الجمعة, نيسان 26, 2024

اشترك معنا للاطلاع والحصول على أحدث المقالات والأعداد

الجمعة, نيسان 26, 2024

اشترك معنا للاطلاع والحصول على أحدث المقالات والأعداد

بحث ..

  • الكاتب

  • الموضوع

  • العدد

الأستاذ رؤوف أبوزكي

كثيرون هم الناجحون في الحياة، لكن المبدعين قليلون. تراودنا الكثير من الأسئلة عن أسباب نجاح شخصيّات في مجتمعنا وبلوغهم أعلى المراتب، في حين أنّهم يتحدّرون من عائلات فقيرة ومجتمعات قرويّة ضيقة.. إنّها قِصص نجاح يسطُّرها بعض الناس فيخطّون بذكائهم ووعيهم مسيرة حياتهم ويتوّجونها بالنجاحات والإبداعات.
ومن هنا، استوجب الأمر أن نسلّط الضوء عليهم كي نتعلّم من تجاربهم وخبراتهم في الحياة. لذلك كان لنا لقاء مع الرئيس التنفيذي لمجموعة الاقتصاد والأعمال ورئيس تحرير مجلّة «الاقتصاد والأعمال» الأستاذ رؤوف أبو زكي، وهو أيضاً عضو مجلس إدارة غرفة التجارة والصناعة في بيروت وجبل لبنان وعضو استشاري في العديد من المدارس والجامعات، وقد حاورته راغدة الحلبي وطرحت عليه الأسئلة التالية:

حدّثنا عن بداياتك في عالم الصّحافة والإعلام؟

إنّني صحافي بالشّغف والموهبة وليس بالعلم، ففي ذلك الوقت عندما بدأت أمارس المهنة، لم يكن هنالك اختصاص جامعي للصّحافة والإعلام. لكنني كنت أعلم ماذا أريد منذ الطفولة، إذ قررت أن أكون صحافياً – كنت أكتب خواطر ووجدانيات وأنشرها في الصحف باسمي أو بأسماء مستعارة – إلى أن توافر لي مركز شاغر لوظيفة محرّر في وكالة الأنباء المحلّية حيث تخصصت بتغطية أخبار النقابات والنشاطات العمالية. بدأت العمل براتب مقداره 15 ليرة لبنانية في الأسبوع، وكان ذلك في عام 1962. ثم انتقلت إلى وكالة أنباء بيروت حيث أصبحت أغطّي النشاطات ذات الطابع الاقتصادي والاجتماعي والعمالي وارتفع راتبي الشهري إلى 150 ليرة لبنانية.

من اليمين السادة: سعيد خوري، الرئيس سعد الحريري، الرئيس فؤاد السنيورة ورؤوف أبوزكي

متى بدأت العمل مع جريدة «النّهار»؟

في تلك الأثناء، صِرت أعطي تحقيقات لجريدة «النهار»، إذ كان هدفي الأساسي العمل فيها، وكنت أتقاضى 25 ليرة وأحيانا 50 ليرة لبنانية عن كل تحقيق، وبعد مدّة عرضوا عليّ العمل كمتفرّغ في «النهار»، فوافقت على الفور، وعندما سألوني كم أتقاضى من الوكالة التي أعمل بها، خجلت أن أخبرهم بالحقيقة، فقالوا لي سندفع لك 350 ل. ل.، وهكذا ربحت المركز الذي أريد وأصبح معاشي أكثر من الضّعف، علما بأنني كنت مستعدّاً للعمل في النهار ولو من دون مقابل لأنّها كانت الحلم الذي أسعى لبلوغه.

أخبرنا عن دورك في تطوير القسم الاقتصادي في «النهار»؟

في «النّهار»، بذلت مجهوداً كبيراً في العمل، إذ كنت وعلى مدى خمس سنوات أحرّر صفحة كاملة في القسم الاقتصادي، بعدها تم إحضار شخص آخر للعمل معي في القسم الاقتصادي ثم أصبحنا ثلاثة، وبدأ القسم الاقتصادي – الاجتماعي في الجريدة يكبر ويحتل مركزاً طليعيّاً في الصحافة اللبنانية. والواقع أنَّ تخصّصي في شؤون العمال والنقابات كان له دور رئيسي في وصولي إلى «النّهار»، إذ كانت إدارة الجريدة تبحث عن تغطية ذلك الجانب. وما يُميّز جريدة «النهار» أنها كانت تمنحنا مساحة واسعة من الحرّية، وهذا ما ساعدني على تكوين خبرات وتجارب واسعة، ومن حسن حظي كان مدرائي في تلك الفترة من جهابذة «النهار»، منهم: رئيس التحرير لويس الحاج، وعميد «النّهار» غسان تويني، ومدير التحرير فرنسوا عقل الخ..

في المرحلة الثانية من عملي في «النهار»، بدأت أسلّط الضوء بقوة على القطاعات الإنتاجية كالصناعة والزراعة. وفي العام 1972 طلبت من الأستاذ غسان تويني بأن يُصدر عدداً خاصاً عن الصناعة، فرفض طلبي قائلاً: «وين في صناعة بلبنان يا ابني؟». فانكفأت، لكن مع الوقت ازدادت قناعتي بأهمّية الموضوع، ففاتحته مجدّداً بالأمر، وعندما رآني مصراً على رأيي وافق وأعطاني الضوء الأخضر للانطلاق. وبعد فترة أطلعته على التحضيرات ففوجئ بالنتيجة، وقال لي بأنه يريد أن يكتب افتتاحية العدد. كانوا قلّة من الإعلاميين يعلمون واقع الصناعة في لبنان. ففي ذلك الوقت كانت مصر وسوريا قد أمَّمتا المؤسسات، فهرب الصناعيون منهما وجاؤوا إلى لبنان، الأمر الذي خلق حركة صناعية واقتصادية في لبنان. وهكذا، كنت أوّل من أوجد الإعلام الصناعي في لبنان من خلال جريدة «النهار»، بل صار لدينا عدد سنوي عن الصناعة.

وفي انتخابات غرفة الصناعة والتجارة في بيروت وجبل لبنان العام 1972 كانت هناك لائحة ذات طابع تجاري برئاسة ڤيكتور قصير وعدنان القصار، ولائحة ذات طابع صناعي برئاسة رفيق غندور، فأخذت موقفاً مؤيّداً للائحة الصناعيين، وطبعاً كان حظها بالفوز ضئيلاً، ذلك لأنّ عدد الصناعيين أقل بكثير من عدد التجار، وهكذا فازت لائحة التجار.

في الواقع، كان لي دور كبير في نتائج انتخابات جمعية الصناعيين اللبنانيين لدورتين متتاليتين إذ ساهمت بمجيء رئيسين للجمعية، هما: جورج عسيلي وفؤاد أبي صالح.

من اليمين: السادة وليد جنبلاط، محمد الزعتري، الشيخ صالح عبد اللّه كامل، ورؤوف أبو زكي.

ما هي الأمور التي اكتسبتها من عملك في «النهار» وجعلت لك حضوراً قويا؟

من خلال عملي في «النهار»، استطعت أن أكون عنصراً مؤثّراً فقد أطلقت حملة ضخمة ضد التكتلات الاحتكاريّة في لبنان، فسلَّطت الضوء على محتكري اللحوم والدجاج والأدوية وعلى المرابين وغيرهم. وأقيمت ضدي وضد «النهار» الدعاوى في المحاكم، لكنّ إدارة الجريدة كانت تساندني. وقد تركت هذه الحملة أثراً كبيراً في مختلف الأوساط. وكنت، أيضاً، قد واكبت ولادة الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، وقمت بتوظيف أوّل موظف في الصندوق، وكان زميلاً لي في الدراسة. ثم واكبتُ إعلاميَّا نشاط صندوق الضمان ومجلس إدارته واجتماعاته. وقد ساهمنا كثيراً في تصويب الأمور، خصوصاً، وأنَّ «النهار» كانت ولا تزال كلمتها مؤثرة.

أمضيت 15 سنة من العمل في جريدة «النهار»، وقد جاءني خلالها الكثير من العروض المُغرية، لكنني كنت أرفضها. ففي إحدى المرّات أرسل لي أحدهم صديق مشترك عارضاً عليّ العمل في صحيفته، وقد أبدى استعداده لتقديم شيك أبيض تاركاً لي القرار بتحديد المعاش الذي أريد، فأرسلت له شكري وتقديري ورفضت عرضه المغري ماديّاً لأنني كنت مرتاحاً في «النهار»، ولم أكن أؤمن بتغيير الأمكنة سيّما وأنني كنت في المؤسسة الإعلامية الأولى في لبنان بل وفي العالم العربي.

متى أسّستم مجلّة «الاقتصاد والأعمال»؟

في عام 1975، أسستُ شركة إعلامية مساهمة صدر عنها مجلة «الاقتصاد والأعمال»، ولَم يكن لديّ المال، بل لديّ أفكاري وخبراتي المهنيّة وثقة المساهمين وجميعهم رجال أعمال، واستطعت أن أكسب دعمهم، فبدأنا العمل بمبلغ مليون ليرة لبنانية. ثم بدأت الحرب وأدركنا أنّها ستكون طويلة ولا مجال للعمل في لبنان، فانتقلنا في عام 1982 إلى باريس حيث أسّسنا مكتباً للمجلة، وكان عبارة عن غرفتين، وهناك أمضينا عشر سنوات من العمل.

بعد ذلك بدأت أستجلب مساهمين عرب لزيادة رأسمال الشركة، فكانت انطلاقة أُخرى مميّزة بحيث أصبحت مجلة «الاقتصاد والأعمال» شركة مساهمة لبنانية عربية تضم نحو 40 مساهماً. وبالطبع فإنّ وجودنا في فرنسا ساهم في تطويرنا. فانطلقت باتجاه فكرة المؤتمرات، ونظمنا أوّل مؤتمر في العام 1988 في تونس، والمؤتمر الثاني في باريس العام 1991. وبعدها كانت الانطلاقة الكبرى في بيروت مع تولِّي الرئيس الشهيد رفيق الحريري رئاسة الحكومة في لبنان. وهذا المؤتمر الذي بدأ العام 1993 في بيروت مستمر حتى اليوم ونحن نستعد لتنظيم الدورة الـ 28 وهو يحمل اسم «منتدى الاقتصاد العربي». كما أقمنا مشروعاً مشتركاً مع جريدة Financial Time وهو عبارة عن نشرة تصدر بالعربية، وأطلقنا عليها اسم نشرة «الأعمال». وقد ساهمت هذه النشرة في ترويجنا إعلانيّاً في الأسواق الدولية، لأنّها مشروع مشترك مع صحيفة عالمية مرموقة. وبعد 10 سنوات من العمل في باريس عدنا إلى لبنان مع تولي الرئيس الشهيد رفيق الحريري رئاسة الحكومة.

كيف كانت علاقتك مع الرئيس الشهيد رفيق الحريري؟

الرئيس الحريري يتوسط من اليمين السادة د. جوزيف طربيه ورياض سلامة ومعالي الأستاذ عمرو موسى ورؤوف أبوزكي

تعرّفت على الرئيس الحريري عام 1981 عندما اشترى بنك البحر المتوسط، ذهبت حينها إلى الرياض بناء على طلبه حيث كتبت له الخبر عن شراء البنك، ومن يومها تكوّنت علاقة صداقة وطيدة بيني وبينه. وقبل استلامه رئاسة الحكومة بأربعة أشهر، كتبتُ مقالاً ناديته فيه بدولة الرئيس، والسبب أنني وبينما كنت أتناول معه طعام الغداء في قصره في جدة، استشارني حينها بموضوع خطاب سيلقيه في حفل تخرّج لطلاب الجامعة الأمريكية في بيروت، فأوضحتُ له مُقترحاتي، وإذ به ينادي أحدهم لإحضار الكلمة التي أعدّها للمناسبة، فعندما قرأتها قلت له: «مبروك دولة الرئيس». بمعنى أنها بيان – إعلان ترشّحه لرئاسة الحكومة في لبنان.

وبعد تسلّمه رئاسة الحكومة ببضعة أشهر اقترحت عليه تنظيم مؤتمر يستقطب مستثمرين خليجيين وعرب، فأجابني قائلاً: «كبّر عقلك مين رح يجي يستثمر، فلا يوجد مطار ولا كهرباء». كان ردّي له:
«دع الأمر لي، وإنني سألتزم بإحضار 100 مستثمر خليجي». وبعد فترة ذهبت إلى باريس حيث كانت لاتزال عائلتي وعائلته هناك، فالتقيته في منزله في عيد الأضحى وكان معنا مدير البنك مصطفى رازيان، فأخبرته بأنني أمَّنت 90 مشاركاً لحضور المؤتمر، وأطلعته على اللائحة، فإذا به يُفاجأ بنوعيّة الشخصيات المشاركة الرفيعة المستوى، وحينها أكّدت له أنّه بعد العيد سيُصبِح العدد 150. وقد شارك حينها 225 شخصيّة في المؤتمر الذي عقدناه في فندق السمرلاند – بيروت، وهو الفندق الوحيد الذي كان مؤهّلاً لعقد هذا المؤتمر، علماً أنّ القاعة كانت مخصصة للسباحة الشتوية وتمّ تأهيلها لاستيعاب المؤتمر.

ماهي أهم النتائج التي حصدتَها بعد تنظيم هذا المؤتمر؟

إنّ هذا المؤتمر حجر الأساس لصناعة المؤتمرات في لبنان والعالم العربي، وأصبح مؤتمراً سنويّاً. وفي هذه السنة نظمنا الدورة 27 في بيروت، وكان ضيف المنتدى جمهورية مصر العربية التي تمثلت برئيس حكومتها ومعه 6 وزراء، وحاليّاً نحن بصدد التحضير للدورة الـ 28 التي ستنعقد في حزيران 2020. وقد استطعنا طيلة هذه السنوات تكوين شبكة علاقات واسعة ومهمّة في لبنان والعالم العربي، خصوصاً وأنني كنت ولا زلت على سفر دائم للمشاركة في المؤتمرات والنشاطات الدولية، واستطاعت مجلة «الاقتصاد والأعمال» أن تكون همزة وصل بين رجال الأعمال العرب، واكتسبنا ثقة مجتمع الأعمال.

هل هناك تركيز على بلدان أو قطاعات معيّنة في مؤتمراتكم؟

ثمّة حكايات وخلفيات كثيرة لكل مؤتمر نظمناه في أي بلد لكن لا مجال لعرض التفاصيل في هذه العجالة. لقد نظمت مجموعة الاقتصاد والأعمال حتى نهاية العام 2018 نحو 350 مؤتمراً في 30 دولة. ومعظم المؤتمرات يتكرّر سنوياً. والعمل الناجح وحده قابل للتكرار.

من اليمين السادة: يسمى فليحان، هند الحريري، الرئيس نجيب الميقاتي، الرئيس رجب طيب أردوغان ورؤوف أبوزكي

تترأَّسون اليوم مجلس الأعمال اللّبناني-السعودي الذي يضمّ نخبة كبيرة من رجال الأعمال، كيف تقيّمون العلاقات السعودية – اللبنانية اليوم؟

هنالك علاقة متينة كانت تربط مجموعتنا مع المملكة العربية السعودية. وتتويجاً لهذه العلاقة تم اختياري لترؤُّس الجانب اللبناني من مجلس الأعمال اللبناني-السعودي الذي يقوم بدور فعال في تعزيز العلاقات الاقتصادية بين البلدين. وبالمناسبة أتذكّر أنّه خلال الملتقى الاقتصادي السعودي-اللبناني الذي نظّمناه العام 2003 فاجأ الملك سلمان الحضور بخطاب مرتجل تحدث فيه عن دور اللبنانيين في المملكة وقد دعوناه ليكون ضيف شرف في الملتقى التالي في بيروت، ولكن الحادث الأليم الذي وقع في مجمع المحيا في الرياض وما تسبب به من أضرار ومن ضحايا ومن بينهم لبنانيين، جعلنا وبالتنسيق مع الرئيس الحريري نبادر وتضامناً مع المملكة إلى تكرار عقد المُلتقى في الرياض مما لاقى ترحيباً وشكراً من الملك سلمان.

وفي كلمته في الملتقى قال الملك سلمان، الذي كان أميراً للرياض يومها: «إنّ العلاقة بين البلدين أخويّة وقويّة ومع مختلف الطوائف مع ساحله الجميل وجبله الأشم وسهله المنيع». وذكّر الملك سلمان برجال من لبنان كانت لهم علاقة قوية مع المملكة منذ تأسيسها منهم مؤرخ المملكة أمين الريحاني ومستشار الملك عبد العزيز فؤاد حمزة وجميل بارودي الذي شغل منصب مندوب السعودية في الأمم المتحدة. وقال الملك سلمان يومها «إنّ طموح اللبناني مثال يحتذى فهو لا يقول عجزت أو لا أستطيع بل يقول أجرّب». وفي هذا السياق ذكّر الملك بأمثال الحاج حسين العويني الذي بدأ تاجراً في جدّة وأصبح رئيساً للوزراء وبالرئيس رفيق الحريري، الذي كان يجلس إلى جانبه في الملتقى، وقال إنّه يمثل الطموح اللبناني مشيراً إلى أنّ «الحريري دخل المملكة وبدأ من الصّفر وكان مدرّساً وموظفاً ثم رجل أعمال، ولم يسجّل عليه أيّ شيء يمسّ بالمملكة ولبنان».

بماذا تميزت مجلة «الاقتصاد والأعمال» عن غيرها من الوسائل الإعلامية المطبوعة؟

مجلة «الاقتصاد والأعمال» لعبت دوراً رياديّاً في مجالات عديدة أبرزها الآتي:
إنّها أوّل مؤسّسة إعلامية عربية ولدت كشركة مساهمة فعلية لا تملكها عائلة أو فرد. وكنت قد كتبت مقالاً تحدثت فيه عن كيفية تحويل النجاح الفردي إلى نجاح مؤسّساتي، فالفرد مهما كان ناجحاً سيأتي يوم ويغادر الحياة، لكن المؤسسة تبقى. وأحد معايير نجاح المؤسسة هي مأسسة النجاح بحيث تتجاوز مؤسّسها وتتمكَّن من الاستمرار معه ومن دونه.
إنّها أوّل مطبوعة أعمال عربية شاملة بمعنى أنها غير محصورة في محتواها وفي توزيعها في بلد عربي واحد.
إنّها أوّل مؤسسة إعلامية عربية تطلق صناعة المؤتمرات في لبنان والعالم العربي. صحيح إنَّه كانت توجد بعض المؤتمرات، لكنها كانت تُنظّم من جهات أجنبية، وهكذا أصبحنا أكبر وأقوى مؤسسة عربية في صناعة المؤتمرات في عالمنا العربي لأنّ أهل مكة أدرى بشعابها.

هل كنت ترى نفسك في بداية مشوار حياتك المهنية في المكان الذي أنت فيه اليوم؟

كنت أرى نفسي صحافيًّا بالفطرة، لكن آخر أمر كنت أفكّر فيه أنني سأكون في صحافة الأعمال والاقتصاد، بل القدر هو الذي قادني اليها. كل ما كنت أفكّر فيه أنني سأعمل صحافياً، وقد منحني الله ملكة الكتابة. وهنا أتذكّر حادثة طريفة، فعندما كنت تلميذاً في مرحلة الثانوية أجريت مقابلة مع نفسي ونشرتها في المجلة المدرسية.

سمو الأمير سلمان بن عبد العزيز يتوسط الرئيس الشهيد رفيق الحريري رؤوف أبوزكي

ما هي أهم الصّفات والمزايا التي يجب أن يتمتّع بها كل إنسان يطمح لأن يحقق النجاح ويبلغ أعلى المستويات في مجال عمله؟

أوّلاً: وضوح الرؤية، فالإنسان يمتلك قوّة كبيرة عندما يكون عالماً بما يريد. ثانياً: أن يكون مُجَهّزاً بمقوّمات شخصية وبكفاءة علمية تساعده على بلورة الرؤيا ونقلها من الحلم إلى الواقع. ثالثاً: إرادة العمل. رابعاً: المهنيّة العالية. وخامساً: الدقّة في العمل وإتقانه مهما كان نوع العمل. فشرط النجاح هو الإتقان، والإتقان هو الاعتناء بالتفاصيل، والتفاصيل هي فن الحضارة.

هل لديك صداقات مع رؤساء وملوك عرب؟

طبعاً، لدي علاقات ممتازة مع معظم الحكام والرّؤساء العرب، لكن يوجد علاقة صداقة مع القليل منهم، وأفضّل عدم ذكر الأسماء.

لماذا نلحظ في السنوات الأخيرة أزمة مالية تطال الكثير من الوسائل الإعلامية؟

هنالك عدة أسباب جعلت بعض الوسائل الإعلامية اللبنانية تمرّ بأزمة مالية بل وأن بعضها قد أقفل. فالسوق اللبناني صغير، والوضع اللبناني مأزوم، فبلدنا محاصَر، وهنالك مقاطعة من دول الخليج، والحرب السورية على حدوده، ومن الطبيعي أن يتأثر الاقتصاد بسبب هذه الظروف. كذلك، لم تعد صحافة لبنان هي صحافة العرب كما كانت، إذ أصبح للعرب صحافتهم.

إنّ التحول التكنولوجي أثّر على صناعة الورق، والمشكلة أنّ المواقع الإلكترونية لم تستطع أن تخلق مدخولاً يوازي مدخول الورق أو يكون بديلاً له. وأعتقد أن الأزمة ستزيد، وسيتغربل السوق ولن يبقى هنالك مؤسسات كثيرة. المؤسسات الإعلامية المموّلة سياسيّاً ستستمر والمؤسسات الإعلامية الممتَهِنة وذات المحتوى المطلوب ستستمر أيضاً، وكلّ ما عدا ذلك فإلى زوال على ما أعتقد. المؤسسات الإعلامية تمرّ بأزمة مصيرية وبنيوية، لذلك فإنَّنا نحتاج إلى رؤية جديدة وأفكار جديدة لنرى أيَّ نوع من الصحافة ستبقى في المستقبل، وما هو المردود ومن أين سيأتي..

إلى أيِّ مدى يساهم الإيمان عند الإنسان في مساعدته على تجاوز المحن والصعاب وبلوغ هدفه وأمنياته وتحقيق طموحاته؟

الإيمان يمنحنا القوة النفسية، ويجعلنا لا نخاف الصعوبات، ويجعلنا قادرين على مواجهة الأمور بواقعية وثقة. كما أنّه يعزز فينا الإرادة والثقة والصمود وهذه المقومات تساعد على النجاح. والإيمان هو مصدر قوة كبيرة جدّاً.

من اليمين سمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم ورؤوف أبوزكي

ما هو دور الإعلام في حماية الشباب والمجتمع من ظاهرة التطرّف، وتوجيههم نحو الانفتاح والحوار؟

الإعلام هو أداة ووسيلة، فإذا كان محتواه إيجابيّاً فإنّه بالتأكيد سيلعب دوراً إيجابيّاً، فيعزّز القيَم والثقافة والوعي والإيمان ويساعد على انتشارها بين الناس. أمّا إذا كان محتواه سلبيّاً، فإنّه بالتأكيد سيؤثِّر بشكل سلبي على المجتمع، فيساهم في بثّ الأحقاد والتفرقة والتطرف بين الناس، فعلى سبيل المثال، ساعد الإعلام داعش على الانتشار بسرعة.

وهكذا فإنّ الإعلام أمرٌ لا بد منه ولا غنى عنه، فهو يسهّل انتشار الأفكار والوعي والثقافة مثلما له دور في انتشار التطرّف، فوسائل الإعلام مجرّد أدوات والمهم هو المحتوى.

ما هي النّصيحة التي توجهّها إلى شباب اليوم، وكيف يمكن تحقيق النّجاح في الحياة برأيكم؟

النجاح يتحقّق بالعمل الدؤوب، والرؤيا الواضحة، وأن نعرف ماذا نريد، وأن لا شيء مستحيل في الحياة، وأن نسعى دائما لخلق الأمل، وأن نتمتع بقوة الإيمان والثقة بالنفس، وأن نوقن بأنّ دوام الحال من المحال.. فعندما أفكر أين كنت، ومن أي بيئة أتيت، عندها أقول: «لا يوجد شيء مستحيل». ففي طفولتي، كنت أعمل في الصيف كي أجني المال لأشتري الملابس وكتب المدرسة. وكنت كغيري من أولاد القرى أمشي في كل صباح من بلدتي إلى بلدة أخرى لأتعلم في المدرسة. وكنت واثقاً من نفسي وأعرف ماذا أريد. وهكذا، تمكّنت من تجسيد أحلامي.

رسالتُنا هي رسالة أمل لكل الذين يعتقدون أنّهم ومن واقعهم المعيشي الصعب الذي هم فيه لا يمكنهم تحقيق مطامحهم وأحلامهم. ّ إنّ تجربتي في «الاقتصاد والأعمال» هي، في ذاتها، رسالة أمل لكلّ هؤلاء. ومن سار على الدرب وصل.

من اليمين ملك الأردن عبد الله الثاني ورؤوف أبوزكي

مستشفى عين وزين الجامعي

تُعَدُّ المؤسسة الصحيّة للطائفة الدرزيّة أو ما يُعرف اليوم بـ مستشفى عين وزين من أهم الصّروح الطبيّة في الجبل بشكل خاص، وفي لبنان بشكل عام، إنْ من حيث الموقع في قلب الجبل، أو من حيث المستوى الطبّي التخصّصي والأكاديمي المتطوّر. ويعود الفضل الأوَّل في إنشاء هذه المؤسسة الصحية الجامعة إلى المغفور له سماحة شيخ عقل طائفة الموحدين الدروز المرحوم الشيخ محمّد أبو شقرا صاحب الأيادي البيضاء في إطلاق المشاريع والمؤسسات التي تعود بالنفع العام لطائفة الموحدين الدروز، وخير مثال على أعماله الخيّرة في هذا المجال مبنى دار الطائفة الدرزية في فردان، واستحداث بلدة المعروفية إلى الشرق من مدينة الشويفات، والتَّوسعة الكبيرة لمقام النبي أيّوب عليه السلام في جبل نيحا. فكما تولد الأفكار الخيّرة من رحم المعاناة والحاجة الملحّة لها، هكذا وُلدت لدى الشيخ محمّد فكرة إنشاء المؤسسة الصحية التي انطلقت في الأساس من إصراره على بناء دار لـ “العجزة” من أبناء الطائفة الذين لا مُعيل لهم ولا سند، بعد تلمُّسِه الحاجة الماسّة لتلك المشاريع التي تُعنى براحة المسنّين والمتقدّمين في العمر ممَّن يفتقرون إلى الاحتضان والرعاية الصحية والاجتماعية عندما يصبحون في خريف العمر، فلا يجدون الحاضنة التي توفر لهم الراحة والأمان في شيخوختهم وتعوّضهم قساوة الحياة وشقاوة الأيام. فلقد آن لهم أن ينعموا بالدّفء و الهدوء والسلام.

مراحل التأسيس

تأسّست جمعية أمناء المؤسسة الصحية بموجب العلم والخبر الذي يحمل الرقم 133/ أ.د الصادر عن وزارة الداخلية بتاريخ 17 آب 1978 وتألّفت من: الشيخ محمّد أبو شقرا رئيساً، وخالد جنبلاط نائب رئيس، وعبّاس الحلبي أميناً للسر، وسعيد عبد اللطيف أميناً للصندوق، وحسيب رسامني محاسبًا، وفريد أبو شقرا، ونبيه أبو شقرا، والدكتور سهيل الأعور، وأنور الخليل، وبهجت غيث، وفؤاد ذبيان، والدكتور محمود ربَح والدكتور صلاح سلمان أعضاء.

بعد وضع حجر الأساس للمؤسّسة في 7 تموز 1978 وإنهاء أعمال البناء، تمّ استقبال أوّل مُسنّ في دار العجزة في 9 أيلول 1989 واستُبدل اسم الدار باسم مركز رعاية المسنّين.

تحتلّ المؤسّسة مركزاً ريادياً على الخارطة الصحية الوطنية، وهي مؤسسة لجميع اللبنانيين، وتحمل رسالة إنسانية وعلمية، أثبتتها بالممارسة في مختلف ميادين عملها.

يعمل في المستشفى حاليّاً نحو مئة وثلاثين طبيباً من كافة الاختصاصات، ونحو 550 موظفاً، ويحتوي على مئتي سرير موزّعين على اثنتي عشرة دائرة طبّية هي:

  • دائرة الطب الداخلي وتضم مجموعة أقسام.
  • دائرة أمراض القلب.
  • دائرة الجراحة.
  • دائرة الجراحة والتوليد.
  • دائرة الأطفال والعناية الفائقة لحديثي الولادة.
  • دائرة الطوارئ.
  • دائرة الإنعاش والتخدير وقسم العمليات.
  • دائرة المختبر.
  • دائرة الأشعّة.
  • قسم طب وجراحة العيون.
  • دائرة العيادات الخارجية.
  • دائرة الشيخوخة.
  • قسم الغيبوبة والعناية الفائقة.
  • قسم العلاج بالأشعة
  • مركز العناية المنزلية.

    مبنى المستشفى الرئيسي
أكاديميّاً

إضافة إلى دورها في مجال الخدمات الطبّية والصحية التي تقدمها، تحتل المستشفى موقعاً رائداً على الصعيد الأكاديمي والعلمي، ومقصداً للمؤتمرات العلمية والوطنية لتتماثل مع المؤسسات الاستشفائية الجامعة. وقد تجلّى هذا التطوّر في إنجازات عديدة أهمّها:

أ – على الصعيد المحلّي

– إقامة برنامج تعاون مع:

    1. قسم طب العائلة ودائرة الطب الداخلي – مستشفى الجامعة الأميركية في بيروت.
    2. قسم المختبر والتغذية – جامعة اللويزة.
    3. دائرة طب العائلة – جامعة القديس يوسف.
    4. جامعة البَلَمَند لتدريب طلاب كليّة الصحة العامة وعلومها.
    5.  توقيع اتفاقيّة تعاون مع الجامعة الحديثة للإدارة والعلوم لتدريب الطلاب في اختصاص التغذية.
    6.  توقيع اتفاقية تعاون مع الجامعة الحديثة للإدارة والعلوم لتدريب الطلاب في اختصاص العلوم المخبرية.
    7. استحداث شعبة للعلوم التمريضية تابعة لكليّة الصحة في الجامعة اللبنانية في العام 1993 لتتحوّل سنة 2009 إلى فرع جامعي ( كليّة الصحة العامة – الفرع السادس).
    8. استحداث مدرسة عين وزين للتمريض في حزيران 1977 لتصبح في 11 – 10 – 2001 معهد التمريض/ مستشفى عين وزين بموجب مشروع مشترك رقم 67 مع وزارة التربية والتعليم العالي.
    9. توقيع اتفاقية تعاون مع كليّة العلوم الطبية الجامعة اللبنانية – 2011.
    10. توقيع اتفاقية تعاون مع مركز الباروك للرعاية الصحية.
    11. إقامة المؤتمرات الطبية المُتخصّصة بالتعاون مع مختلف الجمعيات الطبية اللبنانية.
    12. المشاركة في الدراسات الوطنية وطرح المعلومات والإحصاءات المتوفرة لديها للمساهمة في توحيد المعايير ومؤشرات الجَودة LHQPSS.
    13. الدَّور الذي تلعبه المؤسسة بالتنسيق مع نقابة المستشفيات ونقابة الأطباء، ونقابة الممرضين والممرضات وغيرها من النقابات العامة في القطاع الصحي.

      قسم طب الأطفال

ب – على الصّعيد العالمي:

    1. توقيع معاهدة توأمة مع مركز فرساي الاستشفائي في الخامس من آب 1992.
    2. توقيع اتفاقية تعاون مع جامعة لافال الكندية.
    3. توقيع اتفاقية تعاون مع centerehospitalier du pays d,aix-bouchesduRhone –chouf.
    4. توقيع اتفاقية تعاون مع تجمّعات مستشفيات باريس الحكومية
    5. توقيع اتفاقية تعاون في العام 2004 مع مستشفى Broca التخصصي بطب الشيخوخة.

يضم الفرع السادس اختصاصات العلوم التمريضية منها: الإشراف الصحي الاجتماعي، والعلاج الفيزيائي، بالإضافة إلى ماستير في طب الشيخوخة حيث كان مسجّلاً في العام الجامعي 2018 – 2019 نحو 270 طالباً.

كذلك وقّعت المؤسّسة اتفاقيّة تعاون مع وزارة الصحّة لتشغيل مركز بيت الدين الصحي اعتباراً من 1 – 5 – 2019 وذلك انطلاقاً من أهدافها الاستراتيجية التي من شأنها تعزيز موقع المؤسسة في القطاع الصحي وفي المجتمع، من خلال تنمية علاقات التعاون مع المستشفيات والمراكز الصحية الأولية في المنطقة والجوار، لتأمين الخدمات الصحية والاجتماعية لكافة فئات المجتمع بأقل تكلفة ممكنة وفقاً لمواصفات وزارة الصحة العامة لمراكز الرعاية الصحية الأولية، ومعايير الجَودة.

كان الشيخ محمد أبو شقرا يردد دائماً على مسامعنا في السر والعلن بأنه لن يرتاح له بال، إلى أن يعينه الله ويمكّنه من بناء دار لراحة المسنين الدروز، أسوة بباقي المرافق المماثلة في الطوائف الأخرى، فوجود هكذا صرح بالنسبة له كان ضرورة مُلحَّة.

تقنيّاً

يمكن القول إنّ المستشفى تعتمد على مكننة العمل الإداري، المالي، الطبي والتمريضي بشكل كامل اعتباراً من 1-6-1999 حيث بدأ العمل بتطبيق برنامج المعلوماتية الخاص بالمؤسسة sina وقد تطوّر هذا العمل ليشمل كافة أجزاء الملف الطبي.

اجتماعياً

تأكيدا على الدور الذي تلعبه المؤسسة استُحدث مكتب للشؤون الاجتماعية مهمته:

  1. تأمين الأدوية للمرضى ذوي الحاجة إمّا عن طريق صيدلية المستشفى أو عبر تحويل المريض إلى مؤسسات المجتمع المحلّي ( مستوصفات – جمعيات) بعد التنسيق معها لتأمينها بسعر رمزي.
  2. الحسم المادي على قيمة الفاتورة الاستشفائية.
  3. تأمين معدّات طبيّة على اختلاف أنواعها ( فرشة ماء walker كرسي متحرك سرير طبي – عكازات) لناحية شرائها أو استئجارها أو الحصول عليها بشكل مجّاني حسب الوضع الاقتصادي والاجتماعي للمريض.
  4. التنسيق مع وزارة الشؤون الاجتماعية ووزارة الصحة للاستفادة من خدماتها.
  5. التحويل إلى مؤسّسات تأهيلية رِعائية ومهنيّة عند الحاجة.
  6. التواصل مع المريض ومساعدته للتغلّب على المشاكل التي تعيق تكيّفه مع بيئته بالتعاون مع أهله.
  7. الاتّصال والتنسيق مع الصليب الأحمر أو الدفاع المدني لنقل المرضى.
  8. متابعة البعض من المرضى للتأكد من متابعة العلاج بعد خروجهم من المستشفى.
  9. تنظيم برامج تثقيفية للمرضى داخل المستشفى.

مبنى المستشفى الرئيسي

“الضحى”زارت مستشفى عين وزين أو المؤسسة الصحية والتقت القيّمين على ادارتها وشؤونها، وبالأخص أولئك الذين واكبوا انطلاقتها وصولاً إلى ما هي عليه اليوم من التطور والشهرة، وخلصت منهم إلى الحقائق التالية:

الشيخ نبيه أبوشقرا لـ “الضحى”:

عن المراحل الأولى لبناء المؤسسة، حدَّثنا الشيخ نبيه أبو شقرا النجل الأكبر لسماحة شيخ العقل الراحل محمّد أبو شقرا، والعضو الدائم لمجلس الأمناء فيها، وهو المواكب لغالبية المشاريع الخيّرة التي تحققت على يد الشيخ الأب المعطاء. حيث إنّ فكرة بناء دار لراحة المسنين، كانت تراود والده طوال عقدين من الزمن، وتحديداً بعد الانتهاء من بناء دار الطائفة الدرزية في بيروت، في منطقة فردان الأكثر رقياً وقرباً من العائلات الدرزية المنتشرة في أحيائها منذ أيام الإمارتين التنوخية والمعنية، ومن ثم الشهابية وصولاً إلى يومنا هذا، فقال: بعد التوسعة الكبيرة التي تولى الوالد تنفيذها في مقام النبي أيوب عليه السلام، وتحويله من حجرة متواضعة في قلب الجبل، إلى ما هو عليه اليوم من هالة قدسية قلّ مثيلها في هذا الشرق، ما جعله قبلة للمؤمنين من كل المناطق، وملاذاً للمستضعفين والمسترشدين بصبره وبركته، والمهتدين به لتقبل نذوراتهم بخشوع وأمان.

فإلى جانب التوسعة لهذا المقام، أسس الشيخ محمّد بلدة المعروفية، لإيواء النازحين الذين تشردوا بقوة السلاح على أيدي أزلام السلطة في العام 1957 من مخيم وطى المصيطبة، فقد كان يردد دائماً على مسامعنا في السر والعلن بأنه لن يرتاح له بال، إلى أن يعينه الله ويمكّنه من بناء دار لراحة المسنين الدروز، أسوة بباقي المرافق المماثلة في الطوائف الأخرى، فوجود هكذا صرح بالنسبة له كان ضرورة مُلحَّة. وبالأخص بعد أن كانت تَرِدُه العديد من الاتصالات عن وجود بعض المسنين الدروز في دور الرعاية الإسلامية والمسيحية، ولا من يزورهم أو يسأل عنهم. كانوا يَحارون ماذا يفعلون بهم. فكم كان يعتصره الألم لسماعه مثل هذه الأخبار المزعجة. وكم كان يتعجّب كيف أنَّ الأرمن الذين لم يمضِ على وجودهم في لبنان بضعة عقود من الزمن، كانت لديهم مؤسساتهم الصحية والرِّعائية.

أمَّا الدروز الذين هم أساس في هذا البلد، ما زالوا يفتقرون إلى مثل هذه المؤسسات. علماً أنّ زعماءهم من أمراء وشيوخ وبكوات، وهبوا الكثير من الأراضي للطوائف الأخرى، ليقيموا عليها كنائسهم وأديرتهم وصروحهم الرعائية والاجتماعية، بينما الدروز ليس لديهم أي شيء منها، وهذا لا يليق بسمعتهم كطائفة تعتدُّ بنفسها، على أنّها من الدعائم الأساسية في هذ الوطن. لكن قيام هكذا مؤسسات دونه عقبات كثيرة، أبرزها توفير المال اللازم للبناء والتجهيز وتظافر لجهود الخيرين. ولكن متى وُجدت الإرادة والتصميم سهل كل شيء. ويستذكر الشيخ نبيه أنّ فكرة إنشاء دار لراحة المسنين، سرعان ما تحوّلت إلى ما هو أوسع وأشمل، ليتمّ الاتفاق بعد ذلك على بناء مستشفى كبير، ومن ضمنه دار للمسنين. لكن الآراء تضاربت في البداية حول الموقع، بعضهم اقترح أن يكون المستشفى في الساحل، مُحَدّداً منطقتَي خلده أو الشويفات لإقامة هذا المشروع. والبعض الآخر فضّل أن يكون المستشفى في قلب الجبل وتحديداً في منطقة بقعاتا – عين وزين. لأنّ وجودها في هذه المنطقة يكتسب أهميّة خاصة. سيّما وأنّ المعلم الشهيد كمال جنبلاط سبق له وأسّس مدرسة ومستشفى العرفان في سهل السمقانية، ونزولاً عند رغبة أهالي المنطقة ومباركة الشيخ أبومحمّد جواد ولي الدين والعديد من المشايخ المهتمين، وبموازاة ذلك، كان من المفيد بناء المستشفى المُرتقب في هذه المنطقة نظراً للحاجة الماسّة لها، وخاصة إبّان الحرب الأهلية وسقوط العديد من الحرحى والمصابين من أبناء الجبل. وكان المطلوب قبل كل شيء تأمين قطعة الأرض المناسبة لهذا المرفق الهام. وبعد التشاور والمداولات اتُّفِق أن يكون المستشفى في نطاق بلدة عين وزين لأهميّة المكان والموقع.

عندها انبرى الخيّرون من أهالي عين وزين والجديدة- بقعاتا لتقديم ما عندهم من أراض علّها تصلح لقيام هذا المشروع. ولا ينسى الشيخ نبيه الإشارة إلى الشيخ أبو نعمان اسماعيل الحسنيّة الذي كان أوّل المتبرّعين، لكنّ قطعة الأرض التي تبرع بها لم تكن مستوفية الشروط المطلوبة. ثم تلاه الشيخ أبو سامي محمّد الحسنية الذي تبرع بأرضه، التي لاقت استحساناً من قبل الجميع، كما حظيت بموافقة مهندس المشروع نظراً لوجودها إلى الغرب من البلدة وعلى تلَّة مشرفة. وهكذا كرَّت سُبحة المتبرعين بأراضيهم. يذكر منهم الشيخ علي نعيم الفطايري، والأخوين سعيد وسليم الحسنية، إذ بلغت مساحة العقار نحو 27 ألف متر مربع. ولقد ساهم أهالي عين وزين أيضاً بإيصال الطريق إلى المكان المذكور من أكثر من جهة. وانطلاقاً من تظافر هذه الجهود الخيّرة والنوايا الحسنة، حدّد الشيخ محمّد موعداً لوضع حجر الأساس في السابع من تموز 1978 وشكّل لهذه الغاية لجنة حجر الأساس التي تحوّلت بعد ذلك إلى عدّة لجان وساهمت بجهد كبير لإنجاح ذاك اليوم التاريخي.


قسم العلاج الفيزيائي

الحلبي لـ الضحى: اليوم نحتفل بمرور 30 سنة على بدء العمل في المستشفى ودار المسنين

رئيس مجلس الأمناء القاضي عبّاس الحلبي، عبّر في حديثه مع “الضحى” عن سعادته لبلوغ مستشفى عين وزين الجامعي هذا المستوى من التقدّم في المجال الطبي، ومعالجة المرضى وشفائهم. وعن التطور المُستدام لدار المسنّين الذي لا يضاهيه أيّ مركز مماثل في لبنان، من حيث الرعاية والاهتمام بالمسنين الذين أضحَوْا في خريف العُمر، متناولاً المراحل التي قطعها المستشفى منذ اليوم الأول لتأسيسه، وهو يضم داراً للمسنين، وفرعاً للجامعة اللبنانية – كليّة التمريض التي ترتبط بوزارة الصحّة، ومركزاً جديداً لأشعّة السرطان.

الحلبي لفت إلى العلاقة المُمَيّزة والصداقة المتينة التي كانت تجمعه بالشيخ محمّد أبو شقرا، فلقد كان يسند إليه بالكثير من المهام المتعلّقة بشؤون مشيخة العقل، باعتباره من الرعيل الأول الذي واكب عملية التحضير لبناء المستشفى مشيراً إلى تطوّر هذه العلاقة وتأطُّرها حتى أصبح لديه نقطة ضعف تجاه الشيخ محمّد إذ كان يواظب على زيارته باستمرار في دار الطائفة، وكان سماحته يحيطه بعاطفة خاصة كما قال.

لقد كان القاضي الحلبي في ذلك الوقت ناشطاً في الحقل العام، ومعروفاً في الوسط الدرزي.كما كان يشغل منصب رئيس لرابطة العمل الاجتماعي. وعندما تبلورت فكرة بناء المؤسسة الصحية تم تعيينه أميناً للسرّ في مجلس الأمناء الذي كان يرأسه الشيخ محمَّد. بحُكم هذه العلاقة التي أشار إليها، واكب القاضي الحلبي كل عملية التأسيس منذ البداية ولغاية تاريخه. من اختيار العقارات، إلى وضع حجر الأساس، إلى كل المراحل التي تلت بناء المؤسسة وتوسعها حتى فترة الاجتياح الإسرائيلي في العام 1982 حيث توقَّف فيها العمل، بعد أن احتلّت إسرائيل المبنى وعبثت بمحتوياته. وبعد انسحابها منه اضطررنا لإعادة التأهيل والتعويض عن التجهيزات التي تضرّرت إلى أن انقضت هذه المرحلة. وأضاف في العام 1989 “باشرنا العمل في القسم الأوّل من المستشفى المتخصص بغسل الكلى، ثم مركز رعاية المسنين قبل أن يتحوّل إلى المركز الصحي للمسنين. ففي تلك السنة بدأنا باستقبال العدد الأول من العجزة وكبار السن، وقد استمريت كأمين للسر حتى سنة 2010 حيث انتُخبت رئيساً لمجلس الأمناء…” وما زال القاضي الحلبي يشغل هذا المنصب إلى اليوم. هذا المجلس يتشكل من 12 عضواً بعضهم توفاه الله، وبعضهم استقال لأسباب صحية، فتم تعيين بديلاً عنهم. والأعضاء الحاليون هم: عباس الحلبي رئيساً، عصام مكارم نائب للرئيس،مالك أرسلان أمين للسر، نبيه أبو شقرا وهو من الرعيل الأول وقد ترافقنا معاً طيلة 40 سنة إلى جانب داوود صبح وأكرم صعب وسعيد عبد اللطيف، ووجدي أبو حمزه، والدكتوربهاء نور الدين والدكتور صلاح زين الدين، وغسان عسّاف وفايز رسامني.

وعن عمل مجلس الأمناء، أشار القاضي الحلبي، أنّ المجلس هو المشرف على المؤسسة، ويتولّى وضع الخطط الاستراتيجية لها، ويقرّر الميزانية ويحدد سياساتها وقرارات توسيعها. كما ينظر بطلبات شراء التجهيزات الكبيرة، ويقرّر الخطط الخمسية المعتمدة، وهو المرجع الأول في المؤسسة. وينبثق عنه مجلس إدارة مؤلف من خمسة أعضاء وهو برئاسته أيضاً. أمّا الهيئة التنفيذية فهي تُعنى بإدارة المستشفى، وكل ما يتعلق بالعمل والإنفاق إلى جانب تنفيذ قرارات مجلس الأمناء.

مجلس الأمناء يعقد أربعة اجتماعات في السنة، أمّا الهيئة التنفيذية فتعقد اجتماعاتها كلَّ شهر، وهي تخضع لسلطة هيئة الإدارة والمدير العام. ومن القرارات المهمة التي اتخذها مجلس الأمناء هي بناء قسم جديد للمستشفى وإعادة تأهيله، وتتولّى الهيئة التنفيذية تنفيذ العمل. كما اتّخذ المجلس قراراً بتشكيل مجلس إدارة لمستشفى الجبل، وتعاونُنا معهم يقوم على علاقة ثلاثية مع مجلس الإدارة ومؤسسة كمال جنبلاط كونها الجهة المالكة. والمجلس يوفّر التمويل لتغطية جزء من نفقات التشغيل أمّا النفقات الأخرى فهي على عاتق إدارة المستشفى.


النفق الذي يربط مبنى المستشفى الأساسي بباقي المباني

الدكتور حسن أمين البعيني

الباحث الدكتور حسن أمين البعيني مؤلّف كتاب الشيخ محمّد أبو شقرا – فصول من التاريخ في مسيرة علم، وفي الفصل الثاني عشر من كتابه وتحت عنوان “رجل البناء” بيّن بالتفاصيل والأرقام والتواريخ كل المراحل التي قطعها مشروع بناء المؤسسة الصحية بدءاً من ولادة الفكرة لدى الشيخ أبوشقرا إلى إنشاء جمعية (مشروع اللّيرة الخيري) إلى توقفها واستئناف نشاطها بعد انتخاب المحامي معضاد معضاد رئيساً لها ومباركة الشيخ محمّد وتحويل الاسم إلى (جمعية مستشفى الطائفة الدرزية) والشروع في جمع التبرعات، والإتفاق على بناء المستشفى في نطاق بلدة عين وزين بعد التبرّع بالأرض من قبل الخيّرين من أمثال الشيخ أبو سامي محمّد الحسنية، والشيخ علي نعيم الفطايري، وسعيد وسليم الحسنية، منطلقاً لتحقيق هذا الحلم الكبير من تحويل المساعدة التي تلقاها سماحته من المحسن المغترب إلياس شربين وكانت بقيمة 50 ألف دولار إلى بناء هذا المشروع. ويشير الدكتور البعيني أنَّ الشيخ محمّد أطلق في 20 كانون أول 1977 نداء إلى معشر الإخوان يقول فيه: إنّ المؤسسة الصحية للطائفة الدرزية حلم راود الأفكار منذ عشرات السنين وهي ضرورة لا بدّ منها ولا غنى عنها. واليوم بدأ الحلم الذي راودكم من سنين يتحقق. معلناً بداية العام 1978 موعداً للبدء بتقبل التبرعات لدى مكتب مشيخة العقل في دار الطائفة الدرزية وبواسطة لجان ومعتمدين لقاء وصولات رسمية. محدداً السابع من تموز موعداً لوضع حجر الأساس. مشكّلاً لهذه الغاية ثلاث لجان: لجنة وضع المنهاج، ولجنة التنظيم والمراقبة، واللجنة المالية. ويلفت المؤلف إلى مجموع التبرعات في يوم الاحتفال بوضع حجر الأساس فقد بلغت أربعة ملايين ليرة لبنانية.

بعد ذلك طلب الشيخ محمّد تأسيس جمعية مجلس أمناء المؤسسة فضمّت السادة: فريد أبو شقرا سعيد عبد اللطيف نبيه أبو شقرا، وهي جمعية لا تبغي الرّبح. بعد صدور العلم والخبر من وزارة الداخلية وبناء على القانون الأساسي للمجلس، اختار الشيخ محمّد أعضاء مجلس الأمناء وبوشر بإعداد الممرضين والممرضات في تشرين الثاني 1979. وعلى صعيد الدول المتبرعة للمؤسسة كانت المملكة العربية السعودية في مقدمة المتبرّعين، فقد نقل سفيرها آنذاك الفريق أوّل علي الشاعر رسالة إلى الشيخ محمّد مُرفقة بشيك بقيمة خمسة ملايين ليرة لبنانية. وفي 11 – 4 – 1981 تم تلزيم هياكل مباني المؤسسة. وهي دار العجزة، والمستشفى، والعيادات الخارجية، ومسكن الأطباء والممرضين وفي حفل غداء أقيم في دار الطائفة أعلن الشيخ محمّد أن مجموع التبرعات قارب العشرين مليون ليرة. وفي اجتماع عُقد في المختارة بحضور وليد بيك وشيخ العقل والأميرة خولا أرسلان في 8 ه 6 ه 1986 أبلغ خلاله الشيخ محمّد المجتمعين، أنَّ مجموع التبرعات بلغ 32 مليون ليرة و351 ألف دولار وهذا المبلغ هو أقل بكثير من المبالغ المقدرة لتجهيز المؤسسة بالمعدات التي قدرت بـ أربعة ملايين دولار. وبعد اكتمال التجهيزات الأساسية للمؤسسة دعا مجلس أمنائها إلى المشاركة بافتتاحها في 4 حزيران 1989.


المركز الطبي للمسنين

فماذا يقول القيّمون على عمل المؤسّسة الصحية اليوم؟

الدكتور شوكت البعيني

مدير مركز رعاية المسنين الدكتور شوكت البعيني، أوضح في حديث لـ “الـضحى” بأن المركز يقدم الرعاية لكبار السن مع التقديمات وخدمات الرعاية، ومن الطبيعي أن تكون صحة المسنين جيدة. وهو يستوعب بحالته الحاضرة 75 سريراً بين نساء ورجال، ولكن المنطقة بحاجة لأكثر من ذلك، وليس لدينا أسرّة تفرغ بسهولة، وتبقى هناك لائحة انتظار للناس الذين تقدّموا بطلباتهم يعتمد بشكل رئيسي على دعم المستشفى من دواء ومختبر وأشعة وتنظيفات، وإنّ كلفة المسن على الورقة والقلم تتراوح بين 1000 و1300 دولار أميركي، بينما وزارة الصحة تساهم بـ 500 دولار عن المُقعدين فقط. كما أنّ وزارة الشؤون الاجتماعية تساعد بـ 300 دولار فقط. وبالتالي هناك فرق يصل إلى 800 دولار. وهناك كسر ما بين 30 و50 ألف دولار في الشهر يتولّى المستشفى تسديدها. بينما الناس تعتقد أنّ هذه الخدمات تُقدَّم مجاناً، ولو كان الأمر كذلك لكنّا أقفلنا المؤسّسة، ولا ننسى أنَّ فكرة قيامها هو دار العجزة. وبالتالي فإنَّ القيّمين عليها يرفضون إقفال هذا القسم. ولكي تكون الخدمات مجّانية، يفترض أن يكون هناك تبرعات بمبالغ مقبولة فالتبرعات التي تُقدّم للمؤسّسة متواضعة جدّاً. ولو كانت لدينا تقديمات أو هِبات كتلك التي تصل إلى المؤسسات المشابهة لكانت الرعاية مجانية،ولكن للأسف هذا ما نفتقر إليه. أمّا بالنسبة لشكاوى الناس، قال البعيني: من الطبيعي أن يكون هناك شكاوى لأن الأَسرَّة التي تفرغ ليست بحجم الطلب عليها، ونحن بصدد توسيع المركز من خلال المبنى الجديد الذي سيضم 75 سريراً إضافيَّاً فيصبح لدينا 150 سريراً. وتبقى حاجة الناس أكثر من ذلك. وهناك أعداد كبيرة ممن تتراوح أعمارهم بين 80 إلى 90 سنة وما فوق، والقسم الأكبر منهم يتطلَّب رعاية اجتماعية لأنَّ رعايتهم من قبل ذويهم تكون مُتعذّرة في غالب الأحيان بحكم عملهم وضيق الوقت، ولا بدّ لهم من اختيار المكان الأمثل، خلافاً لما كان عليه الوضع في الماضي عندما كان الأبناء يتولّوْن رعاية والدِيهم، أمَّا اليوم فالأبناء ليسوا متفرّغين و “الختيار” لا يُترَك لوحده حتى لو تمت الاستعانة بالخدم فهذه الطريقة مُكلفة جدّاً ولا تفي بالغرض المطلوب، وهناك خطورة لترك المسنين على عاتقهم، ولا أحد يمكنه أن يتكهَّن ماذا يمكن أن يحصل لهم. لذلك يتم اللجوء إلى دور المسنين التي لديها الأمان والخدمة الجيدة والحنان.

وعن الشكوى من زيادة بدل التأمين برّر البعيني هذا الإجراء بسبب قلة المسؤولية لدى البعض، وعدم التزامهم بدفع ما يترتب عليهم. لذلك لجأنا إلى خيار التأمين لأنّه في حال تأخّر ذوي المسن عن دفع ما يتوجب عليهم نستوفي المبلغ المطلوب من بدل التأمين الذي قد يصل إلى ثلاثة أضعاف الرسم الشهري، لأننا لا نستطيع أن نحكم على النوايا وعندما تُسدَّد الرسوم في أوقاتها يحقُّ للمؤمِّن استعادة المبلغ الذي دفعه، واصفاً حالة المسنين في دار الرعاية بالجيدة والممتازة، فهم يتلقَّوْن أفضل العناية ويقيمون علاقات اجتماعية واسعة النطاق مع بعضهم، “مبسوطين ومرتاحين”، ولا يشكون من فقدان الذاكرة أو الخرف، كما يحصل لهم غالباً في منازلهم، بسبب الوحدة القاتلة التي يعيشونها،.هذا فضلاً عن الرحلات التي يشاركون فيها. وفي ردّه على سؤال حول ثقافة الحنان والثقة المتبادَلة بين المسنين والموظفين الذين يتولَّوْن رعايهم قال: هذا كلّه يتم من خلال الدورات التدريبية والمحاضرات التي يشاركون فيها، وهم يعرفون أن هذا المسن يتطلب رعاية واحتضان وكأنَّه بين أهله. ونحن كإدارة نتابع طريقة عملهم ومعاملتهم للمسنين الذين يصبحون مع الوقت بمثابة أهلهم. وأضاف أحياناً يكون المسن لديه حالة نفسية تجعله يرفض العناية الجسدية، فيرفض أن يستحم أو أن يبدل ثيابه، فالموظف مُجبر على إقناعه بالقبول. لأن ما يقوم به هو لصالحه. فهكذا تنشأ الثقة بينهم، ونادراً ما تحصل أخطاء. وعن التوسعات الجديدة في المؤسسة أوضح البعيني أنّ المبنى الجديد الذي يجري بناؤه اليوم، يأتي من ضمن عقد سابق لم يتم تنفيذه في الماضي وهو تابع لقسم المسنين والعلاج الفيزيائي، ويتركَّز على عملية البناء الخارجي ولا يشمل التجهيز.

البعيني ناشد أصحاب الأيادي البيضاء إلى التبرّع والمساعدة لدار العجزة، فلا يجوز أن نطالب ولا نقدّم شيئاً.


قسم العلاج الفيزيائي

الأستاذ غازي صعب

مدير قسم التمريض غازي صعب قال لـ “الضحى” إنَّ قسم التمريض في مستشفى عين وزين يضم قرابة 300 ممرّضة وممرّض غالبيتهم من الخرِّيجين وتشمل الماجستير والليسانس والدراسات العليا الدكتوراه وما فوق، بالإضافة إلى شهادة TS وlt وتشمل BT المهني للعلوم التمريضية المهنية، وتنقسم إلى ثلاثة أقسام وظيفية هي: مدير تمريض، مشرف ومشرف قطب للوحدات التمريضية، بالإضافة إلى مسؤولي أقسام تمريضية. وهناك عامل تمريضي ومساعد تمريضي، وكاتب تمريضي لكل وحدة. وهذا الفريق التمريضي يخضع لمراقبة مستمرّة، وكل يوم خميس يشارك في المحاضرات والتدريب على كيفية التواصل مع المريض لتفادي الأخطاء في حال حدوثها، ومنع انتقال الأوبئة إلى المرضى. كما تقوم الإدارة بتشييك يومي على عمل المُمرضين ضمن برنامج خاص، وتدريبهم على فرز النّفايات. وحول الآلية المعتمدة لعمل الممرضين أوضح صعب أنَّ حَمَلة الشهادات يخضعون للتدريب والمراقبة مدّة ثلاثة أشهر، وبعد قبولهم يتم توظيفهم ضمن عقود عمل وكلّ فترة نجري عملية تقييم لطريقة الالتزام بالتعليمات. من جهة ثانية لفت صعب إلى النقص الكبير في قسم التمريض على مستوى كل لبنان، على مستويي التعليم المهني والجامعي، وفي اللغتين الفرنسية والإنكليزية، وهناك نقص في الخبرات، ونقص في العدد ليس فقط في لبنان بل على مستوى العالم. في موضوع ما يسمى بالجرثومة التي تصيب المرضى في المستشفيات، أكّد أنَّ هذا الموضوع مُسَيطَرٌ عليه ولدينا ممرّضات متخصّصات، بالنسبة لهذا الموضوع، والتنسيق مستمر مع إدرة المستشفى.

مقابلة مع د. غسّان العيّاش

هل زادت أعباء مصرف لبنان اليوم وتحدّياته عما كانت عليه يوم كنتم نائباً للحاكم؟

من حيث الشكل، إنّ المهام التي يواجهها مصرف لبنان اليوم تشبه إلى حدّ بعيد المهام والتحدّيات التي كانت قائمة في مرحلتنا، أي فترة 1990 – 1993. فلا زال المطلوب من مصرف لبنان حماية الاستقرار النقدي وسط العجز المتمادي في المالية العامّة في ظل دولة لا تملك الإرادة أو الخطّة لإصلاح أوضاعها المالية وتضييق الهوّة بين إيراداتها ونفقاتها. وليس استقرار سعر صرف الليرة اللبنانية وحده هو غاية السياسة النقدية في الماضي والحاضر، بل أيضا المحافظة على معدّلات فائدة معتدلة لضمان نشاط اقتصادي معقول وحماية المجتمع من التضخّم.

لكنّ اليوم، بعد مرور خمس وعشرين سنةً على استمرار المشكلة، أصبحت المهمّة أكثر صعوبة وتعقيداً، بما لا يقاس. فقد تدهورت الأرقام والمؤشّرات تدهوراً خطيراً وباتت التحدّيات في وجه مصرف لبنان شاقّة وبالغة الصعوبة. فخلال ربع القرن الأخير ارتفع الدَّين العام 28 مرّة مقابل ازدياد النموّ الاقتصادي 9 مرّات فقط، فارتفعت نسبة الدَّين العام إلى الناتج المحلي القائم من 50 بالمئة سنة 1993 إلى نحو 150 بالمئة في الوقت الحاضر. دَيْن الدولة الذي كان في مستوى ملياري دولار وقتها بات الآن في حدود 85 ملياراً.

هذه التطوّرات المقلقة انعكست على ميزانية المصرف المركزي نفسه، إذ وصلت التزامات المصرف تجاه القطاع المالي إلى مستوى تاريخي لا سابق له وتجاوزت مبلغ 125 مليار دولار، فيما كانت هذه الالتزامات في مرحلتنا محدودة وتقتصر على الاحتياطي الإلزامي على ودائع المصارف بالليرة اللبنانية فقط. وتواجه ربحيّة مصرف لبنان وضعاً صعباً بسبب اضطراره باستمرار لمساعدة الدولة على تمويل عجزها وفي الوقت نفسه حماية سعر صرف اللّيرة اللبنانية، وتعزيز احتياطاته النقدية بالاستدانة بكلفة عالية.

الوضع الاقتصادي العام في لبنان يشهد منذ ٢٠١٢ تراجعاً خطيراً في مؤشّراته كافة، هل هي انعكاس لأزمات المنطقة والنزوح إلى لبنان، أو لأسباب اقتصادية وسياسية محلّية؟

الظروف الصّعبة التي يعيشها لبنان اليوم هي نتيجة تزامن وتزاوج الأوضاع الإقليمية المتفجّرة مع السياسات الداخلية السيّئة. الأوضاع المضطربة من سورية إلى الخليج (حرب اليمن) أدّت إلى تقلّص السياحة التي يعوّل عليها الاقتصاد اللبناني كثيراً، وأصيبت الاستثمارات الخارجية المباشرة بتراجع من 10 بالمئة من الناتج المحلّي سنة 2010 إلى 3 بالمئة تقريباً في الوقت الحاضر. وخسر لبنان في فترة قصيرة نصف صادراته الصناعية والزراعية، بسبب تعطّل الطرق البرّية وكذلك بسبب تراجع الأوضاع الاقتصادية في الخليج العربي.

لا ننسى بالطبع العبء الكبير الذي وقع على كاهل لبنان جرّاء نزوح أكثر من 1.2 مليون سوري إلى لبنان هربا من أتون الحرب السورية. انعكس هذا العبء على ماليّة الدولة وعلى الخدمات إضافة إلى ارتفاع مُعدّل البطالة بسبب منافسة اليد العاملة السورية لليد العاملة اللبنانيّة.

لكن هذه الظروف الإقليميّة غير الملائمة ترافقت مع ظروف داخليّة غير ملائمة أيضاً. فالأزمة الإقليمية لم تشكّل حافزاً للدولة لتصحيح أوضاعها بل استمرّت في تمويل عجزها بالدَّين، كما أخفقت في تخفيض منسوب الفساد والهدر في الإنفاق وفشلت فشلاً ذريعاً في إدارة الخدمات العامّة كالكهرباء والنفايات. لا نُغفل توالي الأزمات السياسية في زمن المحنة الاقتصادية. وقد أدّت هذه الأزمات إلى تعطيل المؤسّسات الدستورية تباعاً، فتأجّلت الانتخابات النيابية وعُرْقل تشكيل الحكومة مرّتين وشهدت انتخابات رئاسة الجمهورية فراغاً لمدّة تزيد على السنتين.

د. غسّان العيّاش | نائب حاكم مصرف لبنان سابقاً.

يتصدر الوضع المالي واجهة المشهد في لبنان، ما تقويمك للوضع المالي في لبنان بعامّة، وبخاصّة في موضوع الهوّة الواسعة بين المداخيل المحدودة ومتطلّبات الإنفاق الكثيف؟

الإنفاق المستمر سنة بعد سنة دون إيرادات كافية هو الطريق إلى الانتحار المالي والاقتصادي. أودّ أن أوضح هذه المسألة بصورة أدقّ. يجب أن يكون الدَّين العام متناسباً مع حجم الاقتصاد، أي أن يبقى في الحدود التي يستطيع الاقتصاد تحمّلها. في اتفاق الوحدة الأوروبية مثلاً لا يجوز للدين العام في أية دولة أوروبية أن يتجاوز 60 بالمئة من الناتج المحلّي، وقد اعتُبر هذا المقياس معياراً دوليًّا لأنّه مبني على دراسات معمّقة. في لبنان باتت نسبة الدَّين العام إلى الناتج المحلي أكثر من 150 بالمئة من الناتج. لذلك، فتعليقي السريع على الوضع المالي للدولة اللبنانية أنّ دينها بات يتجاوز قدرة الاقتصاد اللبناني على احتماله. ولهذا الأمر نتائج سلبية مالية واقتصادية واجتماعية، لا يتّسع المجال الآن لتعدادها.

كما أنّ المسار المالي للدولة يحمل ظلماً فادحاً بحقِّ الأجيال اللبنانية القادمة. فقد استقرّت القواعد المالية في الدول المتقدّمة على أنّ النفقات الجارية يجب أن تموّل بالضرائب والإيرادات الأخرى للدولة، ولا يجوز أن تستدين الحكومة إلّا لتمويل نفقات الاستثمار. فالنفقات الجارية تقع على عاتق الجيل الذي ينفقها لأنّ الأجيال القادمة لا تستفيد منها. أمّا نفقات الاستثمار فيجوز تأجيل سدادها لأنّها تزيد الثروة الوطنية فيستفيد منها الجيل الحاضر والجيل القادم.

واقع الحال في لبنان، ومنذ سنوات، أن النفقات الجارية لا يموّلها الجيل الحاضر كلّها، بل يُترَك قسمٌ منها لأبنائنا وأحفادنا دون وجه حقّ. خلال ربع القرن المنصرم لم تكن إيرادات الدولة كافية لرواتب الموظفين وخدمة الدين العام وحدها. إنّ كل إيرادات الدولة تساوي 70 بالمئة من النفقات الجارية ويترك القسم الباقي مع نفقات الاستثمار للأجيال المقبلة. حُكْم أبنائنا وأحفادنا سيكون قاسياً علينا بدون شك لأنّنا حمّلناهم بعض ما أنفقناه لمصلحتنا، إضافة إلى كلفة الهدر والفساد.

ما حقيقة ومدى خطورة الوضع المالي الآن؟

باختصار، الوضع المالي في لبنان، كما أسلفنا هو وضع خطير ومضرّ بالاقتصاد والمجتمع. ولكنّي لا أشارك الذين يقولون بأنّ لبنان على حافة الانهيار أو أن الانهيار المالي قدرٌ محتوم. فلا زال هناك وقت للإصلاح وتخفيف المخاطر، وإن كان هذا الوقت ليس طويلا. لِنرَى ما ستفعله الحكومة الجديدة التي قدّمت من خلال بيانها الوزاري وعوداً كبيرة للإصلاح المالي، وهو ليس بالأمر السهل.

كيف تُقيّم الهندسات المالية لمصرف لبنان في السنتين السابقتين، هل كانت لمصلحة مصارف وأشخاص أم كان لا بد منها؟

كان الهدف من الهندسات المالية التي ابتكرها مصرف لبنان منذ أواسط سنة 2016 تعزيز احتياطاته النقدية، وسط تراجع رصيد ميزان المدفوعات والنّزف الذي يتعرّض له المصرف المركزي. هذا مفهوم. إلّا أنّ النقد الذي وُجّه إلى هذه الهندسات أنَّ كلفتها عالية، وهي لا تشكّل حلّا دائما بل تسعى إلى شراء وقت محدود فقط. لم يكن الهدف من الهندسات المالية إفادة مصارف أو أشخاص معيّنين، لكن البعض استفاد من هذه الفرصة المستمرّة بمبالغ ضخمة أحياناً، وهم بعض المصارف، ومودعون كبار محظوظون. صندوق النقد الدولي والمؤسّسات المالية الدولية تفهّمت القيام بهذه العمليات استثنائياً في ظل الفراغ في رئاسة الجمهورية، لكنّها طالبت مصرف لبنان بوقف هذه العمليات الاستثنائية ومعالجة المشاكل بالطرق الطبيعية والعادية المتّبعة في عمل المصارف المركزية.

ما حسنات وخطورة الدّور المتزايد الذي بات للمصارف اللبنانية في الملاءة المالية للدولة في لبنان؟ هل هو وضع يد على الدولة؟

يجب التدقيق في ما إذا كانت المصارف تضع يدها على الدولة أم أنّ الدولة تضع يدها على المصارف، من خلال امتصاص نسبة كبيرة من موجوداتها بغرض تمويل العجز.

الحسنة الوحيدة التي أراها هنا أن المصارف كانت حاضرة دائما لتمويل عجز الموازنة في ظل قصور الإيرادات العامّة عن تلبية احتياجات الدولة ومتطلباتها. ما عدا ذلك لا أرى إلّا السلبيات. فإنّ امتصاص ودائع المصارف بمعظمها من قبل الدولة أضرّ إضراراً كبيراً بالاقتصاد والنموّ الاقتصادي وبخلق فرص العمل. فالقاعدة أنّ المصارف هي وسيط يجعل الادّخارات في خدمة القطاع الخاص، لتمكينه من القيام بنشاطه وتوليد النموّ والوظائف. إنّ استئثار القطاع العام بالقسم الأكبر من موجودات المصارف اللبنانية كان عبر السنين عاملاً مُضرّاً بالنموّ الاقتصادي وسبباً في تراجع النشاط الاقتصادي وارتفاع معدّل البطالة في البلاد.

ما اقتراحاتكم لمعالجة التأزّم الحاصل في لبنان، في الحقلين الاقتصادي والمالي؟

على الصعيد المالي تتمثّل المشكلة كما أسلفنا بالعجز المتمادي والمتواصل في موازنة الدولة، دون أية خطوات إصلاحية لتضييق الهوّة بين النفقات والإيرادات. بالتالي فإنّ العلاج البديهي هو زيادة الإيرادات وخفض النفقات، أوّلا عن طريق منع الهدر ومكافحة الفساد ثم إلغاء النفقات التي يمكن الاستغناء عنها. إنّ مكافحة التهرّب الضريبي مفيدةٌ جدّا خصوصاً أن عدداً من المراجع المطّلعة يقدّر هذا التهرّب بمبلغ أربع مليارات دولار سنويًّا، ما يوازي ثلاثة أرباع عجز الموازنة. ويتركّز التهرّب الضريبي في الجمارك والضريبة على القيمة المضافة وضريبة الدخل.

ومن المتّفق عليه، نظريًّا، أنّ الرصيد الأوّلي للموازنة، أي النفقات من دون خدمة الدين العام، يجب أن يحقّق فائضاً سنويًّا كافياً لِلَجم نسبة الدَّين العام إلى الناتج المحلي القائم، وهذا أمرٌ غير متوفّر حاليا.

شخصيّاً لن أتقدّم باقتراحات إضافية وسط «سوق عُكاظ الاقتصادي» الذي تعيشه البلاد وكثافة الاقتراحات والاجتهادات والأرقام التي تنهال من كلّ حدب وصوب. بل أكتفي بتأييد التعهّد الذي قدّمته الحكومة اللبنانية إلى «مؤتمر سيدر» بخفض عجز الموازنة بدءاً من السنة الجارية بنسبة واحد بالمئة سنويًّا، وهو التعهّد الذي كرّرته الحكومة في بيانها الوزاري أمام المجلس النيابي. إذا تمكّنت الحكومة من تنفيذ هذا التعهّد فإن عجز الموازنة سيصبح في مستوى معقول بعد خمس سنوات.

هل أنت متفائل بقدرة الحكومة على تنفيذ تعهّدها؟

المُقلق أنّ الحكومة تقدّم هذا التعهّد أمام البرلمان وفي المُنتديات الدولية الداعمة للبنان دون أن تبيّن كيف ستصل إلى هذه النتيجة، خصوصاً ألّا وقت لديها ويجب أن تبدأ العمل دون إبطاء. فاعتباراً من موازنة سنة 2019، التي يُفترض إقرارها في القريب العاجل، يفترض أن تُعْلِن الحكومة عن الإيرادات التي تنوي زيادتها والنفقات التي تفكّر في إلغائها، مع العلم أنّ هذه الخطّة إذا كانت حقيقية ستفجّر بدون شك نوعاً من الصّراع الاجتماعي خارج الحكومة، وربّما داخلها.

فإنّ ممثلي الطبقات غير الميسورة بدأوا أساساً بالاعتراض على أيّة ضرائب تصيب الفئات الشعبيّة أو المساس برواتب موظفي الدولة أو صرف الموظفين.
لا يمكن الاطمئنان قبل أن تُفصح الحكومة عن خطّة حقيقية معزّزة بالأرقام بشأن نواياها حيال الإيرادات والنفقات، وهذا ما يجب إعلانه في الأيام والأسابيع المقبلة. بالنسبة للوضع الاقتصادي الصّعب، لا يمكن التكهّن بتحسينه ورفع درجة النشاط الاقتصادي والخروج من حالة الركود الراهنة قبل لجم مشكلة المالية العامّة، فيما التطوّرات المالية لا تبشّر بالخير في ضوء الارتفاع المتواصل في معدّلات الفائدة. حيث هناك فوائد مرتفعة لا مكان للأمل بانتعاش الاقتصاد ورفع مستوى النموّ الاقتصادي.

خطرُ الفكرِ الإرهابي…

 

أجرى اللقاء في القاهرة رئيس التحرير، بمعيّة الأستاذ فرحان صالح (أمين عام حلقة الحوار الثقافي).

ما هي مخاطر الإقصاء! يقول أخوان الصّفا: لا تُعادوا عِلْما من العلوم ولا تهجروا كتاباً من الكتب ولا تتعصّبوا لأيّ مذهب من المذاهب. بعد ألف عام ماذا
حدث! لِمَ هذا التعصّب والتَّشرذم والإقصاء! إلى أين نحن ذاهبون كعرب وكأمّة إسلامية فرّقتها المذاهب والمِلَل؟كيف انهار الإسلام كمشروع توحيدي. كيف نقاوم ما حدث؟

ما تتكلّم عنه أستاذنا الكريم حقيقة مُرّة، أمّا كيف حدث ذلك، فإنّ تراكمات من الأحداث خلال القرون أنتجت ما نشهده اليوم. ولنبدأ من سنة 1516، يوم دخول العثمانيّون إلى المنطقة العربية… احتلّوا الشام ودخلوا مصر… وبالتدريج حوّلوا الإسلام إلى سلطة واستبداد على مدى قرون. ثم جاء الاستعمار الأوروبي الجديد مع الثورة العلميّة والفكريّة في أوروبا، ودخول عدّة حضارات على الحضارة الإسلامية إنْ بالقوّة أو بالعلم أو بالاستعمار، أو بالثلاثة معاً. كلّها عوامل تُضاف إلى بعضها بعضاً، ومنذ منتصف القرن الثامن عشر ورغم تململ العرب من الحكم العثماني الظالم والذي لم يكن يطبّق الشريعة الإسلامية فعليّاً، بل رفعها شعاراً وأقوالاً، كانت هناك أكثر من محاولة للخروج من هذا الظّلم والاستبداد، ولا ننسى المحاولة الأولى لعلي بك الكبير في مصر والشام والتي أُجهضت على يد السلطان العثماني بفتوى تكفيرية.

وبعد أن كُشِفت صفقة علي بك الكبير من الأسلحة من روسيا وعَلِم السلطان بها، عندها أصدر فتوى بتكفير هذا الرجل ومن معه، كفتوى إسلاميّة تبيح قتله ومطاردته. واقتنع بهذه الفتوى محمّد بك أبو الذهب قائد جيوش علي بك الكبير ففشلت المحاولة الاستقلاليّة التنويريّة الأولى.

ثم جاء نابليون بونابرت، وهنا لا بدّ من التركيز والإشارة أنها كانت أوّل محاولة مباشرة لإيجاد فجوة وتوظيف الإسلام سياسيّاً.. إذ خاطب نابليون المسلمين ببيان تاريخي أظهر فيه حبّه للإسلام وللنبي وللمسلمين وبأنّه خرَّب الكرسي البابوي في مالطة (وكلُّه هراء وكذب) وأنّه إنسان عادل محبّ لهذا الوطن… وهنا بدأت تتجلّى الفتنة وزرع الشّرخ بين المسلمين بل وبين شرائح العرب كافّة، إذ إنّه عندما شكّل المجلس أو الديوان آنذاك في مصر اختار اثنين من الأقباط للمشاركة في الحكم، وهذه الحالة تُعتبر الحالة الأولى التي أيقظت في نفوس أفراد المجتمع أنّ هناك أقلِّية وأغلبيّة وأنّ هناك مشاركة في الحكم والمصالح والصّلاحيات، أمّا هدفها فكان الفتنة والشّقاق وصولاً إلى التّقسيم وليس العكس.

وتابع الدكتور النمنم: كان هذا الحدث بالتأكيد نقطة تحوّل. كان السائد أنّه عند حدوث أي خلل اجتماعي يعمل معاً علماء الأزهر ورؤساء الأقباط وشيوخ العشائر والقبائل في الحلّ من دون الأخذ بعين الاعتبار العدد والأقليّة والأغلبيّة، كشعب واحد وتُحَلّ الأمور على قاعدة العدل إلى أن جاء بونابارت وأظهر هذه المعادلة التقسيميّة… فكانت محاولة لتكريس فكرة الأقليّة والأكثريّة، وخاصّة في تشكيل الديوان فجعل اثنين من الأقباط يمثلونهم، وعند كلّ مفترق يسألون لماذا اثنان فيكون الجواب لأنّكم أقليّة!

والحمد لله فشل مشروع بونابرت وفشل في احتلال مصر والشام لأسباب عديدة عام 1801 وأهمّها مقاومة واتّحاد المصرييّن في وجه الغريب. وجاء محمّد علي ليؤسّس الدّولة الوطنية الحديثة وكان يريد لها أن تكون دولة مدنيّة حديثة، والكلّ يعلم التّكالب العثماني البريطاني الفرنسي على مصر وقيام الدّولة فيها، وحشد المؤامرات ضد محمّد علي… ولكن مشروع محمّد علي صمد رغم كلّ الصعوبات ولو على نطاق أضيق ممّا كان يطمح إليه صاحبه؛ ثم أتى إسماعيل باشا وأكمل المسيرة وأحدث تقدّما ونهضة حقيقيّة.

وأيضا يعود الاستعمار الأوروبي والاستعمار العثماني ليُقصي إسماعيل بحجّة الديون زوراً.. ونصبوا ابنه مكانه، فدخل الاستعمار البريطاني من بابه العريض، وفي نيّته التكفير والتفريق. ومع ابنه خليل محمّد توفيق أصرّوا على إجهاض مشروع محمّد علي تماماً، فبدأ كرومر يلعب لعبة المسلمين/الأقباط لكنّه فشل فشلاً ذريعاً. ومرّت السنوات إلى أن ظهرت الحركة الوطنيّة المصرية على يد مصطفى كامل ومن ثم سعد زغلول، فتمّ خلق ما يسمّى بـ «جماعات إسلاميّة متطرّفة» لكي تكون مسماراً في ظهر الحركة الوطنية وإسفيناً بيننا. تمّ تمويلهم من هيئة قناة السويس والكلّ يعرف التفاصيل لا حاجة بالاستفاضة.

وانتهى الأمر بثورة 1952 المجيدة، فكان أن لعبت هذه المنطقة دوراً كبيرا كان عصر جمال عبد الناصر. طَرد الاستعمار، وتمّ تأميم قناة السويس وكسر أيدي الأعداء في الداخل وجاء دوره ومشروعه للوحدة العربية… (ولعلّه استعجل في الطّرح) وكانت خطّة التّنمية التي قادها ثمّ السدّ العالي الذي كان من أفضل المشاريع وأهمّها خلال حكمه بشهادة العالم. وجاءت أزمة مايو وهي مؤامرة لضرب عبد الناصر، ومن ثم استشهاد عبد الناصر، وأتى الرئيس السادات وقد حلّل البعض أنّ الرئيس السادات استعان ودعم الإخوان لضرب الناصرييّن واليسارييّن، وهذا كلام أعتقد أنّه غير دقيق إنّما امتدّت الفتنة إلى داخل الشّعب المصري.

في 4 فبراير أطلق الرَّئيس السادات مبادرته الشّهيرة… وتقوم على انسحاب إسرائيل مقابل انسحاب القوّات العربية 15 كيلو متراً شرق وغرب القناة وتستمرّ الملاحة.

لا بدّ اليوم من معالجة شاملة لموضوع التّعصب والتّشرذم والانقسام الدّاخلي وإنْ يكن الأهم هو منع التكفير والإقصاء داخل الشّعب الواحد، كما ظهر بعد تفشّي ظاهرة الإرهاب. بغضّ النّظر عن الأسباب ما هي الحلول لهذه الظاهرة بنظركم! وبخاصّة بعد الإصدارات والمقالات التي كتبتموها في الفترة الأخيرة، هل من حل موجود أو معالجة ما؟ أو هل يمكن أن تشرح لنا عبر الضّحى طبيعة هذه الحلول أو المحاولات؟

نعم أخي العزيز، هناك إجراءات رسميّة مُمْكنة، بالتّعاون مع الكثير من المؤسّسات الرسميّة وغير الرسمية بهدف إظهار مدنيّة الدولة. ولكن هذا ليس كافياً، فإنّي أرى الحلّ في إصدار قرار قانوني يلزم الجميع ويُعتبر مجرماً من يقوم بتكفير الآخر وتطبيق هذا القانون عبر الدولة على الجميع، ومنع استخدام كلمة تكفير، أو «عنده عقيدة فاسدة». وفي الدستور، والقانون، في مصر هناك نصّ صريح وواضح بحرّية المعتقد. إذاً، يجب أولاً تطبيق هذا القانون، ثانياً المناهج التربويّة يجب أن تراعي هذا الأمر وتكرّس مفهوم حريّة المعتقد والتعدديّة، ويجب أن تتم مراقبة الكتب داخل المنهج أو النصوص التي تكرّس مفهوم التكفير، ولماذا التّعتيم على أمثال شكيب أرسلان من العشيرة الدرزيّة المعروفيّة، والكتّاب العرب غير المسلمين مثل جرجي زيدان المسيحي الأرثوذكسي، وشبلي شميِّل المسيحي الماروني… تماماً مثل رشيد رضا المسلم السنّي، والجيل القديم كان يتعامل مع هؤلاء وغيرهم… ولم يكن هناك مشكلة بالانتماء، حتى مع اليهود أنفسهم.

خطورة التطرّف، ليس خطورة سياسيّة وأمنية فحسب، بل هي تدفع الكثير وبخاصة من الشباب إلى ردود أفعال مناقضة ومتهوّرة، ومن النوع المتطرّف نفسه: حتى أنّ بعضهم بات يذهب إلى الإلحاد! لماذا! هناك بصراحة من يترك الإسلام اليوم، وبخاصّة من الشباب أو المسلمين المقيمين في الخارج، بسبب التطرّف وبسبب من جهل أو تعصّب أو تكفير بعض القادة للبعض الآخر! التعصّب والتطرف وإقصاء الآخر هو أصل المشكلة.

كان على هؤلاء أن يعودوا إلى سيرة النبي محمّد عليه الصلاة والسلام. كان رمز التسامح ورمز الاعتدال، فأين أنتم ذاهبون إذاً؟ الدّولة المدنيّة هي تكريس للقانون والعدالة وغير مخالفة لتعاليم الإسلام وأسسه. لا يوجد دين في العالم يدعو إلى القتل أو الكذب أو السّرقة… القِيم الأخلاقية متفّق عليها في كلّ دول العالم وكلّ الديانات، فعلامَ التكفير وإقصاء الآخر واستحضار العداوات؟

لذا يجب حماية الإسلام من بعض المسلمين أنفسهم، أي عبر تحريره من المتطرّفين ومن بعض أعمالهم السيّئة التي تشوّه الدّين الإسلامي وتسيء إلى المعتقد وإلى المؤمنين… كذلك حماية النّص من التفسيرات غير العقلانية وغير المنطقية، يجب تحرير نصوص المسلمين من تلك الأعراض الخطرة. وما يؤكد على كلامي حادثة فرنسا: التي أجبرت الرئيس ساركوزي ورئيس الوزراء وعديد من شخصيات فرنسا أن يوقّعوا على بيان من أجل حذف خمسٍ وعشرين آية من القرآن الكريم بحجّة أنها تدعو إلى القتل، ولم يستطع أحد الرّد على ذلك، ومن بين الموقعين على هذا البيان 20 إمام مسلم. هناك إذاً خطر كبير وحقيقي على الإسلام كعقيدة ودين، وكنتيجة مباشرة أو غير مباشرة للأعمال الإرهابية وتيارات التكفير والإقصاء.

في ظلّ هذه المُعطيات التي أرعبتنا بشكل جدّي نكرّر السؤال، ما هو الحل؟ وما المطلوب من الحكومات والمفكّرين، والإعلاميين قبل سواهم؟

لقد سبقتني في التعبير فأنا ما زلت أقول عن المخاطر المحيطة بالإسلام كعقيدة ودين وهي إنّ ثورة الاتصالات لا أحد يرد عليك، وكلّ عملية يقوم بها داعش يستشهد بآية من القرآن الكريم ويقوم الإعلام بتوزيعها ويقنع العالم كذباً بأنّ الدين يأمر بالقتل.

يا سيدي الفاضل ألم يقل الله تعالى في القرآن الكريم ﴿قل يا أيها الكافرون لا أعبد ما تعبدون، ولا تعبدون ما أعبد﴾ هل من تسامح أكثر من ذلك؟ هتلر ذبح الناس ولم يستشهد بآية من الإنجيل أو نتنياهو المجرم استعان بالتّوراة؟ لماذا فقط نحن علينا أن نستشهد بالآيات القرآنية من أجل تحليل الجرائم والقتل والكراهية… هذا خطأ كبير فادح مبرمج من أجل زعزعة العقيدة الإسلامية ضد المسلمين وباقي الشعوب وتسري بسرعة البرق وبحجج واهية مدعّمة بمشاهد فظيعة تحت راية الإسلام وبأمر من الله.. هل يعقل ذلك؟ ﴿لكم دينكم ولي ديني﴾ صدق الله العظيم يا أخي ألا يقرؤون هذه الآية؟ لم يقل ديني هو الصحّ والباقي هو الخطأ!

باختصار، مسالة اختطاف الإسلام عبر داعش أو عبر أيّة جهة متطرّفة تسيء بشدة لا لهذه الجماعات فحسب، بل للإسلام نفسه وللمسلمين جميعاً. محمّد علي جناح هو شيعي إسماعيلي وأمير الشعراء أحمد شوقي من كبار المسلمين… منهم من رفض الذهاب إلى الحج… هل هذا يعني هم كافرون! هل أحد شككّ
في إسلامهم!

ما الذي فعلته الجماعات المتطرّفة تلك بالأمة الإسلامية والعربية وقضاياها خلال السنوات الأخيرة؟

أحسنت في طرحك وهذا هو الجواب عن كل الأسئلة، لم تَعُد فلسطين قضيّة العرب، ولم تعد مصر أمّ الدنيا ولا سوريا ولا لبنان ولا ليبيا. كلّ دولة مشغولة بهمومها الداخلية حتى أصبحت إسرائيل صديقة بعض الدّول، بل وأصبح العدوان على سوريا يسرح ويمرح ولا أحد يستنكر لو كانت أيام عبد الناصر لاشتعلت بيروت والقاهرة لنصرة دمشق.

هذا الأمر أصبح شيئاً طبيعياً ولم يعد أحد يقلق على أحد!! هذا ما فعلته تيارات الإسلام السياسي المتطرّفة في الأوطان العربية والإسلامية. فقد دمّروا الانتماء الوطني والانتماء إلى الأمّة تحت شعار محاربة التيارات الجديدة أو التيارات المتشدّدة… ضاع الوطن وضاع الدين بين الحريّات والمحافظين المتشددين… حتى نتنياهو أصبح يتباهى بالقول: إنّنا استطعنا أن نخرق العالم الإسلامي… أين العالم الإسلامي؟ أين وحدة المسلمين؟ نعم الإسلام السياسي، أي توظيف الدين الإسلامي الحنيف لأغراض سياسية، دَمّر على مدى قرون الأمّة الإسلامية وشتَّتها.

لو كان عبد الناصر وغيره من الزعامات العربية التاريخية الكبرى، وأنا لا أدافع عن أحد، لما كان الأمر على ما هو عليه. الزعامات الكبيرة تلك كان لها الدّور الأبرز في الحفاظ على الإسلام، وفي تقديم صورة الإسلام الإنساني المناضل الذي يدافع عن حرية الشعوب ضد إسرائيل وضد المحتل ويرفع أعلى القيم الإنسانية في آن معاً. الوضع الآن مع الأسف مختلف.

هل تعتقد معالي الوزير أنّ التحوّلات السريعة وغير العادلة على مستوى العالم وما يتعلّق بالهويّة بشكل خاص هو سبب إضافي لتشويه الهويّات ومن بينها هويّتنا العربية، ولانتشار الغلو ومن ثم الإرهاب؟

العالم حدث فيه تحوّل كبير بعد انهيار الاتحاد السوفياتي والذي أفرز القوة العظمى الأولى وهي أمريكا واستطاعت خلال سنوات أن تكوّن ما يسمى العولمة والقرية الكونيّة وبث حضارتها في طول العالم… هذا أمر مفهوم. لكن الغريب هو التحالف بين العولمة وتيّار الإسلام السياسي. فبكل وضوح: أميركا تدعم التطرّف لكنّها تحاربه بالإعلام كما حدث مع ابن لادن وما سبق 11 سبتمبر في نيويورك. لم نسمع من أحد كلمة عن علاقة أمريكا بالتطرّف الإسلامي.

العولمة والإسلام السياسي المتطرّف وجهان لعملة واحدة… وأنا أقول أكثر من ذلك: إنّ المتطرّفين يسكنون في لندن، أي إنَّ الإسلام السياسي هو اختراع الغرب وأوروبا لضرب الأمة الإسلامية وإفشالها.. منذ أيّام نابوليون بونبارت وإلى أيامنا هذه.

فلنكن واقعييّن أيضاً ما يحدث في فرنسا والسّترات الصّفراء لا يصدّقها أحد أنّها بسبب الاقتصاد كلّ هذه التحرّكات هي مشبوهة ومدعومة من خارج فرنسا تستغلّ ظرفاً معيّنا.. لا يمكن للشعوب أن تتحدّى بعد الآن. وفرنسا دولة مدنيّة قوية حديثة كيف استطاعوا اختراقها!

تركيّا، لماذا لا تدخل الاتّحاد الأوروبي؟ هل لأنها إسلاميّة، أم لتحمي نفسها ولعلّ السبب أيضاً من قبل الآخرين.. علينا أن ننظر إلى العالم كلّه بموضوعية.

ماذا سيفعل الشباب البعيد عن الدِّين؟ والذي لا يجد عملاً ولا منزلاً ولا مستقبلاً، لماذا يهرب إلى التطرّف وإلى الإرهاب! ما الحل للجيل الجديد؟ ماذا فعلنا نحن خلال القرن الأخير؟

الأنظمة العربيّة مع الأسف، وهنا لا أتحدّث عن نظام بعينه، أفشلت كل محاولات إنشاء أحزاب ديموقراطيّة علمانية تنير عقول الشباب والمجتمع عموماً، ولم يسمحوا حتى لتيّارات أو مفكّرين مستقلّين، ولا لتعبير الشباب عن مطالبهم المحقّة أو قلقهم… ما حدث في جميع الدّول العربية هو أننا لم ننتبه بشكل جيّد للشباب ولم نعطهم الفرصة للتعبير عن أنفسهم، ولم نحقّق لهم أبسط مطالبهم. ولا سمحت لتحوّل ديمقراطي حقيقي، وكان ذلك سبباً أضيف إلى الأسباب التي أنتجت العنف والإرهاب والتطرّف..

عبد الناصر على سبيل المثال، وعلى قلّة المستشارين الحقيقييِّن، قدّم تجربة لم تكتمل… لم يستطع أحد أن يكمّل مسيرته أو مشروعه أو يرث تاريخه وأفكاره… وعلى الجميع أن يقرأ التاريخ وخاصة مذكرات الرئيس بوش الأب وكتاب كلينتون الذي صدر مؤخّرا… على العالم العربي أن يقرأ ويستفيد من التاريخ ويستيقظ من سباته أو من جهله… والنتيجة واحدة.

أخيراً… أين الكتّاب العرب، أين المثقفون، أين النّدوات، واللقاءات، أين البيانات المشتركة، أين اللغة العربية؟ فعلاً نحن أصبحنا في زمن الجاهلية الأولى، والأكثر من هذا الخوف الذي أصبح يسيطر على العقول فلا أحد يجرؤ أن يكتب بحقّ الفاسدين بل يصبح فوراً خائناً وقد يُقتَل أو يُهَجَّر، أو يهرب كلاجئ سياسي.

نشكر مجلّة الضّحى ونشكر د. محمّد شيّا ونشكر أسرة ومشيخة العقل في لبنان وكل الأخوة المثقّفين المناضلين في لبنان وعالمنا العربي والإسلامي، بوجودهم لن نفقد الأمل… فانهيار المجتمع يبدأ من انهيار الثقافة وموت المثقّفين، ليس جسديّا بل فكريّاً… والسّلام.

رابطة العمل الاجتماعي… تقديمات سخيّة في الزمن الصعب

بو نصّار للضحى: الرابطة ساعدت أكثر من ٣,٣٠٠ طالبة وطالب جامعي والمساعدات تخطت ٧ مليون دولار أميركي

توجّهت مجلّة الضّحى في إطار خطّتها الدائمة في الإضاءة على مؤسّسات طائفة الموحّدين الدروز، إلى رابطة العمل الاجتماعي حيث أجرت مقابلة مع رئيس الرابطة الحالي الدكتور مكرم امين بو نصار، حضر اللقاء كل من رئيس لجنة الاعلام والمعلوماتية في الرابطة السيد رضا عاطف سعد ومدير مركز الرابطة السيد مجدي قباني.

بداية، توجّه الدكتور مكرم بو نصّار بالشكر إلى مجلّة الضّحى لمبادرتها الكريمة وجهدها الكبير في إصدار هذه المجلّة العابرة للطوائف والمناطق، والمُلتزمة بمضمون مُتَميّز، وأثنى على جهود ورعاية سماحة شيخ العقل ودور المجلس المذهبي وأسرة الضّحى الجديدة المتجدّدة. تمنّى بو نصّار أن تتحوّل الضّحى داخل صفحاتها إلى مركز تلاقٍ وتواصل وحوار للشباب المعروفي واللبناني لطرح مشاكلهم وهمومهم وأفكارهم على منبر كبير كمجلّة الضّحى ثمّ جرى الحوار التالي:

ما هي أهم إنجازات الرّابطة؟ وما هي قيمة المساعدات الماليّة التي تقدّمها وهل يمكن ذكر الأرقام؟

إنّ كلّ الأعمال التي نقوم بها موثّقة ومعروفة بالأرقام والأسماء، ونقوم بنشر ما تقدّمه الرابطة بالتفصيل في نشرة سنويّة لمجلّة الرّابطة والتي تُوزّع مجّاناً على الجميع، نعرض فيها تفاصيل نشاطات الرابطة من حيث النشاط الاجتماعي والثقافي والخيري، ونعرض فيها سنويًّا كيف تتوزّع المساعدات بالأرقام والمناطق بكل شفافية ومصداقية. وكلّ موازنات الرّابطة وقَطْع الحساب وأسماء المتبرّعين ستجدونها في مضمون المجلّة دائما.

هل هناك مساعدات من قِبَل الدولة اللبنانية، أو الوزارات المختصّة أو مساعدات دولية عبر جمعيات تعنى بهذا الشأن؟

نحصل على مساعدات رمزيّة من قبل بلدية بيروت وبعض المؤسسات، والمدخول الأهم الذي يغذّي أعمال الرابطة هي الصناديق الداعمة التي أصبح عددها 12 صندوقاً عبارة عن مبلغ مالي يحدد لدعم الطلاب باسم صاحبه أمثال (الشيخ كميل سريّ الدين والشيخ جمال الجوهري وقبلهم أشخاص كثر… والمسيرة مستمرّة مع أصحاب الأيادي البيضاء والمعطاء) ويتم تبليغ صاحب الصندوق بالمستفيدين ليعرف المتبرّع إلى أين تذهب الأموال.

وأمّا بالنسبة للمساعدات من قبل الوزارات لا يوجد أبداً، ومن الخارج أيضا شبه معدومة إذا استثنينا العمل الكبير الذي يقوم به بعض الأخوة في الجالية اللبنانية في دول الخليج عبر دعمنا بإرسال مساعدات مادية لدعم صندوق الرابطة. ونخصّ بالشكر أهلنا في أبو ظبي، ونودّ عبر منبركم أن نعلن عن استقبال التبرّعات والمساعدات من الأهل في دول الاغتراب ونتمنّى أن يصل صوتنا عبر هذا الصرح المنتشر على مساحة الوطن والخارج، وخاصة أنّ الحاجة في ازدياد والطّلبات أيضاً.

كيف تقوم الرابطة بالتواصل مع الجمعيات وما مدى العلاقة التي تربطكم بها؟

نحن على مسافة واحدة من الجميع بل أكثر من ذلك إنّ الرابطة تُعتبر ملتقى للجمعيات والروابط الأهلية وتاريخها يشهد على ذلك إذ إنها أقدم رابطة اجتماعيّة تأسّست سنة 1958. واسمحوا لي أن أسرد بعض التفاصيل عن اعمال الهيئة الادارية للرابطة في سنة ونصف على استلام مهامها:

  • تمديد البروتوكول بين الرابطة وإدارة بنك بيروت والبلاد العربيّة، والمستمر دون انقطاع من العام 2011 وبقيمة خمسمائة مليون ليرة لبنانية سنويّاً لتأمين قروض ميسّرة للطلّاب الجامعيين.
  • تجديد البروتوكول بين الرابطة وبنك الموارد وبقيمة إجمالية تبلغ ملياري ليرة لبنانية ذلك لمدة ثلاث سنوات.
  • إعطاء قروض مباشرة من الرابطة لـ 50 طالباً متفوّقاً وذلك بعد دراستها من قبل هيئة تشجيع التعليم العالي التي تُشكر على جهد أعضائها جميعاً وأمينها الزميل عادل حمدان. أمّا باقي الطلبات والبالغ عددها 61 طلباً، فقد تم تحويل طلباتهم إلى كلّ من بنك بيروت والبلاد العربية وبنك الموارد للبتّ بها وتمَّت الموافقة على معظمها.
  • أقامت اللجنة الاجتماعية في الرابطة برئاسة السيدة هيام الحلبي العديد من النشاطات الاجتماعية الناجحة أبرزها عشاء بيتي في مقر الرابطة وحفل إفطار وحفل العشاء السنوي في فندق “الحبتور”، إضافة إلى العشاء التّكريمي في فندق L’ Heritage. كذلك أقامت اللجنة نشاطاً خيريًّا لأطفال بيت اليتيم الدرزي في مجمّع الـ ABC الأشرفية.
  • أمّا اللجنة الثقافية برئاسة المهندسة دنيا لبو خزام فأقامت العديد من الندوات المميّزة نذكر منها ندوة في قصر الأونيسكو حول كتاب العمليات المصرفية للدكتور وائل الدّبيسي وندوة حول “المؤشرات الأولى للإدمان” بالتعاون مع جمعية جاد وندوة بعنوان “عن الصحافة قبيل الغروب”، حاضر فيها الصحافي طلال سلمان وندوة بعنوان “التحديات التي تواجه الاقتصاد اللبناني” حاضر فيها معالي وزير المالية علي حسن خليل.
  • أمّا لجنة شؤون الخريجين برئاسة السيد ايهاب ذبيان فأقامت بالتعاون مع المكتبة الوطنية نشاطاً لتعريف البلديات والجمعيات والخرّيجين على الرّابطة ونشاطاتها المتنوّعة. وأقامت مؤخّرا ندوة حول أهميّة LinkedIn حاضرت فيها السيدة سالي عادل حمدان.
  • وعملت لجنة الإعلام والمعلوماتية برئاسة السيد رضا سعد على تعزيز صفحة الرابطة على الفيسبوك بحيث أصبح عدد المتابعين لها نحو 2500 شخص. وقامت الرابطة عبر لجنة الإعلام بالتعاون مع جمعية “بيروت ماراتون” وذلك بالمشاركة في نشاط ماراتون بيروت حيث تم مشاركة 110 مشتركين تحت اسم الرابطة برعاية من بنك بيروت والبلاد العربية.
  • استقبلت الرابطة اجتماع “تجمّع الجمعيات النسائية لطائفة الموحدين الدروز ” الذي عُقد نهار الاثنين في ١٢ آذار ٢٠١٨ بحضور أكثر من ١٠٠ شخصيّة نسائية رائدة في العمل الاجتماعي والثقافي وبدعوة من جمعية بيت الطالبة الجامعية. ناقش المجتمعون عدداً من الأمور التي تهم المرأة والمجتمع واتخذوا عدداً من المبادرات الهامة.
  • عُقِد اجتماع المجلس الاستشاري للرابطة بتاريخ ١٨ حزيران ٢٠١٨ بحضور كلٍّ من الأعضاء السادة: د. رؤوف الغصيني، والسيدة حياة المصفي، و د. شوقي غريزي، والشيخ عصام مكارم، والمحامي غاندي الحلبي، والشيخ منير حمزة، والسيّدة منى ابراهيم، والأستاذ رامي الرّيس والشيخ محمود عبد الباقي ود. فاروق أبو خزام إضافة إلى الهيئة الإدارية للرّابطة. وقد هنَّأ أعضاء المجلس الاستشاري الهيئة على إنجازاتها وتمّ البحث في عدد من النقاط التي من شأنها تفعيل دور الرابطة الاجتماعي والثقافي ووعدت الهيئة الاهتمام ومتابعة أفكار واقتراحات أعضاء المجلس الاستشاري.
  • وقّعت الرابطة اتفاقية تعاون مع الجامعة اللبنانية الكندية – LCU تهدف إلى التنسيق بين الفريقين من النواحي التربوية والأكاديمية، والرياضية والثقافية. تتضمن الاتفاقية تقديم دعم خاص وتخفيض كبير من كلفة الدراسة للطلاب المتفوّقين التي تسميهم رابطة العمل الاجتماعي.
  • وقعت الرّابطة مؤخّراً اتفاقية تعاون مع بنك الموارد مشكوراً الذي تبرّع ب 75 ألف دولار للرابطة ونشاطاتها في السنوات الخمس المقبلة.
  • شاركت الرابطة في المؤتمر الدولي الذي تنظّمه الجامعة الأميركيّة في بيروت حول تاريخ الدّروز ودورهم الاجتماعي والثقافي، وذلك في شهر تشرين الأوّل 2018. ووجّه رئيس الرّابطة في المؤتمر تحية خاصة للرّؤساء السابقين وقد كان معظمهم حاضراً في المؤتمر وهم د. رؤوف الغصيني، الشيخ سليم خير الدين، القاضي عباس الحلبي، السيدة ماوية الزّهيري والسيد فؤاد الرّيس، ود. شوقي غريزي ود. فاروق أبو خزام وللرئيس الأوَّل د. عاطف سعد. وقال أيضا إنّ هذه الأرض الخصبة التي يقام عليها المؤتمر هي الحرَمُ الجامعي الاوَّل في الشرق الأوسط وتوزّع محصولُها التعليمي على صعيد الوطن بأطيافه كافّة، وكان لمسلك التوحيد الدورُ الأبرزُ في توحيد المسلك نحو التعلّمِ والانفتاح دون تمييزٍ بين إنسانٍ وآخر… وللرابطة الجامعة في حرم هذه الجامعة الرابطة بين أبناء الوطن، مكانٌ ومكانة، وبين الاثنتين قصّةُ التزامٍ ماضياً وحاضراً ومستقبلاً، التزامٌ من الرابطة بتأمين الإمكانيّة للطالب والتزامٌ من الجامعة بتامين التعليم الأنسب له وبعد التمكين والتعليم تكون للطلاب حياة أفضل….ولا حلَّ للتطرّف والإرهاب إلّا بتشجيع العلم والثقافة والحوار.
  • قامت الهيئة الإدارية بإجراء بعض التحسينات الإدارية واللوجستية لمركز الرابطة شملت جردة بموجودات الرابطة وإعادة ترتيبها وتنظيمها وبعض أعمال الديكور وتجديد المفروشات بهدف إبراز وجه الرابطة بشكل أفضل وذلك بإشراف ومتابعة من أمينة السرّ.
  • يسعدنا أيضا إبلاغكم عن تحقيق الرابطة لوفر ماليٍّ صافٍ بلغ نحو 100 مليون ليرة في العام 2017، يضاف إليها تحصيل أكثر من 90 مليون ليرة من القروض المستحقّة لتاريخه وذلك بمتابعة من مدير مركز الرّابطة السيّد مجدي قباني.
  • استفاد من قروض ومساعدات الرّابطة خلال الأربعين سنة الماضية أكثر من ٣٣٠٠ طالبة وطالب جامعي بمبلغ إجمالي تخطّى ٧ مليون دولار.

ختاماً، نحتفل هذه السنة بالعيد الستّين للرابطة التي أثبتت نجاحها وتميّزها طوال هذه السنين، هذا النجاحٍ ما كان ليتمّ دون مساندتُكم المستمرّة، وكلّما وَثقتُمْ بنجاحنا زادت الشهادات وزخر المجتمعُ بمثقفين وخرِّيجين وحقّقت الرابطة غايتَها. واسمحوا لنا أن نوجّه تحيّةً لكلّ شخص أو مؤسّسة دعمت الرابطة في مسيرتها، وإلى كلٍّ من رؤساء وأعضاء الهيئات الإداريّة الذين تولَّوْا إدارة الرابطة خلال هذه السنين. وكلّنا أمل أن تستمرّ الرابطة بأداء رسالتها ومواكبة التطوّر مع التمسك بجذورنا وتراثنا وقيمنا.

لا يَسَعُنا إلّا أن نشكر في الأوّل وفي الختام بنك بيروت والبلاد العربيّة وبنك الموارد وإدارتهما الحكيمة الدّاعمة والرّاعية لهذه الرابطة وهي العامود الفقري لأعمالنا والقروض التي تقدمها بفوائد وتسهيلات مميّزة جدًّا. نشكر أيضاً الذين أطلقوا مشروعاً جديداً للقيام بدورات تعليميّة مجانية للّغات الأجنبية الإنكليزية والفرنسية في العديد من المناطق وقد يصل عدد الطلّاب إلى 300 طالب وطالبة وهذا سيسهم بشكل كبير في عملية التوظيف وعملية خلق فرص عمل وكلّ هذا مجّانا من قبل الرابطة. وقد وقّعنا وبروتوكولات مع بعض الجامعات لا سيما جامعة LCU التي قدّمت تخفيضاً يصل إلى 60% من القسط من أجل تلبية أكبر عدد ممكن من طلبات الطلّاب. ونتمنّى أخيراً من الذين استفادوا من تقديمات هذه الرابطة وتخرّجوا من الجامعات أن يدعموا الرابطة وخاصّة الأشخاص الذين تفوّقوا وأصبحوا في مراكز مهمّة ومتقدمة، ويقدّموا المساعدة لإخوانهم الذين يمرّون الآن بالحاجة نفسها.

كلمة أخيرة

سلاحنا هو العلم، فهيّا نَبْنِ معاً مجتمعاً متعلِّماً، مثقّفاً، مُبْدِعاً، وطنيًّا، محاوراً وقويّاً يملك السلاح الوحيد الذي يستطيع من خلاله الدفاع به عن نفسه وتاريخه وأفكاره.. ويستطيع من خلاله فعل الخير وبناء وطن سليم مبدع، وكما يقال ليس لنا عدو، فعدوُّنا الوحيد هو الجهل. شكراً لكم دكتور مكرم بو نصار، وتحية تقدير ومحبة من اسرة الضحى الى رابطة العمل الاجتماعي. وصفحات الضّحى مفتوحة دائما لإبراز أنشطتكم الخيريّة والاجتماعيّة والثقافيّة.

مقابلة مع معالي وزير الثّقافة الدّكتور غطّاس خوري

معالي الوزير، ماذا يعني لكم «عيد الاستقلال»؟

كلٌّ يتوق إلى التّحرّر، فرداً كان أم جماعةً، لا أحدَ يصبِرُ على التبعيّة، أو الظلم، أو الاستعمار، أو الهيمنة… كلّ إنسان يسعى لينال حقوقه كاملة، كذلك الشعوب. وقد مرّ لبنان بفترات صعبة في تاريخه، لكنّه كان يخرج منها مُنتصراً، عزيزاً، حرّاً…وهذا العيد «عيد الاستقلال» هو الحلقة التي نحتفل بذكراها اليوم، والتي توّج لبنان فيها حرّيته، بعد أن توافقت الدّول المنتصرة في الحرب العالمية الأولى على «تقسيم» العالم الخاسر، وما تبعه من شعوب، إلى «حِصص» استعمروها، فكان لبنان «حِصّة» فرنسا.

هذه المناسبة الوطنيّة الكبرى، عندي، هي مفصل تاريخي في حياتنا كلّنا في هذا الوطن، مفصل أتاح لنا جميعاً أن نستعيد حقوقنا، فنعملَ على تحصينها سياسيّاً واقتصاديّاً واجتماعيّاً، وهو عمل مُضْنٍ ما زلنا نتخبّط فيه، نُصيب ونُخطئ، ولكننا في الطريق الصحيح لنبني الوطن الذي حَلُم به رجال الاستقلال ونقلوا إلينا هذا الحُلم لنحقّقه كاملاً كما نرغب جميعاً، إن شاء الله.

إذاً، ليس هو استقلال ناجز تماماً؟

لو فلسفنا الكلمة، لَقُلنا إنّ الاستقلال هو جُهدٌ مستمرٌّ… لِنَكُن واقعييّن، ليس الاستقلال هو خروج «استعمار» أو هيمنة ما علينا، بل هو «قبول» و «إدارة» و»تخطيط» لبناء وطن مُتماسك، يرغب شعبُه، شعبُه كلُّه، بالبقاء فيه، والعمل على تطويره، ليعيشوا فيه جميعاً متساوين في كلّ شيء، عيشةً رضيّة هَنِيّة. وهذا فعلاً جهدٌ مستمرّ، تلزمه نوايا وطنيّة صادقة، وأفكار وسواعد وأخلاق وشرائع تؤمن بالانتماء إليه.

قلعة راشيا

فالاستقلال، استطراداً، ليس ذكرى فقط؟

هو ذكرى بطولة، هو لحظة اعتزاز، ولكنّه أيضاً دافع كبير لنتقدم، لنفكّر ونعمل، هكذا يجب أن «نتذكّر» الاستقلال، حرام، هؤلاء الأبطال الذين سعَوْا بكل إمكانيّاتهم لنحصل على هذه «الحريّة» أن لا نتابعها بحسّهم الوطني الجامع، فنخون «أماناتهم» التي أورثونا إياها، لِنَكُن أوفياء لهم، أوفياء لتطلّعاتهم، ونعمل بجد.

ما هي الأوجه الثقافيّة لحدث الاستقلال؟

لمّا كانت الثقافة هي أساس كلّ علم أو سلوك أو فكر.. يكون الاستقلال هو: انتماء إلى الوطن، ويكون محبّة، محبّة لجميع أبنائه، ويكون إخلاصاً للعمل العام والخاص بلا فساد أو مخالفة للنّصوص والأعراف، ويكون إيماناً بالله بلا تفرقة بين عباده، ويكون سلوكاً مدنيّاً راقياً، واندفاعاً للارتقاء بالأجيال القادمة علماً ومعرفة. في هذه الأوجه نجد نشر المعرفة بالاستقلال ومعانيه واجباً أوّل، والنشر كلاميٌّ، وفنّي على تنوّع الفنون، يتجسّد في الاحتفالات والمهرجانات واللقاءات، في المعارض والإصدارات والجوائز. لا حدودَ للثقافة، هي مجال الإبداع للجميع، الموهوبين والقادرين على العطاء، تشجيعنا لهم دائم، معنويّ وماديّ، ضمن طاقاتنا.

وهل هذه الأوجه كلّها ثقافيّة أم لها ألوانٌ أُخرى؟

بيت الاستقلال، بشامون

وكأنّك تشير إلى أنّ الجانب الترويجيّ، أو التجاريّ، أو غيره، يرافق هذه الأوجه، صحيح، لا غنى عن ذلك، فالمؤسّسات الماليّة والاجتماعيّة وسواها هي القطاع الذي يسهم في تمويل «الأوجه الثقافيّة»، وكلّه ينبع من رغبة صادقة – أرجو أن تكون دائماً صادقة – في نشر هذه المعرفة الوطنية المطلوبة.

ووزارة الثقافة، طبعاً، تُسهم في كلّ ذلك؟

نعم، في حدود إمكانيّاتها، وزارة الثقافة ليست مموِّلة، أو منتِجة لأعمال ثقافيّة، بل هي راعية، تشارك جهات أخرى في التنظيم واستثمار العلاقات المحلّيّة والعالميّة، تُقيم المناسبات لمثل هذه الاحتفالات الثقافية، وكلّنا نعرف حجم موازنة وزارة الثقافة، منذ أشهر أطلقنا ثورة، نعم ثورة، أسميناها «الخطّة الثقافيّة الوطنيّة» تشارك في تنفيذها الوزارات كلّها، جَعَلْتُ الدولة اللبنانيّة تتبنّاها، وقد تكرّم الرئيس الحريري فرعى إطلاقها في السّراي بنفسه.

همُّنا الثقافيّ الكبير، سيجعل هذه الوزارة «سياديّة» بإذن الله، في نشاطاتها وأعمالها التي تخطّط لها.

واليوم، وأنتم الدكتور غطاس خوري، وزير الثقافة، ماذا تقولون لِلّبنانييِّن في هذه المناسبة الوطنيّة؟

نمرّ اليوم في أزمة، في لبنان، وفي المنطقة، ونحن جميعاً بحاجة إلى القدرة على الصمود، ولن يكون الصمود بدون تلك النوايا، وذلك السلوك الذي أشرت إليه، نحتاج إلى إخلاص الجميع وتضحيات الجميع، نحتاج إلى صدق مع النفس للالتقاء مع الآخرين، لا تدعني أتحدّث في السياسة الضيّقة، لِنَكُن على مستوى الحدث الوطنيّ المُشار إليه، نعم لنعمل جميعاً بصدق، فهذا وطننا لبنان، لنحافظ عليه، حتى يبقى الأجمل، والأفضل، والأنجح …ليعيش فيه أبناؤنا بروح هذا الاستقلال الذي نعيّد ذكراه.

لقاءٌ مع سعادة سفير دولة الامارات العربيّة المتّحدة في بيروت

نُهنِّئكم ودولة الإمارات العربية المتّحدة بالعيد الوطنيّ الذي نعتبره نحن مَعْلَماً أساسيّاً في الحياة العربيّة الحديثة:

سعادة سفير دولة الامارات العربيّة المتّحدة في بيروت الدكتور حمد سعيد الشّامسي.

• كيف تنظرون سعادة السّفير إلى العلاقات الإماراتيّة – اللبنانيّة وقد شهدت قفزةً كبرى مع نشاطكم الخيِّر الواسع في لبنان؟

نُولي العلاقات الثنائيّة بين البلدين أهميّة خاصّة ونسعى لتوطيدها وتعزيز روابطها بما يصب في صالح الشعبين الشقيقين. لدينا أجندة انسانيّة، تنمويّة وخيريّة ونعمل وفق سياسة خارجية واضحة تقوم على احترام سيادة الدول وعدم التدخّل في شؤونها الداخلية.

منذ قدومي إلى لبنان، وضعت في سلّم أولويّاتي هيكلة المساعدات الانسانيّة استكمالاً لنهجنا السابق والذي طالما أولى الجانب الإنسانيّ حَيِّزاً مُهمّاً وذلك منذ ما قبل قيام الاتّحاد. وقد تمّ إنشاء “مُلْحَقيّة للشؤون الإنسانيّة والتنمويّة” هدفها دراسة المشاريع والعمل على تنفيذها وفق رؤية مُمَنْهجة تقوم على مساعدة جميع المناطق وكافّة الجنسيّات والفئات، لانّ العمل الإنسانيّ لا يمكن أن يتجزّأ. نعمل لخدمة الإنسان كإنسان بعيداً عن أيّة اعتبارات دينيّة، طائفيّة، عرقيّة، مذهبيّة…

لدينا مشاريع في كافّة المناطق اللبنانية لا سيّما في القرى والبلدات النائية والمهمشة من أجل تعزيز مبدأ التنمية المستدامة ومساعدة السكّان، كما أنّ حملاتنا الإنسانيّة مستمرّة على مدار العام للوصول إلى أكبر عدد مُمكن من المستفيدين. في أوقات الشدّة تجد سفارتنا في طليعة أعمال الإغاثة بالتّنسيق مع الحكومة اللبنانيّة والوزارات المعنيّة كما منظمات المجتمع المدني والجمعيّات المُرَخّصة من قبل وزارة الداخليّة والبلديات.

عَلّمَنا القائد المؤسّس المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان “طيّب الله ثراه”، ونحن نحتفل هذا العام بمئويّته، أنّ العمل الإنسانيّ الجادّ هو الأساس لبناء المجتمعات وفق مبادىءأو ركائز تقوم على التسامح ونشر رسالة المحبّة والخير وإعلاء شأن الإنسان دون أيّة اعتبارات أخرى، ولهذا تبوّأَت دولتنا المركز الأوّل للعام الخامس على التّوالي في المساعدات الخارجيّة المُقدّمة إلى دول العالم.

حمّلتنا قيادتنا الرّشيدة مسؤوليّة كبيرة ونحن نعمل بجدّ ونجهد من أجل السّير على نفس النَّهج والخطى، بتنا في المركز الأوّل على عدّة أصعدة واحتلّ جواز سفرنا المركز الأوّل وقمنا بخطوات جبّارة في مجال التّسامح حيث نحن أوّل دولةٍ عربيّة تكرّس للتّسامح عاماً بعدما أطلق صاحب السّمو الشّيخ خليفة بن زايد آل نهيان “حفظه الله” على عام 2019 “عام التّسامح” وذلك يترافق مع الزّيارة التاريخيّة لبابا الفاتيكان إلى أبو ظبي في أوائل شهر فبراير المقبل، ما سيجعل الإمارات عاصمة للثقافة والأخوّة الإنسانيّة.

• ما الدروس التي تقدّمها تجربة الاتّحاد المُبارك في دولة الإمارات العربية المتّحدة إلى الشعوب العربية؟

أرسى الشّيخ زايد “طيّب الله ثراه” أسّس الاتّحاد الذي بات اليوم نموذجاً يحتذى به بعدما استطاع توحيد 7 إمارات وجعلها دولة واحدة، لدى كلّ منها مميّزاتها ومعالمها ولكنها تجتمع جميعًا تحت مظلّة واحدة وتسعى لتأدية دورها وواجبها في تلبية حاجات الناس ومصالحهم. القيادة والشعب الإماراتي يكمّلان بعضهما البعض، ولهذا الولاء مطلق للعلم والوطن والقيادة التي تبذل الغالي والنّفيس لتبقى رايتُنا شامخة ومرفوعة.

الوحدة والتعايش والانفتاح وقبول الآخر هي أهمّ السّمات التي ميّزت اتّحادنا الذي استطاع رغم عمر الدّولة القصير مقارنة بباقي الدّول أن يصبح قبلة أنظار العالم بعدما وضعنا خططاً استراتيجيّةً قصيرة وطويلة الأمد، وعزّزنا مفهوم المواطنة والانتماء وحوّلنا التسامح إلى ثقافة وكرّسنا المحبة والعطاء شعار. العام 2019 سيكون عاماً للتسامح بتوجيهات من صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد “حفظه الله” والذي سيستكمل ما بدأناه في عام الخير 2017 وعام زايد 2018.

المجتمعات القويّة هي التي توظّف في طاقات الإنسان ومهاراته وتبتعد عن الكراهية والغلوّ وتفتح الأبواب أمام التنوّع ومن هنا قوّة اتّحادنا بعدما شرّعنا قانوناً يحمي حريّة المُعْتقد وممارسة الشعائر الدينيّة ونظّمنا مؤتمرات عالميّة لنقول للعالم أنّ القضاء على الإرهاب والتطرّف يبدأ من الفكر، عبر جيل واعٍ ومثقّف ومتنوّع يكون عماد بناء الغد والمستقبل.

مدينة دبي | الإمارات العربية المتحدة.

• ما خططكم لزيادة وتفعيل شبكة تقديماتكم من أعمال خيريّة في لبنان خصوصا نحن نتذكر أنّه عام زايد الخير في دولة الإمارات العربيّة المتّحدة؟

مساعداتنا الإنسانية مُستمرّة على مدار العام، تجد دَوْرَنا في الكنائس والمساجد، في رمضان كما في عيد الميلاد… لدينا خطط نعمل وفقها ونسعى لتنفيذها فنحن افتتحنا في هذا العام أكثر من 70 مشروعاً إنمائيّاً وتنمويّاً في عَكّار، وطرابلس والضنيَّة وإقليم الخرّوب وجميعها تساعد السكَّان كما النازحين السورييِّن.

في “عام زايد” أوْلَينا اهتماماً خاصّاً بالمرأة والشباب فكانت لدينا حملة للتّوعية ضدّ سرطان الثّدي جابت كافّة المناطق من خلال ندوات توعية وإرشاد وتوزيع قسائم لإجراء الصُّوَر الشُعاعيّة والصوتية، كما كانت لدينا نشاطات تربويّة للشباب ككأس زايد للتّحدِّي في طرابلس، وكأس زايد للرّماية في الصّفرا وتمَّ تتويج الفائزين.

نحاول أن تكون المشاريع والمساعدات في مختلف المجالات وأن لا نهمّش فئة أو منطقة. هذا من دون أن ننسى المساعدات الإنسانيّة للأفراد حيث واكبنا حالات تمّ من خلالها إعادة الأمل لهم عبر مساعدتهم طبّياً من خلال عمليّات وزراعة أعضاء بفضل المكرُمات للجهات الإماراتية المانحة.

هناك فكرة دائماً ما أُردّدها. إنّ العمل الخَيِّر لا بُدّ أن يعود بالحبِّ، وبالحبّ والعمل الصالح تبني الدُّولَ والأوطان. فنحن وجودنا ليس جديد في لبنان كانت لدى الشّيخ زايد “رحمه الله” محبّة خاصّة واستثنائيّة لهذا البلد وقد أمر بتنفيذ مشروع نزع الألغام في جنوب لبنان كما أنّه كان عَرّاب اتّفاق الطائف من خلال الدّعوة لِلَّجنة الرُّباعيّة حينها، وهذا ما تُرْجِمَ من خلال افتتاح شارع ودوّار ونصب تذكاري لـ “الشيخ زايد” في الرّملة البيضاء مقابل مبنى السفارة الذي وضعنا حجر الأساس له بحضور ورعاية الرّئيس سعد الحريري.

• هل من كلمة أخيرة مع شكرنا وتقديرنا دائما؟

تحتضن دولتُنا أكثر من 200 جنسيّة على أرضها وهم يعيشون جميعهم في رخاء وهناء وراحة، لأنّ هناك دولة قانون ومؤسّسات تعمل للصالح العام للمواطنين كما المقيمين. ونحن نُجَسّد هنا سياسة دولتنا التي تقوم على ركائز ومبادئ يعرفها الجميع، لأنَّ نشاطاتنا تعبِّر عن مفهومنا للعلاقات الثنائيّة. نحن دولة زَرَع فيها القائد المؤسّس “روح الاتّحاد” ونكمّل نفس المسيرة بفضل قيادتنا الرّشيدة. رسالتنا للسّلام نكمّلها في هذا البلد العزيز والشقيق الذي افتتحنا فيه سفارة هي الثانية بعد مصر وهذا دليل على مكانة لبنان واللّبنانييّن.

نهنِّئ العالم بعيد الميلاد والسّنة الجديدة، آملين أن تحمل للبنان رئيساً وحكومة وشعباً كلّ الاستقرار والخير وأن يعمَّ الأمن والأمان لأنّ لبنان الذي نعرفه هو صلة وصل، هو تاريخ وحضارة وثقافة…

صور من إحتفالات اليوم الوطني لدولة الإمارات العربية المتحدة.

حوار مع رئيسة بلدية كفرنبرخ

جانب من قرية كفرنبرخ

المرأة التي قَبِلتِ التّحدّي

وســــــــــامُ الغضبــــان أولُ رئيســــــة لبلــــــديّة كفَرْنَبْــــــــرَخ:
واثقــــــةٌ منفتحــــــةٌ ومشاريعــــــــها كثيــــــرةٌ للمستقبــــل

انتخابي أحدث صدمة إيجابيّة لأنّه أظهر أنّ المرأة إنسان مفكّر ومنضبط وقادر على العمل الشاقّ من دون حسابات أو مطامعلست من روّاد الصبحيّات النّسويّة والجلسات التي لافائدة منها
ويومي يبدأ في الخامسة صباحاً وينتهي بعد منتصف اللّيل

أتعجّب من بعض رؤساء البلديّات الذين لا يحضرون الى مكاتبهم
سوى مرة واحدة في الأسبوع أو لترؤس إجتماعات المجلس البلديّ

يكتسب الحوار مع رئيسة بلديّة كفرنبرخ السيّدة وسام الشّامي نصر الغضبان أهميّة خاصّة، لأنّ نجاحها وفوز لائحتها في الانتخابات البلديّة الأخيرة، شكّلا منعطفاً مهمّاً في حياة بلدتها كفرنبرخ بل في العمل البلدي لأنها من بين النساء القلائل اللواتي حظين بثقة مجتمع اعتاد على انتخاب الرجال لهذا المنصب العام، لكن السيدة الغضبان لم تصعد إلى رئاسة البلدية إلا بعد أن تحقق مجتمع كفرنبرخ من كفاءتها وتفانيها في العمل الاجتماعي عبر رئاستها لأكثر من 20 عاماً لجمعية سيدات كفرنبرخ، وهي تجربة صقلت شخصيّة السيدة الغضبان وعمّقت خبراتها في العمل العام بحيث أن انتقاءها إلى قيادة العمل البلدي يتم من دون صعوبات أو تهيب للمسؤولية.
“الضّحى” التقت السيّدة وسام الغضبان في حوار تناول تجربتها في العمل النّسائي والاجتماعيّ ودلالات اختيارها لرئاسة المجلس البلدي ثم خطّة عمل المجلس البلديّ الجديد الذي ترأسه والمهمّات العديدة التي تتصدّر جدول أوّلويّاته ، فكان الحوار التّالي:

> على سبيل تقديم نفسك إلى القرّاء نسألكن أوّلاً: ما هي العوامل التي ساعدت على إنتخابكن رئيسة للبلديّة؟
اِسمي وسام الشّامي نصر الغضبان زوجي المرحوم زياد الغضبان وأنا أمّ لثلاثة شبان. تمرّست بالعمل الاجتماعي منذ فترة طويلة، وأشغل منصب رئيسة هيئة سيّدات كفرنبرخ منذ عقدين من الزّمن، وما زلت في هذا الموقع إلى جانب مسؤوليّتي الجديدة كرئيسة للبلديّة. لقد اخترت الترشّح لرئاسة البلديّة بعد أن سعيت مع سيّدات كفرنبرخ لتنفيذ الكثير من المشاريع التّنمويّة في البلدة لكنّنا لم نوفّق بسبب افتقادنا كجمعيّة للوسائل الضّرورية لتحويل الأفكار إلى إنجازات على الأرض، وقد تبيّن لي أنّ البلدية هي المؤسّسة المناسبة والقادرة على الإنجاز، لذلك قرّرنا السّعي لاختيار مجلس بلديّ نكون جزءاً منه وقد نجحنا بفضل ثقة المواطنين، وأسأل الله ان يوفّقني لتحقيق ما كنا نصبو إليه وما تحتاجه البلدة.

> كيف إستطعتن كهيئة سيّدات، العمل طوال هذه الفترة، وكيف تجاوزتن العقبات واستمرّيتن في العمل؟
صمدنا لأنّنا لم نتعاطَ السّياسة. فعملُنا كان ولم يزل اجتماعيّاً مَحضاً، وهذا هو سرّ نجاحنا. لم ندخل طرفاً مع أحد أو ضدّ أحد، وهذه كانت توجيهات وليد بك لنا منذ البداية، إضافة إلى تشجيعه لنا والعمل على موضوع إعادة اللّحمة مع الأخوة المسيحيّين بحيث نكون يداً واحدة تعمل لمصلحة البلدة، ومن سار على الدّرب الصّحيح وصل.

> كيف تصفن أهمّ ما أنجزتموه في هيئة سيّدات كفرنبرخ؟
أنجزنا الكثير وكنّا نعمل بجد وحماس من أجل الآخرين..وكنّا نساعد الجميع من دون استثناء، وتمكّنا بذلك من خلق جوّ من الألفة انسحب على كل أهلنا في كفرنبرخ، وتمكنّا من مساعدة الفقراء منهم، وقمنا بدفع فروقات تكلفة العلاج في المستشفيات، ودعمنا تكاليف نقل الطلّاب الى المدارس، وقدّمنا العديد من المنح المدرسيّة للطلّاب المحتاجين، وبلغت قيمة هذه المنح نسبة 50 في المئة من الأقساط المدرسيّة، كذلك خصّصنا مبلغاً لا بأس به من الأموال التي جمعناها لذوي الأمراض المستعصية وما أكثرها اليوم، وأنشأنا مستوصفاً فاعلاً، ويعدّ من أهم المستوصفات في المنطقة. وحاليّاً نحن بصدد تشييد مبنى له يكون على قدر آمال النّاس ويفي بالغرض المطلوب، وقد بلغت موازنة المستوصف في أيام الوزير وائل أبو فاعور 145 مليون ليرة لبنانية، ولمّا تسلمته كانت موازنته لا تتجاوز 35 مليون ليرة لبنانية.
> هل يمكن أن يتمّ تحويل المستوصف الى مركز رعاية اجتماعيّة؟
هذه الفكرة تراودنا منذ فترة طويلة، ونحن نعمل على تطوير المستوصف باستمرار بهدف تحويله إلى مركز دائم للرّعاية الاجتماعيّة، وذلك بعد إنجاز المبنى الجديد المخصّص له، وقد أنجزنا الطابق الأول بانتظار الانتهاء من بناء الطّوابق الأخرى. فهو يتألّف من ثلاثة طوابق لكي يلبّي حاجات النّاس بعد تحويله إلى مركز صحّي اجتماعيّ، مع حضانة للأطفال، وإنشاء مكتبة للمطالعة، وصالة كبرى للمناسبات تُستخدم للنّدوات، وعرض الأفلام القصيرة للأطفال، وعقد النّدوات التي تخصّ الشّباب، كما سنقوم بتأسيس مشغل لتأمين فرص عمل خصوصاً للصّبايا اللّواتي يرغبن العمل بحرفة أو عمل منتج.

> من هي الجهات الدّاعمة لكلّ هذه المشاريع؟
أطلقتُ على الجمعية تسمية ( جمعية الألف ) لأنّنا كنا نتقاضى ألف ليرة فقط بدل إشتراك، وبإعتباري عضواً في جمعيّة سيّدات لبنان، كانت توجّه إليّ الدّعوات للمشاركة و المساهمة بـمبالغ كانت تصل إلى 50 دولاراً ومئة دولار. فأخبرتهم بأننا في “جمعية الألف” لا يمكن أن نساهم بهكذا مبالغ. وبالفعل فإنّ كلّ ما قمنا به من مشاريع جمعناه بالألف والألفي ليرة. ولكي يستقيم العمل لا بدّ من التّواضع والرّضا بالقليل. مداخيلنا بالأساس من الاشتراكات، ومن بعض التّبرّعات والحوافز الأخرى. منها: إصدار روزنامة سنويّة، اعتماد التّامبولا في المناسبات وغيرها من الأمور التي لا ترهق المساهمين، وفي أيّ مشروع قمنا به وجدنا الجميع الى جانبنا. مثلاً قمت بمشروع تنمويّ مع وزارة الشّؤون الاجتماعيّة وهو عبارة عن تأمين شبكة خطوط لمولّدات الكهرباء بكلفة 13 مليون ليرة لبنانية وكان يتوجّب علينا المساهمة بمبلغ معيّن قدّمه لنا وليد بك وحصلنا بالمقابل من وزارة الشّؤون على مبلغ 75 مليون ليرة. بإختصار، فإنّ المواظبة على العمل أساس النّجاح وليس كميّة المال. بالطّبع الجميع في كفرنبرخ كانوا وما زالوا إلى جانبنا.

يوم-السيدة-وسام-الغضبان-يبدأ-بواجبات-المننزل-ويكتمل-بواجبات-العمل-العام
يوم-السيدة-وسام-الغضبان-يبدأ-بواجبات-المننزل-ويكتمل-بواجبات-العمل-العام

> برأيكن ما هي متطلّبات النّجاح؟
أولى متطلّبات النّجاح الصّدق والشّفافية في العمل، وثقة النّاس، والتطلّع إلى الأمام، وعدم الإكتراث بما يقال من هنا وهناك، وأنا لم أتذكّر على مدى 20 سنة بأنّني كنت قلقة على شيء أو متخوّفة من شيء. الحمد لله بأننّي أغفو كلّ ليلة مرتاحة البال والضّمير.

> كيف توازنّ بين عملكن في الحقل الاجتماعي وبين واجباتكن نحو أسرتكن؟
في البداية واجهت بعض الصّعوبات، أثّرت عليّ بشكل جدّي، خاصّة وأننّي ربّة منزل وأم لثلاثة أولاد، وكان زوجي رحمه الله يمتلك محطّة للمحروقات ومعظم عملنا كان ضمن البيت، وفي إحدى المرّات خيّرني زوجي بين الجمعيّة ووضعي كزوجة. فسألته هل أنا مقصّرة بشيء تجاهك وتجاه الأولاد فأجابني لا، عندها قلت له بكلّ صراحة لطالما أنّك تعترف بأنّني لست مقصّرة بشيء، فأنا مستمرّة بعملي في الجمعيّة طالما ليس هناك ما يجعلني أخجل منه. وقد انحاز أبناؤنا إلى جانبي لأنّني كنت محقّة بما أفعله، وانتهت المسألة عند هذه النّقطة. لقد علّمت أولادي في أفضل الجامعات ولم أقصّر في حقّهم بأيّ شيء. فأنا لست من روّاد الصبحيّات النّسويّة والجلسات التي لا فائدة منها. نهاري يبدأ في الخامسة صباحاً وينتهي بعد منتصف اللّيل بعد أن أكون قد أنجزت كلّ ما هو مطلوب مني، ولقد استمرّيت بتحمّل مسؤوليّات منزلي إلى جانب زوجي حتى وفاته قبل ثلاث سنوات ونصف، وها أنا اليوم أقوم بدور الأب والأمّ بالنّسبة لأولادي.

> برأيكن ما هي الأسباب التي أدّت الى إقفال مصنع تعليب الفاكهة، وما هو مصير المعدّات التي تمّ تجهيزه بها؟
السبب الأوّل للفشل كان سوء الإدارة، لقد كان مُفتَرضاً بهذا المعمل أن يؤمّن العيش الكريم لأكثر من 40 عائلة، ولكن قلّة الخبرة وسوء الإدارة وتعدّد الآراء، والاتكاليّة أوصلت إلى هذه النتيجة مع الأسف، ولا أذيع سرّاً إذا قلت لك إنّ وليد بك طلب منّي الإشراف عليه، لكنّني إعتذرت على اعتبار أنّه كان في عهدة الاتّحاد النّسائي التّقدّمي، وبالمقابل فإنّ النّظام الدّاخليّ لجمعيّتنا لا يسمح لنا بالعمل في مؤسّسات حزبيّة أو أن نتعاطى السّياسة.

> كيف انتقل طموحكن من رئاسة جمعيّة نسائيّة إلى رئاسة البلديّة؟
لم أكن أفكّر يوماً بالتّرشّح لرئاسة البلديّة، لكنّ زميلاتي في الجمعيّة رغبنّ في ذلك وعملنَ له بقوّة. وعندما وصلت الأمور إلى غربلة الأسماء والمرشّحين أصبح هناك إصرار ورغبة من جانب قسم من الأهالي بضرورة الترشّح وخوض الإنتخابات من الباب العريض. لقد قامت الجمعيّة باستمزاج رأي الأهالي والوقوف على رأيهم وهذا التّصرّف ساعد كثيراً على بلورة الفكرة. ونزولاً عند رغبة الأهالي وزميلاتي قرّرت الترشّح ووضعت حساب الرّبح والخسارة في كفّتين متعادلتين، وهكذا خضنا التّجربة وكان الفوز إلى جانبي بعد أن تخطّيت كلّ الحواجز .

> إلى من تعتبرن نفسكن مدينات بوصولكن إلى رئاسة البلدية؟
إلى كلّ من دعمني وآمن بأنّني قادرة على تحقيق ما لم يتمكّن من تحقيقه من سبقوني في هذا الموقع. فأنا صوت المرأة التي تعتبر نفسها مسحوقة أمام تعنّت الرّجل ورفضه لفكرة الشّراكة مع المرأة والاعتراف بقدراتها، وأنا مدينة لكلّ حرّ وشريف إقترع لي ولم يعبأ بالأخبار الكاذبة والإشاعات المغرضة. وبالنّتيجة، فإنّ الإنتخابات أصبحت وراءنا، وأنا اليوم رئيسة بلديّة لكلّ كفرنبرخ ولجميع أهلها الذين انتخبوني منهم والذين لم يصوتوا لي. وأنا أؤمن بالحوار وبإحترام الجميع، ما يهمّني هو إعلاء شأن هذه البلدة والحفاظ على التّعايش وتأمين الخدمة والرّفاهية لكلّ أبنائها من دون استثناء.

> هل وجودكن على رأس البلديّة وسّع لكنّ آفاق العمل أكثر من الجمعيّة؟
طبعاً العمل البلديّ يفتح آفاقاً أوسع في جميع المجالات. ولدينا مجموعة مشاريع حصلنا عليها عن طريق الهبات تتعلّق بالأقنية الزّراعيّة وهي بطول 7 كيلومترات من قبل برنامج الأمم المتّحدة للتّنمية UNDP وقد باشرنا بتنفيذه. وهناك مشروع هبة أخرى من وزارة الطّاقة والمياه، لتأمين مسارب لمياه الشّتاء، كما قدمنا غرفة خاصة لصالح شركة أوجيرو لتقوية الاتّصالات والإنترنت سيتمّ تدشينها قريباً، و قمنا بتوفير الدّعم اللّازم للفرقة الموسيقيّة من صبايا وشباب، بالإضافة إلى دعم النادي الرّياضي، و تأمين رخصة لنقل الصّخور والأتربة لصيانة الأراضي والطّرقات بموافقة من المدير العام لقوى الأمن الداخلي اللواء إبراهيم بصبوص، ونعمل على حفر بئر إرتوازيّة لزيادة مياه الشّفة. فالبلدة بحاجة ماسّة إليها، كما يجري العمل على تأمين الإنارة بواسطة الطّاقة الشمسيّة لكلّ بيت من بيوت كفرنبرخ، أيضاً نحن كمجلس بلديّ بصدد دراسة مشروع إنارة عامّة لشوارع البلدة بواسطة الطّاقة الشّمسية.

> ما هي خطّتكن لتحسين التّعايش المشترك في البلدة؟
لا أنكر عليك أنّ موضوع التّعايش مسألة مهمّة تتطلّب عناية كبيرة، فأنا والحمد لله كنت وما زلت محلّ ثقة أخواننا المسيحيّين. منذ تأسيس جمعيّة سيّدات كفرنبرخ تعاونت معنا مجموعة سيّدات مسيحيّات لأن ّ جمعيّتنا بعيدة عن السّياسة وعملنا مُنصَبٌّ لمصلحة بلدتنا بكلّ أطيافها ومن دون تفرقة، ولذلك، نجحنا وحضينا بثقة الجميع من دون استثناء، ولم ننقطع عن زيارة الأخوة المسيحيّين في كلّ مناسبة، حيث كنا نشاركهم أفراحهم وأعيادهم وفي جميع المناسبات. وأهمّ من كلّ ذلك أقنعناهم بالحضور إلى دار البلدة وإقامة المناسبات فيها.

> ما هو الأثر النفسيّ والاجتماعي لوجود امرأة على رأس المجلس البلديّ في كفرنبرخ؟
المجلس البلديّ لبلدة كفرنبرخ يضمّ أربع نساء ولست أنا العنصر النّسائيّ الوحيد. والسيّدات هنّ سناء يارد نائب الرّئيسة ونسرين رعد وريموندا يزبك أعضاء، طبعاً الصّبايا لم يفكرن يوماً بخوض هذه التّجربة، وبمجرّد أن أعلنت عن ترشيحي فإنهنّ اندفعن إلى ترشيح أنفسهنّ، ويشرّفني بأنّني كنت السّبب في ذلك، وآمل أن يزداد تمثيل العنصر النّسائيّ في المجالس البلديّة وبقيّة هيئات العمل الاجتماعيّ. ما عدا ذلك، فإنّ انتخابي أحدث صدمة إيجابيّة لأنّه أظهر للجميع رجالاً ونساءً أنّ المرأة قادرة على العطاء وهي إنسان مفكّر ومنضبط وقادر على العمل الشاقّ والمجهد، وهي تعطي من قلبها وليست لها حسابات ومطامع. وأنا على سبيل المثال أحضر بشكل يوميّ الى مكتبي لمتابعة قضايا النّاس، وعندما لا أكون موجودة في المكتب أكون في جولة على المشاريع قيد التّنفيذ والتي يجب أن تُنفّذ، ومع ذلك أشعر أحياناً بالتّقصير، وأتعجّب من بعض رؤساء البلديّات الذين لا يحضرون إلى مكاتبهم سوى مرّة واحدة في الأسبوع، أو أثناء انعقاد اجتماعات البلديّة.

> ما هي خطّتكن لمعالجة الإنهيارات التي حصلت في السّنة الماضية وباتت تهدّد البيوت السكنيّة؟
صدقني هذا الموضوع يأخذ حيّزاً كبيراً من اهتمامي، هناك أكثر من 22 منزلأ مهدّدة بالسّقوط في أيّة لحظة بالإضافة إلى انقطاع الطّريق عن مجموعة من القرى المجاورة. الفوّارة- بريح – وادي الستّ – نبع الصّفا، وقرى الحرف البيرة – المعوش – مجدل المعوش، كفرنيس. وللأسف لم يهتمَّ مسؤول للأمر بإستثناء وليد بك الذي قدّم لكلّ عائلة تضرّرت من هذا الانهيار مبلغ عشرة ملايين ليرة لتدبّر أمورهم. مجلس الإنماء والإعمار تقدّم بمشروع بكلفة تصل إلى 32 مليون دولار أميركي، علماً أنّ الشّركات التي استعنت بها لدراسة كلفة هذا المشروع وعدت بإنجازه بمبلغ لا يتعدّى عشرة ملايين دولار أميركي. لذلك فإنّني أتمنّى الموافقة على هذه الدّراسة والمباشرة بالعمل في أسرع وقت.

> كيف تعالجن مشكلة الصّرف الصحّي آنياً في ظل عدم معالجة هذه المشكلة بشكل جذريّ؟
المعالجة تتم بتطبيق القانون، إذ لا يمكن إعطاء رخصة بناء لأحد دون التّوقيع على إنشاء ثلاث برك فنّية لتكرير الصّرف الصحّي وبعدها يجري شفط ما تبقى من مياه بواسطة صهاريج خاصّة. أمّا الهمّ الأكبر الذي بدأنا نواجهه فيتعلّق بموضوع النّفايات المكدّسة في خراج البلدة ممّا يسبّب ضرراً على المياه الجوفيّة. وكنّا قد اتّفقنا كمجموعة بلديّات العرقوب على إرسال النّفايات إلى معمليّ السويجاني وبعذران من أجل الفرز على أن نتكفّل بمكان لطمر العوادم . ولغاية الآن لم يتمّ الاتّفاق على المكان، والأمور أصبحت معقّدة، والبلديّة بصدد دراسة مشروع حلٍّ متكامل بطلب من وليد بك على أمل الوصول إلى حلّ قريب.

> ما هي رسالتكن إلى المرأة كسيّدة ناجحة في الحقل الاجتماعيّ والخدماتيّ؟
أريد التأكيد على أمر مهمٍّ جدّاً بأنّ مشايخنا الأتقياء لم يعترضوا أبداً على عمل المرأة المحافظة على كرامتها وبيتها وبيئتها، حتى أنّ سماحة شيخ العقل نعيم حسن في كلّ اللقاءات والمحاضرات التي يقيمها في دار الطّائفة الدّرزيّة في بيروت وقد حضرت عدة محاضرات له عن دور المرأة، لم أسمع منه إلّا ما يشجّع المرأة ودورها في بناء الأسرة الصالحة وبناء المجتمع والوقوف إلى جانب زوجها وأسرتها. وأنا أقول للمرأة انطلقي إلى العمل شرط أن تحافظي على بيتك وكرامتك، فتنظّمين حياتك وتلغين القيلولات التي لا فائدة منها، عندها فقط تحقّقين ما تريدين، وتجدين الكلّ إلى جانبك.

> كلمةٌ أخيرة
في ختام هذا الحوار أطلب من الله أن يوفّقني كي أجعل من كْفَرْنَبْرخ من أجمل بلدات هذا الجبل وحَرِيّة بأن تصبح مقصداً سياحيّاً وتجربة نموذحيّة في العمل البلديّ والإنجاز الاجتماعيّ.

نيحا

نِيْحــــا الشّوف

جارةُ أيوبٍ النّبيّ وملجأ المظلومين

الهرامشةُ توطّنوا فيها ثم انتقلوا بعد معركة عين دارة إلى السمقانية

قلعتُها الشّهيرةُ حَمت أسرةُ الأمير فخر الدّين من الكُجك
وأولادَ الشّيخ بشير جنبلاط ووالدتهم من الأمير بشير وحلفائه

من يزُرها للمرة الأولى يشعر على الفور أنّه في بلدة سبقت زمانها من حيث ما تتميّز به من مظاهر الثّروة والعمران والتفنّن في بناء القصور والفيلات المنغرسة بصورة متناغمة مع طبيعتها الجبلية الخلابة. ويمكن القول دون حرج أنّ نيحا تبدو متقدّمة في نواحٍ كثيرة على معظم قرى الرّيف اللّبناني، فهي إلى جمال طبيعتها تمتاز بالنسبة المرتفعة من بيوتها التي أنشئت وفق طابع عمرانيّ يجمع بين الحداثة واحترام التّراث، وأحد مظاهر الرّخاء الاقتصاديّ في البلدة ظاهرة بناء الفيلّات والقصور الحجريّة المنتشرة في كلّ أرجائها جنباً إلى جنب مع بيوتها التّراثيّة والتقليديّة، وهو ما يضفي عليها رونقاً وجمالاً. ورغم التّباطؤ الاقتصادي في البلد وفي البلدان المجاورة ولاسيّما في الخليج فإنّنا نرى الورش العمرانيّة فيها مزدهرة وقد باتت البيوت السكنيّة الأنيقة والحجريّة تغطي كلّ المساحات الخضراء المخصّصة للبناء بموجب تصنيف الأراضي من قبل التّنظيم المُدُنِيّ، بدءاً من منطقة الحماري في باتر، مروراٌ بأراضيها المتداخلة بأراضي جباع. وعلى طول السّفح الذي يتكوّن منه عريض السّنديان الشّهير لجهة الشّرق، بما فيه الطّريق المؤدّي إلى النّبع الذي يروي معظم أراضيها. ومن هناك باتجاه الطريق التي تؤدي الى مقام النّبيّ أيّوب عليه السّلام، وفي التّلال المشرفة على وادي بسري، وجزّين وقرى الشّوف السّويجانيّ، وإقليم الخروب. وما يزيد في جمال موقعها، جبالها المكسوّة بأشجار الصّنوبر والسّنديان التي تحيط بها من معظم جهاتها الأربع.
وإذا كانت تلك صورة نيحا في حاضرها، فإنّ ماضيها الغنيّ بالمآثر الطّيبة لا يقلّ شأناً عن واقعها الرّاهن بحُلوه.

التّسمية والمَوقع
يرى المؤرّخ كمال أبو مصلح في كتابه معجم العربي المستعجم من أسماء القُرى والمدن والأماكن في جمهوريّة لبنان الكبير، على أنّ كلمة نيحا تعني المتمايلة الغصون. أما أنيس فريحة فرأى في كتابه معجم أسماء المدن والقرى اللّبنانية، على أنّ كلمة نيحا هي من أصل سريانيّ، ومعناه الهادىء والمستريح والحليم. وهي تقع على السّفح الغربيّ من جبال نيحا التي ترتفع عن سطح البحر 1853م وهي تعرف بـ “تومات نيحا”، المكمّلة لسلسلة جبال لبنان الغربية بين جبل الباروك لجهة الشمال، وجبل الرّيحان لجهة الجنوب. وتقدّر مساحة البلدة مع مشاعاتها بنحو 22,000 هكتار، أي ما يعادل220 كيلو متر مربع، وهي بحسب د. غنام تساوي 2 في المئة من مساحة لبنان. وتحدّها القرى التالية: جباع، باتر، بحنين، عارَيّْ، جزّين، عين مجدلي، دير المزيرعة، كفرحونة، عين التّينة، مشغرة، عيتنيت، مزرعة بمارع، وهي تقع كما أسلفنا على تقاطع محافظات جبل لبنان، والبقاع، والجنوب.
ويذكر المؤرخ الدكتور رياض غنّام، الباحث في تاريخ جبل لبنان، في كتابه نيحا الشّوف في التاريخ . إنّ أقدم الوثائق التي ذكرت اسم نيحا تعود إلى سنة 654 هجرية الموافق 1256 ميلادية. أي إلى بدايات عهد المماليك، وذلك في المنشور الذي وجهه الملك المعز عز الدين أيبك، إلى الأمير سعد الدين خضر بن محمد بن حجي بن بحتر أحد أمراء الغرب التّنوخيين،
ويرتبط اسم نيحا بتاريخ الأشواف وجبل لبنان ارتباطاً وثيقاً، وهي تأتي في مرتبة متقدّمة من حيث تكرر ورود اسمها في كتب التاريخ والمراجع التاريخية بعد المختارة، وبعقلين، ودير القمر، وبيت الدين، وعين دارة. والثّابت أنّ نيحا كانت مأهولة بالسّكّان منذ أيّام الرّومان، وهذا ما تشير إليه كثرة النّواويس والمغاور الموجودة في بَرِّيتها، ومعظمها منقوش في الصخر. وذلك قبل أن يأمر الخليفة العبّاسي أبو جعفر المنصور مجموعة من القبائل العربية بالانتقال إلى مواقع مختلفة من جبل لبنان لتأمين حماية ثغور الدّولة ومواصلاتها من قراصنة الإفرنج وهجمات البيزنطييّن.

صورة بانورامية لنيحا 1
صورة بانورامية لنيحا

أبرز العائلات التي توطنت في نيحا
إنّ الأسماء الواردة في مخطوطة قواعد الآداب حفظ الأنساب لا تلحظ أية صلة بين العائلات التي تقيم في نيحا اليوم، والعشائر التي وردت في مدونات الأشرفاني، وابن سباط، وصالح بن يحيَ وغيرهم. وبرأي د. غنام وبعض المطّلعين على تاريخ البلدة، فإنّ ذلك لا يعني أنّ أسر نيحا القديمة قد رحلت عنها، أو أنّها استبدلت بعائلات أخرى، وإنّما هي نفسها انقسمت وتبدّلت أسماؤها وتحوّلت إلى جبوب وبطون وأفخاذ فقدت صلتها بجذورها القديمة واسم العائلة الأصليّ واتخذت بدلاً منه أسماءً جديدة باتت تمثل تركيبة العائلات والأسر الموجودة حاليّاً. والسّبب في ّذلك بسيط جدّاً فالعرب غالباً ما تغلب فيهم الكنية واسم الأب أو الجدّ على اسم القبيلة التي ينتمون إليها. ولعل أقدم الأسماء التي عرفتها نيحا تدويناً هو اسم سعد بن نبا الكسروانيّ، وكان والده يقيم في دير القمر، وله ثلاثة أولاد هم: مردان وجمعة، وسعد، وقد رحل عن دير القمر واستقرّ في نيحا، وكان لقبه أبو الفضل، ويبدو أنّه كان يستقبل الوافدين إلى نيحا بكرم وأريحيّة، فوفد إلى البلدة من كفرفالوس بني مبيع، وبني صيدان، ومنهم مونس وابن عمه إسماعيل، فحصلت بين سعد وإسماعيل مصاهرة إذ كان لسعد ثلاث بنين بلا زواج ولإسماعيل ثلاث بنات في سن الزّواج وصار لهم يوم فرح عظيم. وفي زمن الصّليبيين كانت نيحا ملجأ للهاربين من اعتداءاتهم، فلجأ أحد أمراء العرب ربيعة بن خالد مع جماعته إلى جزّين، لكنّهم تعرضوا للمضايقة، فرحلوا إلى أرض نيحا مستجيرين بسعد بن نبا فرحّب بهم فأقاموا في ربوعها، ويبدو أنّ إقامة ربيعة في نيحا لم تكن بدون بدل فخصّ سعد بقطيع كبير من المواشي مع عبد اسمه فرج يرعى له القطيع.
يؤكد الباحث أحمد أبو سعد أنّ اسم رُكَين هو عبارة عن تجمّع قبلي ضمّ عدّة أسر من الموحّدين الدّروز في نيحا يتفرّع منه عائلات: ماجد وسيف ومزهر وقيس وأبو شهلا وغيرهم. ثم انضمّت إلى هذا التجمّع بعض الأسر المسيحيّة منها: أبو راشد وعجيل. أما قعيق فهو اسم مشترك بين الموحّدين الدّروز في نيحا الشوف، والشّيعة في ياطر والنّبطيّة وتبنين والطّيبة ويتفرّع من الاسم في نيحا عدّة فروع: عسّاف وذبيان ومرشاد والخطيب والبراضعي وكليب وبدران.
قبيلة “بنو خميس” تفرّعت أصلاً من قبيلة أجشم التي انتقلت الى مجدل بَعنا ثمّ إلى بلاد الأشواف واستقرّت في نيحا، ومن فروعها آل غيث وأبو هدير وفرحات وعزام وغيرهم.
تتوزّع عائلات نيحا (حسب أصولها) على الشّكل التالي:
بنو قعيق: ويتفرّع منهم آل ذبيان وآل غنّام وآل كليب وآل مرشاد وآل الخطيب وآل البراضعي وآل الشّمندي وآل ابو شقرا وآل بدران وآل أبو رشيد وآل مصلح.
بنو خميس: ويتفرّع منهم آل عزام وآل فرحات وآل أبو هدير و آل غيث وآل عسّاف وآل عرنوس و آل أبي عجرم وآل الزّوَيْني وآل الحلبي و آل ورد و آل عبد الشافي و آل أبو زين وآل قيس وآل ملّاك وآل بوراس وآل ميّاس وآل يزبك وآل نعمان وآل عبد السلام وآل عماد وآل حسام الدّين وآل حمد.
بنو رُكين: ويتفرع منهم آل سيف وآل مزهر وآل عزيز وآل ماجد وآل أبو شهلي وآل نصار وآل قمر

عائلات سكنتها ثم رحلت عنها
آل جمّول وآل الجوهري وآل الدّاوود وآل طحموش وآل قسّام وآل الشارب وآل رحّال وآل الحنّاوي وآل المغوّش وآل هرموش..

التوطّن المسيحيّ في نيحا
يعود تاريخ التوطّّن المسيحيّ في نيحا إلى عهد الأمير فخر الدّين المعنيّ الثّاني، وفي دراسة أعدّها الدكتور لطيف لطيف عن معركة جلّ الشوك وانتقال الشّيعة من جزين يشير فيها إلى أنّ الوجود المسيحيّ في الشّوف يعود لتلك الفترة. مستشهداً بالزيارة التي قام بها بطريرك الرّوم الملكيين الكاثوليك مكاريوس الحلبي إلى بلاد الشّوف لتفقد رعيّته، وذلك سنة 1648 في عهد الأمير ملحم المعني وقد التقاه في بعقلين. وكانت نيحا المشهورة بقلعتها التي لجأ إليها الأمير فخر الدّين المعني الثّاني وحصاره من قبل الكُجك أحمد من بين القرى التي زارها. ومن أشهر العائلات المسيحيّة في نيحا آل الخوري، وآل الحدّاد، وآل العجيل الكاثوليك، وآل فرنسيس الموارنة.

نيحا كما تبدو من مزار النبي أيوب
نيحا كما تبدو من مزار النبي أيوب

نيحا في ظلّ الحكم الشّهابيّ
برز اسم محمود أبو هرموش المقيم في نيحا كواحد من دهاقنة العمل السياسيّ، وهو استطاع بعد انتقال الحكم من المعنييّن إلى الشّهابييّن إقامة علاقة وطيدة مع الأمير حيدر الشهابي، بعد القضاء على تمرّد آل الصّغير حكام جبل عامل، وقد عينه نائباً عنه على تلك الديار. لكن هذه العلاقة ساءت بعد أن تحالف أبو هرموش مع آل علم الدّين زعماء الحزب اليمني الذين حاولوا إقصاء الأمير حيدر عن الإمارة. وبعد معركة عين دارة وانتصار الأمير حيدر على خصومه اليمينييّن عمد إلى مصادرة خمس قرى كبيرة في الشّوف وتخصيص عائداتها مباشرة له.
كانت نيحا من بين تلك القرى إلى جانب بعقلين، وعين ماطور (عمّاطور) وبتلون، وعين دارة. كما قام بهدم بيوت الهرامشة في نيحا ما اضطرّهم للانتقال إلى السّمقانية. وفي عهد الأمير يوسف الشهابي حصلت عدّة مواجهات بين الدّروز والشيعة، وفي معركة النّبطية قتل من الدروز عدد وافر، بينهم عدد من شبّان نيحا، ومنذ ذلك الوقت شاعت عبارة “أرامل نيحا”. وتفيد المراجع التاريخية أنه في حمأة الصّراع على الحكم بين أولاد الأمير يوسف وجرجس باز من جهة، والشّيخين بشير وحسن جنبلاط من جهة ثانية، لجأ الشّيخ حسن إلى نيحا بعد ما لاحت بين الفريقين بوادر معركة غير متكافئة. وكذلك لجأ إليها مشايخ آل حمدان من حوران بعد غضب والي الشام صالح باشا عليهم. ولما تعرّض دروز الجبل الأعلى وحلب إلى مضايقات استهدفت القضاء عليهم سنة 1811 أرسلوا يستجيرون بالشّيخ بشير جنبلاط والأمير بشير الشّهابي الثاني فاتفقا على نجدتهم ونقلهم مع عيالهم إلى كنف الإمارة. وأوفد الأمير بشير إليهم بعثة من أربعة أشخاص وهم:

الشّيخ حسّون ورد من نيحا، والشّيخ حسين حماده من بعقلين، والشّيخ حسن أبو شقرا من عماطور، والشّيخ فارس الشدياق من الحدث، وتمكّن الوفد من المجيء بأربعمائة عائلة توزّعوا على قرى الشّوف، وعاليه، والمتن، ووادي التّيم، وبيروت، وعرفت هذه الأسر باسم الحلبي. وكان نصيب نيحا منهم 75 شخصاً ما زال أحفادهم إلى اليوم يحملون اسم الحلبي. أما الحادثة الأهم فكان مسرحها قلعة سانور في فلسطين، إثر الخلاف بين عبد الله باشا والي صيدا وهو حليف الأمير بشير وأهالي نابلس الذين تحصّنوا في القلعة، فأرسل إليه الأمير رجال الشّوف وبمساعدتهم تمكن من القضاء على المتمردين. وقد سقط نتيجة المواجهات عدد كبير من القتلى والجرحى كان لـ نيحا النّصيب الأوفر منهم. ومع اشتداد الصراع بين الأمير بشير الشّهابيّ والشّيخ بشير جنبلاط في العام 1824 لجأت زوجة الشّيخ بشير مع أولادها نعمان وسعيد وإسماعيل إلى نيحا ومكثت فيها فترة قبل انتقالها إلى حوران. ويذكر حنّا أبي راشد أنّ الشّيخ سعيد جنبلاط بعد تسلّمه حاكميّة الشّوفين كان مولعاً بصيد الحجل في برّية نيحا، قرب عين الحلقوم وإنّه رافق الشّيخ سعيد سنة 1858 في رحلة صيد امتدّت لشهرين وكان الشّيخ يسكن الصّواوين، وكان يتوجّه كلّ يوم مع الصّيادين. كما يذكر زيارة الشّيخ سعيد مع أولاده لمقام النّبيّ أيّوب للتبرّك وتناول الغداء ثم الرّجوع إلى نيحا.

مقام النبي أيوب في أعالي نيحا
مقام النبي أيوب في أعالي نيحا

معالم نيحا الطبيعية
تومات نيحا : يعتبر جبل التّومات أو ما يعرف بـ تومات نيحا أبرز المعالم الطّبيعيّة في نيحا وهو عبارة عن قمّتين مخروطيّتَيّ الشّكل يبلغ ارتفاع أعلاهما 1850 م أمّا الثانية فيبلغ ارتفاعها 1175م كانت تمر على سفحها إحدى الطّرق التي كانت تربط السّاحل بالداخل السّوري، وتُعتبر التلّة التي يقع عليها مقام النّبي أيّوب عليه السّلام من أبرز المعالم الطّبيعيّة الجميلة للبلدة. أمّا العريض، الواقع قبالة نيحا لجهة الشّرق فإنّه يُعدّ من أجمل المواقع الطّبيعيّة للبلدة، ومن المعالم التي تميّز بلدة نيحا عشرات الأجران والنّواويس والآثار المنتشرة في برّية البلدة والتي تُعتبَر أبرز شاهد على التّاريخ العريق للبلدة.

ثروة مائيّة هائلة
تُعتَبَر نيحا من البلدات الغنيّة بمياهها بحكم موقعها في سفح جبل الباروك الذي يلتقي بتومات نيحا فيشكّلان زاوية قائمة من التلال والآكام تختزن في جوفها ثروة مائية هائلة تفجرّت ينابيع وعيون يتساوى عددها مع عدد أيام السّنة وأهمّها:
1. نبع نيحا، ويقع شرق البَلدة يروي معظم البساتين الواقعة من حوله، وقد تمّ جرّ قسم من مياهه إلى البلدة منذ ما يقرب المئة عام.
2. عين الحلقوم، التي قام الأمير فخر الدين بجر مياهها إلى قلعة نيحا.
3. وهناك عشرات العيون والينابيع منها: عين علق،عين أبو يحيى،عين النّبعة، عين شاوية السّند، عين الخوري، عين شرشر، عين القاطعة (وتقع في وسط البلدة على الطريق المؤدّي الى مقام النّبيّ أيّوب) عين المغاير، عين عطشين، عين باطوم، عين فارس، عين النّهير، عين الحجل، عين المراحات، عين التّينة، عين النّعمان، عين الشّرفي، عين الموالح، ينابيع جل البرك،نبعة الفوّار، عين الباردة، عين مراح الخنازير، ينابيع المغاريق، ينابيع شِعب السيادة، عين القميم ، عين ملتقى السّواقي، نبعة عرق الجبل، عين القنيْبة، عين صخر، عين تركمان، عين الخوخ، عين ملاكي، نبعة صرة الدّحروج، عين الحمير. كما أنّ نهر الزّهراني الذي يروي مناطق شرق صيدا والنّبطية ينبع من تومات نيحا لجهة الجنوب.
مقام النّبيّ أيّوب
زاد من الأهميّة الجغرافيّة لنيحا، وجود مقام النّبيّ أيّوب عليه السّلام على كتف أحد تلالها الفائقة الجمال، تظلّله أشجار السّنديان التي يصل عمر الكثير منها إلى ألف سنة. ويُعْتَبرُ النّبيّ أيّوب أحد الأنبياء الممقدّسين لدى الموحدين الدروز يزورون مقامه للتبرك والنذورات. هذا بالإضافة إلى الزّيارة السّنوِيّة التي يقوم بها المشايخ الدّروز إلى المقام يتقدمهم سماحة شيخ العقل وممثل عن رئيس الجمهوريّة وهذه الزّيارة تُعْتَبَر من الأيام المباركة لدى جميع الدّروز، أمّا أهالي نيحا فإنّهم ينتظرون هذه الزّيارة بفارغ الصبر، وكأنّها يوم عيد بالنّسبة لهم.

أعلام نيحا
نيحا غنيّة بأعلامها ورجالاتها عبر تاريخها الطّويل وإذا كانت بعض الأعلام برزت في تاريخها الوسيط بالتّقوى والوَرَع وتبوّء المناصب العالية، أمثال مشايخ آل ورد، فإنّ تاريخها الحديث يزخر بالأسماء التي لمعت وتبوّأت أعلى المراكز في الدولة، بينهم مدراء عامّون، وعمداء، وضباط، من رتب عالية في الجيش اللّبناني وقوى الأمن الداخلي. وأصحاب مراكز هامة في دوائر الدولة وخارجها. ومن أبرز الشخصيات التي أنجبتها البلدة المرحوم الشّيخ بهجت غيث قائمّقام شيخ عقل طائفة الموحّدين الدّروز 1992 – 2006 وقد عُيّن خلفاً لشيخ العقل الرّاحل محمد أبو شقرا. وفي القطاع الخاص برز من نيحا أيضاً رجال أعمال وأصحاب شركات ومؤسّسات كبيرة ومتوسّطة الحجم، أصابوا نجاحاً ملحوظاً في لبنان وخارجه، وهناك العديد من الأطبّاء والمحامين والإعلامييّن والأدباء والفنّانين، وأهل فكر وقلم وعلم وعمل. وأصحاب مِهن كبيرة ومتوسّطة الحجم. وباختصار فإنّ طموح شباب نيحا لا حدود له، وهو واضح في كلّ ما يمارسونه من أعمال ومن حالة الرّخاء والازدهار التي تعمّ القرية وتظهر في عمرانها وحياتها الاجتماعية.

وديع الصافي
مطرب لبنان الأوّل وديع الصّافي 1921 – 2013 يُعَدُّ من عمالقة الفنّ العربيّ وما زال صدى صوته الصّافي يرنّ في كل أقطار العالم. رصيده الفنّيُّ 5,000 أغنية ولحن. ولمّا توفاه الله أصرّ وجهاء البلدة على دفنه في تراب نيحا.

تاريخ العمران
تبعد نيحا عن بيروت نحو 65 كلم وقد وصلت طريق العربات إليها في عهد المتصرّف مظفّر باشا بين عاميّ 1902 و1907 وبلغ عدد سكان البلدة في إحصاء 1910 في عهد المتصرّف أوهانس باشا 1113 نسمة. عدد الدروز 876 نسمة والموارنة 173 والرّوم الأرثوذكس 64 وكان عدد المنازل153 معظمها بني بجدران حجريّة مزدوجة. وقد بدأت الهجرة في نيحا منذ زمن مبكّر، وفي العام 1910 أحصي عدد المهاجرين من نيحا إلى الأميركيتين وبعض الدّول الأوروبيّة وأفريقيّة وسورية فبلغوا 167 شخصاً منهم 79 من طائفة الموحّدين الدّروز و39 من الطائفة المارونيّة و49 من طائفة الرّوم الأرثوذكس.

الحديقة العامّة في نيحا
الحديقة العامّة في نيحا

يحا المعاصرة
توسّعت بلدة نيحا في كلّ الاتّجاهات وامتدّت حتّى أطراف باتر خصوصاً مع تملّك أثرياء ومغتربين من نيحا لمساحات زراعيّة شاسعة في باتر قسم كبير منها تمّ شراؤه من آل الحمدان الملّاك الأساسييّن للأراضي الزّراعية في باتر لأكثر من ثلاثة قرون من الزّمن، وتزايد عدد سكّان البلدة ليصل في إحصاء سنة 2000 إلى 5,230 نسمة. أمّا اليوم وبسبب الهجرات المتوالية فقد أصبح العدد نحو 2800 نسمة ويبلغ عدد منازل البلدة 580 بيت وعدد الناخبين 2810 ناخباً، وسبب زيادة عدد الناخبين عن عدد السكان هو أنّ الكثير منهم هم من بين المهاجرين من السّكّان الذي غادروا البلدة إلى أماكن سكن بديلة في لبنان أو إلى المغتربات لكن لا زالت أسماؤهم تَرِد على لوائح الشّطب. ويوضّح التناقص الكبير الذي أصيبت به البلدة في سكّانها المقيمين حجم النّزف الذي تعاني منه البلدة بسبب جاذبيّة الاغتراب، وقد ساهم وجود عدد كبير من مغتربيها النّاجحين في الخارج في اجتذاب العديد من شبّانها للعمل مع أقاربهم أو في أعمال مستقلّة في المهاجر. لكن رغم الأثر البشريّ الواضح لحركة الاغتراب فإنّ آثارها الإيجابيّة بادية في حركة العمران والرّخاء التي يتمّ تمويلهما من تحويلات المغتربين إلى البلدة.

مؤسّسات عامّة واجتماعيّة
في نيحا مركز لقوى الأمن الدّاخلي تشمل صلاحيّاته قرى باتر وجباع ومرستي.
وهناك مدرسة ثانويّة وأخرى تكميليّة ومركز لرابطة العمل الاجتماعيّ ويضمّ مستوصفاً خيريّاً ومكتبة عامة للمطالعة ومركزاً لشركة الهاتف (أوجيرو) ومكتباً للبريد ومركزاً للدّفاع المدنيّ ومركزاً لجرف الثلوج في موسم الشتاء.

نيحا التي كانت ملجأ للأمراء والمظلومين أصبحت معلما سياحيا يزوره الألوف سنوياً -
نيحا التي كانت ملجأ للأمراء والمظلومين أصبحت معلما سياحيا يزوره الألوف سنوياً –

قلعة نيحا..إن حكت

حصن الأمراء وملجأ المظلومين

استخدمت كحصن من قبل الرومان والصليبيين والمماليك وفخر الدين لكن انكشاف مصدر المياه السري أفقدها قيمتها كملجأ في الملمات

لا يمكن الحديث عن نيحا من دون الحديث عن قلعتها الشهيرة التي تدعى أيضا “ شقيف تيرون” وذلك بسبب الأدوار الكثيرة التي لعبتها هذه المغارة الحصينة في تاريخ لبنان والمنطقة، وقد تعاقب على استخدامها أو اللوذ بها ملوك وأمراء وقادة جيوش كما استخدمها الفارّون من الحروب أو النزاعات، لذلك فقد امتلأت المصادر المصادر التاريخية التي تحدثت عنها كثيرة. وحسب تلك المصادر فإن قلعة نيحا تعود إلى العهد الروماني، والبعض الآخر يرى إنّ كلمة تيرون يونانية وتعني الصخر الكبير. أما إبن سباط فيقول: إنّ القلعة تسمى شقيف تيرون وهو اسم رجل وقد نحتت في صخر أصم وهي في شاهق جبل يحتوي على كهف عظيم لا يمكن بلوغه إلا بصعوبة ، ولا يمكن لمن بداخلها التسلق إلى سطحها، ولا يناله أحد لا بالسهام ولا بالمدافع، وحتى لو أصيبت أو هدم قسم منها فإنه لن يستطيع أحد من المهاجمين أن يدخلها. والقلعة مشيدة على جبل شاهق يبلغ ارتفاعه 350م وليس لها سوى مدخل ضيق، لا يصلها الإنسان إلا بواسطة سلم خشبية، وكانت تصلها المياه من عين الحلقوم بواسطة قناة سرية، وكانت تعتبر من أهم المعاقل والحصون الموجودة في لبنان وهي الآن من أهم وأشهر المواقع التاريخية التي يحرص الناس على زيارتها وتفقدها لما تحمله من مغازي تاريخية وسياسية.
أما الأهمية التاريخية للقلعة فبدأت كما يبدو من الأدلة في أيام الرومان، حيث استخدمت حصناً لإمارة الجنادلة لأكثر من نصف قرن، ثم احتفظ بها المسلمون 110 سنوات، قبل انتقالها إلى الصليبيين. ثم تمكن سلطان المماليك الكبير الظاهر بيبرس من استرجاعها وإعادتها إلى سيادة الدولة الإسلامية. وتحولت القلعة إلى أهم قلاع الأمير فخر الدين المعني الثاني في عهد الإمارة المعنية، وقد اختار قبل سفره الى توسكانا في نوع من المنفى الاختياري، أن يضع فيها إحدى زوجاته وهي ابنة علي بن سيفا مع أولاده. كما نقل إليها الكثير من ممتلكاته الثمينة، وبعد عودته إلى البلاد وتعاظم شأنه وجهت إليه الدولة العثمانية حملة كبيرة بقيادة الكجك أحمد، فلجأ إلى قلعة نيحا بنفسه هذه المرة محتميا بموقعها الحصين. ويروي الأمير شكيب أرسلان كيفية إكتشاف الكجك أحمد لمورد المياه المدفون تحت الأرض فقام بتعطيش الخيل فحملتها شدة العطش على التفتيش عن المياه وعندما شمّت رائحة المياه راحت تضرب الأرض بسنابكها، عندها أمر الباشا بحفر المكان حتى ظهر المجرى المائي المطمور تحت الأرض، وهو قام عندها بنحر بعض الأبقار ورمي في المجرى نفايات مختلفة حتى أفسد الماء وجعلها غير صالحة للشرب، الأمر الذي اضطر الأمير إلى الاستسلام لجيش الوالي العثماني.
وفي عهد الإمارة الشهابية، وبعد أن كشف النقاب عن مصدر المياه الذي يغذيها فقدت قلعة نيحا أهميتها الإستراتيجية كحصن، لأنها لمن تعد تمتلك مصدر مياه آمن يحمي المستجيرين بها من الموت عطشا. كما أن الأسلحة الحربية شهدت تطورا كبيرا خصوصا مع تصنيع المدافع الثقيلة وتطور قوتها التدميرية.
ومن مفارقات القدر أن هذه القلعة التي كانت ملجأ للملوك تحولت في وقت ما إلى زريبة يستخدمها الرعاة لإيواء قطعان الماعز، كما تعرضت القلعة التي تقع على فالق زلزالي شهير هو فالق روم إلى هزة عنيفة لا زال أهالي المنطقة يستذكرونها ويتحدثون عن هولها وقد اتت الهزّة على قسم منها، وتكفل بالباقي القصف المدفعي الذي تعرضت له القلعة في الحرب العالمية الثانية أثناء الحرب بين جيش حكومة فيشي وجيش فرنسا الحرة والقوات البريطانية ولعل الأجزاء التي لحقها الدمار والتخريب هي التي نراها اليوم في الواجهة الغربية للحصن المشرفة على مرج بسري والمناطق المحيطة به، وخصوصاً الأجران الكبيرة من مياه عين الحلقوم. ولحسن الحظ فقد استيقظت الهيئات الأهلية على الأهمية التاريخية للقلعة وأهمية الحفاظ عليها وتحركت بصورة خاصة رابطة العمل الاجتماعي في نيحا، ونجحت في إدخال قلعة نيحا في نطاق محمية أرز الشوف، بينما قامت بلدية نيحا بترميم بعض أجزائها وتأمين طريق آمنة إليها، وتحويلها إلى معلم تراثي سياحي.
ونحن ندعو الجميع إلى زيارة هذا الأثر الطبيعي الذي يحفل بالذكريات وقصص البطولات التي سطرها القادة المسلمون وأمراء الموحدون الدروز عبر التاريخ وعلى رأسهم الأمير فخر الدين المعني، ليس في لبنان فحسب وإنما في سائر منطقة بلاد الشام. يقول شاكر الخوري إنّ قلعة نيحا كانت ساعة بكاسين، أي عندما تصل الشمس الى وجهها الغربي يكون الوقت ظهراً.

معهد الامير السيد للعلوم التوحيدية

الشيخ هادي العريضي:

نعمـــل علــى إعــداد الكــوادر العلميـة والشخصيـــات الدينيــــة القــــادرة على التصدِّي للتحديّات الفكرية المعاصــرة

الشيخ هادي العريضي مدير المعهد يتطلع إلى دعم الخيرين لمسيرة هذه المؤسسة الرائدة -2
الشيخ هادي العريضي مدير المعهد يتطلع إلى دعم الخيرين لمسيرة هذه المؤسسة الرائدة -2

بعد سنتين من انطلاقته، خطا معهد الأمير السيد الجامعي للعلوم التوحيدية خطوات كبيرة في طريق التحول إلى المؤسسة الأولى المولجة بتكوين الكادرات المؤهلة للتعليم الديني والإرشاد وفق منهج واضح ومقررات يتم التشاور عليها مع القيادات الروحية للطائفة، وهو ما سد ثغرة مزمنة وفتح الباب واسعا لتنمية نخبة متضلعة بعلوم الدين وفقه العبادات وعلوم القران. فأين بلغ المعهد في جهوده وما هي الخدمات التي يقدمها في مجال التعليم والتنشئة الروحية؟
“الضحى” التقت رئيس اللجنة الدينية في المجلس المذهبي ومدير المعهد الشيخ هادي العريضي الذي تكرم بأعطائنا فكرة شاملة ومشجعة عن هذا الإنجاز الفريد. وفي ما يلي حصيلة اللقاء:

كيف انطلقت فكرة المعهد؟
فكرة إنشاء معهد للعلوم التوحيدية قديمة وطرحت مرارا بسبب ما نعرفه عن غياب مؤسسة يتم فيها توحيد المفاهيم والمقررات بدلا من الجهود الفردية المشكورة التي يقوم بها بعض الإخوان من حيث الاهتمام بالنشء الطالع والمهتمين بعلوم الدين والتي يمكن أن تفسح في المجال للاجتهاد. إن لدينا والحمد لله مرجعيات روحية يمكن الاستنارة بها لكن التعليم في عصرنا بات يحتاج إلى مؤسسات وإلى استمرارية.

مبنى المعهد ينتظر الإنجاز
مبنى المعهد ينتظر الإنجاز

ما هو النموذج الذي بني عليه المعهد؟
تأسس المعهد وفق أحدث مفاهيم التعليم المعتمدة من مؤسسات التعليم الديني والتي تختلف بالطبع في برامجها ومعاييرها وأساليب التعليم والتأهيل فيها عن معاهد التعليم الجامعية التقليدية، واستفادت دراسة المشروع من الخبرات المتجمعة لعدد كبير من مؤسسات التعليم الدينية ……، كما أخذت في الاعتبار طبيعة الحاجات الخاصة للطلاب وللمجتمع التوحيدي، والأمر الأهم أننا لا نستهدف التعليم النظري بقدر ما نهتم بالتربية والتأهيل وبتخريج كفاءات يمكنها أن تنقل مفاهيم التوحيد وأن تغرس أسس السلوك التوحيدي الشريف في عقول ونفوس الأجيال الجديدة.

ما هو مغزى اختيار بلدة عبية كمقر للمعهد وما هي دلالة الشعار الذي تبنيتموه ؟
السيد الأمير عبد الله التنوخي (ق) يمثل للموحدين في كل مكان قامة عظيمة في التقوى والعلوم والإرشاد، فهو في نظرهم مجدِّد الإيمان ومحيي الالتزام بالشريعة وبفرائض العبادة وهو على مرّ الأزمان المرجع الذي يتدرج السالكون وأهل الدين في تعاليمه ومخزون حكمته الواسع، فليس من قبيل الصدفة أن يحمل المعهد اسمه تبركا بمكانته وكذلك شعورا بالمسؤولية في السير على سننه والتزام تعاليمه من قبل الأجيال الحاضرة، وكم نحن بأمس الحاجة اليوم لإحياء سيرة الأمير السيد (ق) والانكباب على ما خلفه لنا من كنوز المسلك التوحيدي وعلوم الدين. أما اختيار عبيه كمقر للمعهد فلِما لهذه البلدة من تاريخ طويل وعريق في رفع شأن الدين وكذلك بسبب توفر أرض الوقف الخاص بالأمير السيد وعملاً بوصيته السامية التي اكد فيها على ضرورة صرف المال على نشر آداب السلوك التوحيدي والتفقّه في الدين.

كيف بدأ العمل في المعهد كيف تطور؟
كان اطلاق المشروع عام 2012 بعد استلام رئاسة اللجنة فتم عدة لقائات مع اصحاب الاختصاص وتحديد الموقع وتجهيزه وتنظيم برنامجه والتواصل مع الاساتذة من اجل تحضير منهج ومواد التعليم . وبتقدمة مباركة من الشيخ فريد صعب بقيمة 50 مليون ليرة قامت لجنة الأوقاف بإنجاز الطابق الأرضي من مال الأوقاف ونحن نعبر عن شكرنا للجنة الأوقاف برئاسة الأستاذ عباس الحلبي والمهندس بشير أبوعكر والمهندسة في مديرية الأوقاف كوثر عمار الذين واكبوا إعداد التصاميم واشرفوا على تنفيذ المبنى.
وفي شهر أيلول 2014 باشرنا التدريس بمباركة ودعم واشراف سماحة شيخ عقل طائفة الموحدين الدروز الشيخ نعيم حسن .
انهينا العام الثاني قبل عيد الفطر وتم الاعلان عن التسجيل للعام الجديد خلال شهر ايلول وسيتم استقبال طلاب جدد . في حين ان اساتذته هم نخبة من اصحاب الاختصاص والباحثين المميزين يصل عددهم الى اثنا عشر مدرسا.
يتم استكمال الطابق الثاني بعد مبادرة كريمة من الأستاذ وليد جنبلاط الذي قدَّم مشكوراً مئة ألف دولار لهذه الغاية، ونحن نامل انهاء البناء قريبا بهمة الخيرين من أهلنا الكرام.

ما هي مصادر تمويل المعهد، وهل تأتي من وقف الأمير السيد ؟
يمكنني القول إن المصدر الأول لموارد المعهد المالية هو صندوق الأوقاف الدرزية أما المصدر الثاني فهو تبرعات الخيرين من رجالات الطائفة الذين تحمّسوا لدعم مسيرة هذا المعهد الأول من نوعه. وأودّ الإشارة إلى أننا نتبع سياسة انفاق محافظة فنخصص معظم الموارد لغايات التعليم ونقتصد كثيرا في الإنفاق مع الانصراف في الوقت نفسه إلى الاهتمام بتوفير الموارد للمعهد من مصادر متعددة بهدف ضمان قيامه بدوره واستمراريته.

حصة دراسية في المعهد
حصة دراسية في المعهد

ما هي أهداف المعهد وبرنامجه التعليمي؟
إنّ مهمّتنا هي توفير الدّروس وفق برنامج مقرّرات محدّدة وتأهيل الطلّاب بما يمكّنهم من فهم التّوحيد عقيدة وشريعة، ومنهاجاً، وإعداد الكوادر العلميّة والشّخصيّات الدينيّة القادرة على التصدِّي للتحدّيات الفكريّة المعاصرة وتنمية حسّ المسؤوليّة لدى الموحّد المسلم تجاه أسرته ومجتمعه بحيث يقترن العلم بالعمل والسّلوك. أخيراً فإنّ من أهداف المعهد إعداد مدرّسين في مجال تعليم المعارف والتّربية التوحيديّة في المعاهد الدينيّة والمدارس العصرية. وأهم الموادّ التي تدرّس في المعهد: أركان الإيمان ، السّيرة النّبوِيّة ، الفلسفة، علم الأديان، علوم القرآن، القران (تجويد,حفظ وتلاوة ) حوار الأديان، علم الحديث ,علم التفسير ، فِقْه العبادات، علم النّفس التّربويّ، آداب المستجيب ,اللّغة العربية واجنبية.

من هم الطلبة المؤهلون لدخول المعهد؟ وما هي المؤهلات المطلوبة للتسجيل؟
المعهد يركز تعليمه الآن على الملتزمين دينيا من الرجال لأننا نعتبر ذلك أولوية، لكننا سنسعى في المستقبل لفتح المجال أمام المريدات العابدات كما سنسعى لتوسيع فوائد المعهد إلى الجمهور من خلال تطوير المكتبة الموجودة اليوم الى مكتبة عامة.

من هي الجهة المولجة بإدارة المعهد؟
إن اللجنة الدينية في المجلس المذهبي بحكم القانون هي المشرفة على المناهج الدينية في مؤسسات الطائفة ومن ضمنها هذا المعهد وهي التي تصدر التوصيات والقرارات حاليا . ونحن نعمل بتنسيق وبتوجيه من سماحة شيخ العقل، ونسعى للاستحصال على ترخيص من الدولة اللبنانية، كما نستنير بالنصوص المعتمدة من المرجعيات الروحية ويعاوننا في الإدارة مجموعة متميزة من المشايخ الأكارم أعضاء الهيئة التعليمية .

ما الذي تحتاجونه في المستقبل لتطوير تجربة المعهد وتعزيز دوره؟
المعهد انطلق والحمد لله بفضل الخيرين وبدعم من المجلس المذهبي لكن المهم أن نستمر وأن نرتقي بالمعهد ليصبح فعلا منارة للعلوم ولتنشئة الكفاءات التي نحتاجها لتعزيز ثقافتنا التوحيدية الإسلامية، وهذا يحتاج إلى مزيد من الدعم وإلى اجتماع النخبة من الطائفة حول هذا الجهد، وهذا يحتاج إلى زيادة الدعم عن المستوى المتواضع الذي نحصل عليه الآن. ونحن نناشد أهل الخير مضاعفة الجهود من أجل استكمال أعمال المبنى المؤلّف من 3 قاعات للتدريس ومصلّى وقاعة محاضرات ومكتبة عامة فإن خير الأعمال بالإكمال.

شعار المعهد
شعار المعهد

كلمة اخيرة؟
نشكر مجلة “الضحى” على اهتمامها بهذا الإنجاز، ونتمنى ان تكون منبرا عريقا للثقافة والتاريخ وأن تفسح في المجال لتغطية نشاطات وأعمال لجان المجلس المذهبي، كما نحث إخواننا وأبناءنا على دعم هذه المجلة الفريدة ذات التنوّع الثّقافيّ والاجتماعيّ، ومبدؤنا في ذلك هو التعاون على البرّ والتقوى، وأن تكون مؤسسات الطائفة كلها مساندة بعضها للبعض كالبنيان المرصوص. ونتمنى على الاخوة الملتزمين ان يقصدوا المعهد للتعلم ونتعاون على نقل المعرفة الى ابنائنا الكرام. ويفتح المعهد الباب لكل مريد من اجل انتشار العلم والمعرفة بين ابناء التوحيد . وندعوا الى تشكيل مجلس امناء يساعد على تحقيق ما نصبو اليه . ونحن على ثقة بان الغطاء الروحي والمعنوي من سماحة شيخ العقل والمراجع الروحية هو ضمان استمرار ونجاح المعهد وتطويره ضمن منهجية السلف الصالح.
وختاما لا بد من شكر كل شخص ساهم وشارك في انجاح هذه المسيرة. كما نتوجه بالشكر الخاصّ لسماحة شيخ العقل الراعي الأول لهذا المعهد كما أنه لا يبخل أبدا بالنصح والإرشاد وهو المتابع بدقة لمؤسسات الطائفة والساهر على دعمها وتطويرها.

مقابلات