الجمعة, نيسان 19, 2024

اشترك معنا للاطلاع والحصول على أحدث المقالات والأعداد

الجمعة, نيسان 19, 2024

اشترك معنا للاطلاع والحصول على أحدث المقالات والأعداد

بحث ..

  • الكاتب

  • الموضوع

  • العدد

خطبة سماحة شيخ عقل طائفة الموحدين الدروز الشيخ نعيم حسن بمناسبة عيد الاضحى المبارك

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَٰنِ الرَّحِيمِ

الحمدُ لله ربّ العالَمِين، والصَّلاةُ والسَّلام على خاتم النبيين محمد سيِّدِ الـمُرسَلِين، وعلى آله وصحبه الطاهرين الطيبين.
إنَّهُ صباحٌ مُبارَك، صباحُ الأضحى الـموسومُ بدلالةِ الطَّاعةِ والتّسليم لمشيئةِ الله عزَّ وجلَّ، الـمُعبَّرُ عنهُ بالقُربانِ (وهو النَّحر) الَّذي يَتقرَّبُ به العبدُ إلى خالقِه لإيمانِه به وتوحيدِه له على أنَّه الحقُّ والعدْلُ وغايةُ الهُـدَى. ولا يجوزُ أن يكونَ فعلُ التقرُّب المشهودِ هذا إلَّا ثمرة النيَّة الصَّادقة الطيِّبة. قال تعالى في كتابه الكريم ﴿وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آدَمَ بِالْحَقِّ إِذْ قَرَّبَا قُرْبَانًا فَتُقُبِّلَ مِنْ أَحَدِهِمَا وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الْآخَرِ قَالَ لَأَقْتُلَنَّكَ ۖ قَالَ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ﴾ (المائدة 27)، وهذا يجبُ أن يكونَ من البداهةِ في وعْيِ الدِّين وفقاً لما شاءهُ الله عزَّ وجلَّ بحكمتِه، وهو وجوبُ التحلِّي بلباسِ التَّقوى إن كنتُم تعلمُون، وإن كنتُم من أهلِ الإخلاصِ والوفاءِ والصِّدْقِ والإيمانِ الذي ﴿لَّا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ ۖ تَنزِيلٌ مِّنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ﴾ (فصّلت 42).
إنَّ ما يريدُه الله جلَّ جلالُه من عِبادِه الـمُخلصِين هوَ التَّقوى، ﴿لَن يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلَا دِمَاؤُهَا وَلَٰكِن يَنَالُهُ التَّقْوَىٰ مِنكُمْ﴾ (الحجّ 37). والعِيدُ معقودٌ منذُ آلاف السّنين على هذا المعنَى، والأوْلى بعِبادِه الصَّالِحِين أن يكونَ وقوفُهُم في مقامِ الأضحى الـمُبارَك وقُوفاً شُجاعاً للنَّفسِ أمام مرآةِ كلام الله ودلالاته المحمولةِ ﴿بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُّبِينٍ﴾ (الشعراء 195). وإنِ انْعدمت التقوى فسُد الخُـلُق، وبفسادِه ينكَبُّ الإنسانُ على ما ينزَعُ إليه بإملاءاتِ هوى النَّفس الأمَّارةِ، وهذا بدايةُ انحطاط لا يلبثُ أن يصيبَ العائلةَ والمجتمعَ والبلدَ والأمَّةَ. فتسقط المروءةُ وتتسلَّطُ النزغاتُ الفرديَّة والعصبيَّةُ الجاهليَّة على كلِّ المفاهيمِ السامية التي بها يكونُ الإنسانُ إنساناً عاقلًا حكيماً لائقاً على قدْر الـمُستطاع بنعمِ الله الكريمِ الحكيم. لذلك قيل: “وإنَّما الأمَمُ الأخلاقُ ما بقيَت”.
وإذا مسَّتْ القلوب معاني العيد وغاياتُ الدِّينِ الحنيف من هذا القصْد، تراها متدرِّعة بالفضائل والمسالكِ الحميدةِ والأخلاقِ العالية سبيلاً إلى رضى الله مُثمرَة وموفَّقة ومتوَّجَة بالصَّلاحِ والفلاح. هذا أمرٌ يُصيبُ المجتمعَ والأمَّةَ حيث أنَّ صلاحَ النُّفوس هو المقدِّمة الضروريَّة لصلاحِ الحال، وكلَّما تربَّع المرءُ فوق سُدَّةِ المسؤوليَّة، في الشأن العام خصوصاً، كان مُطالَباً بالإصلاح في ذمَّتِه وبضمِيره أمام الذات وأمام الناس، والأخطر من كلّ هذا أمام الله الحكيم العادل.
وان كان من رسالةٍ في هذه المناسبة لابناء بلدنا الحبيب لبنان فإننا ندعو تكراراً إلى التمسُّك بقوَّةٍ بكلِّ التوازنات التي أعطَت لبلدنا صورة بلدٍ في الحقَب الماضية. التمسُّكُ بقوَّةٍ بمبادئ الحوار والتسوية العادلة والرُّوح الميثاقيَّة الصادقة، والمصالحة الوطنية، التمسُّكُ بقوَّةٍ بكلِّ ما من شأنه تمتين أسُس العيْش المشترَك، بل “العيْش معاً” كلبنانيّين سبق أن ذاقوا مرارةَ الحروب والتطاحُن العبثيّ القاتل. التمسُّك بوحدةِ الجيْش وطنياً. وان ندين ونرفض كلّ اصوات التحريض واثارة الغرائز والفتن. وما من عهدٍ ينجحُ في لبنان ما لم تكن هذه في صُلب رؤياه وقراراته. ونحنُ نريدُ صادِقين لهذا العهدِ أن يحقِّقَ ما يتوخَّاهُ اللبنانيُّون ويحلمُون به. ولا يُمكِنُ أن نسلِّمَ بأسلُوبِ المناكفة لإدارة حُكم أيّ بلاد، وهو عينُه أسلُوب المضيّ قدُماً إلى جُرفِ الهاوية من دون استشعار الضَّرورة التي تُمليها المصلحةُ الوطنيَّةُ العُليا. إنَّه من الـمُستهجَنِ أشدّ الاستهجان أن تفشلَ القوى السياسيَّة، التي رسمَت خارطتَها نتائجُ الانتخابات الأخيرة، في تشكيل حُكُومةٍ في هذه الظُّروف البالغة الخطورة سياسيّاً وأمنيّاً واقتصاديّاً وإقليميّاً. ومن المؤسف ان نرى في بلد الرسالة ثقافة تبعد عن ادب المخاطبة.
إنَّ عالَمَنا اليوم، بصِيغةِ التباس المفاهيم فيما كان يُسمَّى “النظام الدوليّ”، يسيرُ في الطُّرُق المعكوسة لكلِّ القيَم الإنسانيَّة المتعلِّقة بحقوق الإنسان ومصائر الشُّعوب في الدُّول النامية. ونحنُ لا يُمكِن أن نسلِّم بواقعيَّةٍ تستهرُ بأرواح الأبرياء ودمائهم. ولا يُمكِنُ أن نسلِّمَ بالجريمةِ ذريعةً لتحقيق المصالح.
ومع الاضحى نرفع الصلاة من اجل حرية مخطوفات بلدة شبكي في سوريا، آملين سماع مواقف حازمة من المرجعيات الكبرى تجبر خاطفي النساء على التعقّل واحترام القيم الاسلامية والانسانية.
ايّها الموحدون،
إننا نعيش في هذه المرحلة الدقيقة بالذات تحديات تكاد تكون هي الأصعب في تاريخ وحاضر أبناء دوحة التوحيد؛ ولكن جذور الموحدين الدروز عميقة في هذا الشرق وستبقى بعونه تعالى. لقد صقل الموحدون قلوبهم بمعاني الكتاب، ونفوسهم بالاعمال الطيبات، وسيوفهم دفاعاً عن الامة وعزتها ولم يقبلوا يوماً الخروج عن شهامة المعروفيين.
نداؤنا الى الجميع التنبّه والحذر لمواجهة الدخول في اتون التفتّت والتقاتل والعصبية والتفرقة التي يسعى اليها المغرضون. وان نكون في موقع الحرص كل الحرص على التكاتف والتعاضد وجمع الشمل.
الأضحى المبارَك، في جوهر معناه، هو أن تبذلَ من نفسكَ ما يُرضي الله. وما يرضيه هو الخيْر في الناس، والعدلُ في الرَّعيَّة، وتوخّي الحق في كلِّ الأمُور. هذه رسالتُنا اليوم وفي كلّ يوم إلى مجتمعِنا وإلى بلدِنا وإلى أمّتِنا وإلى عالـمِنا مهما عصفت به حجُب الظلام. سائلين الله تعالى أن يحيطَ أهلَنا في جبل العرب، وفي كلّ سوريا، وفي فلسطين، وأمّتنا الإسلاميَّة جميعاً، بصونِه وحِفظه وعينِ رعايتِه، إنَّه هو نصيرُ المظلومين، ومُعين المؤمنين، لا إله غيره ولا معبود سواه.
وكل عام وانتم بخير.

رسالة سماحة شيخ عقل طائفة الموحدين الدروز الشيخ نعيم حسن

رسالة سماحة شيخ عقل طائفة الموحدين الدروز
الشيخ نعيم حسن

ترشيد النفوس مع
تعديل النصوص

إنّ طبيعةَ الاعتقاد الإيمانيّ التي تتميَّزُ بالثباتِ يجبُ أن تكونَ دافعاً إلى مواكبةِ الأوضاع المعاصِرة، عقلاً واجتهاداً حميداً، نحو تحوُّلات الواقع ومؤثّراتها في كافَّة الحالات الاجتماعيَّة.

موضوعان جديران بالاهتمام اليوم في المجتمع: رفع سن الحضانة، وجعل الابنة عصبة بنفسها إذا انفردت في الميراث. هذا التطور في انصاف البنت إذا انفردت او البنات عند انفرادهن هو الإنجاز الأفضل والأقرب إلى ميزان السَّويَّة بالمعنى الحقوقيّ العادل. أمّا رفع سن الحضانة فإننا نحذّر من استعمال مضمون القانون تعسفاً بعيداً عن روح الاعراف والتقاليد الاصيلة ومبادئ التآلف والتحابب وغاية الزواج التي هي شرعة من شرائع البقاء.
إنّ المهمة الأساسية التي اعدّتها الحياة لكل فتاة هي ان تكون “ أمّاً، ربّة بيت”. وهو دور طبيعي لا يستطيع أحد ان يبدّله، كما لا يبدّل الصدق بالكذب والخريف بالربيع، وهي المهمة التي يجب ان تعدّ كلّ فتاة نفسها من اجلها، ولا نقصد بقاء المرأة ضمن منزلها لواجباتها البيتية كالطبخ وغيره … بل ان تكون “ أمّاً، ربّة بيت” سواء عملت طبيبة او محامية او مدرّسة… او موظفة عادية. وبرأينا ان هذا اللقب يهتزّ عرشه إذا أصبحت فيما بعد مطلقة.
إنَّ رفع سنّ الحضانةِ يأتي من بابِ تقدير “الأمومة” ودورها الذي يقتضي من بابٍ أوْلى الحرص كلّ الحرص على حفظ كيان الأسرةِ وألفتها لأنه الضمانة الأغلى للتربيةِ السليمة وسلامة العائلة في مسارها الحياتي حاضرا ومستقبلا. والنظر إلى الطلاق بأنَّه “بغيض” وذي عواقب غير سليمة من عدَّة وجوه. ولا يجوز بأيِّ حالٍ من الأحوال اعتبار التعاطُف مع الأمومة في هذا التعديل مؤشِّراً لاستسهال الطلاق، وعاملاً من عوامل اتّخاذ خِياره ( دون ان ننسى عدم جواز رجوع المطلقة). وهذا يدفعُ بنا إلى طرح قضيَّة المسؤوليَّة في الإقدام على الزواج، وضرورة مقاربته بالوعي والتأنِّي والفهم الكافي للوقائع واستحضار العقل للحدِّ من سلطان العاطفة في هذه الخطوة المصيريَّة.
هذا من شأنه الحثّ على اغتنام فرصة الخطوبة لتسبق المصارحة الصادقة والتفاهُم المشترك بحُسن نيّة وإدراك واقع المستوى المادي قبل خطوة إجراء العقد. يدفعنا إلى هذا القوْل معرفتنا الوافية بأسباب حدوث التصدُّع العائلي والخلافات المؤدية إلى الطلاق الذي تتصاعد وتيرتُه في السنوات الأخيرة لأسبابٍ شتَّى.
أمام هذا الواقع، نجدُ أنفسَنا في مواجهة الأحوال العامَّة التي تساهمُ إلى حدٍّ كبير في ازدياد حالات الفشل الأسريّ. ولا بدَّ من التذكير بالأصُول المتعلِّقة بالسلوك الفردي والاجتماعي التي من شأنها المحافظة على النواة الأولى للمجتمع المستقرّ وهي “سلامة الكنف العائلي” وثباته في وجه مصاعب الحياة. إنَّ القليلَ من الثقافةِ الحقيقيَّة ينبِّهُنا إلى أنَّ الفهمَ السطحي المنفعل لما يُسمَّى “موجة التّحرُّر” هو الخطوة الأولى نحو المنزلق الوخيم. إنَّ مشاهد البذخ والاستهتار بالقيَم الراقية لطبائع الحشمة والحياء والرصانة، خصوصا فيما يتعلَّق بالأزياء التي يقع عليها خِيار الشابَّات وغيرهنَّ، هي من جملة الأسباب المحبِطة للتدبير الحكيم. ولا يجوز لنا التسليم بالتقصير في وسائل الإرشاد والتربية والتوعية في هذا المجال. إنَّ لهذه الوسائل ثقافات واسعة ومعمَّقة، في التقاليد الشريفة، وفي التراث العام، وفي الثقافة العالميَّة التي كثيرا ما يتمّ إغفالها لصالح النزوع نحو اللهو والمتعة والقشور الفارغة.
ما نودّ أن نتوقَّف عنده الآن هو التذكير بالقضيَّة الأساسيَّة المتعلِّقةِ بوازع النّفوس وأسبقيّـته على النصوص. إنَّ دورَ المجتمعِ أساسيٌّ في هذا المجال، بفعاليَّاته المتنوِّعة، وبالجمعيَّات والنوادي في كلِّ القرى. إنَّ المطالبة بالنهوض الحضاريّ يتطلَّبُ المتابعة والمثابرة في عملٍ حقيقيّ مُثمِر متعلِّق بترشيد المناخ الاجتماعي العام. عمل مرتبط بالقيَم التي بها قامت الحضارات الإنسانيَّة على مرِّ العصُور، قيَم الاعتدال والاستقامة والفضيلة. قيَم العائلة والغاية من وجودها في التربية السليمة وبناء الشخصيَّة المعنويَّة لتكون أساساً متيناً قويّا قادراً على تحقيق الخير في الذات وفي المجتمع. قيَم الأمومة بمعناها الأنبل المرتبط بغاية الوجود. وإن كانت بهارجُ العصر قد أوهمتْ الكثيرين بأنَّ هذا البيت الشعريّ قد خَبَت نارُه بالتكرار، لكنَّه في الحقيقة ما زال محتفظاً بمعناه لقلب كلّ لبيب:
الأمُّ مدرسةٌ إذا أعددتها أعدَدْتَ شعباً طيِّبَ الأعراقِ.

رسالة سماحة شيخ عقل طائفة الموحدين الدروز الشيخ نعيم حسن

رسالة سماحة شيخ عقل طائفة الموحدين الدروز
الشيخ نعيم حسن

قتل النفس

إنّ من حِكمة الله عزّ وجلّ أن جَعلَ الإنسانَ الناطقَ الغرَضَ من الموجودات. قال تعالى: ﴿ثمّ سوَّاه وَنفَخ فِيهِ مِن رُّوحِهِ﴾

(السجدة 9)، وسَخّر له الليل والنّهار والشَّمس والقمر والبحر والأنهار وما في السموات وما في الأرض، وجعله كامن الجوهر، تامّ القصد، على أحسن تصوير وأجْود تقدير وأتمّ تدبير كما قال عزَّ مِن قائل ﴿لقد خلقـنا الإنسانَ في أحسن تقويم﴾، وفسّرَ البيضاويّ هذه الآية فقال: “بأن خُصَّ بانتصابِ القامة، وحُسنِ الصورة، واستِجماع خواص الكائنات ونظائر سائر المُمكِنات.” وقال تعالى:﴿علَّمَهُ البيان﴾ أي أنَّ اللهَ علَّم الإنسان ما به الحاجة إليه من أمر دينه ودُنياه من الحلال والحرام، والمعايش والمنطق، وغير ذلك.

لقد سبق وأكّدنا مراراً بان المُوَحِّد يقرّ إقـراراً راسِخاً بأنَّ الانسان روح وجسد وأن (الرُّوح مِن أمرِ ربِّي)(الإسراء 85)، ولأنَّها بِهَذا الَمقام الجليل، ومِن ذلك الأصل النّوراني الأَقدس، فهي خالدة بَاقيَة، حاشَاها مِن وَضعها علَى قدم المُساواة مَع الجسم الفاني المكوَّن كما ورد في القرآن الكريم من (صَلصَالٍ كالفخَّار)(الرحمن 14)، يَفنَى بِانحلال العناصر، ويَتهافَت بمرور الزَّمن. إنَّ فَانـيَيْـن لاَ يُكوِّنَا إنسانَا، وحَريٌّ بالمرء أَن لا يظلم نَفسه بإهمال الجوهر الباقي، والانشِغال بِالعَرَض الفانِي.

انتشرت ظاهرة الانتحار في المجتمع التوحيدي وهي غريبة عن مجتمعنا حيث تشير الدراسات الى تكاثرها في المجتمع الغربي، وهي تزداد اليوم مع ازدياد المخاطر التي يتعرض لها المرء من وسائل التواصل الاجتماعي والتقدّم الذي جاء بمزيد من التسهيلات للإنسان.

الانتحار قد يكون متعمداً مع أهلية المرء، وهذا يتنافى مع مبدأ الثقة بالله والتي هي أفضل العبادات بل هو تحد لإرادة الخالق، واعتداد باطل بالنفس، ويأس من رحمة الله تعالى، وانكار لفضله، وتشكيك في عدله، وحاشاه من ذلك، وهو ايضاً تمرد على قضاء الله وقدره وعدم الرضا به، ولحظة نفاذ صبر على البلاء والصعوبات، وهو وساوس الشيطان لقلوب ضعيفة الايمان. إن سبب المشكلة لا يتعدّى التعلق بشيء مادي، فمن ليس له تعلق بشيء لا ينتحر لشيء، ولا يجوز عند المؤمنين سوى التعلق بالله وحده،
وقد يكون المنتحر يعاني من اضطرابات نفسية، أو قد يعاني من هلوسات تسهل عليه عملية إيذاء نفسه. وأكثر الأسباب تعود للتفكك الاسري وكثرة المشاكل في الاسرة والمشاكل النفسية مثل الإكتئاب والعزلة والابتعاد عن الناس. او تعاطي المخدرات التي تهيىء للمدمن اموراً غير ما هو في الواقع، أو تناول بعض أنواع الادوية، التي تترك انعكاسات تخفف له من حدّة ما هو مقدم عليه.

أمام خطورة الواقع ندعو الجمعيات الاهلية للتعاون مع المجلس المذهبي والاهتمام بهذه الظاهرة، والاكثار من الندوات لنشر الوعي والثقافة ومفهوم التربية الصحيحة الهادفة الى تهذيب الاخلاق واستشعار الخلاق، ومن أهم البرامج التي يجب اعتمادها إطلاق برامج سلامة الطفل وفقاً لقوانين الطبيعة. فإننا نرى ان عديداً من العائلات انجبت ثلاثة أولاد في ثلاث سنوات وذلك في جهل مطبق لقواعد الحمل والانجاب وعدم احترام فترة الارضاع وسلامة حليب الام، ومن ناحية أخرى أصبح الواقع يفرض وجود مراكز استشفاء ومعالجة من ادمان المخدرات.

الى جميع الشباب والشابات نقول:
ان قتل النفس حلّ هادم لصاحبه وليس حلاً لأية ازمة أو مشكلة، هنالك دائماً الكثير من البدائل حين تتأزم الأمور وتشتدّ المحن، علينا ان نلتمس النور وسط السواد الحالك الذي قد يحيط بنا. فلا بدّ ان يتحقق الخروج من النفق المظلم وان تنتصر إرادة الحياة وهذا ما يتفق تماماً مع المنظور الديني للتعامل مع البلاء والشدائد بالعودة الى الله سبحانه وتعالى والتمسك بإيمان قوي والتحلّي بالصبر والثبات حتى يقضي الله امره هو على كلّ شيء قدير. دون ان ننسى اننا بحاجة دائماً الى التمرّد الخلاق فهو كما يقول الشهيد كمال جنبلاط يعوزنا كالماء والخبز والنور والهواء. دون ان ننسى قول الشاعر:
يـــــــا خادمَ الجسم كم تشقـى بِخدمتــــــــه أتطلب الربح فيمـا فيـه خســـــــران
أقبل على النفس واستكمل فضائلها فـأنـت بـالنـفس لا بالجسـم إنســان

أنشطة سماحة شيخ العقل