا تؤذي الإنسان، وقد لاحظنا وجود أجناس منها بألوان زاهية جميلة، فهناك أفعى حمراء وأخرى خضراء مع أصفر وأخرى صفراء مع بقع سوداء، وهناك أفعى بلون يميل إلى الأزرق مع الرمادي، ولم نجد في تصانيف الأفاعي المنشورة في لبنان ذكراً لها أو صوراً. وهناك الأفعى السوداء الكبيرة المعروف عنها أنها غير مؤذية وأنها تتغذى على كائنات عديدة أهمها القوارض. ونذكر أيضاً بأن الأفاعي التي يمكنك أن تراها في وضح النهار هي بصورة شبه مؤكدة غير سامّة لأن السامّة منها، وهي قليلة العدد، تخرج للصيد تحت جنح الليل لأنها تتبع القوارض التي تنشط بدورها في الليل أيضاً، ومعظم الأفاعي السامة مزودة بوسائل استشعار حرارية ويمكنها تتبع فريستها بواسطة تلك الحسّاسات من دون حاجة لرؤيتها.
هناك الذين يَشْكون من التكاثر الزائد للثعابين في الطبيعة الجبلية، لكن الواقع أنه لا توجد دراسات أو دلائل تشير إلى ذلك، لكن إذا كانت الحيات والثعابين قد تكاثرت فوق حد معين، فإن ذلك سيكون نتيجة لخلل آخر في التوازن البيئي بينها وبين أعدائها الطبيعيين، وعلى رأسهم بوصوي الحيّات الذي لم نعد نراه في أجوائنا وهو أبرز صائد للأفاعي. ومن الأعداء الطبيعيين للأفاعي الصقور والبواشق التي تكاد تندثر من أجواء لبنان بسبب الصيد الجائر والعشوائي، والقطط المنزلية والنمس وابن عرس والغرير والبوم المحلي الذي يصطاد ليلاً ويتغذى على القوارض، وقد يصطاد أيضاً الأفاعي والحيات. أضف إلى ما سبق أن الأفاعي السامّة تتغذى أحياناً على أنواع أخرى من الأفاعي غير السامّة.

جحور فأر الحقل أحد أشكال الأضرار التي يسببها للزراعة
جحور فأر الحقل أحد أشكال الأضرار التي يسببها للزراعة

دعوها تعمل لحسابنا
خلاصة الأمر أن علينا جميعاً أن نعيد النظر في موقفنا غير العقلاني والضارّ من الأفاعي، وأن نتحرر من عقدة الخوف غير المبرر التي تتحكم بنا تجاهها. وإن علينا بشكل خاص أن نتعلم كيف نتعايش معها فنترك لها أن تعيش في جوارنا، وأن تخدمنا بتخليصنا من القوارض والآفات التي تصيب زراعتنا، وقد يراها البعض جميلة ومن آيات الخلق ومعجزات الخالق، وهي فوق ذلك مخلوقات تعمل لحسابنا مثل الهرة أو كلب الحراسة أو أي حيوان أليف لكنها لا تكبّدنا أي تكلفة. أضف إلى ما سبق أنها كائنات خجولة وتخشى الإنسان، ولهذا، فإننا على الرغم من وجودها في جوارنا نادراً ما نراها في طريقنا بل نادراً ما نلمحها، لأنها إما أنها في شعاب البرية أو أنها مسترخية في مكان ظليل. إنها باختصار كائن مفيد وليست عدواً، بل إنها من مقومات أي مشروع زراعي أو بيئة طبيعية حتى في جوار المسكن،لأنها عامل أساسي من عوامل التوازن العضوي في بيئتنا الجبلية الجميلة.

أشهــر الأفاعــي في لبنـــان
أفاعٍ غير ســامّة

الأفعى السوداء
الأفعى السوداء

الأفعى السوداء

الاسم اللاتيني: Coluberjugularis
الحجم: اكبر أفعى في لبنان، قد يزيد طولها على المترين
اماكن تواجدها: منتشرة في لبنان في مناطق تصل الى ارتفاع 1000م. ولاسيما الأماكن الجافة المفتوحة، المروج، ضفاف الأنهر الصخرية، الحقول والأراضي الرطبة.
الطعام: القوارض، الطيور، الصيصان والسحالي.
علاقتها بالانسان: غير سامة لكنها تعض، مفيدة للزراعة من خلال دورها في السيطرة على القوارض.

الاسم العلمي: Dahl’s Whip Snake
الاسم اللاتيني: Colubernajadum
الحجم: اسطوانية الشكل، يصل طولها الى 140 سم.
اماكن تواجدها: تصل الى ارتفاع 1800م. الاماكن الصخرية الجافة الحرشية
الطعام: السحالي والحشرات
علاقتها بالانسان: غير مؤذية.

الاسم العلمي:Red Whip Snake
الاسم اللاتيني: Coluberrubriceps
الحجم: اسطوانية الشكل، يزيد طولها على المتر.
اماكن تواجدها: الى ارتفاع 1500م الأماكن الصخرية الجافة، وفي بعض الاحيان الاراضي الزراعية.
الطعام: السحالي والحشرات
علاقتها مع الانسان: غير سامة لكنها تعض وتتحرك بسرعة.

الإسم العلمي : Dwarf Snake
الاسم اللاتيني: Eirenislevantina
الحجم: كما يشير اسمها، فإنها حية قزمة أو صغيرة جداً بحيث يمكن حملها في الكف
اماكن تواجدها: حتى ارتفاع 1500م، في أماكن وبيئات طبيعية مختلفة.
الطعام: الحشرات وفقاريات أخرى
علاقتها مع الانسان:غير مؤذية

الإسم العلمي: Four-lined Rat Snake
الاسم اللاتيني: Elaphequatrolineata
الحجم: كبيرة الحجم يصل طولها الى 2 م.
اماكن تواجدها:تصل الى ارتفاع 2500 م. كما توجد بالقرب من المستنقعات والاماكن الصخرية والزراعية.
الطعام:القوارض الصغيرة، الطيور والبيض
علاقتها بالانسان:غير مؤذية للانسان بل مفيدة لأنها تأكل القوارض التي قد تسبب ضرراً كبيراً للزراعة.

الإسم العلمي: Montpellier Snake
الاسم اللاتيني: Malpolonmonspessulanus
الحجم: جسد اسطواني، رأس ضيق، يصل طولها الى 2 م.
اماكن تواجدها: الى ارتفاع 1500م. المساكن الجافة الصخرية قليلة الخضرة.
الطعام: السحالي، الثديات الصخرية والطيور.
علاقتها مع الانسان: تقتل فريستها بواسطة سمّها، لكن انيابها صغيرة وموجودة في نهاية فكها الاعلى، لذلك لا تؤثر كثيراً على الانسان.

الاسم العلمي: Dice Snake
الاسم اللاتيني: Natrix tessellate
الحجم: أفعى اسطوانية تصل الى 140 سم.
اماكن تواجدها: تصل الى رتفاع 2500م، تعيش في المناطق المائية أو بقربها
الطعام: غالباً الأسماك والضفادع.
علاقتها مع الانسان: غير مؤذية.

الاسم العلمي: Blunt-nosed Viper
Viperalebetina
الحجم: قوية البنية. يتراوح طولها ما بين 180-130سم.
اماكن تواجدها: تصل الى ارتفاع 2000 م. المروج والمراعي، المناطق الصخرية والآثار، حيوان ليليّ أغلب الاوقات.
الطعام: القوارض الصغيرة، الطيور، السحالي والافاعي.
علاقتها مع الانسان: سامة- يمكن لعضتها أن تكون قاتلة اذا لم تعالج، لكنها لا تهاجم اذا لم تستفز.

الاسم العلمي: Palestinian Viper
الاسم اللاتيني: Viperapalaestina
الحجم: كبيرة وقوية البنية ، يصل طولها الى 130 كحد أقصى.
اماكن تواجدها: غابات البلوط الخفيفة والبيئات الثانوية (التي صنعها الانسان) مثل البساتين والحقول والحدائق، تنشط غالباً في الليل.
الطعام: القوارض الصغيرة، الطيور والسحالي.
علاقتها مع الانسان: سامة- يمكن لعضتها أن تكون قاتلة إن لم تعالج.

كيف تميّز الأفعى السامة من غير السامة؟

للذين يأخذهم الخوف من مشهد الأفاعي بشرى يجب أن تخفف عنهم، والبشرى هي أن الله لم يخلق الافاعي السامّة بنفس شكل الافاعي غير السامّة، بل جعل لكل من النوعين علامات فارقة يمكن البحث عنها على الفور عند مشاهدة أفعى. وهذه العلامات من الوضوح بحيث يجب أن لا تخفى عن الأعين. ويمكن تلخيصها بالتالي:

الرأس المثلث الشكل للأفعى ذات الأجراس يظهر كونها سامة - مصغرة
الرأس المثلث الشكل للأفعى ذات الأجراس يظهر كونها سامة – مصغرة

1. شكل الرأس
إن جميع الافاعي السامة بإستثناء أفعى الكورال المائية لها رأس مثلث الشكل على شكل حربة السهم. أما رأس الافعى غير السامة فهو على الأغلب بيضاوي، وتوضيح ذلك في الرسمين التاليين:

2. شكل العين
جميع الأفاعي السامة تقريباً يأخذ بؤبؤ العين لديها شكل شق عمودي، أما الأفاعي غير السامة فإن البؤبؤ لديها مستدير كما يبدو في الرسمين التاليين:

غير سامـّة
غير سامـّة
العين المميزة لأفعى سامة - لاحظ أن البؤبؤ يتخذ شكل شق عمودي في العن وليس دائريا
العين المميزة لأفعى سامة – لاحظ أن البؤبؤ يتخذ شكل شق عمودي في العن وليس دائريا

 

 

 

 

 

 

 

3. عضو الاستشعار الحراري

عضو الاستشعار الحراري يوجد فقط في الأفاعي السامّة
عضو الاستشعار الحراري يوجد فقط في الأفاعي السامّة

جميع الأفاعي السامّة مزودة بجهاز للتتبع الحراري عن بعد، وهو على شكل ندبة بين العين وخيشومي الأنف. أما الأفاعي غير السامّة فلا توجد لديها تلك الخاصية.

 

الفروقات بين الأفعى السامة والأفعى غير السامة - رسم بياني
الفروقات بين الأفعى السامة والأفعى غير السامة – رسم بياني

 

 

4. شكل الذيل
ينتهي ذيل الأفعى السامّة بحلقات كاملة، بينما ينتهي ذيل الأفعى غير السامّة بصفين من الحراشف، كما هو موضح في الرسم البياني التالي.

أكبر معرض

من لم يستكشفها فهو محروم

أكبر معرض على الطبيعة
للتنوع الهائل في بيئة الجبل

تتمتع محمية أرز الشوف بامتداد شاسع يجعلها تغطي مناطق جغرافية وبيئات طبيعية شديدة التنوع، لكن أهم ميزات المحمية هو مساحتها الكبيرة ووعورة المناطق الجبلية والغابات، وهو ما يوفّر الحد الأدنى من العمق الجغرافي ويتيح تطور الأنواع التي تعيش فيها، ويساعد على حمايتها كما يساعد على خلق حياة برية لا اختلاط فيها مع المدنية المعاصرة وملوثاتها الكثيرة. وبسبب توافر هذه الشروط فقد أعلنت منظمة اليونيسكو سنة 2005 محمية أرز الشوف محمية المحيط الحيوي Biosphere reserve وأدخلتها بذلك ضمن شبكة المحميات التي تحظى بحماية دولية بإعتبارها مناطق ذات أهمية كبيرة لتطوير نهج متكامل للتعايش المتناغم بين الإنسان والطبيعة المحيطة.
إن هذه الخصائص تجعل من استكشاف المحمية والسير في طرقها الجبلية متعة واكتساباً علمياً وثقافياً في الوقت نفسه.
ماذا في محمية أرز الشوف، وما هي الاكتشافات والمشاهد الفريدة التي يمكن أن يراها الزائر المراقب في حال قرر يوماً استكشافها؟
تقدّم المحمية بيئة غنية متكاملة من الغطاء النباتي ومن أجناس الطيور والحيوانات البرية، كما تنمو فيها كمية كبيرة من النباتات الطبية أو العطرية أو الصالحة للأكل، فضلاً عن مئات الأنواع الزهرية التي يقصدها النحل من القرى المجاورة ليصنع منها بعض أفضل أنواع العسل الطبي في العالم. وهنا عرض موجز لأهم مكونات المحمية:

الغابــات
تشتمل المحمية على سبع غابات أرز، ثلاث منها رئيسية وهي غابة أرز عين زحلتا والقرى المجاورة لها، وغابة أرز الباروك، وغابة أرز المعاصر. وتتميز هذه الغابات بتنوع بيولوجي غني جداً وتكاثر طبيعي قل ّمثيله.
في غابة أرز عين زحلتا (110 هكتارات) توجد بحيرة جبلية أنشأتها جمعية أرز الشوف بتمويل من السفارة اليابانية، بهدف المحافظة على استقرار الحياة البرية وإخماد الحرائق في حال نشوبها. وهناك ممرات للمشي وموقع لمراقبة الطيور والحيوانات قرب البحيرة.
أما غابة أرز الباروك (400 هكتار ) فهي أكبر غابات الأرز في لبنان، وتحتوي على ممرات جبلية عدة لهواة المشي لكافة الأعمار، ويمكن للزوار دخولها بواسطة حافلة أو سيراً على الاقدام. أما غابة أرز المعاصر (7 هكتارات) فتضم اكثر أشجار الأرز المعمرة. وفيها ممرات لزيارات متنوعة بحسب الوقت والمسافة.
وقد أحصت الدراسات تنوعاً بيولوجياً غنياً جداً في المحمية. فعلى صعيد النباتات، تمّ تسجيل ما يزيد على 500 نوع، منها 30 نوعاً يحمل اسم لبنان، مثل البربريس اللبناني وغرنوقي لبنان والقرنفل السحاري اللبناني. وهناك 25 نوعاً مهدداً بالإنقراض على الصعيدين العالمي والوطني، بالإضافة الى 50 نوعاً تنفرد به المنطقة و12 نوعاً نادراً مثل جُلبان لبنان وباذنجان الغول، و30 نوعاً من النباتات الطبية مثل الورد البرِّي والبيلسان، وما يزيد على 50 نوعاً من النباتات الغذائية مثل العكّوب والهندباء. هذا بالإضافة الى عدد كبير من النباتات العطرية. وفي المحمية أيضاً 24 نوعاً من الأشجار، بالإضافة الى الأرز اللبناني، وأهمها الغبيراء والعفص والملّول والسنديان والقيقب والقطلب وخوخ الدب والزعرور والإجاص واللوز والتفاح البريّ.

الحياة البرية
تعتبر محمية أرز الشوف أيضاً، منطقة هامة للطيور المهاجرة بين أوروبا وأفريقيا، وقد تم إحصاء نحو 250 نوعاً من الطيور فيها، بينها أربعة أنواع مهدّدة على الصعيد العالمي كالدرسة الرمادية والعويسق، و10 أنواع مهددة على الصعيد الإقليمي كالنسر وعقاب سقعاء الصغرى، وهناك أكثر من 30 نوعاً معششاً كالبيدق والنسر والحجل والهدهد، بالإضافة الى 10 أنواع محتملة التعشيش مثل ملك العقبان والبومة الاذناء.
وتمّ التعرف على 32 نوعاً من اللبونات البرية، منها 12 نوعاً مهدداً بالانقراض على الصعيد العالمي كالذئب والغرير، وثلاثة أنواع مهدّدة على الصعيد المحلي هي الهر البري والهر النمر والذئب، وتسعة أنواع نادرة منها الخفاش القديم والوطواط العمري.
على صعيد الزواحف والبرمائيات، تمّ إحصاء نحو 27 نوعاً، منها الحرباء المهدّدة بالانقراض على الصعيد العالمي، والنقّاق ذو القيمة الاقتصادية، ونوعان متفردان هما السقاية الجبلية والقاروت، بالإضافة إلى نوعين نادرين هما السقاية الجبلية وحنش الباروك، الذي تمّ تسجيله من قبل فريق المحمية بالتعاون مع الجامعة الأميركية في بيروت كنوع جديد على لائحة الزواحف العالمية.

محمية

محمية أرز الشوف الطبيعية
واحة في صحراء التآكل البيئي

نجـــــــاح أكبـر محميّة طبيعيـة في لبنان
حفّز على إنشاء المحميات في بقية المناطق

محمية أرز الشوف تشغل 5 في المئة من مساحة لبنان
وتحتضن مئات السلالات النباتية والبرية والطيور

مقصد عالمي للسياحة البيئية ورياضة الجبال
وعامل أساسي للتنمية في القرى المحيطة

أهمل لبنان لوقت طويل بيئته الطبيعية، فتركها نهباً للحرائق أو القطع الجائر أو زحف العمران ومطامع أهل النفوذ. وأكبر تهديد تعرّضت له المناطق الطبيعية الفريدة في لبنان كان ولا شك تهديد الزحف المخيف للإسمنت في كل الاتجاهات وسط انفلات المعايير البيئية للتطوير العقاري، وقد استهلك هذا الزحف حتى الآن العديد من الواحات الطبيعية النادرة في لبنان. ويكفي لأي كان أن يقود سيارته باتجاه الشمال أو الجنوب من لبنان ليرى بعينيه كيف تنهار الغابات وينحسر الغطاء الأخضر، (وما يحتويه من نظام حياة معقد)، بقعة بعد بقعة أمام جنازير الحفارات ومشاريع البناء.
لكن التقصير الرسمي الطويل أطلق العنان منذ عقدين من الزمن لحركة المحميات الطبيعية وحفّز العديد من هيئات المجتمع المدني والمؤسسات الأهلية والبلدية على إنشاء تحالف وطني قوي جعل بين أهدافه مراقبة وضع الغابات والمناطق الطبيعية والضغط بقوة على النواب والمسؤولين لإصدار التشريعات التي تفرض حماية من التطوير العقاري أو مشاريع الزراعة الكثيفة الضارة بالبيئة أو الصناعات الملوثة أو نشاطات الصيد العشوائي.
وفي سياق الصحوة البيئية، لعبت محمية أرز الشوف دور السبق والريادة، الأمر الذي جعل منها النموذج العملي الذي جذب مناطق لبنانية عدة إلى فكرة العمل على حماية مناطقها الطبيعية والتراثية النادرة.
فما هي محمية أرز الشوف، ما هي أبرز سماتها الطبيعية، وما الذي يمكن للزائر أن يجده فيها، وأي دور تمكّنت هذه المحمية الأكبر في لبنان من أن تلعبه على صعيد تطوير السياسة البيئية العامة؟

شهد لبنان سنة 1996 حدثاً مهماً بل تاريخياً تمثّل في إعلان منطقة واسعة من لبنان محمية طبيعية تحت إسم محمية أرز الشوف. وأتبع القانون بهذه المحمية مناطق واسعة من بينها عين زحلتا وبمهريه والباروك والمعاصر وعين دارة والسفح الشرقي من السلسلة الجبلية للمحمية.
وشكّل قيام المحمية سابقة مهمة، لأن فكرة حماية المناطق الطبيعية أو الإدارة العقلانية لمواردها لم تكن معروفة لدى اللبنانيين، علماً أن القيادة السياسية في الجبل منذ أيام الشهيد كمال جنبلاط ثم مع وليد بك جنبلاط فرضت نوعاً من الحماية الواقعية على منطقة الأرز ومحيطها قبل سنوات طويلة من إعلان المنطقة محمية بقوة القانون.

5.3 في المئة من مساحة لبنان
تبلغ مساحة هذه المحميّة نحو 50 ألف هكتار أو 500 كلم2، أي ما يعادل 5.3 في المئة من مساحة لبنان الإجمالية، وهي تشمل مستنقعاً عميقاً يقع في وادي البقاع شرق الشوف، وهو أحد آخر المستنقعات الموجودة في الشرق الأوسط، كما يضم نطاق المحمية أربع وعشرين قرية تقع على الجانبين الشرقي والغربي لجبلي الباروك ونيحا.
نموذج أطلق حركة المحميات
يعتبر الأثر الأكبر للمحمية أنها نجحت في وقت قليل في تعميم فكرة حماية البيئة، وكان لها أثر أكبر بكثير من تأثير الدولة أو وزارة البيئة نفسها المفتقدة إلى الموارد، وإلى الصلاحيات اللازمة، كما لعبت المحمية دور النموذج العملي الناجح الذي اطلع عليه الرأي العام، وبات الكثيرون بالتالي يودون نقله إلى مناطقهم.
على هذا النحو، وبفعل الشعبية الكبيرة لفكرة خلق محميات طبيعية قبل ابتلاعها من زحف الإسمنت والعقار، قرّرت الدولة إعلان عدد من المناطق الرائعة الجمال في لبنان محميات طبيعية أو بيئية، بدءاً بمحمية أرز الشوف (محميّة الشوف المحيط الحيوي)، ثم محميّة تنورين، ومحميّة إهدن، ومحميّة جزر النخيل، ومحميّة بنتاعل، ومحميّة جبل موسى المحيط الحيوي، ومحميّة جبل الريحان المحيط الحيوي، ومحميّة كرم شباط، ومحميّة شننعير، ومحميّة اليموّنة، ومحميّة شاطىء صور، هذا بالإضافة الى حمى كفرزبد.
إلا أن محميّة أرز الشوف تعدّ أكبر محميّة طبيعية في لبنان، وهي تمتد من ضهر البيدر شمالاً حتى جبل نيحا جنوباً وتغطي غابات البلوط منحدراتها الشمالية الشرقية، فيما تنتشر غابات العرعر والبلوط في المنحدرات الجنوبية الشرقية منها، إلا أن أشهر ما يميّز المحمية، غابات الأرز الموجودة في معاصر الشوف والباروك وعين زحلتا – بمهريه، والتي تشكّل عامل الجذب الأساسي للزوار، فغابات الأرز هذه تقدّر بربع غابات الأرز المتبقية في لبنان، وبعض الاشجار فيها يقدّر عمرها بألفي عام. وقد بدأت المحميّة عبر مدخل واحد هو مدخل المعاصر ومن ثم أخذت تتوسّع حتى أصبح فيها 4 مداخل من عين زحلتا شمالاً حتى نيحا جنوباً.
وفي سنة 2009 اشترت إدارة المحميّة بيتاً تراثياً في معاصر الشوف، تمّ تأهيله سنة 2010 ونقلت إليه مكاتب فريق العمل سنة 2011، وخصص الطابق الأول منه ليكون قاعة اجتماعات ومركز استعلامات، والطابق الثاني للمكاتب الإدارية.
يتمحور عمل فريق المحميّة على خمسة برامج هي: الأبحاث والمراقبة، السياحة البيئية، التنمية الريفية، التوعية البيئية، وبناء القدرات. ويتركز العمل على مراقبة التنوع البيولوجي والإرث الحضاري والثقافي في المحميّة ومحيطها الحيوي.

أرز-المحمية-تحت-الثلج--2
أرز-المحمية-تحت-الثلج

 

تكريم عربي لمحميّة أرز الشوف
كرّمت مبادرة “تكريم” للإنجازات العربية للسنة الثالثة على التوالي، نخبة من أبرز المبدعين العرب تقديراً لانجازاتهم الاستثنائية، برعاية قرينة ملك البحرين الشيخ حمد بن عيسى آل خليفة، الأميرة سبيكة بنت ابراهيم آل خليفة، وبالتعاون مع وزارة الثقافة في البحرين. وحصلت محميّة أرز الشوف على جائزة “تكريم” للتنمية البيئية المستدامة، في حفل أقيم على مسرح “الصالة الثقافية” في المنامة – مملكة البحرين، وتميّز في حضور أكثر من 500 شخصية عربية وعالمية ونخبة من الصحافيين ووسائل الإعلام من مختلف دول العالم. وضمت لجنة التحكيم التي منحت الجائزة لمحمية أرز الشوف كلاً من: سمو الملكة نور الحسين، الشيخة مي الخليفة، نهى الحجيلان، مستشار ملك المغرب أندريه أزولاي، محمد البرادعي، الأخضر الابراهيمي، كارلوس غصن، الروائي مارك ليفي، الروائي أمين معلوف، ليلى شرف، ورجل الأعمال اللبناني رجا صيداوي.

70 الفاً يعيشون في نطاقها
تغطي محميّة أرز الشوف 5.3 في المئة من مساحة لبنان الاجمالية ما يجعلها إحدى أكبر المناطق المحميّة الجبلية في الشرق الأوسط، وهي موطن لأكثر من 70 ألف شخص يعيشون داخل المحيط الحيوي للمحمية وينتمون الى 24 بلدية موزّعة على أكثر من محافظة. وتحتوي المحمية على 620 هكتاراً من غابات الأرز اللبناني، وهو أكبر امتداد لهذا النوع من الغابات في لبنان ويمثّل نحو 25 في المئة من كل ما تبقى من غابات الأرز في لبنان.

مشروع الاحتياط ضد الحرائق
كما عملت إدارة المحميّة، ولا تزال، على إنشاء البرك الجبلية في أرجاء المحميّة وذلك بهدف: تخزين المياه والإفادة منها واستخدامها في نشاطات التحريج ومكافحة الحرائق. وتوفّر البرك فضلاً عن ذلك مصدر مياه أساسياً للحيوانات البرية والطيور المقيمة أو المهاجرة التي تعبر لبنان ذهاباً واياباً في موسمي الربيع والخريف. ويعتبر لبنان ثاني أهم بلد في العالم للطيور المهاجرة. الى ذلك أصبحت المحميّة تضم أربع محطات لرصد الطقس، تؤخذ منها البيانات ويتم تحليلها لمعرفة نسب احتمال اندلاع الحرائق في الغابات، وتتواصل ادارة المحميّة مع البلديات وتُرسل الرسائل القصيرة للتنبيه من إشعال النار. يتم هذا البرنامج بالتعاون مع مركز الدفاع المدني، وذلك عبر برنامج Risico الذي يطبّق في ايطاليا وبدأ تطبيقه في محميّة أرز الشوف، ومن ثم أصبح يطبّق في كل لبنان، حيث وزّعت 44 محطة للإنذار المبكر في مختلف المناطق الحساسة في لبنان.
وتقام في المحمية نشاطات متنوعة بمشاركة السكان المحليين والجمعيات الأهلية والبلديات والمدارس وجهات أخرى معنية، كما يتم تحفيز الوعي البيئي من خلال السياحة البيئية، وتنظيم رحلات ميدانية ومجانية الى المحمية لسكان القرى المحيطة.

برامج التنمية الريفية
تقوم جمعية أرز الشوف منذ سنة 1999 وبدعم كندي بتنفيذ مشروع للتنمية الريفية يستهدف المحافظة على الحرف التقليدية وتطويرها، وكذلك الحفاظ على أسلوب العيش الريفي، وذلك بالتواصل مع المجتمع المحلي الذي يساهم في إنتاج ما يزيد على 70 نوعاً من المأكولات الريفية التقليدية (عسل، مربيات، أعشاب، مقطرات، منتجات حرفية) ويتم تدريب السيدات على الطرق الصحيحة والحديثة لتصنيع وحفظ المنتجات.
وتقوم محمية أرز الشوف بتعريف الزائر على تراث وتقاليد المجتمع الريفي اللبناني من خلال تقديم تراثه الغذائي من مربيات وأعشاب وشراب ومقطرات، والتي يتم ترويجها على مداخل المحمية حيث يتم بيعها. ومنذ سنة تقريباً بدأت الجمعية بالعمل مع سيدات القرى المحيطة بالمحمية بمفهوم جديد، وذلك باستعمال مشاغل مجهّزة بكافة المعدات من طناجر، كركات، منصات عمل وأرفف وطاولات وكلها من مادة الستانليس ستيل، وذلك للحصول على منتج بأفضل المعايير الصحية، كما تمّ وضع قواعد لصنع منتجات بمعايير موحّدة وذلك من خلال تدريب السيدات على استخدام المواد الأولية نفسها وبمكاييل موحّدة في عملية التحويل. وأنشأت الجمعية بتمويل من البنك الدولي وتنفيذ مجلس الإنماء والإعمار مشغلاً مجهزاً بكافة المعدات اللازمة في بلدة مرستي، وهي تتولى الآن تأهيل وتجهيز ثلاثة مشاغل، إثنان منها في منطقة الشوف الأعلى وبالتحديد في بلدتي جباع وبعذران، والثالث يقع في منطقة المناصف في بلدة كفرفاقود، وذلك ضمن مشروع السيمي الزراعي الذي يموّله البنك الدولي.
وفي سنة 2010 وبالشراكة مع آل سكاف تمّ انشاء مبنى جديد ذي مواصفات بيئية عالية في قرية عميق من جهة البقاع الغربي، وتمّ افتتاحه سنة 2012 حيث تسلّم “سوق الطيب” إدارته وأطلق عليه إسم طاولة عميق. يعتبر هذا المشروع مدخل المحميّة الرئيسي من الجهة الشرقية ويتميز بقربه من مستنقع عميق الذي يعتبر من أهم المناطق الرطبة في لبنان خصوصاً للطيور المهاجرة، وهو يهدف الى تنمية المجتمع المحلي عبر تأمين الوجبات التقليدية الصحية، ويشهد اقبالاً خصوصاً في نهاية الأسبوع.

برنامج التحريج

من النشاطات المهمة التي تقوم بها إدارة المحميّة، تشجيع القطاع الخاص على التحريج عبر برامج متنوعة، منها برنامج “الأرز الخالد”، والذي يتيح لكل شخص تبني أرزة تسمى بإسمه في سجلات المحميّة.
وقد أثمر هذا البرنامج حتى الآن تبني نحو 300 ألف شجرة، وهناك برنامج آخر للتحريج خاص بالمؤسسات والشركات الخاصة الداعمة للبيئة، وذلك من خلال مشاريع صغيرة يزرع فيها برعاية المؤسسة أو الشركة من ألف الى 10 آلاف شجرة في المحميّة. ومن الجهات المساهمة في هذا البرنامج بنك HSBC، فندق الـ 4 Seasons، وشركة Nike، وجمعية الـ AFDC ، حيث زرع كل منهم 1000 شجرة.
كما تحرص ادارة المحميّة على المحافظة على التكاثر الطبيعي للغابات داخل المحميّة من خلال بذور الأرز.

زيارة-طلابية-للمحمية-خلال-الخريف-
زيارة-طلابية-للمحمية-خلال-الخريف-

السياحة البيئية
إحتلت محميّة أرز الشوف موقعاً مرموقاً على خارطة السياحة البيئية وأصبحت في السنوات الأخيرة مقصداً لمحبي الطبيعة ولهواة رياضة المشي في الجبال. وسجل عدد الزوار الوافدين إلى المحمية نمواً مطرداً سنة بعد سنة، إلا أن الأحداث والهزات السياسية الجارية في المنطقة أثرت على الإقبال الأجنبي والعربي. وعلى الرغم من أن عدد زوار المحميّة سنة 2012 لم ينخفض عن سنة 2011 إلا أن غالبية الزوار سنة 2012 كانوا لبنانيين ولم يأتِ الكثير من الاجانب، نظراً إلى الوضع السياسي المتوتر في لبنان، والذي أثّر على السياحة بشكل عام.
ولتسهيل التمتع بميزات المحميّة أقيمت فيها مواقع مخصصة لمراقبة الطيور وهي عبارة عن غرف صغيرة مجهّزة لهذه الغاية، خصوصاً في الباروك وعين زحلتا (التي يوجد فيها ثلاث غرف). ويمكن لزوّار المحمية المبيت في بيوت الضيافة التي أصبح عددها سبعة بيوت سنة 2012 (كانت 5 سنة 2011)، أو البيوت المصنوعة من الخشب في بعض القرى، كما يمكنهم استئجار الدراجات الهوائية، وكذلك تمّ تأهيل بعض بيوت الضيافة لاستقبال ذوي الاحتياجات الخاصة. وتدعم ادارة المحميّة كافة النشاطات والمهرجانات في القرى لخلق الترابط بين الناس والبيئة وتشجيعهم على الحس البيئي.
وبهدف تأمين سلامة الزوّار وعدم تعرضهم لحوادث الانزلاق أثناء التجول، عمل المسؤولون في المحمية على تأهيل طرقاتها فأقاموا ممرات تناسب كل الاعمار والقدرات الجسدية، فمنها السهل المخصص للصغار والمتقدمين في السن، ومنها ما يزداد صعوبة وهو مخصص لهواة رياضة المشي في الطرق الوعرة، كما استحدثت أيضاً “ممرات تثقيفية” مخصصة لتلامذة المدارس وطلاب الجامعات، تتوزّع فيها لوحات تعطي معلومات عن الطيور والنباتات والمعالم الأثرية وبعض أشجار الأرز المعمرة.

السوق-السنوي
السوق-السنوي

مبادرات مبتكرة للتوعية البيئية “السباق من أجل الطبيعة”

تعتمد الهيئة القيّمة على محمية أرز الشوف رؤية تشدّد على أهمية التوعية البيئية وتعريف أكبر عدد ممكن من العامة على ضرورة المحافظة على الطبيعة والتوازن البيئي وأهمها المناطق المحمية. ويعمل القيمون على المحمية لتحقيق هذه الرؤية من خلال نشاطات ومبادرات عديدة بعضها يمكن تنفيذه في القرى المحيطة بالمحمية، وهو يشتمل على لقاءات ومحاضرات في المدارس المحيطة بالمحمية ومدارس أخرى في لبنان وتنظيم ورش عمل في السياحة والتوعية البيئية لمجموعة من الشباب والشابات من القرى المحيطة بالمحمية، وكذلك تنظيم زيارات للآلاف من طلاب المدارس إلى المحمية، وهؤلاء تقدّم لهم كافة المعلومات من خلال الشرح المبسط، والعروضات المرئية والمسموعة وغيرها من الوسائط.
إلى هذه الوسائل، أضافت لجنة المحمية وسيلة مشوقة لتطوير الوعي الشبابي بأهمية المحمية، وذلك عبر إدخال “الألعاب البيئية” كوسيلة لتوعية الطلاب، لكن بأسلوب مشوق وفيه الكثير من المنافسة والتسلية. ومن هذه الألعاب البيئية مبادرة “سباق من أجل الطبيعة” (Rally for Nature) ضمن النشاطات الخارجية لطلاب المدارس.
تنظّم جمعية أرز الشوف هذا السباق سنوياً ويشارك فيه حوالي 1000 طالب وطالبة من مدارس مختلفة في لبنان من عمر 12 – 14 سنة (10 الى 20 طالباً أو طالبة من كل مدرسة)، ويهدف السباق إلى رفع الوعي بواقع ودور المحمية لدى الطلاب، فضلاً عن دفعهم لاكتشاف طبيعتها ومسالكها وتبادل الخبرات والمعلومات بين الطلاب المشاركين.

قوانين السباق
بموجب السباق يلعب الطلاب ضمن مجموعات يتألف كل منها من 10 طلاب، وتحمل كل مجموعة اسماً معيناً ويتم توزيع إشارات خاصة تميّز كل منها. وعلى كل مجموعة أن تمرّ على 15 محطة مختلفة موزّعة على المسار المخصص للسباق داخل المحمية. وفي كل محطة تُسأل المجموعة سؤالاً واحداً أو يطلب منها تنفيذ نشاط معين يفترض إلمامه بواقع المحمية، وإذا كانت الإجابة صحيحة تتابع المجموعة مسيرتها الى المحطة التالية، أما اذا كانت الإجابة خاطئة فيجب على طالب واحد من المجموعة أن يخرج من السباق وعادة ما تقوم المجموعة باختيار الطالب الأضعف فيها.
عند وصول كل مجموعة إلى نقطة النهاية، يتم تسجيل عدد المشاركين الذين وصلوا، بالإضافة إلى الوقت الذي استهلكته المجموعة للوصول. والمجموعة الفائزة هي المجموعة التي تسجّل أقل وقت وأكبر عدد من الطلاب الذين يصلون الى نقطة النهاية. وتتنافس المجموعات الأربع الفائزة في الجولات الأربع الأولى للسباق على المركز الأول خلال الحفل النهائي، والذي يتم خلاله إعلان نتائج المسابقة البيئية لذلك العام.

بيئة