الجمعة, تشرين الأول 18, 2024

اشترك معنا للاطلاع والحصول على أحدث المقالات والأعداد

الجمعة, تشرين الأول 18, 2024

اشترك معنا للاطلاع والحصول على أحدث المقالات والأعداد

بحث ..

  • الكاتب

  • الموضوع

  • العدد

الضّحى بين العُنوان والمُحتوى
رسالة من سماحة شيخ العقل في سوريا الشيخ حمّود الحنّاوي إلى أسرة مجلة «الضّحى»

بسم الله الرحمن الرحيم

تيمُّنًا بالذِّكر المبارَك ما جاء في الكتاب المُحكَم: وَٱلضُّحَىٰ(1) وَٱلَّيۡلِ إِذَا سَجَىٰ(2)مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَىٰ(3)وَلَلۡأٓخِرَةُ خَيۡرٞ لَّكَ مِنَ ٱلۡأُولَىٰ(4)وَلَسَوۡفَ يُعۡطِيكَ رَبُّكَ فَتَرۡضَىٰٓ(5)صدق الله العظيم

الحمدُ لله ربِّ العالمين على عظمته نتوكّلُ وبجلالته نستعينُ، ونصلّي ونسلِّم على أشرف خلقه أجمعين.

من نِعَم مولانا العليّ القدير أنْ حملت «الضّحى» المجلَّه الفصليّة مُحْتَوًى يُقْرَأُ من عُنوانه. فمُنذ عشرات العقود وهي ولّادة، يتنفّس من خلالها التاريخ، ومَنْ يمتلكُها في حَوْزَته مُنْذُ صدور عددها الأوّل يدرك حقيقة وجدانيّة أهميّة الدّور الذي أدّته في بيئة الموحدين الدّروز مُنذُ تأسيسها بشكل خاص، وعلى الصّعيد الوطني بشكلٍ عام، وقد انعكس مردودُها الفكري على جميع شؤون حياة النّاس في شتّى المجالات الدينيّة والوطنيّة والإجتماعيّة والإنسانيّة والعلميّة والفكريّة، حيث تتبلوَرُ على صفحاتها ثقافات الشعوب وعلومهم وحضاراتهم، وهي بحدّ ذاتها مشروعٌ حيويٌّ مشكِّلٌ لأنماطٍ واعيةٍ تُعبِّر عن مسيرة المُجتمعات من خلال مكوِّناتها التي تبلورت فيها صفاتُها وخصائصُها المتشكِّلةُ عبرَ الزَّمن والتي بدورها تُسْهمُ في بروز شخصيتها الإعتبارية، وتحدّد هُوِّيَّتَها وتستعرضُ حياتَها اليوميّة وحاجاتِها وتصبغها بطابَعِها حسب عوامل تكوينها، وأصول مقوّماتها المستقبلية التي تُعرَفُ بها كوجود يساهم في بناء حضارة مدنيّة قائمة على الأفضليّة في التَّميُّز البشريّ، حيث تقوم الحضارة على المعادلة الأخلاقيّة في تكوين المجتمعات واستقرارها وضمان استمرارها لتأخذَ مكانَها بين الأُمم والشُّعوب. وهنا يتوقَّف تحديد الشخصيَّة وبروزها حسب المُعطَيات التي تملكُها وتقدّمها للحياة.

ونحن اليوم كطائفة مُوَحِّدة تحكُمنا الإنتماءات للمكوّنات التي فرضتها الأحداث الدَّوْليّة على الأمّة وطالتنا أسبابُها ودوافعُها ونتائجُها، فغَدَوْنا تحت هُوِّيَّات لا تسمحُ لنا الخوض في مجالاتها حسب الخصائص المُلزمة بأدبيّات النُّظُم والإستقلال والقوانين التي تدعونا إلى احترامها والتقيُّد بها وبأنماطها المحكومة بالظروف لكلِّ مُكَوَّنٍ نحن فيه، والذي بدوره لم يقدِّم الوسيلة التي تحترم تلك الخصائص حيث ننظر إلى خصائصها نِظْرَةً واقعيّة وموضوعية لأنّها حالة بنائية ضرورية تلتقي فيها تلك الخصائص كلوحة فسيفسائية تحقّق جمال المجتمع بألوانه المنسجمة بترابط وطني يقوم على العدل، والإحترام المُتَبادَل وبها تتكامل الشخصيّة الوطنية ضمن كلِّ مكوَّنٍ حيث يتمُّ التعاون البنائي لكلّ فئات الشعب وشرائحه وتعدّدِيّاته. من هنا جاءت «الضّحى» منطلقةً من الفكرة التوحيدية على وجه الخصوص والعموم بالتَّنسيق بين المحتوى الذي يقوم على الرابط الوثيق في تأدية المطلوب بوضع المسألة الوطنية والإنسانية في محتواها، وجعلها قضية أساسية، وهذا ما حصل.

وبكلّ تأكيد وحسب متابعتنا لمحتويات «الضّحى» المتنوعة وإخراجها المُمَيَّز ومستواها الرفيع وليس على الصعيد اللّبناني فحسب، بل انطلقت لِتَعْبُرَ الحدود عربيًّا وإسلاميًّا ومسيحيًّا وإنسانيًّا، والدليل على ذلك تلك العناوين المتنوّعة والثَّرِيَّة في طرح خصائص أهلِها وتعميم دورهم الحضاري والفكري والدُّخول إلى التاريخ من أوسع أبوابه.

وبِدَوْرِنا وبشكلٍ خاص ومن خلال موقعنا في مشيخة عقل الطائفة الدرزيّة في الجمهوريّة العربية السورية نَرى أنّ كلَّ إنجازٍ حضاريّ يخدم مؤسّساتنا في أيّ بلد شقيق هو انجازٌ لنا جميعًا.
إنّنا وبكلِّ تقدير، نَغْبط أهلنا وإخوتنا في لبنان ونخصّ القائمين والمشرفين على مجلَّة «الضّحى» ونقدِّر جهودهم قائلين لهم إنّ الاهتمامَ المعرفي والإعلامي يستحقُّ كامل الاحترام لأنَّنا أحوج ما نكون إليه في مواجهة صعوبة زماننا وإخراجنا من ضيق الأزمات الفكريّة والمضلَّلة، وتلاقُح التقليد الأعمى، والإستهداف الذي يتناولنا أينما ثُقِفْنا على امتداد تواجدنا.

فالواجب علينا أن نقدّر العواقب بالوقوف على الحقائق المصيريّة المبنيّة على تغليب العقل والحكمة في مواجهة الأعداء التي تعترضنا لأنّنا أدرى بشعابنا، وأعرف بأوضاعنا، وما يدور على الساحة يدعونا إلى ضبط النفس والعمل الدؤوب على وحدة الكلمة والمحبّة واتّقاء الفورة وقمع الفتنة، واتِّخاذ الحيطة والحذر.

ونُهيب بكلّ وسَط إعلامي أن يتواصل مع الأكفاء من قادتنا وشيوخنا وأهل الفضل والعِلم ليقوم كلٌّ من جانبه بمواجهة ما يعترضنا من تطوُّرات ومفاجآت.

ولنعلم جميعًا أنَّ من خصائصنا إملاءات حدّدها المولى تعالى مُنْذُ النُّشوء والتكوين، وقدّمها لنا على كفّة الوعي بمعادلة الحقائق المبنيّة على الصّدق والمعرفة في مطابقةٍ بين آداب الحياة والمسالك الروحانيّة وبها تستقيم لنا الحياةُ الصّالحة.

هذا ما نـأملُه من مجلَّة «الضّحى» ومن كلِّ وسط إعلاميٍّ أن تبقى كما عوَّدتنا دائمًا، فهي إصدارٌ قيّمٌ، وكتابٌ دَوْرِيٌّ مفتوحٌ أثرى المكتبة التوحيديّة، وتُحْفَةٌ تاريخيَّةٌ ذاتُ هدفٍ نبيلٍ، وهي اسمٌ على مُسَمًّى؛ ذهبيةُ المُحتَوى غنيَّةُ المضمون.

شكرًا للقائمين عليها.

واللهُ وليُّ التَّوفيق.

الدين نعمة،
لكنّ الطائفيّة نقمة!

قرأنا واستمعنا بين نهاية شهر آذار ومطلع شهر نيسان (2024) وبمناسبة احتفال اللبنانيّين بعيدي الفصح المجيد والفطر المبارك (أعادهما الله على الجميع بالخير والبركة والسلام)، لنوعٍ من الخطاب الذي ساوى، وبنيّة حسنة على الأرجح، بين الدين والطائفة. ولأنّ ذلك ليس بالأمر الجديد في الحياة السياسية اللبنانية الحديثة، إذ وقع فيه مع الأسف، وفي الخمسين سنة الأخيرة على وجه الخصوص، رجال دنيا، ودين؛ وحتّى بعض المفكرين اللبنانيين أيضاً الذين أخفقوا في التمييز بين المفهومَين: الدّين والطائفة، وتالياً بين الإيمان الديني و«التحزّب» الطائفي.

لذلك، يبدو إيضاح الفارق الكبير بين المفهومين (ولو بإيجاز) ضرورياً. وربما يفي بالغرض ومن دون الدخول في بيان نظري بالمفهوم، القول أن أخبر البشر قاطبة بـ «أفضال» الطائفية، والنفخ في بوق الطائفية، هم اللبنانيون، على ما رأوا وذاقوا، جميعاً، في الخمسين سنة الأخيرة من تاريخهم الحديث؛ الحقبة التي أخفق فيها الدين ورجال الدين، بعامةٍ، ونجحت بالمقابل، أيّما نجاح، الطائفية والطائفيون.

نكتفي في هذه العجالة ببعض المقارنات المتصلة بالمفهوم لا أكثر.
الدين من السماء؛ هي هبة، نعمة، يتوافق معها العقل «الصحيح» بالتأكيد، وتخاطب الإنسان بعامة، كل إنسان؛ في كل زمان ومكان.
أمّا الطائفة فمن الأرض؛ «جماعة» سياسية أو اجتماعية؛ لا علاقة لها بالعقل؛ ومقفلة على الأفراد المنتمين إليها بالولادة.
الدين إعلان انتصار النور على الظلمة، والمعرفة على الجهل.
الدين إعلان انتصار البشر أخيراً على الطبيعة المتوحشة.
الدين إعلان انتصار الإنسان على الحيوان فيه.
إنتصار العقل في الإنسان على الغريزة فيه.
إنتصار ذاته السامية (البذرة الإلهية) على ذاته الدنيا ( سلة مهملات الدنيا الزائفة والتقدّم المادي، والحضارة الإستهلاكية التي بتنا أسرى لها منذ بداية الثورة التجارية-الصناعية
مُذ خرجت من أوروبا من العصر الوسيط، وما سمّيّ بعصر الظلمات – والحضارة التجارية/المالية/الصناعية/ بمفهومها المادي والتقني والإستهلاكي ربما استحقت نفسه أكثر من سواها!

الدين تطويع للدنيوي والمادي في خدمة الله، وطاعته، والإنسان في مفهومه السامي؛
أمّا الطائفية فاستخدام ماكر لكلمة الله في خدمة الدنيوي والمادي؛
الدين حرية وانعتاق من قيود الماضي والحاضر والمحيط؛
أما الطائفية فاستعباد وعبودية، واستتباع القوي للضعيف؛
الدين وعي ومعرفة؛ كلمة طيّبة؛
أما الطائفية فعمىً عن الحقيقة، جهلٌ ؛ وغفلةٌ موردها الغرور؛
الدين اعترف بالآخر، اتصالٌ به، وحوار معه؛
أمّا الطائفية فضيقٌ بالآخر، بل محاولةٌ في شطبه وإلغائه؛
الدين محبة؛
الطائفية كراهية؛
الدين سماواتٌ وأرضون وآياتٌ من الجمال بلا حدود؛
أمّا الطائفية فريحٌ سَمومٌ، وجوه شيطانية تحاول ارتداء أقنعةً ملائكية؛
الدين حوارٌ مع الآخر بالحسنى من أجل حياةٍ أرقى؛
أمّا الطائفية فصراعٌ مع الآخر حتى الموت، وربما بهدف الموت؛
الدين قِيَمٌ وتجرّدٌ وتنزّهٌ حتى المطلق؛
أمّا الطائفية فاتّجارٌ ومصالح وسمسرة وحصص ومنافع ومقايضة وسمسرة شخصية، أو جمعية؛

بكلمة واحدة:
الدين لله،
أمّا الطائفية فللشّيطان!

التجذيف عكسَ التيّار!

بخلاف مواسم معارض الكتاب المعروفة في العالم العربي (وهي لفترة أسبوعين لا أكثر في السنة)؛ فإنّ حال الكتاب، والصحافة الورَقية عموماً، لا يسعد أشدّ المتفائلين بين من تبقّى من قرّاء الكتاب والصحافة الورقية في كل عاصمة عربية تقريبًا، عدا القليل جداً، حيث لا تزال صناعة الكتاب والصحافة الورقية تلقى دعماً مادياً رسمياً.

مُحزنٌ بحق، أن تمرّ بغير عاصمة ومدينة عربية فتجد في المجمع التجاري مئة، وأحياناً ألف زاوية تجارية، تعرضُ ما يخطر أو لا يخطر ببال من الماركات التجارية الإستهلاكية المحلية، أو العالمية الباهظة الثمن؛ ولا تجد زاويةَ واحدة تعرض الكتب والمجلات الثقافية! نقول حرفياً: لا زاوية واحدة تعرض كتباً – عدا الأجنبي النوعي الذي يباع بأسعار خيالية وبالدولار واليورو. وقد لا تجد في الغالب حتى صحيفتك اليومية.

كان يقال غالباً: القاهرة تؤلّف، بيروت تطبع، وبغداد تقرأ!

هذا أيّام زمان. تغيّر كلّ شيء مع موجة العولمة التجارية الإستهلاكية التي ضربت بلدان العالم العربي منذ أواخر القرن الماضي. لا صحة للزّعم أنّ ثمن الكتاب هو سبب هجرة الناس له. فثمن أسخفِ سلعة في المراكز التجارية (الأيس كريم، أي ساندويش، مثلاً) أعلى سعراً من أغلى كتاب! ثمن الكتاب، أو ثمن المجلة الرّصينة، ليس السبب.

فلنبحث عن السبب في «زمن التفاهة» الذي بات مسيطراً في معظم مجالات الحياة العربية الحديثة. لا يشغل الكتاب والمجلة الرصينة مكانة ذات شأن في ثقافة الجمهور العربي اليوم. لم تعد المكتبة الخاصة أثمنَ ما في المنزل. وما عاد الناس يسألون عن آخر كتاب قرأتَه.

لكن هل جعلنا ذلك أكثر سعادة؟ حقائق «سلّم السعادة» المنشورة لا تقول ذلك. لقد بتنا أكثر استهلاكاً لنفايات الغرب والصين، ولكن ليس أكثر سعادةً. كان ديكارت يقول: وحدها الأمم السعيدة تقرأ! نحن لا نقرأ، والسعادة ليست لنا، مع الأسف.

و«الضحى» ليست استثناء. نتصل من أجل اشتراك سنوي (رمزي) بعشرات النُخب المهنية والإقتصادية والشخصيات المعنوية، فلا نحصل على اشتراك عشرة بالمئة من هؤلاء.

نحن في «الضّحى» نجذّف عكس التيار السائد؛ ربما هذا هو الصحيح.

العدد 41