رسالة سماحة شيخ عقل طائفة الموحدين الدروز
الشيخ نعيم حسن
قتل النفس
إنّ من حِكمة الله عزّ وجلّ أن جَعلَ الإنسانَ الناطقَ الغرَضَ من الموجودات. قال تعالى: ﴿ثمّ سوَّاه وَنفَخ فِيهِ مِن رُّوحِهِ﴾
(السجدة 9)، وسَخّر له الليل والنّهار والشَّمس والقمر والبحر والأنهار وما في السموات وما في الأرض، وجعله كامن الجوهر، تامّ القصد، على أحسن تصوير وأجْود تقدير وأتمّ تدبير كما قال عزَّ مِن قائل ﴿لقد خلقـنا الإنسانَ في أحسن تقويم﴾، وفسّرَ البيضاويّ هذه الآية فقال: “بأن خُصَّ بانتصابِ القامة، وحُسنِ الصورة، واستِجماع خواص الكائنات ونظائر سائر المُمكِنات.” وقال تعالى:﴿علَّمَهُ البيان﴾ أي أنَّ اللهَ علَّم الإنسان ما به الحاجة إليه من أمر دينه ودُنياه من الحلال والحرام، والمعايش والمنطق، وغير ذلك.
لقد سبق وأكّدنا مراراً بان المُوَحِّد يقرّ إقـراراً راسِخاً بأنَّ الانسان روح وجسد وأن (الرُّوح مِن أمرِ ربِّي)(الإسراء 85)، ولأنَّها بِهَذا الَمقام الجليل، ومِن ذلك الأصل النّوراني الأَقدس، فهي خالدة بَاقيَة، حاشَاها مِن وَضعها علَى قدم المُساواة مَع الجسم الفاني المكوَّن كما ورد في القرآن الكريم من (صَلصَالٍ كالفخَّار)(الرحمن 14)، يَفنَى بِانحلال العناصر، ويَتهافَت بمرور الزَّمن. إنَّ فَانـيَيْـن لاَ يُكوِّنَا إنسانَا، وحَريٌّ بالمرء أَن لا يظلم نَفسه بإهمال الجوهر الباقي، والانشِغال بِالعَرَض الفانِي.
انتشرت ظاهرة الانتحار في المجتمع التوحيدي وهي غريبة عن مجتمعنا حيث تشير الدراسات الى تكاثرها في المجتمع الغربي، وهي تزداد اليوم مع ازدياد المخاطر التي يتعرض لها المرء من وسائل التواصل الاجتماعي والتقدّم الذي جاء بمزيد من التسهيلات للإنسان.
الانتحار قد يكون متعمداً مع أهلية المرء، وهذا يتنافى مع مبدأ الثقة بالله والتي هي أفضل العبادات بل هو تحد لإرادة الخالق، واعتداد باطل بالنفس، ويأس من رحمة الله تعالى، وانكار لفضله، وتشكيك في عدله، وحاشاه من ذلك، وهو ايضاً تمرد على قضاء الله وقدره وعدم الرضا به، ولحظة نفاذ صبر على البلاء والصعوبات، وهو وساوس الشيطان لقلوب ضعيفة الايمان. إن سبب المشكلة لا يتعدّى التعلق بشيء مادي، فمن ليس له تعلق بشيء لا ينتحر لشيء، ولا يجوز عند المؤمنين سوى التعلق بالله وحده،
وقد يكون المنتحر يعاني من اضطرابات نفسية، أو قد يعاني من هلوسات تسهل عليه عملية إيذاء نفسه. وأكثر الأسباب تعود للتفكك الاسري وكثرة المشاكل في الاسرة والمشاكل النفسية مثل الإكتئاب والعزلة والابتعاد عن الناس. او تعاطي المخدرات التي تهيىء للمدمن اموراً غير ما هو في الواقع، أو تناول بعض أنواع الادوية، التي تترك انعكاسات تخفف له من حدّة ما هو مقدم عليه.
أمام خطورة الواقع ندعو الجمعيات الاهلية للتعاون مع المجلس المذهبي والاهتمام بهذه الظاهرة، والاكثار من الندوات لنشر الوعي والثقافة ومفهوم التربية الصحيحة الهادفة الى تهذيب الاخلاق واستشعار الخلاق، ومن أهم البرامج التي يجب اعتمادها إطلاق برامج سلامة الطفل وفقاً لقوانين الطبيعة. فإننا نرى ان عديداً من العائلات انجبت ثلاثة أولاد في ثلاث سنوات وذلك في جهل مطبق لقواعد الحمل والانجاب وعدم احترام فترة الارضاع وسلامة حليب الام، ومن ناحية أخرى أصبح الواقع يفرض وجود مراكز استشفاء ومعالجة من ادمان المخدرات.
الى جميع الشباب والشابات نقول:
ان قتل النفس حلّ هادم لصاحبه وليس حلاً لأية ازمة أو مشكلة، هنالك دائماً الكثير من البدائل حين تتأزم الأمور وتشتدّ المحن، علينا ان نلتمس النور وسط السواد الحالك الذي قد يحيط بنا. فلا بدّ ان يتحقق الخروج من النفق المظلم وان تنتصر إرادة الحياة وهذا ما يتفق تماماً مع المنظور الديني للتعامل مع البلاء والشدائد بالعودة الى الله سبحانه وتعالى والتمسك بإيمان قوي والتحلّي بالصبر والثبات حتى يقضي الله امره هو على كلّ شيء قدير. دون ان ننسى اننا بحاجة دائماً الى التمرّد الخلاق فهو كما يقول الشهيد كمال جنبلاط يعوزنا كالماء والخبز والنور والهواء. دون ان ننسى قول الشاعر:
يـــــــا خادمَ الجسم كم تشقـى بِخدمتــــــــه أتطلب الربح فيمـا فيـه خســـــــران
أقبل على النفس واستكمل فضائلها فـأنـت بـالنـفس لا بالجسـم إنســان