قرية الكَفْـــر
كــانت منتجعــاًلمتقاعــــدي الجيــــش الرومانــي
وأعاد المعروفيون إعمارها في القرن التاسع عشر
الزراعــــة والاغتـــــــــراب أكبــــــــر مصــــدرين للعيــــش
وإنتــــاج الكرمــــة %30 من كــــــامل إنتــــــــاج الجبــــل
خلفية تاريخية
يعود إسم القرية الأولى لعدّة احتمالات، وكلمة “الكفر” من معانيها: كَفرَ الشيء : ستره، والكفر: الأرض البعيدة عن الناس، وتعني أيضاً: القرية، وهي من كفرا بالسّريانية ومعناها قرية أو مزرعة أو حقل، وتعتبر السّريانية من أمّهات اللغة العربيّة، والكَفر من الجبال: العظيم، وجمع الكَفر: كُفور.
ويمكن القول إنّ الكفر النّبطيّة واكبت من حيث زمن عمرانها إعمار صلخد وقنوات وسيع بدليل أنّه “عُثر في صلخد على كتابة نَبطيّة دينيّة موجّهة إلى (اللات) آلهة الخصب، وعثر في سفح تل القليب على هيكل نبطي للإله ذي الشّراة، وكذلك في سيع قرب قنوات حيث معبد الرب بعل شامين، وهذه آثار يعود قسم منها إلى السنوات الأخيرة قبل الميلاد وبعضها إلى القرن الأول الميلادي”1. وبهذا نستنتج أنّ العمران الأوّل في بلدة الكفر الحالية يعود لأكثر من ألفي عام، كما وجدت في تل القليب كهوف طبيعية ومغارة نَبطيّة لكن لم يبق من آثارها الكثير. وتحتوي القرية الأولى وما حولها على آثار مساكن وحصون في موقع تل الظّْهِيْر تعود إلى العصر الحجري استناداً إلى ما ورد في كتاب “السّويداء بين الزمان والمكان”.
كانت الكفر محاطة بسور وأربعة أبواب من الحلس كلّ منها بدرفتين من الحجر البازلتيّ لم تزل بعض آثارها ماثلة للعيان. هذا، إلى جانب منحوتات كثيرة محفوظة في متحف السّويداء، بالإضافة إلى عدّة كنائس أهمّها كنيسة القدّيس جورج، وآثار البلدة تشير إلى أنّها عرفت تتابع العمران في العصر اليونانيّ والرومانيّ والإسلاميّ، ولكنها تعرّضت للخراب على أثر الغزو المغولي في القرن الثّالث عشر الميلادي كسائر حواضر جبل حوران. وعندما زارها الرّحالة بيركهاردت في عام 1810 منذ مطلع القرن التاسع عشر كانت قرية يرين عليها الخراب. يقول الأستاذ سلامة عبيد في ترجمته لرحلة بيركهاردت إلى المنطقة:”ويتابع (أي بيركهاردت) طريقه إلى الكفر، حيث يتغدّى في كنيستها بعض طيور القطا التي اصطادها رفاقه ولا يذكر أنّها كانت مسكونة”. وفي ص28 ما يشير إلى أنّ الكفر على الرّغم من خرابها كانت تتضمن أبراجاً أثريّة ما يدلّ على أنها شهدت عمراناً ذا شأن في عصور سالفة، إلاّ أن إعادة إعمارها الأخير على أيدي بني معروف يعود لما بعد أواسط القرن التّاسع عشر.
ويذكر مثقّفون وكتّاب معاصرون من أبناء الكفر، وهم مهتمون بتاريخ بلدتهم، أنّ تلك البلدة كانت في العصر الروماني قرية يقطنها المتقاعدون من الجيش والموظفين الذين يؤثرون الحياة الوادعة فيها.
ولا بدّ أنّ هواء الكفر النّقي وهي البلدة المجاورة لحرج تاريخي2 وصيفها اللطيف جعلا منها مقصداً لآلاف الزّوّار والسّيّاح الذين يقصدون الحرج خاصة منطقة المطار الزّراعي على أقدام سفح تل القليب.
وعلى أرض الكَفر جرت باكورة معارك الثّورة السّورية الكبرى وأولى انتصاراتها على الفرنسيين، وقد شُيّدت حديقة الشّهداء الحاليّة في المكان الذي دارت فيه تلك المعركة حيث اختلطت دماء الشهداء بتراب تلك الأرض ممّا جعلها معلماً سياحياً وتاريخياً بارزاً. (راجع : معركة الكفر)
الموقع والمساحة
تقع الكفر على مسافة اثني عشَرَ كيلومتراً جنوب شرقي السّويداء على الطريق الواصلة إلى مدينة صلخد، ويتدرّج ارتفاع مجمل أراضي البلدة من 1300م حتى ارتفاع 1,650 م فوق سطح البحر، ويبلغ المعدل السنوي لتساقطات الأمطار فيها نحو 450 مم .
هذا، ويبلغ ارتفاع القرية القديمة 1,360م فوق سطح البحر، أما عدد السكّان الحاليّين فيزيد على 12,000 نسمة، كما ويساهم مال
الاغتراب بأكبر نسبة من عمرانها إذ يصل عدد مغتربي البلدة إلى ما ينوف على 1,700 مغترب، يتوزّعون بين دول الخليج وأوروبا وأمريكا وغيرها من بلدان الاغتراب.
يتوزع عمران البلدة على أربع تلال أشهرها تل القليب الذي يعتبره كثيرون أعظم من أن يوصف بـ “تل”، فهو يرمز إلى شموخ القرية بل وسائر جبل حوران، وفي ذلك يقول الشاعر عيسى عصفور وهو المسيحي الأرثوذكسي ابن قرية أم الرّمّان، متوجّساً من ابتعاد أهل هذا الزمان عن القيم الأصيلة للآباء والأجداد:
خايفْ على القْليبْ يِغْدي تَلّهْ
من بعدْ ما هُوْ عَ النَّوابيْ نايف
هذا، وتبلغ مساحة السكن في البلدة 512 هكتاراً وفقاً للمخطط التّنظيمي المعتمد من البلدية، وتبلغ أطوال شوارعها المعبّدة 35 كلم، ومساكنها كافة مزوّدة بمياه الشّرب بنسبة 100% أمّا من حيث الصرف الصحّي فتبلغ نسبة المساكن المغطاة 85%.وفي البلدة أكثر من عشرين عيادة لأطباء متنوعي الاختصاصات و6 صيدليّات و 250 محلّاً تجاريّاً وعدد من مؤسسات الحرف المختلفة.
الوضع الزراعي في الكفر
تبلغ المساحة العقارية للبلدة والأراضي الزّراعية التابعة لها 2514 هكتاراً، منها 271 هكتاراً عبارة عن حرش معظم أشجاره من السنديان والبلّوط المعمرة التي تربو على المئات من السنين، وفيما عدا ذلك تنتشر في البلدة زراعة الكرمة على مساحة 1,200هكتار، والتفاح على مساحة 600 هكتار، والتّين والإجّاص والجنارك والكرز والدرّاق والسفرجل والخوخ واللوز والرمّان والتوت الشامي كزراعات إضافية، وقد دخلت إلى البلدة منذ عقود زراعة الزيتون وهي زراعة دخيلة، إذ إنّ الارتفاع لأكثر من 900م فوق سطح البحر لا يخدم شجرة الزيتون، وكذلك فإنّ موسم الثلوج يضر بأغصانها لكن قيمة ثمار الزّيتون وزيتها يشجعان المزارعين على المجازفة بزرعها.
ويبلغ إنتاج البلدة وسطيّاً نحو 6,000 طن من العنب على اختلاف أنواعه، يذهب منه نحو 5,000 طن للعصير، وتصل مساهمة الكفر من حيث إنتاجها للعنب إلى نحو 30% من إجمالي إنتاج الجبل بشكل عام وهم يصنعون الزّبيب الجيد والدبس المعروف بنوعيته العالية.
كما يبلغ إنتاج البلدة من التّفاح نحو 8,000 طن، والزّيتون 4,000 طن.
ويفيد الأستاذ أنور الجوهري رئيس وحدة الإرشاد الزراعي في البلدة أنّه بعد أن كانت الأرض تُحرث بواسطة البغال والثّيران فقد حلّت الآلة محلّها ممثّلة بالجرّارات والعزّاقات ولم يبق من حيوانات الحراثة سوى 10 خيول و30 بغلاً.
وعلى هامش الزّراعة، يعمل العديد من الأسر على تربية الأبقار الحلوبة وعددها 80 رأساً، ودجاج بلدي 3,500 طائر، بالإضافة إلى60 خلية نحل، و100 غرفة لتربية طيور الرّاماج بهدف بيعها لتجّار يذهبون بها إلى التّصدير للخارج. وكانت تلك عملية مجزية غير إنّ الأحداث السّورية وتوقّف التصدير الذي كان بمعظمه يتمّ عن طريق حلب ينذر بخسائر فادحة للمربّين.
تاريخ إعمار القرية
ظلّت الكفر على غناها بالمياه والينابيع خَربة لفترة طويلة في الوقت الذي أحييت فيه وأعيدت إلى العمران القرى المجاورة لها، وذلك يعود لطبيعة أراضيها الوعرة، لكن ساكني الكفر تمكنوا من استصلاح معظم تلك الأراضي يدويّاً.
ومن ينابيع البلدة المهمة نبع عين موسى، ويروي المعمرون أنّه كان عليها بناء أثري يسمّونه “القصر” وهو في حقيقته كان معبداً لإلهة المياه في العصور الوثنيّة، وعين العلّيقة وعين الرّصفة ونبع المنسلطة وعين خْريم وعين السخنة وهاتان تغوران في فصل الرّبيع، يضاف إلى ذلك ينابيع لا تظهر إلاّ في السنوات الغزيرة الأمطار.
وإلى وقت قريب، كان سكّان الكفر يستمدّون مياههم من نبعي عين موسى وعين العلّيقة ولكنّ نمو سكان البلدة وتوافد قاطنين جدد إليها تسبّبا بأزمة مياه قادت إلى مساعدة من قبل إحدى منظمات الأمم المتحدة التي أمدّت البلدة بخزّانات تمّ توزيعها في أحياء الكفر للحَدّ من أزمة الاحتياج للمياه.
وفي البلدة مدرّج كبير للمناسبات العامّة من أفراح وأتراح أنشئ بمساهمة كريمة من مغتربي وأهالي البلدة.
ويطمح مواطنو الكفر لإنشاء سوق هال محلّيّة تستفيد منها بلدتهم والقرى المجاورة لتسويق الإنتاج الزّراعي من عنب وتفاح وغيرهما من المنتجات المحلّية هذا بالترافق مع إنشاء منطقة صناعيّة لمجموعة قرى السفح الجنوبي الأعلى من الجبل وهي قرى الكفر ومياماس والسهوة وحبران.
سكنى الموحدّين في الكفر
معظم العائلات التي اتّخذت الكفر سكناً لها تعود في أصولها إلى عائلات لبنانيّة، ويروي المعمرون بأنّ أوّل من سكن الكفر هو عبد الله مرشد الذي قدم إليها من قرية سهوة البلاطة، ومن عائلات الكفر، بالإضافة لآل مرشد، جمهرة آل حديفة ونكد وأبو عمر وآل سلّوم والشعّار وبدران وأبو حسن وخزعل وسابق والبراضعي وبركات ونصر الدين والبني وعبيد وحمدان وخضير وخير وسْعيد وعكوان والندّاف والنونو وقنديل والجوهري والصبّاغ وعدنان والحضوي والصفدي والسكّر والعسل وعدوان وكَحل وناصر وذبيان والحلبي والجرماني ومطرد والخطيب ويونس والعياش ومنذر وزين الدين وعبد السلام والنبواني وأمان الدين، وأبو سيف وملّاك والدّعبلّ.
ويقطن البلدة إلى جانب العائلات المعروفية نحو 400 نسمة غالبيتهم من عشيرة الشنابلة ويضاف إلى هؤلاء المواطنين الأصليين 170 أسرة من الوافدين إلى الكفر بسبب المحنة السورية قدموا من ريف دمشق وحلب وحمص ودرعا وإدلب وغيرها.
المؤسسات الخدميّة والدوائر الحكوميّة
في البلدة
في الكفر مجلس للعبادة خاص بالموحّدين المسلمين ومسجد للبدو السنّة، ومبنى خاص بدار البلديّة و 6 مدارس ابتدائية ومدرسة إعدادية واحدة بالإضافة إلى مدرسة ثانوية عامة ومدرسة مهنيّة ومدرسة ثانوية صناعيّة، وروضة أطفال تابعة للاتّحاد النّسائيّ و6 روضات أطفال خاصّة، ومركز صحّي يقوم بتقديم الخدمات الطبّية المجانية والمخبريّة للمواطنين من البلدة وخارجها، وشعبة لمنظمة الهلال الأحمر تقدّم الخدمات الطبيّة والمساعدات الخيريّة الإغاثيّة المنتظمة، ووحدة إرشاد زراعي، ومركز هاتف آلي ومركز ثقافي وجمعية خيرية وجمعية تعاونية فلّاحية.