الثلاثاء, آذار 19, 2024

اشترك معنا للاطلاع والحصول على أحدث المقالات والأعداد

الثلاثاء, آذار 19, 2024

اشترك معنا للاطلاع والحصول على أحدث المقالات والأعداد

بحث ..

  • الكاتب

  • الموضوع

  • العدد

معمل الحرير في بتاتر
(أنشئ في عام 1841)

في أثر الثورة الصناعية في أوروبا، والصراعات بين دول القارة الأوروبية؛ وعندما فشلت فرنسا في الحفاظ على مصر كمورد لزراعة القطن، توجهت نحو صناعة الحرير في لبنان وذلك بسبب حُسن موقعه الجغرافي ومناخه وجودة تربة بعض مناطقه، سيّما في جبل لبنان، لزراعة شجرة التوت وهي الغذاء الوحيد بورقها لتربية دودة الحرير.

عام 1841 قدم إلى بتاتر رجل أعمال فرنسي اسمه «فورتينه بورطاليس» مع أشقائه الأربعة، وعمل بالتنسيق مع الشيخ يوسف عبدالملك على بناء معمل حديث للحرير في البلدة، فاشترى أرضًا مناسبة للمشروع من الشيخ عبدالغني عبدالملك، وباشر فورًا بأعمال البناء والتحضير للمشروع بدعم مباشر ومساعد من الشيخ يوسف بك عبدالملك خلافًا لرغبة الأمير بشير الشهابي الثاني المعارض لبناء المشروع في بتاتر، كونه تحت وصاية الشيخ يوسف بك عبدالملك وتحديدًا في بلدته، لأنّ الشيخ يوسف ليس من أتباعه أو جماعته. عمل الأمير بشير عملًا جاهدًا لتغيير مكان المشروع ونقله الى بلدة أخرى، لكنّه لم يتمكن من ذلك، وفشلت كل مساعيه ومحاولاته أمام توافق السيد «فورتينه بورطاليس» مع الشيخ يوسف عبدالملك، واستمرّ العمل بقوّة على انجاح المشروع.

ولد «فورتينه بورطاليس» عام 1815 بعد واقعة أو معركة واترلو في فرنسا، وفي مدينة أكس.. والده «اتيان بورطاليس» ابن وزير العدل الفرنسي في عهد نابليون بونبارت الأول الذي ساهم في سن شرائع نابليون الشهيرة.

أتى «فورتينه بورطاليس» إلى مصر عام 1827 ثمّ إلى سوريا ولبنان عام 1838.

أنجب «فورتينه بورطاليس» ولدًا اسمه «بروسبيير» عام 1855 الذي خدم مدته العسكرية بعد تخرجه الجامعي، وعاد إلى لبنان وشارك والده في أعمال معمل الحرير، ويقال إنّه تفوّق على والده في حسن وعمل ادارة المعمل في بتاتر، وحقّق نجاحًا باهرًا في هذا المجال وتطوره آنذاك.

إشترى «بروسبيير» سرايا عبدالله باشا في رأس بيروت، وهي من أجمل المراكز. فكان يمضي فصل الشتاء فيها متنقلاً بين بيروت وبتاتر لمتابعة سير عمل معمل الحرير.

لوحة حجرية كتب عليها شركة بورطاليس اخوان بعد 6 سنوات من انشاء المعمل عام 1947


عام 1847 سكن «فورتينيه بورطاليس» وعائلته في بتاتر بعد أن اشترى بمساعدة ودعم الشيخ يوسف عبدالملك منزلاً في بتاتر، لازال قائماً وموجوداً لغاية هذا اليوم، علماً أنه قد جرت أعمال مستحدثة على البناء القديم.

بتاريخ 19 آذار 1847 سُجّل في محفوظات القنصلية الفرنسية مستند يقول:» نحن شارل ياجرشميت حامل أختام قنصلية فرنسا العامة في بيروت.. انتقلنا بأمر السيد القنصل العام الى معمل الحرير في بتاتر لأصحابه السادة بورطاليس اخوان بغية القيام بمعاينة حالة معمل الحرير المذكور حيث جرى وصفه بحالة الأعيان وبواقعة الموجود من ناحية البناء والموجودات وكل الممتلكات والأراضي والأبنية التابعة للمعمل».

تمّ شراء أرض المعمل في بتاتر بموجب عقد بيع، أي حجّة محررة من قبل الشيخ يوسف عبدالملك باسم عبدالله تيم.. وهذا العقد حفظ في القنصلية الفرنسية في سجل الايداعات بالمحفظة رقم 22 و 25 و 26 وأودع في خزنة ايداعات القنصلية الفرنسية بتاريخ 31 آذار 1847 على يد السيد «نقولا بورطاليس» ممثل المؤسسة أي معمل الحرير في بتاتر، وهو شقيق «فورتينه»، وأحد الشركاء في المؤسسة.

ساعد السيد «فورتينيه بورطاليس» وبعده ورثته وزوجته ماليًّا بشق الطريق الرئيسية، والتي تفرّعت من طريق عام بحمدون – بتاتر الى بلدة رويسة النعمان، بعد طلبات ووساطات من قبل أهالي رويسة النعمان لدى مشايخ آل عبدالملك في بتاتر وأصحاب معمل الحرير.

بعد هزيمة ابراهيم باشا تمّ تعيين شكيب أفندي حاكمًا من قبل السلطات العثمانية، ونفي الأمير بشير الشهابي إلى مالطا.. أصدر شكيب باشا فرمانًا طلب فيه مغادرة جميع الأجانب في مقاطعة جبل لبنان.. رفض «نقولا بورطاليس» المغادرة، واستقرّ في بتاتر حتى العام 1847، بعدها باع حصته في الشركة والمعمل الى أخيه «فورتينيه»، وسافر إلى مصر نهائياً.

توفِّي «فورتينيه بورطاليس» بتاريخ 9 شباط 1882 في بتاتر في يوم مثلج وطقس شديد البرودة، ودُفن في تربة اللاتين في بيروت.

بعد إتمام أعمال البناء في بتاتر وتجهيزه بأحدث المعدات آنذاك.. قام السيد» فورتينيه» المعروف على لسان عامة الناس في بتاتر والجبل (بالخواجة فرتوني) باستقدام أربعين امرأة غازلة للحرير من فرنسا، بهدف تدريب وتعليم الصبايا والنساء العاملات في المعمل على كافة أعمال الغزل والانتاج وغير ذلك. يذكر أنّه للمرة الأولى في تاريخ جبل لبنان آنذاك تخرج الفتاة أو المرأة إلى ميدان العمل لمشاركة الرجل في مواجهة أعباء الحياة المعيشية.. حيث قام السيد «فورتينيه» انطلاقًا من ذلك بإقامة برنامج ونظام عمل للنساء بغير أوقات دوام عمل الرجال، وكلّف عليهم مراقبين لتتابع حركة مجيئهم إلى مكان عملهم، ومرافقتهم أثناء المغادرة إلى منازلهم، احتراماً للتقاليد والأعراف الجبلية في التربية العامّة المحافظة، والبعيدة عن الاندماج بين الرجال والنساء أثناء العمل.

ترافق مع قيام المعمل الدعوة والعمل على تشجيع زراعة شجرة التوت في بتاتر وقرى الجرد والجبل عامة، واشترت شركة «بورطاليس اخوان» في بتاتر مساحات شاسعة من الأراضي، وزرعت فيها شجرة التوت.. وقامت أيضاً ببناء بركة مياه كبيرة في أول البلدة تعلو بناء معمل الحرير، وهذه البركة لازالت موجودة وتعرف ببركة الخواجة، وكان الهدف منها تجميع المياه في فصل الشتاء، وهي ضرورية لغلي الشرانق.. كما تمّ إقامة بناء كبير مستطيل الشكل قريب من وجود المعمل وشبيه له من ناحية البناء، وكان بمثابة سكن للعمال حيث لازال موجودًا بحالته الطبيعية الجيدة، لكن دون سقفه الترابي الذي تهدم بفعل عامل الزمن والاهمال.. كما تمّ بناء مبنى عقد متوسط في أول البلدة أيضًا عرف بدكان الكرخانة، يحتوي على كل حاجيات الناس الأساسية في حياتهم اليومية..حيث أصدرت آنذاك شركة «بورطاليس» عملة نقدية خاصة باسمها كانت تدفع للعمال والأجراء كأجور لهم يشترون بها حاجياتهم من هذا الدكان، ومن بعض المحالّ التجارية في سوق بتاتر التجاري الكبير.. حيث تواجد فيه آنذاك كلّ ما يحتاجه المواطن من البلدة والجوار من حاجيات.

اعتبر معمل الحرير في بتاتر الذي انشأ في العام 1841 من أكبر المعامل وأحدثها في لبنان وسوريا في تلك الحقبة.. حيث قُدر حجمُه آنذاك ب 210 دواليب كان تنتج أفخر وأجود أنواع الحرير التي كانت تُصدر إلى فرنسا وكلّ الأسواق الأُوروبية..وقُدر إنتاجه سنوياً ب 130 ألف أقة شرانق.

عُرف السيد «فورتينه بورطاليس» بذكائه الحاد وفطنته السريعة، وحسن معشره وجمال حديثه، وأسلوب تعاطيه مع عمال المعمل، ومع عامة الناس في بتاتر، التي سكنها وعاش مع أهلها فترة من الزمن.. وكان له أخبار مميزة وجميلة ونوادر متعددة. وكان آنذاك محور احاديث عامة الناس في معظم حياتهم اليومية في البلدة ومن عرفه.. ومن نوادره نذكر: إنّه كان يقرض الناس أموالاً مُسبقة يستردها شرانق في الموسم السنوي القادم من المواطن، وكي لا يتمنع أو يتخلف المواطن عن الدفع والوفاء بالالتزام، قام بوضع كتاب الانجيل المقدس على الطاولة أمامه، وأوصل اليه سلك كهربائي بطريقة غير مرئية، كان يشعر المواطن بالارتعاش عندما يضع يده على الانجيل ساعة اقتراض المبلغ، وتأديته واجب القسم والحلفان.. هنا يدخل المواطن في حالة رهبة وخوف وإيمان عميق بالانجيل ممّا يجعله يبادر إلى الوفاء بالوعد بالموسم والوقت المحدد.

ما تبقى من اثار معمل الحرير


جلب السيد «فورتنيه بورطاليس» نصبة شجرة الزهري وأكثر من زراعتها في بتاتر، وعُرفت آنذاك بزهرة بتاتر، التي تستعمل زهرتها أي ثمرتها كالشاي خاصة في أيام الشتاء، وهي مفيدة لمعالجة الرّشح والزكام. وما زالت بتاتر غنية ببعض هذه الأشجار.. كما زيّن مدخل معمل الحرير بأشجار الكستناء البريّة.

تميّز بناء المعمل في بتاتر وبالتحديد على مدخله الرئيسي وجود ساعة متوسطة الحجم، وضعت على بناء حجري عالي بشكل معقود، بهدف الحفاظ على الوقت والالتزام بدوام العمل. ويوجد لتلك الساعة مثيل لها أمام البرلمان اللبناني في بيروت لكن بشكل أكبر.

عام 1864 تمّ شق أول طريق فرعية عن الطريق الدولية المعروف بخط الشام الدولي إلى المعمل في بتاتر، وكان ذلك في عهد المتصرف داوود باشا، ونفّذ المشروع آنذاك على نفقة شركة «بورطاليس أخوان» التي تنازلت عن حقها في الطريق في ما بعد لصالح الدولة اللبنانية.

خلق انشاء معمل الحرير في بتاتر نهضة اقتصادية وحركة تجارية واسعة، طالت أيضًا كافة قرى الجوار، وانتعشت المحال وسوق البلدة بحركة تجارية، ونهضة شاملة، وقصدها وسكنها العديد من المواطنين من خارج البلدة، ومنهم من استقرّ فيها لأنها شهدت حركة تجارية وانمائية واسعة، فيها العديد من الأعمال وفرص العمل.. لهذه الأسباب إضافة إلى دورها السياسي والاجتماعي من خلال وجود عائلة عبدالملك صاحبة القرار والنفوذ آنذاك في المنطقة، حيث كانت عامة البلاد تحت حكم النظام الاقطاعي العام.. اعتبرت بتاتر عاصمة الجرد آنذاك، وكانت تتبعها العديد من قرى المنطقة، لكنّ بعد الاحداث الطائفية عام ،1860 ثمّ إقامة نظام المتصرفية، بدأ يضعف دور الاقطاع السياسي ومعه الحركة الاقتصادية في بتاتر. وكان لمجيء الارساليات الأجنبية، والدور الفرنسي في لبنان سبب في تغيير الموازين الاجتماعية والسياسية.. قُسّم بعدها الجرد الى قسمين: شمالي وجنوبي، الجرد الشمالي وعاصمته بتاتر ويتبعه 12 قرية من قرى الجوار، والجرد الجنوبي عاصمته رشميا.

لوحة حجرية تؤرخ تمركز الجيش الفرنسي في جوانب المعمل وذلك بعهد الجنرال نابوليون الثالث.


استمرّ عامل الاستقرار لدى المواطن الجبلي ولا سيما في بتاتر والجوار، وعاش البحبوحة والانتعاش لحين اندلاع الأحداث الطائفية عام ،1860 وما أعقبها من متغيرات.. ومن ثمّ ظروف الحرب العالمية الأولى عام 1914 وما رافقها من أعمال قهر وظلم واستعباد ومجاعة وعوز، في ظل وجود الاستعمار التركي والحكم العثماني. توقف العمل في معمل الحرير بعد الحرب العالمية الأولى، وتقاسم الورثة الأملاك، وموجودات المعمل، وباعوها الى السّيدين عبدالله الهبر، وجورج معاصري.. الذين بدلًا من أن يحافظوا على البناء المميّز، ذي الطابع التراثي، قاما بهدم كامل البناء وبيع حجارته وجميع معداته، حيث لم يبق منه سوى أقبية العقد المصالبة بأسفل الباحة، التي استعملها الجيش الفرنسي أثناء وجوده في لبنان، وكانت بمثابة أقبية للخيل يوم انشاء المعمل.. كما بقي لوحتان حجريتان حفر عليهما تاريخ انشاء المعمل وتاريخ وجود الجيش الفرنسي فيه، وذلك بعهد نابليون الثالث عام 1864.

كان لهدم معمل الحرير في بتاتر وبيع موجوداته آنذاك، وفي غفلة من الزمن، أثر سلبي في نفوس الناس، وكانت عملية طمس لمعلم تاريخي واقتصادي هام في جبل لبنان.

في بداية الخمسينات من القرن الماضي، اشترى رجل كويتي اسمه عبدالله عبداللطيف العثمان كامل الأملاك والأراضي من السيدين عبدالله الهبر وجورج معاصري، وحافظ على ما تبقى من بناء المعمل، كما استحدث بعض الغرف والانشاءات الملاصقة لأقبية العقد المذكورة.. واهتم بمعظم الأراضي المزروعة، وقام بزرع العديد من أنواع أشجار الفاكهة وغيرها، وحوّل قسمًا كبيرًا من أراضي المعمل إلى منتجع سياحي جميل، زيّنه بحديقة عامّة، وبألعاب للأطفال حيث كنّا ننظر إليه بشغف، ونتمنّى الدخول إليه ونحن أطفال.. استقدم عبدالله عبداللطيف العثمان أشهر الفنانين اللبنانيين والعرب، وأحيوا الكثير من الجلسات والسهرات الغنائية والترفيهية في المنتجع الجديد القائم على أنقاض معلم تاريخي وصناعي، وجد في حقبة زمنية معينة في لبنان والشرق.

في بداية الثمانينات من القرن الماضي، أقدمت شركة غريزي وشركاه، على شراء كامل الأراضي وما تبقى من بناء معمل الحرير، وقامت ببيع قسم كبير من هذه الأراضي إلى أبناء البلدة، حيث شُيّد على هذه الاراضي أجمل المنازل والأبنية الحديثة.

 

ما تبقى من اثار معمل الحرير


مع الأسف، ما تبقى اليوم من أثار وأبنية من معمل الحرير في موقعه الجغرافي الجميل، والمميّز في بتاتر مهملة بالكامل، فالطريق إليه غير معبّدة ولا سليمة. حتى الأقبية الجميلة مهملة بالكامل، وبعيدة عن الاهتمام المطلوب واللازم؛ وعليه نتمنى على صاحب هذا العقار، التعاون مع البلدية، وبمساعدة ضرورية من وزارة الثقافة، الاهتمام بهذا المعلَم التاريخي، حيث يقضي الواجب الاضاءة على الدور الذي لعبه هذا المعمل في النهضة الاقتصادية في جبل لبنان، وباعتباره وثيقة نادرة لحقبة مهمة من تاريخ بتاتر وجبل لبنان عموماً.

جسر القاضي

جسر القاضي أقدم الجسور اللّبنانية وأكثرها شهرةً.
القاضي عماد الدين التّنوخي أوّل من بناه والأمير زين الدين التنوخي أعاد ترميمه.
المتصرف واصا باشا شيّد الجسر القديم والوزير وليد جنبلاط بنى الجسر الجديد.
أهميته التاريخية والاسترتيجية، أنّه نقطة وصل بين الساحل والجبل وملتقى لأقضية الشوف وعاليه وبعبدا.
أهميته السياحية أنّه محطة جذب سياحي فريد من نوعه في لبنان
أهميته الاجتماعية أنّه عنوان للتعايش الدرزي – المسيحي
تحوّل الجسر إلى قرية صغيرة في العام 1966 بقانون صادر عن مجلس النواب يحمل الرقم 25 على 66
كادت حكومة فيشي أن تفجّره إبان الحرب العالمية الثانية سنة 1943 ولكن الهدنة أنقذته.

جسر القاضي هو بين الجسور اللّبنانية المهمة والتاريخية الواقعة فوق مجاري الأنهر، وفي الأودية السحيقة – وما أكثرها في لبنان نظراً لطبيعة تكوينه الجغرافي. وفوق ذلك، هو الجسر الوحيد الذي يحمل اسم الأمير الذي شيده في بداية القرن الرابع عشر الميلادي.

شكل جسر القاضي على مدى العصور والأزمنة نقطة وصل بين منطقتي الشوف وعاليه، أو بما كان مُتعارف عليه في ذلك الوقت منطقتي المناصف والشحار الغربي، لوقوعه في نقطة تلاقي الأنهر التي تنساب إليه من نبعَي الصفا والغابون المشهورَين ومن الينابيع الأخرى التي تُشكل بعد أن تلتقي فيه نهرَ الدامور.

يكتسب جسر القاضي أهميتين:

الأولى جماليّة، لوجوده في أجمل بقعة جغرافية في محافظة جبل لبنان الجنوبي، لتكتمل جماليته الطبيعية، وسحرها الآسر، عند مُلتقى النهرين الشهير أسفل الوادي القريب من الدامور، مشكلاً محميّة طبيعية فريدة من نوعها.

والثانية، تاريخية وجغرافية معاً، إذ إنّه يربط الساحل والشحار الغربي بالجبل والبقاع ووادي التيم منذ زمن الإمارة التنوخية والمعنية ومن ثم الشهابية وصولاً إلى المتصرفية، إلى ما بعد إنشاء دولة لبنان الكبير في العام 1920. فالقوافل كانت تأتي إليه قديماً محمّلة بالغلال من وادي التيم عبر سهل البقاع مروراً بثغرة مرستي إلى ما كان يُعرف بطريق البلاد المتدرّجة من المختارة وسهل بقعاتا وبيت الدين، ودير القمر وصولاً إلى جسر القاضي حيث كانت تقوم مطاحن مائية وخانات للاستراحة؛ ومن هناك عَبر قبر شمون ودرَج عيناب فعين عنوب، فإلى بعبدا مركز المتصرفية وبيروت. ولا تزال معالم تلك الطريق ماثلة للعيان وخاصة في مناطق عين السمقانية، وادي بيت الدين، المنشية في دير القمر، ودرج عيناب وادي شحرور بعبدا.

يتفرع من جسر القاضي عدة طرق رئيسة هي: جسر القاضي، دير كوشة، الكنَيْسة، عمِّيق كفر قطرة، دير القمر. كذلك، جسر القاضي، بشتفين، كفرفاقود، دير بابا، بيدر الرمل، كفرحيم، بعقلين، وكفرحيم دير القمر. وإلى ناحية الشمال الشرقي، جسر القاضي، سلفايا، عين تراز، رشميّا، الغابون، عاليه.
جسر القاضي، رمحالا، مجدليا، بيصور.
جسر القاضي، قبر شمون، عيناب، شملان، سوق الغرب عاليه.
جسر القاضي، قبر شمون، كفرمتى، عبيه.
جسر القاضي، قبر شمون، البساتين، عرمون، الشويفات، خلدة.
جسر القاضي، عين كسور، عبيه، بعورته، الدامور.

تاريخ بناء الجسر

باني جسر القاضي هو الأمير عماد الدين حسن بن القاضي جمال الدين أبي الجيش البيصوري، بن القاضي عز الدين أبي العز أبي اليقضان خطّاب من قرية كفر زبد الواقعة بين البنيّه وقبر شمون. فلما قلَ الناس فيها انتقلوا إلى بيصور وعمّروا فيها عمايرهم المعروفة. قال ابن سْباط: كان عماد الدين حسن التنوخي جليل القدر فاق سلفه بالسيادة، ولم ينشأ بينهم مثله، ولم يسلك أحد منهم طريقه، مع أنّ سلفه كانوا أجواداً أمجاداً. جنح إلى عمل الخير، وكان كثير الصّدقة، وكان يفصّل كل سنة قماشاً ويوزّعه على فقهاء بلاده وأعيانها، ممّا يفوق على ألف ذراع، واثنتي عشرة غرارة قمح خارجاً عن الخبز. كان آمراً بالمعروف ناهياً عن المنكر. وافر الحُرمة صغير النَّفس ذا كرم ومروءة وهو الذي عمّر الجسر بين الغرب والشوف الذي بات يعرف باسم «جسر القاضي». والسبب المباشر لبنائه الجسر المذكور، كما يُروى، هو أنَّ بعض النسوة كن يجتزن النهر في تلك المحلّة فرفعن أثوابهن قليلاَ كي لا تتبلل بالماء فتوجهت أنظار العمال الذين يعملون عنده نحوهن فأمر القاضي بالتوقّف عن بناء المطاحن وأصر على بناء الجسر المذكور أوَّلاً. وكانت وفاته رحمه الله سنة ثماني وستون وسبعماية للهجرة، ثم أعاد ترميمه القاضي جمال الدين يوسف بن القاضي زين الدين عبد الوهاب؛ وكان ربّاه جدّه الأميرجمال الدين عبد الله بن سليمان خال والدته، فأصلح الجسر الذي بناه جد أبيه القاضي عماد الدين حسن بعدما كانت المياه قد اقتلعت مدماكين من ظهره وخشي عليه، فأصلحه من ماله الخاص للأجر، وهو شقيق الست نفيسة. ويذكر ابن سباط أنه في سنة 909 للهجرة جاء سيل عظيم ومطر غزير عمّ الأقطار واستمر نحو 27 يوماً وذكر أنّ المياه ارتفعت فوق الجسر المنسوب إلى القاضي ما ينوف على القامة.

وفي حقيقة الأمر وبحسب ما جاء في كتاب «الأُسر في جبل لبنان» للمحامي سليمان تقي الدين ومشاركة الباحث نائل أبو شقرا: «أنه وبعد مئتين وخمس سنوات على إنشائه أي في العام 963هجري الموافق 1556 ميلادي قدّر فيه السميع العليم والمولى الكريم والرب الغفور الرحيم أنْ أجرى سحاباً عظيماً وسيلاً جزيلاً، ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر، ولا خبّر المخبّرون على سيل جارف مثله ولا ما يشبهه في كل ما فعل، حتى أن الأنهار الشتوية التي هي عبارة عن مجاري وسواقي وجداول غمرتها جميعها مياه السيول الجارفة؛ منها نهر الحوايب المتصل بنهر الصفا فأتى على أملاك مثمرة وغيرها ما لا أحد يحصيه، وأخذ طاحون الشيخ زين الدين القاضي بن الشيخ بدر الدين القاضي العنداري، وبعد مسيره إلى نهر الصفا جرف طاحون الشيخ بدر الدين العنداري التنوخي من بيصور، وكان يسكن عين دارا، والطاحون التي فوقا بيت الواحد والبيت الآخر حتى كادت الطاحون تخرب. كما جرف أيضاً طاحون الشيخ أمين الدين، وطاحون حرفيش جرفها من أساسها حتى وصلت إلى فوق الجسر الذي كان على بعد مسافة أمامها سالمة كما هي، ولدى ارتطامها انفلشت وبقيت كل حجرة لوحدها. أما طاحون الشيخ بدر الدين التحتا فامتلأت بالتراب والحصى وكادت تخرب واحدة أخرى في أرض القسيس المسيحي المغروسة توت وعريش وجوز وشجر جوي وبري. ولم وصل تحت البصيّه المعروف اليوم بالبصَّيْل قور تحت الشقيف الأزلي حتى تفسّخ وتفسخت معه الحارات التي على جنب الشقيف حتى أخليت من ساكنيها ومن هناك إلى ملتقى الأنهر في جسر القاضي وأخذ من البساتين والأشجار والحجارة الثقيلة والعظيمة ما لا أحد يقدر عليه. وأما نهر شمليخ فقد أخذ أشجاراً لا تحصى، حتى قيل أن بعضهم أخذ من التوت ماية رطل، وبعضهم أكثر من ذلك، وبعضهم أقل، وجرف الجسر القائم على درب شمليخ، وأحدث النهر فوق الجسر زلزلة في أرض جلاب، ومرج وشُقفان شيلة قوس عرض وطول، حتى تقطعت الشقفان العظام كما تقطع بالبولاد، وأخذ هذا النهر من الحجارة الكبيرة شيء كثير من بينها صخرة لو دار حولها مئة رجل لم يديروها إلّا بالحيلة أخذها من أرض شمليخ الواقعة تحت العزّونية. وأما الحجارة العظيمة التي لا سبيل لقلعها من الأرض، بل إلى ديرانها، قلعها ودارها رأساً على عقب. ولدى مروره بأرض العزونية وأرض شارون وأرض المشرفة اتصل بنهر بتاريح فخرّب بأرض هذه القرايا خراباً لا يُحصى ونزل بعض جماعة من شارون يتفرجون على الطوفان فوقفوا على الطريق عند عين المسن، وأخذ رجل منهم تحت العين وبدأ يغرف بيده من ماء النهر، ومثل ذلك الموضع كثيراً، وأما الطواحين فتعطلت جميعها. وأما نهر بتاريح الذي أصله من عين صوفر، ما كان أحد من المخلوقين يخطر بباله أن يفعل كما فعل هذه المرة، لأنه عبارة عن ساقية لا عبرة لها، وكان على هذا النهر جسر ما أحد يعلم مدته فجرفه وجرف طاحون مجدل بعنا، وكان رجل يحدل على سطح الطاحون ساعة الطوفان ولما ارتطمت المياه بالطاحون قفز عن سطحها وتاه ولما التفت وراءه كانت المياه اقتلعت الطاحون لدرجة أنّ بعضهم شكك بوجودها في هذا المكان. ولدى مروره بأرض مجدل بعنا وأرض بدغان والمشرفة فعل ما فعله نهر شمليخ بل أكثر، لأن على جانبيه أملاك كثيرة ولما التقيا في معصريتي شكلا نهراً واحداً وبقيا عبرة للمعتبرين وفرجة للمتفرجين ورزيَّة للمتملِّكين، حتى أن بعضهم لم يبقَ له شيء يزيد عن درهمين بزر قز وفعل هذان النهران ما لا فعلاه في مبداهم إلى أن التقيا بنهر الصفا المذكور وبقيا كالبحر الطامي، وأخذ بساتين المغيثا، وقيل أنهم لما اصطدموا ببعضهم البعض انحسرت المياه حتى وصلت إلى حائط طاحون عمِّيق فخربت معظم الأراضي من حوله، وكان على هذا النهر جسر يدعى جسر نزهة من النزهات وطرفة من الطّرفات وفرحة من الفرحات، وقيل إن الذي عمَّره عزم عليه أكثر من مئتي سلطاني فجرفه أيضاً، وقيل أنّ الذي هدمه هو النهر الكبير فرماه إلى فوق لأن بعض الناس كان يراه وفعل هذا النهر ما فعلته الأنهر التي تقدم ذكرها. وكان عند هذا النهر الكبير شجرة خروب كبيرة غمرتها المياه، ما بقي منها فوق بسط الغربال وكان بقربها طا حون كبيرة فجرفها ووصلت ماء هذا النهر إلى تحت جسر القاضي فوصل أرتفاع المياه عنده إلى ستة وثمانين شبراً، أربعون شبراً تحت الجسر وستة أربعين فوقه، وأمّا عمق المياه فيزيد عن ألفي شبر. وأخذت المياه من تحت هذا الجسركل المطاحن الواقعة على جانبي النهر ومنها طاحونة الغوارسنة التي يعود تاريخها الى أكثر من الف ومئتي سنة وقيل إن المياه جرفت إلى مكانها صخرة طولها بقياس ثلاث بيوت وعرضها أربعين شبراً. وقيل إن برّاكها وجدوه في الدامور على شاطىء البحر سليما معافى من أية خدوج كما وجدوا هناك بعض حجارة الطواحين سالمات ووُجدت في الدامور من الأشجار والأخشاب المقطعة بما يوازي حمل خمسة آلاف جمل ولا يستطيع الجمل أن يحمل منها أكثر من عود واحد نظراً لضخامتها وطولها. وما حصل في الدامور حصل شبيهاً له في بيروت بسبب فيضانات أنهار المتن وبلاد الغرب حيث ضاق ميناء بيروت بالأشجار والتقوضات مع ما تفرق على شاطىء البحر يميناً وشمالاً وأمّا نهر الباروك فقد فعل مثل هذه الأنهر بل أعظم حتى إنّه ما ترك غير اليسير من الطواحين والجسور عمّا أخذ من الأشجار المعظمة الكثيرة حتى قيل إنه ملأ مرج بسري أتربة وحجارة».

أهمية جسر القاضي والدافع الأساس لبنائه

يربط الأستاذ عدنان أمين الدبيسي مختار جسر القاضي مؤلف كتاب «جسر القاضي تاريخ ورجال»، تاريخ الجسر بتاريخ وجود المطاحن المائية في تلك المنطقة وهي قديمة العهد. فالجسر القديم بُني في الممر الوحيد الذي كان يعبر عليه سكان الشحّار ومنطقة الغرب والساحل إلى منطقة المناصف ومنها إلى الشوف والجُرد والبقاع. ولقد بنى هذا الجسر الأمير عماد الدين حسن التنوخي الملقب بالقاضي المتوفي سنة 786 هجرية الموافق سنة 1357 ميلادية، منذ مطلع القرن الرابع عشر الميلادي. وعُرف هذا الجسر باسم القاضي وسمِّيت القرية باسمه. لم يكن لقرية جسر القاضي خراج عقاري خاص بها، فأراضيها كانت تابعة عقاريًّا لبلدة البنيَّه من الجهة الغربية للنهر، وبلدة دير كوشة من الجهة الشرقية. كما أنّه لم يكن لها سجل نفوس خاص بها. فسكانها كانوا مسجّلين في القرى التي قدموا منها حتى كانت سنة 1966 حين تقدم آل الدبيسي وبقية العائلات المقيمة في الجسر بطلب إلى الحكومة اللبنانية لإنشاء قرية جديدة باسم جسر القاضي، حيث صدر قانون بذلك يحمل الرقم 66 على 25 بتاريخ 31 أيار 1966.

اشتُهرت قرية جسر القاضي بصناعة الفخار التي بدأت بعد الحرب العالمية الأولى. هذه الصناعة التي يعود تاريخها لأيام الفينيقيين. إلى ذلك فقد عُرفت القرية بإنشاء معمل لصناعة الحرير حيث كان يعمل فيه عدد كبير من أبناء المنطقة. أمّا بشأن الزراعة ونظراً لموقعها الجغرافي على ضفتي النهر فقد نشطت زراعة الفواكه على اختلاف أنواعها، وهي التي تزينها غابات من الأشجار الحرجية، ومن الصنوبر وغيرها. أمّا طريق جسر القاضي فقد شُقَّت أيام العثمانيين في عهد المتصرف واصا باشا لتكون صلة وصل بين بعبدا مركز المتصرفية وبيت الدين وبعقلين مركز القائمقامية. عُرفت هذه الطريق بتعرجاتها الخطيرة التي شقّت بالأصل لتسهيل سير العربات التي كانت تجرها الخيول صعوداً باتجاه قبرشمون غرباً ودير القمر شرقاً. وأقيمت في جسر القاضي خانات مؤلفة من عدة أبنية عقد لاستراحة الخيول وغُرف لاستراحة المارّة. أمّا سكان القرية فهم من الدروز والمسيحيين، كانوا ولا يزالون يحافظون على التقاليد والعادات التي تجمع فيما بينهم كسائر أبناء الجبل. عدد سكان جسر القاضي اليوم لايتجاوز 120 نسمة معظمهم مقيم خارج البلدة؛ أمّا عائلة الشيخ الجليل أبو أمين سليم الدبيسي الذي توفي عن عمر 106 سنوات، كان رحمه الله من وجهاء المنطقة، فهو في الأصل من مواليد المختارة ومن السكان الأوائل في جسر القاضي منذ أكثر من مئة سنة، وهو من الرجال القلائل في طائفة الموحدين الدروز الذي يجمع في شخصه الدين والأمور الزمنية كما يؤكد عارفوه. كان حلاّل مشاكل من الطراز الرفيع وكان منزله في جسر القاضي محطة لكل الزوار من الشرق والغرب.

الموقع والتسمية

تقع قرية جسر القاضي على مجرى نهر الصفا المعروف بنهر الدامور الذي يفصل بين قضائي عاليه والشوف، القسم الأكبر من القرية يقع في الجهة الغربية التابعة لقضاء عاليه يحيط بها من جهة الشرق قرى المناصف، ومن الغرب قرى الشحَّار الغربي، ومن الشمال سلفايا وعين تراز، ومن الجنوب مجرى النهرالذي يفصل بين المناصف والشحار باتجاه الدامور. ترتفع عن سطح البحر 300 م.

جسر القاضي قرية هادئة في واد فسيح حفرته الطبيعة عبر ملايين السنين فاتخذ النهر منه مجرى ذوَّب الصخور وصقلها مرايا فإذا وقفت على الجسر ليلاً وتأملت النجوم في السماء المتمازجة بين نور الكهرباء في القرى وعلى التلال المجاورة، خلت نفسك تعانق السماء. أما النهر الذي ينبعث منه خرير ناعم يشكل مع حفيف أوراق الأشجار على ضفتيه والمياه المنسابة بينهما فيشكّل أروع سمفونية طبيعية. في هذا الوادي البديع يتجلَّى سحر الطبيعة وتروق الجلسة على ضفافه كصفاء مائه، وقد غمرته أحلام التاريخ، حتى كأنك تقرأ على صفحاته وحواشيه تقلب الأزمان ومسار الأيام ما يدل على أن الوادي من عمر الزمان.

وكثيراً ما كان هذا الجسر عرضة سنوياً لأن تغمره المياه أبتداء من منتصف فصل الخريف ولغاية الشهر الأول من فصل الربيع نظراً لقلة ارتفاعه وغزارة المياه الهاطلة ما يؤدي إلى إلحاق الضرر به. وفي أواخر القرن السابع عشر الميلادي قام الأمير زين الدين التنوخي بترميمه بعد أن خربت قسماً منه مياه النهر. ما يعني أن تاريخ بناء الجسر مرتبط بوجود المطاحن المائية وهي قديمة العهد ولم يُعرف بالضبط تاريخ إنشائها لأنّ الجسر الذي بُني بالقرب منها كان يعبر عليه سكان الشحار الغربي والساحل إلى منطقة المناصف والشوف والبقاع وكان الجسر لأكثر من ستين سنة خلت تقريباَ مطروقاً من أهالي المنطقة لطحن الحبوب، لا سيما القمح، والطاحونة الوحيدة التي استمرت لفترة قريبة، هي طاحونة القناطر الشهيرة التي كانت تعمل على خمسة أحجار للطحن دفعة واحدة ولكن بعد إنشاء المطاحن التي تعمل على الكهرباء تراجع زمن المطاحن على الماء فأصبح غابراً.

بناء الجسور

شهدت منطقة جسر القاضي بناء ثلاثة جسور
– الجسر الأول: هو الذي بناه القاضي عماد الدين التنوخي سنة 786 هجرية الموافق سنة 1357 ميلادية. وقد بنى هذا الجسر في مطلع القرن الرابع عشر الميلادي، وعُرِف باسم جسر القاضي وهو بطول 25 متراً وعرض مترين ونصف المتر، وارتفاع أربعة أمتار وقد بُني من الحجارة المغموسة بالزَّيت والكلس.

– الجسر الثاني: بُني سنة 1885 ميلاديّة في عهد المتصرف واصا باشا، ويقع شمالي الجسر الأول وكان أوسع منه وأكثر طولاً وارتفاعاَ. كان ذلك بعد أن شُقَّت الطريق بين بعبدا وبيت الدين. يقوم الجسر على ثلاث قناطر واحدة كبيرة في الوسط واثنتان على الجانبين أصغر من الأولى. يبلغ ارتفاع القنطرة الكبيرة ثمانية أمتار وعرض الجسر خمسة أمتار وطوله 25 متراً وقد بُني من الحجر المقصوب. وقد أقيم بالقرب منه عدد من الخانات لاستراحة العابرين بين المنطقتين واستراحة خيولهم ودوابهم. وما زالت بقايا هذه الخانات قائمة.
وقال فيه إبراهيم بك الأسود، تكريماً لـ واصا باشا وإشادة بعمله:

وجعلت ذا الجسرَ الجديدَ يقول في
تاريخه إني بفضلك أشهد
وقال فيه شعراء الزجل الأبيات التالية:
يا جسر من بين الجسور بتنعرَف
بفضل قاضي العُمرك الدهر اعترَف
من أجل حُرْمي النهر بلّل ثوبها
عمَّرو حتى يحافظ عا لشرف
شحرور الوادي
ياجسر كم لكْ عَ الجسورَة سيطرة
نشَّقتني نسمة هواك معطّرة
لو كان بالإمكان يوم العمروك
لوضعت قلبي بدل قفل القنطرة
علي الحاج
ياجسر قلبي للتلاقي ناطرك
دوّبت جسمي عند كلمة بخاطرك
مهما على الشلال بتقب الصفا
بمر حاني الراس تحت قْناطرك
وديع الشرتوني
جسر القاضي وآثارو
من عُمْر بعلبك صارو
حَرْدَب تيخلِّي الأجيال
تُمرق من فوق حجارو
خليل روكز
خمسة من العهد الماضي
أمضى من السيف الماضي
بعلبك وجعيتا والأرز
وصنِّين وجسر القاضي
زين شعيب

– الجسر الثالث: بُني هذا الجسر إبّان الحرب الأهلية عام 1984، قام بتشييده معالي الأستاذ وليد بك جنبلاط حيث كان يتولّى وزارة الأشغال العامة في حينه، شمال الجسر الثاني؛ وتم بناؤه بتصميم حديث: واسعاً ومتيناً يتحمل مرور الآليات الثقيلة وهو بطول 48 متراً وعرض 12 متر وارتفاعه حوالي عشرة أمتار.

المطاحن

في جسر القاضي ثلاث مطاحن مائية:

  • مطحنة الجسر: وهي من أقدم المطاحن، تعود لأيام التنوخيين، وقد بُنيت في أواخر القرن الرابع عشر للميلاد، أي بعد بناء الجسر ببضع سنين لأنها تحمل اسمه وهي لا تزال قائمة إلى يومنا هذا، ويظهر فيها حجران لطحن الحبوب، ومطروف لعصر الزيتون.
  • مطحنة القناطر: وهي أكبر المطاحن المائية في جسر القاضي، يوجد فيها خمسة أحجار للطحن، أربعة منها للطحن ومطروف واحد لعصر الزيتون. وقد جُرَّت المياه إلى هذه المطحنة من النهر على مسافة كيلو متر، تتميّز مطحنة القناطر بارتفاع مصبات مياهها وهي تقع في الضفة الشرقية للنهر لناحية الشوف في ملك آل حمدان، ويعود بناؤها إلى أواسط الحكم العثماني. وقد توقفت عن العمل بحدود سنة 1950 بعد أن خف الإقبال عليها بسبب انتشار المطاحن التي تعمل على الكهرباء.
  • المطحنة الجديدة: وتقع شمال شرق مطحنة القناطر، واسمها يدل على أن بناءها حديث وليست قديمة العهد.
مصانع الفخار

مصانع الفخار في المنطقة قديمة العهد ويمكن أن تكون منتشرة منذ أيام الفينيقيين حيث يستدلُّ من ذلك تسمية قرية دير وكوشة. فكلمة كوشة تعني (ياتون الفخار). أمّا في جسر القاضي فكان يوجد خمسة مصانع فخّار، بقيت تعمل حتى اندلاع الحرب الأهلية سنة 1975 تعود ملكيتها إلى كل من الشيخ أمين الدبيسي وكامل أندراوس وأمين القادر، ولم يبق في جسر القاضي بعد انتهاء الحرب الأهلية إلّا واحدة، وهي فاخورة الشيخ أمين الدبيسي التي أُنشئت في العام 1924 وكانت في البداية تنتج الفخار التقليدي، أي القدور والصحون على أنواعها، بالإضافة الى أحواض الزهور ومقالي البيض وغيرها وقد راجت هذه الصناعة في بداية الحرب العالمية الثانية وكانت تصدر إلى سورية وفلسطين والأردن.

في العام 1962 عَرفت هذه الصناعة نقلة نوعية لافتة لجهة إدخال الألوان إليها وتحسين الأشكال وصناعة أواني الطبخ على أنواعها وبشكل مُتقَن، الأمر الذي اجتذب الزوار والسواح على اختلاف مشاربهم، وخصوصاً الأجانب المقيمين في لبنان على مدار السنة، حيث يشاهدون بأم العين كيف تتم صناعة الفخار على الدولاب وباليد (الصناعة اليدوية) وليس بواسطة القوالب.

وبالإضافة إلى السيّاح والأجانب كانت طبقة من اللبنانيين تأتي لشراء هذه الأواني إلى بيوتهم في الجبل أو للشاليهات على البحر. وقد استمر الإقبال على شراء هذه الأواني إلى ما بعد الحرب الأهلية عام 1975 إلى أن توقفت نهائياً بسبب الاجتياح الإسرائيلي والحصار الذي كان مفروضاً على الجبل.

في تسعينيّات القرن الماضي وبعد توقف الحرب الأهلية وحفاظاً على التراث أعيد تشغيل فاخورة الدبيسي ولو بشكل جزئي ومحدود في ظل أوضاع ليست مستقرة في غالب الأحيان.

طريقة صناعة الفخار

بداية يُستخرج الطين من التربة الدلغانية الموجودة داخل طبقات الأرض، ويوضع في بركة خاصة حيث تُضاف إليها المياه. يقوم العمال بتحريكها بواسطة مجرفة خاصة لتصبح لزجة كـ اللبن، بعدها تُنقل الى بركة أخرى بواسطة قناة صغيرة، وتترك لفترة إلى حين ركود الطين في أسفل البركة، ثم يتم سحب الماء منه. وأخيراً يُنقل الطين إلى الفاخورة حيث يتم دمجه بالرمل وعجنه جيداً، وبعدها يُقطّع كُتلاً بحسب الحجم المطلوب. يضع الفاخوري الكتل على دولاب يدعى «سِندان» ليصنع منها الأشكال المناسبة. كان « السندان» قديماً يدار بواسطة الأرجل، ثم أصبح يُدار بواسطة «زند» خاص من قبل الفاخوري، ومع تطور الأيام أصبح يدار بمحرّك كهربائي.

بعد الانتهاء من صنع الأواني على اختلاف أشكالها، توضع على ألواح خشبية مستطيلة مُعدّة لهذه الغاية حتى تجف، ثم تُطلى بالدهان وتوضع في فرن خاص يسمى « ياتون» يُصار بعدها لشي الفخار بواسطة الحطب أو المازوت بحرارة إلى 800 درجة مئوية، وبعد ثلاثة أيام يتم استخراج الفخار منه ويصبح جاهزاً للبيع.

طريق جسر القاضي

شُقَّت الطريق إلى جسر القاضي منذ عهد المتصرفية، وبالتحديد في أيام المتصرف واصا باشا لتكون صلة وصل بين بعبدا ومركز المصرفية شتاء وبيت الدين المركز الصيفي. في البداية كانت الطريق بين بعبدا وبيت الدين مخصصة للمشاة والدواب والخيول ثم تحولت في عهد المتصرفية إلى طريق للعربات. وكانت تتميز بكثرة تعرّجاتها ومنعطفاتها الممتدة من قبر شمون الى جسر القاضي، بما يزيد عن 32 كوع وذلك لتسهيل سير العربات عليها التي كانت تُجَر بواسطة الخيول تحاشياً قدر الإمكان من الصعود الحاد. ولم تختلف هذه الطريق حتى الآن صعوداً باتجاه قرى المناصف وصولاً إلى دير القمر. وبفضل وجود الخانات في جسر القاضي المُخصّصة لاستراحة الخيول الآتية من الغرب والساحل قبل صعودها إلى دير القمر وبيت الدين، كانت تجري عملية تبديل الخيول على الجسر لتتمكن من الاندفاع صعوداً، كما أقيم في المكان عدد من الحوانيت الصغيرة والمطاعم البدائية لسد حاجات العابرين، وخصوصاً أنّ حركة المرور في تلك المرحلة شهدت نشاطاً ملحوظاً، باعتبار أنّ الجسر كان المعبر الوحيد بين عاليه وبعبدا إلى الشوف باستثناء معبر عين زحلتا.

بعد الاستقلال وبحكم العلاقة التي كانت تربط الشيخ أبو أمين سليم الدبيسي بالرئيس بشارة الخوري، وبعد المراجعات الحثيثة التي قام بها الشيخ أبو أمين جرى شق الطريق من قبر شمون باتجاه جسر القاضي وتأهيلها والحد من المنعطفات والتعرجات التي كانت قائمة عليها. لكن لسوء الحظ لم يُستكمل المشروع فقد أُنجز حتى مستديرة رمحالا، لأن الرئيس بشارة الخوري لم يكمل ولايته، وبعد استقالته في العام 1952 توقف العمل بشق الطريق. ولم يُستكمل طيلة عهد الرئيس كميل شمعون رغم المراجعات المتكررة بهذا الشأن. ويروي المعمرون نقلاً عن الذين عاصروا تلك الحقبة إنّ هذا الطريق إبان الحكم العثماني والانتداب الفرنسي كان مرتعاً لقطاع الطرق. وقد كانت المنطقة التي تسمَّى دكان الشحار، في مستديرة رمحالا مخبأ للصوص وقطاع الطرق حيث يتم سلب وتشليح المارّة ما جعل جماعة المكارية الذين يسلكون هذه الطريق لطحن الحبوب في مطاحن الجسر يضطرون لسلوكها جماعات معاً خوفاً من تعرضهم للسلب.

تجدر الإشارة أنّ أول سيارة كبيرة «بوسطة» لنقل الركاب سلكت طريق جسر القاضي من المناصف إلى بيروت كان يملكها ويقودها نسيب فياض من بلدة بشتفين. كما اشترى الشيخ أمين الدبيسي من جسر القاضي أول سيارة فورد بودعسة.
لقد تم تعبيد طريق جسر القاضي لأوّل مرة سنة 1964 ثم جرى توسيعها وتعبيدها سنة 1985 أيام تولي وليد بك جنبلاط وزارة الأشغال العامة. وفي العام نفسه تم إنشاء الجسر الجديد.

وبسبب من أحداث الحرب الأهلية بدءاً من سنة 1975 أصبحت طريق جسر القاضي الشريان الوحيد الرابط بين بيروت والشوف، والجنوب والبقاع، بخاصة بعد الاجتياح الإسرائيلي للجبل ولبنان سنة 1983، إلى أن أعيد فتحها سنة 1985 بعد انكفاء الاحتلال الإسرائيلي عن الجبل وعودة أهالي الشحار الغربي إلى قراهم.

جسر القاضي قرية صغيرة بمرسوم جمهوري

لم تكن قرية جسر القاضي ذات كيان خاص بل كانت ضمن خراج البنيّه، وكانت هذه المحلّة تقتصر في البداية على المطاحن فقط. وبعد أن بنى العثمانيون الجسر الثاني وأقاموا الخانات وبسبب هذا التطور الذي حصل، رأى بعض الذين قدموا إلى هذا المكان واعتبروه مكسباً للعيش لا يُستهان به فأقاموا فيه بعض الدكاكين والمطاعم البسيطة تأميناً لحاجة المارين والمكارية وعربات الخيل الذين كانوا يبيتون ليلتهم هناك قبل أنتقالهم شرقاً أو غرباً. اشترى بعض أصحاب هذه المتاجر والخانات أراضي في جسر القاضي من آل أمان الدين، وآل حمدان دون أن يبنوا منازل لهم. وفي نهاية القرن التاسع عشر بدأ الشيخ سليم الدبيسي بشراء الأراضي في تلك المحلّة وأنشأ دكاناً للحدادة العربية قرب الجسر، وفي بداية القرن العشرين أقام أول مسكن له في جسر القاضي فكان بذلك أول السكان الفعليين في المحلة، وكان بعض الأخوة المسيحيين من قرى الجوار قد تملكوا أراض أيضاً زرعوها بمختلف أنواع الأشجار المثمرة كـ الزيتون والكرمة معتمدين على مياه النهر التي تغذي الأراضي بواسطة أقنية متفرعة من أقنية المطاحن المائية.

جسر القاضي اليوم قرية صغيرة أُنشئت بموجب قانون في مجلس النواب تحت رقم 25 على 66 بتاريخ 31 – 5 – 1966 وأصبح لها كيان خاص يتولّى المختار عدنان الدبيسي إدارة شؤونها المحلية خلفاً لشيقيقه الأستاذ كمال الدبيسي ووالده الشيخ أمين الدبيسي.

عدد سكان جسر القاضي ما يقارب 120 نسمة يعيش معظمهم خارج البلدة، وتقتصر إقامتهم على أيام الأعياد وعطلة نهاية الأسبوع وقضاء فصل الصيف.
تعلو قرية جسر القاضي عن سطح البحر حوالي 300 م، وتبعد عن بيروت 32 كلم عن طريق خلدة – عرمون، و36 كلم عن طريق عاليه – بيروت

الطرق التي ترتبط بجسر القاضي هي:
جسر القاضي – قبر شمون.
جسر القاضي – المناصف – كفرحيم.
جسر القاضي – بخشتيه – عاليه.
جسر القاضي – كفرمتى – عبيه وهذه الطريق شُقّت من قبل المرحوم كمال بك جنبلاط سنة 1975.
في العام 1943 إبّان الحرب العالمية الثانية حيث كانت قوّات حكومة فيشي تحتل لبنان، قام الأسطول الإنكليزي بمهاجمة تلك القوات وقصفها من البحر، فعمد الفرنسيون إلى تلغيم الجسر ووضْع أكثر من طنّين من الديناميت بجانب ركائزه الأربع لتفجيره عند قدوم القوات البريطانية من جهة الدامور ولحسن الحظ نجا الجسر من التهديم بحلول الهدنة عام 1944.

فيضان النهر

باستثناء الطوفان الكبير الذي جرى سنة 1556 ميلادية، لم تشر المراجع التاريخية إلى طوفان غيره، إلّا طوفان 1942. حيث غمرت المياه قنطرة الجسر الكبيرة بالكامل فتعرضت المطاحن المجاورة لمجرى النهر لأضرار جسيمة.

جسر القاضي نقطة أمنية

بالنظر إلى موقع جسر القاضي الجغرافي كنقطة وصل بين منطقتي الغرب والشوف فقد أقيمت عليه في فترات متباعدة ومتقاربة عدة حواجز ومخافر أمنية نذكر منها:
في أيام الحكم العثماني والانتداب الفرنسي أقيم مخفر ثابت للدرك على الجسر.
في العام 1975 مع بداية الحرب الأهلية أقيم حاجز لقوى الأمن الداخلي، ومن ثم حاجز للجيش اللبناني.
حاجز الجيش اللبناني من العام 1991 حتى العام 2006.

نهر الدامور

إنّ النهر الذي يمر بقرية جسر القاضي المعروف بنهر الدامور ينبع من نبع الصفا شمالي عين زحلتا وينحدر من هناك إلى وادي معصريتي رشميّا حيث أقام الفرنسيون عليه في عهد الانتداب معملاً صغيراً لتوليد الكهرباء في وادي رشميا لا يزال سليماً إلى اليوم، ومن نبع الغابون فيلتقيان في جسر القاضي ويشكلان نهر الدامور.

لم تقتصر أهمية النهر الاقتصادية على إقامة المطاحن المائية كما ذكرنا بل أتاح للأهالي أن يستثمروا الأراضي على جانبيه بالزراعات المختلفة كالسفرجل والحمضيات والدراق والتفاح والليمون. وذلك من خلال أقنية الري التي تتفرع من المطاحن. أما زراعة التوت فقد كانت من الزراعات الأساسية الرائجة في مطلع القرن التاسع عشر في لبنان وفي جسر القاضي بالذات، حيث أنشأ معملاً لصناعة الحرير يعرف بالكرخانة، وكان يعمل فيها عشرات العمال كانوا يفدون إليها من القرى المجاورة وقد نتج عن ذلك حركة كبيرة على الجسر، أحيت المنطقة وأنعشتها. أما زراعة الزيتون فهي قليلة لكون الأراضي في محيط الجسر «شحّارية» لذلك زُرعت كل الأراضي غرب النهر بالصنوبر، وأكثرها اليوم يندرج في ملكية الوقف الدرزي الذي كانت نواته في الأصل الأملاك التي وهبها الشيخ أحمد أمان الدين من عبيه إلى وقف الدروز.

مقاهي النهر

في جسر القاضي عدد من المقاهي أبرزها:
– مقهى الجسر الكائن بالقرب من الجسر العثماني.
– مقهى القناطر وهو موجود في مطحنة القناطر.
– مقهى الجسر الجديد وهوبين الجسرين القديم والجديد.
– مقهى ملتقى النهرين وهو بالقرب من جسر نهر الغابون.

المحيط الحيوي

– يكتسب جسر القاضي أهمية جمالية كبيرة قد لا يضاهيها أي مكان في لبنان، ليس فقط لأنَّه صلة الوصل بين مناطق الشوف وعاليه وبعبدا، بل لأنه يقع كذلك على امتداد جغرافي فريد من نوعه بالنظر لتعرجاته وللطبيعة الخلّابة المحيطة به، والقرى المشرفة على واديه الساحرالمنتشرة على جانيه، حيث تشكل من حوله حزامأ عمرانياً من القرى الفائقة الجمال قلّ نظيرها.

– وأنّى أتجهت من النبع إلى المصب في وادي جسر القاضي يأسرك سحر الطبيعة وجمالية المكان، فمن عين زحلتا والصفا شرقاً إلى قرى الحرف والكنيسة ودير كوشة وبشتفين وكفرفاقود ودير بابا وكفرحيم ودميت فملتقى النهرين بالقرب من الدامور. يقابلك من الغرب قرى وبلدات كفرمتى والبنيه وقبر شمون ورمحالا والغابون وسلفايا وبوزريدة وصولاً إلى رشميّا ومعصريتي والرملية ووادي بدغان، حيث تنتشر قرى عامرة تضج فيها الحياة وتشكل المدى الأخضر لجسر القاضي، فتخالها جنائن معلقة أو قناديل مشعة بين السماء والأرض فيأخذك سحر المكان، كما لو كنت في جنة الله على أرضه……

.

النّبي أيّـوب “عليه السلام”

النبي أيّـوب(ع)، هـو من أنبياء اللـه الذين ذكرهم القرآن الكريم في سورة النساء وذكر نبوّتهم بقوله: (وأوحينا إلى إبراهيم وإسماعيل وإسحق والأسباط وعيسى وأيوب…). فقـد كان تقيّاً ورعاً رحيماً بالمساكين، يدعو قومه إلى عبادة اللـه الواحد الأحد. فقـد ارتبطت سيرة النبي أيوب بالصبر على البـلاء، وضُربت به الأمثال في كل الأديان، لمـا لحـق بـه مـن ابتلاء وصبره على هـذا الابتلاء. فقد اختبره الله سبحانه وتعالى في صحّتـه وفي أهله وفي رزقه. ولم يكن نبي الله أيّـوب إلاّ أن يصبـر على كل تلك الابتلاءات، حتى رزقـه اللـه بعـد ذلك الفـرج في كل أمـر قـد ابتلي به. والنبي أيّـوب هو الشخصية الرئيسة في كتاب التوراة (الكتاب المقدّس – العهد القديم- سِفر أيوب). ويُعتبر أيـوب أحـد أنبياء الأديان الإبراهيمية الثلاثة: اليهودية والمسيحية والإسلام.

قصّـة النبي أيّـوب(ع)

كان أيوب رجلاً كاملاً ومستقيماً، يتّقـي اللـه ويحيـد عن الشـرّ. وُلِـد له سبعة بنيـن وثلاث بنـات. كان غنيّاً وكانت مواشيه سبعة آلاف مـن الغنـم وثلاثة آلاف جمـل، وخمسمئة فـدّان بقـر. وخمسمئة أُتـن، وعبيـد وخـدم، والأراضي المتسعة من أرض البثنيّة المجاورة لحوران والجولان من بلاد الشام. وكان هـذا الرجل أعظم بني المشـرق. وبعـد أن عاش سبعين عاما بالعـزّ والجـاه. حسـده إبليس اللعين، فسلّطه اللـه على بنيه ومواشيه فسُلِـبَ منـه جميـع ما يملك، وابتُلي بأمـراض في جسـده، ولـم يبـقَ منه عضو سليم سوى قلبه ولسانه يذكـر اللـه بهما. والبلاء الذي أصيب به والصبر الذي أبداه يفوق طاقة البشر. فسجـد على الأرض وقال: «عـرياناً خرجت من بطن أمّي وعرياناً أعـود إلى هناك، الرّب أعطى والرب أخذ، فليكن اسم الرب مباركاً».

وطال مـرض النبي أيّـوب، حتى عافـه الجليس وأُوحش منه الأنيـس، وانقطع عنـه الناس وأُخـرج من بلـده، وابتعـد عنه قومـه لأنهم اعتبروا أن الأنبياء يجب أن لا يصابوا بتلك الأمراض. ولم يبـقَ أحـد يحنو عليه سـوى زوجته «رحمـه» التي كانت تخـدم الناس بالأجر لتقوم بأوْده، وهي صابرة معـه على ما حـلّ بهمـا من فـراق المال والولـد.

فلمّا علم أصحاب أيوب الثلاثة بكل الشـّر الذي أتى عليه. حضر كل واحد من مكانه. اليفاز التيماني وبلـدد الشوحي وصوفر النعماني، وتواعـدوا على أن يأتوا إليه ليرْثوا لـه ويعـزّوه. وعندما نظروا إليه من بعيد لم يعرفوه، فرفعوا أصواتهم ومـزّق كل واحد جبّته، وقعـدوا معه على الأرض سبعة أيام وسبع ليالٍ. ولـم يكلمه أحـد بكلمة، لأنهم رأوْا أن كآبته كانت عظيمة جـدّاً.(1)
عانى نبي اللـه أيّـوب كثيرا من الأمراض التي أصيب بها، ومكث في بلـواه مـدّة سبع سنوات، وقيل أكثر من ذلك. وكان أيـوب يستحيي أن يطلب من اللـه ما قـد يكون خلاف إرادته واختياره. ويستحيي من الدعاء لتفـريج الكَـرب. لأنه كان يعلم أن اللـة سبحانه وتعالى يبتلي عبـده، ليس جزاء وعقاباً، بل اختباراً لصبره وإيمانـه. فقالت لـه زوجته: «أنت متمسكٌ بعـدُ بكمالك، بارك الله، ومـتّ». فقـال لها: «تتكلمين كلاماً كإحـدى الجاهلات، أألخيرَ نقبلُ من عنـد اللـه والشّرَّ لا نقبـل؟». وقـد اشتـد عليه المـرض. فـدعا النبي أيّـوب ربّـه أن يـزيل عنه الضُـرّ وتسلّط الشيطان. وقـد جـاء في القرآن الكريم، في سورة الأنبياء: «وأيّوب إذ نادى ربّه، إني مسّني الضُرّ وأنت أرحم الراحمين، فاستجبنا لـه، فكشفنا ما به من ضُرّ، وأتيناه أهله ومثلهم معهم رحمة من عندنا وذكرى للعابدين».

وجـاء في القرآن الكريم أيضاً وفي سورة (ص): «وأذكرْ عبدنا أيوب إذ نادى ربّه إني مسّني الشيطان بنُصُبٍ وعـذاب، اركضْ برجلك هـذا مُغْتَسل باردٌ وشراب، ووهبنا له أهله ومثلهم معهم رحمة منّا وذكرى لأولي الألباب، وخـذ بيدك ضِغثاً فاضرب بـه ولا تحنث، إنّا وجـدناه صابراً، نعـم العبدُ إنه أوّاب».

فقـد استجاب الله سبحانه وتعالى لعبـده الصبور أيوب، وأوحى إليه بالعلاج من الأمراض التي ابتُلي بها. فأمره «أركض برجلك»، أي أضرب الأرض برجلك، فامتثل ما أُمِـر به. فأنبع اللـه له عيناً باردة من الماء، وأمره أن يشرب من مائها ويغتسل. فأَذهب الله عنـه ما كان بـه من الألـم والسّقم والمرض والأذى. فتـمّ شفاؤه وعاد إلى كامل صحته، ومنحه اللـه بعـد ذلك صحّة ظاهرة وباطنة وجمالاً ومالاً كثيراً ورزقاً مضاعفاً. وكانت زوجته من الصابرين. وقـد غابت عنـه فترة، وعندما عادت رأته نَضِراً كما لم يكن سقيماً من قبل. فحمـدت اللـه على ما أنعم عليهما.

عاش النبي أيّـوب في أرض عَوْص وهي أرض البثنيّة المجاورة لبلاد حوران والجولان ما وراء الأردن. وقيل أنه عاش أيضا في أرض آدوم، التي هي الاسم القديم للبلاد الواقعة بين جنوب فلسطين وخليج العقبة. وجاء في بعض المراجع أن النبي أيوب عنـدما توفّي كان عمره ثلاثا وتسعين سنة. لكن جاء في كتاب التوراة في سفر أيوب: «عاش أيوب بعد هـذا مئة وأربعين سنة ورأى بنيه وبني بنيه إلى أربعة أجيال».(2)

النبي أيّوب(ع) عاش التحدّي للمحن والبلايا في كل أشكالها وصورها، وما وهنت عزيمته، فكانت لديه قوة العقيدة والإيمان وعزيمة الثبات. فقـد اختبره اللـه سبحانه وتعالى اختبارات قاسية، فنجح وفاز فوزاً عظيماً جليلاً. فهنيئاً له بهذا الفوز وهنيئاً بشهادة اللـه بقوله تعالى: «إنّا وجدناه صابراً نعم العبد إنه أوّاب». فهي شهادة في الصبر والرجوع إلى اللـه سبحانه في الشدة والرخاء والرضى والتسليم والتسبيح والتمجيد. وكانت عقيدته حاضرة ولم يضعف، لأنه كان قويّاً في إيمانه ويقينه. وبقيت نفسه صافية نقيّـة، لا تحمل ضغينة أو كراهية على أحـد. فاستحق بجدارة أن يكون مثلاً أعلى وقـدوة صالحة في عنوان الصبر.(3)

سـِفـر أيّــوب

سـِفـر أيّـوب هـو أحـد أسفار العهد القديم من كتاب التوراة حـول ( سنة 400 ق.م). يحتوي على 42 إصحاحاً في خمسة فصول. يذكر الفصل الأول تقوى أيوب وصفاته وأقاربه وأملاكه. ويتضمن الفصل الثاني ما جرى بينه وبين أصحابه الثلاثة من جدال. ويشير الفصل الثالث إلى ما نطق به أصحابه من حكمة. ويبين الفصل الرابع مخاطبة اللـه له. فيما ينص الفصل الخامس على الخضوع لإرادة اللـه وتعويض ما فاته من الأهل والمال. قصة النبي أيوب تعرض مشكلة الشر في العالم، ولا يجـد لها حـلاّ إلاّ في الخضوع للـه سبحانه وتعالى. والكتاب من آيـات الأدب الشرقي وأغناها شاعـرية، وأعمقها معرفـة بالإنسان(4).

وعن سفر أيّوب قال كارليل ما يلي: «وأنا أقول عنه إنّه أعظم ما خُطّ بالقلم. فهو كتاب نبيل وكتاب الناس أجمعين. وهو أول وأقدم شرح لتلك المشكلة التي لا آخر لها – مشكلة مصير الإنسان وتصرّف الإنسان معه على هذه الأرض. وأن لا شيء في التوراة أو في غير التوراة يضارعه في قيمته الأدبية. وقامت هذه المشكلة بسبب اهتمام العبرانيين بأمور هـذه الدنيا. لأن الجنّة لا وجود لها في الديانة اليهودية القديمة. فقد كان من الواجب أن تنال الفضيلة ثوابها في هذا العالم. وإلاّ لم يكن لها ثواب على الإطلاق. وكثيراً ما يبدو لهم أن الأشرار ينجحون ويفوزون، وأنّ أشـدّ الآلام قد اختُصّ بها خيار الناس»(5).

بـلاد عـوص وحوران

ينتسب الآراميون إلى آرام بن سام بن نوح، وكان لآرام من الولد (عـوص وحُـول وجاثر وماش وأدمت)، وقـد أقاموا في دمشق وأنحائها ولا سيّما سوريا المجوّفة. سكن عـوص بلاد اللجا في حوران، وهي التي ذكرها الكتاب أنها أرض أيّوب الصدّيق. وهي المسمّاة «أرجوب وتراخوتينس» وذكرت الآثار المصرية اسم شعب (عوصو) في حوران واللّجا. ويقال أنّ عوص هـذا بنى مدينـة دمشـق(6).

مقام النبي أيّـوب

يقع مقام النبي أيّوب(ع) على تلّة مشرفة فوق بلدة نيحا الشوف، في مكان رائع الجمال وغني بالمناظر الطبيعية وكثافة الأشجار الحرجيّة وبخاصة أشجار السنديان المعمّـرة. يعلـو عـن سطح البحر 1400 متر، وعن بلـدة نيحا 300 متر. يقوم البناء على قناطر حجرية عالية بنيت بالحجر الأبيض المنحوت. يتألّف من ساحة رئيسة مُحاطة بعشرين غرفة من جميع جهاتها، وفي أعلاها غرفة المقام، عالية السقف ومكسوة أرضها وجدرانها بالسجاد. يدخلها الزائر بعد خلع الحذاء في الخارج. والنبي أيّوب هو من الأنبياء المكرّمين لدى طائفة الموحدين الدروز، يزورون مقامه هـذا للتبرّك. ويُقال أنّ النبي أيوب، عندما ابتلاه اللـه بأمراضه وفقره تجربة وامتحاناً لصبره وإيمـانه، نقلته زوجته «رحمـه» إلى هـذا الموقع، ثم نزلت إلى بلدة نيحا تطلب خبزاً. ربما كان ذلك حقيقة لأنّ النبي أيوب عاش في أرض عوص المجاورة لبلاد حوران والجولان. وتبعد عن بلدة نيحا الشوف مسافة 12 ساعة سيراً على الأقدام(7).

ليس لدينا ما يشير إلى تاريخ بناء المقام فوق بلدة نيحا، والذي يزيد في غموض تاريخ بنائه، خلو الوصايا التي تعود إلى نحو مئتي سنة من ذكر المقام. ففي وصيّة الشيخ أسد بن زين الدين يقظان من قرية بعذران، المؤرخة سنة 1220هـ/ 1805م، فقـد أوصى بما يزيد على خمسين حسنة نقدية لمقامات ومزارات وخلوات ومجالس وأشخاص، بحسب العادة التي كانت متبعة آنـذاك في تحرير الوصايا. ولم يرد ذكر لمقام النبي أيوب. ووصية الشيخ حسون الدبيسي من قرية مرستي المؤرخة سنة 1226هـ/ 1811م. فقد أوصى أيضاً بما يزيد على ثلاثين حسنة نقدية، لمقامات ومزارات وخلوات ومجالس وأشخاص. ولم يرد ذكر لمقام النبي أيوب. لكن الدكتور شاكر الخوري يُعتبر أول كاتب يشير إلى مقام النبي أيوب، والذي زار المقام في العام 1858 برفقـة سعيد بك جنبلاط. والدكتور شاكر كان طالبا يتابع دراسته في مدرسة المختارة التي أنشأها سعيد بـك. ويذكر الدكتور شاكر أنه في سنة 1858م، توجه مع البيك (سعيد بك جنبلاط) وأولاده وباقي حاشيته إلى نيحا ومكثوا مـدّة شهرين، وكان البيك يسكن الصواوين ويتوجه كل يوم صباحا مع الصيادين لصيد الحجال. وفي أحد الأيام أراد البيك أن يزور مقام النبي أيوب، فتوجه الدكتور شاكر وسعيد بك وأولاده وجميع أفراد الحاشية للزيارة، وبعد تناول طعام الغداء عادوا جميعهم إلى بلدة نيحا(8). وهـذا ما يشير إلى أن بناء المقام ربّـما قـد تم خلال النصف الأول من القرن التاسع عشر.

وللنبي أيوب(ع) مقام أيضا في بلدة قنوات في سوريا، محافظة السويداء. ويوجد أيضا مقام وضريح للنبي أيوب في بلدة صلالة من بلاد عُمـان، فـوق قمّـة جبل أتين العالي(9).

زيارة مقام النبي ايّوب السنويّة

مـن أجل إحياء ذكرى النبي أيوب «ع»، تتـم زيارة سنوية للمقام في يوم محدد من بداية شهر أيلول من كل عام، من قبل عدد غفيـر من الشيوخ الموحدين وبالتنسيق مع مقام مشيخة العقل. للصلاة والمذاكرة الدينية والتباحث بأمور عامة تتعلّق بشؤون الطائفة الدرزية. وكانت الزيارة تتـم عادة في المساء، ويطلق عليها «سهرة النبي أيّوب». لكن مع بداية الحرب الأهلية في لبنان في العام 1975، أصبحت الزيارة تتم في وضح النهار. ومنـذ سنوات عـدّة عمـل الشيخ محمّد أبو شقرا (1910- 1991)، شيخ عقل طائفة الموحدين الدروز، على تكريس يوم الواحد والثلاثين من شهر آب من كل عام عيداً سنويّاً للنبي أيوب، حيث يُقام احتفال في مبنى المقام فوق بلدة نيحا، بحضور ممثل عن كل من رئيس الجمهورية ورئيسي مجلسي النواب والوزراء، ووزراء ونواب وسفراء وسياسيين وشخصيات مختلفة. وتُلقى الخطب بهـذه المناسبة تؤكّد على الرّمز الذي يجسّـده النبي أيوب وفضائله(10).

عندما تولى سماحة الشيخ نعيم حسن مسؤولية مشيخة العقل كان رئيس الجمهورية العماد اميل لحود مقاطعاً لقانون تنظيم شؤون طائفة الموحدين الدروز وبالتالي حصل الشغور الرئاسي ونتيجة للظروف السياسية التي كانت سائدة توقفت تلك الاجتماعات واكتفى مشايخ الشوف الاعلى بإقامة سهرات دينية شهرية خلال فترتي الربيع والصيف.

أربعـاء أيّــوب

يوم الأربعاء الأخير من شهر نيسان من كل عام يطلق على هـذا اليوم «أربعاء أيّوب»، وفي اللغة العامّية «أربعة أيّوب». هـذه المناسبة هي طقس شعبي عربي للإستشفاء بمياه البحر. ومن العادات والتقاليد الشعبية والأعياد المتصلة بفصل الربيع. كأعياد الفصح والنيروز وشم النسيم. والتي يُحتَفل بها في بداية شهر نيسان من كل سنة مع قـدوم فصل الربيع. وتردد العامّة «في نيسان بتصير الدني عروس وبيخف الغطا والملبوس». ويحتفل عدد كبير من المسلمين والمسيحيين في هذا اليوم في لبنان وسوريا ومصر. وذلك بالنزول إلى البحر والاغتسال بمائه. وفي الماثورات الشعبية أنّ النبي أيوب عثـر في بلواه على عشـبة يطلقون عليها «حشيشة أيّوب»، وهي عشبة العرعر المعروفة بفوائدها الطبية. فقد بلّها بالماء زمنا ثم استحمّ بنقيعها، فشُفي من الأمراض السبعة التي ابتُلي بها.

في هـذه المناسبة «أربعاء أيّوب» أو «أربعة أيوب»، كما يسمّونها. يحيي البيارتة «أهالي مدينة بيروت»، هـذا اليوم كتجسيد يؤكـد التصاقهم بتراث يقـدّم نموذجا عن قيم ترتكز على المحبّة والتلاقي في سبيل الخيـر. فقد اعتاد البيارتة الاحتفال بتلك الـذكرى على شاطئ البحر، في محلّـة تلال وشاطئ الرملة البيضاء وصخور الروشة وميناء الداليه في محلة شوران. تكريما للنبي أيوب لاحتماله وصبره على المصاعب والأمراض التي ابتُلي بها. كانت التحضيرات تبدأ قبل أسبوعين، فيقوم الشباب بتنظيف رمال الشاطئ ونصب الخيام والعرازيل وتوزيعها وفق المناطق والعائلات. وفي اليوم المحـدد تنطلق عند الفجر مواكب النساء والأولاد من كل الأحياء، وعند وصولهم تُمَـد الحُصُر والبُسط وتُصَف الكراسي والطبليات الخشبية، ويُحضرون معهم مأكولاتهم المتنوعة، وفي طليعتها حلوى «المفتّقـة»، وهي حلوى بيروتية تصنع من الأرز الناعم والسكر وطحينة السمسم ومسحوق الكُركم «العقدة الصفراء» ويحتاج طهيها إلى صبر وتقنيّـة. ويتساعدون في تحريكها، وتُهدى أطباق منها إلى الأهل والأقارب والجيران. ولا تعتبر الطبخة ناجحة إلا إذا بان «السـيرج» زيت السمسم على سطحها. وذلك للمشاركة وفقا لعادات وتقاليد توارثوها عن السلف، ويسعَون لنقلها إلى أبنائهم وأحفادهم، كبادرة تعيـد إلى الأذهان تقليـداً عايشـه الكبار ويحاولون نقله إلى الأجيال الشابّـة. ويتخـلّل المناسبة معـرض تراثي للأشغال الحرفية واليدويــة. حيث يقـدّم البعض أغاني ورقصات شعبية فولكلورية، ويطيّر الفتيان والصبية في الجـو طائرات ورقية تُصنع من الورق الملوّن وترتفع عالية في الفضاء وتُحرّك من الأرض بواسطة بكرة من الخيطان. ويمارس الشبان لعبة شـد الحبال. وينتشر بائعو الكعك واللوز والترمس وغزل البنات والتفاح المغلف بالمعلل، والنمورة والصفوف والسمسمية وغزل البنات. وعندما يحين موعد الاغتسال، تتجمع العائلات ويضرب الشبان طوقاً بشريّاً لمنع مرور الغرباء، وتنزل بعض النساء والفتيات بفساتينهن إلى الماء وتغطس كل واحدة سبع غطسات للتبارك، أو وفاء لنذر أو رجاءً أو طلباً للشفاء اقتداء بما فعله النبي أيوب. والبعض يغسل عيونه بماء البحر. ومنهم من يجمع زهوراً (حشيشة أيوب)، وهي حشيشة العرعر المعروفة، يبلّها في الماء ليلة الأربعاء المعهودة تحت الندى، وفي صباح يوم الأربعاء تُغسل وجوه الأولاد بمائها، وتُرش بهذا الماء لفك عقـدة إبليس من بين العيون. والبعض يمارس عادات وتقاليد، مثل: (أوّل قصّة شعر للمولود تتم في مياه البحر لنوال البركة – شرب سبع غبّات من ماء البحر أو الاغتسال بسبع موجات متتابعة تزيل مفعول السحر والربط – وتلجأ العاقر إلى البحر بأن تملأ فمها زيتا وتدخل البحر ثم تلفظ الزيت في مائه. ثـمّ تبدأ جلسات تدخين النرجيلة ولعب الورق والدومينو. وتُقَدَّم أقداح الشاي وفناجين القهوة والفواكه والمرطبات(11).

وفي بعض القرى اللبنانية، يطلقون على يوم (أربعاء أيوب) تسمية «أربعاء البراقطة» أو «أربعة البراقطة»، حيث تمشّط المرأة شعرها في الظلام فيكسبه لمعاناً وبريقاً. ويستعملون الاكتحال اعتقادا منهم أنّ وضع الكحل على العيون في هذا اليوم يقوّي النظر ويزيـد من صفاء العين وبريقها. ويستعمل بعض الرجال والنساء الكحل أيضاً على العيون، اعتقاداً أنّ ذلك يمنعهم من مشاهدة الأفاعي أثناء العمل في الحقول في فصل الصيف، على أن يتـم الاكتحال في الصباح وقبل شروق الشمس(12).

الكنيسة المارونيّة وأربعاء أيوب

في يوم أربعاء أيوب، تتأمّل الكنيسة المارونية «بأيّـوب» الرازح تحت الأوجاع والآلام والصابر عليها. نسمعه يقول: «عرياناً خرجت من بطن أمي وعرياناً أعود، الرب أعطى والرب أخذ فليكن اسم الرب مباركاً». في هذا اليوم تقيم الكنيسة رتبة القنديل، وتبارك الزيت وتمسح بـه جباه المرضى والمؤمنين. هـذه الرتبة في الأساس كانت سرّ مسحة المرض. يُمسح المؤمنون بالزيت الذي يرمز إلى الشفاء. والمسح بالزيت هو علامة حبّ الربّ للمتألّم والمعذَّب والخاطئ. نصلّي لنعرف كيف نسكب من المسيح النور، أنواراً في قلوب الحزانى وفي جلجلة كل مريض(13).
وذكر البطريرك الماروني في تأمّل قداس أربعاء أيوب ورتبة القنديل، أنّ الكنيسة تذكر في هـذا اليوم من أسبوع الآلام أيوب البار الرازح تحت الأوجاع والآلام والصابر عليها. فكل عطية صالحة هي من جودة اللـه. أمّا الألم فله معناه التكفيري عن الخطيئة الموجودة في العالم، في الفرد وفي الجماعة(14).

مقـامات ومزارات عـديدة

ليس مقام النبي أيّوب وحيداً على المرتفعات الجنوبية من بـلاد الشام. بل هناك مقامات ومزارات دينيّـة عـديدة، منها:
– مقام النبي صافي فوق بلدة جباع الحلاوي، على جبل صافي.
– مقام سجـد قرب بلـدة سجـد في منطقة جبل الريحان. وهذا المقام عليه قبّة، يـؤمه اليهود للزيارة.
– مقام النبي يعقوب في بلدة روم قضاء جزين، وهو المسمّى «مشهـد محيبيـب»، ويقال أنّ فيه قبـر بنيامين بن يعقوب.
– مقام النبي عازر قرب بلدة عازور في قضاء جزين.
– مشهد هارون في بلدة الخرطوم الواقعة في بلاد الشومر في ساحل صيدا، ينسب إلى هارون أخي موسى، كان يزوره اليهود.
– مقام النبي ميشا قرب قرية بنواتي في قضاء جزين.
– مقام النبي حنانيا فوق قرية بحنّين أيضاً(15).


المراجع:

1- الكتاب المقدس- العهد القديم- سفر أيوب -الإصحاح الأول ، ص 543
2- الكتاب المقدس- العهد القديم – سفر أيوب_ الإصحاح الثاني والأربعون
3- تأملات في سيرة النبي أيوب (ع)، المصلحة الدينية والتربوية في المجلس المذهبي، بيروت، 2012
4- المُنجـد في الأعلام، طبعة ثامنة ص 103
5- ول ديورانت، قصة الحضارة، ترجمة زكي نجيب محمود، الإدارة الثقافية في جامعة الدول العربية، ط 3 – 1965 ص391.
6- عيسى اسكندر المعلوف، تاريخ البقاع وسوريا المجوفة، دار الفارابين بيروت، ج1 ص 233
7- رياض غنام، نيحا الشوف في التاريخ الأرض والسكان، طبع المجلس البلدي في نيحا ط 2 سنة 2018 ص 189
8- شاكر الخوري، مجمع المسرّات، تقديم الياس القطار، دار لحد خاطر، ط 2 – 1985 ص 30
9- رياض غنام، نيحا الشوف في التاريخ، م س ، ص 192
10- صالح زهر الدين، تاريخ المسلمين الموحدين الدروز، المركز العربي للأبحاث والتوثيق، بيروت، 1994ص 244
11- عبد اللطيف فاخوري، مقال في مجلة الأفكار، العدد 407 تاريخ 7/5/1990 – زياد سامي عيتاني، مقال في جريدة الأنباء، 24/4/2019
12- أنيس فريحة، القرية اللبنانية حضارة في طريق الزوال، دار المكتبة الأهلية، ص 274
13- موقع القديسة رفقا على الإنترنت
14- جريدة النهار بتاريخ 8/4/2020
15- رياض غنام، م،س، ص 193

النَّبيُّ حزقيال

وَرَدَ في التاريخ القديم ذكرُ نَبِيّين يحملان هذا الاسم الكريم وهما حزقيال الأوّل وحزقيال الثاني. أمّا حزقيال الأوّل فمدفنه بلدة بثينة كرَك نوح، كما يشير إلى ذلك صاحب كتاب عمدة العارفين.

أمّا حزقيال الثاني، والذي نحن بصدد تاريخه، فمدفنه ومزاره بلدة بلاط قضاء مرجعيون وهي من قرى وادي التيم جغرافياً وقداسة. وهو صاحب السِّفر الثالث والذي يذكرُ فيه حِكَماً طبيعيّة وفلكيّة مرموزة، وكذلك شكل البيت المقدس وأخبار ياجوج وماجوج. وحزقيال هذا كان في جملة سبايا بني إسرائيل أيام الملك نبوخذ نصر وعددهم، كما يُقال، نحو 70 ألفاً، إذ أقام بينهم وتنبّأ فيهم نحو عشرين سنة بأمر الله تعالى حيث أمرَهم بالمعروف ونهاهم عن المنكر فأجاب البعض وصدّقه الأقلّ وصدّ عنه وكذّبه الأكثر، فلما ألحّ عليهم بالإنذار وبالغ في النّصح ردّوا كلمته وخالفوه واقتحموا عليه، فقتلوه، ولم يتعظوا بما صار عليهم ولا خافوا الله لفعلتهم.

ومن الأقوال المنسوبة للنّبيّ حزقيال: «مَن أهانَ وليّاً فقد بارزني بالمحاربة وأنا أسرعُ إلى نصرة عبيدي وأوليائي. وإنّ من عبادي من لا يصلحُ إيمانه إلاّ بالغنى ولو أفقرتُهُ لأفسدتُ عليه دينه. وإن من عبادي المؤمنين من لو سألني الجنة لأعطيته ولو سألني الدّنيا غلافة سوطٍ لم أعطه. وما تقرّب إليّ عبدي بشيء أفضل ممّا افترضت عليه ولم يزل يتقرّب إليّ بالنّوافل حتى أحبّهُ، فإذا أحببتهُ كنتُ سمعه الذي يسمعُ به وبصرهُ الذي يُبصرُ به، ولسانه الذي ينطقُ به، وقلبهُ الذي يعقلُ به، ويدهُ التي يبطشُ بها، وإن دعاني أجبتهُ وأن سألني أعطيته».

أمّا مزاره ومدفنه في بلدة بلاط فقد تداعت الدولة العثمانية إلى ترميمه أواسط القرن الثامن عشر وكان المتعهد لبنائه من آل ملاعب (جبّ حسيكة) من بلدة بيصور. وهنا ما يدعو إلى الاستغراب والاستهجان أنّه ما كان يبنيه في النّهار يُهدم في الليل إلى أن احتار من أمرهِ وفِكرهِ، وما العمل، ومن الذي يُقدم على ذلك! ممّا حمله على النّوم قرب المقام ليلاً وإذ به يسمع صوت ريحٍ قويّة ترتدّ على الحائط فترميه أرضاً.

في اليوم التالي بعد أن استشار العديد من المقيمين كانت إجاباتهم: ما لكَ سوى الأتقياء من المشايخ وخصوصاً مشايخ الأزهر الشّريف (خلوات البيّاضة). لهذا ذهب إليهم واستشارهم بعدما أبلغهم بما حدث معه وما العمل لإنجاز البناء.

المشايخ الثقات كانت إجابتهم: من أين تأخذ إيجارك لقاء البناء؟ أجاب من أموال الدولة العَليّة أي الدولة العثمانية الحاكمة آنذاك.
هنا افترّ ثغر أحد كبار المشايخ قائلاً: يا بُني ألا تعلم أن أموال السلطان ودار ضرب العملة محرّمة عند أبناء التوحيد، فكيف يكون لقاء بدل ثمن لبناء مكان مقدس لنبيّ مكرّم فذاك لا يجوز مطلقاً.

ألا تعلم كم من ظُلمٍ وتعسّفٍ وإرهاقٍ لأبناء الشّعب عند تحصيل هذه الأموال؟
ألا تعلم أنه لا يدوم ولا يصحّ سوى الأموال الحلال وأنه منها يكون ترميم وبناء دور العبادة والمقامات وحتى بيوت الصالحين والمؤمنين؟

استغفر معلّم البناء من حضرات المشايخ ثم وعدهم أنه سيبنيه دون أي مقابل، غير أنه في النهاية لربما أغوته إحدى نساء تلك القرية فتزوّج منها ثم اعتنق المذهب الشيعي وذريَّته لتاريخ اليوم لم تزل في بلدة بلاط وهم يتبادلون الزيارات مع أقاربهم في البلدة الأم بيصور. وهذا المقام يُزار حالياً من جميع المذاهب، وأنا شخصيّاً وقد أصبحت في أواخر العقد الثامن من العمر أتذكّر كيف كان أهلنا فيما مضى من بلدة الفرديس وكيف كانوا يوفون النذور إلى المقام الشريف والسعي المبرور حيث يذهب جميع أبناء البلدة سيراً على الأقدام أو ركوباً على المطايا من الدواب والخيول وينامون هناك. وكانت تُقام حلقات الذّكر أوّلاً ثم الطعام والموائد العامرة من أصحاب النذور، ثم يُعْمَدُ إلى المنذور فيعتلي فرساً ويدور الجميع معه حول المقام ثلاث دورات والرجال يرفعون عقيرتهم بالحداء وكذلك النسوة، وممّا أتذكره من الحداء :
جينا نزورك يا حزقيل بين بلاط وبين دبّين
يا ربّي تحرس مَزْيـــَــد وثبّتنا عَ المحبة واليقين

بحلول منتصف القرن الماضي تولّى إدارة المقام المرحوم الشيخ سليمان ذياب من قِبَل خلوات البياضة المشرفة عليه صيانةً وتجهيزاً وبناءً، إذ أصبح المقام المذكور وما يحيط به من باحاتٍ وحدائق ومطابخ وقاعات تليق وتتسع لأكبر عدد من الزوّار حضوراً وإقامة.

يتوسّط ذلك المقام سنديانة مُعمّرة لربما عمرها من عمر المعبد التاريخي. وممّا يلفت النظر أنّه عام 1982 عندما احتَلّت بلادنا دولة إسرائيل عمد خبراءُ الآثار والحاخامون منهم إلى نبش النواويس التي حوله ومنها ناووس لم يزل ظاهراً للجميع وهو محفور في الصخر بشكل دائري ويحتوي على ثمانِية مدافن في الصخر ذاته ولا نعلم ماذا وجدوا وكيف اهتدوا إلى ذلك، وهذا ما يرويه أبناء تلك القرية..!

(من كتاب وادي التيم أرض القداسة، قيد التأليف لمؤلّفه غالب سليقه).


المراجع:

1- كتاب عمدة العارفين.
2- كتاب تاريخ حاصبيا وما إليها.
3- كتاب مع الأنبياء.
4- أقوال بالتواتر من بعض المعمرين.

محميّة أرز الشوف

محميّة أرز الشوف من أكبر المحميّات اللبنانيّة مساحة وأكثرها روعةً وجمالاً تشتهر بغابات أرزها الثلاث في معاصر الشوف – الباروك – عين زحلتا وبَمْهريْهْ من خشبها بنى سليمان الحكيم هيكله الشهيروفيها أكبر تنوّع أيكولوجي.
مساحة المحميّة تعادل 5 في المئة من مساحة لبنان والمساحة المُحَرَّجة 235 هكتاراً…. والأراضي التي أعيد تأهيلها 150 هكتاراً
المحمية قامت بتدريب 2100 شخص ضمن برنامج رفع القدرات
عام 2019 وصل عدد زوار المحمية الى 118 ألف سائح
نجيم لـ “الضّحى” : هدفنا تشجيع البيئة وعودة الناس إلى أراضيهم
هاني لـ “الضّحى”: عاما الثقة بيننا وبين المنظمات البيئية العالمية جعل محمية الأرز الأولى في الشرق الأوسط.

ما أن تطلَّ على جبل الباروك، ذلك المدى الجمالي الممتد من ظهر البيدر إلى تومات نيحا، سواء أتيته من جهة الغرب حيث يشرف على قضائي الشوف وعاليه، أم لجهة الشرق، حيث البقاعان الأوسط والغربي و بحيرة القرعون درّة البقاع – لو لم يفقدها التلوث الكثير من خصائصها الجمالية – وجبل الشيخ الذي لا يغادره الثلج إلّا لماماً؛ فأنت أمام لوحة طبيعية تجلّت فيها عظمة الخالق ومهارة الإنسان الواعي، لوحة ممتدة من السحر والجمال قلّ نظيرهما، بل ندر في هذه البقعة الجغرافية من العالم؛ الجافة تقريباً.

يتمتع جبل الباروك بميزة خاصة تميّزه عن سائر جبال لبنان. فهو من حيث العلو متوسط الارتفاع إذ تبلغ أعلى قممه 2222 م عن سطح البحر، بطول يفوق الـ 50 كيلومتراً، وبغابات أرزه الثلاث، لعلها الأكبر والأجمل بين كل غابات الأرز في لبنان، تنتشر في مناطق معاصر الشوف، والباروك، وعين زحلتا – بمهريه. بمحاذاتها لجهة الجنوب طريق المعاصر – كفرَيّا الشهيرة، التي تربط الشوف بالبقاع ووادي التيم، بعد أن كانت قديماً تقتصر على الممر الجبلي عبر ثغرة مرستي. بإمكان الزائر أن يصل إلى تلك الغابات انطلاقاً من القرى المشارإليها، وبأقل من 20 دقيقة من الوقت، بعد أن يكون قد متّع نفسه بالمناظر الخلّابة في الاتجاهين، من الغرب حيث قرى الشوف وعاليه والإقليم. ومن الشرق حيث سهل البقاع الخصيب وقراه المترامية في كل مكان بين حرمون والباروك وعلى جانبي الليطاني، وبحيرة القرعون الشهيرة. هذا الامتداد الطبيعي والتاريخي لجبل الباروك جعله لفترة طويلة الدرع الواقي والسَّد المنيع لما كان يعرف بالإمارة الدرزية التي حملت أسماء من تعاقبوا على إدارة شؤونها فيما مضى، منذ أيام الأرسلانيين، إلى التنوخيين، إلى المعنيين والشهابيين، وصولاً إلى المتصرفية، قبل أن تتحول إمارة الجبل إلى الأساس في دولة لبنان الكبير سنة 1920. كذلك تجذّرت علاقة الأسرة الجنبلاطية التي تموضعت في القسم الجنوبي الشرقي من الإمارة، بجبل الباروك، والقرى الواقعة في سفوحه، أو ما كان يعرف بالشوف الحيطي، وذلك بحكم الموقع والأهمية، وما يحمله من رمزية تاريخية، فكان الاهتمام بغابات الأرز والمحافظة عليها أولوية بالنسبة إليهم، وخاصة أيام الشيخين علي وبشير جنبلاط وصولاً إلى المعلم كمال جنبلاط، فالأستاذ وليد جنبلاط الذي أولى غابات الأرز في الباروك والمعاصر وعين زحلتا – بمهريه عناية فائقة، وبات الإنجاز مرتبطاً بعنايته وسخائه وحرصه إلى حد كبير.

فمنذ تسلّمه المسؤولية السياسية، أولى وليد جنبلاط بيئة منطقة الجبل عامة عناية خاصة، وكانت ثرواتها الطبيعية شغله الشاغل، وبالأخص الثروة الحرجية، وغابات الأرز والسنديان، وكل النباتات والحيوانات البرية الموجودة في هذه المنطقة، في الاتجاهين الغربي والشرقي، مشدداً على العناية القصوى بالبيئة، وبعضها منع قطع الأشجار تحت طائلة المسؤولية.

قد يكون وراء اهتمام جنبلاط بالمحافظة على البيئة وعلى الجمالية الطبيعية التي تتميز بها منطقة الجبل نابعاً من حرص الأسرة الجنبلاطية على مرّ التاريخ بالمحافظة على هذه المنطقة التي كانت قاعدتهم السياسية، إلَّا أنها كانت بعد ذلك امتداد لتلك الثقافة البيئية التي أرساها المعلم الشهيد كمال جنبلاط ومارسها نهجاً وأسلوباً طوال حياته، لتنتقل من بعده إلى نجله الوليد. وجبل الباروك هو بعض قصيدة الشاعر شوقي بزيع التي ألقاها في نادي الإمام الصدر في صور بمناسبة أربعين المعلّم الشهيد، قبل أن يخلّدها الفنان العالمي مرسيل خليفه بصوته:

كأنما جبـــــل البــــــــاروك أذهـــــله
أن تنحني فمشى فــي نعشك الشجرُ
والثلج أفلت مــن حـــرّاسه ومشـــــى
وفـــي ثناياه من جُنــــح الرَّدى خَدرُ

بعد إرساء الدولة الأمن والاستقرار في البلاد في بداية التسعينيات، أنشأ وليد جنبلاط جمعية أرز الشوف، وهدفها العناية بغابات الأرز ثم أسس محمية أرز الشوف لترعى شؤون تلك الأماكن وتحافظ عليها وتصونها من التعديات، ومن جشع العابثين والطامعين.
زوار محمية أرز الشوف يجدون أنفسهم أمام خليّة نحل لا تهدأ، أو وزارة بيئة ناشطة بكل طواقمها بخلاف واقعها الحالي. فأنّى اتجهت تطالعك وُرَش التشذيب والتشحيل المنتشرة هنا وهناك، وفي أكثر من مكان، في الأحراج البعيدة وعلى جانبي الطرقات المعبدة والترابية. المهمةُ واضحة، ومحدَّدة: تنظيف المساحات الحرجية وتشذيبها من النباتات الطفيلية التي تفرّخ عادة حول جذوعها منعاً للحرائق أولاً، وإضفاء الطابع الجمالي والبيئي عليها ثانياً.

مدير المحمية الأستاذ نزار هاني أو ما تصح تسميته بـ دينمو المحمية، طاقةٌ لا تهدأ. فخيار تعيينه في هذا الموقع كان صائباً بكافة المقاييس. فهو الحاضر دائماً وفي كل مكان، والناشط دوماً في كافة المجالات، وهو المطّلع على كل شاردة وواردة في المحمية، يوزّع الوُرش ويعطي التعليمات ويتولّى بنفسه الإشراف على تنفيذ الأعمال. أينما تطلبه تجده، وكيف توجهت تلتقي به، في المكتب كما في الورش، وحيث لا تجده تجد بصماته واضحة في العمل الميداني المتشعب.

لذلك كلّه كانت زيارة “الضّحى” إلى بيت المحمية في معاصر الشوف متابعة لهذا التحقيق، للقاء رئيسها المحامي شارل نجيم، ومديرها الأستاذ نزار هاني. صودف وجود السيدة نورا جنبلاط في جولة تفقديّة لسير العمل في المحمية، ما يعكس مدى اهتمام وليد بيك والسيدة نورا بمواكبة فريق العمل ومتابعة كل المستجدات لتطوير المحمية وتحقيق الأهداف التي أنشئت لأجلها.

هيكل سليمان من خشب أرز الباروك

في المنحى التاريخي، يُجمع الباحثون، وعلماء التاريخ أنّ سليمان الحكيم قد بنى هيكله من أرز الباروك، بعد أن أمر بنقل أخشابه من جبل الباروك إلى صور عبر نهر الليطاني. وفيما يرى آخرون أن أخشاب الأرز التي استخدمت لبناء هيكل سليمان الحكيم نقلت من الباروك عن طريق القوافل التي كانت تمر آنذاك في وادي الباروك بتلون المختارة بمحاذاة مجرى النهر، وصولاً إلى مرج بسري، ومنه إلى نهر الأوّلي فصيدون، ومن هناك إلى حيفا لتنقل بعدها إلى القدس.

غابات الأرز

مدير المحمية نزار هاني الذي لا يحبذ الحوارات الصحفية، كما قال، تاركاً للمهام التي ينفذها أن تتحدث عن نفسها، لخّص في حديث لـ «الضّحى» الأسباب التي دفعت رئيس الحزب التقدمي الإشتراكي الأستاذ وليد جنبلاط لتأسيس المحمية بهدف الحفاظ على غابات الأرز الموجودة ضمن نطاقها، هي عبارة عن غابات ثلاث متقاربة، ولكنها منفصلة وموزعة على أرض واقعة في نطاق بلدة عين زحلتا وبَمهريْهْ، والباروك ومعاصر الشوف. الجهة الشرقية من الغابة تشرف على سهل البقاع وتطل على مستنقع «عَمِّيق»، أمّا الجهة الغربية فتطل على منطقة الشوف. هذه الغابة يطبّق عليها قانون المحميات الطبيعية الذي يمنع الصيد البري بداخلها، كما يمنع قطع الأشجار منها واستثمار أراضيها، ودخول المواشي إليها وإشعال النار وحرق الأعشاب ضمنها. وقد حدّد القانون رقم532 حدود المحمية كما يلي: مشاعات تسع قرى. تشمل في قضاء الشوف مشاعات سبع قرى هي: نيحا – جباع – مرستي – الخريبة – معاصر الشوف – الباروك – عين زحلتا. وفي قضاء عاليه مشاعات قريتين هما: مشاعات بمهريْهْ وعين دارة. بالإضافة إلى ملك الدولة في الجانب الشرقي من جبل الباروك، وبذلك تمتد المحمية من تومات نيحا جنوباً، حتى عين دارة – ظهر البيدر شمالاً لجهتي الجبل الغربية والشرقية. يبلغ طول المحمية 50 كلم وعرضها 11كلم أي أنّ مساحتها تبلغ 550 كيلو متر مربع. ويتراوح ارتفاعها عن سطح البحر بين 1000 و2220 م عند القمم العالية. وتحوي المحمية أكثر من 500 هكتار مكسوّة أرزاً، وفيها نحو 200 نوع من الطيور، و27 نوعاً من الثدييات البرية وأنواع مختلفة من النباتات البرية. تُعتبر هذه المحمية من أكبر المحميات في لبنان، ومن أغناها ثروة بيئية في منطقة الشرق الأوسط. تشرف على المحمية جمعية أرز الشوف التي تأسست سنة 1994. وفي العام 1996 أصدر مجلس النواب القانون رقم 532 الذي شرّع مشروع محمية أرز الشوف لجهة الحدود والمواد الجزائية والقانونية التي تحمي التنفيذ رسميّاً. وبتاريخ 25 آذار 1997 تم تعيين فريق عمل المحمية إيذاناً ببدء التنفيذ، ويتألف هذا الفريق من 11 موظفاً إدارياً ومرشداً وجوّالاً. ويتم تنفيذ مشروع المحمية على مراحل وفقاً لخطة عمل مسبقة ومن ضمن مشروع المحميات الطبيعية في لبنان بالتعاون والتنسيق مع وزارة البيئة وبرنامج الأمم المتحدة undp والاتحاد العالمي للحفاظ على الطبيعة IVCN وبتمويل من مؤسسة التمويل العالمي GEF.

وعن الهدف من خطة المحمية أوضح هاني أنها تهدف الى تأهيل الغابات والسهول والأراضي الواقعة في نطاقها أيكولوجياً وإنمائياً، وصولاً إلى تصنيف المحمية بطريقة تحمي التنوع البيولوجي والموارد الطبيعية فيها من جهة، وإلى تأهيل الطرق والممرات وإقامة المنشآت لاستقبال زوار المحمية من لبنان ومن الخارج، لا سيما المهتمين بالسياحة البيئية. وهكذا سوف تشكل المحمية مورداً اقتصادياً هاماً يدعم استمرارية الحماية وإعادة التوازن الطبيعي وفتح الأبواب للسكان المحليّين خصوصاً والمحيطين بها، للعمل في قطاعات جديدة للخدمات وعن السياحية البيئية، يؤكد أنها ناشطة بصورة دائمة وفي مختلف الفصول. ومؤخّراً أُقيمت بحيرة اصطناعية داخل محمية أرز الشوف تتسع لنحو 4000 متر مكعب من المياه تم تنفيذها بتمويل من السفارة اليابانية في لبنان، تؤمّن استقرار الحياة البرية خاصة للغزلان والطيور في المحمية.

في العام 2005 أُعلنت محمية أرز الشوف والقرى المحيطة كمحمية محيط حيوي من قبل الأونيسكو. وأكثر ما تشتهر به المحمية هي غابات الأرز الثلاث، ويقدّر عمر بعض أشجارها بنحو 2000 عام.
تجاهد المحمية للوصول إلى ثلاث وظائف أساسية:
-حماية الكائنات الحيّة
-خلق فرص عمل للسكان المحليّين
-دعم البحث العلمي ومراقبة الأنواع والتوعية البيئية وتبادل المعلومات المتعلقة بالطبيعة.

ولتحقيق هذه النشاطات تحتوي المحمية على ثلاث مناطق: منطقة الحماية – منطقة العزل – منطقة التنمية. تضم المحمية 500 نوع من النباتات، 25 منها مهدّد على الصعيد الوطني والعالمي، و48 نوعاً مستوطناً فيها. المحمية هي مأوى لـ 32 نوعاً من الثدييات وأهمها الذئب والضبع والهر البري والخنزير البري.
المحمية منطقة هامة للطيور المهاجرة بين أوروبا وأفريقيا وغرب آسيا. وفيها ما يزيد عن 250 نوعاً من الطيور، عدد منها مسجل في مستنقع عَمِّيق زواحف وبرمائيات، أحدها مُهدد بالانقراض على الصعيد العالمي، ونوعان منفردان، وآخران نادران.

هاني تحدث عن أهمية التواصل بين محمية أرز الشوف وكبريات المحميات المنشرة في العالم والمنظمات الدولية الداعمة لهذه الأنشطة عازياً السبب إلى الثقة المتباَدَلة بيننا وبينهم، بعد أن تيقّنوا أنّ المحمية متعاونة معهم إلى أقصى الحدود، إنْ لجهة الالتزام بتنفيذ المشاريع بدقة، أو لجهة تبادل الخبرات والمعلومات، وإنَّ محمية أرز الشوف اليوم تتصدركافة مواقع التواصل الاجتماعي على مستوى العالم، فالتنسيق معهم قائم ومستمر، ويكاد لا يمر يوم من دون تبادل المعلومات والخبرات في تعاون مشرك. وهو ما ساعد على تطوير المحمية لتصبح في مصافي المحميات العالمية. إنّ عامل الثقة هو الأساس. وانطلاقاً من ذلك وصلنا إلى هذا المستوى الذي نحن عليه، وكل المشاريع التي يتم تنفيذها تُموَّل من الجهات المانحة والمنظمات الدَّوْليّة.

هاني كشف عن إنّ فريق عمل المحمية استفاد من مرحلة الإقفال بسبب جائحة كورونا، وقمنا بمبادرة التقاط آلاف الصور للطيور والحيوانات في نطاق المحمية لمراقبة طبيعة عيشها، وخاصة بناء الأعشاش بالنسبة لأنثى الطيور التي تضع بيضها فيها للتكاثر، وللاستفادة أكثر من هذه الدراسة تم تركيب كاميرات فيديو لتتبع كل حركة من لحظة تجميع الأعشاب إلى لحظة تفقيس البيض وطريقة إطعام العصفورة الأم لأولادها الزغاليل ومساعدتهم على النمو بعد أن يكسو أجسادهم الريش ويصبحوا قادرين على التنقل والطيران بهدف وضع دراسة علمية موثقة عن عملية التكاثر.

رئيس المحمية المحامي شارل نجيم لفت في حديث لـ”الضّحى” إلى دور المحمية في حماية البيئة وورش التشذيب القائمة بهدف الحفاظ على الثروة الحرجية ومنع حصول الحرائق، عبر تنظيف الأشجار على جانبي الطرقات، وشق طرقات إلى الأحراج البعيدة لتأمين كيفية الوصول إليها بسهولة ومن دون معوقات. بالإضافة إلى مساعدة المزارعين عن طريق فرم الأغصان وتحويلها إلى كمبوست لتسميد التربة بدل استخدام المواد الكيماوية، والعمل على تطوير البيئة. لافتاً إلى أنَّه من غير المسموح استخدام الأراضي الخاصة الواقعة في نطاق المحمية لغير المشاريع الزراعية، وتوسيع أقنية المنحدرات العالية وتجميع المياه في برك زراعية للاستفادة منها في فصل الصيف، وأشار إلى حملات التشجير التي لا تتوقف، وذلك بمساعدة خاصة من وليد بيك. متحدّثاً عن أكثر من عشرة آلاف غرسة من الأرز تمت زراعتها حتى الآن. وإنّ المحمية تشكل 5 بالمئة من مساحة لبنان، وإنها تتلقى المساعدات من USA و undp ، وأن كل المشاريع السياحية المَنْوي إنشائها من عين دارة إلى نيحا لا تتم من دون علم المحمية وموافقتها. نجيم لفت إلى أن هدف المحمية تشجيع الناس على العودة إلى الزراعة والمساعدة على استصلاح أراضيهم حتى ولو كانت موجودة خارج نطاق المحمية. كما تشجع المحمية على إقامة بيوت الضيافة وترميم المنازل الأثرية، وإعادة إحياء الممارسات القديمة، وإعادة تأهيل النظم الأيكولوجية وتشمل كل الأراضي حتى تصبح جزءاً من حياتنا اليومية التي يعتمد اقتصادنا المحلّي عليها.

برنامج المحمية ومشاريعها

من المشاريع التي أُنجزت ويتم العمل عليها بدقة من قبل فريق العمل، وما يهم إدارة المحمية لفت النظر إليها، بحسب ما أشار إلى ذلك نجيم وهاني، ما تضمنه التقرير السنوي للعام 2019 وهو:
نظام إيكولوجي بيو ديناميكي – حماية النظم الإيكولوجية – خطة الحماية والمراقبة – التدريب ورفع القدرات – السياحة البيئية والزراعة – التوعية البيئية والتسويق – التقييم البيئي الاستراتيجي والحدود – الشركاء – الأرقام – لجنة الحماية وفريق العمل.

وتحت عنوان نظام أيكولوجي بيوديناميكي

إشارة لما تشكله محمية أرز الشوف الطبيعية ومحيطها الحيوي من نموذج لتطبيق أهداف التنمية المستدامة، يمكن تعميمه على كافة المناطق اللبنانية، كما ويصلح تطبيقه في دول محيط المتوسط كافة.
وبناء عليه تعمل المحمية منذ سنوات على إدارة وإعادة تأهيل المشاهد الطبيعية، وبالتالي النظم الإيكولوجية كوحدة متكاملة ومترابطة ليجسد هذا المشهد البيوديناميكي، تفاعل الكائنات مع بعضها البعض.

تشكل غابات الأرز أساس هذا النظام الأيكولوجي المتكامل، لتكون قلبه النابض الحي، متصلة برؤوس الجبال العالية ( 1800 – 2000م ) عن سطح البحر، والتي تتعرض اليوم لأخطار التغير المناخي، مثل التعرية والجفاف من جهة والتغطية ببعض أنواع الأشجار من جهة أخرى. وسوف يؤثر ذلك على طبيعة المنطقة ويؤذي عشرات الأنواع من النباتات والكائنات التي بمعظمها متفردة للمحمية ولبنان. أما الأودية والسواقي، الشرايين الحية لكل حياة، فتمتد من قمم الجبال إلى الهضاب المحيطة مروراً بغابات الأرز وصولاً إلى الداخل المتمثل بغابات الصنوبر والسنديان والأراضي المفتوحة لتضخ المياه السطحية الى باطن الأرض والأجزاء المختلفة من هذا المشهد الطبيعي المتوسطي.

تشكل الأراضي الزراعية القائمة والمهملة اليد الممدودة لسكان هذه المنطقة، ونظراً لأهمية الدور الذي تلعبه في التنمية المحليّة وطرق العيش المستدامة، تسعى المحمية جاهدة إلى دعمها وتطويرها. منها الأراضي المروية، وبساتين التفاح والكرز، والفواكه والخضار المختلفة. والأراضي البعلية المزروعة بالتين والعنب والزيتون، ومنها أراض زراعية مهملة تعمل المحمية على إعادة تأهيلها من خلال برنامج الزراعة المستدامة الذي يرتكز على الزراعات البعلية، وقد تمكنت من تحديد ستة أنواع هي: السمّاق، الزعتر، التين، الصنوبر المثمر، الجوز والرمان. نظراً لقدرتها على التأقلم مع التغيرات المناخية، وبناء على دراستين للسوق ولسلاسل القيمة.

ولن تكتمل هذه السلسة وتترسخ دون مساهمة الإنسان. إنه الآن يبحث عن بدائل لممارسات أثبتت عدم جدواها وضررها على الصحة والبيئة. لذلك فهو مدعو اليوم أكثر من أي وقت مضى، إلى أن يضع يده بيد المحمية للسير قدماً نحو مستقبل أفضل وبيئة أفضل وحياة أفضل.

الحماية والإدارة المتكاملة للنظم الإيكولوجية

لخّص تقرير الخطوط التوجيهية لإعادة تأهيل الغابات والمشاهد الطبيعية خبرة المحمية ولبنان في هذا المجال، والذي هدف الى إدارة المشاهد الطبيعية كوحدة متكاملة من إرتفاع 800 م الى إرتفاع 2000 م لكي تستطيع هذه الغابات التكيف مع المتغيرات المناخية وزيادة خدمات هذه النظم لخير البيئة والإنسان، وخاصة المجتمعات المحلية في المحمية. كذلك فإن إصدار الخطوط التوجيهية لسياسات وقوانين إدارة الغابات والأراضي في لبنان، سوف يكون وسيلة تعريف وتوعية للسلطات المحلية وخاصة البلديات.

وَعْلُ الجبل

بدأت المحمية بمشروع إعادة وَعل الجبل إلى المحمية وبالتالي إلى لبنان، بناء على دراسة التقييم التي قامت بها مؤسسة أويكوس الإيطالية بالتعاون مع الخبراء المحليين، والتي وافقت عليها وزارة البيئة. أكدت المحمية على دور هذا الحيوان في إعادة التوازن إلى قمم الجبال وإبقاء أعالي الجبال التي تقع فوق خط الشجر خالية من الأشجار لتشكل معبراً للطيور والثدييات البرية خاصة في ظل المتغيرات التي تدفع بالغطاء النباتي للهجرة إلى ارتفاعات أعلى.

حصلت المحمية على أوّل دفعة من الوعول (12 رأس) من الأردن في تشرين الأول 2017 بالتعاون مع الجمعية الملكية لحماية الطبيعة ومحمية وادي رَمْ حيث تمت عملية النقل من مسيّج وادي رم – الأردن إلى مسيّج العميد كارلوس إدّه في عانا – البقاع.
وحالياً تعمل المحمية على نقل مجموعة ثانية من المملكة العربية السعودية وذلك بالتعاون مع الهيئة السعودية للحياة الفطرية، والسفارة السعودية في بيروت بهدف ضمان التنوع الجيني للمحافظة على هذه النوع لمدة طويلة بعد إطلاقه في الطبيعة.

وتحضيراً لاستقبال المجموعة القادمة من السعودية تمَّ إنشاء مسيّج في قرية الخريبة بمساحة 16 ألف متر مربع، ويتسع لحوالي (15 إلى 20 رأساً) ويعتبر المسيج جزءاً من بيت التنوع البيولوجي، ومركزاً إرشادياً من أجل التوعية وتعزيز تكاثر وعل الجبل.

الرّعي

يعزز رعي الماشية في محيط المحمية التنوع البيولوجي ويقلل من خطر الحرائق، ويحسن خصوبة التربة على المدى الطويل، وخاصة في غابات السنديان التي تعتبر مراعي غنية وخاصة بالنسبة للماعز الذي يعتمد على نظامه الغذائي على أنواع خشبية وخشنة أكثر من تلك العشبية. ومن أهم إيجابيات الرّعي أنّه يساهم بشكل كبير في تشحيل الأحراش وبالتالي التخفيف من المنافسة بين النباتات، إضافة إلى زيادة التنوع بنشر البذور في
الأراضي. ويُعتبر وجود الرعي مؤشراً إيجابياً للحياة البرية، إذ يحافظ على وجود الذئاب والضباع في الجبال والمحمية. إن إدارة خطة الرعي في الأراضي التي تحتوي أحراش السنديان وإعادة إحيائها لا يقتصر فقط على أعداد الحيوانات الرعوية في المنطقة بل يعتمد أيضاً على الموسم والفصل المتعلق بنمو الشجر.

في العام 2011 تم العمل على تقييم الأنشطة من أجل وضع خطة متوازنة بين ما بين الأراضي المحمية والأراضي الرعوية وترسيم هذه المناطق للبدء بالعمل على تدوير الرعي. وبعد عدة اجتماعات وزيارات ميدانية إلى الرعاة تبين أنه خلال الـ 30 سنة المنصرمة انخفض العدد إلى أقل من النصف في مناطق الباروك – عين زحلتا – بمهريه حيث كان يقدر عدد الرعاة بـ 30 راعياً، أمّا اليوم وبناء على دراسة التقييم التي أُعدّت خلال العام 2019 تبين أن عدد الرعاة لا يتجاوز ستة رعاة، وعدد الماعز حوالي 6000 رأس. أمّا في منطقة البقاع المحاذية لمحميّة عَمِّيق – عانا – قب – الياس، تبين أن عدد الرعاة بلغ حوالي 19 وعدد رؤوس الماشية 9000.

حماية الكلاب الشاردة

بعد تزايد خطرها وبمبادرة من الأستاذ وليد جنبلاط في سبيل حماية الكلاب الشاردة قدم فريق عمل المحمية الدعم التقني لإنشاء مأوى لهم في منطقة بدّة – جديدة الشوف يحيطه مُسَيّج. وفي أواخر شباط 2019 تم تأهيل مأوى آخر مع مسيّج من قبل اتحاد بلديات الشوف السويجاني في منطقة الصليب وتوظيف أربعة شبان لهذه المهمة.

التّحريج

بهدف زيادة رقعة الغابات والمساحة الخضراء وبخاصة غابات الأرز، يتابع فريق المحمية نشاطاته في مشاريع التحريج، وقد بلغت المساحة المحرَّجة منذ العام 2012 حتى العام 2019 ما يزيد عن 235 هكتاراً بما يعادل 188 ألف غرسة موزّعة على 24 موقعاً في معظم قرى المحمية. في العام 2019 تم زرع 22 ألف غرسة من أنواع حرجية ذات قيمة اقتصادية مثل الصنوبر المثمر واللوزيات على الارتفاعات الأدنى. إنّ نسبة النجاح في معظم مواقع الزرع كانت جيدة وصلت إلى 9 بالمئة خاصة في نيحا – جباع – مرستي في المقلب الغربي للمحمية، وبلدة عيتنيت في المقلب الشرقي.

إدارة الكتلة الحيوية

استكملت هذا العام عمليات تشحيل وتنظيف الغابات بالتعاون مع البلديات، وبإشراف وزارة الزراعة من خلال مراكز الأحراج المحيطة بالمحمية لتشمل نحو 43 هكتاراً من أحراج الصنوبر والسنديان. أمّا في ما يتعلق بمخلفات تقليم الأراضي الزراعية، فقد تم تجميع وفرم 400 طن من جانب نحو 130 مزارعاً. وذلك بالتعاون مع التعاونيات الزراعية في مرستي، والمعاصر، وبطمة، وعين زحلتا، والباروك، وبمهريه. واعتُبر هذا تقدماً جيداً في إطار التخفيف من أسباب حرائق الغابات حيث اعتاد المزارعون حرق تلك الفضلات. يتم استخدام النشارة الناتجة عن تنظيف الغابات والفضلات الزراعية لإنتاج الحطب المضغوط في معمل «السيمي» الذي تم تحديثه في العام الفائت بمعدات إضافية ساعدت على مكننة العمل وزيادة إنتاجه، حيث أنتج هذا العام حوالي 300 طن حطب. إنّ اللافت في هذه العملية هو تعاون ومساهمة المزارعين في تقديم الأراضي الخاصة بهم لاستخدامها في عملية الجمع والتسبيخ، وكذلك مساهمتهم بفعالية في تجميع الكتلة الحيوية الناتجة عن التقليم في الأماكن المحددة لعمليات التسبيخ.

الزراعة المُستدامة

لإدارة أفضل لمحيط المحمية تم إعداد خارطة طريق نحو زراعة مستدامة في محيط محمية أرز الشوف، بالتعاون مع المزارعين والتعاونيات الزراعية في المنطقة، هدفت هذه الخطة إلى إعادة تأهيل الأراضي الزراعية المهملة التي تقع في محيط المحمية باستعمال أنواع محلية ذات قيمة اقتصادية، وبممارسات زراعية مستدامة صديقة للبيئة تضمن هذه الأراضي تأمين الممرات الإيكولوجية للأنواع البرية التي تنتقل إلى ارتفاعات أدنى في فصل الشتاء، وكذلك تؤمن هذه الزراعات مدخول جيد لأصحاب هذه الأراضي، إذ إنّ الأنواع والممارسات المستدامة تتكيف مع التغيرات المناخية ولا تحتاج إلى الأسمدة الكيميائية.

في العام 2019 تم تأهيل 36،23 هكتاراً من الأراضي الزراعية المهملة بناء على هذه الاستمارة وعلى الارتفاعات الأعلى، تم إنشاء أحواض ترابية أو جلول صغيرة (1 الى 2 م) من الجهة الخارجية، وبموازاتها تم حفر أحواض صغيرة لتكون بمثابة خنادق لجمع مياه الأمطار من جهة الجبل. كما زرعت هذه الأحواض الترابية بأنواع محلية مثل السماق والعنب والكرز والصعتر والحبوب وغيرها ونُفّذت هذه التجربة في قرية مرستي، بالإضافة إلى ذلك تم إعادة تأهيل 25 هكتاراً من الأراضي الزراعية في قرى المحمية في الشوف والبقاع الغربي، من خلال مشروع سبل العيش المموَّل من الوزارة الاتحادية للتعاون الاقتصادي والتنمية (BMZ) والمدعوم من برنامج التغذية العالمي(wfp) ليصل مجموع الأراضي المُعاد تأهيلها إلى 150 هكتاراً بين عامي 2017 و2019. بالإضافة إلى ذلك قامت المحمية من خلال المشروعين بتوزيع 70500 غرسة من الأنواع الست: الصعتر، والسماق، والتين، والعنب، والرمان، والصنوبر المثمر، وأنواع أخرى كالجوز، والورد الجوري والزعرور، والكرز وغيرها على المزارعين والتعاونيات الزراعية.

إدارة المياه

في ظل تغير المناخ وندرة المياه الناتجة عن ذلك، ومن أجل حماية طبقات المياه الجوفية وموارد المياه السطحية، ومعالجة النقص المتوقع في المياه وقلة كمية المتساقطات، تم إعادة تطوير تقرير لتقييم المياه العذبة في محمية أرز الشوف المحيط الحيوي بمساعدة تقنية من شركة «مورز» ضمن مشروع الموزييك المتوسطي والمموَّل من مؤسسة مافا السويسرية، ويتم العمل على إعداد مرجع توجيهي لإدارة المياه والتعويض عن الخسائر الناجمة والناتجة عن التغير المناخي.

تتميز منطقة الشوف بطبقات المياه الجوارسية الكارستية التي تسمى بطبقة المياه الجوفية. والجدير بالذكر أنّ إحدى طبقات المياه الجوفية الرئيسية في لبنان موجودة في الباروك، ونيحا، وفقاً لتقرير مجموعة ANTEA الفرنسية التي تم إصداره في العام 2017. تتكون هذه الطبقات بشكل أساسي من المياه الجوفية التي التي تجري في أكثر من 200 نبع في المنطقة. تصب هذه الينابيع في نهر الليطاني، وفي الدامور والأولي، وتزوّد عدداً كبيراً من البلدات، وتساهم المحمية في حماية جودة وكمية هذه الينابيع من خلال صونها وحمايتها من الانتهاكات والتلوث. وعليه، كانت هناك حاجة ماسة إلى اتخاذ تدابير وإجراءات لتحسين إدارة الموارد المائية ومجابهة التحديات القادمة. لذلك نظمت المحمية العديد من الزيارات الميدانية مع الخبراء لدراسة جيولوجية أفضل للتضاريس وموارد المياه السطحية، والممارسات الزراعية المعتمدة، وكذلك دراسة مخاطر تلوث المياه وسوء إدارتها، أبرزت جميعها الحاجة إلى تحسين الإدارة المحلية لقطاع المياه لدعم توفرها وحمايتها واستدامتها، ومعالجة:
– زيادة نسبة تلوث موارد التربة والمياه.
– إهمال الزراعة على المرتفعات.
– ضرورة إعادة تأهيل وتطوير التكيف مع التغير المناخي.
– ندرة المياه السطحية في المرتفعات في ظل نزوح الحيوانات إلى المرتفعات العالية.
– الضخ المستمر للمياه الجوفية عبر الآبار حتى على المرتفعات.
– غياب الوعي الكافي وعدم إدراك السلطات المحلية والسكان لهذه المخاطر.

خطة الحماية والمراقبة

بناء على المعلومات المتوافرة من خلال قاعدة بيانات نشاطات المحمية ومراقبة التنوع البيولوجي، يتم تسيير الدوريات بحسب جدول أسبوعي يتم إعداده من قبل منسق الحماية وموقع من مدير المحمية يبين مسار الدوريات واتجاهها للتأكد من تغطية كافة أجزاء المحمية بحسب خصوصية كل فصل من الفصول الأربعة. كذلك فإن أعمال الحماية مرتبطة ارتباطاً وطيداً مع البيانات العلمية الخاصة بالتنوع البيولوجي.

التدريب ورفع القدرات

ضمن برنامج رفع القدرات العلمية الذي تعمل عليه محمية أرز الشوف وخلال العام 2019 تم التنظيم والمشاركة في حوالي 75 ورشة عمل تدريبية لحوالي 2100 شخص من المجتمع المحلي وتضمنت التدريبات المواضيع التالية:
-الزراعة الإيكولوجية والتحريج وإعادة تأهيل النظم الإيكولوجية.
– إنتاج المزروعات والزراعة المستدامة والبيو ديناميكية.
– ورش حول التكييف مع المتغيرات المناخية في المحمية ومحيطها الحيوي.
– السياحة الزراعية
– بناء الجدران وفحص التربة وأخذ العينات.
– التوعية والتربية البيئية.
– مكافحة الحرائق وإدارة النفايات العضوية والصلبة.
– الإرشاد السياحي.
– التصنيع الزراعي من المربيات والمخللات وغيرها.
– كيفية دعم الصادرات الزراعية.
– العناية بالأشجار والنباتات العطرية.
– النظام الجغرافي للمعلومات GIS ونظام المبيعات POS.
بالإضافة الى المشاركة بحوالي 30 ورشة عمل على الصعيد الوطني والإقليمي والدَّوْلي.

السياحة البيئية والزراعية

استقبلت المحمية في العام 2019حوالي 118 ألف سائح من محبِّي الطبيعة وممارسي النشاطات المتنوعة والمتاحة، وأهمها السير على الممرات داخل الغابات والتعرف على النباتات والأشجار ومراقبة الطيور والحيوانات والمشي على الثلج وقطف العسل ومراقبة النجوم. بالإضافة إلى نشاطات التوعية البيئية الموجهة إلى طلاب المدارس والجامعات.

للمحمية 6 مداخل رئيسية: مدخل غابة أرز عين زحلتا – بمهريه، مدخل غابة أرز الباروك، مدخل غابة أرز معاصر الشوف مدخل قلعة نيحا، مدخل جباع، مدخل مرستي الذي ما زال قيد الإنشاء. الجدير ذكره أن جميع هذه المداخل متصلة مع بعضها البعض عبر شبكة دروب يصل طولها إلى حوالي 48 كلم أهمها:
– درب وادي نهر الباروك – المختارة 2012.
– درب السنديان الروماني – مرستي 2015.
– درب الباروك – الفريديس الوطني 2017.
– درب الإدارة المستدامة للغابات – الباروك – بتلون – معاصر الشوف – بطمة.
– درب قب الياس- وادي الدّلب التاريخي والأثري 2019.
– درب الوزّال في قرى مرستي – الخريبة -المعاصر 2018 – 2019.
– درب الينابيع عين زحلتا – نبع الصفا 2018 – 2019.
– درب بعذران الطبيعة والتراث 2018 – 2019.
– درب عيتنيت التاريخي والأثري 2018 – 2019.
– درب الحجل جباع الشوف 2018 – 2019.
– الدرب النباتي BOTANICAL TRAIL.

التوعية البيئية والتسويق

يبدأ الوعي البيئي حين يدرك الفرد أهمية المحافظة على البيئة، ومنع تلوثها، واستخدام مواردها بطريقة مستدامة، والتصدي إلى المخاطر التي قد تتعرض لها.

من هذا المنطلق تسعى محمية أرز الشوف دائماً إلى إشراك المجتمع المحلي في الحياة البيئية ورفع الوعي حول أهمية التنمية المستدامة، من خلال الحملات والأنشطة التثقيفية لطلاب المدارس والجامعات والمنشورات التوعوية، والتعاون مع الجمعيات البيئية المحلية والعالمية ورعاية الأنشطة المرتبطة بالبيئة والسياحة البيئية في قرى المحمية، وشمل برنامج التوعية البيئية التي تقوم به محمية أرز الشوف كل سنة عدداً من المدارس المحيطة بالمحمية حيث يتعرّف الطلاب على أهداف التربية المستدامة بطريقة مفصلة وتطبيقية. في هذا الصدد تعرّف 920 طالباً على التسبيخ ( الكومبوست) وفرز النفايات. كما نظمت المحمية نشاط الباسبور الأخضر الذي شارك فيه 50 طفلاً تعلّموا على كيفية المحافظة على الغابات والمياه والحياة البرية. كما نظّمت سباق الطبيعة، وتم الاتفاق مع بلدية الخريبة على تحويل مبنى الطوارئ إلى بيت للتنوع البيولوجي وإلى جانبه تم إنشاء مُسيّج لاستقبال وعل الجبل.

التسويق

عملت محمية أرز الشوف خلال العام 2019 لتسويق المنطقة كوجهة للسياحة البيئية المستدامة من خلال المقابلات الإعلامية، والمقالات، والمعارض المحلية والعالمية، ووسائل لتواصل الاجتماعي.

بالإضافة إلى ذلك تم إنشاء سوق الزراعة المستدامة في الباروك الذي يهدف لتسويق المنتجات الزراعية، من خضار وفواكه، ومونة بيتية وحرف يدوية.
التقييم البيئي الاستراتيجي والحدود

انطلاقاً من الحدود الإدارية الموضوعة للمحمية والدراسة التي أُعدت في العام 2017 بهدف ترسيم وتحديد حدود المحمية، بدأت المحمية من العام 2019 بالتعاون مع شركة «مورز» ومهندس التنظيم المدني سيرج يازجي بمراجعة حدود المحمية وإعداد تقرير التقييم البيئي الاستراتيجي وتحديد مصادر المياه الجوفية والينابيع الموجودة بالإضافة إلى المواقع الأثرية. وبناء عليه سيتم وضع المخطط التوجيهي العام، والمخطط التفصيلي للمنطقة الحزامية المحيطة بحدود المحمية (500 م).

الشّركاء

تتعاون وتعمل المحمية بالتعاون مع عشرات الشركاء محلّياً وإقليمياً ودولياً، على سبيل المثال لا الحصر البلديات، والتعاونيات الزراعية، والوزارات المختلفة، خاصة وزارة الزراعة، ومصلحة الأبحاث الزراعية، والجمعيات وشركاء التحريج في لبنان واليونيسكو، وبرنامج الإنسان والمحيط الحيوي.

وكان من نتائج هذا التعاون مجموعة من المشاريع أهمها:
– حماية النظم الأيكولوجية والمشاهد الطبيعية، وترسيخ العادات التقليدية في الشوف والبقاع الغربي الممول من «مافا» يركز على المعرفة العلمية والرعي، وإعادة تأهيل المدرجات الزراعية، والتوعية والتعاون مع مؤسسات محلية ومتوسطية.
– فسيفساء منطقة البحر الأبيض المتوسط والممول من «مافا» ويركز على الإدارة المستدامة للغابات والتعاون مع مؤسسات متوسطية ومن خلاله تم إعداد دراسة تقييم المياه الجوفية في المحمية ومحيطها، وكذلك تقرير التقييم البيئي الاستراتيجي.
– إعادة تأهيل ودعم الأنشطة والأنظمة الزراعية التقليدية بهدف التطوير الاقتصادي والحفاظ على البيئة في محمية أرز الشوف الممول من مكتب التعاون الإيطالي بالتعاون مع جمعية OIKOS ويركز على الزراعة وسلاسل القيمة.
– مشروعان من خلال برنامج سبل، العيش يتمحوران حول الاستدامة والتدريب على الأعمال التي تخفف من آثار تغيير المناخ، بما في ذلك إدارة الغابات والكتلة الحيوية والتحريج والسياحة المستدامة بالإضافة إلى التصنيع الزراعي من المربيات. والمخللات، والتوعية البيئية. وقد تم تنفيذ المشروعين في عدد كبير من قرى الشوف وفي قرية عيتنيت في البقاع الغربي حيث عمل في هذا الحقل ما يفوق عن 500 عامل وعاملة من اللبنانيين والوافدين السوريين.
– أعمال تحريج ذات فائدة اجتماعية وبيئية في محمية أرز الشوف والمحيط الحيوي. الممول من الاتحاد الأوروبي بالتعاون مع وزارة الزراعة.
– زراعة يركز على التحريج وتشكيل لجان بيئية في قرى المحمية كافة من خلاله تم إعداد الخطوط التوجيهية لإعادة تأهيل المشاهد الطبيعية والخطوط التوجيهية لسياسات وقوانين إدارة الغابات والأراضي في لبنان.أمّا الشركاء الفعليون فهم وزارة البيئة، وبرنامج الإنسان والمحيط الحيوي اليونيسكو، وبلديات قرى المحمية، والتعاونيات الزراعية والجمعيات، والمخاتير والمتطوعون من كافة الأعمار والاختصاصات. كذلك وزارات الزراعة والسياحة والداخلية والبلديات، والدفاع المدني، والصليب الأحمر، ومجلس الإنماء والإعمار وجمعيات حماية الطبيعة والثروة الحرجية والتنمية وجبلنا، والمحميات اللبنانية الأخرى، ودرب الجبل اللبناني، وسوق الطيب، والدروب المحيطة بالمحمية، والجامعات ومراكز الأبحاث. كذلك بنك بيبلوس وطيران الشرق الأوسط، وفتّال وموزرن ومياه نسلة، وبنك البركة، وشركة MSI والشركاء الإقليميون والدوليون.

خلاصة

وبعد، فمحمية أرز الشوف مثال حيّ لقدرة الإنسان على إعادة التوازن لحياته، من خلال إعادة التوازن لبيئته الطبيعية أوّلاً، ثم الاجتماعية. إلّا أنّ ذلك لا يتحقق إلّا بنماذج من الوعي والإخلاص اللذين شاهدناهما في تأسيس المحمية، في متابعتها، والعناية بها، فباتت أرثاً وطنياً وإيكولوجياً لهذا الجيل كما للأجيال القادمة.
شكراً لكل من بذل جهداً في تأسيس هذه المحميّة وفي حمايتها وتطويرها، من شركاء لبنانيين ودوليين: نموذج عسى يجد ما يشبهه في مناطق لبنان وبلاد العرب كافة.


تكريم مدير محميّة أرز الشوف الأستاذ نزار هاني

للمرة الأولى في لبنان يتألّق مدير محميّة أرز الشوف كمنارة للأمل من لبنان.
بتاريخ 26 آب 2020 وفي حفل جرى عبر مواقع الإنترنت برعاية الاتحاد الدولي لصون الطبيعة (IUCN) واللّجنة العالمية للمحميات الطبيعية (WCPA) ، تم تقديم جائزة كينتون آر ميلر المرموقة والقيّمة للابتكارات الجديدة في المتنزهات الوطنية واستدامة المحميات الطبيعية إلى نزار يوسف هاني من محمية أرز الشوف الطبيعية في لبنان وبيدرو إستيفاو موغورا من منتزه جورونجوسا الوطني في موزمبيق.

إنّ هذه الجائزة هي بمثابة تكريم لأفراد يتخذون خطوات جريئة ومثمرة لضمان استدامة المحميات الطبيعية. الجائزة تحمل اسم الدكتور كينتون آر ميلر الذي كان المدير العام للاتحاد الدولي لصون الطبيعة (IUCN) عام 1983 حتى 1988 ورئيس اللّجنة العالمية للمحميات الطبيعية WCPA لثلاث دورات. وتُعتبر الجائزة تكريماً لإرثه الباهر المتمثل في تعزيز المعرفة، وتوجيه وإرشاد القادة في مجال صون الطبيعة والحفاظ على التنوع البيولوجي في جميع أنحاء العالم.

نزار يوسف هاني: ولد في العام 1976 في بعذران الشوف. تخرّج من الجامعة اللبنانية بدرجة ماجستير في العلوم الزراعية. بدأ العمل في محمية أرز الشوف الطبيعية كمنسق علمي في العام 2000، وأصبح مديرها العام في سنة 2010.

قاد نزار هاني برنامجًا شاملاً تعدى كونه يسعى إلى الحفاظ على غابات الأرز والحياة البرية في جبل لبنان، ليعمل على لإعادة تأهيل المشاهد الطبيعية، وتحقيق التنمية الاقتصادية المستدامة وتنمية المجتمع، والتكيف مع تغيّر المناخ، والعمل على التسوية السلمية للنزاعات.

ولقد ساهمت هذه الجهود في تحويل محمية أرز الشوف الطبيعية (التي تغطي 550 كيلومترًا مربعًا، أي أكثر من 5٪ من مساحة لبنان) إلى نموذج عالمي للتنمية البيئية والاجتماعية والاقتصادية المتكاملة، يحتل موقع الصدارة في مجال الحفاظ على البيئة في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.

بالإضافة إلى برنامج حماية الطبيعة الذي يشمل عمليات إعادة التشجير ومراقبة الحياة البرية والمحافظة عليها، فلقد تمكنت المحمية منذ إعلانها محمية محيط حيوي في العام 2005 من اعتماد منهج تشاركي أدّى إلى إدماج القرى الـ 22 التي تشكل المنطقة التنموية للمحمية في إدارتها، وإلى تبني سكانها وقياداتها وسلطاتها المحلية للقرارات والمشاريع كافة. وبالتالي تمكنت من تطوير فرص ريادة الأعمال للسكان المحلّيين من خلال السياحة البيئية والخدمات المتصلة بها، والزراعة المستدامة وكل ما ينتج عنها، والتنمية الريفية من خلال تحسين جودة المنتجات المحلية ممّا أدّى إلى خلق فرص عمل وبناء قدرات مع إيلاء اهتمام خاص بالنساء والشباب. أدّى كل ذلك إلى توليد الإيرادات بشكل ملحوظ، مع الحفاظ على التراث الثقافي القائم.

عند تسلمه الجائزة قال الأستاذ هاني: «في الشوف، الطبيعة هي أساس سبل عيشنا وقدرتنا على الصمود. تشرفت وسعدت كثيرًا بهذه الجائزة التي تعترف بالعمل الذي استمر لعقود من الزمن شاركت خلاله مع زملائي في الحفاظ على أرزنا وإحياء تراثنا الزراعي والثقافي التقليدي».

محمية الشوف المحيط الحيوي

محمية أرز الشوف: المحمية الأكبر في لبنان التي أعلنت في العام 1996، تبلغ مساحتها حوالي 160 كلم 2، وهي تحتوي على 30 % من غابات الأرز المتبقية في لبنان والتي تنتشر في غاباتها الثلاثة:
غابة أرز عين زحلتا – بمهريه، غابة أرز الباروك وغابة أرز معاصر الشوف.

في العام 2005 أعلنتها منظمة اليونيسكو مع القرى الـ »22« المحيطة بها، محمية محيط حيوي لتغطي مساحة حوالي 500 كلم 2 أي حوالي 5% من مساحة الوطن.

إنّ ما يميز هذه المحمية في محيطها المتوسطي، بالإضافة إلى تنوعها البيولوجي الغني جداً والذي يتطور بشكل ملفت في عودة اللبونات المتوسطة الحجم وأهمها الذئاب والوشق، وإشراكها للمجتمع المحلي وعلاقتها الوثيقة به، حيث أنها تدار من قبل أهلها ولجنة محلية تحت مظلة وإشراف وزارة البيئة الراعية لكل المحميات الطبيعية في لبنان والتي أصبح عددها 15 محمية. تعمل محمية أرز الشوف للوصول إلى رؤيتها من خلال أربعة أهداف عريضة:
– حماية الطبيعة والمحافظة على الكائنات الحية.
– دعم السكان المحلّيين بطريقة مستدامة.
– وضع المحمية على خارطة المحميات العالمية.
– بناء قدرات فريق العمل وتعزيزها.

مرج بِسري:

– بين الإصرار على التنفيذ وبين المُعترضين عليه وتحويله إلى محميّة طبيعية،
– تمسُّك فريق السلطة بالمشروع، موضع تساؤل رغم المخاطر يدعو للرّيبة، ورائحة الصفقات تزكم الأنوف،
– خبراء بيئيون يحذرون عبر الضّحى: مشروع السَّد يقع على فالق زلزالي خطير قد يؤدي إلى كارثة
– يمكن الاستعاضة عن إقامة السد بـ الآبار، ومحيط العاصمة غني بالمياه الجوفية والتذرّع بتأمين المياه لها كذبة كبيرة.
– لبنان من أغنى دول العالم بالمياه الجوفية، لو أُحسن استعمالها تنتفي الحاجة للسدود التي ثبت فشلها.
– جنبلاط وكتلة اللقاء الديمقراطي، ونواب المنطقة والبلديات، وفعاليات المجتمع المدني وجهاً لوجه أمام السلطة الجائرة لمنع التنفيذ.
– عبد الله: هناك رفض مُطلق للمشروع، وندعو لتحويل مرج بسري إلى محمية طبيعية.
– أبي راشد: لن يقام سدّ في بسري والحديث عنه تجاوز الحديث عن سد النهضة.
– نمر: السد يقع على فالق خطير أدّى إلى زلزال 1956.

الدخول إلى مرج بسري للتعرّف إلى المكان الذي يتمسّك البعض بإقامة سد فيه لتجميع المياه وتحويلها إلى بيروت لإطفاء ظمأ أهلها التوّاقين اليوم إلى الحرية وإلى الحياة الهانئة التي حُرمت منها لعقود من الزمن كالداخل إلى التاريخ من بوابته الواسعة. فالمكان المُشار إليه يتحدث عن نفسه، وليس بحاجة لمن يفك رموزه. في مرج بسري مشى السيد المسيح على درب الجلجلة، ومن قلعة نيحا أطل الأمير فخر الدين الثاني الكبير، مؤسس الكيان اللبناني ليقول لمن سيأتي بعده، إمّا أن تبنوا لبنان كما بنيته بعيداً عن الطائفية والمذهبية، وإمّا وداعاً لبنان وعلى لبنانكم السلام. ومع ذلك يريدون شطب هذا التاريخ بتوقيع عقد لبناء سد من الإسمنت المسلح، يقع على فالق زلزالي مدمِّر، ويحاولون إقناع اللبنانيين أنّهم يفعلون كل هذا لأجل لبيروت وأهلها. لكن بيروت التي يتنافس الغيارى على مساعدتها، تعيش اليوم ظلم ذوي القربى، لأنّ بيروت جريحة، فهي ما زالت تلملم أشلاء انفجار مرفئها، وقد أتى على كل معالمها التاريخية والأثرية، بعد أن كانت تحاكي التاريخ بكل أفراحه وأتراحه، لقد كانت لقرون طويلة عروس المتوسط، وبوابة العروبة الصافية والنقية، المتجسّدة في قلب كل مخلص فيها. فمن يكابر لتأمين المياه لها من مسافة تطول لأكثر من أربعين كلم هو نفسه الذي أطفأ أنوارها وجعلها تعيش بالظلمة بعد أن حرمها من نور الكهرباء، وتركها تشيخ لتموت، لمآرب ليست بخافية على أحد، فهو يعمل اليوم على حرمانها من شريانها المائي الذي جرى استجراره إليها من مغارة جعيتا منذ عقود من الزمن. والسبب أنهم يريدون تحويل المياه إلى سدودهم الفاشلة، من سد جنّة إلى المسيلحة وما بينهما، لتغطية عيوبهم وصفقاتهم وسمسراتهم، والاستعاضة عنها بإقامة سد في بسري لتجميع المياه، وجرّها إلى بيروت بعد ضم مياه القرعون الملوِّثة لها والمخزّنة في بركة أنان.
فبعد إسقاط صفة العجلة عن المشروع في الجلسة التشريعية التي انعقدت استثنائيا في قصر الأونيسكو، في حزيران الماضي، وإلزام الشركة المنفذة التوقف قسراً عن العمل بضغط من الحراك الشعبي، ونواب اللقاء الديمقراطي والأهالي، والبلديات المحيطة، التي سارعت لسحب موافقتها على إنشائه، ومنح البنك الدولي الحكومة فرصة تنتهي في أيلول لتقرر الحكومة ما إذا كانت قادرة على التنفيذ أم لا.
أكّدت غالبية الأهالي والقوى السياسية في المنطقة رفضهم للمشروع، وأمِلوا تحويل مرج بسري بالكامل إلى محميّة طبيعية، وإلغاء فكرة مشروع سد بسري نهائياً. هذا السد الذي يتولّى تنفيذه مجلس الإنماء والإعمار منذ العام 2016 بهدف تجميع المياه وجرها إلى بيروت، بمعدل 500 ألف متر مكعب يومياً. وذلك ضمن أنفاق تحوي أنابيب يصل قطرها إلى ثلاثة أمتار. كانت الشركة المشغِّلة قد أنجزتها في السنوات الثلاث الماضية على عدة مراحل:
الأولى: بطول 20 كلم، وتمتد من ملتقى النهرين إلى بلدة الوردانية القريبة من دير المخلص، ومنه إلى مكان السد
الثانية: وهي بطول 10 كلم، وتمتد من دوحة المشرف، فالدامور، والناعمة، وخلدة والشويفات والحدث، وصولاً إلى الحازمية ليتم تجميعها في خزانات ضخمة ثم يُصار إلى توزيعها في بيروت الكبرى وضواحيها وانتهاء بساحل المتن الشمالي حتى نهر الموت.
الثالثة: وهي المرحلة الأخيرة المخصّصة لبناء السد وما يتفرع عنه، وقد يستغرق العمل فيه نحو سنة. وهو بعرض1 كلم وارتفاع يتراوح بين 70 إلى 100 م بطول 5 كلم.

لمحة تاريخية

يكتسب مرج بسري أهمية خاصة بالنظر إلى وجوده في أهم وأجمل بقعة جغرافية من بقاع لبنان، الكائنة على تخوم منطقتي الشوف وجزّين، على منبسط أرضي قد لا يوجد نظيره ليس في لبنان فحسب، بل في منطقة الشرق الأوسط كلّها. واللّافت أنَّ مجرى نبع الباروك الذي يتغذّى من فائض الينابيع المجاورة له في المنطقة يخترقه إلى نصفين بدءاً من تخوم الشوف إلى قرية بسري القريبة من فالق روم. أمّا الينابيع التي يتغذى منها فكثيرة ومتعدّدة أبرزها: نبع مرشد، ونبع سلمان ونبع جِبْلَيه، ونبع باتر، ونبع عزيبه، ونبع جزين، بالإضافة إلى الأنهر والسواقي الشتوية التي تصب في واديه وتُعتبر من الروافد الأساسية لنهر الأوّلي إلى الشمال من مدينة صيدا.
وأهمية مرج بسري أنه كان الممر الآمن لكلّ الجيوش التي غزت لبنان عبر التاريخ، منذ أيام الفينيقيين، مروراً بالإسكندر المقدوني والرومان، والآشوريين والبابليين والكلدانيين، والفتح العربي الإسلامي، والصليبيين والفاطميين. وصولاً إلى زمن التنوخيين، والمعنيين، والشهابيين. وقد دلّت الآثار التي اكتُشفت فيه والتي يعود تاريخها إلى تلك العصور على ذلك.
كلمة المرج، تعني المنبسط الشديد الخضرة. ومرج بسري مشهور بخصوبة أرضه وبساتينه الغنّاء، وبآثاره الرومانية، وكنيسته الصليبية القديمة. أمّا مُلكيته فتعود لمجموعة من أهالي القرى المجاورة، أبرزها عمّاطور، ومزرعة الشوف والكحلونية، وباتر وبسابا ومزرعة الظهر. بالإضافة إلى مجموعة من المستثمرين، من نيحا وصيدا، ومن أماكن أُخرى. عبره كانت تمر ما كان يسمى «طريق البلاد»، التي تربط إمارة الجبل، بولايتي صيدا وعكا. ومنه كانت تعبر قوافل المكارين والتجار المتجهة من بلاد الشام، والبقاع والشوف، إلى صيدا وبالعكس. واستمرّ اعتماد هذه الطريق حتى مطلع القرن العشرين واستقلال لبنان وبداية مرحلة شق الطرقات المعبّدة. أهميته أنّه يشكل عقدة وصل لكل سكان المناطق المجاورة، فهو يربط منطقة جزين بإقليم الخروب عبر بلدتي بسابا ومزرعة الظهر. ويربط قرى وبلدات الشوف الأعلى والأوسط، عبر بوابة باتر، والمزرعة وعمّاطور، ومن بحنين وعَرَيه. فكل هذه الدروب كانت قديماً تخضع لنقطة مراقبة من شقيف تيرون أو ما يعرف بقلعة نيحا.

كيف ولدت فكرة سَد بسري؟

المهندس إيلي موصللي الذي يتولى الإشراف على مشروع السد، من قبل مجلس الإنماء والإعمار. كشف في حديث لـ الضّحى أن فكرة إنشاء سد بسري ليست جديدة، بل قديمة، يعود تاريخها إلى العام 1952. وذلك عندما اقترحت شركة يو أس بي آر إنشاء السَّد، وأثبتت الجدوى من إنشائه في هذه المنطقة بالتحديد. بعد ذلك جرى إدخال مشروع السد في منظومة مشاريع عبد العال، التي نَفَّذت ما يُعرف بمشروع الليطاني ونهر الأوّلي، وهي الشركة التي أشرفت على بناء بركة أنان وسد القرعون. فالدراسات وُضِعت من قبل مصلحة الليطاني في الثمانينيّات، بعدها تم تحويل المشروع إلى مجلس الإنماء والإعمار في العامين 1998 و1999 وكانت الدراسات عبارة عن استقصاءات جيو تقنية. بوشر بعدها بإعداد الدراسات التقنية. وكانت هناك استحالة لتنفيذ المشروع، نظراً لوجوده على الحدود بين الشوف وجزين، التي كانت تحت سلطة الاحتلال الإسرائيلي. لقد كان هناك صعوبة لوصول المهندسين والخبراء إلى المنطقة، فتأخّر التنفيذ الى هذا الوقت. أمّا السبب الآخر للتأخير فكان الحاجة إلى التمويل. وفي العام 2012 ومع بداية تنفيذ مشروع الأولي بتمويل من البنك الدولي. أعطى البنك الدولي الحكومة اللبنانية وعداً بتمويل سَد بسري. وبالمقابل قامت الحكومة بتأمين الدراسات التفصيلية للمشروع وأُقرَّ التمويل في العام 2014 على أن تستغرق عملية التنفيذ مدَّة خمس سنوات.

موصللي تحدث عن رزمة من الإصلاحات التي قرر مجلس الإنماء والإعمار تنفيذها بالتزامن مع إنشاء السد، ومنها دفع التعويضات لمالكي الأراضي في مرج بسري حيث سيقام السد، التي تصل إلى حدود 570 هكتاراً مع الاستملاكات، أي بما يوازي 50 كلم مربع. وأكد على عكس ما يشاع اليوم، فالدراسات التي قاموا بها تؤكّد أن هذا هو المكان المناسب لإقامة السد من الناحية الجيولوجية، نظراً لوجود كمية من الطمي في مجرى النهر، وهي بمعظمها طبقة دلغانيّة تصلح لتجميع المياه. كما أن تصميم السد يلحظ إنشاء حائط من الباطون المسلح بسماكة وافية لمنع تسرب المياه. وهذا الحائط يجب أن يكون بسماكة تزيد عن سماكة الطمي، لمنع تسريب المياه لخارج السد، لأنّ الموقع مسطح، والطمي متراكم منذ سنوات. لكنه أقرَّ بوجود فالق كبير بقلب النهر. وأن ارتفاع الحائط الذي يصل إلى مئة متر، كفيل بمنع تسرب المياه إلى خارجه. وحول إمكانية حصول زلازل في المنطقة كما يتوقع البعض بسبب قربها من فالق روم؟ أوضح أنّ هذ الأمر تمت دراسته بعناية كبيرة، وخاصة فالق روم بشكل خاص. وإن مجلس الإنماء والإعمار كلّف استشاريّاً محليّاً وآخر أجنبياً. كما أُجريت سلسلة دراسات قام بها خبراء من الجامعة الأميركية في بيروت، تم من خلالها تحديد فالق روم. وقال: لدينا خبير تركي أيضاً يعمل ضمن لجنة خبراء مستقلين، ولقد حُدِّدت العوامل ذاتها التي اعتُمدت في الدراسات السابقة من قِبل مكاتب مختصة في فرنسا. ولذلك فإن حجم السد ونوعيته باعتباره سدَّاً رُكامياً يتكون من ردميات للحدّ من مخاطر الزلازل، لأن سدود الباطون معرّضة لمخاطر الزلازل، بينما سدود الردميات تبقى ثابتة مهما بلغت قوة الزلازل.
موصللي كان قد وعد بإعادة النظر بكل محطات التكرير القريبة من مجرى النهر، لإعادة تأهيلها، بما يكفل منع المياه المبتذلة ومياه الصرف الصحي من التسرب إلى النهر.

المجتمع المدني والخبراء البيئيّون يعارضون بشدّة إنشاء السَّد

انطلاقاً من معارضتهم لمكبّات النفايات العشوائية في العام 2015 ومنذ اليوم الأول لإعلان البدء بمشروع السد، أعلنت مجموعات شبابية تنتمي إلى المجتمع المدني معارضتها لإنشاء سد لتجميع المياه في مرج بسري، يؤازرهم في حملتهم مجموعة من الناشطين والخبراء البيئيين. لكن معارضتهم تلك لم تلقَ في حينه الدعم المطلوب من القوى السياسية في المنطقة المؤيدة لإقامة هذا السد في بادئ الأمر. وعلى الرغم من ذلك نفذ المعترضون العديد من الاعتصامات في مرج بسري انطلاقاً من قناعاتهم بالمخاطر التي قد تنجم عنه، من دون أن تصل هذه الاعتصامات إلى هدفها المطلوب. ومع توالي الأزمات التي شهدتها السنوات الماضية وخاصة بعد الانتخابات النيابية الأخيرة، وما أفرزته من تجميع طوائفي ومناطقي تعطلت بموجبه دورة الحياة السياسية، حيث استغرق تشكيل حكومة العهد الأولى إلى ما يقارب السنة، وما رافق ذلك من أحداث أليمة، وقعت في أكثر من مكان من لبنان. فكان لمنطقة الجبل النصيب الأكبر منها. ومع ذلك لم تتوانَ بعض الجهات المدعومة من قوى فاعلة في السلطة، في إبرام الصفقات وعقد السمسرات التي تفوح منها رائحة الفساد، وبالأخص بموضوع السدود التي أُنشئت في مناطق المتن الشمالي وكسروان وجبيل والبترون التي قام بتنفيذها بعض المتعهدين المحسوبين على القوى المشار إليها والتي أظهرت أنها غير صالحة لتجميع المياه، وأُدرجت في لوائح السدود الفاشلة وتملّصهم من رفع المسؤولية عنهم، وتوجيه الاتهامات بالتقصير إلى مجهولين. وهو ما استدعى من اللقاء الديمقراطي بعد انطلاق انتفاضة 17 تشرين الأول إلى اشهار معارضتهم مشروع السد في بسري، واقتراح تحويله إلى محمية طبيعية، وتحويل المبالغ المقررة للتنفيذ لدعم الأسر الأكثر فقراً. هذا الموقف لقي قبولاً من العديد من القوى السياسية الأخرى ومنها القوات اللبنانية والكتائب، والنواب المستقلون، وعدد من نواب المستقبل وكتلة التنمية والتحرير.

مقابل ذلك، كان هناك إصرار من فريق آخر على تنفيذ المشروع بالقوة، بغض النظر عن الأزمات الخانقة التي يعيشها لبنان منذ أكثر من سنة. فيكون بالتالي موضوع سد بسري قد دخل حلبة الصراع السياسي من الباب العريض. وذلك بالتزامن مع إعطاء البنك الدولي مهلة للحكومة تنتهي في الرابع من أيلول، لتقرر ما إذا كانت قادرة على تنفيذ المشروع. ومع دخول تكتل لبنان القوي تمسكه بالمشروع مدّعياً أنه سيؤمن مياه الشفة لأكثر من مليوني نسمة في بيروت وضواحيها وبيع الفائض منه إلى الأردن، ما استدعى إلى الرد عليه بتهكم وتعييره ببيع مياه السدود الفاشلة التي كان وراء تنفيذها، وبيع فائض الكهرباء التي هي في عهدة تياره السياسي منذ العام 2010 وهي التي أغرقت البلد في العتمة طوال السنوات العشر الماضية، كما أغرقت الخزينة بعجز مالي وصل إلى 50 مليار دولار.
وفي هذا السياق يؤكّد خبراء المياه الجوفية أنَّ لبنان يملك أكبر احتياطي مائي في الشرق الأوسط، تقدر بنحو عشرة مليار متر مكعب، ما يفوق حاجته بكثير. وفي العام 2010 كانت خطة وزارة الطاقة تقوم على حفر الآبار، ولو أنها استُكملت لكانت أفضل بكثير من إقامة السدود. لكن إنشاء السدود مربح أكثر، وبالأخص عندما يتدخل المسؤول مع المتعهد ويتقاسم معه الأرباح، ففي بسري أثبتت عمليات الحفر وجود تراكمات صخرية وضخمة والآبار أثبتت وجود كميات من المياه كبيرة جداً، والعملية لا تتطلب استملاكات كثيرة. وبالإمكان حفر الآبار في وادي شحرور، أو في الحازمية أو في جعيتا فكميات المياه كبيرة ومتوفرة، والمهم أن تصدق النوايا.

عبد الله: كُنَّا من مؤيدي مشروع السد لكننا عارضناه عندما أدركنا خطورته

عضو اللقاء الديمقراطي النائب بلال عبد الله الذي كانت له صولات وجولات في معارضته لمشروع السد مع نواب اللقاء الديمقراطي، وشارك لهذه الغاية بعدة ندوات لشرح مخاطر إنشائه في مرج بسري بتكليف كشف لـ الضّحى أنّ اللقاء الديمقراطي والحزب التقدمي الاشتراكي ورئيسه وليد جنبلاط كنا من المؤيدين لمشروع السد لتامين المياه لأهلنا في بيروت والضواحي، رغم معارضة شريحة واسعة من أهلنا في الشوف الأعلى والإقليم له، لما يشكله من خطر عليهم ويحرم قسماً كبيراً من أرزاقهم في مرج بسري، التي تعود ملكيتها لهم من مئات السنين، مقابل مبالغ مالية زهيدة قياساً إلى حجم الاستملاكات وخاصة المستصلحة منها. ولكن فيما بعد تبين لنا أنّ السد سيتم بناؤه من دون دراسة الأثر البيئي الحقيقي له، وبعد استماعنا لشرح مُقنع من خبراء بيئيين مشهود لهم بالكفاءة والمعرفة بعد أن قدموا لنا دراسات وافية عن مخاطر بناء السد الذي يقع على فالقين زلزاليين خطيرين، منهما فالق روم الشهير الذي تسبب بزلزال 1956 أعدنا النظر بموقفنا. وكان اقتراح رئيس الحزب وقف العمل بالسد وتحويله إلى محمية طبيعية، وتحويل المبلغ المخصّص له إلى العائلات الأكثر فقراً في لبنان. وهم إلى تزايد مستمر بسبب الأزمة المعيشية والاقتصادية وأزمة كورونا. وعن إدخال السد في البازار السياسي. قال: للأسف هذا هو واقع الحال في لبنان. لكن هناك من يصرّ على التنفيذ لضمِّه إلى مجموع السدود الفاشلة التي نفذوها، وتفوح منها رائحة الصفقات والسمسرات. وعن رأيه بموقف الرئيس الحريري المؤيد لمشروع السد، وصف عبدالله موقف الحريري بغير الواضح وقال: ربما أرادوا ابتزازه بالادّعاء أن بيروت عطشى. وعمّا سيكون الوضع عليه بعد الرابع من أيلول، أشار إلى الرفض المطلق للمشروع من قبل المجتمع المدني ومن أهالي المنطقة، والقرى والبلدات المحيطة بالسد. وهؤلاء لن يتراجعوا عن رفضهم للمشروع تحت أي ضغط.

أبي راشد: على البنك الدولي أن يفهم أن المشروع مخالف للقوانين

الناشط البيئي بول أبي راشد أشار في حديث لـ الضّحى أن الحملة على السدود انطلقت منذ العام 2014 وفي شهر آذار بالتحديد، بعد سماعنا بأعمال يتم تنفيذها لإقامة سد جنّة في وادي نهر إبراهيم، تبيّن أنها تتم من دون دراسة أثر بيئي. وكان هناك دراسات ترفض الموقع، وتؤثر على المياه الجوفية في جبل لبنان بعد ما تبين أن سد جنّة موجود على ثلاثة فوالق. فكانت قضية جنة الخطوة الأولى. لكن مع الأسف جرى تسييس الموضوع من قِبل البعض لاعتقادهم أن جماعة المستقبل وأهل السنة هم وراءها. فبعد أن تقدمنا بشكوى لوقف العمل تنحّى أربعة قضاة عن متابعة الدعوى. بعدها طلب رئيس الحكومة تمام سلام في حينه، أخذ رأي مجلس البحوث العلمية، المجلس رفض المشروع لأنه يتطلّب عشر سنوات لتنفيذه. ومع ذلك استمرينا بمعارضته، ليتبين لاحقاً أنّ مشكلة سد جنّة تشبه مشكلة باقي السدود، وهي سد بلعة، وبقعاتة كنعان، وسد المسيلحة وسد بسري. وتبين الخرائط لهذه الأمكنة الخمسة أنّ ما يجمع بينها الأرض الكلسية المشققة، ما قد يؤدي إلى الفشل في التنفيذ، كما فشل سد بريصا، الذي جرى تسليمه للدولة دون مياه. وهنا بدأت معركة سد بسري الذي لم يكن أولوية سنة 2014، لكن مجلس النواب الذي كان يومها فاقد الشرعية عقد جلسة تشريع الضرورة لتمويل سد بسري. حتى التمويل جاء من دون غطاء شرعي، وعلى الأثر تقدمت بلدية الميدان بطلب الطعن بهذا المرسوم لدى مجلس شورى الدولة، ومنذ العام 2015 أبقى مجلس الشورى الطعن في الدرج، ليتبين أن الجهة التي تهدر المال العام هي التي ضغطت على مجلس الشورى ليسكت عما يجري، واستغرب أبي راشد المباشرة في العمل بوجود الطعن. وفي العام 2017 بدأنا بزيارات ميدانية إلى مرج بسري للتعرف على المكان. وفي العام 2018 اطلعت على خارطة عمرها أكثر من 120 سنة من الأب اليسوعي «الفرد ذوران»، تبين الطريق التي سلكها السيد المسيح في طريق عودته إلى كفرناحوم. من هنا بدأنا العمل لإنقاذ المرج الذي تقع عليه طريق الحرير، وطريق الفينيقيين إلى أوروبا، واستكملنا الشكاوى. وفي تموز وجهنا كتاباً إلى وزير البيئة فادي جريصاتي حذرناه فيه من العمل، فقام جريصاتي بتحويل الكتاب إلى مجلس الإنماء والإعمار. بعد ذلك طلب منّا البنك الدولي أن نقدم له دراسة عن التعويض الإيكولوجي. وفي شهر أيلول من السنة الماضية 2019 فوجئنا بأنهم استأنفوا العمل وقاموا بقطع أكثر من عشرة آلاف شجرة.

وبعد شهرين انطلقت ثورة 17 تشرين، ذهبنا إلى المرج وقمنا بتكسير البوابات، وأخرجنا الآليات من المكان، وفتحنا الطرقات، واعتبرنا الأعمال التي نُفِّذت غير قانونية، والمشروع غير مُجدٍ بل ومخالف للقوانين، ما دفع برئيس لجنة الأشغال النيابية النائب نزيه نجم ليقول: إذا كان هناك واحد في المئة خطر لن نقبل بالمشروع. وفي اجتماع حضره الخبير الجيولوجي طوني نمر أكد أن المكان الذي سيقام السد، عليه هو من أسوأ المواقع الذي يبنى عليه سد في العالم، لوقوعه على فالقين وإذا ما تحركا سيؤدي ذلك إلى تحرك فالق روم فتقع الكارثة. وبناء عليه وجّهنا كتاباً إلى البنك الدولي نسأله إذا كان يستطيع أن يتحمل كارثة أو زلزال قد يصل مداه إلى بيروت. فالبنك الدولي سيسأل الحكومة في الرابع من أيلول إذا ما كانت قد نفذت ما هو مطلوب منها، لأن ذلك بحسب رأيه يساعد على وقف التنفيذ، وفي مُطلق الأحوال فإننا تقدمنا بكتاب إلى البنك الدولي الذي عليه أن يفهم أن هذا المشروع مرفوض، لأنّه مخالف للقوانين، وقال: لا خوف من إصرار البعض على التنفيذ بعد أن تحول مرج بسري إلى محجة لجميع اللبنانيين من عكار إلى صور والنبطية ومرجعيون وبعلبك وطرابلس وبيروت. وأصبح الحديث عن سد بسري أكثر من الحديث عن سد النهضة. والدولة لا تستطيع أن ترسل لواء من الجيش لمواجهة الأهالي الرافضين للمشروع.
أبي راشد لفت إلى وجود بدائل عن المشروع، مقترحاً أن يستخدم قسماً منها لتمويل تأمين المياه إلى بيروت، والقسم الآخر لمساعدة المتضررين من أهل بيروت بعد كارثة الزلزال.

أبي راشد رأى أيضاً أن الخطة التي أعدها الوزير باسيل حين كان وزيراً للطاقة، عن وضع المياه في لبنان، ارتكزت على معلومات مغلوطة، وهناك دراسة من إعداد منظمة أن دي بي تقول أن لدى لبنان فائضاً من المياه الجوفية يفوق حاجاته. وبالتالي لسنا بحاجة لإقامة السدود. إنّ خطة السدود مشروع فاشل مبني على معلومات خاطئة، بعد ما ثبت أن الأراضي اللبنانية غير صالحة لإقامة السدود، فلنوقف التدمير العشوائي لطبيعتنا. ختم أبي راشد

نمر لـ الضّحى مرج بسري هو أسوأ المناطق لإنشاء سد لتجميع المياه

أكّد الخبير الجيولوجي طوني نمر لـ ، أنّ مرج بسري هو أحد أسوأ المناطق لإنشاء سد لتجميع المياه، والسبب وجود فالقين أدّيا إلى زلزال 1956، وأنّ تحذيرنا ينطلق نتيجة دراسة علمية، كاشفاَ عن اجتماع عقده مع رئيس اللقاء الديمقراطي النائب تيمور جنبلاط والنائب وائل أبو فاعور لوضعهما في صورة الأمر، واستحالة إقامة السد في بسري، كما أطلع رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط على الدراسة التي أعدّها بهذا الخصوص، فكان مقتنعاً بها. نمر عزا إصرار فريق السلطة على تنفيذ المشروع بالقول: يبدو أنهم يريدون دخول التاريخ من الباب الخطأ، مُحاذراً الدخول في السياسة، لكن هناك من يصرّ على المشاريع الكبيرة، والدليل خلط مياه بسري بمياه بحيرة القرعون التي يستحيل تكريرها لشدة تلوثها، وقال حتى ولو أنّ البنك الدولي قام بسحب التمويل، فإنَّ هؤلاء يصرُّون على تنفيذ هذا المشروع، حتى ولو أدى ذلك إلى الاعتصام والتظاهر شارعاً مقابل شارع، لا فرق بالنسبة لهم. نمر رأى أنّ خطورة المشروع أكبر بكثير عن منفعته. وقال: لا يجوز على الإطلاق تنفيذ هكذا مشروع في مرج بسري، وكلّ الدراسات تشير إلى مخاطر تنفيذه الذي سيكون أشبه بقنبلة موقوتة ستصيب شظاياها كلّ المنطقة لتصل إلى بيروت والضاحية. وقال: مشكلتنا في هذا البلد أنّ فريق السلطة يريد تنفيذ مشاريع غِبّ الطلب، كاشفاً أنّ أحد أعضاء ما يُسمّى باللجنة المستقلّة، وهو خبير تركي ولديه خبرة بالزلازل، لكنه مع الأسف داخل بصفقة فساد مع مجلس الإنماء والإعمار وقدم دراسة، ولكونه عضواً في اللجنة المستقلة، لا يحق له تقديم الدراسات وكتابة التقارير. ما يوحي أنّ هناك رائحة فساد كبيرة جدّاً، داعياً المعترضين على المشروع التمسك بمواقفهم ومطالبهم المُحقّة حماية لمستقبلهم ومستقبل أولادهم. لأن السّد هو بمثابة قنبلة موقوتة، والمطلوب رفض المشروع ورفض حوار الطرشان. فالحوار على ما يبدو جاء متأخّراً، ونحن أصبحنا نعرف كيف يتصرفون. لكن الموضوع برأيه أكبر من هذا التفكير بكثير، فالدمار الذي قد يخلفه انفجار السد سيكون أكبر من دمار إسرائيل للبنان في عدوانها عليه من العام 1978 حتى حرب تموز في العام 2006. فالزلزال الذي قد يحصل بلحظات سينتج عنه دمار هائل، داعياً إلى التنبّه لهذا الأمر.

نصّور: البنك الدولي يعرف الحقائق

منسّق حملة الحفاظ على مرج بسري المهندس رولاند نصّور، وصف لـ الضّحى الاعتصام الذي دعت إليه حملة الحفاظ على مرج بسري أمام البنك الدولي بالجيدة جدّاً، إنْ لجهة الحشود المشاركة، أو لجهة المواقف التي أعلنت من أمام مقر البنك الدولي. لقد أكد المعتصمون رفضهم المطلق إعطاء المهل للحكومة، وطالبوا البنك الدولي بعدم الوقوف مع السلطة ضد الأهالي، وتحميله مسؤولية ما يجري، والتأكيد على أنه ملزم بأن يخضع لإرادة الشعب اللبناني والمجتمع المحلي وضرورة إلغاء القرض المُعَد لبناء السد فوراً، وتحويله إلى أمور إنسانية تتعلق بمساعدة المواطنين المحتاجين في هذه الظروف الصعبة، كاشفاً عن انحياز واضح من قِبل البنك إلى جانب السلطة، مستغرباً كيف أنّ البنك الدولي يعرف الحقائق تماماً ويجافيها. وقال: إنّ حملة الحفاظ على مرج بسري بصدد تقديم شكوى ضد تشريع سياسات الفساد التي تضر بلبنان وتدمر البيئة بشكل عام.

أبو كروم: تقدمنا باسم اتحاد البلديات وبلديات المنطقة ومخاتيرها والمجتمع الأهلي بكتاب إلى البنك الدولي تضمَّن كل الأسباب التي دفعتنا للاعتراض على مشروع السد

رئيس اتحاد بلديات الشوف السويجاني المهندس يحيى أبو كروم كشف لـ الضّحى عن تقديم كتاب مُسهب إلى البنك الدولي يقع في 17 صفحة باسم أتحادَي بلديات الشوف السويجاني والشوف الأعلى، وكل البلديات المحيطة بمرج بسري والمخاتير والمجتمع الأهلي ويحمل تواقيع أكثر من 200 شخص، شرحوا فيه كل الأسباب التي دفعتهم للاعتراض على مشروع السد من زاوية علمية بحتة، بعيداً عن التسييس والمزايدة بعد أن تأكد لهم بالملموس خطورة إنشاء السد في مرج بسري، مستندين في تعليل الأسباب على دراسات علمية وآراء مجموعة من الخبراء الجيولوجيين المشهود لهم بالخبرة والمعرفة، وما يتميزون به من استقامة في العمل. وهذا بعض ما جاء في مقدَّمة الكتاب:
حضرة السادة البنك الدولي المحترمين
نخاطبكم اتّحاد بلديات وبلديات ومخاتير تمثل السلطة المحلّية المنتخبة، لنعرض عليكم اعتراض مئات آلاف من المواطنين القاطنين ضمن نطاق سلطتنا المحلية المنتخبة ديمقراطياً، لإنشاء سد بسري، والذي أدى بسبب مكابرة السلطة السياسية المشكوك في أدائها، لتحويل هذا الاعتراض إلى موجة عارمة ضد إنشاء هذا السد، الذي طلبت الحكومة اللبنانية من البنك الدولي وسواه من المموِّلين قروضاً بكلفة ستقارب المليار ومئتي مليون دولار أميركي.
شكل مشروع إنشاء سد بسري منذ إقرار قانون إنشائه بالمجلس النيابي، وتوقيع الحكومة اللبنانية اتفاقية القرض مع البنك الدولي وغيره من الممولين، مادة تجاذب وخلاف حاد بين اللبنانيين. وقد كان لجمعيات المجتمع المدني والناشطين والاختصاصيين دور هام لتوضيح مخاطر إنشاء هذا السد، من خلال الآراء والدراسات التي تم نشرها، فتغيرت مواقف كتل نيابية وازنة في البرلمان التي تبيّن لها أن موقفها السابق بُني على معلومات مغلوطة قُدِّمت من مؤسسات وأجهزة حكومية ورسمية. ومع ما ترافق ذلك من غموض في الإجابة على الأسئلة التي طرحتها السلطات المحليّة من بلديات على وزارة الطاقة ومجلس الإنماء والإعمار، الأمر الذي أدّى إلى إعلان رفض البلديات للمشروع وسحب موافقتهم الأولية عليه والتي كانت مشروطة أصلاً بتقديم أجوبة واضحة وصريحة على مخاطر إنشاء هذا السد ومبرّرات السير به. نضيف إلى ذلك أن التطورات الأخيرة في لبنان والضائقة الاقتصادية، وخطر انهيار لبنان مالياً واجتماعياً، من جرّاء سياسة الإنفاق غير المجدي وسياسة هدر المال العام التي عبر المواطنون عن رفضها وإدانتها، من خلال اعتراضهم السلمي في تظاهرات واعتصامات حاشدة تمثّلت بحراك الشعب اللبناني منذ 17 تشرين الأول من العام المنصرم، تحت عنوان محاربة الفساد وهدر المال العام بمشاريع غير مجدية، وفقدان الشفافية في المناقصات لمصلحة نافذين في الدولة، ومن خلفهم بعض المتعهدين. فاعتُبِر مشروع سد بسري في طليعة هذه المشاريع.

العشّي: الملف في عهدة أبو كروم وأتابع الموضوع مع بلديَّتَي عمّاطور وباتر

رئيس اتحاد بلديات الشوف الأعلى روجيه العشي كشف لـ الضّحى، أنّ ملف سد بسري هو في عهدة زميله المهندس يحيى أبو كروم، وهو على تنسيق مستمر معه، ومع رئيسَي بلديتي عماطور وليد أبوشقرا، وباتر رائف صافي، نظراً لحجم الأملاك والعقارات العائدة لبلدتيهما في مرج بسري.

أبو شقرا: عمّاطور تملك 33 بالمئة من مساحة الأرض التي كان سيقام عليها السَّد

رئيس بلدية عمّاطور وليد أبو شقرا تحدث لـ الضّحى، عن العديد من الذكريات الحلوة لأهالي عماطور في مرج بسري، تعود لمئات السنين وتُعتبر جزءاً مهمّاً من تاريخها، كاشفاً أن خراج عماطور يصل إلى بْحَنِّين في قضاء جزّين. وأنّ 33 بالمئة من مساحة الأرض التي سينشأ عليها السد تعود ملكيتها لأهالي عمّاطور. وقال: نحن في الجبل جزء من هذا المُكوَّن ومعارضتُنا لإنشاء السَّد تنطلق من دراسات علميّة.

ايضاح:
هذا التحقيق أنجز قبل اعلان البنك الدولي تخليه عن تمويل مشروع السد.

عين داره

– من يحاول تشويه طبيعتها وسلخها عن محيطها الحيوي؟
– بدر لـ الضّحى: سنجعل من عين داره درة هذا الجبل
– نعمل على منع التعديات البيئية التي تستهدفنا بكافة الوسائل المتاحة
– لدينا من المعالم الطبيعية والآثار ما يجعل عين داره محط جذب لعشاق السياحة والمشي في الطبيعة
– الأخطار البيئية الناجمة عن المحافر والكسارات ألحقت الأذى بالسكان وجعلتهم عرضة لأمراض السرطان
– نسعى لتوأمة عين داره مع مؤسسات داخلية وخارجية
– نعمل على استحداث بوابة لمحمية أرز الشوف انطلاقاً من جبل عين داره وإنشاء درب للمشي في الطبيعة على رؤوس القمم الجبلية

شكلت بلدة عين دارة في جرد قضاء عاليه في ما مضى وعبر التاريخ اللبناني القديم والحديث، نقطة التقاء، وعقدة وصل، ومحط ترحال القوافل والقادمين من الشرق الى الجبل والساحل اللبناني، أضف الى الحملات العسكرية والغزوات المتكررة على هذه المنطقة منذ ما قبل الفتح العربي وبعده، وتسلسل حكم الإمارتين الأرسلانية والتنوخية أيام المماليك، مروراً بالإمارتين المعنية والشهابية، وصولاً الى حكم المتصرفية وما سبقه من تدخلات أجنبية قادت إلى نهاية إمارة الجبل واستبدالها سنة 1842-1845 بنظام القائمقاميتين، الذي أخفق بدوره بعد خمسة عشر عاماً ليستبدل سنة 1861 بنظام حكم جديد هو متصرفية جبل لبنان الذي استمر حتى مطلع الحرب العالمية الأولى.
ما يميز عين دارة عن غيرها من القرى الجبلية موقعها الجغرافي المحاذي لظهر البيدر الممر الطبيعي الذي كان يربط دولة المشرق العربي بسواحل هذه الإمارة الممتدة من طرابلس شمالاً الى صيدا وصور وعكا وصولاً الى عكا فمدينة العريش جنوباً.
تشترك عين دارة وباقي القرى والبلدات الجبلية بجمال موقعها في السفح الشمالي لجبل الباروك المطل على عدد من قرى قضائي الشوف وعاليه؛ إلا أن ما يميّزها هو موقعها المحاذي لطريق ظهر البيدر – الأوتوستراد العربي الذي يتجه شرقاً صوب شتورا ثم الحدود السورية اللبنانية، إضافة الى وجودها في منطقة وسطية وقربها من العاصمة بيروت ومركز القرار الإداري في بعبدا وعاليه، فالمسافة التي تفصلها عن الدامور في ساحل الشوف هي نفسها التي تفصلها عن جونية في ساحل كسروان. فضلاً عن محبة أهلها لها، ارتباطهم الوثيق بها، وإصرارهم على عدم هجرها لا صيفاً ولا شتاءً، ولعلها من بين القرى اللبنانية القليلة التي جرى إدخالها في التراث الغنائي «الدلعونا»

يا طير الطاير من فوق عين داره سلم ع الحلوة بعتلا إشارة
قلاّ محبوبك عمرلّك حارة دار شبابيكا صوب بحمدونا

ولكن عين دارة تعيش منذ فترة معاناة خطيرة وذلك بسبب المحافر والكسارات التي تنهش جبالها، وما خلفته من ضرر بيئي عليها طوال العقود الثلاث الماضية يظهر جلياً في التدمير الذي حصل للجبال، والتصحّر للأودية. تشهد البلدة منذ سنوات معركة وجود بين الحق والباطل، بين حقها المشروع في حماية مشاعاتها وأملاكها العامة التي تصر البلدية والأهالي على حمايتها برموش العين، وبين من تعوّد استباحة الملكيات العامة وتحويلها إلى مشاريع تجارية خاصة ومشبوهة؛ كما حدث مع «معمل الموت» للإسمنت لأصحابه آل فتوش، والذي جرت محاولة نقله إلى خراج بلدة عين دارة، بعدما لفظه ورفضه أهالي زحله وأمكنة أخرى في البقاع. تمّ نقل المشروع الى جوار محافر التيفينول والكسارات التابعة لهم في جبل عين دارة في ظهر البيدر. واللافت أن بعض المتنفذين في الحكم وخارجه، وقفوا إلى جانب المشروع متناسين رفض أهالي عين دارة الشامل ومعهم منطقة الجرد بأكمله، وأصروا على نقل المعمل إلى خراج البلدة وما يحمله من مخاطر على البيئة الطبيعية وخزانات المياه الجوفية، ومن تشويه لجمال البلدة. رفضت البلدية والأهالي رفضاً قاطعاَ بإنشاء المعمل في خراج بلدتهم، لعلمهم بالأثار الكارثية لمعمل الموت وخطره على المياه الجوفية التي خلفتها هذه المحافر وما يستخدم من وسائل التفجير والديناميت الفتاك لتفتيت الجبل. ووقاد ضغطهم إلى إصدار قرار قضائي بالمنع مازال سارياً حتى الساعة.

لمحة تاريخية

كثرت التفسيرات حول المعنى الحقيقي لـ كلمة «عين داره». هناك مراجع تفيد أنها مركبة من اسمين «عين» تعني نبع ماء، و»دارة» المكان المنبسط. وهناك تفسير آخر يرى أن الاسم هو تحريف لاسم القائد الفارسي داريوس، الذي حارب الإسكندر في معركة إيسوس سنة 332 ق.م. ويقال إنه حطّ رحاله في هذا الموقع قبل تقدمه باتجاه صيدا وصور. وهناك تفسير ثالث يقول: أن عين دارة، كلمة سريانية تعني بلاد الحرب. هناك تفسير رابع يقول: أن القرامطة بعد نزوحهم من الإحساء في شبه الجزيرة العربية الى لبنان وسورية، أطلقوا اسم عين دارة في هذا المكان إحياء لذكرى بلدتهم التي تحمل نفس الاسم. ما يعني أن عين دارة قديمة قدم الزمن، ولقد ورد اسمها في العديد من المراجع التاريخية ومنها:
كتاب تاريخ الأسر في جبل الشوف، من خلال مخطوط قديم حققه وقدم له المحامي سليمان تقي الدين، شاركه فيه المؤرخ نائل أبو شقرا وفيه إشارة الى أن الذين عمروا عين دارة وسكنوها، هم من بني الفوارس ومطوع، وبني الشاعر ومسعود. ومنها انتقلوا إلى كفرمتى، وبيصور وعبيه. في محيط عين دارة لجهة الشمال الشرقي كانت تنتشر مجموعة قرى ما زالت آثارها قائمة الى اليوم وهي: تفحتي، عين الملسي، والرخيصة، وتيروش وأحياناً تكتب طيروش، وفيها بقايا معبد قديم الى جانب المقصلة التي تعرف بـ «المشنقة».
ويشير المرجع عينه الى الطوفان الذي حلّ بمنطقة الجرد يوم الأثنين في الثاني والعشرين من شهر ذي الحجة من سنة ثلاثة وستين وتسعمائة من الهجرة النبوية 963 هجرية الموافق 1556 ميلادية بالقول: يومها قدّر السميع المجيب بحصول طوفان وسيولة هائلة غمرت نهر الجوايب وهو متصل بنهر الصفا فجرف معه كل ما وجد من أملاك وأشجار مثمرة وغيرها، ما لا أحد يحصيه، كما جرف طاحونة الشيخ زين الدين القاضي، وهو ابن الشيخ بدر الدين القاضي العنداري، ولدى بلوغه نهر الصفا أخذ بطريقه طاحونة الشيخ بدر الدين العنداري التنوخي من بيصور الذي كان يسكن في عين دارة.
وهناك مراجع أخرى تقول أن عين دارة موجودة من أيام الرومان. وكانت مركزاً لاستخراج الحديد والخزف، ولقد عمروا فيها مسابك للحديد، وهناك ناحية لاتزال تعرف بخلة المسبك، وهي قائمة الى الآن.
لذا، من الواضح أن عين داره بالنظر لموقعها في أعالي منطقة الجرد وبالقرب من الطريق التي تربط دمشق بإمارة جبل لبنان والساحل اللبناني، شكلت المحطة الأولى لسكن القبائل العربية اللّخمية والمناذرة والتنوخية التي قدمت الى لبنان وبالتحديد الى الشوف والغرب بتوجيه من الخليفة أبو جعفر المنصور لحماية الثغور وصدّ غزوات الروم عن المدن الساحلية، ومنها توزعوا على سائر القرى الجبلية.

د. منير عطالله: عين دارة دائماً …يداً واحدة

الباحث والأستاذ الجامعي الدكتور منير عطا الله كشف في حوار مع «الضّحى» أن عين دارة قائمة من أيام التنوخيين، وقبل أن تتحول الى اسمها الحالي كانت تدعى تيروش، وتقع الى الشرق من البلدة اليوم، وبسبب الصقيع والثلوج وصعوبة العيش اضطر سكانها الى النزوح باتجاه منطقة «الرخيصة» حيث عين داره اليوم. وفي مطالعة تاريخية له عن تلك الحقبة أورد عطا الله أنه وبعد توالي الهجرات من شبه الجزيرة العربية الى بلاد الرافدين، أسسوا في العراق مملكة الحيرة والمملكة اللّخمية وكانوا يتبعون الفرس الغساسنة. وبعد معركة القادسية وانتصار العرب على الفرس انتهت دولة اللخميين وانهزم الفرس، ونزحوا باتجاه الشرق فهرب قسم كبير من اللخميين باتجاه وادي الفرات فوصلوا الى حلب. ولما كانوا في الحيرة كانوا على المعتقد النمطي، ويقولون بالطبيعة الواحدة للسيد المسيح. وبعدما هزموا على أيدي البيزنطيين أيام الإمبراطور جوستنيانوس الأول، انتقلوا الى شمال حلب وأقاموا فيها بعد أن تحولوا على الطقس السني. وعن إعمار عين داره كشف عطا الله عن روايتين، الأولى: للأستاذ نديم حمزة في رسالة الماجستير، يذكر أن التنوخيين تم استدعاؤهم من قبل العباسيين بالتوجه الى الأماكن المطلة على الساحل اللبناني لحماية الثغور، إثر اشتداد الصراع بين العباسيين والبيزنطيين فمروا بـ تيروش، ثم انتقلوا منها الى «الرخيصة «حيث عمروا عين داره اليوم. الثانية للمؤرخ محمد علي مكي تقول إن القرامطة هم من عمر عين داره سنة 905 ميلادية. وذلك بعد احتلال سورية الطبيعية، وتسمية عين داره جاءت نسبة الى بلدتهم عين داره في منطقة الإحساء. لكن الدكتور عطا الله يستدرك ليقول القرامطة مكثوا في عين داره فقط أربع سنوات ما يعني أن هناك شك أن يتمكنوا من إعمارها في هذه المدة القصيرة. ويشير الى ما كان قد لفت إليه مدير الآثار السوري علي أبو عساف في كتابه عن الممالك الآرامية الذين نزحوا من الشمال الغربي لمدينة حلب، الى إحدى ضفاف نهر عفرين وكان يوجد بالقرب منه موقع أثري يدعى عين داره فكان مقصداً لهذه الجماعات التي توطنت بالقرب منه. ومن هناك اتجهوا الى حمص مروراً بوادي العاصي وصولاً الى سهل البقاع، وكان أقرب قاطع جبلي يصلون منه الى منطقة الغرب، كان قاطع ظهر البيدر وسهل المغيثة، واتجهوا من هناك الى عين داره عبر هذا الممر الذي أنشئت عليه فيما بعد سكة الحديد. وذّكر بأن أول شيخ عقل للطائفة الدرزية كان الأمير بدر الدين العنداري خال الأمير فخر الدين المعني الثاني، ويقال إنه كان فتياً، حفظ العلوم وقضى في عين داره، ومدفنه ما زال قرب منزل الأستاذ جميل يحي وهو عبارة عن غرفة صغيرة، فيها ضريح الأمير بدر الدين العنداري. والمعطيات التاريخية تقول أنه كان بزيارة أقربائه فوافته المنية هناك. ونقل جثمانه الى أعبيه ودفن قرب ضريح الأمير السيد قدّس الله سره. ولفت عطا الله أن معظم تلامذة الأمير السيد كانوا بغالبيتهم من عين داره. ويروى عن الأمير السيد الذي توفي سنة 1470 لدى مروره بعين داره التي وصلها بعد مغيب الشمس قادماً من دمشق، أستقبله أهالي عين داره بمشاعل «اللقش» فاستغرب الأمر لأن الزيتون لا يعيش في عين دارة بسبب الصقيع وتساقط الثلوج باستمرار في الشتاء. ولهذا السبب أدرج في وصيته كرم الشاغور الكائن في صحراء الشويفات لدروز عين داره، وما تبقى فيه من أشجار تين وحطب يكون من نصيب العائلات المسيحية للاستفادة منه في فصل الشتاء؛ لافتاً الى إحدى الحجج القديمة التي نصّت على اقتسام عين القاقبة الكائنة قرب البيت الأثري لآل عطا الله. والجدير ذكره أن ساحة آل العقيلي آلت الى آل عطا الله بعد انتقالهم من البلدة. أم الشخص الذي عمر المنزول فهو أحد امراء آل علم الدين ويدعى مظفر العنداري شقيق الأميرة خاصكية الزوجة الثانية للأمير فخر الدين المعني الثاني الكبير. وهو الذي رافق الأمير فخر الدين الى الشمال في حربه ضد آل سيفا، وهو الذي عمر أيضاً بوابة آل عطا الله.
وعن قدوم العائلات المسيحية الى عين دارة يقول عطا الله أن سكن المسيحيين في عين دارة وغيرها من القرى الجبلية مرتبط بالاتفاق الذي تم بين الأسر الإقطاعية الدرزية على تسهيل مجيء المسيحيين من الشمال الى جبل لبنان الجنوبي وذلك بحدود سنة 1580 بعد الهجوم العثماني على الإمارة المعنية ومعركة عين صوفر الشهيرة ومقتل الأمير قرقماز والد الأمير فخرالدين المعني الثاني الكبير، لافتا الى أن آل بدر مثلاً قدموا الى عين دارة من تنورين، وهم فرع من آل طربيه وآل الحداد قد يكونوا موجودين في البلدة قبل آل بدر. وهم يرتقون في الأصل الى بلدة بطمة الكسروانية، ولا نعرف إذا كان هناك من رابط بينهم وبين آل الحداد في بطمة الشوف.
عطا الله لفت الى تقهقر البلدة وتراجع الحياة فيها بسبب الهجرة الكثيفة من سكانها الدروز والمسيحيين للانتقال الى المدن الساحلية وارتباط البعض منهم بالوظائف أو بالمصالح الخاصة التي تحول دون الإقامة الدائمة في البلدة، فتراجع سوقها التجاري بشكل ملحوظ لصالح سوق العزّونية الذي يربط العزّونية بصوفر عن طريق المقام الشريف، والاستغناء عن سلوك طريق عين داره – المديرج.
وقد حافظ أهالي عين دارة على التعايش المسيحي – الدرزي في البلدة في كل المفاصل التي مرّ بها لبنان، بجهود المخلصين من الطائفتين ما فوت الفرصة على المتآمرين وحيّد البلدة من تجرع هذا الكأس المرّ. كذلك كانت عين دارة يداً واحدة في مواجهة العدوان الإسرائيلي سنة 1982، فلم تدخل القوات الإسرائيلية بل بقيت قبلها بكيلومترات عدة بعد معركة نبع الصفا التي تكبد الإسرائيليون فيها خسائر في الرواح والعتاد، ولم يحاولوا مرة ثانية التقدم باتجاه عقدة المواصلات الرئيسية في المديرج.

بدر- عين داره درة الجبل

رئيس بلدية عين دارة العميد المتقاعد مارون بدر لخص في حوار شامل مع «الضّحى» معاناة البلدة من فوضى المقالع والكسارات، والمحافر الرملية القائمة في نطاق البلدية، من تخوم بلدة بمهريه الى الحدود مع بلدة قب إلياس البقاعية، وصولاً لخراج قرية عميق البقاع، وظهر البيدر والمديرج وحمانا من الناحية الشمالية واعداً بجعل عين دارة درة جبل لبنان.
فمن ناحية الموقع والجغرافيا وعدد السكان، أشار بدر أن مساحة المدى الحيوي لـ عين داره تبلغ 33 مليون متر مربع. ويتراوح ارتفاعها عن سطح البحر ما بين 1250 م الى 1500م. بينما الجبال المحيطة بها فيبلغ ارتفاعها 1950م. كما أن حدودها الشرقية الشمالية تصل الى خراج بلدتي قب إلياس وعميق البقاعيتين، ومن الشمال الغربي تصل الى خراج بلدتي حمانا وفالوغا. ومن الغرب الى حدود صوفر وشارون. ويحدها من الجنوب العزونية وبمهريه ومشقيتي. وهي تشكل نقطة وسطية لكافة المحافظات. وتبعد عن بيروت 35 كلم، وعن زحلة 20 كلم، وعن الدامور 30 كلم، وعن بعبدا 25 كلم.
عدد سكانها الإجمالي يتراوح بين 12ألف نسمة و15ألفاً، والمسجلين على لوائح الشطب 4500 ناخب.
عائلاتها: بدر- حداد- يمين- زيتوني- أبو فيصل- عطاالله- هيدموس- يحي- فيصل- زكريا وهبي. وهم من المسيحيين والدروز. ويصف بدر عين داره ببلدة التعايش الحقيقي المتوارث أباً عن جد، ممارسة وليس كلاماً. ولم تحصل فيها ضربة كف واحدة طيلة الحرب الأهلية. فالعلاقات الاجتماعية بين أهاليها على أفضل ما يرام. ويتناقص عدد السكان شتاء ليصل الى نسبة 50 في المئة بسبب انتقال بعض العائلات الى المدن الساحلية.
تقع عين داره ضمن نطاق محمية أرز الشوف، أول بلدية تشكلت فيها كانت في العام 1920، وهي تمتاز اليوم بشوارعها المرقمة وأسماء أحيائها. وتضم أربعة مدارس، واحدة رسمية ومدرستين خاصتين، وثانوية تستوعب طلاب البلدة والقرى المجاورة. وفيها خمسة كنائس وستة قيد الإنشاء. ويشكل الموارنة 55 في المئة من سكانها المسيحيين. وهي محصنة ضد الأعاصير والسيول الجارفة التي تحصل عادة في الشتاء. وإن عملية الإنماء فيها من أولويات اهتمامات المجلس البلدي، وهي تجري على قدم وساق وفق الإمكانيات المادية المتوفرة، فمن أصل مليار ونصف المليار ليرة رسوم القيمة التأجيرية، لم تستوف البلدية منها سوى ستة ملايين ليرة. ولديها أكثر من مئة مليار ليرة بدلات رسوم عن المحافر الرملية والكسارات لم يدخل الى صندوق البلدية منهم شيئاً والموضوع أصبح في يد القضاء.
في موضوع السدّ المزمع إنشاؤه شرق البلدة، لفت بدر الى وجود اعتراضات كثيرة عليه من قبل الأهالي، والأمور ما زالت قيد الدراسة. لافتاً الى وجود تباين مع بلدية بمهرية حول المساحة وترسيم الحدود بين البلدين. معتبراً الخلاف على المقالع والكسارات والمحافر الرملية، بأنه مشكلة بيئية قديمة، بسبب الفوضى التي حصلت خلال الأحداث والتدخل السوري مع بعض المنتفعين والمتنفذين بسبب استحصالهم على تراخيص مخالفة للقوانين ومن دون تحديد مهل قانونية وعدم الاستفادة من الرسوم. فالعمل فيها يجري بطريقة عشوائية غير منضبطة أدى في نهاية المطاف الى تدمير كارثي لطبيعتها. وقد ساعد على ذلك الفساد الإداري المعروف في دوائر الدولة. كما حصل تهريب لكثير من الأراضي المشاعية وتحويلها الى أملاك خاصة، ما أدى الى تلك الفوضى القائمة، والتشوهات التي أضرّت بالبيئة والطبيعة. وهو ما جعل مالكو الكسارات لا يتقيدون بالشروط البيئية وشروط المخطط التوجيهي للمقالع، ما أوجد خلافات كثيرة وغير مبررة في التعدي على الطبيعة. وإننا في البلدية تقدمنا بشكاوى الى الوزارات المعنية، لوضع حد لهذه الفوضى المستشرية في جبلنا لفرط ما أصيب من أضرار جسيمة في الشجر والبشر. وذّكر بدر أن عين داره، كانت تنتج في الماضي ما يزيد عن مئتي ألف صندوق من التفاح والكرمة والفواكه المختلفة، التي كانت تعتر مصدر الرزق الأساسي لغالبية الأهالي. أما اليوم فقد تقلص الإنتاج الى بضعة آلاف فقط. كما أن التلوث الموجود أثر بشكل واضح على السلامة العامة، و على صحة الناس. تجلى ذلك بالارتفاع المتزايد بنسبة الوفيات، والمصابين بالأمراض الصدرية والسرطانية والهضمية، وضيق التنفس. لافتاً الى العديد من الينابيع التي نضبت جراء التفجيرات التي تحصل بصورة مستمرة. منها على سبيل المثال عين الشتوية الشهيرة. وذلك بسبب الفوضى وعدم الرقابة للمواد المتفجرة التي تستخدم لاستخراج البحص والتيفينول والرمل.
وأكد بدر، أن كافة الكسارات والمرامل اليوم متوقفة عن العمل بقرارات قضائية، متمنياً أن تبقى إجراءات وقف العمل سارية المفعول بسبب الأضرار التي حصلت في السابق.

معمل إسمنت الأرز

بالنسبة لمعمل «اسمنت الأرز» الذي يخص بـعض الجهات النافذة. أوضح بدر أن هذا المعمل حصل على ترخيص من وزارة الصناعة في العام 2015 جراء تقاعس من البلدية السابقة، وعدم تصديها لهذا المشروع بالشكل المطلوب، كاشفاً أنهم اليوم في مرحلة صراع قضائي مع ا صحاب المعمل والجهات التي تقف وراءهم. وقال: منذ فترة ليست بعيدة استحصلت البلدية على قرار من وزارة الطاقة بعدم قيام أية إنشاءات في المنطقة من(كسارات – مرامل – مصانع وخلافه) تحت طائلة المسؤولية، قبل إجراء دراسة بيولوجية للمنطقة.
على صعيد المحافر أكد بدر أن البلدية أوقفت ذلك منذ ثلاث سنوات، ورغم ذلك يوجد تهريب لكن البلدية جادة بالتصدي لجميع المخالفين.
وعلى صعيد الخطوات المستقبلية لإزالة الضرر البيئي، أوضح بدر أن البلدية بصدد القيام بالعديد من النشاطات البيئية ومنها: درب القمم، وتشمل الجلوف الصخرية على أنواعها، وفي التلال ورؤوس القمم والغابات. وتسعى البلدية بالتنسيق مع محمية أرز الشوف الى استحداث بوابة ثالثة للمحمية انطلاقاً من عين داره. والقيام بورشة تشجير شاملة في مكان الكسارات والمحافر لإزالة التشوهات، وإقامة متاحف لمشاهدة تلك الأضرار، وبناء شاليهات وبيوت سياحية، ومعمل للنبيذ ومعملين للمياه.

المعالم الأثرية

العميد بدر لفت الى غنى عين داره بالمعالم الأثرية، مشيراً الى وجود قريتين أثريتين قديمتين ضمن خراج عين داره. وهما: اليهودية وتيروش، ولاتزال آثارهما باقية الى اليوم، ومنها بقايا معبد روماني ومشنقة في تيروش. كما يوجد فيها ثلاثة عيون ماء أثرية، وبعض الجسور، من بينها جسر وادي الدبور، وجسر الجعايل. وأعتبر بدر أن الوجود المسيحي في عين داره يعود لأيام الرومان والصليبيين. وهي تضم مجموعة كنائس أبرزها كنيسة مار جرجس. وهناك مراجع كثيرة تتحدث عن الدور الكبير لمشايخ آل عطا الله في البلدة والمنطقة المجاورة، وإن أملاكهم التي تصل الى رياق في البقاع تشهد على ذلك. كاشفاً عن العديد من المشاريع المنوي تنفيذها، وأبرزها التوصل الى نوع من التوأمة بين عين داره وإحدى المؤسسات الداخلية أو الخارجية، بهدف تنفيذ مشاريع إنمائية تعود للصالح العام في البلدة. وإن البلدية ضمن الإمكانيات المتاحة تعمل على صيانة الطرقات العامة والداخلية، وبناء جدران دعم، والمحافظة على السلامة العامة. وهي بصدد إنشاء العديد من المشاريع التجميلية، ومنها حديقة للجيش تحت اسم ساحة الجيش، على أن تتحول الى حديقة عامة. بالإضافة الى تحسين مداخل البلدة، واستكمال مبنى البلدية، وإنشاء ملعب رياضي يشمل كل الألعاب الرياضية، وتزويده بكل المعدات اللازمة. ومن ثم الشروع بورشة تحريش الأماكن التي تعرضت للضرر البيئي بأغراس الصنوبر والأرز، ومتابعة كافة الأمور المتعلقة بحقوق البلدة المالية، والإدارية، والقضائية. وإعادة تأهيل أرشيف البلدية، وصيانة الشبكات الكهربائية والمائية.
ومن أعلام عين داره النائب الراحل شفيق بدر والعديد من الشخصيات المعنوية من عسكرية وسياسية ودينية وفكرية واقتصادية وإعلامية وثقافية وفنية ونسائية.

يمّين: إبقاء الوضع على ما هو غير مقبول

مختار عين داره شربل يمّين أوضح لـ «الضّحى» أن مشكلة المرامل والكسارات في عين داره هي في الأساس سياسية، وإن بعض الأحزاب النافذة والجهات التي تقف وراءها كانت المستفيد الأول من هذا الموضوع، بسبب الفوضى وتزوير الحجج فأصبح من لا يملك شبر أرض في جبل عين داره أصبح بين ليلة وضحاها من الأثرياء ومن أهل الحل والربط. فقاموا بمسح مئات الوف الأمتار وبلغ سعر المتر الواحد 20 دولاراً. وأصبح عدد الكسارات 25 كسارة، وما يقارب هذا العدد من المرامل والمحافر نتج عنها هذا التشويه المخيف لطبيعة البلدة، عدا عن الأضرار البيئية التي لحقت بها. هذه الأضرار الجسيمة ما كانت لتحصل لولا تورط رئيس البلدية سامي حداد والسماح بالإمعان بهذه التعديات. وطال يمين بعدم تحميل آل فتوش وحدهم مسؤولية ما جرى، وهو لا يمانع من إنشار مصنع إسمنت الأرز شرط أن تلتزم الجهة المشغلة بدفع رسم معين للبلدية لا يقل عن 200 ألف دولار كحد أدني وتشغيل أثر من 600 شخص من أبناء عين داره والقرى المجاورة. على أن يخضع هذا المصنع لمراقبة وزارة البيئة. مطالباً الالتزام بدفتر شروط معين يلزمهم التقيد به، لأن بقاءها بهذا الشكل غير مقبول.

عطا الله: عين داره كانت صفاً واحداً في التصدي لمعمل الموت

عضو لجنة الأوقاف في المجلس المذهبي والناشط البيئي والاجتماعي الأستاذ رياض عطا الله أوضح لـ «الضّحى» عن الميزة الاجتماعية التي تتحلى بها البلدة لجهة العلاقات الاجتماعية الوثيقة التي تربط أهالي الضيعة من الطائفتين المسيحية والموحدين الدروز فيما بينهم وتمسكهم بصيغة العيش المشترك والحفاظ على التقاليد والعادات الاجتماعية الأثيلة في ممارسة الواجبات الاجتماعية. كما لفت الى أن البلدة كانت تشتهر قديما بزراعة أشجار التفاح ولكن مع مرور الزمن وانتقال العديد من الأهالي الى المدينة تضاءلت هذه الزراعات ولكن في الوقت الحاضر هناك اهتمام من قبل شباب الضيعة أكثر في الأرض.
كذلك اضاء على موضوع التشوه البيئي الذي أحدثته الكسارات الموجودة في جبال البلدة ووقوف أبناء البلدة صفاً واحدة ضد الكسارات لما لها الموضوع من آثار سلبية على البلدة وعلى الثروة المائية.
وتابع الاستاذ رياض عطالله أن عين دارة كانت صفًاً واحداً بلدية ومخاتير وعائلات في التصدي لمعمل الموت الذي أراد اصحابه تحقيق الربح المادي على حساب صحة الأهالي لا في عين دارة فقط ولكن في المنطقة وخارجها… إذ الموقع هو مكان تجمع الثلوج اي للمياه وإذا اختلطت المواد السامة فيعني تسميم الينابيع، وتعميم كل أنواع الأمراض، السرطان وسواه، على أهالي منطقة لا يقل عدد سكانها عن ٥٠ ألف نسمة…. ونحن نشكر كل من تضامن معنا في التصدي لمعمل الموت… ونشكر مجلة الضحى لإضاءتها على هذا الموضوع.

هيدموس نطالب وزارة البيئة بمشروع إصلاحي

رئيس بلدية عين داره الأسبق فؤاد هيدموس لفت في حديث لـ الضّحى أن الدراسات التي قامت بها وزارة البيئة مهمة جداً لكن تنفيذها متوقف بسبب الأوضاع التي يمر بها البلد. ولا مانع لدينا بإنشاء محمية خاصة بـعين داره أو ضمها لمحمية أرز الشوف شرط معالجة التشوهات. إذ لا يكفي وقف عمل الكسارات والمرامل ووقف إنشاء مصنع الإسمنت المطلوب تعاون مشترك بين وزارة البيئة والتنظيمات الرافدة لها وبلدية عين داره والأهالي لإزالة كل التشوهات، على أن يستكمل ذلك بمشروع إصلاحي للمنطقة يعود بالفائدة العامة للبلدة وحفز لإقامة المشاريع السياحية والبيئية. لأن وقف العمل بالكسارات والمرامل يفرض أن تكون له تتمة تساعد الأهالي على الصمود في بلدتهم.

حداد: عين دارة مثال للتعايش حتى في عز الحرب

راعي أبرشية عين داره لطائفة الروم الأرثوذكس، والمدير المشرف على المدرسة الخاصة في البلدة التي أسسها أسلافه. لفت في حوار مع «الضّحى» الى النقص الحاد في المقومات الزراعية في عين داره، باستثناء بعض المشاريع الصغيرة، المعتمدة من قبل الأهالي كي لا تصاب أملاكهم باليباس أسوة بغيرها بعد أن تراجع عدد المهتمين بالزراعة وأصبحوا قلة. أما بقية سكان البلدة، إما هاجروا الى بلاد الاغتراب أو انتقلوا للسكن في بيروت أو في المدن الساحلية، بسبب ظروفهم العملية المعروفة، وتتلخص بعدم توفر فرص العمل من جهة والتحاق أبنائهم في الجامعات من جهة ثانية. مع ما يستتبع ذلك من علاقات اجتماعية اعتادوا عليها. هذا بالإضافة الى ما قد يطراً من تغير في نمط الحياة والاختلاط عن طريق الزواج فيجد الأهل أنفسهم أنهم مضطرون للسكن بالقرب من أولادهم. وهذا الأمر انعكس سلباً على طبيعة الحياة في الريف بشكل عام، وعلى عين داره بشكل خاص، لدرجة أصبح القسم الأكبر من سكان البلدة لا يأتون اليها إلا في الويك أند، وأيام العطلة، أو عندما يضطرب حبل الأمن في المدينة فيتذكرون ضيعتهم.
وعن كيفية المحافظة على التعايش الأخوي بين المسيحيين والدروز خاصة وإن عين داره من القرى ذات الغالبية المسيحية. لهذا السبب يقول الأب حداد أن عين داره هي مثال للتعايش المسيحي – الدرزي حتى بعز الحرب الأهلية. وإن الأهالي في فترة الحرب الأهلية ألزموا أنفسهم باتفاق شرف، خلاصته: من يريد أن يشارك في الحرب فليذهب الى خارج عين داره ولا يعود إليها لأنه ليس منها. لقد قررنا أن نعيش بسلام ووئام كأبناء بلدة واحدة. هذا التوافق حيّد البلدة عن المشاكل وأراحنا جداً فنحن الروم الأرثوذكس والموارنة والدروز نعيش في عين داره بسلام وأمان، ولا ينغّص عيشنا أحد. لدينا الكثير من الوعي والانتباه، ولم يحصل ما يكدر خاطرنا لا في زمن الحرب ولا في أيام السلم. ومن هذا المنطلق تمكنا من المحافظة على تعايشنا الأخوي فأضحينا مضرب مثل في صفاء العيش، وفي علاقاتنا الاجتماعية مع بعضنا البعض. لكن الهجرة من الريف الى المدينة أثرت بشكل مباشر على وضع السكان في البلدة التي يوجد أكثر من نصفهم خارجها، أما نحن فما زلنا صامدون ولكن في فصل الصيف يكون الوضع أفضل بكثير.
وعن تراجع الاهتمام بالزراعة، قدم حداد نفسه كواحد من المزارعين الذين لا يجنون شيئاً من الزراعة، رغم الإصرار على الاهتمام بالأرض فبساتين التفاح التي كانت تنتج أكثر من مئتي ألف صندوق تفاح كل موسم، تراجع المحصول الى ما دون العشرة آلاف، وكذلك بالنسبة لبقية المواسم من كرز وتفاح وإجاص وعنب وغيرها من أنواع الفاكهة. فبالزراعة اليوم بالكاد أن تعوض على المزارع بدل الأتعاب في ظل الغلاء المستفحل للأدوية الزراعية، والأسمدة وحراثة الأرض، والري وما شابه. وسأل: من أين تأتي مقومات الصمود لطالما لا يوجد في المنطقة لا معامل ولا مصانع لتشغيل الناس. لافتاً الى محاولات البعض تنفيذ بعض المشاريع الزراعية أو الحرفية، لكن عدم توفر الدعم المطلوب يجعلهم عاجزين عن تكملة مشاريعهم بسبب ارتفاع أسعار المواد المستعملة، وغلاء اليد العاملة. ورأى أن الصمود في القرية يتطلب توفير فرص العمل، والمدارس والجامعات لتعليم الطلاب. وقال: لدينا اليوم في عين داره ثانوية هي من أهم الثانويات في المنطقة وإن مديرها الأستاذ سمير نجم يسهر على تطويرها والمحافظة على مستواها التعليمي، ولكن عندما ينهي الطلاب دراستهم الثانوية سينتقلون حتماً الى المدينة للالتحاق بالجامعات. ولو كان في عين داره فروع للجامعة اللبنانية لكان الوضع أفضل بكثير ممّا هو عليه اليوم.
وعما يطلبه من الدولة لضمان صمود الناس في البلدة؟ قال: ماذا يمكننا أن نطلب من الدولة في ظل هذه الأوضاع المتأزّمة التي نمر بها. فالدولة اليوم أصبحت على شفير الإفلاس، وهي تنتظر من يساعدها. ولكننا نطالبها بالاهتمام بالأرياف، وتشجيع الناس على الصمود، ومساعدتهم بالحصول على القروض الزراعية والصناعية والسكنية من دون فوائد، وإنشاء المشاريع الزراعية والصناعية وإقامة مستوصف في البلدة، ومركزاً للصليب الأحمر والدفاع المدني. وإنشاء نفق عين داره – شتوره، وتأمين خطوط المواصلات، وإعادة تشغيل القطارات بعد تأهيل خط سكة الحديد الذي يربط بيروت بالشام.

وعن الخدمات التي تقدم من نواب المنطقة وممثلي الشعب، أشار بأن جهودهم تقتصر على القيام بالواجبات الاجتماعية وطالبهم بالوقوف الى جانب عين داره في معركتهم مع آل فتوش لأن إنشائهم معمل إسمنت الأرز، الذي قد يؤثر جداً على المياه الجوفية للبلدة والقرى المجاورة.
وعن الجمع بين دوره كمسؤول عن الرعية الأرثوذكسية في البلدة ومهامه كمسؤول عن المدرسة الخيرية التابعة لها، لفت الأب حداد الى دوره كمسؤول عن ن المدرسة، وهو يقوم بواجبه. وأشار أن هذه المرسة تأسست سنة 1965 وهي مكملة لمدرسة أسست في الثلاثينيات. وميزتها أنها مجانية، تتقاضى بعض الأجور الخفيفة من الأهالي، بدعم بسيط من الدولة لكنها حرمت من هذه المساعدة منذ أربع سنوات بسبب الأزمة التي يمر بها لبنان. لافتاً الى تراجع ملحوظ في تسديد الأقساط بسبب الضائقة المادية التي تعيشها الناس وخاصة في الشتاء، وهو ما أجبرهم على تخفيض رواتب المعلمين. وقال: لدينا 163 طالب ابتدائي معظمهم من خارج عين داره. أم الأقساط فتتراوح بين مليون وخمسمائة ألف ليرة لتلامذة الروضات ومليون ليرة لتلامذة الصفوف الابتدائية. وهذا الرقم محدد من الدولة. وعن دور المطرانية أشار بأن دور المطرانية هو رعائي أكثر مما هو مادي. والمدرسة تابعة للجمعية الخيرية الأرثوذكسية في عين داره وهذه الجمعية تتولى كل الأمور المادية.

 

الأستاذ رؤوف أبوزكي

كثيرون هم الناجحون في الحياة، لكن المبدعين قليلون. تراودنا الكثير من الأسئلة عن أسباب نجاح شخصيّات في مجتمعنا وبلوغهم أعلى المراتب، في حين أنّهم يتحدّرون من عائلات فقيرة ومجتمعات قرويّة ضيقة.. إنّها قِصص نجاح يسطُّرها بعض الناس فيخطّون بذكائهم ووعيهم مسيرة حياتهم ويتوّجونها بالنجاحات والإبداعات.
ومن هنا، استوجب الأمر أن نسلّط الضوء عليهم كي نتعلّم من تجاربهم وخبراتهم في الحياة. لذلك كان لنا لقاء مع الرئيس التنفيذي لمجموعة الاقتصاد والأعمال ورئيس تحرير مجلّة «الاقتصاد والأعمال» الأستاذ رؤوف أبو زكي، وهو أيضاً عضو مجلس إدارة غرفة التجارة والصناعة في بيروت وجبل لبنان وعضو استشاري في العديد من المدارس والجامعات، وقد حاورته راغدة الحلبي وطرحت عليه الأسئلة التالية:

حدّثنا عن بداياتك في عالم الصّحافة والإعلام؟

إنّني صحافي بالشّغف والموهبة وليس بالعلم، ففي ذلك الوقت عندما بدأت أمارس المهنة، لم يكن هنالك اختصاص جامعي للصّحافة والإعلام. لكنني كنت أعلم ماذا أريد منذ الطفولة، إذ قررت أن أكون صحافياً – كنت أكتب خواطر ووجدانيات وأنشرها في الصحف باسمي أو بأسماء مستعارة – إلى أن توافر لي مركز شاغر لوظيفة محرّر في وكالة الأنباء المحلّية حيث تخصصت بتغطية أخبار النقابات والنشاطات العمالية. بدأت العمل براتب مقداره 15 ليرة لبنانية في الأسبوع، وكان ذلك في عام 1962. ثم انتقلت إلى وكالة أنباء بيروت حيث أصبحت أغطّي النشاطات ذات الطابع الاقتصادي والاجتماعي والعمالي وارتفع راتبي الشهري إلى 150 ليرة لبنانية.

من اليمين السادة: سعيد خوري، الرئيس سعد الحريري، الرئيس فؤاد السنيورة ورؤوف أبوزكي

متى بدأت العمل مع جريدة «النّهار»؟

في تلك الأثناء، صِرت أعطي تحقيقات لجريدة «النهار»، إذ كان هدفي الأساسي العمل فيها، وكنت أتقاضى 25 ليرة وأحيانا 50 ليرة لبنانية عن كل تحقيق، وبعد مدّة عرضوا عليّ العمل كمتفرّغ في «النهار»، فوافقت على الفور، وعندما سألوني كم أتقاضى من الوكالة التي أعمل بها، خجلت أن أخبرهم بالحقيقة، فقالوا لي سندفع لك 350 ل. ل.، وهكذا ربحت المركز الذي أريد وأصبح معاشي أكثر من الضّعف، علما بأنني كنت مستعدّاً للعمل في النهار ولو من دون مقابل لأنّها كانت الحلم الذي أسعى لبلوغه.

أخبرنا عن دورك في تطوير القسم الاقتصادي في «النهار»؟

في «النّهار»، بذلت مجهوداً كبيراً في العمل، إذ كنت وعلى مدى خمس سنوات أحرّر صفحة كاملة في القسم الاقتصادي، بعدها تم إحضار شخص آخر للعمل معي في القسم الاقتصادي ثم أصبحنا ثلاثة، وبدأ القسم الاقتصادي – الاجتماعي في الجريدة يكبر ويحتل مركزاً طليعيّاً في الصحافة اللبنانية. والواقع أنَّ تخصّصي في شؤون العمال والنقابات كان له دور رئيسي في وصولي إلى «النّهار»، إذ كانت إدارة الجريدة تبحث عن تغطية ذلك الجانب. وما يُميّز جريدة «النهار» أنها كانت تمنحنا مساحة واسعة من الحرّية، وهذا ما ساعدني على تكوين خبرات وتجارب واسعة، ومن حسن حظي كان مدرائي في تلك الفترة من جهابذة «النهار»، منهم: رئيس التحرير لويس الحاج، وعميد «النّهار» غسان تويني، ومدير التحرير فرنسوا عقل الخ..

في المرحلة الثانية من عملي في «النهار»، بدأت أسلّط الضوء بقوة على القطاعات الإنتاجية كالصناعة والزراعة. وفي العام 1972 طلبت من الأستاذ غسان تويني بأن يُصدر عدداً خاصاً عن الصناعة، فرفض طلبي قائلاً: «وين في صناعة بلبنان يا ابني؟». فانكفأت، لكن مع الوقت ازدادت قناعتي بأهمّية الموضوع، ففاتحته مجدّداً بالأمر، وعندما رآني مصراً على رأيي وافق وأعطاني الضوء الأخضر للانطلاق. وبعد فترة أطلعته على التحضيرات ففوجئ بالنتيجة، وقال لي بأنه يريد أن يكتب افتتاحية العدد. كانوا قلّة من الإعلاميين يعلمون واقع الصناعة في لبنان. ففي ذلك الوقت كانت مصر وسوريا قد أمَّمتا المؤسسات، فهرب الصناعيون منهما وجاؤوا إلى لبنان، الأمر الذي خلق حركة صناعية واقتصادية في لبنان. وهكذا، كنت أوّل من أوجد الإعلام الصناعي في لبنان من خلال جريدة «النهار»، بل صار لدينا عدد سنوي عن الصناعة.

وفي انتخابات غرفة الصناعة والتجارة في بيروت وجبل لبنان العام 1972 كانت هناك لائحة ذات طابع تجاري برئاسة ڤيكتور قصير وعدنان القصار، ولائحة ذات طابع صناعي برئاسة رفيق غندور، فأخذت موقفاً مؤيّداً للائحة الصناعيين، وطبعاً كان حظها بالفوز ضئيلاً، ذلك لأنّ عدد الصناعيين أقل بكثير من عدد التجار، وهكذا فازت لائحة التجار.

في الواقع، كان لي دور كبير في نتائج انتخابات جمعية الصناعيين اللبنانيين لدورتين متتاليتين إذ ساهمت بمجيء رئيسين للجمعية، هما: جورج عسيلي وفؤاد أبي صالح.

من اليمين: السادة وليد جنبلاط، محمد الزعتري، الشيخ صالح عبد اللّه كامل، ورؤوف أبو زكي.

ما هي الأمور التي اكتسبتها من عملك في «النهار» وجعلت لك حضوراً قويا؟

من خلال عملي في «النهار»، استطعت أن أكون عنصراً مؤثّراً فقد أطلقت حملة ضخمة ضد التكتلات الاحتكاريّة في لبنان، فسلَّطت الضوء على محتكري اللحوم والدجاج والأدوية وعلى المرابين وغيرهم. وأقيمت ضدي وضد «النهار» الدعاوى في المحاكم، لكنّ إدارة الجريدة كانت تساندني. وقد تركت هذه الحملة أثراً كبيراً في مختلف الأوساط. وكنت، أيضاً، قد واكبت ولادة الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، وقمت بتوظيف أوّل موظف في الصندوق، وكان زميلاً لي في الدراسة. ثم واكبتُ إعلاميَّا نشاط صندوق الضمان ومجلس إدارته واجتماعاته. وقد ساهمنا كثيراً في تصويب الأمور، خصوصاً، وأنَّ «النهار» كانت ولا تزال كلمتها مؤثرة.

أمضيت 15 سنة من العمل في جريدة «النهار»، وقد جاءني خلالها الكثير من العروض المُغرية، لكنني كنت أرفضها. ففي إحدى المرّات أرسل لي أحدهم صديق مشترك عارضاً عليّ العمل في صحيفته، وقد أبدى استعداده لتقديم شيك أبيض تاركاً لي القرار بتحديد المعاش الذي أريد، فأرسلت له شكري وتقديري ورفضت عرضه المغري ماديّاً لأنني كنت مرتاحاً في «النهار»، ولم أكن أؤمن بتغيير الأمكنة سيّما وأنني كنت في المؤسسة الإعلامية الأولى في لبنان بل وفي العالم العربي.

متى أسّستم مجلّة «الاقتصاد والأعمال»؟

في عام 1975، أسستُ شركة إعلامية مساهمة صدر عنها مجلة «الاقتصاد والأعمال»، ولَم يكن لديّ المال، بل لديّ أفكاري وخبراتي المهنيّة وثقة المساهمين وجميعهم رجال أعمال، واستطعت أن أكسب دعمهم، فبدأنا العمل بمبلغ مليون ليرة لبنانية. ثم بدأت الحرب وأدركنا أنّها ستكون طويلة ولا مجال للعمل في لبنان، فانتقلنا في عام 1982 إلى باريس حيث أسّسنا مكتباً للمجلة، وكان عبارة عن غرفتين، وهناك أمضينا عشر سنوات من العمل.

بعد ذلك بدأت أستجلب مساهمين عرب لزيادة رأسمال الشركة، فكانت انطلاقة أُخرى مميّزة بحيث أصبحت مجلة «الاقتصاد والأعمال» شركة مساهمة لبنانية عربية تضم نحو 40 مساهماً. وبالطبع فإنّ وجودنا في فرنسا ساهم في تطويرنا. فانطلقت باتجاه فكرة المؤتمرات، ونظمنا أوّل مؤتمر في العام 1988 في تونس، والمؤتمر الثاني في باريس العام 1991. وبعدها كانت الانطلاقة الكبرى في بيروت مع تولِّي الرئيس الشهيد رفيق الحريري رئاسة الحكومة في لبنان. وهذا المؤتمر الذي بدأ العام 1993 في بيروت مستمر حتى اليوم ونحن نستعد لتنظيم الدورة الـ 28 وهو يحمل اسم «منتدى الاقتصاد العربي». كما أقمنا مشروعاً مشتركاً مع جريدة Financial Time وهو عبارة عن نشرة تصدر بالعربية، وأطلقنا عليها اسم نشرة «الأعمال». وقد ساهمت هذه النشرة في ترويجنا إعلانيّاً في الأسواق الدولية، لأنّها مشروع مشترك مع صحيفة عالمية مرموقة. وبعد 10 سنوات من العمل في باريس عدنا إلى لبنان مع تولي الرئيس الشهيد رفيق الحريري رئاسة الحكومة.

كيف كانت علاقتك مع الرئيس الشهيد رفيق الحريري؟

الرئيس الحريري يتوسط من اليمين السادة د. جوزيف طربيه ورياض سلامة ومعالي الأستاذ عمرو موسى ورؤوف أبوزكي

تعرّفت على الرئيس الحريري عام 1981 عندما اشترى بنك البحر المتوسط، ذهبت حينها إلى الرياض بناء على طلبه حيث كتبت له الخبر عن شراء البنك، ومن يومها تكوّنت علاقة صداقة وطيدة بيني وبينه. وقبل استلامه رئاسة الحكومة بأربعة أشهر، كتبتُ مقالاً ناديته فيه بدولة الرئيس، والسبب أنني وبينما كنت أتناول معه طعام الغداء في قصره في جدة، استشارني حينها بموضوع خطاب سيلقيه في حفل تخرّج لطلاب الجامعة الأمريكية في بيروت، فأوضحتُ له مُقترحاتي، وإذ به ينادي أحدهم لإحضار الكلمة التي أعدّها للمناسبة، فعندما قرأتها قلت له: «مبروك دولة الرئيس». بمعنى أنها بيان – إعلان ترشّحه لرئاسة الحكومة في لبنان.

وبعد تسلّمه رئاسة الحكومة ببضعة أشهر اقترحت عليه تنظيم مؤتمر يستقطب مستثمرين خليجيين وعرب، فأجابني قائلاً: «كبّر عقلك مين رح يجي يستثمر، فلا يوجد مطار ولا كهرباء». كان ردّي له:
«دع الأمر لي، وإنني سألتزم بإحضار 100 مستثمر خليجي». وبعد فترة ذهبت إلى باريس حيث كانت لاتزال عائلتي وعائلته هناك، فالتقيته في منزله في عيد الأضحى وكان معنا مدير البنك مصطفى رازيان، فأخبرته بأنني أمَّنت 90 مشاركاً لحضور المؤتمر، وأطلعته على اللائحة، فإذا به يُفاجأ بنوعيّة الشخصيات المشاركة الرفيعة المستوى، وحينها أكّدت له أنّه بعد العيد سيُصبِح العدد 150. وقد شارك حينها 225 شخصيّة في المؤتمر الذي عقدناه في فندق السمرلاند – بيروت، وهو الفندق الوحيد الذي كان مؤهّلاً لعقد هذا المؤتمر، علماً أنّ القاعة كانت مخصصة للسباحة الشتوية وتمّ تأهيلها لاستيعاب المؤتمر.

ماهي أهم النتائج التي حصدتَها بعد تنظيم هذا المؤتمر؟

إنّ هذا المؤتمر حجر الأساس لصناعة المؤتمرات في لبنان والعالم العربي، وأصبح مؤتمراً سنويّاً. وفي هذه السنة نظمنا الدورة 27 في بيروت، وكان ضيف المنتدى جمهورية مصر العربية التي تمثلت برئيس حكومتها ومعه 6 وزراء، وحاليّاً نحن بصدد التحضير للدورة الـ 28 التي ستنعقد في حزيران 2020. وقد استطعنا طيلة هذه السنوات تكوين شبكة علاقات واسعة ومهمّة في لبنان والعالم العربي، خصوصاً وأنني كنت ولا زلت على سفر دائم للمشاركة في المؤتمرات والنشاطات الدولية، واستطاعت مجلة «الاقتصاد والأعمال» أن تكون همزة وصل بين رجال الأعمال العرب، واكتسبنا ثقة مجتمع الأعمال.

هل هناك تركيز على بلدان أو قطاعات معيّنة في مؤتمراتكم؟

ثمّة حكايات وخلفيات كثيرة لكل مؤتمر نظمناه في أي بلد لكن لا مجال لعرض التفاصيل في هذه العجالة. لقد نظمت مجموعة الاقتصاد والأعمال حتى نهاية العام 2018 نحو 350 مؤتمراً في 30 دولة. ومعظم المؤتمرات يتكرّر سنوياً. والعمل الناجح وحده قابل للتكرار.

من اليمين السادة: يسمى فليحان، هند الحريري، الرئيس نجيب الميقاتي، الرئيس رجب طيب أردوغان ورؤوف أبوزكي

تترأَّسون اليوم مجلس الأعمال اللّبناني-السعودي الذي يضمّ نخبة كبيرة من رجال الأعمال، كيف تقيّمون العلاقات السعودية – اللبنانية اليوم؟

هنالك علاقة متينة كانت تربط مجموعتنا مع المملكة العربية السعودية. وتتويجاً لهذه العلاقة تم اختياري لترؤُّس الجانب اللبناني من مجلس الأعمال اللبناني-السعودي الذي يقوم بدور فعال في تعزيز العلاقات الاقتصادية بين البلدين. وبالمناسبة أتذكّر أنّه خلال الملتقى الاقتصادي السعودي-اللبناني الذي نظّمناه العام 2003 فاجأ الملك سلمان الحضور بخطاب مرتجل تحدث فيه عن دور اللبنانيين في المملكة وقد دعوناه ليكون ضيف شرف في الملتقى التالي في بيروت، ولكن الحادث الأليم الذي وقع في مجمع المحيا في الرياض وما تسبب به من أضرار ومن ضحايا ومن بينهم لبنانيين، جعلنا وبالتنسيق مع الرئيس الحريري نبادر وتضامناً مع المملكة إلى تكرار عقد المُلتقى في الرياض مما لاقى ترحيباً وشكراً من الملك سلمان.

وفي كلمته في الملتقى قال الملك سلمان، الذي كان أميراً للرياض يومها: «إنّ العلاقة بين البلدين أخويّة وقويّة ومع مختلف الطوائف مع ساحله الجميل وجبله الأشم وسهله المنيع». وذكّر الملك سلمان برجال من لبنان كانت لهم علاقة قوية مع المملكة منذ تأسيسها منهم مؤرخ المملكة أمين الريحاني ومستشار الملك عبد العزيز فؤاد حمزة وجميل بارودي الذي شغل منصب مندوب السعودية في الأمم المتحدة. وقال الملك سلمان يومها «إنّ طموح اللبناني مثال يحتذى فهو لا يقول عجزت أو لا أستطيع بل يقول أجرّب». وفي هذا السياق ذكّر الملك بأمثال الحاج حسين العويني الذي بدأ تاجراً في جدّة وأصبح رئيساً للوزراء وبالرئيس رفيق الحريري، الذي كان يجلس إلى جانبه في الملتقى، وقال إنّه يمثل الطموح اللبناني مشيراً إلى أنّ «الحريري دخل المملكة وبدأ من الصّفر وكان مدرّساً وموظفاً ثم رجل أعمال، ولم يسجّل عليه أيّ شيء يمسّ بالمملكة ولبنان».

بماذا تميزت مجلة «الاقتصاد والأعمال» عن غيرها من الوسائل الإعلامية المطبوعة؟

مجلة «الاقتصاد والأعمال» لعبت دوراً رياديّاً في مجالات عديدة أبرزها الآتي:
إنّها أوّل مؤسّسة إعلامية عربية ولدت كشركة مساهمة فعلية لا تملكها عائلة أو فرد. وكنت قد كتبت مقالاً تحدثت فيه عن كيفية تحويل النجاح الفردي إلى نجاح مؤسّساتي، فالفرد مهما كان ناجحاً سيأتي يوم ويغادر الحياة، لكن المؤسسة تبقى. وأحد معايير نجاح المؤسسة هي مأسسة النجاح بحيث تتجاوز مؤسّسها وتتمكَّن من الاستمرار معه ومن دونه.
إنّها أوّل مطبوعة أعمال عربية شاملة بمعنى أنها غير محصورة في محتواها وفي توزيعها في بلد عربي واحد.
إنّها أوّل مؤسسة إعلامية عربية تطلق صناعة المؤتمرات في لبنان والعالم العربي. صحيح إنَّه كانت توجد بعض المؤتمرات، لكنها كانت تُنظّم من جهات أجنبية، وهكذا أصبحنا أكبر وأقوى مؤسسة عربية في صناعة المؤتمرات في عالمنا العربي لأنّ أهل مكة أدرى بشعابها.

هل كنت ترى نفسك في بداية مشوار حياتك المهنية في المكان الذي أنت فيه اليوم؟

كنت أرى نفسي صحافيًّا بالفطرة، لكن آخر أمر كنت أفكّر فيه أنني سأكون في صحافة الأعمال والاقتصاد، بل القدر هو الذي قادني اليها. كل ما كنت أفكّر فيه أنني سأعمل صحافياً، وقد منحني الله ملكة الكتابة. وهنا أتذكّر حادثة طريفة، فعندما كنت تلميذاً في مرحلة الثانوية أجريت مقابلة مع نفسي ونشرتها في المجلة المدرسية.

سمو الأمير سلمان بن عبد العزيز يتوسط الرئيس الشهيد رفيق الحريري رؤوف أبوزكي

ما هي أهم الصّفات والمزايا التي يجب أن يتمتّع بها كل إنسان يطمح لأن يحقق النجاح ويبلغ أعلى المستويات في مجال عمله؟

أوّلاً: وضوح الرؤية، فالإنسان يمتلك قوّة كبيرة عندما يكون عالماً بما يريد. ثانياً: أن يكون مُجَهّزاً بمقوّمات شخصية وبكفاءة علمية تساعده على بلورة الرؤيا ونقلها من الحلم إلى الواقع. ثالثاً: إرادة العمل. رابعاً: المهنيّة العالية. وخامساً: الدقّة في العمل وإتقانه مهما كان نوع العمل. فشرط النجاح هو الإتقان، والإتقان هو الاعتناء بالتفاصيل، والتفاصيل هي فن الحضارة.

هل لديك صداقات مع رؤساء وملوك عرب؟

طبعاً، لدي علاقات ممتازة مع معظم الحكام والرّؤساء العرب، لكن يوجد علاقة صداقة مع القليل منهم، وأفضّل عدم ذكر الأسماء.

لماذا نلحظ في السنوات الأخيرة أزمة مالية تطال الكثير من الوسائل الإعلامية؟

هنالك عدة أسباب جعلت بعض الوسائل الإعلامية اللبنانية تمرّ بأزمة مالية بل وأن بعضها قد أقفل. فالسوق اللبناني صغير، والوضع اللبناني مأزوم، فبلدنا محاصَر، وهنالك مقاطعة من دول الخليج، والحرب السورية على حدوده، ومن الطبيعي أن يتأثر الاقتصاد بسبب هذه الظروف. كذلك، لم تعد صحافة لبنان هي صحافة العرب كما كانت، إذ أصبح للعرب صحافتهم.

إنّ التحول التكنولوجي أثّر على صناعة الورق، والمشكلة أنّ المواقع الإلكترونية لم تستطع أن تخلق مدخولاً يوازي مدخول الورق أو يكون بديلاً له. وأعتقد أن الأزمة ستزيد، وسيتغربل السوق ولن يبقى هنالك مؤسسات كثيرة. المؤسسات الإعلامية المموّلة سياسيّاً ستستمر والمؤسسات الإعلامية الممتَهِنة وذات المحتوى المطلوب ستستمر أيضاً، وكلّ ما عدا ذلك فإلى زوال على ما أعتقد. المؤسسات الإعلامية تمرّ بأزمة مصيرية وبنيوية، لذلك فإنَّنا نحتاج إلى رؤية جديدة وأفكار جديدة لنرى أيَّ نوع من الصحافة ستبقى في المستقبل، وما هو المردود ومن أين سيأتي..

إلى أيِّ مدى يساهم الإيمان عند الإنسان في مساعدته على تجاوز المحن والصعاب وبلوغ هدفه وأمنياته وتحقيق طموحاته؟

الإيمان يمنحنا القوة النفسية، ويجعلنا لا نخاف الصعوبات، ويجعلنا قادرين على مواجهة الأمور بواقعية وثقة. كما أنّه يعزز فينا الإرادة والثقة والصمود وهذه المقومات تساعد على النجاح. والإيمان هو مصدر قوة كبيرة جدّاً.

من اليمين سمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم ورؤوف أبوزكي

ما هو دور الإعلام في حماية الشباب والمجتمع من ظاهرة التطرّف، وتوجيههم نحو الانفتاح والحوار؟

الإعلام هو أداة ووسيلة، فإذا كان محتواه إيجابيّاً فإنّه بالتأكيد سيلعب دوراً إيجابيّاً، فيعزّز القيَم والثقافة والوعي والإيمان ويساعد على انتشارها بين الناس. أمّا إذا كان محتواه سلبيّاً، فإنّه بالتأكيد سيؤثِّر بشكل سلبي على المجتمع، فيساهم في بثّ الأحقاد والتفرقة والتطرف بين الناس، فعلى سبيل المثال، ساعد الإعلام داعش على الانتشار بسرعة.

وهكذا فإنّ الإعلام أمرٌ لا بد منه ولا غنى عنه، فهو يسهّل انتشار الأفكار والوعي والثقافة مثلما له دور في انتشار التطرّف، فوسائل الإعلام مجرّد أدوات والمهم هو المحتوى.

ما هي النّصيحة التي توجهّها إلى شباب اليوم، وكيف يمكن تحقيق النّجاح في الحياة برأيكم؟

النجاح يتحقّق بالعمل الدؤوب، والرؤيا الواضحة، وأن نعرف ماذا نريد، وأن لا شيء مستحيل في الحياة، وأن نسعى دائما لخلق الأمل، وأن نتمتع بقوة الإيمان والثقة بالنفس، وأن نوقن بأنّ دوام الحال من المحال.. فعندما أفكر أين كنت، ومن أي بيئة أتيت، عندها أقول: «لا يوجد شيء مستحيل». ففي طفولتي، كنت أعمل في الصيف كي أجني المال لأشتري الملابس وكتب المدرسة. وكنت كغيري من أولاد القرى أمشي في كل صباح من بلدتي إلى بلدة أخرى لأتعلم في المدرسة. وكنت واثقاً من نفسي وأعرف ماذا أريد. وهكذا، تمكّنت من تجسيد أحلامي.

رسالتُنا هي رسالة أمل لكل الذين يعتقدون أنّهم ومن واقعهم المعيشي الصعب الذي هم فيه لا يمكنهم تحقيق مطامحهم وأحلامهم. ّ إنّ تجربتي في «الاقتصاد والأعمال» هي، في ذاتها، رسالة أمل لكلّ هؤلاء. ومن سار على الدرب وصل.

من اليمين ملك الأردن عبد الله الثاني ورؤوف أبوزكي

مستشفى عين وزين الجامعي

تُعَدُّ المؤسسة الصحيّة للطائفة الدرزيّة أو ما يُعرف اليوم بـ مستشفى عين وزين من أهم الصّروح الطبيّة في الجبل بشكل خاص، وفي لبنان بشكل عام، إنْ من حيث الموقع في قلب الجبل، أو من حيث المستوى الطبّي التخصّصي والأكاديمي المتطوّر. ويعود الفضل الأوَّل في إنشاء هذه المؤسسة الصحية الجامعة إلى المغفور له سماحة شيخ عقل طائفة الموحدين الدروز المرحوم الشيخ محمّد أبو شقرا صاحب الأيادي البيضاء في إطلاق المشاريع والمؤسسات التي تعود بالنفع العام لطائفة الموحدين الدروز، وخير مثال على أعماله الخيّرة في هذا المجال مبنى دار الطائفة الدرزية في فردان، واستحداث بلدة المعروفية إلى الشرق من مدينة الشويفات، والتَّوسعة الكبيرة لمقام النبي أيّوب عليه السلام في جبل نيحا. فكما تولد الأفكار الخيّرة من رحم المعاناة والحاجة الملحّة لها، هكذا وُلدت لدى الشيخ محمّد فكرة إنشاء المؤسسة الصحية التي انطلقت في الأساس من إصراره على بناء دار لـ “العجزة” من أبناء الطائفة الذين لا مُعيل لهم ولا سند، بعد تلمُّسِه الحاجة الماسّة لتلك المشاريع التي تُعنى براحة المسنّين والمتقدّمين في العمر ممَّن يفتقرون إلى الاحتضان والرعاية الصحية والاجتماعية عندما يصبحون في خريف العمر، فلا يجدون الحاضنة التي توفر لهم الراحة والأمان في شيخوختهم وتعوّضهم قساوة الحياة وشقاوة الأيام. فلقد آن لهم أن ينعموا بالدّفء و الهدوء والسلام.

مراحل التأسيس

تأسّست جمعية أمناء المؤسسة الصحية بموجب العلم والخبر الذي يحمل الرقم 133/ أ.د الصادر عن وزارة الداخلية بتاريخ 17 آب 1978 وتألّفت من: الشيخ محمّد أبو شقرا رئيساً، وخالد جنبلاط نائب رئيس، وعبّاس الحلبي أميناً للسر، وسعيد عبد اللطيف أميناً للصندوق، وحسيب رسامني محاسبًا، وفريد أبو شقرا، ونبيه أبو شقرا، والدكتور سهيل الأعور، وأنور الخليل، وبهجت غيث، وفؤاد ذبيان، والدكتور محمود ربَح والدكتور صلاح سلمان أعضاء.

بعد وضع حجر الأساس للمؤسّسة في 7 تموز 1978 وإنهاء أعمال البناء، تمّ استقبال أوّل مُسنّ في دار العجزة في 9 أيلول 1989 واستُبدل اسم الدار باسم مركز رعاية المسنّين.

تحتلّ المؤسّسة مركزاً ريادياً على الخارطة الصحية الوطنية، وهي مؤسسة لجميع اللبنانيين، وتحمل رسالة إنسانية وعلمية، أثبتتها بالممارسة في مختلف ميادين عملها.

يعمل في المستشفى حاليّاً نحو مئة وثلاثين طبيباً من كافة الاختصاصات، ونحو 550 موظفاً، ويحتوي على مئتي سرير موزّعين على اثنتي عشرة دائرة طبّية هي:

  • دائرة الطب الداخلي وتضم مجموعة أقسام.
  • دائرة أمراض القلب.
  • دائرة الجراحة.
  • دائرة الجراحة والتوليد.
  • دائرة الأطفال والعناية الفائقة لحديثي الولادة.
  • دائرة الطوارئ.
  • دائرة الإنعاش والتخدير وقسم العمليات.
  • دائرة المختبر.
  • دائرة الأشعّة.
  • قسم طب وجراحة العيون.
  • دائرة العيادات الخارجية.
  • دائرة الشيخوخة.
  • قسم الغيبوبة والعناية الفائقة.
  • قسم العلاج بالأشعة
  • مركز العناية المنزلية.

    مبنى المستشفى الرئيسي
أكاديميّاً

إضافة إلى دورها في مجال الخدمات الطبّية والصحية التي تقدمها، تحتل المستشفى موقعاً رائداً على الصعيد الأكاديمي والعلمي، ومقصداً للمؤتمرات العلمية والوطنية لتتماثل مع المؤسسات الاستشفائية الجامعة. وقد تجلّى هذا التطوّر في إنجازات عديدة أهمّها:

أ – على الصعيد المحلّي

– إقامة برنامج تعاون مع:

    1. قسم طب العائلة ودائرة الطب الداخلي – مستشفى الجامعة الأميركية في بيروت.
    2. قسم المختبر والتغذية – جامعة اللويزة.
    3. دائرة طب العائلة – جامعة القديس يوسف.
    4. جامعة البَلَمَند لتدريب طلاب كليّة الصحة العامة وعلومها.
    5.  توقيع اتفاقيّة تعاون مع الجامعة الحديثة للإدارة والعلوم لتدريب الطلاب في اختصاص التغذية.
    6.  توقيع اتفاقية تعاون مع الجامعة الحديثة للإدارة والعلوم لتدريب الطلاب في اختصاص العلوم المخبرية.
    7. استحداث شعبة للعلوم التمريضية تابعة لكليّة الصحة في الجامعة اللبنانية في العام 1993 لتتحوّل سنة 2009 إلى فرع جامعي ( كليّة الصحة العامة – الفرع السادس).
    8. استحداث مدرسة عين وزين للتمريض في حزيران 1977 لتصبح في 11 – 10 – 2001 معهد التمريض/ مستشفى عين وزين بموجب مشروع مشترك رقم 67 مع وزارة التربية والتعليم العالي.
    9. توقيع اتفاقية تعاون مع كليّة العلوم الطبية الجامعة اللبنانية – 2011.
    10. توقيع اتفاقية تعاون مع مركز الباروك للرعاية الصحية.
    11. إقامة المؤتمرات الطبية المُتخصّصة بالتعاون مع مختلف الجمعيات الطبية اللبنانية.
    12. المشاركة في الدراسات الوطنية وطرح المعلومات والإحصاءات المتوفرة لديها للمساهمة في توحيد المعايير ومؤشرات الجَودة LHQPSS.
    13. الدَّور الذي تلعبه المؤسسة بالتنسيق مع نقابة المستشفيات ونقابة الأطباء، ونقابة الممرضين والممرضات وغيرها من النقابات العامة في القطاع الصحي.

      قسم طب الأطفال

ب – على الصّعيد العالمي:

    1. توقيع معاهدة توأمة مع مركز فرساي الاستشفائي في الخامس من آب 1992.
    2. توقيع اتفاقية تعاون مع جامعة لافال الكندية.
    3. توقيع اتفاقية تعاون مع centerehospitalier du pays d,aix-bouchesduRhone –chouf.
    4. توقيع اتفاقية تعاون مع تجمّعات مستشفيات باريس الحكومية
    5. توقيع اتفاقية تعاون في العام 2004 مع مستشفى Broca التخصصي بطب الشيخوخة.

يضم الفرع السادس اختصاصات العلوم التمريضية منها: الإشراف الصحي الاجتماعي، والعلاج الفيزيائي، بالإضافة إلى ماستير في طب الشيخوخة حيث كان مسجّلاً في العام الجامعي 2018 – 2019 نحو 270 طالباً.

كذلك وقّعت المؤسّسة اتفاقيّة تعاون مع وزارة الصحّة لتشغيل مركز بيت الدين الصحي اعتباراً من 1 – 5 – 2019 وذلك انطلاقاً من أهدافها الاستراتيجية التي من شأنها تعزيز موقع المؤسسة في القطاع الصحي وفي المجتمع، من خلال تنمية علاقات التعاون مع المستشفيات والمراكز الصحية الأولية في المنطقة والجوار، لتأمين الخدمات الصحية والاجتماعية لكافة فئات المجتمع بأقل تكلفة ممكنة وفقاً لمواصفات وزارة الصحة العامة لمراكز الرعاية الصحية الأولية، ومعايير الجَودة.

كان الشيخ محمد أبو شقرا يردد دائماً على مسامعنا في السر والعلن بأنه لن يرتاح له بال، إلى أن يعينه الله ويمكّنه من بناء دار لراحة المسنين الدروز، أسوة بباقي المرافق المماثلة في الطوائف الأخرى، فوجود هكذا صرح بالنسبة له كان ضرورة مُلحَّة.

تقنيّاً

يمكن القول إنّ المستشفى تعتمد على مكننة العمل الإداري، المالي، الطبي والتمريضي بشكل كامل اعتباراً من 1-6-1999 حيث بدأ العمل بتطبيق برنامج المعلوماتية الخاص بالمؤسسة sina وقد تطوّر هذا العمل ليشمل كافة أجزاء الملف الطبي.

اجتماعياً

تأكيدا على الدور الذي تلعبه المؤسسة استُحدث مكتب للشؤون الاجتماعية مهمته:

  1. تأمين الأدوية للمرضى ذوي الحاجة إمّا عن طريق صيدلية المستشفى أو عبر تحويل المريض إلى مؤسسات المجتمع المحلّي ( مستوصفات – جمعيات) بعد التنسيق معها لتأمينها بسعر رمزي.
  2. الحسم المادي على قيمة الفاتورة الاستشفائية.
  3. تأمين معدّات طبيّة على اختلاف أنواعها ( فرشة ماء walker كرسي متحرك سرير طبي – عكازات) لناحية شرائها أو استئجارها أو الحصول عليها بشكل مجّاني حسب الوضع الاقتصادي والاجتماعي للمريض.
  4. التنسيق مع وزارة الشؤون الاجتماعية ووزارة الصحة للاستفادة من خدماتها.
  5. التحويل إلى مؤسّسات تأهيلية رِعائية ومهنيّة عند الحاجة.
  6. التواصل مع المريض ومساعدته للتغلّب على المشاكل التي تعيق تكيّفه مع بيئته بالتعاون مع أهله.
  7. الاتّصال والتنسيق مع الصليب الأحمر أو الدفاع المدني لنقل المرضى.
  8. متابعة البعض من المرضى للتأكد من متابعة العلاج بعد خروجهم من المستشفى.
  9. تنظيم برامج تثقيفية للمرضى داخل المستشفى.

مبنى المستشفى الرئيسي

“الضحى”زارت مستشفى عين وزين أو المؤسسة الصحية والتقت القيّمين على ادارتها وشؤونها، وبالأخص أولئك الذين واكبوا انطلاقتها وصولاً إلى ما هي عليه اليوم من التطور والشهرة، وخلصت منهم إلى الحقائق التالية:

الشيخ نبيه أبوشقرا لـ “الضحى”:

عن المراحل الأولى لبناء المؤسسة، حدَّثنا الشيخ نبيه أبو شقرا النجل الأكبر لسماحة شيخ العقل الراحل محمّد أبو شقرا، والعضو الدائم لمجلس الأمناء فيها، وهو المواكب لغالبية المشاريع الخيّرة التي تحققت على يد الشيخ الأب المعطاء. حيث إنّ فكرة بناء دار لراحة المسنين، كانت تراود والده طوال عقدين من الزمن، وتحديداً بعد الانتهاء من بناء دار الطائفة الدرزية في بيروت، في منطقة فردان الأكثر رقياً وقرباً من العائلات الدرزية المنتشرة في أحيائها منذ أيام الإمارتين التنوخية والمعنية، ومن ثم الشهابية وصولاً إلى يومنا هذا، فقال: بعد التوسعة الكبيرة التي تولى الوالد تنفيذها في مقام النبي أيوب عليه السلام، وتحويله من حجرة متواضعة في قلب الجبل، إلى ما هو عليه اليوم من هالة قدسية قلّ مثيلها في هذا الشرق، ما جعله قبلة للمؤمنين من كل المناطق، وملاذاً للمستضعفين والمسترشدين بصبره وبركته، والمهتدين به لتقبل نذوراتهم بخشوع وأمان.

فإلى جانب التوسعة لهذا المقام، أسس الشيخ محمّد بلدة المعروفية، لإيواء النازحين الذين تشردوا بقوة السلاح على أيدي أزلام السلطة في العام 1957 من مخيم وطى المصيطبة، فقد كان يردد دائماً على مسامعنا في السر والعلن بأنه لن يرتاح له بال، إلى أن يعينه الله ويمكّنه من بناء دار لراحة المسنين الدروز، أسوة بباقي المرافق المماثلة في الطوائف الأخرى، فوجود هكذا صرح بالنسبة له كان ضرورة مُلحَّة. وبالأخص بعد أن كانت تَرِدُه العديد من الاتصالات عن وجود بعض المسنين الدروز في دور الرعاية الإسلامية والمسيحية، ولا من يزورهم أو يسأل عنهم. كانوا يَحارون ماذا يفعلون بهم. فكم كان يعتصره الألم لسماعه مثل هذه الأخبار المزعجة. وكم كان يتعجّب كيف أنَّ الأرمن الذين لم يمضِ على وجودهم في لبنان بضعة عقود من الزمن، كانت لديهم مؤسساتهم الصحية والرِّعائية.

أمَّا الدروز الذين هم أساس في هذا البلد، ما زالوا يفتقرون إلى مثل هذه المؤسسات. علماً أنّ زعماءهم من أمراء وشيوخ وبكوات، وهبوا الكثير من الأراضي للطوائف الأخرى، ليقيموا عليها كنائسهم وأديرتهم وصروحهم الرعائية والاجتماعية، بينما الدروز ليس لديهم أي شيء منها، وهذا لا يليق بسمعتهم كطائفة تعتدُّ بنفسها، على أنّها من الدعائم الأساسية في هذ الوطن. لكن قيام هكذا مؤسسات دونه عقبات كثيرة، أبرزها توفير المال اللازم للبناء والتجهيز وتظافر لجهود الخيرين. ولكن متى وُجدت الإرادة والتصميم سهل كل شيء. ويستذكر الشيخ نبيه أنّ فكرة إنشاء دار لراحة المسنين، سرعان ما تحوّلت إلى ما هو أوسع وأشمل، ليتمّ الاتفاق بعد ذلك على بناء مستشفى كبير، ومن ضمنه دار للمسنين. لكن الآراء تضاربت في البداية حول الموقع، بعضهم اقترح أن يكون المستشفى في الساحل، مُحَدّداً منطقتَي خلده أو الشويفات لإقامة هذا المشروع. والبعض الآخر فضّل أن يكون المستشفى في قلب الجبل وتحديداً في منطقة بقعاتا – عين وزين. لأنّ وجودها في هذه المنطقة يكتسب أهميّة خاصة. سيّما وأنّ المعلم الشهيد كمال جنبلاط سبق له وأسّس مدرسة ومستشفى العرفان في سهل السمقانية، ونزولاً عند رغبة أهالي المنطقة ومباركة الشيخ أبومحمّد جواد ولي الدين والعديد من المشايخ المهتمين، وبموازاة ذلك، كان من المفيد بناء المستشفى المُرتقب في هذه المنطقة نظراً للحاجة الماسّة لها، وخاصة إبّان الحرب الأهلية وسقوط العديد من الحرحى والمصابين من أبناء الجبل. وكان المطلوب قبل كل شيء تأمين قطعة الأرض المناسبة لهذا المرفق الهام. وبعد التشاور والمداولات اتُّفِق أن يكون المستشفى في نطاق بلدة عين وزين لأهميّة المكان والموقع.

عندها انبرى الخيّرون من أهالي عين وزين والجديدة- بقعاتا لتقديم ما عندهم من أراض علّها تصلح لقيام هذا المشروع. ولا ينسى الشيخ نبيه الإشارة إلى الشيخ أبو نعمان اسماعيل الحسنيّة الذي كان أوّل المتبرّعين، لكنّ قطعة الأرض التي تبرع بها لم تكن مستوفية الشروط المطلوبة. ثم تلاه الشيخ أبو سامي محمّد الحسنية الذي تبرع بأرضه، التي لاقت استحساناً من قبل الجميع، كما حظيت بموافقة مهندس المشروع نظراً لوجودها إلى الغرب من البلدة وعلى تلَّة مشرفة. وهكذا كرَّت سُبحة المتبرعين بأراضيهم. يذكر منهم الشيخ علي نعيم الفطايري، والأخوين سعيد وسليم الحسنية، إذ بلغت مساحة العقار نحو 27 ألف متر مربع. ولقد ساهم أهالي عين وزين أيضاً بإيصال الطريق إلى المكان المذكور من أكثر من جهة. وانطلاقاً من تظافر هذه الجهود الخيّرة والنوايا الحسنة، حدّد الشيخ محمّد موعداً لوضع حجر الأساس في السابع من تموز 1978 وشكّل لهذه الغاية لجنة حجر الأساس التي تحوّلت بعد ذلك إلى عدّة لجان وساهمت بجهد كبير لإنجاح ذاك اليوم التاريخي.


قسم العلاج الفيزيائي

الحلبي لـ الضحى: اليوم نحتفل بمرور 30 سنة على بدء العمل في المستشفى ودار المسنين

رئيس مجلس الأمناء القاضي عبّاس الحلبي، عبّر في حديثه مع “الضحى” عن سعادته لبلوغ مستشفى عين وزين الجامعي هذا المستوى من التقدّم في المجال الطبي، ومعالجة المرضى وشفائهم. وعن التطور المُستدام لدار المسنّين الذي لا يضاهيه أيّ مركز مماثل في لبنان، من حيث الرعاية والاهتمام بالمسنين الذين أضحَوْا في خريف العُمر، متناولاً المراحل التي قطعها المستشفى منذ اليوم الأول لتأسيسه، وهو يضم داراً للمسنين، وفرعاً للجامعة اللبنانية – كليّة التمريض التي ترتبط بوزارة الصحّة، ومركزاً جديداً لأشعّة السرطان.

الحلبي لفت إلى العلاقة المُمَيّزة والصداقة المتينة التي كانت تجمعه بالشيخ محمّد أبو شقرا، فلقد كان يسند إليه بالكثير من المهام المتعلّقة بشؤون مشيخة العقل، باعتباره من الرعيل الأول الذي واكب عملية التحضير لبناء المستشفى مشيراً إلى تطوّر هذه العلاقة وتأطُّرها حتى أصبح لديه نقطة ضعف تجاه الشيخ محمّد إذ كان يواظب على زيارته باستمرار في دار الطائفة، وكان سماحته يحيطه بعاطفة خاصة كما قال.

لقد كان القاضي الحلبي في ذلك الوقت ناشطاً في الحقل العام، ومعروفاً في الوسط الدرزي.كما كان يشغل منصب رئيس لرابطة العمل الاجتماعي. وعندما تبلورت فكرة بناء المؤسسة الصحية تم تعيينه أميناً للسرّ في مجلس الأمناء الذي كان يرأسه الشيخ محمَّد. بحُكم هذه العلاقة التي أشار إليها، واكب القاضي الحلبي كل عملية التأسيس منذ البداية ولغاية تاريخه. من اختيار العقارات، إلى وضع حجر الأساس، إلى كل المراحل التي تلت بناء المؤسسة وتوسعها حتى فترة الاجتياح الإسرائيلي في العام 1982 حيث توقَّف فيها العمل، بعد أن احتلّت إسرائيل المبنى وعبثت بمحتوياته. وبعد انسحابها منه اضطررنا لإعادة التأهيل والتعويض عن التجهيزات التي تضرّرت إلى أن انقضت هذه المرحلة. وأضاف في العام 1989 “باشرنا العمل في القسم الأوّل من المستشفى المتخصص بغسل الكلى، ثم مركز رعاية المسنين قبل أن يتحوّل إلى المركز الصحي للمسنين. ففي تلك السنة بدأنا باستقبال العدد الأول من العجزة وكبار السن، وقد استمريت كأمين للسر حتى سنة 2010 حيث انتُخبت رئيساً لمجلس الأمناء…” وما زال القاضي الحلبي يشغل هذا المنصب إلى اليوم. هذا المجلس يتشكل من 12 عضواً بعضهم توفاه الله، وبعضهم استقال لأسباب صحية، فتم تعيين بديلاً عنهم. والأعضاء الحاليون هم: عباس الحلبي رئيساً، عصام مكارم نائب للرئيس،مالك أرسلان أمين للسر، نبيه أبو شقرا وهو من الرعيل الأول وقد ترافقنا معاً طيلة 40 سنة إلى جانب داوود صبح وأكرم صعب وسعيد عبد اللطيف، ووجدي أبو حمزه، والدكتوربهاء نور الدين والدكتور صلاح زين الدين، وغسان عسّاف وفايز رسامني.

وعن عمل مجلس الأمناء، أشار القاضي الحلبي، أنّ المجلس هو المشرف على المؤسسة، ويتولّى وضع الخطط الاستراتيجية لها، ويقرّر الميزانية ويحدد سياساتها وقرارات توسيعها. كما ينظر بطلبات شراء التجهيزات الكبيرة، ويقرّر الخطط الخمسية المعتمدة، وهو المرجع الأول في المؤسسة. وينبثق عنه مجلس إدارة مؤلف من خمسة أعضاء وهو برئاسته أيضاً. أمّا الهيئة التنفيذية فهي تُعنى بإدارة المستشفى، وكل ما يتعلق بالعمل والإنفاق إلى جانب تنفيذ قرارات مجلس الأمناء.

مجلس الأمناء يعقد أربعة اجتماعات في السنة، أمّا الهيئة التنفيذية فتعقد اجتماعاتها كلَّ شهر، وهي تخضع لسلطة هيئة الإدارة والمدير العام. ومن القرارات المهمة التي اتخذها مجلس الأمناء هي بناء قسم جديد للمستشفى وإعادة تأهيله، وتتولّى الهيئة التنفيذية تنفيذ العمل. كما اتّخذ المجلس قراراً بتشكيل مجلس إدارة لمستشفى الجبل، وتعاونُنا معهم يقوم على علاقة ثلاثية مع مجلس الإدارة ومؤسسة كمال جنبلاط كونها الجهة المالكة. والمجلس يوفّر التمويل لتغطية جزء من نفقات التشغيل أمّا النفقات الأخرى فهي على عاتق إدارة المستشفى.


النفق الذي يربط مبنى المستشفى الأساسي بباقي المباني

الدكتور حسن أمين البعيني

الباحث الدكتور حسن أمين البعيني مؤلّف كتاب الشيخ محمّد أبو شقرا – فصول من التاريخ في مسيرة علم، وفي الفصل الثاني عشر من كتابه وتحت عنوان “رجل البناء” بيّن بالتفاصيل والأرقام والتواريخ كل المراحل التي قطعها مشروع بناء المؤسسة الصحية بدءاً من ولادة الفكرة لدى الشيخ أبوشقرا إلى إنشاء جمعية (مشروع اللّيرة الخيري) إلى توقفها واستئناف نشاطها بعد انتخاب المحامي معضاد معضاد رئيساً لها ومباركة الشيخ محمّد وتحويل الاسم إلى (جمعية مستشفى الطائفة الدرزية) والشروع في جمع التبرعات، والإتفاق على بناء المستشفى في نطاق بلدة عين وزين بعد التبرّع بالأرض من قبل الخيّرين من أمثال الشيخ أبو سامي محمّد الحسنية، والشيخ علي نعيم الفطايري، وسعيد وسليم الحسنية، منطلقاً لتحقيق هذا الحلم الكبير من تحويل المساعدة التي تلقاها سماحته من المحسن المغترب إلياس شربين وكانت بقيمة 50 ألف دولار إلى بناء هذا المشروع. ويشير الدكتور البعيني أنَّ الشيخ محمّد أطلق في 20 كانون أول 1977 نداء إلى معشر الإخوان يقول فيه: إنّ المؤسسة الصحية للطائفة الدرزية حلم راود الأفكار منذ عشرات السنين وهي ضرورة لا بدّ منها ولا غنى عنها. واليوم بدأ الحلم الذي راودكم من سنين يتحقق. معلناً بداية العام 1978 موعداً للبدء بتقبل التبرعات لدى مكتب مشيخة العقل في دار الطائفة الدرزية وبواسطة لجان ومعتمدين لقاء وصولات رسمية. محدداً السابع من تموز موعداً لوضع حجر الأساس. مشكّلاً لهذه الغاية ثلاث لجان: لجنة وضع المنهاج، ولجنة التنظيم والمراقبة، واللجنة المالية. ويلفت المؤلف إلى مجموع التبرعات في يوم الاحتفال بوضع حجر الأساس فقد بلغت أربعة ملايين ليرة لبنانية.

بعد ذلك طلب الشيخ محمّد تأسيس جمعية مجلس أمناء المؤسسة فضمّت السادة: فريد أبو شقرا سعيد عبد اللطيف نبيه أبو شقرا، وهي جمعية لا تبغي الرّبح. بعد صدور العلم والخبر من وزارة الداخلية وبناء على القانون الأساسي للمجلس، اختار الشيخ محمّد أعضاء مجلس الأمناء وبوشر بإعداد الممرضين والممرضات في تشرين الثاني 1979. وعلى صعيد الدول المتبرعة للمؤسسة كانت المملكة العربية السعودية في مقدمة المتبرّعين، فقد نقل سفيرها آنذاك الفريق أوّل علي الشاعر رسالة إلى الشيخ محمّد مُرفقة بشيك بقيمة خمسة ملايين ليرة لبنانية. وفي 11 – 4 – 1981 تم تلزيم هياكل مباني المؤسسة. وهي دار العجزة، والمستشفى، والعيادات الخارجية، ومسكن الأطباء والممرضين وفي حفل غداء أقيم في دار الطائفة أعلن الشيخ محمّد أن مجموع التبرعات قارب العشرين مليون ليرة. وفي اجتماع عُقد في المختارة بحضور وليد بيك وشيخ العقل والأميرة خولا أرسلان في 8 ه 6 ه 1986 أبلغ خلاله الشيخ محمّد المجتمعين، أنَّ مجموع التبرعات بلغ 32 مليون ليرة و351 ألف دولار وهذا المبلغ هو أقل بكثير من المبالغ المقدرة لتجهيز المؤسسة بالمعدات التي قدرت بـ أربعة ملايين دولار. وبعد اكتمال التجهيزات الأساسية للمؤسسة دعا مجلس أمنائها إلى المشاركة بافتتاحها في 4 حزيران 1989.


المركز الطبي للمسنين

فماذا يقول القيّمون على عمل المؤسّسة الصحية اليوم؟

الدكتور شوكت البعيني

مدير مركز رعاية المسنين الدكتور شوكت البعيني، أوضح في حديث لـ “الـضحى” بأن المركز يقدم الرعاية لكبار السن مع التقديمات وخدمات الرعاية، ومن الطبيعي أن تكون صحة المسنين جيدة. وهو يستوعب بحالته الحاضرة 75 سريراً بين نساء ورجال، ولكن المنطقة بحاجة لأكثر من ذلك، وليس لدينا أسرّة تفرغ بسهولة، وتبقى هناك لائحة انتظار للناس الذين تقدّموا بطلباتهم يعتمد بشكل رئيسي على دعم المستشفى من دواء ومختبر وأشعة وتنظيفات، وإنّ كلفة المسن على الورقة والقلم تتراوح بين 1000 و1300 دولار أميركي، بينما وزارة الصحة تساهم بـ 500 دولار عن المُقعدين فقط. كما أنّ وزارة الشؤون الاجتماعية تساعد بـ 300 دولار فقط. وبالتالي هناك فرق يصل إلى 800 دولار. وهناك كسر ما بين 30 و50 ألف دولار في الشهر يتولّى المستشفى تسديدها. بينما الناس تعتقد أنّ هذه الخدمات تُقدَّم مجاناً، ولو كان الأمر كذلك لكنّا أقفلنا المؤسّسة، ولا ننسى أنَّ فكرة قيامها هو دار العجزة. وبالتالي فإنَّ القيّمين عليها يرفضون إقفال هذا القسم. ولكي تكون الخدمات مجّانية، يفترض أن يكون هناك تبرعات بمبالغ مقبولة فالتبرعات التي تُقدّم للمؤسّسة متواضعة جدّاً. ولو كانت لدينا تقديمات أو هِبات كتلك التي تصل إلى المؤسسات المشابهة لكانت الرعاية مجانية،ولكن للأسف هذا ما نفتقر إليه. أمّا بالنسبة لشكاوى الناس، قال البعيني: من الطبيعي أن يكون هناك شكاوى لأن الأَسرَّة التي تفرغ ليست بحجم الطلب عليها، ونحن بصدد توسيع المركز من خلال المبنى الجديد الذي سيضم 75 سريراً إضافيَّاً فيصبح لدينا 150 سريراً. وتبقى حاجة الناس أكثر من ذلك. وهناك أعداد كبيرة ممن تتراوح أعمارهم بين 80 إلى 90 سنة وما فوق، والقسم الأكبر منهم يتطلَّب رعاية اجتماعية لأنَّ رعايتهم من قبل ذويهم تكون مُتعذّرة في غالب الأحيان بحكم عملهم وضيق الوقت، ولا بدّ لهم من اختيار المكان الأمثل، خلافاً لما كان عليه الوضع في الماضي عندما كان الأبناء يتولّوْن رعاية والدِيهم، أمَّا اليوم فالأبناء ليسوا متفرّغين و “الختيار” لا يُترَك لوحده حتى لو تمت الاستعانة بالخدم فهذه الطريقة مُكلفة جدّاً ولا تفي بالغرض المطلوب، وهناك خطورة لترك المسنين على عاتقهم، ولا أحد يمكنه أن يتكهَّن ماذا يمكن أن يحصل لهم. لذلك يتم اللجوء إلى دور المسنين التي لديها الأمان والخدمة الجيدة والحنان.

وعن الشكوى من زيادة بدل التأمين برّر البعيني هذا الإجراء بسبب قلة المسؤولية لدى البعض، وعدم التزامهم بدفع ما يترتب عليهم. لذلك لجأنا إلى خيار التأمين لأنّه في حال تأخّر ذوي المسن عن دفع ما يتوجب عليهم نستوفي المبلغ المطلوب من بدل التأمين الذي قد يصل إلى ثلاثة أضعاف الرسم الشهري، لأننا لا نستطيع أن نحكم على النوايا وعندما تُسدَّد الرسوم في أوقاتها يحقُّ للمؤمِّن استعادة المبلغ الذي دفعه، واصفاً حالة المسنين في دار الرعاية بالجيدة والممتازة، فهم يتلقَّوْن أفضل العناية ويقيمون علاقات اجتماعية واسعة النطاق مع بعضهم، “مبسوطين ومرتاحين”، ولا يشكون من فقدان الذاكرة أو الخرف، كما يحصل لهم غالباً في منازلهم، بسبب الوحدة القاتلة التي يعيشونها،.هذا فضلاً عن الرحلات التي يشاركون فيها. وفي ردّه على سؤال حول ثقافة الحنان والثقة المتبادَلة بين المسنين والموظفين الذين يتولَّوْن رعايهم قال: هذا كلّه يتم من خلال الدورات التدريبية والمحاضرات التي يشاركون فيها، وهم يعرفون أن هذا المسن يتطلب رعاية واحتضان وكأنَّه بين أهله. ونحن كإدارة نتابع طريقة عملهم ومعاملتهم للمسنين الذين يصبحون مع الوقت بمثابة أهلهم. وأضاف أحياناً يكون المسن لديه حالة نفسية تجعله يرفض العناية الجسدية، فيرفض أن يستحم أو أن يبدل ثيابه، فالموظف مُجبر على إقناعه بالقبول. لأن ما يقوم به هو لصالحه. فهكذا تنشأ الثقة بينهم، ونادراً ما تحصل أخطاء. وعن التوسعات الجديدة في المؤسسة أوضح البعيني أنّ المبنى الجديد الذي يجري بناؤه اليوم، يأتي من ضمن عقد سابق لم يتم تنفيذه في الماضي وهو تابع لقسم المسنين والعلاج الفيزيائي، ويتركَّز على عملية البناء الخارجي ولا يشمل التجهيز.

البعيني ناشد أصحاب الأيادي البيضاء إلى التبرّع والمساعدة لدار العجزة، فلا يجوز أن نطالب ولا نقدّم شيئاً.


قسم العلاج الفيزيائي

الأستاذ غازي صعب

مدير قسم التمريض غازي صعب قال لـ “الضحى” إنَّ قسم التمريض في مستشفى عين وزين يضم قرابة 300 ممرّضة وممرّض غالبيتهم من الخرِّيجين وتشمل الماجستير والليسانس والدراسات العليا الدكتوراه وما فوق، بالإضافة إلى شهادة TS وlt وتشمل BT المهني للعلوم التمريضية المهنية، وتنقسم إلى ثلاثة أقسام وظيفية هي: مدير تمريض، مشرف ومشرف قطب للوحدات التمريضية، بالإضافة إلى مسؤولي أقسام تمريضية. وهناك عامل تمريضي ومساعد تمريضي، وكاتب تمريضي لكل وحدة. وهذا الفريق التمريضي يخضع لمراقبة مستمرّة، وكل يوم خميس يشارك في المحاضرات والتدريب على كيفية التواصل مع المريض لتفادي الأخطاء في حال حدوثها، ومنع انتقال الأوبئة إلى المرضى. كما تقوم الإدارة بتشييك يومي على عمل المُمرضين ضمن برنامج خاص، وتدريبهم على فرز النّفايات. وحول الآلية المعتمدة لعمل الممرضين أوضح صعب أنَّ حَمَلة الشهادات يخضعون للتدريب والمراقبة مدّة ثلاثة أشهر، وبعد قبولهم يتم توظيفهم ضمن عقود عمل وكلّ فترة نجري عملية تقييم لطريقة الالتزام بالتعليمات. من جهة ثانية لفت صعب إلى النقص الكبير في قسم التمريض على مستوى كل لبنان، على مستويي التعليم المهني والجامعي، وفي اللغتين الفرنسية والإنكليزية، وهناك نقص في الخبرات، ونقص في العدد ليس فقط في لبنان بل على مستوى العالم. في موضوع ما يسمى بالجرثومة التي تصيب المرضى في المستشفيات، أكّد أنَّ هذا الموضوع مُسَيطَرٌ عليه ولدينا ممرّضات متخصّصات، بالنسبة لهذا الموضوع، والتنسيق مستمر مع إدرة المستشفى.

مِهرجانات صيف ٢٠١٩

مرّةً جديدةً يدفع الجبل ولبنان عمومًا ثمن التأزّم السياسي والتوتّر الأمني والتراجُع الاقتصادي الذي خيّم على البلاد طيلة الأشهر المُنصرمة من سنة ٢٠١٩. ومرّة جديدة يُخفق أصحاب المؤسّسات التجارية والفندقية والسياحية عمومًا في تعويض خسائر الأعوام الماضية، أو في تحقيق التوازن الذي يبقي تلك المؤسّسات على قيد الحياة، ويبقي لأصحابها وموظفيها فرصة الاستمرار في هذه الظروف الاقتصادية الحرجة. رغم ذلك، لم تنقطع جهود البلديّات والاتحادات البلدية والمؤسّسات السياحية في محاولة التغلب على الوضع الاقتصادي الصعب الناجم خصوصًا عن انحسار السياحة والاصطياف الخليجييِّن إلى الحد الأدنى، وكسببٍ مباشر عن التأزم الأمني وارتفاع حدّة الخطاب السياسي.

وبين أبرز تلك المحاولات، سلسلة المهرجانات الدولية والفعاليات السياحية والبيئية التي توّجت صيف الشوف وعاليه والشويفات وصولًا إلى راشيا وحاصبيا.فعلى مدى أشهر الصيف، غُصَّت تلك الأقضية والمدن باحتفالاتٍ ونشاطاتٍ استرجعت فرح المواطنين واستقطبت السيّاح والمغتربين، مجسّدةً بذلك إصرار اللبنانييِّن على ثقافة السلام وتمسّكهم بإرادة الحياة.

السيدة نورا جنبلاط ووزير السياحة أفيديس كيدانيان خلال إطلاق موسم صيف الشوف 2019.

 

 

 

 

 

 

 

وفي سياق نشر روح المحبة والتسامح وتعزيز مكانة الجبل وترجمة أصالته ووحدته وتنوّعه، فقد أطلقت لجنة مهرجانات بيت الدين ومحمية أرز الشوف، «موسم صيف الشوف ٢٠١٩» برعاية وحضور وزير السياحة أواديس كيدانيان، وبالتعاون مع جمعية تجّار الشوف وتجمُّع الصناعييِّن في الشوف والبلديات واتحادات البلديات والجمعيات الأهلية والأندية الثقافية والرياضية، وذلك خلال احتفالٍ أُقيم في قصر الأمير أمين- بيت الدين، في حضور رئيسة لجنة مهرجانات بيت الدين السيدة نورا جنبلاط وفعاليات أُخرى.. واحتضنت عروس الجبل»مهرجانات عاليه للإنسانية» التي أُقيمت برعاية البلدية وبالتعاون مع جمعية تجار عاليه وعددٍ من الجمعيات الأهلية. وقد تضمّنت المهرجانات جملة أنشطة ثقافية وسياحية وفنية، تمّ تخصيص رَيْعها لدعم مراكز الدفاع المدني.

ولم تَغِب بَهجة الاحتفالات عن مدينة الشويفات، حيث انطلق «مِهرجان الفرح» الرابع عشر برعاية وزارة السياحة، ليجدّد الأمل بما يمثّله أهلها من سمات الرّقي والمحبة، فتلاقَوْا في شوارع مدينتهم تحت شعار «جمعتُنا أحلى فرحة».
وبدعوة من البلدية و«تجمّع شباب راشيا»، افتُتحت مهرجانات صيف راشيا تحت رعاية رئيسة مهرجانات بيت الدين الدولية السيدة نورا جنبلاط، حيث أُقيم على مدرّج قلعة الاستقلال مهرجان فني حاشد كرّس عشق اللبنانيّين لوطنهم ومازج بين صخب الموسيقى وما تحمله القلعة من معاني التضحية والوطنية.

وفي باحة سوق الخان الأثريَّة، أطلقت لجنة مهرجانات حاصبيا السياحية السنوية بالتعاون مع البلدية، مهرجان صيف ٢٠١٩ برعاية وزير السياحة أواديس كيدانيان. وعلى مدى ثلاثة أيام ألهبت فعاليات المهرجان الساحات والشوارع لتشكّل امتدادًا لأوجه الحياة والفرح من الجنوب إلى شتّى أنحاء الوطن.

[Best_Wordpress_Gallery id=”21″ gal_title=”مهراجانات صيف 2019″]

الشُّوَيفات

تمهيد

مثلما كانت الشويفات لفترة طويلة مدينة البحور الثلاثة (الأخضر، الأصفر، والأزرق)، هي اليوم وبامتياز مدينة الحركة التجارية الناشطة، والإنتاج الصناعي الكثيف؛ مدينة المدارس والجامعات والعلماء والأدباء والشعراء البارزين؛ وهي أيضاً مدينة الوحدة الوطنية. بهذه الروح تُقارب الشويفات، المدينة العزيزة، لتجلو بعضاً من خصائصها الممَيِّزة: ماضياً، حاضراً، سُكّانياً، تنمَوياً، ثقافياً وتربوياً، إنتاجاً وإبداعاً، إلى سائر ما تختزنه الشويفات الغنية من تراث، وإمكانيات، ومن آمالٍ معقودة على بلديّة الشويفات الزاهرة ومسؤوليها الكرام.

لذلك كلّه، بدأت جولتها بزيارة حضرة رئيس بلدية مدينة الشويفات، النشيط والساهر على عمليّة تنمية الشويفات وخدماتها، الأستاذ زياد حيدر. كما كان لها لقاءات موسّعة مع المعنيين بإنماء المدينة والمتخصصين بتاريخها الغني.

رئيس التحرير

السّوق التّجاري في الجدَيدة – السمقانيّة – عين وزين

يُعَدّ السوق التّجاري في منطقة بقعاتا – السّمقانية – عين وزين من أهم وأنشط الأسواق التجارية في الجبل، وقد شكل منذ نشوئه ولغاية تاريخه مُتَنفّساً تجارياً لأهالي الجبل، ومحطة جذب لمعظم المستثمرين في المنطقة من أصحاب الرساميل ومتوسطي الدّخل، كما يُعتَبر بحكم موقعة الوسطيّ من الشوف همزة وصل لكافّة القرى الجبلية المنتشرة في سفوح جبل الباروك من نيحا إلى عين دارة، ومن الإقليم إلى المناصف وصولاً إلى الدامور والناعمة، والوافدين إليه من مناطق راشيّا وحاصبيّا والمتن الأعلى، حتى العاصمة بيروت، وبالأخص من البلدات التي كانت واقعة على خطوط التّماس إبان الحرب الأهلية في الربع الأخير من القرن الماضي. هذه الحرب التي امتدّت من العام 1975 إلى العام 1990، مع ما خلفته من تبدّل ديمغرافي غيّر الكثير من طبيعة الحياة الجبلية، ومن طباع الجبليين ومن العادات والمفاهيم القروية التي كانت شائعة قبل تلك الحرب المشؤومة. ففي تلك المرحلة اعتُبِر الشّوف الملاذ الآمن لمعظم العائلات التي اضطُرَّت للهروب من أماكن إقامتها في العاصمة بيروت وضواحيها، حتى لا تبقى عرضة للقتل والخطف على الهويّة والتهجير القسري. في تلك الفترة كانت منطقة بقعاتا – السمقانية وسوقها التّجاري تشهدان حركة عمرانيّة وتجارية مزدهرة، ومحطّ رحال العديد من الفئات الميسورة منهم ومن الشباب المُغترب بالنظر لتميُّزها كمنطقة وسطيّة في قلب الجبل، وبُعدها عن ساحات القتال. لا سيّما وأنها لا تبعد عن بيروت أكثر من 40 كلم، وهي على مسافة قريبة من مراكز القرار الإداري في بعقلين وبيت الدين من دون أن ننسى المختارة؛ المرجعيّة السياسية لكلّ أهالي الجبل، وهو ما أكسبها أهمّية خاصة.

فبعد أن كانت مدينة بعقلين هي السوق التجاري الوحيد في المنطقة اتّجهت الأنظار إلى بقعاتا السمقانية التي كانت تشهد نموّاً متسارعاً في تلك الفترة. وهو ما ساعد على تكوّن السوق التجاري في هذه المنطقة في مرحلة ما قبل الحرب الأهليّة. أمّا المرحلة الثانية فلقد أتت نتيجة لهذه الحرب وظروفها القاسية وهي التي ساعدت على أن يأخذ هذا السوق الشّكل المُتعارف عليه في حالته الحاضرة. أمّا مرحلة النمو العمراني والازدهار التّجاري في بقعاتا – السمقانية فيمكن وصفها بثمرة الاستقرار الأمني التي نَعِمَ به الجبل طيلة السنوات الماضية، ولكن بالمقابل هناك مشاكل كثيرة تحول دون تطوّر هذا السوق التجاري بالشكل المطلوب. وبالإضافة إلى كلّ ذلك يمكن القول أنّ هناك عاملان أساسيان أسهما بتطوير هذا السوق وشهرته هما:

الأوّل: حاجة المنطقة لهذا المُتنفّس بعد استحالة العودة إلى المدينة بالطريقة التي كانت سائدة من قبل، بالإضافة إلى ضيق المساحات العمرانية في القرى النائية التي تفصلها عن مركز القرار الإداري في الجبل والتي تتطلّب التنقّل بالسيارة زهاء نصف ساعة وأكثر.

الثاني: انتشار المدارس الرّسمية والخاصّة والمعاهد والثانويات والمستشفيات والتعاونيات الاستهلاكية والمصارف، وكذلك الفروع الجامعية. يضاف إليها سهولة الانتقال منها إلى المدينة، إمّا لطلب العمل أو لالتحاق الأبناء بالجامعات في بيروت والضواحي. وهو ما جعل لدى أرباب العائلات في تلك القرى النائية عدم القدرة على الصمود في قراهم إلى ما بعد نيل أولادهم الشهادة الثانوية، وبعدها قد يجدون أنفسهم مُكرَهين حُكماً للانتقال إلى بقعاتا وإلى أبعد منها. ولم يقتصر الأمر على سكان هذه الأماكن وحدها، بل هو حال غالبيّة اللبنانيين القاطنين في الأرياف البعيدة وبالأخص في الشمال والجنوب والبقاع.

من أهم الأسواق التجارية في الجبل والشّريان الحيوي لمنطقة الشوف. وجوده انعكاس لنموّ المنطقة السكَّاني والعمراني.
الفطايري: «نسعى ليكون سوق بقعاتا بأهميّة سوق الحمرا وسوق فرن الشباك.»
هرموش: «المنافسة العشوائيّة وغلاء الإيجارات يضرّان بالسّوق.»
خطّار: «نتمنَّى على البلدية حلّ مسألة السّير وإيجاد مواقف للسيارات.»

لمحة موجزة عن منطقة الجديدة – بقعاتا، وبقعاتا – السمقانية – عين وزين قبل الفورة العمرانية وقيام السوق التجاري

قبل الغَوص في الحديث عن السوق التجاري في بقعاتا – السمقانية – عين وزين وأهميته التجارية والاقتصادية لأبناء الجبل، لا بدّ من إعطاء القارئ لمحة موجزة عن تاريخ هذه القرى الثلاث التي يتشكل منها السوق ماضياً وحاضراً، وما تتميّز به من صلة وصل بين شوفه الحيطي والأعلى، وشوفه السويجاني ربطاً بالمناصف وإقليم الخروب والساحل. فإذا كان هذا السوق التجاري الذي يبدأ من دوّار بعقلين مروراً بالسمقانية وبقعاتا والجديدة، وصولاً إلى عين وزين بطول يفوق الخمسة كيلومترات، فإنّه يشكّل على أهميته عصب الحركة الاقتصادية لهذا الشوف المتنوّع في طبيعته وإنسانه. إنّ القرى التي يتألّف منها السوق التجاري في بقعاتا شكّلت ماضياً عصب الحراك السياسي والإقطاعي في زمن الإمارتين المعنيّة والشهابية، والرابط الأساسي بينها وبين عواصم القرار السياسي والإداري في كل من بعقلين ودير القمر والمختارة وبيت الدين.

عين السمقانيّة.
السمقانيّة

هي إحدى قرى الشوف السويجاني، لقد اشتُهرت بسهلها الفسيح، الذي شهد على العديد من المحطّات التاريخية من بينها انتقال الإمارة في جبل الشوف من المعنيين إلى الشهابيين. كما اشتُهرت السمقانية بسوقها التجاري العام خلال القرن الثامن عشر الذي ما تزال آثاره قائمة في محيط العين الأثريّة وقد أعيد ترميمه مؤخّراً. ولقد ارتبط اسم السمقانية بالشيخ محمود أبو هرموش الذي استحقّ فيما بعد لقب باشا. وهو الذي حاول انتزاع إمارة الجبل من الأمير حيدر الشهابي في معركة عين دارة سنة 1710 ولكن الحظ لم يحالفه.

وفي هذا السياق يشير الأستاذ نبيل العقيلي الملمّ بتاريخ بلدته السمقانية لـ ، أنّ الشيخ أبو زين الدين حسن أحمد العقيلي الذي يرتقي إليه من حيث الحسب والنسب، كان من أبرز المراجع الدينية في القرن التاسع عشر، وهو ابن شقيق نجم العقيلي الشهير الذي كان يُلَقّب برئيس الوزارة في المرحلة الأولى من حكم المير بشير الشهابي، إلى الدور الكبير الذي لعبته السمقانية ومرجها الشهير وسوقها القديم الكائن بمحيط العين التاريخية في البلدة. وتأكيده على أنّ مرج السمقانية أو سهل السمقانية كان مُلتقى لأعيان الدروز عند كل مسألة خطيرة أو أمر مُهمّ يتعلّق بمصير أهل الشوف ومستقبلهم. وإنّ هذا السهل كان شاهداً على العديد من الاجتماعات واللقاءات التي كانت تُعقد لفضّ النزاعات وتقرير المصير، كما تشير إلى ذلك كل المراجع التاريخية. ولم يقتصر دوره فقط على الاجتماع الشهير الذي أدّى إلى انتقال الحكم من المعنييّن القيسييِّن إلى الشهابيين القيسييِّن بُعَيد وفاة الأمير أحمد المعني دون عقب. ويلفت العقيلي إلى طمس الكثير من الحقائق المرتبطة بتاريخ السّمقانية وتاريخ الجبل، وكلّ ذلك جرى لغايات معروفة ولم تعد خافية على أحد. والجدير بالذّكر أنّ سهل السمقانية أو هو نفسه المكان الذي اختاره المعلّم كمال جنبلاط لبناء مدرسة العرفان ومستشفاها المشهورَين. مذكّراً بما قاله المعلم في افتتاح المخيّم الكشفي السادس سنة 1974. هنا في مرج السمقانية حيث كان يُنَصّب الحكّام ويُخلعون… كما شهد السهل على معركة البشيرين سنة 1825. ومن هنا تبرز أهمّية هذا السهل لكونه مُحاطاً بعدّة تلال كانت توفّر له الحماية المطلوبة، لافتاً إلى سنديانة كبيرة موجودة في محلة المشرع، وهي تعود إلى تلك الحِقبة. كما يشير إلى منطقة الغشي التي يقوم عليها مركز الصّليب الأحمر اليوم. معدّداً ثلاث قلاع أثريّة من بينها قلعة الحصن حيث قصر محمود باشا أبو هرموش.

ويذكر العقيلي أنّ آل «أبو هرموش» كانوا في السمقانية قبل انتقال محمود باشا إليها سنة 1702 وأنّ محمود باشا كان على علاقة جيدة في بداية الأمر مع الأمير حيدر الشّهابي، لكنَّ والي عكا أمره بالانقلاب عليه مقابل تعيينه أميراً على الدروز، فانتقل على إثرها من نيحا إلى السمقانية وبنى قصره الشهير على أنقاض قلعة صليبيّة، ومنها انتقل إلى دير القمر لتسلُّم الحكم بعد فرار الأمير حيدر إلى المتين. لكن مدة حكم أبو هرموش كانت قصيرة بسبب عناده وقساوة طبعه ما أدّى إلى ابتعاد النّاس عنه، فاضطرّ للتنازل عن الحكم لصالح حليفه يوسف علم الدين اليمني. أمّا شقيقه هزيمة الذي سكن في بعقلين وبنى فيها داراً اعتُبرت تحفة هندسيّة، كما أشار إلى ذلك الأستاذ نجيب الغصيني في كتاب بعقلين في التاريخ. لكنّ انكسار الحزب اليمني في معركة عين دارة سنة 1710 أدّى إلى اعتقال أبو هرموش وهدم قصره في السمقانية وقصر شقيقه في بعقلين انتقاما. وإنّ أملاك آل هرموش في السمقانية انتقلت فيما بعد بالإرث إلى أقربائهم من آل القاضي وآل العقيلي. وما تبقّى من العائلة نزحوا إلى بيروت وطرابلس والبقاع والجنوب. لكن جذور العائلة في بلدة السمقانية مازالت قائمة ومنهم قاسم هرموش الذي شارك في عاميّة أنطلياس. أمّا باقي عائلات السمقانية بالإضافة إلى آل هرموش والعقيلي فهم: القاضي ومصطفى وصادق، وشرف الدين. ولم ينسَ العقيلي أن يقصّ علينا ما كان يُقال في ذلك الزمن عن الثالوث المؤلَّف من البشيرين ونجم العقيلي: المير بشير هو الباب والشيخ بشير جنبلاط القفل ونجم العقيلي الغال. أمّا تسمية السمقانية فهي مشتقة من كلمة «السماء القانية» أو السماء النقيّة.

مبنى بلديّة الجديدة (بقعاتا).
الجدَيْدة

هي قرية وادعة تقع غرب بلدة المختارة وإلى الشرق من سهل بقعاتا الشهير الذي ارتبط اسمه بها فأصبحت تُعرف باسم الجديدة – بقعاتا. وقد جرت محاولات عدّة لسلخ الجديدة عن بقعاتا لكنها باءت بالفشل لأسباب لا مجال لشرحها. في الجديدة توطّنت مجموعة عائلات هي: الفطايري – نصر الله – طليع – حيدر – علامة – شديد – عيّاش.

يصف القاضي الشيخ رياض طليع بلدته الجديدة بالقرية الهانئة الواقعة قبالة المختارة مقر الزعامة الجنبلاطية، متمنّياً عليها أن تبقى محافظة على تقاليدها القديمة وطابعها القروي والبيئي المميّز في قلب الجبل؛ فالشيخ رياض من الرجالات القلائل الذين لم تغوِهم نشوة الانتقال إلى السكن في بقعاتا على الرّغم من شهرتها وتطوّرها السريع، بل آثر البقاء في الجديدة إلى جانب العديد من رجالاتها، ممَّن أحبُّوا البقاء فيها والتنعُّم بمُناخها المعتدل ونسيمها اللطيف المُنبعث إليها من واديها الخلاب مصحوباً بعطره الساحر ونغمات مياه الباروك المنعشة.

يقول الشيخ رياض: إنَّ آل الفطايري من أكبر عائلات الجديدة. وآل حيدر من أقدم العائلات التي توطّنت في هذه البلدة، وهي كانت تنتمي إلى الحزب اليمني، فبعد هزيمتهم في معركة عين دارة نزح القسم الأكبر منهم إلى الشويفات وإلى مناطق عدّة في الشمال والجنوب. أمّا آل طليع فهم من الأسر القديمة التي وفدت إلى لبنان مع الأمراء المعنييّن. مسمّياً أربعة أخوة منهم: طليع وقيس وذيب ويونس. ولقد كان سكنهم الأوّل في كفرنبرخ، ثم غادروها وتوزّعوا بين الشوف وحاصبيا. طليع سكن الجديدة، وقيس وديب ذهبا إلى حاصبيّا، ويونس سكن في عمّاطور وكنيته أبو صالح وينتسب إليها شيخ العقل محمّد أبو شقرا. ويشير القاضي رياض أنّ آل طليع هم من العائلات الجنبلاطية التي لعبت دوراً مميّزاً في تاريخ الموحّدين الدروز. وأنّ قربهم من آل جنبلاط أبقى على مشيخة العقل في عهدتهم 104 سنوات. الشيخ حسن طليع من سنة 1845 الى سنة 1878. والشيخ محمّد طليع من سنة 1878 إلى سنة 1917 والشيخ حسين طليع من سنة 1917 إلى سنة 1949. وقبلهم كان الشيخ أبو حسين قائدبيه طليع الذي لُقِّب بسلطان الأجاويد، وهو شقيق الشيخ ناصيف طليع وقد رحل عن المنطقة مع الشيخ بشير جنبلاط بعد هزيمته في معركة السمقانية لكنه بعد اعتقال الشيخ بشير وإعدامه في عكّا، عاد واستسلم للمير بشير كي يصفح عنه. وكعادته أرسل المير من يتعقّبه وقتله قبل أن يعود إلى الجديدة ولم يسمح بدفنه، فاضطرّ شقيقه أبو حسين للذهاب إلى بيت الدين سيراً على الأقدام ليطلب من المير بشير السماح بدفن شقيقه، ولمّا علم المير أنّ الشيخ «بو حسين» أتى من الجديدة إلى بيت الدين سيراً على الأقدام أمر له بفرس كي يمتطيها فقال له: جئتك ماشياً وسأعود كما أتيت شرط أن تأذن لنا بدفن ناصيف فأجابه: ليكن لك ما تريد.

ومن آل طليع القاضي رشيد طليع وهو أوّل رئيس حكومة في عهد الأمير عبد الله بن الحسين في الأردن وقد تلقّى علومه في اسطنبول، وشغل قبل ذلك قائمقاماً لراشيّا، ومتصرّفاً لطرابلس وحماه كما عُيِّن وزيراً للداخلية في الحكومة السورية الأولى، وكان زعيماً لحزب الاستقلال في سورية، ومندوباً عن الدروز في مجلس النّواب السوري. وحين كلّفه الشريف حسين بتشكيل الوزارة اختلف مع الملك عبد الله لأنّه رفض ضمّ شرق الأردن إلى سورية. في المرحلة الثانية التحق بالثورة السورية الكبرى إلى جانب سلطان باشا الأطرش والأمير عادل أرسلان وشارك قائداً في مهمّة الدفاع عن المقرن الشرقي وكان مقرّه في قرية الشّبِكي واستُشهد فيها بعد سنة من اندلاع الثورة، وعندما عزموا على دفنه صاحت إحدى النساء مُحَذِّرة «لا تدفنوا رشيد وهوّي نايم إذا نام رشيد بنام سعد الثورة» فأقرّ الرأي على أن يُدفَن واقفاً. ومن مشاهير آل طليع الدكتور فريد طليع وهو من أشهر أطبّاء الملك عبد الله وكان يومها برتبة زعيم. والدكتور سعيد الذي عُيِّن نائباً عن جبل لبنان بالمجلس التأسيسي السوري. والشيخ حسن طليع الذي عُيِّن وصيَّاً على أولاد الشيخ سعيد جنبلاط. آل الفطايري انتقلوا من كفرنبرخ إلى بطمة ومنها إلى الجديدة. آل نصر الله قدِموا إلى الشوف مع آل جنبلاط.

ساحة بلدة عين وزين.
عين وزين

يقول الشيخ أبو حسان الحسنيّة الذي أصبح على مشارف المئة سنة من العمر أنّ عين وزين تعني عين الماء العذبة وهي قديمة كباقي القرى الشوفيّة، وربما يعود تاريخها إلى عهود بعيدة في التاريخ بالنظر إلى وفرة الآثار والمغاور والكهوف المنتشرة في أراضيها. وكانت في البداية تقطنها عائلة شنيف وهي من الأسر الإقطاعية، بالإضافة إلى عائلتي الحسنية والغضبان. لكن آل شنيف ما لبثوا أن رحلوا عنها إلى عين دارة. ويروي الشيخ أبو حسّان نقلاً عن السّلف أنّ عين وزين كانت محطة اختبار دموي للصّراع اليزبكي – الجنبلاطي في القرن الثامن عشر بين عائلتي الحسنية الجنبلاطيين والغضبان اليزبكيين. وقد سقط للعائلتين عددٌ لا بأس به من القتلى. علماً أن هذا الخلاف انتهى عندما تعقّب نفر من آل الحسنية غريماً لهم من آل الغضبان كان قد لجأ إلى قرية ولغا في جبل الدروز، ولما اهتدَوْا إلى مكان إقامته بعد 7 سنوات من البحث عنه، اقتحموا منزله ليلاً بقصد الأخذ بالثأر، لكنّهم سمعوه يوصي زوجته أن توصد باب البيت جيّداً، فأجابته الزوجة أما زلت تخشاهم بعد كل تلك السنين؟ فانتهرها قائلاً «يلّي ما بيخشى الرجال ما بيكون من الرجال». عندها طرقوا الباب وعرَّفوه بأنفسهم وأخبروه بأنَّهم حضروا لقتله، وقالوا له «لكن لما سمعنا ما قلته عنّا عفونا عنك ونريدك أن تعود معنا إلى عين وزين لننهي هذا الخلاف» وهكذا كان.

الباحثة هبة سجيع الحسنيّة تقول في الدّراسة التي أعدّتها عن قُرى الشوف السويجاني، أن عين وزين موجودة منذ أيام الفينيقييِّن والصليبييِّن، مُعَدِّدةً الكثير من المعالم التاريخية التي تشير إلى ذلك. وقد عُرِفت بشكل خاص في عهد الإمارتين المعنية والشهابية. بعض المراجع تشير إليها بكلمة عين وزين كما تُعرَف اليوم والبعض الآخر بكلمة عين وزيه. وتفيد الدراسة أنّ آل الحسنية هم من القبائل العربيّة التي أتت من شمال العراق. وهم ينتمون إلى الحسن بن علي بن أبي طالب ابن بنت الرسول(ص ع). وفي وادي فاطمة في مكة المكرمة عين ماء تدعى عين الحسنيّة. وأضافت، في عهد التنوخيين كتب المُعز أيبك ملك مصر سنة 1257 إلى الأمير سعد الدين التنوخي كتاباً حدّد فيه الجهات الخارجة عن مقاطعة الغرب التي كان التنوخيون أسيادها ومنها عين أوزيه. وبعد قدوم آل عماد إلى العرقوب حدثت فتنة بينهم وبين آل جنبلاط انتقل على إثرها آل عماد إلى عين وزين ومنها إلى الباروك. وسنة 1812 كانت عين وزين ملجأ لوالي أريحا سعيد آغا، ووالي الشّغر طبويل المغضوب عليهما من الدولة العثمانية. وفي سنة 1825 أتى إلى عين وزين الأمير فارس سيد أحمد شهاب الذي وافق الشيخ بشير جنبلاط على التّحالف معه ضد المير بشير الشهابي.

سوق بقعاتا.
بقعاتا: من سهل لزراعة الكروم والحبوب إلى مدينة أشهر ما فيها السوق التجاري

يقول المختار السابق حسيب حيدر: إنّ بقعاتا قبل أن تصبح مدينة مكتظّة بالسكان وسوقاً تجارياً له شأنه في المنطقة، كانت عبارة عن سهل فسيح مترامي الأرجاء تمر في وسطه الطريق العام المتجهة من بعقلين وبيت الدين إلى المختارة وإلى غالبية قرى الشوف الأعلى. في هذا السهل كانت تزدهر زراعة كروم العنب، وكان مُحاطاً من كافّة جوانبه بأراضٍ سليخ استُخدمت في الماضي لزراعة الحبوب على أنواعها، كالقمح والشعير والعدس والحمّص وخلافه. ولوفرة العنب وجودته كان يوجد في بقعاتا ثلاثة معاصر لدبس العنب، وهو ما يفترض تعيين نواطير لمنع السرقة التعدّي على أرزاق الناس. كما كان يضمّ أيضاً عدداً من زرائب الماشية كالماعز والأبقار. في نهاية الأربعينيّات من القرن الماضي عندما قررت الدولة جرّ المياه من نبع الباروك إلى إقليم الخروب وبعض القرى الشوفيّة، عمدت إلى مدّ قسطل المياه في سهل بقعاتا.

في العام 1956 تعرّض لبنان لزلزال كبير أدّى لأضرار جسيمة ما دفع بمصلحة التعمير إلى استحداث مستودع في أملاك الشيخ أبو حسن نعيم الفطايري لتضع فيه مواد البناء المخصّصة لأهالي الشوف الأعلى لمساعدتهم على إعادة إعمار ما تهدَّم. وبعد تخلِّي المصلحة عنه حوَّل الشيخ الفطايري المستودع إلى دكّان تجاري كان الوحيد في المنطقة.

في العام 1958ومع اندلاع الثورة التي قادها المعلّم كمال جنبلاط ضد حكم الرئيس كميل شمعون والتي عُرفت بـثورة 1958 وقد سقط فيها 58 شهيداً، قرّر المعلم كمال جنبلاط إقامة مقبرة جماعية لهؤلاء الشهداء الأبطال إلى جانب الطريق العام، وهي على الحد الفاصل بين خراج بقعاتا والسمقانية وهي ساحة كبيرة سُمِّيت فيما بعد بـ ساحة الشهداء. ومنذ ذلك التاريخ بدأت بقعاتا تشهد عملية انتقال تدريجي إليها وتحديداً من قرية الجديدة إلى الروابي المشرفة عليها. ومع تقدم السنوات أخذت الأبنية والحارات تتمدَّد إلى سهلها بشكل خجول وخاصة بعد التحاق بعض الشباب من القرى المحيطة بها في الوظائف الحكومية المدنية والعسكرية، وهجرة البعض الآخر للعمل في الخارج بدأت عمليّة شراء الأراضي في بقعاتا بأسعار زهيدة في بداية الأمر. وبالتزامن مع الاستقرار السياسي والاقتصادي الذي شهده لبنان في تلك الفترة حتى منتصف السبعينيات ازدهرت حركة العمران في بقعاتا وبدأت تأخذ طابع البلدة النموذجيَّة.

ويعود المختار حسيب حيدر بالذاكرة إلى أوّل لجنة تشكّلت في بقعاتا لضبط مخالفات البناء وكانت مؤلَّفة منه ومن السيّدين يوسف غيث وأحمد البتلوني وآخرين، فقد كان الهدف منها المحافظة على الطابع العمراني في البلدة الجديدة وخاصة على جانبي الشارع العام الذي تحوَّل إلى سوق تجاري نشيط بهدف منع التعدّيات عليه. وقد ساعد على ازدهار المنطقة سكنيّاً وتجاريّاً عاملان مهمّان تمثل الأوّل بافتتاح التعاونية الاستهلاكية في بقعاتا سنة 1974. والثاني إنشاء مدرسة العرفان في السمقانية بعد أن وضع المعلّم كمال جنبلاط حجر الأساس لها سنة 1973. وعن المساعي لفصل بقعاتا عن الجديدة يؤكّد المختار أنّها تمّت بدعم مباشر من رئيس الأركان اللواء سعيد نصر الله وشقيقه حسين، وقد حصلا على موافقة مبدئية لهذا الإجراء أيام الرئيس فؤاد شهاب، لكن قرار الفصل هذا لم يُنفّذ بسبب المعترضين عليه.

بعد استشهاد المعلم كمال جنبلاط جرت محاولة جديدة لتنفيذ هذا القرار، وقد كَلَّف الزعيم وليد بك جنبلاط العميد عصام أبو زكي الاهتمام بهذا الموضوع، وبحسب ما علمنا فقد أجرى العميد أبو زكي اتّصالاً بمدير الداخلية آنذاك اللواء هشام الشعار فكان جوابه «وصل بقعاتا بالجديدة أهون بكثير من فصلها» فتمّ الاتفاق على اعتبار بقعاتا حيّاً من قرية الجديدة. على أن يكون المختار الثاني من المسجّلين فيها.

مع اندلاع الحرب الأهليّة سنة 1975 ورجوع العديد من العائلات من أماكن إقامتهم في بيروت وضواحيها، إلى المناطق الآمنة البعيدة عن أزيز الرصاص والخطف والقتل على الهوّيّة، بالإضافة إلى هجرة العديد من الشباب اللبناني إلى الدول العربية والأجنبية التي شهدت نموّاً ملحوظاً في تلك الفترة، انتقلت عدوى السفر إلى شباب الجبل بحثاً عن فرص العمل لهم بعد أن سُدَّت آفاقه في لبنان بسبب الحرب. وقد أصاب هؤلاء الشباب نجاحاً لافتاً. حينها بدأ البعض منهم باقتناص الفرص للاستثمار في بقعاتا، إمّا تجارياً عن طريق شراء الأراضي والاستفادة منها عمرانيّاً واستثمارها عن طريق الإيجار، أو بيع الشقق السكنيّة وخاصة من قبل القادمين من القرى البعيدة. وهكذا بدأت الحركة العمرانية في بقعاتا تتطوّر بشكل لافت وخاصّة بعد تأسيس التعاونية الاستهلاكية بمحاذاة الشارع العام التي اعتُبر حينها من أهم المرافق التجارية في المنطقة. ومن ثمَّ جرى افتتاح مدرسة العرفان ومستشفاها في السمقانية، وبعدها تم انتقال مدرسة اللّيسيه ناسيونال لصاحبها الأستاذ فؤاد ذبيان المدير العام السابق لوزارة الإسكان من بلدته مزرعة الشوف إلى بقعاتا، وافتتاح فرع لـ بنك بيروت والبلاد العربيّة فيها إلى غيرها من المؤسّسات الخاصة المتوسطة والصغيرة الحجم التي شكّلت السوق التجاري بحالته الحاضرة. إلّا أنَّ حركة البناء وبيع العقارات في منطقة بقعاتا – السمقانية – عين وزين المتداخلة بعضها ببعض تراجعت بشكل ملحوظ في فترة الاجتياح الإسرائيلي للبنان في العام 1982وخاصة بعد انتقال المواجهات الدمويّة إلى قلب الجبل بسبب سوء التقدير من قبل بعض الجهات السياسية التي كانت تسعى لتطويع الجبل ممّا تسبّب بالضّرر على نمط التعايش المشترك الذي كان قائماً بين كافة أبناء الجبل. وكانت الغلبة في النهاية لصالح الجهة المُعتدى عليها انطلاقاً من حقِّ الدفاع عن النفس والوجود.

منذ العام 1984 عادت حركة البناء في المنطقة لتزدهر من جديد، دون أن يكون لهذه الفورة العمرانية المخطَّط التوجيهي المطلوب. وقد يكون الزعيم وليد جنبلاط مصيباً في قوله» لقد غدرتنا الأيام ولم نقم بما يلزم من إعداد المخطط التوجيهي لبقعاتا بالشكل المطلوب، لأن تسارع الأحداث وقيام الأبنية العشوائية عطلت القيام بهذا المخطط كما يلزم وإجبار المالكين أن يتقيّدوا بما يتلاءم مع تطوير المدن المستحدثة التي تشكل الشريان الحيوي لكلّ أهالي الشوف».

القرية الطبية في عين وزين | Ain Wazein Medical Village

بعد قيام المؤسَّسة الصحيّة في عين وزين اتّجهت الأنظار إلى الشارع الرئيسي الذي يربط بقعاتا بـ عين وزين وصولاً إلى بتلون والباروك، ولقد سمحت الظروف ورخص الأسعار بشراء الأراضي وإقامة الأبنية السكنية والتجارية. وعليه فإنّ السوق التجاري في بقعاتا – السمقانية لا يمكن فصله عن السوق الممتد من بقعاتا إلى عين وزين حيث يتواجد فيه مرفقان هامّان: تعاونية بقعاتا والمؤسسة الصحيّة (مشفى عين وزين) التي لا تبعد عن الطريق الرئيسي سوى مئات الأمتار إلى جانب عشرات المؤسّسات التجارية والصناعية والزراعية والمطاعم والسوبرماركت. كما يمتد السوق من بقعاتا باتجاه الجديدة وفيه العديد من المؤسّسات التجارية والصيدليّة. ومن بين المرافق التي شهدتها المنطقة كان فندق الرّيف الذي تحوَّل اليوم إلى فرع من جامعة MUBS. وبنك بيروت والبلاد العربية، ومن ثم بنك البحر المتوسط، إلى غيرها من عشرات المؤسّسات الصناعية والتجارية المتوسّطة والصّغيرة الحجم. هذا فضلاً عن مئات المحالّ التجارية والأفران ومحلّات الألبسة والسّمانة والصيدليات الطبّية والزّراعية والمطاعم والباتسّري والمجوهرات وحدائق الألعاب للأطفال ومحطات المحروقات. إلى العيادات والمُختَبرات الطبّية وشركات المقاولات ومكاتب الهندسة على اختلاف اختصاصاتها، والمدارس الرّسمية والخاصّة ومعاهد التّعليم المهني والموسيقي.

الفطايري: «البلدية تولي السوق التجاري اهتماً كبيراً، ونطلب من وزارة الداخلية إعادة النظر بقانون البلديات»

رئيس بلدية الجديدة – بقعاتا المهندس هشام الفطايري أشار في حوار مع الضّحى إلى مجموعة مشاريع ضروريّة وملحّة لتطوير السوق التجاري في بقعاتا أبرزها:

  1. إعادة تجديد الرّصيف بعد الإشكال الكبير الذي خلقه الرصيف القديم لدى بعض التجار لجهة مواقف السيارات لأنّه صُمِّم بطريقة مدبّبة شوّهت شكل السوق، فعمد قسم من التجار على إزالته بشكل تدريجي. أمّا نحن كبلدية فقد وضعنا خطة لإعادة تنظيمه تلحظ كيفية إيقاف السيارات بداخله، وقد استحصلنا لهذه الغاية على قرض من الـ UNDP لتنفيذه وسيُستَكمل بتركيب باروميتر ينظم عملية توقيف السيارات مقابل بدل مادي، بعد أن تمَّ تجهيز الأرصفة بالتّقنيات المطلوبة لهذه الغاية على أن يتم التنفيذ في المرحلة الثانية. هذا يتطلّب إيجاد تسوية للأبنية التي أُنشئت بطريقة عشوائية ولم تلحظ مواقف لسيارات مشغّلي تلك الأبنية ما اضطرّهم لركن سياراتهم في الأماكن المخصّصة للزّبائن. وأقرّ الفطايري بوجود إمكانية لاستحداث مواقف في الجهة الخلفيّة لهذه الأبنية.
  2. وفي الشقّ المتعلّق بحل مشكلة ازدحام السير في السوق، أشار رئيس البلدية إلى وجود نيّة أكيدة لحل هذه المشكلة، وخاصة عند تقاطع ساحة الشهداء في العقار الذي يخص بيت بركة، وقد اتفقنا معهم على إزالة العقار الملاصق بالطريق الفرعي بجانب مدافن الشهداء لتوسيعه، لكن المال غير متوفر لتنفيذه في الوقت الحاضر لا في بلدية الجديدة ولا في بلدية السمقانية. وأضاف، من ناحية عين وزين لدينا خطة جديدة تقوم على تحويل السير باتجاه واحد، وقد بذلنا جهداً كبيراً لتحقيق هذا الإنجاز على أن يبدأ من أمام بناية ذبيان وينتهي عند بناية نصر الله.
  3. النقطة الثانية تبدأ من جسر عين وزين وتنتهي عند محطة نصر الله لتخفيف الضغط. كما أنّ طريق المجلس ستكون باتجاه واحد، وكذلك خط اللّيسيه، والخط الكائن خلف البلدية وطريق الشهداء سيكونان باتجاه واحد. أمّا موضوع الأرصفة فقد نُفِّذ القسم الأكبر منه ولم يبقَ إلّا جزء بسيط من بناية نصر الله إلى بناية ذبيان.
  4. الفطايري اعتبر السوق التجاري في بقعاتا حاجة ملحّة يوفّر على منطقة الشوف الأعلى والأوسط التنقل لتأمين حاجياتهم اليوميّة، كما يشكّل نقطة ارتكاز مهمّة في قلب الجبل. وقال: خطَّتنا تلحظ أيضاً استحداث موقف لسيارات التاكسي أو ما يسمى بـ «كونتر بارك»، وهنا يبرز دور لجنة التّجار في تفعيل دور السوق ليصبح بأهمّية سوق الحمراء وسوق فرن الشبّاك. وهذا يتطلّب تكامل فعلي بين التجّار مع بعضهم عبر مجموعة من النشاطات التي تحفز على الاستثمار في السوق. مع الإشارة أنّ السوق التجاري لبقعاتا وحدها يمتد من ساحة الشهداء إلى محطة بهيج الفطايري على طريق المختارة، ومن مفرق عين وزين حتى محطة البنزين قبل مؤسسة نبيل الغصيني، وهو يضم أكثر من 800 مؤسسة تجارية غير سكنية.
  5. الفطايري طالب الدولة أن تنظر إلى المحال التجارية في سوق الجديدة – بقعاتا بعين استثنائية ولو حتى من خارج إطار القانون، وأن يُعاد النظر بقانون البلديات وفقاً لعدد الوحدات السكنية وليس من عدد السكان. وقال: إن تسعين بالمئة من المسجّلين على لوائح الشطب يدفعون ما يترتب عليهم من عائدات في بلدياتهم، ونحن نقدّم الخدمات لأكثر من 2700 شقّة سكنية ما يعني أنّ كلّ بيت يكلّف البلدية ٢٢٠٠٠ ليرة، بينما القيمة التأجيرية للشقة الواحدة تتراوح مابين 60 الى مئة ألف ليرة فقط. مشيراً في نهاية الحوار معه، أنّ بقعاتا من حيث التاريخ هي أقدم من الجديدة بحكم الآثارات الفينيقية والصليبية التي وجدت فيها.

هرموش
بدوره رئيس بلدية السمقانية المهندس حلمي هرموش الذي يتقاسم هموم سوق السمقانية – بقعاتا كلّ في نطاق مسؤولياته. وفي حوار عدد مجموعة حلول لحل مشكلة زحمة السير الخانقة التي يشهدها الشارع الرئيسي في المنطقة المشتركة بين السمقانية وبقعاتا. وخاصة عند تقاطع ساحة الشهداء. مُبدياً عتبه على ما قامت به الـ UNDP لجهة حصر العمل بإعادة تأهيل الشارع الرئيسي في بقعاتا وحدها، دون أن يشمل العمل شارع السمقانية من محلّة الدوّار حتى ساحة الشهداء، وبهذه الطريقة يمكن الحصول على النتيجة المطلوبة للتخفيف من ازدحام السير.

وقال هرموش، إنَّ بلديته قامت بفتح عدة منافذ لهذه الغاية. ينطلق الأول من جانب محطة «سبستا» صعوداً إلى مدرسة اللّيسيه ومنها إلى طريق الصليّب. الثاني: ينطلق من مدرسة أجيال الغد صعوداً إلى حي الشهداء، ومنه إلى عين وزين وكفرنبرخ بانتظار أن يتم تنفيذه من قبل وزارة الأشغال. مناشداً أصحاب الأملاك دراسة الإيجارات وقوننتها إذ لا يجوز أن يؤجَّر المحل الواحد بـ 800 و1000 دولار، وبعد شهرين أو ثلاثة لا يستطيع المستأجر دفع ما يتوجب عليه فيضطر للإقفال. مطالباً أصحاب المحلّات اتّخاذ مبادرة جريئة وشجاعة لخفض إيجاراتهم. كاشفاً عن مبادرات عديدة تقوم بها البلدية لدعم التجار وهي ملتزمة بزينة الشارع الرئيسي في مناسبات الأعياد.

هرموش شكا من فوضى المضاربة العشوائية في التجارة، وقال: هل يُعقل أن يُفتتح في السوق عشرة ملاحم، وعشرات المحال لبيع الخضار والسمانة والهواتف الخلويّة والمفروشات والأفران وما شابه، مستغرباً عدم دراسة جدوى المشاريع الرِّبحية قبل الوقوع في المحظور.

وعن افتتاح المحال التّجارية الكبيرة مثل المخازن في تشويس سنتر والتعاونية ولـوشركتييه عون والصايغ وحصاد المواسم وغيرهم من السوبر ماركت، رأى أنّ هذا الأمر دليل عافية لكن التجارة تستوجب دراسة الجدوى منها قبل أي شيء آخر. ودعا هرموش لجنة التجّار إلى تفعيل نفسها وتحسين الأداء وعدم التلطّي خلف جمعية تجّار الشوف.

خطّار
بدوره رئيس لجنة تجّار بقعاتا عصام خطار رأى أنّ معاناة التجار تكمن في:

أوّلاً: عدم تنظيم السّير في السوق وهي شكوى مُزمنة.
ثانياً: عدم وجود مواقف للسيارات.
ثالثاً: عدم تنظيم مواقف للسيارات العمومية والباصات.
رابعاً: عدم وجود شرطة لتأمين السير وضرورة قمع المُخالفات والتصدّي للمخلّين بالأمن.
خامساً: الوضع الاقتصادي بشكل عام غير مطمئن، وضرورة إيلاء هذه الناحية الكثير من الاهتمام على اعتبار بقعاتا هي العاصمة التجارية ومركز الثقل السكني والتجاري في الشوف
سادساً: التنوّع التجاري والاكتفاء الذاتي بالأصناف وإيجاد وظائف لقسم كبير من الناس في المحال التجارية. وعن نوع العمالة لفتَ بأنّها في الغالب لبنانيّة، وقد يستعان بالعمالة السورية والأجنبية لسد الثغرات في بعض الأحيان.

وعن الرؤية المستقبلية للجنة تجار الشوف قال خطّار: ليس لدى اللجنة أيّة رؤية مستقبليّة في الوقت الحاضر كونها مرتبطة بجمعية تجار الشوف، ووضع الجمعية مجمّد في الوقت الحاضر ولم نستفد منها من أي دعم مادي. ولفت إلى الشكوى من غلاء الإيجارات، وعدم دراسة الأصناف التي يجري تسويقها من قبل أصحاب المحال التجارية. وسأل لمصلحة من هذه المنافسة العشوائية في بقعاتا، ولماذا هناك 30 فرن لبيع المناقيش، و20 محل للهاتف الخلوي وعشرات المحال لبيع الألبسة ومئات محلات السمانة. مطالباً الدولة بتخفيف الضرائب والإعفاء من الـ TVA.

تجدر الإشارة إلى أنّ تأهيل طريق الصْلَيِّب – مرج بعقلين، خفّف كثيراً من ازدحام السير الخانق الذي كان يشهده السوق التجاري، وخاصة في ساعات الذروة في فترتي بعد الظهر وأثناء عودة الطلّاب إلى منازلهم، وعند المساء، وهذه المسألة في طريقها إلى الحل بفضل الجهود التي تُبذل من قبل بلديَّتي السمقانية والجديدة – بقعاتا. فيما تبقى مسألة ارتفاع الإيجارات والانكماش الاقتصادي على مستوى الوطن هما المشكلة الأساسية التي تؤدي إلى هذا التراجع الملحوظ في سوق بقعاتا الذي لا يختلف كثيراً عن الأسواق الأخرى اللبنانية، فالشكوى هذه ذاتها والتراجع هو ذاته بغياب الدولة عن معاناة التجار في كل لبنان…

مبنى جامعة MUBS – السمقانية.

عن أهميّة وجود فرع لجامعة MUBS في الشوف أوضح مؤسّسها، ورئيس مجلس الأمناء، الدكتور حاتم علامة:

لقد نشأت MUBS في كنف التحوّلات التي شهدها التعليم العالي على الصعيد العالمي، وبعد 19 عاماً تبلورت هويّة الجامعة باعتبارها جامعة تسعى إلى الرّيادة على صعيد لبنان والمحيط.

وانسجاماً مع قيمها جسدت الجامعة أُسس التّطور من خلال رسالة منفتحة على العصر واقتصاد المعرفة، فانضمّت إلى عشرات الهيئات الدولية وتتمتع لذلك بشبكة علاقات مميزة على الصعيدين الدولي والعربي، لذلك من المهم وجود فرع في الشوف لتحقيق الترابط بين متطلّبات العصر وتنمية قدرات شباب وشابات المنطقة وخلق بيئة وعوامل للتنمية المستدامة.

وعن تقييمه لإقبال الطلاب في الشوف على الجامعة، اعتبر أنَّ جامعة MUBS تتميّز بالتطوّر الإيجابي لجهة الزيادة حسب المعدلات المرتبطة بحجم أعداد الخريجين وبالتلازم مع تفعيل نظام الجودة، مع العلم أنّ معدّل الزيادة في لبنان يعاني من الاختناق نظراً للاختلال النسبي بين عدد الجامعات وفروعها وأعداد الخرّيجين الثانويين والمهنيين وقدرتهم على متابعة التحصيل الجامعي.

وبالنسبة لأنواع الاختصاصات المطلوبة ومدى الإقبال عليها رأى أنّ الطلب على اختصاصات الإدارة ميزة العصر نظراً لتوسّع التخصّص وحجم الأعمال وموقع الإدارة في جميع الحقول، وإلى ذلك فإنّ الجامعة تركّز على الاختصاصات العصرية من حيث التكنولوجيا والتصميم، والاهتمام باختصاصات التربية لحاجة القطاع إلى اختصاصيين وكفاءات جديدة، أمّا الاختصاصات الصحية فإنّها تأتي في الأولويّة، وتُعتَبر الشهادات المشتركة مع بريطانيا بصمة تتميز بها الجامعة.

وعن رأيه بـ ضرورة افتتاح فروع جامعيّة في الجبل قال لقد أثبتت التجربة أهمية هذه الفروع، إلّا أنّ فاعليّتها مرتبطة بتعميق الرؤية الإيجابية لتأمين فرصة للطالب لاكتساب خبرات ومهارات وتوظيفها في خدمة أهداف التنمية وخدمة المجتمع، وتعتبر النتيجة ممتازة بالنسبة إلى توفير مشقات الانتقال إلى مناطق بعيدة خاصة بالنسبة إلى الفتيات أو الطلّاب العاملين.

وعن دور الجامعة بتخفيف الأعباء عن كاهل الطلّاب وخاصة الطالبات المتديّنات أشار علامة أنّ جامعة MUBS نشأت على معادلة فريدة من نوعها فهي الجامعة التي التزمت بتأمين أوسع فرصة للطلّاب بأقل كلفة مع الحفاظ على الجودة ومقتضيات التطور.
استندت هذه المعادلة إلى مجموعة من العوامل تبدأ برؤية تقوم على الابتكار والمبادرة، وتستفيد من العلاقات الدولية الخاصة من خلال البرامج المشتركة مع جامعات عالمية عريقة، والمشاريع المتواصلة مع الاتحاد الأوروبي التي أمّنت موارد ثمينة لتطوير الجامعة وتمكين مسارات الجودة فيها. حيث تخصّص الجامعة نصف ميزانيّتها للمِنَح بالرّغم من أقساطها المحدودة وهي تخصّص حسومات نوعيّة للمتفوّقين والمستحقّين ولا يبلغ قسطها 25% من الأقساط العالية، مع الحفاظ على الجودة والاهتمام بالتجربة الجامعية للطالب.

وفي الشق المتعلّق بالمِنَح الجامعيّة والمساعدات للطلّاب المحتاجين، اعتبر أنَّ هذا الأمر يتوقَّف على وضع الطالب أو الطالبة من حيث الوضع الأكاديمي والاجتماعي.

وختم علامة بالقول: إنّنا نتطلّع إلى خلق نوع من التكامل بين الجامعة والمجتمع وتحقيق الشراكة المفقودة بين الجامعة وسوق العمل، وقد كان لافتتاح الشبكة الوطنية للرعاية NWN في الشوف، باعتماد وتطبيق مفاهيم الـ wellness، قيمة مميّزة في الخدمات والتّطوير.

تحقيقات و مقابلات

في أثر الثورة الصناعية في أوروبا، والصراعات بين دول القارة الأوروبية؛ وعندما فشلت فرنسا في الحفاظ على مصر كمورد لزراعة القطن، توجهت …

جسر القاضي هو بين الجسور اللّبنانية المهمة والتاريخية الواقعة فوق مجاري الأنهر، وفي الأودية السحيقة – وما أكثرها في لبنان نظراً لطبيعة …

النبي أيّـوب(ع)، هـو من أنبياء اللـه الذين ذكرهم القرآن الكريم في سورة النساء وذكر نبوّتهم بقوله: (وأوحينا إلى إبراهيم وإسماعيل وإسحق والأسباط …

وَرَدَ في التاريخ القديم ذكرُ نَبِيّين يحملان هذا الاسم الكريم وهما حزقيال الأوّل وحزقيال الثاني. أمّا حزقيال الأوّل فمدفنه بلدة بثينة كرَك …

ما أن تطلَّ على جبل الباروك، ذلك المدى الجمالي الممتد من ظهر البيدر إلى تومات نيحا، سواء أتيته من جهة الغرب حيث …

الدخول إلى مرج بسري للتعرّف إلى المكان الذي يتمسّك البعض بإقامة سد فيه لتجميع المياه وتحويلها إلى بيروت لإطفاء ظمأ أهلها التوّاقين …

شكلت بلدة عين دارة في جرد قضاء عاليه في ما مضى وعبر التاريخ اللبناني القديم والحديث، نقطة التقاء، وعقدة وصل، ومحط ترحال …

كثيرون هم الناجحون في الحياة، لكن المبدعين قليلون. تراودنا الكثير من الأسئلة عن أسباب نجاح شخصيّات في مجتمعنا وبلوغهم أعلى المراتب، في …

تُعَدُّ المؤسسة الصحيّة للطائفة الدرزيّة أو ما يُعرف اليوم بـ مستشفى عين وزين من أهم الصّروح الطبيّة في الجبل بشكل خاص، وفي …

 مرّةً جديدةً يدفع الجبل ولبنان عمومًا ثمن التأزّم السياسي والتوتّر الأمني والتراجُع الاقتصادي الذي خيّم على البلاد طيلة الأشهر المُنصرمة من سنة …

مثلما كانت الشويفات لفترة طويلة مدينة البحور الثلاثة (الأخضر، الأصفر، والأزرق)، هي اليوم وبامتياز مدينة الحركة التجارية الناشطة، والإنتاج الصناعي الكثيف؛ مدينة …

يُعَدّ السوق التّجاري في منطقة بقعاتا – السّمقانية – عين وزين من أهم وأنشط الأسواق التجارية في الجبل، وقد شكل منذ نشوئه …