السبت, نيسان 20, 2024

اشترك معنا للاطلاع والحصول على أحدث المقالات والأعداد

السبت, نيسان 20, 2024

اشترك معنا للاطلاع والحصول على أحدث المقالات والأعداد

بحث ..

  • الكاتب

  • الموضوع

  • العدد

رسالة سماحة شيخ عقل طائفة الموحدين الدروز الشيخ نعيم حسن

رسالة سماحة شيخ عقل طائفة الموحدين الدروز
الشيخ نعيم حسن

قتل النفس

إنّ من حِكمة الله عزّ وجلّ أن جَعلَ الإنسانَ الناطقَ الغرَضَ من الموجودات. قال تعالى: ﴿ثمّ سوَّاه وَنفَخ فِيهِ مِن رُّوحِهِ﴾

(السجدة 9)، وسَخّر له الليل والنّهار والشَّمس والقمر والبحر والأنهار وما في السموات وما في الأرض، وجعله كامن الجوهر، تامّ القصد، على أحسن تصوير وأجْود تقدير وأتمّ تدبير كما قال عزَّ مِن قائل ﴿لقد خلقـنا الإنسانَ في أحسن تقويم﴾، وفسّرَ البيضاويّ هذه الآية فقال: “بأن خُصَّ بانتصابِ القامة، وحُسنِ الصورة، واستِجماع خواص الكائنات ونظائر سائر المُمكِنات.” وقال تعالى:﴿علَّمَهُ البيان﴾ أي أنَّ اللهَ علَّم الإنسان ما به الحاجة إليه من أمر دينه ودُنياه من الحلال والحرام، والمعايش والمنطق، وغير ذلك.

لقد سبق وأكّدنا مراراً بان المُوَحِّد يقرّ إقـراراً راسِخاً بأنَّ الانسان روح وجسد وأن (الرُّوح مِن أمرِ ربِّي)(الإسراء 85)، ولأنَّها بِهَذا الَمقام الجليل، ومِن ذلك الأصل النّوراني الأَقدس، فهي خالدة بَاقيَة، حاشَاها مِن وَضعها علَى قدم المُساواة مَع الجسم الفاني المكوَّن كما ورد في القرآن الكريم من (صَلصَالٍ كالفخَّار)(الرحمن 14)، يَفنَى بِانحلال العناصر، ويَتهافَت بمرور الزَّمن. إنَّ فَانـيَيْـن لاَ يُكوِّنَا إنسانَا، وحَريٌّ بالمرء أَن لا يظلم نَفسه بإهمال الجوهر الباقي، والانشِغال بِالعَرَض الفانِي.

انتشرت ظاهرة الانتحار في المجتمع التوحيدي وهي غريبة عن مجتمعنا حيث تشير الدراسات الى تكاثرها في المجتمع الغربي، وهي تزداد اليوم مع ازدياد المخاطر التي يتعرض لها المرء من وسائل التواصل الاجتماعي والتقدّم الذي جاء بمزيد من التسهيلات للإنسان.

الانتحار قد يكون متعمداً مع أهلية المرء، وهذا يتنافى مع مبدأ الثقة بالله والتي هي أفضل العبادات بل هو تحد لإرادة الخالق، واعتداد باطل بالنفس، ويأس من رحمة الله تعالى، وانكار لفضله، وتشكيك في عدله، وحاشاه من ذلك، وهو ايضاً تمرد على قضاء الله وقدره وعدم الرضا به، ولحظة نفاذ صبر على البلاء والصعوبات، وهو وساوس الشيطان لقلوب ضعيفة الايمان. إن سبب المشكلة لا يتعدّى التعلق بشيء مادي، فمن ليس له تعلق بشيء لا ينتحر لشيء، ولا يجوز عند المؤمنين سوى التعلق بالله وحده،
وقد يكون المنتحر يعاني من اضطرابات نفسية، أو قد يعاني من هلوسات تسهل عليه عملية إيذاء نفسه. وأكثر الأسباب تعود للتفكك الاسري وكثرة المشاكل في الاسرة والمشاكل النفسية مثل الإكتئاب والعزلة والابتعاد عن الناس. او تعاطي المخدرات التي تهيىء للمدمن اموراً غير ما هو في الواقع، أو تناول بعض أنواع الادوية، التي تترك انعكاسات تخفف له من حدّة ما هو مقدم عليه.

أمام خطورة الواقع ندعو الجمعيات الاهلية للتعاون مع المجلس المذهبي والاهتمام بهذه الظاهرة، والاكثار من الندوات لنشر الوعي والثقافة ومفهوم التربية الصحيحة الهادفة الى تهذيب الاخلاق واستشعار الخلاق، ومن أهم البرامج التي يجب اعتمادها إطلاق برامج سلامة الطفل وفقاً لقوانين الطبيعة. فإننا نرى ان عديداً من العائلات انجبت ثلاثة أولاد في ثلاث سنوات وذلك في جهل مطبق لقواعد الحمل والانجاب وعدم احترام فترة الارضاع وسلامة حليب الام، ومن ناحية أخرى أصبح الواقع يفرض وجود مراكز استشفاء ومعالجة من ادمان المخدرات.

الى جميع الشباب والشابات نقول:
ان قتل النفس حلّ هادم لصاحبه وليس حلاً لأية ازمة أو مشكلة، هنالك دائماً الكثير من البدائل حين تتأزم الأمور وتشتدّ المحن، علينا ان نلتمس النور وسط السواد الحالك الذي قد يحيط بنا. فلا بدّ ان يتحقق الخروج من النفق المظلم وان تنتصر إرادة الحياة وهذا ما يتفق تماماً مع المنظور الديني للتعامل مع البلاء والشدائد بالعودة الى الله سبحانه وتعالى والتمسك بإيمان قوي والتحلّي بالصبر والثبات حتى يقضي الله امره هو على كلّ شيء قدير. دون ان ننسى اننا بحاجة دائماً الى التمرّد الخلاق فهو كما يقول الشهيد كمال جنبلاط يعوزنا كالماء والخبز والنور والهواء. دون ان ننسى قول الشاعر:
يـــــــا خادمَ الجسم كم تشقـى بِخدمتــــــــه أتطلب الربح فيمـا فيـه خســـــــران
أقبل على النفس واستكمل فضائلها فـأنـت بـالنـفس لا بالجسـم إنســان

أولئك آبائي

أولئك آبائي

يخصّص هذا العدد ملفاً شاملاً احتفالاً بذكرى مرور 40 سنة على استشهاد المعلم كمال جنبلاط في ما اعتبر يومها إيذاناً بدخول لبنان والمنطقة عصر ظلمات طويلاً. هذا الاحتفال تخليد لذكر علم كبير جادت به طائفة الموحدين المسلمين الدروز على لبنان والمنطقة العربية،
وأحد أبرز عظماء القرن الماضي في مجالات الفكر والفلسفة والسياسة والدين المقارن والآداب وأسلوب الحياة والصحة الجسدية والنفسية والعيش الطبيعي وأحد أبرز شارحي فلسفة التوحيد في تعبيراتها المسيحية والإسلامية والمصرية القديمة والهيلينية والتوحيد الهندوسي (الفيدانتا) وفي الوقت نفسه، أبرز داعية للتسامح الديني والفكري والتنوع وللنهضة العربية على أسس الحريات ومناهضة الاستبداد وأنظمة التخلف، وأكبر مساهم في إصلاح النظام السياسي اللبناني والتشجيع على انتقال البلد من صيغة المحمية الطائفية إلى وطن الشراكة الديمقراطية والعدالة الاجتماعية. ويمكننا أن نضيف إلى تعريف المعلم كمال جنبلاط العديد من الصفات والإنجازات لكن مهما أسهبنا فإنه رجل يصعب بسبب الغنى الهائل في شخصيته التعرف عليه حقيقة إلا من خلال الاطلاع الوافي على أعماله وسيرته المجيدة.

لهذه الأسباب، وجدنا من قبل الوفاء لإرث كمال جنبلاط وتشجيع الأجيال الجديدة على الاطلاع عليه بمختلف مكوناته والاطلاع أيضاً على سيرته المضيئة أن نخصص للذكرى ملفّاً يكون وافياً يعطيه بعض حقه علينا. ونحن نحتفل بكمال جنبلاط ليس من منظور سياسي أو حزبي، و”الضحى” كما برهنت على الدوام مجلة للثقافة والتنوير تتعامل مع البيئة المعروفية ومع ما يتعداها باستقلالية وحياد سياسي هدفه أن يجمع ولا يفرق، ونحن قمنا حتى الآن بنشر سير العديد من رجالات الطائفة الكبار ونعد لنشر المزيد واللائحة طويلة بالأعلام الذين يزخر بهم تاريخنا في لبنان وفي سوريا ونحن نعتبر من واجبنا أن نعرِّف قراءنا بسيرتهم وإنجازاتهم وخدماتهم للبنان والمنطقة العربية.
وهذا التاريخ مهم لنا ليس كرواية للماضي بل كزاد للحاضر وللمستقبل ومن لا تاريخ له لا حاضر له ولا مستقبل. والطائفة المعروفية التي تغنّى بمناقبها الشريفة كبار الشعراء والكتّاب تفخر بأن تكون قد أنجبت هذا العدد الكبير من الرجالات والقادة والأبطال، وهو يبين شرف محتدها ونبل أصولها وعراقة انتمائها العربي الإسلامي الصريح، وقديماً قال الشاعر العربي الفرزدق في معرض التفاخر بقومه:

أُولَئِكَ آبَـــــــــائي، فَجِئْني بمِثـــــــــْلِهِمْ إذا جَمَعَتْنـــــــــا يـــــــــــا جَرِيرُ المَجَامِـــــــــــــــــعُ
إلى اهتمامنا بتاريخ أبطالنا وأعلامنا تستمر مجلة “الضحى” في الارتباط بصورة أقوى بهموم المجتمع وقضاياه كما يتضح من الاهتمام الخاص الذي أوليناه في هذا العدد لأزمة الشباب والمخاطر المحيقة بأجيالنا من جراء غزو الإنترنت وتحولها إلى محور حياتنا ونشاطاتنا وعلاقاتنا بعيداً عن أي توجيه بنّاء أو رقابة احترازية. ومن ضمن المنظور نفسه، نتابع اهتمامنا بقضايا الحكم المحلي عبر تسليط الضوء على مبادرات البلديات والحراك التنموي في الجبل.

وأفردت المجلة في هذا العدد حيزاً خاصاً للتطور الكبير الذي تمثل بمؤتمر الأزهر الشريف حول الحرية والمواطنة، والذي اختتم بإعلان تاريخيّ حول حرية العقيدة والشراكة بين كافة مكوِّنات المجتمع الروحية في إطار ديمقراطية مدنية لا تمييز فيها إطلاقاً أو تعصباً أو تطرفاً أو تهميشاً. وقد دعيت مشيخة العقل للمساهمة في أعمال المؤتمر وكانت لها ورقة عمل ننشر أبرز ما تضمنته.
يتسع أيضاً في هذا العدد اهتمام المجلة بالشأن الثقافي مع عرض واف لكتاب “شمس الله تسطع على الغرب” للمستشرقة الألمانية زيغريد هونكه وكتاب الدكتور الشيخ سامي أبي المنى حول رؤية الموحدين الدروز للحوار الإسلامي المسيحي، ولم ننسَ بالطبع شغفنا المعهود بالزراعة والطبيعة في موضوع واف عن زراعة الورد الدمشقي واستخداماته، وهناك في حديقة “الضحى” لهذا العدد، إضافة إلى الموضوع عن الورد الدمشقي الرائع الشذى، العديد من الأزهار الجميلة التي نترك للقارئ أمر قطف ما يرغب منها.

الصفحة الاخيرة

الصفحة الاخيرة

..ويحدثونك عن الديمقراطية

مع الإهتمام الكبير في المنطقة وفي الأوساط الإسلامية والمسيحية بمؤتمر الأزهر حول الحرية والمواطنة، ومع الإعلان التاريخي الذي يتبنّى بصورة رسميّة مبدأ المساواة بين المسلمين والمسيحيين ويدعو إلى الدولة المدنية الديمقراطية، فإن أول ما يتبادر إلى ذهن القارئ المهتم هو التوجّه إلى شبكة الإنترنت ليرى ما سيرد من تفاصيل عن الحدث في وسائل الإعلام الغربية والمعلقين والمثقفين وطبيعة الترحيب الذي سيحظى به. أليسوا هم من يتهمون الإسلام بالتعصب والتطرّف؟ أليسوا هم من يجب أن يغمرهم السرور لهذه المواقف التقدمية، فيبادروا إلى تغطيتها بالتفصيل بهدف تعميم الفائدة وحث المسلمين في العالم على تأييد سياسات الاعتدال التي يعبّر عنها أكبر مرجع ديني لهم في العالم؟

لا تتعب نفسك! لأنك لن تجد مقالاً ولا خبراً ولا تعليقاً في الصحف الكبرى الأميركية أو البريطانية أو الفرنسية أو غيرها عن هذا الحدث الهام. وإذا أردت أن تتأكد فحاول أن تبحث في غوغل باللغة الإنكليزية عن كلمة Azhar conference on Freedom and citizenship ومهما حاولت فإنك لن تجد شيئاً! فهذا الحدث الذي يظهر سماحة الإسلام وعلاقات التآخي التاريخية بين المسلمين والمسيحيين وتمسكهم بالتنوّع وبثقافة الحوار والعيش المشترك لا يهم وسائل الإعلام الغربية لأنه لا ينسجم مع خط التحريض على الإسلام والمسلمين الذي تأتمر بأمره تلك الوسائل التي تدعي أنها تمثل الإعلام الموضوعي وتتبنى قيم التسامح.

لو حصل أي اعتداء من متطرفين معزولين أو مشبوهين أو مرتبطين بأجهزة استخباراتية دولية في شارع صغير في بلدة أوروبية لوجدت الحادث في اليوم التالي على الصفحات الأولى للصحف وفي مقدمات نشرات الفضائيات الأجنبية ومن خلالها عبر وسائل التواصل الاجتماعي وكل ما يمكن أن يعمم الخبر الفظيع. لكن أن تجتمع قيادات دينية من 60 بلداً تمثل المسلمين بمختلف مذاهبهم والمسيحيين بمختلف كنائسهم للبحث في وضع أنظمة ومواثيق لبناء الدولة الديمقراطية العصرية وتساوي بين المواطنين وترفض التطرف فهذا لا يستأهل أي اهتمام من وسائل الإعلام المحترمة تلك !!

الغريب أنه لم تشذ أية وسيلة إعلام غربية فتنشر تغطية لهذا الحدث، أو على الأقل مقتطفات من الإعلان الصادر عنه. فما هو سرّ هذا الإجماع المريب على تجاهل تطوّر بهذه الأهمية؟ ألا يدعم ذلك القناعة الراسخة في المنطقة والدول الإسلامية بأن الإعلام الغربي ممسوك بالكامل من آمر واحد؟ ومن هو هذا الآمر سوى القوى التي تملك معظم هذه الوسائل أو تمثل مصدراً رئيسياً لتمويلها؟ ثم ألا يعني ذلك أن آخر ما يهم أهل النفاق في الغرب هو نشر ثقافة الاعتدال الديني خصوصاً بين المسلمين والمسيحيين وأنهم على العكس من ذلك يحبِّذون استمرار هذه الصورة السلبية عن المنطقة وعن المسلمين لأن ذلك يخدم مصالحهم بصورة مباشرة؟

شيخ الأزهر المفكر والمتصوف الدكتور أحمد الطيِّب ألمح بصراحة إلى هذا الحلف بين الإرهابيين بالإجرة الذين يدربون في الخارج لاستخدام أعمالهم المشينة في الحرب على الإسلام أو ما يسميه «الإسلاموفوبيا» وبين الإعلام المتواطئ في اللعبة عن طريق مؤامرة الصمت والإعلام الانتقائي وازدواج المعايير في التعامل مع الإرهاب «الإسلامي» ومع التطرف اليهودي أو المسيحي وهو مثلاً تساءل أمام المؤتمرين: «هل الإرهاب صناعة محلية، أو صناعة عالمية، أُحِكمَت حلقاتُها، ثم دُبِّرت بليل في غفلة» وهذا السؤال بات مشروعاً أمام المعلومات و»الأسرار المكشوفة» التي نشرت وما زالت تنشر عن الملابسات التي تحيط بعدد من الحوادث الإرهابية التي اتهم فيها مسلمون متطرفون (تمهيداً لاتهام الإسلام نفسه) ثم تبين أن الرواية تشكو من تناقضات كثيرة وأن الأدلة الحقيقية تشير إلى مكان آخر.

ويحدِّثونك عن الإعلام النزيه ..ويحدِّثونك عن الديمقراطية!!

مواسم الزيتون

أقفاص وأكياس زيتون مكدّسة في المعصرة سبب أول لتدهور نوعية الزيت

زيتون تونس- مسافات متباعدة وإنتاج وفير

مواسم الزيتون في لبنان

أشجار الزيتون في لبنان هي أكثر من أشجار مثمرة ، بل هي شجرة تاريخية ولها عدة صفات من: شجرة المحبة، شجرة السلام، وأخيراً في التسعينيات من القرن الماضي أصبحت شجرة الزيتون من الأشجار التجميلية التي تزرع في الأماكن العامة وعلى جانبي الطرقات وفي الحدائق العامة ودور المنازل… إلا أنها غير مجدية إقتصادياً بشكل عام في لبنان، لعدم تطوير هذه الزراعة وعدم تماشينا مع النهضة الزراعية في الدول المتقدمة في زراعة الزيتون. أما أهم العوامل التي يجب اتباعها لزيادة الإنتاجية هي:

– تحسين إنتاجية الأشجار كما في بعض الدول المهتمة والمتقدمة في زراعة أشجار الزيتون مثل دولة تونس التي تفوقت على الكثير من دول العالم التي تعتمد في اقتصادها على زيت الزيتون وأصبحت متقدمة جداً في تحديث طرق زراعة وإنتاج أشجار الزيتون، إذ توصلت تونس الى إنتاج 600 كلغ زيتون من الشجرة الواحدة في بعض المناطق التي يتم عليها الأبحاث منذ أكثر من عشرين عاماً مقارنة مع إنتاج شجرة الزيتون في لبنان التي لا تزيد على 20 كلغ للشجرة الواحدة كمعدل وسطي وهذا في السنوات المنتجة….
– تخفيض كلفة الإنتاج، فإن كلفة الكلغ الواحد من الزيت في لبنان يبلغ 4,74$، تصبح كلفة التنكة المؤلفة من 16 كلغ 4,74 * 16 = 75,84 $، أما في تونس كلفة الكلغ 1,95 $ وتصبح كلفة التنكة 16* 1,95 = 31,2$ ويكون الفرق كلفة التنكة بين لبنان وتونس 75,84- 31,2= 44,64$ هذا يبين الفرق الكبير في كلفة إنتاج الزيت بزيادة 44,64$ للتنكة الواحدة.
– عدم زراعة عدد كبير من الأشجار في الدونم الواحد، إذ يصل العدد الى 40 شجرة في لبنان أي تكون المسافة بين الشجرة والأخرى حوالي 5 أمتار مما يؤدي ذلك الى مزاحمة بعضها على الغذاء، وقربها من بعضها يتسبب في الحفاظ على الرطوبة الزائدة التي تساعد على انتشار الأمراض الضارة وبالتالي تحدّ من إنتاجية الشجرة، تحديد حجم الأشجار الذي يحدّ من إنتاجها. أما في الدول المهتمة بزراعة الزيتون كما ذكرنا أعلاه عن تونس على سبيل المثال توصل الخبراء في هذا البلد الى أن يزرع في الدونم الواحد ما بين 6 و 8 أشجار زيتون وتصبح المسافة بين الشجرة والأخرى حوالي 20 متراً.

طرق معاملة أشجار الزيتون
تهيئة الأرض: من نقب الأرض وخلطها جيداً وصولاً الى تخطيطها لتحديد أمكنة الغراس.
الزرع: مع الإنتباه الى المسافة بين الشجرة والأخرى.
التسميد: وضع السماد العضوي المخمّر بشكل تستفيد الأشجار منه، وعدم الإكثار من السماد الكيميائي لأنه يقتل الكائنات الحية الدقيقة (البكتيريا) في التربة التي تعمل على تحويل الغذاء للنبات والقضاء على الكثير من الجذور الماصة (الرعوانية) إضافة الى زيادة الأملاح الكيميائية في التربة التي تعيق النمو الجيد للأشجار.
الحراثة: حراثة الأرض مع الإنتباه الى عدم تقطيع جذور الأشجار السطحية أي حراثة لا تزيد على عمق 15 سم، ومن المفضل بواسطة السكة لأن الجذر يمشي مع السكة ويبقى في التربة ولا يتأثر إلا القليل منه، بينما الحراثة بواسطة الفرامة تؤدي الى تقطيع جميع الجذور التي تصل إليها.
الري: تروى أشجار الزيتون رياً تكميلياً أي عند الحاجة.
التقليم: تقليم أشجار الزيتون يجب أن يكون مدروساً حسب الغاية المرجوة منه أي زيادة عدد وطول الفروع التي تعطي الثمار في الموسم المقبل وزيادة حجم الثمار.
القطاف: وما أدراك من طرق القطاف التقليدية التي تساهم في خفض الإنتاج الى نسبة تقارب 80%، إذ يجب عدم قطاف الزيتون بواسطة العصا (المفراط أو المساس) حسب الطريقة التقليدية لأنها تتسبب بأضرار كبيرة للأشجار والثمار وهي:
1. كسر الطرود (الفروع) الطرية التي تعطي الأزهار في الموسم القادم لذلك أطلق على أشجار الزيتون (المعاومة) في الإنتاج أي تحمل موسماً وتستريح موسماً.
2. يجب نقل ثمار الزيتون بعد قطافه بواسطة الصناديق البلاستيكية التي تؤمن التهوئة اللازمة وتمنع إنتشار الأمراض الفطرية، ويجب أيضاً عدم نقلها في الأكياس تجنباً لارتفاع حرارة الثمار وتلفها.
3. أما الأضرار التي تحدث على الثمار من الفرط بواسطة العصا التي تؤدي الى إحداث جروح في حبات الزيتون بحيث تصبح هذه الجروح مدخلاً للفطريات التي تؤدي بدورها الى تعفن الثمار وزيادة نسبة الأسيد عن المعدل العالمي.
من أفدح الأخطاء التي يرتكبها المزارعون هو تكديس زيتونهم في أكياس قد تنتظر يومين أو ثلاثة أيام قبل أن يأتي دور عصرها، وخلال هذه الفترة ترتفع حرارة الزيتون يوماً بعد يوم داخل الأكياس المحكمة الإقفال الأمر الذي ينتح عنه تكاثر الفطريات المسببة للتعفن مما يرفع نسبة الأسيد في الزيت فيتحول هذا الزيت من زيت باب أول للغذاء الطازج الى زيت لصناعة الصابون. والأسلوب الصحيح للحصول على زيت زيتون طيب وذي نوعية جيدة هو نقل الزيتون من الحقل دون تأخير إلى المعصرة بحيث يتم عصره قبل طلوع شمس النهار التالي، ويتطلب ذلك تنسيقاً بين المزارع وبين المعصرة وكذلك عملاً أكثر تنظيماً من قبل المعاصر بحيث يعطى لكل مزارع موعد محدد لجلب الزيتون للعصر، وهذا يتطلب بصورة خاصة أن تنظم معصرة الزيتون عملها وأن لا تسمح بجلب أكياس الزيتون ورميها في أنحاء المعصرة فهي تتحمل قبل غيرها مسؤولية أولى في تأمين حصول المزارع على زيت جيد النوعية، أما الأسلوب الحالي فإن المعصرة لا تبدو مهتمة إلا بتقاضي أجور العصر من دون تقديم النصح للمزارع أو تنظيم العمل بصورة تحمي مصالح المنتجين وسمعة الزيت اللبناني.

الورد الدمشقي

الورد الدمشقي

في الطب القديم والحديث

علاج للتوتر والاكتئاب ومنشط للقلب والذاكرة
ولجهاز المناعة ومن عوامل تأخير الشيخوخة

قام الطبيب ابن سينا في القرن العاشر الميلادي بتقطير الورد ليحصل على ماء الورد ، لكن مكانة الورد الدمشقي أقدم من ذلك بكثير، إذ تشير الأدلة والنصوص القديمة التي وصلتنا إلى أن الحضارات القديمة الأشورية والبابلية والمصرية واليونانية والصينية كانت تعلي كثيراً من شأن منتجات الورد ولاسيما مقطره وزيته والصبغة المصنوعة منه وخصائصه الشفائية . وقد ثبت الآن وبالأبحاث والاستخدامات العلاجية الحديثة في الطب الطبيعي أن لزيت الورد ومستخلصه خصائص مضادة للإكتئاب ومرخية للأعصاب وهو بالتالي علاج للأرق والتوتّر والخوف ومضاد للبكتيريا وللإلتهابات وعامل فعال في تطهير الجروح وشفائها السريع وهو مفيد في علاج الجلد الحساس واحمراره وللمغص المعوي، كما إنه منشط للقلب وللدورة الدموية ومقاوم للكائنات الفيروسية. ولا بدّ من الإشارة إلى أن الخصائص الشفائية لزيت الورد أقل من تلك التي يوفرها مستخلص الورد أو صبغته فضلاً عن كون الزيت باهظ الثمن وهو لذلك يستخدم أكثر ما يستخدم كطيب للرجال أو النساء وكمكون أساسي في معظم العطور الباريسية. في المقابل، ثبت أن صبغة الورد التي يتم تناولها بجرعات صغيرة فعالة في معالجة العديد من الأعراض، ويمكن الحصول على صبغة الورد Rose tincture بنقع الورد بمادة كحولية أو بالأثيلين لمدة 4 إلى 6 أسابيع ثم تصفية المزيج والاحتفاظ به في قوارير داكنة اللون وفي مكان معتم.
منجم من المكونات العلاجية
تمّ عزل العديد من المكونات الكيميائية من بتلات الورد الدمشقي أو أزراره وأهم هذه العناصر هي التالية: أنتوسيانين، حامض الكاربوكسيليك، سيترنلول، ديسيلوكسان، فلافونيديات، حامض الغاليك، جيرانيول، غليكوزيدات، هينكوزان، كمفِرول، ميرسين نيرول، فنيل أثيل الكحول، كورسِتين، تربينات ، فيتامين ث (C.)
ووجد الباحثون نحو 95 عنصراً في زيت الورد وأهم تلك العناصر هي:
1. ß سيترونللول β-citronellol (14.5-47.%)
2. نوناديكان nonadecane (10.5-40.5%)
3. جيرانيول geraniol (5.5-18%)
4. نيرول nerol
5. كمفرول kaempferol
في ما يلي عرض لبعض الخصائص العلاجية التي يتمتع بها الورد الدمشقي بناء على أحدث الدراسات والاختبارات العلمية.

ماء ورد بلغاري إنتاج عضوي - لاحظوا الاهتمام بالتغليف والتسويق لهذا المنتج المتوافر في بلادنا لكن دون عناية مماثلة
ماء ورد بلغاري إنتاج عضوي – لاحظوا الاهتمام بالتغليف والتسويق لهذا المنتج المتوافر في بلادنا لكن دون عناية مماثلة

خصائص علاجية للورد الدمشقي

مرض السكري: أثبتت الدراسات أن صبغة الورد بالإيثانول نافعة في إحباط امتصاص المواد السكرية من الأمعاء الدقيقة وخفض مستوى السكر في غدة البوستاغلاندين

صحة القلب والشرايين: تمّ عزل غليكوزيد مهم من أزرار الورد الدمشقي قبل تفتحها وهو يدعى سيانيدين-3-0-ß وثبت أن هذا العنصر يمكنه كبح أنزيم تحويل الأنجيوتنسين ACE وبالتالي تعزيز عمل القلب والشرايين

مضاد للبكتيريا: ثبت أن لزيت الورد مفعولاً قاتلاً لأنواع من البكتيريا من بينها الـ إي كولاي E-Coli و Staph. Aureus وكروموبكتيريوم Chromobacterium وغيرها

مضاد للإلتهابات :أثبتت الأبحاث أن زيت الورد ليست له خصائص مضادة للالتهابات، لكن مستخلص الورد الكحولي يمكنه أن يخفض الاستسقاء (تجمع الماء) في الجسم من خلال كبح العوامل التي تؤدي إلى الالتهاب الحاد

مقاوم لسرطان الرئة: أثبتت الدراسات أن بعض العناصر الحيوية في الورد الدمشقي قابلة للامتصاص من الجسم وقادرة على لعب دور الكبح للخلايا السرطانية داخل الرئتين

سرطان القولون: تسبب عنصر الجيرانيول في الورد الدمشقي بخفض نسبته 50% في جزيء “الأورنثين ديكاربوكسيلاز” وهو أحد أهم الأنزيمات التي تحفز النمو السرطاني في القولون، مما يعني أن الجيرانيول له خاصية كابحة للنمو السرطاني في القولون

مضادّ للأكسدة: أثبت مستخلص الورد Tincture عن امتلاكه خصائص مضادة للأكسدة وللجذور الحرة

تأخير الشيخوخة :بالنظر الى خصائصه المؤكدة كمضاد للأكسدة وللجذور الحرّة فإن لمستخلص الورد أثراً ملموساً في تأخير الشيخوخة

تسكين الآلام :أظهرت الأبحاث أن لصبغة الورد أثراً فعالاً في تسكين الآلام

تحسن الذاكرة: إن مستخلص الورد الدمشقي قد يكون فعالاً في معالجة بعض الحالات المعتدلة لفقد الذاكرة

احتقان الرئتين: أظهرت الأبحاث أن لمستخلص الورد الدمشقي أثراً مرخياً في حالات احتقانات الرئة وهذا الأثر مماثل لذلك الذي يوفره عقار الثيوفيلين theophylline

زراعة الورد الشامي

زراعة الورد الشامي

ثــــــروة اقتصــــادية وعلاجــــية

اللتر الواحد من زيت الورد قد يباع بـ 12 ألف دولار
والحصول عليه يحتاج إلى أربعة أطنان من بتلات الورد

الاستخدامات الكثيرة للورد تجعل منه زراعة اقتصادية
ومستخلص الورد الدمشقي صيدلية قائمة بذاتها

لبنان عرف الورد الجوري واستعمله لإنتاج ماء الورد
لكن الورد الدمشقي من أهم الزراعات البديلة الواعدة

حذار مكافحة آفات الورد بالمبيدات لأنها تنتقل
إلى مقطر ماء الورد والمربى والزهورات

لا توجد كلمة تثير في النفس من المشاعر والراحة والخيال التعبيري والشعري ما تثيره كلمة “الورد” في النفوس والأذهان، وهي على الأرجح مع كلمات مثل القمر أو الشمس أو البحر من أكثر الكلمات تداولاً في آداب الشعوب وفي تراثها الثقافي، لكن عندما يتحدث الناس في بلادنا عن “الورد” فإنهم غالباً يعنون بذلك نوعاً محدداً منه هو الورد الدمشقي (أو الشامي) الذي عرف على مدى الأزمان باعتباره “ملك الورود” بسبب جمال أزراره وورداته المتفتحة وكذلك لونه الوردي الزاهي وعطره الفواح وهي صفات أهّلته لكي يصبح رمزاً للمحبة والطهر والإيمان والجمال. ولفرط الإعجاب بالورد والتعلق باستخدامه استكشفت الحضارات السابقة التي كانت لها خبرات واسعة في الفوائد الطبية أو الغذائية أو التزيينية للنباتات والأعشاب وسائل وحرفاً عديدة للإفادة من الورد الدمشقي وهي سرعان ما وجدت له من الاستخدامات ما لا حدّ له، فهم بدأوا بتقطير بتلاته لصنع ماء الورد وصنعوا من تلك البتلات مربى الورد اللذيذ وجعلوا منه مكوناً أساسياً في “الزهورات” التي يتم تناولها كشراب دافىء صحي، وفي بعض الحلويات مثل الملبن، ثم تمكنوا من استخراج زيته الغالي الثمن لاستخدامه في صناعة العطور، ثم انكبوا على درس خصائصه الطبية وسجلوا عشرات الحالات والعلل التي يمكن للورد أو مائه أم مغليه أن يساعد على شفائها. وبسبب تلك الفوائد تهافت الناس في بلاد الشام وبلدان المنطقة على زراعة الورد الدمشقي ولم يمض وقت حتى كان الرحالة الأجانب أو التجار أو الجنود ينقلون شتلات الورد إلى بلدانهم، فانتقلت زراعة الورد الدمشقي بذلك إلى أوروبا وآسيا وازدهرت في بلدان معينة مثل بلغاريا وفرنسا وتركيا والهند وهي دول تعتبر من أكبر المنتجين للورد الدمشقي في العالم.
فما هي قصة الورد الدمشقي؟ كيف يمكن زراعته والعناية به والحصول على الفوائد الكثيرة التي يقدمها؟

يعتبر الورد الدمشقي Rosa Damascena من أشهر أصناف الورد إطلاقاً، وهو واحد من نوعين فقط من الورد في العالم يمكن استخراج الزيت العطري منهما (النوع الثاني هو الورد الجوري Rosa centifolia المعروف في بلادنا أيضاً(، كما إن الورد الدمشقي لا يزرع بكميات تجارية إلا في أمكنة معينة حول العالم لأنه يتطلب مناخاً معتدلاً وتربة معينة، ورغم شهرته المتزايدة في لبنان فإن الورد الدمشقي سبقه في الشهرة الورد الجوري وهو نوع من شجيرات الورد التي تعطي في موسم الربيع إنتاجاً وفيراً من ورود أصغر حجماً وأقل كثافة في البتلات ولموسم إزهار قصير نسبياً بالمقارنة مع موسم الورد الدمشقي الذي قد يطول من الربيع وحتى أواسط الخريف، لكن الناس تخلط أحياناً بين النوعين وتطلق على الورد الدمشقي اسم “الورد الجوري”. وكان اللبنانيون ولا يزالون يستخدمون الورد الجوري لتقطير ماء الورد الزكي الرائحة لكنه أقل تركيزاً في عطره من ماء الورد المنتج من الورد الدمشقي، ولهذا السبب ربما نجد أن زراعة الورد الدمشقي بدأت تنتشر بصورة متدرجة سواء كزراعات منزلية أم كزراعات واسعة بهدف تقطير ماء الورد، لكن بالدرجة الأولى من اجل زيت الورد الغالي الثمن والمطلوب كثيراً في الخليج، ولاسيما في المملكة العربية السعودية.
وتعتبر بلغاريا أكبر بلد منتج للورد الدمشقي ومشتقاته وخاصة الزيت العطري ومن البلدان المنتجة الرئيسية أيضاً كل من تركيا وإيران والمغرب والهند والصين. ويعتبر زيت الورد الدمشقي الأكثر استخداماً في صناعة العطور ويمثل 90% من الزيوت الأساسية المنتجة في العالم بينما يأتي الـ 10 % من زيوت العطور من الورد الجوري. ويتطلب إنتاج لتر واحد من زيت الورد نحو أربعة أطنان من الورد الدمشقي، وهذا ما يفسر الثمن الباهظ لزيت الورد والذي يتراوح بين ثمانية آلاف و12 ألف دولار للكيلوغرام.

تاريخ الوردة
تمّ تهجين الورد الدمشقي من ثلاثة أنواع من الورد العطري بعضها كان برياً، لكن الورد الدمشقي المحسّن لم يعد موجوداً كورد برّي، ويعتقد أن أصله يعود إلى بلاد الشام وإلى دول منطقة الشرق الأوسط عموماً، لكن الأبحاث الجينية الأخيرة أظهرت أن الورد الدمشقي يحمل أيضاً جينات من المناطق الجبلية في آسيا الوسطى.
انتقلت نبتة الورد الدمشقي من المنطقة إلى أوروبا نتيجة للحروب الصليبية ودخول الألوف من الجند الأوروبيين إلى بلاد الشام، وينسب المؤرخون إلى القائد الصليبي روبير دوبري الفضل في نقل الورد الدمشقي من مدينة دمشق في سوريا إلى أوروبا. ووفق روايات أخرى فإن الرومان هم الذين جلبوا الورد الدمشقي معهم إلى جنوب بريطانيا بينما تقول رواية ثالثة إن الطبيب الخاص للملك هنري الثامن أهداه شجيرة من الورد الدمشقي في حوالي العام 1540.
وبرغم الشهرة التقليدية لبلغاريا وتركيا في صناعة أنواع الزيوت المستخرجة من الورد فإن الهند تفوقت مع الوقت في إنتاج كميات كبيرة وبسعر أقل بالنظر إلى رخص اليد العاملة، وتشتهر مدينة الطائف في المملكة السعودية في إنتاج الورد الدمشقي الذي يسمى في السعودية “الورد الطائفي” لكن القسم الأكبر من زيت الورد العالي النوعية الذي يباع في المملكة مستورد.

زراعة الورد الدمشقي
يمكن القول إن زراعة الورد الدمشقي على نطاق واسع ولأغراض التصنيع ما زالت محدودة وهذا على الرغم من المناخ اللبناني المثالي لإنتاج هذه الوردة التي تعتبر منتجاً اقتصادياً ممتازاً ويمكن أن تتحول إلى إحدى الزراعات البديلة التي تساهم في تنمية الريف اللبناني وقراه. لكن إدخال الورد الدمشقي كمنتج اقتصادي يتطلب إعادة تخصيص مساحات واسعة من الأراضي الزراعية لهذا الغرض، وهناك مساحات كبيرة في الجبال اللبنانية أو في سهل البقاع غير مستخدمة استخداماً فعالاً، وهذه يمكن تحويل استخدامها لهذه الزراعة المربحة، وأي توسع في زراعة الورد الدمشقي سيجرّ حتماً إلى قيام صناعات لتقطيره أو لاستخراج زيته العطري الغالي الثمن، وهذا التطور يمكنه أن يخلق فرص عمل كثيرة لأبناء القرى ويعزز الاقتصاد الريفي فضلاً عن فوائده السياحية غير المباشرة، إذ إن حقول الورد يمكن أن تصبح مقصداً أو جزءاً من مشاريع للسياحة البيئية.
في هذا المقال، لن نركّز على خيار الزراعة الواسعة بل سنركز بصورة خاصة على زراعة الورد الدمشقي كمشاريع صغيرة أو متوسطة تلائم طبيعة الملكيات والواقع الريفي في الجبل بصورة خاصة.

“التعشيب الدائم لشتلات الورد ونكش تربتها أساسيان لعدم قدرة جذوره على منافسة الأعشاب الطفيلية الضـارّة”

ورد طائفي ملكي من إنتاج العربية للعود
ورد طائفي ملكي من إنتاج العربية للعود

تكثير الورد
إن الخطوة الأولى في إنشاء مشروع للورد الدمشقي هي بالطبع اختيار المساحة التي ستخصص لهذا الغرض، ثم توفير الشتول الناضجة التي يمكن الحصول عليها من مشاتل متخصصة بعمر سنتين وبسعر قد لا يزيد على 3 دولارات للشتلة، وهذا سعر معقول. لكن ما إن ينجح مشروع الورد حتى يمكن تكثير الشجيرات وتوسيع الزراعة من خلال التكثير المحلي. والمصدر الأول لتكثير الورد داخل البستان هو العُقَل أو “الأقلام” التي يمكن الحصول عليها عند تقليم الشجيرات في الشتاء تحضيراً لها لموسم إزهار جديد. ويمكن للمزارع اغتنام فرصة التقليم لانتقاء العقل الجيدة من الشجيرات علماً أن العقل الأفضل هي التي يتم أخذها من أسفل سيقان الوردة، كما إن العقل القاسية من الورد المختارة من السوق النامية في العام السابق أعطت أفضل النتائج لجهة نجاح التجذير والنمو. وبيّنت الدراسات أن أفضل وقت لأخذ العقل المعدة للتكثير هو شهرا كانون الثاني وشباط لأن العصارة النباتية تكون عندها في حالة سكون.
ويتمّ غرس العُقَل في أثلام أو مساكب بعد برش أسفل العقلة قليلاً بسكين أو قطع الطرف السفلي بصورة مائلة بما يشجع على نمو الجذور، على أن يتم نقل العُقَل بعد تطور نموها إلى عبوات زراعية والعناية بها لمدة سنة قبل نقلها إلى مكانها النهائي. ويمكن الاستغناء عن الخطوة الأولى بغرس العُقَل مباشرة في عبوات زرع بلاستيكية من الحجم الوسط (قطر 20 سم) مع ضغط التراب بقوة حولها منعاً لتسرب الهواء، ويتابع ري العقل بعد أن تورق وتبدأ بالنمو حتى موسم الزرع في نهاية الخريف ومطلع الشتاء، حيث يتمّ غرس الشتول الناتجة عن العُقَل في مكانها النهائي.

أسلوب الزرع
يتوقف أسلوب زرع الورد الدمشقي على عدة عوامل أهمها المساحة المخصصة له والغاية من زرعه أهي للزينة وللإستخدام المنزلي أم لأغراض تجارية. في الاستخدام للأغراض التجارية يفترض وجود مساحة واسعة مخصصة لزرع الورد وفي هذه الحال من الأفضل زرع الورد في صفوف متوازية بعد العمل على تخصيب التربة بالأسمدة العضوية مع ريّها بالنقطة وذلك لتوفير المياه ولتسهيل عملية القطاف والمعاملة مثل التقليم والنكش والتسميد. وفي حالات أخرى يتم زرع الورد الجوري كسياج للأرض أو على السياج المحيط بالمنزل وهذا الخيار يعطي عدة فوائد فهو يوفر الحماية المنتظرة من سياج شائك كما إنه يعطي منظراً رائعاً لمحيط الحديقة في موسم الإزهار وأخيراً فإنه يوفر الورد الذي يمكن الاستفادة منه بطرق مختلفة.

الري والتغذية
الورد الدمشقي لا يحتاج إلى الري الدائم ويمكنه أن يتحمل الري المتباعد خصوصاً مع زيادة عمر الشجيرة، وفي حال عدم توافر المياه بصورة كافية يمكن توفير الكميات المستخدمة لري الورد عبر تغطية الأثلام بغطاء كثيف من الحشائش اليابسة أو “السميسمة” أو ورق السنديان المتجمع في الأحراج وأي غطاء من النباتات حتى الخضراء يؤدي الغرض.
التغذية : يحتاج الورد إلى التغذية عبر التسميد المنتظم لأن الوردة يمكن أن تبقى في مكانها لسنوات طويلة ولا بدّ بالتالي من تجديد البيئة الغذائية للتربة الحاضنة سواء عبر التسميد الطبيعي وهو الأفضل لأنه يزيد في نوعية عطر الورد وقيمته الغذائية في حال استخدامه لصنع مربى الورد، لكن الأسلوب المهم لتغذية الورد هو مياه السماد العضوي المسماة أحياناً “محلول” الروث الحيواني Manure soup أو شاي الكومبوست Compost tea، ويمكن الحصول على ذلك بتثبيت خزان أو خزانين سعة 2,000 لتر للواحد ووضع كيس من سماد الماعز أو الدجاج البيتي أو الاثنين معاً مع العناية بوضع مضخة لتدوير المياه في الخزانين وهذا الأسلوب يحافظ على تهوئة المياه ويؤدي إلى إنتاج محلول غني جداً بالمواد الغذائية الطبيعية.
زراعة غراس الورد: يفضل زراعة غراس الورد خلال طور سكون العصارة في نهاية فصل الشتاء. من أجل ذلك تحفر حفرة بعمق 45 سنتم وتخلط التربة بمثلها من السماد العضوي ثم يوضع قليل من هذه الخلطة في أسفل الحفرة وبعد التأكد من وضع الغرسة بالشكل المناسب يردم خليط التراب والسماد حول الغرسة وترصّ التربة ثم تروى الغرسة. وتختلف المسافة بين الغرسة والأخرى حسب الهدف من الزراعة ونوع الصنف ورغبة صاحب الحقل.
من المفيد هنا الإشارة إلى ضعف قدرة جذور الورد على منافسة جذور النباتات الأخرى التي قد تحيط بها، لذلك فإنه من المهم جداً القيام بالتعشيب الدائم لأغراس الورد ونكشها وتسميدها في كل موسم.

المتطلبات البيئية
يحتاج الورد إلى الإضاءة الشديدة والحرارة المرتفعة ويلاحظ أن الإنتاج الأوفر من الورود يحصل في فصل الربيع والصيف حيث الإضاءة والحرارة كافيتان وعليه، فإنه لا ينصح بزراعة الورد الدمشقي في الأماكن الظليلة لكونه يحتاج على الأقل إلى 6 ساعات يومياً من أشعة الشمس المباشرة.
التربة: يفضل الورد التربة العميقة المتوسطة القوام الغنية بالمغذيات العضوية ولا تنجح الشجيرة في الأراضي الدلغانية أو الضعيفة التهوئة حول الجذور، كما إنه من المفيد عزق التربة وتحريكها وتفكيك التربة السطحية وتهوئتها.
الريّ: تفضل طريقة الريّ بالتنقيط، وإذا استخدم الريّ العادي (بالخرطوم) يفضل عدم رش الساق والأوراق منعاً من الإصابة بالأمراض، وتختلف احتياجات النبات من الماء بحسب الموقع والصنف ونوع الأرض ومرحلة النموّ وعمر الشجيرة وبحسب الظروف البيئية، وتؤدي عملية الريّ المنتظمة إلى زيادة النموّ الخضري وزيادة نسبة الورود التي تظهر على الشجيرة.
التقليم: تتم عملية التقليم خلال فصل الشتاء وبداية فصل الربيع أي قبل بدء النمو الجديد وتزال الأفرع الميتة والتالفة كما تزال التفرعات المتجهة إلى وسط الشجرة ويكون التقليم حسب الصنف والغاية من الزراعة. وتكون عملية القطع فوق العيون (البراعم النائمة) بميل 45 درجة عن محور الساق، وذلك لمنع تجمع قطرات الندى والمطر التي تؤدي إلى حدوث تعفّن. وتختلف طريقة التقليم بحسب الهدف من تربية الشجيرة لأن هناك التربية العالية والتربية القصيرة ويجب بشكل عام أن تتناسب طبيعة التقليم مع طبيعة الصنف فمثلاً يستخدم التقليم الجائر للأفرع التي لها من العمر أربع سنوات وذلك بهدف تشجيع نمو أفرع نشطة تسهم في زيادة الإنتاج. ويستخدم التقليم المستمر لأصناف الورد التي تنتج أزهاراً عنقودية من مجموعات الورد وذلك للحصول على تفرعات وأزهار وفيرة.

معلومات سريعـــــــــــــــــــــــــة

• في الأرض المروية يمكن غرس ما بين 1,500 و2,000 شجيرة ورد بالدونم
• ويمكن أن يصل حجم الشجرة في الزراعة المروية إلى متر ونصف أو مترين ونصف المتر طولاً
• يعطي كل كيلوغرام من الأزهار 800 غرام من ماء ورد وكل واحد كيلوغرام من بتلات الورد واحد كيلوغرام من ماء ورد
• كل أربعة أطنان من الورد الشامي تنتج لتراً واحداً من زيت الورد
• يتراوح سعر اللتر الواحد من زيت الورد الشامي ما بين 10 إلى 12 ألف دولار
• تحمل شجيرة الورد الشامي أزهاراً عطرية وردية اللون تتفتح أزرارها في فصل الربيع وتتراوح أعدادها ما بين 1,500 و2,000 برعم للشجيرات المروية وقد يصل إلى 5,000 برعم بينما يتراوح عدد البتلات ما بين 30 و40 بتلة تقريباً للزهرة الواحدة
• يبلغ متوسط وزن الزهرة الواحدة ما بين 2 إلى 2.5 غرام

الآفات التي تهاجم الورد
المن: وهي حشرة صغيرة جداً متعددة الألوان تتطفل على النموّات الحديثة وعلى حواف البراعم الزهرية وأعناقها مؤدية إلى تشوّهها والتفافها بفعل سحب العصارة النباتية، كما إن مخلفات المنّ تجذب الحشرات الأخرى وبخاصة النمل وتؤدي الإصابة الشديدة إلى ظهور سائل عسلي يسمى الندوة العسلية يتحول لونه إلى أسود. يكافح المنّ بالأسلوب الطبيعي عبر رشه بمزيج من خل التفاح وبودرة الحر الأحمر اللاهبة وربما مع إضافة مقطر الصعتر إذا وجد، وهذه الخلطة كافية لإزالة المنّ بما في ذلك المن القطني.
التربس: وهو حشرة صغيرة تهاجم الأزهار وقمم الأفرع والأوراق وتؤخر من تفتح الأزهار، وهذه الآفة يمكن التخلص منها برش الخلطة المقترحة سابقاً لمعالجة آفة المنّ.

bw مصنع حديث لاستخراج زيت الورد الدمشقي تمهيدا لاستخدامه في صناعة العصوز الباريسية
bw مصنع حديث لاستخراج زيت الورد الدمشقي تمهيدا لاستخدامه في صناعة العصوز الباريسية

البياض الدقيقي : وهو مرض فطري يصيب الأوراق والأفرع والبراعم الزهرية وتؤدي الإصابة به إلى اتلاف الأوراق وذبولها كما تذبل الأزهار قبل تفتحها ويظهر مسحوق أبيض اللون أو رمادي يغطي الأوراق والأفرع، وهذا المرض من أخطر أمراض الورد ويزداد مع شدة ارتفاع الحرارة والرطوبة، لكن المرض ينتشر أكثر بسبب كثافة المجموعة الورقية للوردة وعدم تقليمها بطريقة صحيحة تسمح بدخول الشمس والهواء إلى داخلها، وينصح باستخدام مبيد فطري طبيعي مثل التغبير بالكبريت أو الجنزارة أو خليط من العنصرين أو استخدام مبيدات فطرية كيميائية مخصصة للزراعة العضوية.
الصدأ: وهو من الأمراض الخطرة التي تصيب الورد وتسبب ظهور بقع وبثور وردية إلى برتقالية على الأوراق والأفرع وتؤدي إلى زيادة فقد الماء وجفاف النبات بل وموته عند الإصابة الشديدة. ينصح بإزالة الأجزاء المصابة من الأسفل فوراً وحرقها لحماية باقي أجزاء الوردة كما ينصح بتجنب ترطيب الأوراق عند الري ومراعاة تهوئة الشتلة والمحافظة على قوتها الطبيعية.

حذار المبيدات الكيميائية
ومن الواجب التحذير هنا من أن المزارع يسارع في حال إصابة الورد بمثل هذه الآفات إلى رشّ الورد بالمبيدات السامّة الحشرية أو الفطرية بصورة متكررة، وهذه المبيدات عدا عن أنها تخلق مع الوقت مناعة عند البكتيريات والحشرات فإنها خطرة في حال استخدام الورد لتقطير ماء الورد لأن الترسبات السامة ستنتقل إلى ماء الورد الذي يستخدم في حالات كثيرة لترطيب العين أو البشرة، كما إنها ستنتقل إلى المربيات التي تصنع من بتلات الورد وتبقى فيها على شكل رواسب خطرة على الصحة.

لهو ومرح في مدينة اسبارطة التركية قبل الحصاد إلى وحدة تصنيع زيت الورد
لهو ومرح في مدينة اسبارطة التركية قبل الحصاد إلى وحدة تصنيع زيت الورد

تصنيع زيت الورد الدمشقي في بلدة تركية

تقع مدينة إسبارطة التركية في جنوب غربي البلاد على ارتفاع 1035م وهي غير إسبارطة اليونانية المعروفة التي خلدها هوميروس في الإلياذة. لكن رغم أن إسبارطة التركية ليست شهيرة بتاريخها فإنها شهيرة بزراعة الورد الدمشقي بحيث تسمى “مدينة الورود”. يعيش في المدينة نحو 222,500 نسمة يعمل قسم كبير منهم في حقول الورد المنتشرة على مدّ النظر حول المدينة أو في تصنيع زيت الورد في وحدات إنتاج حديثة. وتضم إسبارطة شركة سِبات أكبر منتج لزيت الورد في تركيا.
يبدأ قطاف الورد الدمشقي في إسبارطة في مطلع شهر حزيران حيث يكون الإزهار في ذروته ونسبة الزيت في الورد بلغت أيضاً أقصاها، ويتم قطاف الورد في الساعات الأولى من الفجر والصباح الباكر قبل صعود الشمس في السماء وقبل أن تتفتح الوردة فتكشف كمية الزيت فيها للتبخر لأن زيت الورد زيت طيار مثل غيره من الزيوت العطرية وهو قابل للتبخر بفعل الحرارة. ويتم قطاف الورد يدوياً ومن خلال تعاون أفراد الأسرة الزارعة للورد ثم ينقل الورد حوالي الساعة العاشرة صباحاً في سلال كبيرة سعة الواحدة منها 15 كلغ إلى مصنع استخراج زيت الورد الواقع على بعد 5 دقائق بالسيارة من الحقول. وتتم معالجة بتلات الورد في خزانات سعة الواحد منها 500 كلغ، وبعد التحقق من الوزن يتم إلقاء بتلات الورد في الخزان لتملأه حتى ثلاثة أرباعه ويضاف 1500 لتر من الماء ويتم تسخين المزيج حتى يبدأ بالغليان في عملية تسمى “التقطير” وعندها يبدأ جمع المياه المتبخِّرة والحاملة للزيت (ماء الورد) في خزان آخر، وهذه العملية يجب إعادتها ثلاث مرات بحيث يتم تقطير المزيج كل مرة بهدف تبخير المزيد من الماء وزيادة نسبة زيت الورد في ماء الورد المقطر. بعد ذلك يتم فصل زيت الورد الذي بسبب خفة وزنه يعوم على المياه فيتم جمعه وفصله ثم يمرّ أخيراً بعملية تكرير من الشوائب وبقايا الرطوبة ليصبح زيت ورد صافياً وجاهزاً للتصدير أو البيع في الأسواق.

الكوليسترول صديق الصحة

الكولسترول صديق الصحة!؟

أكبر مرجع صحي في الولايات المتحدة يبدّل موقفاً عمره 40 عاماً:

لا علاقة بين الكولسترول وأمراض القلب
والمشكلة في السكريات وليست في الدهون

شهدت الأوساط الطبية قبل عامين ما يمكن اعتباره أكبر انقلاب علمي في تاريخ علم الغذاء وعلاقته بالصحة وما زالت أصداء ذلك الانقلاب تتردد في مختلف أنحاء العالم. حدث ذلك عندما أعلنت أكبر جهة أميركية معنية بوضع قواعد الغذاء للأميركيين بأنها “لن تطلب بعد الآن خفض معدل كولسترول الدمّ أو اتباع نظام غذائي قليل الدهون”، مشيرة في الوقت نفسه إلى أنه “لا توجد علاقة سببية بين الكولسترول وبين صحة القلب”. لقد جاء ذلك الإعلان بمثابة تحول 180 درجة عن مواقف سابقة لتلك الهيئات كانت تعتقد بالعكس وبأهمية العمل على خفض كولسترول الدم من خلال الأدوية المصممة لذلك ولاسيما الدواء المعروف
بـ “ستاتِن”.
على العكس من ذلك، فإن الهيئة الأميركية نفسها أعلنت انها “لن تصدر بعد الآن توجيهات تعيِّن حداً أعلى لمعدل الكولسترول في الدم” والأهم من ذلك كان إقرارها بصراحة ولأول مرة “أن الأدلة المتوافرة لا تقدّم دليلاً ملموساً على وجود صلة بين الاستهلاك اليومي للكولسترول وبين معدل الكولسترول في الدم”، و”أن الإفراط في استهلاك الكولسترول ليس مسألة تستدعي القلق وأن النصائح الغذائية يجب أن تتركز على تحسين أنواع الدهون الغذائية وليس بالضرورة على خفض المعدل العام للدهون”، على العكس فإنه من الضروري حسب الهيئة “صرف المستهلكين عن الأغذية القليلة الدهون أو الخالية من الدهون لكن التي تحتوي على نسبة عالية من الحبوب المكررة والسكريات”.
لقد حسم الموقف الجديد للعلم وللسلطات الأميركية نقطتين مهمتين أثرتا طويلاً على موقف السلطات الطبية من الكولسترول وهما:
• إن الكولسترول الغذائي (أي الناتج عن تناول الدهون المشبعة مثل الزبد والدهون الحيوانية) لا يؤثر على مستوى كولسترول الدم.
• إن معدل كولسترول الدم لا علاقة سببية له بأمراض القلب
المشكلة مع ذلك هي أنه وعلى الرغم من هذا التبدّل الجذري في موقف الحكومة الأميركية من الكولسترول فإن العديد من الأطباء لم تصلهم “الرسالة” أو ربما وجدوا صعوبة في إنكار ما كانوا يقولونه لمرضاهم حول “خطر” الكولسترول، وهؤلاء قد يستمرون على الأرجح في إقناع مرضاهم بتناول عقار “ستاتِن” الخافض لكولسترول الدم لأنهم اعتادوا على ذلك ولأن خفض الكولسترول تحول إلى “عقيدة طبية” منذ أكثر من ثلاثة عقود.
إن أكثر من ثلاثين أو أربعين سنة من السياسة الخاطئة والتوصيات الضارة بالصحة إذاً انتهت بتصريح بسيط من أعلى هيئة أميركية لتوجيه النظام الغذائي للأميركيين تقول فيه بين السطور: آسفون، لقد كنا على خطأ! لكن الملفت أنه بينما أعطت الحكومة الأميركية الإشارة لتبديل التوصيات الغذائية التي كانت تتهم الدهون دوماً بالتسبب بالكولسترول وتتهم الكولسترول بالتسبب بأمراض القلب والشرايين فإن هيمنة شركات الدواء وثقافة الخوف من الكولسترول ما زالت تروِّج لعقار “ستاتِن” الذي ثبت تسببه بأعراض جانبية ومخاطر تفوق مرات عدة أي ضرر قد ينجم عن ارتفاع معدل كولسترول الدم.
هذا التحول في توصيات الغذاء من أعلى هيئة صحية أميركية ستترتب عليه نتائج مهمة جداً على العالم لأنه سيبدّل بصورة جذرية المذاهب الغذائية السابقة وخصوصاً الموقف من الدهون المشبعة ومن السكريات وكذلك الموقف من الأدوية المصممة لخفض الكولسترول في الدم.
إن أحد أكبر النجاحات التسويقية لشركات الأدوية بني على ركيزتين أساسيتين:
1. تعميم الإفتراض الخاطئ بأن ارتفاع معدل الكولسترول ولو بنسبة بسيطة فوق المعدل (240 ملغ في الدسيليتر) يمكن أن يتسبب بأمراض القلب وربما بأزمة قلبية، مما يعني أن خفض معدل الكولسترول يحمي من أمراض القلب.
2. التعتيم شبه التام على المخاطر الكبيرة للجسم المقترنة بتناول أدوية خفض الكولسترول ولاسيما “ستاتِن” Statin والتي تمثل لائحة مخيفة من الأعراض الجانبية والتأثيرات المباشرة على الجسم والعضلات والكبد والدماغ والغدد التناسلية بل على القلب الذي يدعي مروجو “ستاتِن” أن الدواء مصمم لحمايته..

الأفوكادو - مخزن دهون يحبها القلب
الأفوكادو – مخزن دهون يحبها القلب

الكولسترول صديق للصحة وليس عدواً
هل الكولسترول عدو للصحة؟
للإجابة على هذا السؤال لا بدّ أولاً أن نعرف ما هو الكولسترول وما هي أهميته لوظائف الجسم الحيوية.
فما الذي يعمله الكولسترول لجسمنا ولصحتنا؟
1. الكولسترول هو غذاء أساسي للجسم بل لكل خلية من خلاياه ومن دونه لا يمكن لتلك الخلايا أن تنمو أو أن تعمل بصورة طبيعية، لأنه أساسي لبناء الغلاف الحامي لتلك الخلايا.
2. الكولسترول هو شبكة اتصالات الخلايا: إن جسم الإنسان مكون من تريليونات الخلايا التي تحتاج للتواصل في ما بينها وجزيئات الكولسترول توفّر “البيئة الموصلة” التي تسهل حصول هذا التفاعل.
3. الكولسترول هو المادة الأولية لبناء خلايا الدماغ وخلايا نظامنا العصبي، لهذا فإن دماغنا المعتمد إعتماداً كبيراً على الكولسترول يحتوي على 25% من مجموع الكولسترول الموجود في الجسم، وتحتاج خلايا الدماغ الكولسترول لتكوين العقد العصبية وشبكات الاتصال بين الخلايا العصبية، وهذا الترابط هو الذي يمكّننا من أن نفكر وأن نتعلم أشياء جديدة وأن نُكوِّن ذاكرة. وهناك الآن أدلة قوية على أن أدوية خفض الكولسترول تؤدي إلى إضعاف الخلايا الدماغية بحرمانها من مكونها الأساسي وأن هذه الأدوية قد تكون سبباً أو عاملاً مساهماً في مرض الألزهايمر، وقد جرى الربط أيضاً بين انخفاض مستوى الكولسترول في الدم وبين السلوك العنيف للأفراد نتيجة تأثير أدوية “ستاتِن” على التوازن الكيميائي في عمل الدماغ.
4. الكولسترول مهم لإنتاج الهورمونات الستيرويدية مثل الإستروجين والتستسترون والهرمونات الأدرينالية.
5. الكولسترول هو المرحلة السابقة لإنتاج عصارة المرارة ومن دون توافر كميات كافية منه فإن نظامنا الهضمي لن يعمل كما يجب.
6. الكولسترول أساسي لتحويل أشعة الشمس إلى فيتامين (د) D وهو من أهم الفيتامينات لتدعيم نظام المناعة وصحة العظام والأسنان والوقاية من السرطان، وذلك من خلال عنصر قريب جداً منه هو 7-dehydrocholesterol..

الدهون المشبعة
لقد ثبت أخيراً أن الزعم بأن الدهون المشبعة Saturated fats (مثل زيت جوز الهند أو الزبد أو الدهون الحيوانية) ترفع معدل الكولسترول في الدم غير صحيح، وهذا الزعم استند إلى دراسات مغلوطة أطلقها باحث أميركي يدعى أنسل كيز في خمسينيات القرن الماضي وتحولت بفعل تأثير مجموعات ضغط قوية مثل شركات الأدوية الكبرى وصناعة الزيوت النباتية والسكر إلى حقائق لا يمكن النقاش فيها، فبقيت الحقيقة حول الكولسترول مخفية كل تلك المدّة. لكن أرشيف الأبحاث العلمية في الولايات المتحدة وخارجها زاخر بالدراسات التي أثبتت عكس ذلك أي أنه لا علاقة بين تناول الدهون المشبعة وبين ارتفاع معدل الكولسترول في الدم، وهذه الحقيقة عاد أنسل كيز في آخر أيامه وقبل بها في تصريح شهير له سنة 1997 قال فيه: “لا توجد علاقة من أي نوع بين الكولسترول الموجود في الغذاء وبين الكولسترول في الدم، وهذا الأمر كنا نعلمه طيلة الوقت. إن الكولسترول في الطعام لا تأثير له ما لم تكن دجاجة أو أرنباً!”

ثلاثة أغلفة من مجلة تايم تحكي قصة خطأ عمره 47 عاما -بعد التحذير المضلل من الدهون والبيض أصبحت النصيحة أن كلوا الزبدة
ثلاثة أغلفة من مجلة تايم تحكي قصة خطأ عمره 47 عاما -بعد التحذير المضلل من الدهون والبيض أصبحت النصيحة أن كلوا الزبدة

75% من الكولسترول يصنع في الكبد
إن أحد أبرز الأمثلة على خطأ النظرة السابقة إلى العلاقة بين الدهون المشبعة والكولسترول هو أن 75% من الكولسترول في جسمنا يتم إفرازه في الكبد، وهذا يعني أنك وإن لم تتناول أي غذاء فيه كولسترول فإن جسدك سيكون محتوياً عليه بل أنه سيقوم بصنعه لأنه في حاجة إليه، ويعني ذلك أن 25% فقط من الكولسترول في جسمنا يأتي من مصادر الغذاء.
لكن الأمر المهم هنا هو أن الجسم يتولى من خلال الكبد تنظيم معدل الكولسترول في الدم، فعندما ننتج مزيداً من الكولسترول عن طريق تناول أغذية دهنية فإن الجسم (أي الكبد) يقلل نسبة إفراز الكولسترول، وعندما ينخفض تناولنا لأغذية تنتج الكولسترول فإن الكبد يزيد من إنتاجه لكي يبقى على المعدل الصحي الضروري لعمل الجسم، وهذه الآلية الطبيعية هي جزء من التصميم الإلهي الأمثل والكامل للإنسان وهي تشبه كل الآليات والوظائف الحيوية التي تقوم بها أعضاء أخرى في الجسد مثل القلب أو البنكرياس أو الغدة النخامية أو الجلد أو الكلى أو غيرها، وهذه الواقعة تؤكد أن الجسم ينظم نفسه بنفسه لأنه مصمم لهذا الغرض وهو ليس بحاجة الى عقار “ستاتِن” أو غيره لتنظيم معدل الكولسترول، ولأن ما يفعله الدواء هنا هو تدخل عشوائي في الوظائف الطبيعية للجسد لا يمكن أن ينتج عنه إلا هدم الصحة.
يقول الدكتور إيمانويل كالدويل وهو أحد أشهر أطباء الطب الطبيعي إن الجسم يحتاج الكولسترول لكل شيء وإن خلايا دماغنا بصورة خاصة مكوّنة بنسبة 93 إلى 95% من الكولسترول، كما إن الجسم يجدد خلاياه باستمرار عبر استخدام مادة الكولسترول مضيفاً:”لا يوجد شيء اسمه معدل كولسترول مرتفع في الجسم والإنسان يموت من انخفاض معدل الكولسترول وليس من ارتفاع معدله، وهناك أشخاص معدل الكولسترول لديهم يفوق بكثير المعدل الوهمي الذي حددته صناعة الدواء، وهم يتمتعون بصحة أفضل من غيرهم. على العكس من ذلك، فإن تناول أدوية تخفض الكولسترول عمل شديد الخطورة لأن هذه الأدوية تؤدي إلى ضمور خلايا الدماغ المؤلفة بأكثرها من الكولسترول كما تؤدي إلى إعاقة الإنجاب لأنها تؤثر على إنتاج الحيوانات المنوية وفضلاً عن ذلك فإنها تؤدي إلى أمراض القلب وخطر السكتات القلبية.
ويؤكد كالدويل أن ما يسمى “معدل الكولسترول” أمر مصطنع قام به باحثون دون أي سند علمي وربما بتأثير شركات الأدوية التي تريد الترويج لأدوية خفض الكولسترول مثل “ستاتن” وهؤلاء الباحثون اجتمعوا وقرروا بصورة اعتباطية تماماً أن معدل الكولسترول في الدم يجب أن يكون 250 ملغ مثلاً وهذا القرار يضرب بعرض الحائط التنوع الهائل في التكوين البشري وفي خصائص كل شعب ومنطقة في العالم، كما إنه يعالج مشكلة غير موجودة بل يخلق مشكلة من خلال التدخل في عمل الجسم والكبد خاصة الذي يقوم بتنظيم ما يحتاجه من كولسترول في كل دقيقة وكل يوم دون حاجة لتدخل الصيادلة والأطباء.

آخر الدراسات الصحية برّأت البيض والدهون المشبعة من تهمة زيادة الكولسترول والتأثير على صحة القلب
آخر الدراسات الصحية برّأت البيض والدهون المشبعة من تهمة زيادة الكولسترول والتأثير على صحة القلب

الكولسترول بريء
تجمّعت في السنوات الأخيرة عشرات الدراسات والآراء العلمية التي تثبت ومنها دراسة عالمية شاملة قامت بمراجعة وتقييم 11 دراسة عن أثر معدل الكولسترول على الصحة توصلت إلى الاستنتاج التالي: “ لا يوجد مطلقاً أي علاقة بين معدلات الكولسترول الإجمالية وبين حالات الوفاة نتيجة لأمراض القلب أو أي أمراض أخرى”، وإضافة إلى نتائج الأبحاث الطبية أضيفت جملة من البراهين والملاحظات الاختبارية مثل:
• إن النساء يتعرضن إلى أمراض قلب بنسبة 300% أقل من الرجال لكنهنّ يتميّزن بمعدلات كولسترول أعلى منهم.
• السكان الأصليون في أستراليا Aborigines يتمتعون بأقل معدلات كولسترول في العالم لكنهم بين الأكثر إصابة بأمراض القلب بين السكان.
• السويسريون هم على العكس من ذلك بين الأقل إصابة بأمراض القلب في العالم رغم أنهم يسجلون معدلات كولسترول هي بين الأعلى في العالم.
• ما ينطبق على سويسرا وأستراليا ينطبق على بقية بلدان العالم وهو أنه لا علاقة بين معدل الكولسترول في شعب معين وبين معدل الوفيات من أمراض القلب.
هذه البراهين الواقعية ونتائج الأبحاث دفعت الدكتور فردريك ستير أحد أعضاء الجمعية الأميركية للقلب الذين تبنوا في السابق نظرية العلاقة بين الكولسترول وبين أمراض القلب والشرايين لتبديل موقفه تماماً إذ أصبح يقول: “إن معدل الكولسترول ليس عاملاً مهماً في تلك الأمراض، وأن هناك عوامل أهم بكثير مثل التدخين وارتفاع ضغط الدم والسمنة الزائدة والسكّري وغياب الجهد الجسدي والرياضة وأخيراً التوتر النفسي”.

“إن تحديد 250 ملغ كمعدل للكولسترول لا أساس علمياً له لأن الجسم (من خلال الكبد) يقوم بتنظيم ما يحتاجه من كولسترول في كل دقيقـــة وكل يوم من دون حاجة لتدخل الصيادلــــة والأطباء”

المذنب الحقيقي
لكن إذا كان الكولسترول بريئاً من التسبب بأمراض القلب فما الذي يسبب تلك الأمراض؟
الرأي الغالب بين الباحثين اليوم هو أن السبب الرئيسي لأمراض القلب ليس الكولسترول بل الالتهابات وما يمكن تسميته الإجهاد التأكسدي oxidative stress وهو الناجم بصورة خاصة عن تناول مختلف أنواع الأغذية السكرية (الكاربوهايدرات).

“خيارات لا بديل لها لحماية القلب وخفض الكولسترول : نظام غذاء صحي، لياقة بدنية وترك السكريات والنشويات”

أدوية خفض الكولسترول خطرة
وعديمة الفائدة
أجرى الباحثون 40 تجربة لمعرفة أثر خفض معدل الكولسترول في الدم على أمراض القلب وقد تبيّن أنه لا توجد علاقة بيت الأمرين، فقد ظهر من بعض التجارب أن خفض الكولسترول يخفض خطر الإصابة بالأزمات القلبية بينما ظهر من تجارب أخرى أنه يزيد في خطر الإصابة بها، وعندما تمّ دمج نتائج كل تلك الدراسات تبين أن نسبة الذين ماتوا من أمراض القلب في فئة الذين تناولوا العقار الخافض للكولسترول كانت مماثلة لحالات الوفيات من أمراض القلب في فئة الذين لم يتناولوا أدوية خافضة للكولسترول، وهذا يعني أن الخفض المصطنع لمعدل كولسترول الدم عن طريق عقار “ستاتِن” لم يخفض أبداً خطر الإصابة بأمراض القلب.
كما أكدت دراسة حديثة لمعهد ماساشوستس للتكنولوجيا MIT أنه لا يوجد أي دراسة علمية تمكّنت من إثبات أن عقار “ستاتن” يمكنه أن يساعد على خفض احتمالات الوفاة من أمراض القلب أو غيرها، وهذا يعني أن مفعول “ستاتِن” لا يختلف عن المفعول الذي ستحصل عليه لو أنك لم تتناوله أصلاً، على العكس من ذلك وبدلاً من تحسين مستوى صحتك أو إطالة عمرك فإن أدوية خفض الكولسترول تساهم في تدهور نوعية الحياة بتدميرها للعضلات والكبد والكلى ووظائف القلب. بحسب ستيفاني سينيف مُعدَّة تلك الدراسة فإن أدوية “ستاتِن” تعمل عبر إحباط عمل أنزيم مساعد أساسي هو المسمى conenzyme A reductase HMG وهو المسؤول عن الخطوة الأولى من أصل 25 خطوة يتطلبها إنتاج الكولسترول، وهذه الخطوة تتلوها عادة مجموعة عمليات يتم خلالها تركيب عناصر تقوم بدور أساسي في تنظم عمل الخلايا ومضادات الأكسدة في الجسم، وأحد هذه العناصر هو الأنزيم المعروف بـ Q10 والذي يوجد بأعلى نسبة كثافة في القلب ويعمل بالتالي كمضاد محتمل للأكسدة.
يتدخل “ستاتِن” أيضاً في آليات التواصل وإطلاق الإشارات بين الخلايا باستخدام بروتينات معروفة بإسم G-proteins والتي تنسق رد فعل الجسم الحيوي تجاه أنماط مختلفة من الإجهاد التي يتعرض لها، وأحد العناصر البالغة الأهمية التي يعطلها مكوِّن ستاتِن عنصر دوليكول dolichol الذي يلعب دوراً حيوياً في حياة الخلية ومبادلاتها. ويقول الدكتور جوزف مركولا وهو يدير أبرز موقع في العالم في الطب الطبيعي إن المرء لا يستطيع أن يتخيل الآثار المتعددة التي يمكن لهذا النوع من الاضطراب الذي يحدثه عقار “ستاتِن” على قدرة خلايا الجسم على العمل نتيجة تدخله في عمل الأنزيم المساعد HMG coenzyme A reductase وبالتالي “لا يوجد أي شك في أن عقار “ستاتِن” سيجعل من أيامك الباقية على هذه الأرض أقل انشراحاً بكثير عما يجب أن تكون”.
ومن المعروف أن “ستاتِن” يخفض العنصر CoQ10 من خلال تعطيل العملية التي يستخدمها الكبد لإنتاج الكولسترول، كما إن “ستاتِن” يخفض قدرة الدم على نقل هذا العنصر الحيوي لحياة الخلايا وغيره من مضادات الأكسدة التي تعمل بالاتحاد مع المواد الدهنية.
إن خسارة عنصر الـ CoQ10 يؤدي إلى خسارة الخلايا لطاقتها على العمل وإلى زيادة كبيرة في الجذور الحرة free radicals وهذه العناصر المخربة المسؤولة عن الشيخوخة تقوم بدورها بإيذاء مركز طاقة الخلية في ما يسمى الـ mitochondriom وهو الجزء المسؤول عن توليد الطاقة الكيميائية التي تعيش عليها الخلية، وهو ما يطلق بدوره المزيد من الجذور الحرة ويزيد في تدهور وضع الخلية.
رغم أن هذه المضاعفات الخطرة في عمل عقار “ستاتِن” معروفة فإن الدواء الذي يباع في الولايات المتحدة لا يحمل أي تحذير بشأنه، كما إن العديد من الأطباء الأميركيين الذين يصفون “ستاتِن” لا يلفتون المرضى إلى تأثيره في استنزاف العنصر الحيوي CoQ10. على العكس من ذلك، فإن العلب التي يباع فيها “ستاتِن” في كندا تحمل تحذيراً واضحاً حول هذا الموضوع كما إنها تحمل تحذيراً من أن النقص في هذا العنصر الغذائي قد يؤدي إلى التأثير على عمل القلب لدى المرضى الذين يعانون احتمال الإصابة بفشل القلب.

كيف تنظم معدلات الكولسترول؟
توصّلنا إذاً مما سبق إلى نتيجتين أساسيتين:
إن الجسم قادر على تنظيم معدل الكولسترول الذي يحتاجه من خلال عمل الكبد.
إن العقارات الخافضة للكولسترول تتسبب بأضرار فادحة للوظائف الحيوية للجسد من دون أن ينجم عنها أي فائدة في الحؤول دون الإصابة بأمراض القلب.
لكن لا يعني كون الجسم قادراً على تنظيم معدل الكولسترول عدم اتخاذ أي احتياطات أو تدابير للمساعدة على بناء صحة قوية ومتوازنة، كما إنه لا ينفي أن في إمكاننا عبر سلوكنا الغذائي والجسدي مساعدة الجسم على عملية تنظيم الكولسترول بصورة طبيعية تماماً.
وفي الواقع هناك طريقتان لا ثالث لهما للمساعدة على تنظيم معدلات الكولسترول وكذلك الاحتياط ضد إصابة القلب وهذان الخياران هما بكل بساطة في متناول الجميع وهما:
1. الأخذ بنظام للتغذية الصحية
2. الحفاظ على اللياقة البدنية من خلال النشاط الرياضي والجسدي
والمهم هنا أن نضع في الاعتبار أن 75% من الكولسترول يتم إنتاجها في الكبد وأن عمل هذا الأخير يتأثر بقوّة بمستويات الأنسولين في الدم.
ولهذا، فإن الهدف الأول يجب أن يكون الإحتفاظ بمعدلات أنسولين صحية، فإن تمّ ذلك فإنك ستتمكن بصورة أوتوماتيكية من تنظيم معدلات الكولسترول وبالتالي خفض احتمال إصابتك بالسكري وبأمراض القلب.

حماية القلب عملية وقاية شاملة
لا يوجد “دواء سحري” لشفاء أمراض القلب في غياب اتباع سياسة غذائية سليمة، لأن السبب المستمر لتراجع صحة الجسم والقلب هو تطور مقاومة الأنسولين على مستوى الخلايا Insulin resistance نتيجة استهلاك الكثير من منتجات السكر والحبوب ولاسيما سكر الفريكتوز، لذلك فإن النصائح الأهم التي يقدمها أطباء الغذاء اليوم من أجل تنظيم معدلات الكولسترول هي :
• إبدأ بخفض كبير في ما تتناوله من مواد سكرية أو حبوب بما في ذلك الخبز والكعك والمعجّنات الشعبية جداً في بلادنا، وانتقل – إذا كنت مصمماً فعلاً على إنهاء معضلة الكولسترول المرتفع في الدم- إلى إلغاء كل هذه الأطعمة الضارة من لائحة طعامك. ومثل هذا النظام الغذائي المسمى Low Carb Diet سينعكس في وقت قصير على معدل الكولسترول (خصوصاً من خلال انخفاض كبير في التريغليسريد) كما إنه سيخفف خطر الإصابة بالسكري وأمراض القلب وغيرها من الأمراض المزمنة.
• أدخل في غذائك الكثير من عنصر (أوميغا 3) omega 3 ومن الدهون العالية النوعية وتجنّب الزيوت المهدرجة والزيوت النباتية المحمّاة واستخدم خصوصاً زيت الزيتون النيئ وجوز الهند وزيت جوز الهند ومنتجات الألبان من الحليب العضوي وخصوصاً من الغنم أو الماعز وبيض الدجاج السارح المربى على الحبوب والأغذية الطبيعية، والأفوكادو والمكسرات غير المحمصة مثل الجوز واللوز والصنوبر والكاجو وغيرها وكذلك اللحم العضوي من الحيوانات المسمنة على الأعشاب الطبيعية.
• إنتبه إلى معدل الفيتامين (د) Vitamin D من خلال التعرض بصورة كافية إلى الشمس أو استخدام سولاريوم من نوعية جيدة، وفي حال تعذر ما سبق تناول معدلاً مناسباً من فيتامين D3 مع جرعة ملازمة من فيتامين K2 الذي يساعد على امتصاص الجسم للفيتامين (د) ويكمل وظائفه.
• مارس الرياضة (رياضة المشي خاصة) بصورة يومية
• اجتنب الكحول والتدخين وغيرهما من العادات الضارة بالصحة.

عقار ستاتن أكبر فضيحة دوائية في تاريخ الطب المعاصر
عقار ستاتن أكبر فضيحة دوائية في تاريخ الطب المعاصر

مضاعفات الأدوية
المخفِّضة للكولسترول

يمكن لعقار “ستاتِن” والأدوية المصممة لخفض الكولسترول التسبب بالأعراض الجانبية التالية:
1. شعور دائم بالتعب
2. ضعف وآلام العضلات
3. مرض الموت التدريجي للعضلات
4. زيادة الأنزيمات في الكبد وهو ما قد يؤدي إلى تلفه
5. تلف الأعصاب في اليدين والقدمين
6. تآكل نظام المناعة
7. العجز الإنجابي
8. زيادة احتمال الفشل القلبي

الحوار الاسلامي المسيحي

قراءة في كتاب الدكتور الشيخ سامي أبي المنى

الحوار الإسلامي المسيحي في لبنان
رؤية الموحِّدين الــدّروز1

مرجع لفهم قضية مركزية في العلاقة الإسلامية المسيحية
ودليل إلى فهم الموحِّدين الدروز وتاريخهم وثقافتهم الحوارية

يعتبر الحوار الإسلامي المسيحي في لبنان من أبرز المواضيع التي يشارك فيها مثقفون ورجال دين وسياسة من مختلف الطوائف المنتمية إلى الجماعتين الروحيتين في لبنان. وهناك شخصيات حوارية ومجالس حوار وندوات حوار تشكّل في مجموعها بيئة مميزة في لبنان. ويعتبر الشيخ سامي أبي المنى الشاعر والأديب من الشخصيات الحوارية المعروفة بسبب ما يتميز به من شخصية هادئة ولباقة وأسلوب راق في التعبير عن الاختلافات، وهو من الشخصيات التي تدعى بإستمرار للمشاركة في الندوات الثقافية أو في الحوارات التلفزيونية، وقد ساهم بمداخلاته المتَّزِنة في تقديم صورة إيجابية ومضيئة عن الموحِّدين الدروز خصوصاً من خلال الأقنية الفضائية التي تصل إلى قسم كبير من الجمهور اللبناني والعربي.
نهج الشيخ سامي أبي المنى الحواري والتوفيقي طبع بوضوح مؤلفه الجامع حول موضوع الحوار، لكن الكتاب متأثر أيضاً بوظيفته الأصلية كأطروحة للدكتوراه الجامعية، والتي لا بدّ من اتباع منهجية معينة في إعدادها وفق المعايير السائدة في الوسط الجامعي، لذلك جاء جيد التبويب، شديد التفصيل، مدعَّماً بلائحة من مئات المراجع استغرقت 12 صفحة، بل إن من الممكن وصف الكتاب باعتباره عدة كتب في مجلد واحد، وهو لهذا يحمل فوائد عدة ويترك للقارئ خيار التوقف أكثر عند الموضوع الذي يرتدي أولوية بالنسبة له. خذ مثلاً الفصل الوافي عن الموحِّدين الدروز الذي قصد الشيخ أبي المنى من خلاله تقديم دفاع عقلاني عن موقف طائفته من خلال البحث بعمق في هويتها الروحية الإسلامية والعربية ودورها التاريخي في الدفاع عن الدولة الإسلامية وتنظيمها الاجتماعي ومسلكها الروحي والأخلاقي وتسامحها الشهير، وهو يقدّم دليلاً موجزاً عن الموحِّدين الدروز لمن ليس له إلمام كاف بحقيقتهم أو من يحمل أفكاراً مغلوطة عنهم متأثرة بالأغراض السياسية وتاريخاً طويلاً من التكاره بين الفرق في الإسلام، وهو يصف قومه بأنهم “أهل تسامح وعرفان وتصوف” وهم قبل كل ذلك مُوحِّدون وأتباع مذهب يدين بالإسلام.
وفي ما يحمل الموحِّدون الدروز هوية ثقافية وروحية يتمسكون بها وهي متأصلة فيهم فإنهم من الناحية الاجتماعية منفتحون يتقبلون الآخر بسهولة بل يتفاعلون معه ويأخذون من نواحي تميزه كما يظهر من العلاقة التاريخية مع الطوائف الإسلامية ثم وبصورة خاصة مع الموارنة الذين استقدم العديد منهم من قبل أمراء الدروز لأهداف اقتصادية لكنهم أُعطوا في الوقت نفسه كل ما يمكنهم من ممارسة شعائرهم والتعبير عن هويتهم. وفي هذا السياق، يلفت وصفه للمثقفين الدروز بأنهم “ينسجمون مع فكرة الحوار والانفتاح، فهم ذوو عقل ليبرالي متحرر يميل إلى العلمانية في التفكير، وبذلك ينسجون علاقات فكرية ووطنية واجتماعية مع نظرائهم من اللبنانيين، وهذا ما يفسر انخراط العديد منهم في المنظمات والأحزاب اللاطائفية، وفي الحركات النضالية على مستوى البلاد والوطن العربي (وهو هنا يشير على الأرجح إلى دورهم في الثورة العربية وفي الجهاد في فلسطين ثم الثورة السورية الكبرى وفي غيرها من أعمال النهضة العربية، والأهم من ذلك اهتمامهم الفعلي بالحوار، ولعب دور فاعل ووسطي وتقريبي بين جميع المواطنين”.
وفي سياق عرض تقاليد التسامح والحوار لدى الموحِّدين الدروز يضيف الشيخ أبي المنى فصلاً خاصاً عن المعلم كمال جنبلاط، إذ يعتبره النموذج الأكمل على التنوع والغنى في مصادر ومقومات التوحيد الدرزي وعلاقته التقدمية والإنسانية مع الآخر.
وهو يورد شرح المعلم الشهيد للأسس التي يقوم عليها تلاقي المسيحية والإسلام على ثلاثة أركان هي: 1- ملتقى العقائد 2-منحى التجمّع البشري والاجتماع الحياتي 3- مستوى الحضارة العربية الشرقية الواحدة.
ويزيد المؤلف هذا الوصف البليغ من قبل المعلم كمال جنبلاط لأبرز معوقات الحوار والتعايش الحقيقي (لا “التكاذبي”) والتي يصفها على هذا النحو في كتابه “في ما يتعدى الحرف” إذ يقول: “إن أزمة لبنان غير المعلنة هي في ازدواجية التعاطي والأخذ والردّ، والقول والعمل، وهو عقدته النفسية العميقة التي تمنع المواطنين من التوحّد والتكامل والانصهار في بوتقة الخليّة الاجتماعية والوطن والدولة” (كمال جنبلاط: “في ما يتعدى الحرف” – ص 14).
ويبرز الشيخ سامي في الفصل الخاص عن كمال جنبلاط رؤية المعلم المتقدمة لتكامل المسيحية والإسلام فيورد أولاً تأكيد كمال جنبلاط على أن الرسول محمد بن عبد الله (ص) هو مؤسس الحضارة العربية وهو ذاته مؤسس الإسلام.. لكن الحضارة العربية لم تقتصر على الشعب العربي وحده أو على المسلمين لأن النصرانية أسهمت إسهاماً ضخماً في الحضارة العربية الإسلامية لهذا، فإن النصرانية حسب كمال جنبلاط هي “وديعة الإسلام الحقيقي، وهو بدوره وديعتها في ما يتحلى به من قيم وحضارة في بلاد المشرق” داعياً الجميع لأن يدخلوا “في سياق مجرى تطور الجماعة نحو علمنة الدولة واشتراكية الاقتصاد وازدهار الفن والأدب وتنمية روح الكشف عن الكنوز الدفينة وتجاوز حدود المكان والزمان لنرى الحقيقة على الدوام كما هي” (في ما يتعدى الحرف).. والاشتراك الحقيقي بين النصرانية والإسلام بحسب كمال جنبلاط هو في النهاية “الاشتراك في التوحيد الحكمي والفلسفي والمعرفي والإنساني والعرفاني”.
يقدّم الشيخ سامي في خواتيم الكتاب مجموعة اقتراحات تتعلق بترسيخ مناخ الحوار ومفهوم المواطنة عبر إصلاح التعليم مثلاً وعدم التدخل في كتابة التاريخ وتعليمه بتأثير العقائد والأهداف السياسية حتى ولو كانت نبيلة مثل دعم فكرة الوحدة الوطنية، لأن التاريخ علم قائم بذاته يعتمد بالكلية على الوقائع والموضوعية في العرض والتحليل.
نعود إلى القول إن كتاب الشيخ سامي أبي المنى واسع وغني بالتفاصيل وهو مكتوب كرسالة طويلة في الإقناع وفي تبيان أسس الحوار وقواعده وغاياته، لكن المؤلف لا يترك القارئ قبل أن يضع لكتابه خاتمة يمكن اعتبارها بمثابة “مانيفستو” يتضمن مجموع القواعد التي يجب أن يقوم عليها الحوار والتضامن الوطني والاجتماعي بين اللبنانيين ومنها بصورة خاصة:
1. إن تلاقي الأديان هو السبيل الوحيد لإنقاذ البشرية وإنقاذ الإنسان

الكتاب
الكتاب

2. إن لبنان لا يمكن أن تحكمه طائفة واحدة على حساب الآخرين وإن النزاعات المكلفة التي قامت من حين لآخر بين اللبنانيين تفرض عليهم أن يتوجهوا نحو الدولة المدنية أو “دولة المواطنة الجامعة”.
3. إن تطبيع العلاقات بين المسلمين أنفسهم أصبح اليوم أكثر إلحاحاً وإن المصالحة الإسلامية-الإسلامية ضرورة أساسية لإنقاذ الحوار الإسلامي المسيحي نفسه.
4. إن المسالمة الحقيقية لدى الموحِّدين الدروز هي مسالمة داخلية مع الذات ومسالمة مع الآخر وهم منفتحون على المستقبل وقابلون بإجراء النقد الذاتي، وهم لذلك يعتبرون أن الحوار يجب أن يبدأ مع الذات وتنقيتها لكي يصحّ مع الآخر.
5. إن الموحِّدين الدروز يعتبرون أن مسلكهم الإسلامي التوحيدي العرفاني هو نقطة الاشتراك مع كلّ الأديان والمعتقدات
6. إن رسالة الموحِّدين الدروز الجديدة يجب أن تشمل في نظر العديد من مثقفيهم المشاركة في تجديد الخطاب والفكر الإسلاميين ومقاومة التطرف.
ر.ح.

مقابلة مع المفكر

مقابلة مع المفكر الفرنسي الراحل تزفيتان تودوروف

«العيش خلف جدار يشوهك من الداخل»

الجدار الإسرائيلي إغتصب أراضي إضافية تعود إلى الفلسطينيين
وسياسة فصل الأراضي عن بعضها تذكر بجنوب أفريقيا العنصرية

الجدران الدفاعية فقدت فعاليتها بسبب إختراع المتفجرات
لكن حلّت محلها جدران معادية للمهاجرين الساعين لحياة أفضل

يعتبر تزفيتان تودوروف المفكر الفرنسي البلغاري الأصل من أبرز الكتّاب الإنسانيين الذين عاشوا في أوروبا وكان له تأثير كبير في الأوساط الأكاديمية وأوساط المثقفين كإنسان منفتح وذي نزعة علمانية.
إهتم بعلم الأنتروبولوجيا والفلسفة والنقد الأدبي وعلم الإجتماع، وشغل منصب مدير المعهد الوطني للأبحاث العلمية في باريس العام 1968 قبل أن يصبح مديراً فخرياً له. عمل كأستاذ زائر في عدد من الجامعات الدولية والأميركية منها جامعة هارفرد وييل وكولومبيا وجامعة كاليفورنيا وجامعة بركلي، نشر 21 كتاباً من بينها كتابه عن “شاعرية النثر” و”غزو أميركا”، كما نشر كتاباً حول أخلاقيات معسكرات الإعتقال النازية والستالينية وكتاباً عن “الخوف من البرابرة”: La Peur des barbares (2008) وكتاب”الأثر الإنساني” La Signature humaine (2009)، وهو عضو في هيئة تحرير مجلة Books.
ولد تودوروف في بلغاريا في العام 1939 أول آذار وتوفي مؤخراً في 7 شباط 2017 عن عمر يناهر 77 عاماً. وبهذه المناسبة نعرض هنا لمقابلة أجرتها معه مجلة Books تناولت رأيه في الحواجز المتزايدة بين الإنسانية والجدران الفاصلة وكره الأجانب. وفي ما يلي نص المقابلة كما ترجمها الأستاذ نبيل أبي صعب.

> منذ سقوط جدار برلين في عام 1989، فإن العديد من الجدران الهادفة للفصل بين السكان جرى بناؤها أو هي قيد الإنشاء في العالم. هذه الجدران ألا تشهد جميعها، بطريقة أو بأخرى، على هذا “الخوف من الأغراب” الذي هو عنوان كتابك الأخير ؟
في الواقع، لست متأكداً من أن لنا مصلحة في توحيد جميع الأسئلة التي تطرحها الجدران المختلفة التي، هنا أو هناك، تفصل السكان في ما بينهم. الأهداف المادية من الجدران تشمل وظائف متنوعة جداً. حائط برلين، إذا ما بدأنا به، ينتمي إلى فئة نادرة. فبينما كانت معظم الجدران تهدف إلى منع الأجانب من الدخول إلى البلد، كان ذلك الجدار يهدف على العكس من ذلك إلى منع سكان البلاد من الذهاب إلى الخارج. هذا الجدار كان الجزء المجسد، المحسوس من الستار الحديدي، سور سجن أقامته الحكومات الشيوعية حتى لا تتمكن شعوبها من الهرب، لم يستخدم لحماية السكان المدنيين بل لحبسهم.
فئة أخرى من الجدران، تمثلها تمثيلاً جيداً الجدران الحدودية بين البلدان التي كانت في حالة حرب، هذه هي اليوم حال الأسوار التي تفصل بين الكوريتين، وبين الهند والباكستان في كشمير، أو بين الجزءين اليوناني والتركي من قبرص. لقد توقفت المعارك، ولكن لم يتسنّ بعد إقامة السلم، فكل فريق يحتمي إذاً خلف حاجز منيع.

> جميع الجدران الأخرى، مع ذلك، ألا تعكس الخوف من الغريب، أو حتى من الآخر؟
جدران الحماية هي في الواقع أكثر انتشاراً وقد لعبت دوراً بالغ الأهمية في الماضي البعيد، في ذلك العصر حيث تدمير جدار كان عملاً صعباً. من هنا جدار هادريان الحامي للإمبراطورية الرومانية أو سور الصين العظيم، وكذلك أيضاً التحصينات المحيطة بالمدن في القرون الوسطى. هذه الجدران، التي خدمت الدفاع العسكري، هُجرت تدريجياً لأن التقدم التقني (وعلى الأخص المتفجرات) جعلها غير مجدية.
لكن ظهر نوع جديد من الجدران منذ بضعة عقود باتت السمة المميزة لعصرنا: وهذه هي الجدران المعادية للمهاجرين، المخصصة لمنع الفقراء من دخول البلدان الغنية للحصول على حياة أفضل. أضخم تلك الجدران هو ذلك المبني بين الولايات المتحدة والمكسيك فهو يقطع القارة الأميركية إلى نصفين، ثم هناك الجدار العازل حول الجيوب الإسبانية في شمال أفريقيا، حول سبتة ومليلية.
إلى هذه القائمة ينبغي إضافة جدران ذات قياسات أصغر تهدف إلى حماية حي ما، لأسباب عسكرية (كما المنطقة الخضراء في بغداد) لكن أيضاً بسبب الخوف المتولد عن القرب من حي فقير وسيىء السمعة، كما هي الحال في بادو. أسوار الحماية المقامة حول بعض المساكن الفاخرة تشكّل تبايناً مثيراً ضمن هذه الفئة الأخيرة: إنها غيتوهات ذهبية، حيث السكان أنفسهم هم من اختاروا سجن أنفسهم داخلها.

لماذا لم تذكر الجدار الذي كثيراً ما يُحكى عنه، الجدار الذي بنته إسرائيل في الضفة الغربية؟
ذلك لأن هذا الجدار لا يشبه أي جدار آخر، من حيث إنه يقوم بالعديد من المهام في نفس الوقت. فهو، أولاً، ورسمياً، حاجز حماية من الهجمات التي يشنّها مقاتلون قادمون من فلسطين. لا بدّ أن نأسف بالطبع لأنه لم يتم إيجاد أية وسيلة أخرى لحلّ النزاع بين الشعبين، ولكن يجب أن نقرّ أيضاً أن الهجمات انخفضت منذ إنشاء هذا الجدار بنسبة 80 %، مع ذلك، فإن دور هذا السور لا يقتصر على ذلك فهو مثلاً، لم يبنَ على الحد الفاصل بين المنطقتين، أي فوق ما يسمى “الخط الأخضر”، بل فوق أراض فلسطينية مغتصب منها في بعض الأماكن عشرات الأمتار، إلى عشرات الكيلومترات في أماكن أخرى. هذا الجدار، الذي بني من مواد صلبة، يستبدل إذاً الحدود القديمة (لا يسمح للفلسطينيين بالانتقال إلى أراضيهم في الجانب الآخر)؛ وظيفته الثانية كانت ضم جزء من الأراضي الفلسطينية، ولكنها ليست الأخيرة، لأن بناء هذا الجدار لا ينفصل عن سياسة احتلال الأراضي، التي تقوم على ربط المستعمرات التي أقيمت داخل فلسطين في إسرائيل، بواسطة الطرق المخصصة، ومناطق الفصل ومراكز المراقبة باتت الآن قطع الأرض الفلسطينية المختلفة، حيث يجد السكان الصعوبة القصوى في التواصل في ما بينهم، تشبه البانتوستانات التي تمّ إنشاؤها في عهد الفصل العنصري في جنوب أفريقيا. ما كان من المفترض أن يكون مجرد جدار حماية أصبح في الوقت نفسه منظوراً إليه من الجانب الآخر، جداراً للفصل، وجداراً للسجن، وله بالتالي وظيفة سياسية أيضاً: جعل موضوع إقامة دولة فلسطينية ذات سيادة وصالحة للعيش، جنباً إلى جنب مع إسرائيل، امراً غير قابل للتحقيق.

الجدار المرئي لا يكون أحياناً إلا الجزء “الصلب” من جدار غير منظور أو افتراضي. وهكذا، فإن الجدران المقامة حول الجيوب الإسبانية في سبتة ومليلية هي نقطة تثبيت لما يدعوه الأوروبيون الشرقيون “جدار شنغن”، وهو إجراء يهدف للسيطرة على الهجرة إلى أوروبا. ألا تلعب الجدران الافتراضية (أو القانونية) دوراً هاماً مثل الجدران المرئية؟
الجدران غير المرئية هي الحدود التي يُراد منها ألا تكون قابلة للإجتياز؛ وهي أطول بكثير من الجدران المبنية من الطوب أو الحجر أو المعدن. هكذا كانت الحال حول الكتلة السوفياتية قبل عام 1989: جدار برلين لم يكن إلا جزءاً صغيراً فقط من الستار الحديدي، الذي، مع أنه كان غير مرئي، لم يكن أقل قسوة. في الوقت الذي كنت أعيش في بلغاريا (حتى عام 1963)، لم يكن أيّ من السكان قادراً على اختراق الستار من دون إذن: كانت دوريات الحدود تطلق النار فوراً. جميع الأنباء الواردة من الجانب الآخر كانت تخضع للمراقبة، كان من غير الممكن تصور الاتصال بالخارج، لم يكن أحد يستطيع أن يقرأ من الصحافة الغربية إلا الشيوعية (حصراً)، أما المحطات الإذاعية الأجنبية فقد كان يتمّ التشويش عليها عندما كانت تبث باللغة البلغارية.

“موجات الهجرة الجديدة هي من أهم نتائج العولمة والفارق الهائل في الأجور بين الدول الفقيرة والغنــــيّة”

سبتة ومليلية
الجدران الصغيرة المحيطة بمدينتي سبتة ومليلية يجري إطالتها بوسائل أخرى. لماذا تبني جداراً عندما تكون أرضك يحدّها البحر؟ وبالمثل، ألا تضاعف الولايات المتحدة الجدار الحدودي مع المكسيك مع أنه يمكنها أن تعتمد على نهر ريو غراندي أو صحراء أريزونا لثني المرشحين عن الهجرة. الأفارقة الذين يسعون إلى الدخول إلى أوروبا يحاولون اليوم النزول في جزر: جزر الكناري، لامبيدوزا، مالطة. الدول الأوروبية تستثمر في أجهزة الرصد، من قوارب وطائرات، ورادارت وكاشفات بالأشعة تحت الحمراء أكثر مما تستثمر في بناء الجدران. إجراءات المراقبة الدقيقة التي تجري في مطار رواسي تشارك أيضاً في هذا الجدار غير المرئي، ولكن إذا ما أصبحت الهجرة القادمة من الشرق، عبر تركيا، وأوكرانيا، وبيلاروسيا أو روسيا، أكثر كثافة، أي من الجهة التي لا تحيط البحار بأوروبا، فمن غير المستبعد أن نشهد بناء جدران مادية جديدة ، جدران جديدة من الأسلاك الشائكة.

الجدار العازل في فلسطين - فصل عنصري وغطاء لاغتصاب الأرض
الجدار العازل في فلسطين – فصل عنصري وغطاء لاغتصاب الأرض

أليس من الغريب أن نرى إقامة هذه الجدران الحقيقية والافتراضية، في حين أننا نعيش وقت “العولمة” بإمتياز؟
من بين جميع الفئات التي تحدثنا عنها، ثمة فئة واحدة حديثة حصرياً: الجدران المناهضة للمهاجرين. والحال فإن هذه الجدران متعايشة جوهرياً مع العولمة: ولا توجد أية مفارقة هنا. في السابق، لم يكن فلاح مالي يخطط للذهاب إلى باريس، وفلاح هندوراس لم يكن يفكر في الانتقال للإقامة في لوس أنجلوس: كانا لا يعرفان أن هذه الأماكن موجودة أصلاً. اقتضى أن يحدث هذا الترابط الحالي الملحوظ بين أجزاء مختلفة من العالم من أجل أن يولد الحلم. في الوقت الحاضر، المنتجات المصنوعة في الشمال تنتقل بحرية إلى الجنوب، وأكثر من ذلك المعلومات والصور. الجدران المناهضة للمهاجرين هي ردّ فعل الأغنياء على نتائج العولمة على الفقراء. ردّ الفعل هذا، هذا “الخوف الجديد من الأغراب”، أمر مؤسف. إنه غير فعّال، لأنه يتصرف ضد الآثار من دون أن يهتم بالأسباب. . ولكن السبب واضح: إنه الفرق في أجر العمل، الذي يصل، بين الجنوب والشمال، من 1 إلى 10 أو من 1 إلى 100.
طالما سيظل هذا التفاوت قائماً، فإن الفقراء سوف يحاولون بكل الوسائل، المجيء إلى بلاد الأغنياء لأنها فرصتهم الوحيدة للبقاء على قيد الحياة. وسيكونون مستعدين لتحمل كل المخاطر – السير على الأقدام لمدة أسابيع فوق رمال الصحراء الحارقة، وأن تتقاذفهم لأيام وأيام أمواج البحر في قوارب الحظ… ولأنهم يقامرون بشرفهم: فإن هؤلاء الرجال مضطرون للبحث عما يطعم نساءهم وأطفالهم الذين ظلوا في البلد. فإذا لم ينجحوا بإحدى الطرق، فسوف يبحثون عن أخرى، أكثر خطراً بالنسبة لهم ولكن أيضاً، وفي نهاية المطاف بالنسبة لنا، بسبب زيادة الإستياء الناجم عن ذلك. ينبغي إذاً أن نبذل قصارى جهدنا للمساعدة على رفع مستوى المعيشة في بلادهم، لأن ذلك من مصلحتنا: سواء أحببنا ذلك أم لا، فإننا نعيش في عالم واحد. لن يكون الأمر سهلاً (فالفساد غالباً ما يسود بين النخب الحاكمة في البلدان الفقيرة)، لكنه يستحق المحاولة. المال الذي ننفقه على مراقبة الحدود وفي تشييد الجدران سيُثمر أضعافاً مضاعفة من خلال التعاون.
وبالإضافة إلى ذلك، يجب أن نحاول تغيير علاقتنا مع الأجانب في بلادنا، لأنهم إذا ما تمتعوا بحرية حركة أوسع، فإنهم ربما سيعودون في أغلب الأحيان إلى بلدهم الأصلي، ويفيدونه من معارفهم المكتسبة في أماكن أخرى. أولئك الذين يبقون لا يهددون بقاءنا: فالهوية الثقافية لشعب ما لا تظل إطلاقاً غير قابلة للتغيير، وحدها الحضارات الميتة فقط تتوقف عن التغيير. أوروبا الشائخة تحتاج إلى مدد من فئة سكانية فتية ونشطة.
عمل كبير يجب إذاً المبادرة إليه: التعاون مع الآخرين عندما يكونون في بلادهم، والتكامل عندما يستوطنون في بلادنا- لأن العولمة حركة لا رجعة فيها. ينبغي الشروع في عمل مشترك على مستوى الاتحاد الأوروبي، على أمل أن تكفّ شعوبه عن الإصغاء لشعارات التخويف التي يروجها أقصى اليمين الذي يزدهر هنا أو هناك، بما في ذلك في فرنسا، كما تدلّ على ذلك وزارة الهوية الوطنية وتشريعاتها المضحكة التي تريد أن تحول إلى جريمة عدم الوشاية بالأجنبي أو إكرام وفادته.

عند قراءة التاريخ الطويل، نرى أن الجدران آيلة للسقوط، كما جدار برلين، أو سيتم الإلتفاف حولها كما حصل لخط ماجينو إبان الحرب العالمية الثانية، أو لفقد مبرر وجودها، كسور الصين. هل ترى سبباً للتفاؤل بشأن مصير الجدران الحالية؟
معرفة أن جميع الجدران آيلة للسقوط يوماً ما هو عزاء هزيل لأولئك الذين يعانون منها. ينبغي قياس أثرها بمقياس الوجود البشري، وليس بمقياس التاريخ، وأقل من ذلك بمقياس التآكل الطبيعي. سقط جدار برلين بعد أربعة وأربعين عاماً من قيام الاتحاد السوفياتي ببناء الستار الحديدي حول البلاد التي احتلها في الحرب العالمية الثانية. أربعة وأربعون عاماً من الإختناق داخل سجن بسماء مفتوحة. والحال فإن كلاً منا له حياة واحدة فقط! لا يمكن أن نتظاهر كما لو أن السجن غير موجود وأن نعيش بإنتظار التغيير- ولاسيما وأن النظام العالمي القائم مبني ليستمر قروناً وقروناً، والجدران، حتى لو كانت قابلة للسقوط، تعيش أطول بكثير من الأشــخاص.
إضافة إلى ذلك، أن تكبر وراء الجدران يشوهك من الداخل، سينتهي بك الأمر في نهاية المطاف إلى نسيان أن هناك ما هو خارج السجن؛ أو، نادراً، أن تغذي كراهية لهذا السجن لدرجة يمكن أن تجتاح كيانك وأن تفقد كل إحساس بالفروق الدقيقة وأن لا ترى في ما حولك إلا الأبيض أو الأسود. ليس هناك ما يدعوك للطمأنينة: فالجدران، حتى لو كانت قابلة للسقوط، تعيش أطول بكثير من الأشخاص.

كتاب تودوروف حول التجربة التوتاليتارية
كتاب تودوروف حول التجربة التوتاليتارية

> عند قراءة التاريخ الطويل، نرى أن الجدران آيلة للسقوط، كما جدار برلين، أو سيتم الإلتفاف حولها كما حصل لخط ماجينو إبان الحرب العالمية الثانية، أو لفقد مبرر وجودها، كسور الصين. هل ترى سبباً للتفاؤل بشأن مصير الجدران الحالية؟
معرفة أن جميع الجدران آيلة للسقوط يوماً ما هو عزاء هزيل لأولئك الذين يعانون منها. ينبغي قياس أثرها بمقياس الوجود البشري، وليس بمقياس التاريخ، وأقل من ذلك بمقياس التآكل الطبيعي. سقط جدار برلين بعد أربعة وأربعين عاماً من قيام الاتحاد السوفياتي ببناء الستار الحديدي حول البلاد التي احتلها في الحرب العالمية الثانية. أربعة وأربعون عاماً من الإختناق داخل سجن بسماء مفتوحة. والحال فإن كلاً منا له حياة واحدة فقط! لا يمكن أن نتظاهر كما لو أن السجن غير موجود وأن نعيش بإنتظار التغيير- ولاسيما وأن النظام العالمي القائم مبني ليستمر قروناً وقروناً، والجدران، حتى لو كانت قابلة للسقوط، تعيش أطول بكثير من الأشــخاص.
إضافة إلى ذلك، أن تكبر وراء الجدران يشوهك من الداخل، سينتهي بك الأمر في نهاية المطاف إلى نسيان أن هناك ما هو خارج السجن؛ أو، نادراً، أن تغذي كراهية لهذا السجن لدرجة يمكن أن تجتاح كيانك وأن تفقد كل إحساس بالفروق الدقيقة وأن لا ترى في ما حولك إلا الأبيض أو الأسود. ليس هناك ما يدعوك للطمأنينة: فالجدران، حتى لو كانت قابلة للسقوط، تعيش أطول بكثير من الأشخاص.

كل هذه الجدران التي نتحدث عنها، الحقيقية أو الافتراضية، ترمز دائماً الى الخوف من الآخر. أليس هذا الخوف جزءاً مما يسمى طبيعة الإنسان؟ أليست الإنسانية محكومة إذاً بعقلية بناء الجدران؟
طبيعة المجتمعات البشرية نفسها، وكذلك أيضاً طبيعة الحيوانات العليا، هي أن تقيم علاقات مع المجتمعات الأجنبية من نفس النوع، والخوف أحد ردود الفعل المحتملة في ظل هذه الظروف، إلا أنه أبعد من أن يكون الوحيد فقط. عندما تتلامس اثنتان من المجموعات البشرية، وتتباين مصالحهما، فإنهما تستطيعان، بطبيعة الحال، أن تختارا الانفصال: سواء بالتباعد، أو بتشييد جدار ما، ويمكنهما أيضاً، وهذا أسوأ ما في الأمر، الدخول في حرب قد تكون نتيجتها إبادة الخصم أو خضوعه الكامل (هنا فرض علاقة السيطرة هو الذي يسمح بوقف الحرب)، ولكن انطلاقاً من تباين المصالح نفسها، يمكنهما أيضاً الإنخراط في تفاوض ما، وهو أمر ينطوي على تقديم تنازلات متبادلة من الجانبين، والتفاوض يأخذ ألف شكل وشكل، المشترك بين كل أنواع التفاوض هو تجنّب الانزلاق إلى القطيعة، أو الحرب أو الخضوع، بسبب الخوف من الآخر، والتفاوض هو من طبيعة الجنس البشري، لأنه يفترض مسبقاً استخدام اللغة والأخذ في الاعتبار عامل الزمن، سواء في ما يتعلق بالماضي أم بالمستقبل.

مقابلة أجرتها مجلة Books.
ترجمة : نبيل أبي صعب

بعــــذران

بعــــذران

بلدة التاريخ والرجال

سراي آل جنبلاط بناها الشيخ علي لمناعة المكان
والتعايش الدرزي المسيحي راسخ فيها منذ القدم

حافظت على حرف تراثية مثل صناعة أطباق القش
ونول الشيخ ريدان باز ما زال يبدع العباءات الملوكية

بعذران بلدة شوفية تاريخية تقع على أرض منبسطة في سفح جبل الباروك وتطل على مرج بسري وقرى الشوف وهي بسبب طبيعتها المنبسطة تتمتع بميزة مهمة وهي أنها تستقبل الشمس من شروقها حتى لحظة غروبها، ولا تتمتع البلدة بالينابيع والعيون التي تتفجر في سفوح الشوف الحيطي بسبب وقوعها على منحدرات أدنى في الجبل، لذلك فقد كيّفت زراعتها لتكون في معظمها بعلية أو بكلمة أصحّ زراعات مطرية تعتمد على فصل الأمطار ولا تحتاج بطبيعتها إلى الري، مع ذلك تتمتع بعذران بطبيعة خضراء إذ تحيط بمنازلها المبنية على الصخر أشجار السنديان والأرز والصنوبر وجنائن من كافة أشجار الفاكهة كالتفاح والدرّاق والكرز والتين والعنب.
اشتهرت بعذران أولاً بخلوات القطالب التي تعتبر من أقدم خلوات الموحدين الدروز وأعرقها، إذ يقصدها العقال والزهاد منذ القدم للإقامة فيها أو خدمتها أو لأغراض الزيارة، وقد شهدت الخلوات عمليات توسعة وتحديث وتمّ ربطها بالطريق العام مما أصبح يسهل الوصول إليها، لكن أكثر ما سلّط الأضواء على البلدة الوادعة اختيارها من قبل المغفور له الشيخ محمد أبو شقرا شيخ عقل الطائفة لتكون مقرّ إقامته ، إذ بنى فيها بيتاَ أحاطه بأغراس من الصنوبر التي غدت اليوم حرجاً كبيراً مظللاً للمنزل، ولا يزال البيت قائماَ حتى الآن ويسكنه نجله الشيخ نبيه أبو شقرا، وقد حولت إقامة الشيخ محمد أبو شقرا البلدة إلى مقصد للجماهير الغفيرة ومكان للاجتماعات المهمة خصوصاً لعقّال الدروز وكثير من تلك الاجتماعات كانت تعقد في خلوات القطالب نفسها التي تقع في البلدة. لكن بعذران مشهورة أيضاً برجالاتها وبعائلاتها والشخصيات والمشايخ الثقات ورواد الأعمال الذين برزوا فيها عبر الأزمنة. ومن أبرز عائلات بعذران من الدروز : سلّوم- هاني- حلبي- باز- شاذبك- تاج الدين- أبو حسن- خطّار-علامة- يقظان- أبو زيد- قاسم- أبو نصر الدين- عبد القادر. ومن المسيحيين: قهوجي- لطيف- أبو عيسى- شكر الله- غيث- أبو ملهب- أبو قزحيا.
وتمتاز بعذران بتعايشها الدرزي المسيحي بشكل طبيعي حيث يتشارك أهل البلدة جميع المناسبات كما يمتاز المسيحيون عن بقية قرى المنطقة بالإقامة الدائمة صيفاً وشتاءً.

بعذران في التاريخ
تفيد الروايات التاريخية أن البلدة الوادعة كانت محطة استراحة للجيوش الرومانية في القرن الأخير قبل الميلاد ومحطة رئيسة في العهود القديمة بين شمال سيناء وفلسطين وبلاد الشام تعبرها القوافل والجيوش في تجارتها وحروبها وذلك بسبب وقوعها على الطريق الطويل الممتد من صيدا إلى بلاد الشام عبر سهل البقاع. وترتفع البلدة 1,100 متر عن سطح البحر وتبلغ مساحتها 8.5 كيلومتر مربع وهي تبعد عن العاصمة بيروت 59 كلم، أما عدد سكانها بمن فيهم غير المقيمين فيناهز 3,500 نسمة.

المعالم الدينية
إلى جانب خلوات القطالب، توجد في بعذران خلوة أثرية هي خلوة الشيخ أبو علي سليمان تاج الدين التي تهدمت بعامل الزمن كما يوجد فيها مجلس ذكر للموحِّدين الدروز، وتوجد في القرية أيضاً كنيستان يؤمهما المسيحيون من أبناء البلدة وهما كنيسة مار الياس وكنيسة آل لطيف.

الكنيسة
الكنيسة

المعالم الأثرية والطبيعية
تتمتع بلدة بعذران بموارد طبيعية وبمعالم بيئية لافتة منها:
• صخرة (مَصّار) أبو منقور وهو الصخر المنحني على مدخل البلدة كأنه يرحِّب بالزوار.
• عدد من الينابيع التي كانت تغذي البلدة بمياه الشفة وهي: عين الضيعة: ويستدلّ من طريقة بنائها أنها تعود إلى العصور القديمة، وعين المراح التي كانت تغذي البلدة بمياه الشفة وعين القبو: المعروفة عامياً عين (قبيل).
• قلعة الكواير: وهي كناية عن مساحة صخرية طبيعية تظهر فيها عوامل التعرية من رياح وأمطار بشكل قلّ نظيره.
• وهناك في البلدة غطاء نباتي أخضر يضم ما يزيد على 20 نوعاً من الأشجار أهمها: أشجار الصنوبر والسنديان الموجودة في ثلاثة أحراج رئيسية هي حرج الدبشة وحرج الصنوبر وحرج عين الصيفية، وجميع هذه الأحراج صالحة للتخييم ورياضة المشي ومراقبة الحيوانات والطيور وللنشاطات المختلفة كما تحتوى البلدة على عدد كبير من شجر السنديان المعمّر.
• عين الضيعة وتحتوي على آثار رومانية.
• أربعة نواويس في موقع طبيعي قريب من منطقة الخرايب الأثرية وقد وجد الى جانبها وعاء زجاجي ازرق طوله عشرة سنتيمترات ربما كان مخصصاً لجمع الدموع على الأموات حسب الطقوس الجنائزية عند الفينيقيين.
• ثلاث مغاور مدفنية في محلة شقير في إحداها نقش نسر كبير في الحائط المواجه للمدخل والنسر كان رمزاً لإله الشمس في العصرين الهلّيني والروماني.
• بقايا معاصر العنب ويقول كبار السن في البلدة إن ما يزيد على 13 معصرة للعنب كانت تعمل قديماً في بعذران لوفرة موسم العنب فيها ولا تزال أجرانها الأثرية المحفورة في الصخر قائمة.
• بلايط الهوا وتعتبر موقعاً أثرياً وسياحياً حيث أقيم على سطحها مطعم كبير مطل على مرج بسري ووادي نهر الباروك وقرى الشوف وأصبح مقصداً للزائرين.

بوابة تاج الدين
باني هذه البوابة الشيخ التقي رباح ابن تاج الدين سنة 1086هـ (1675م.)، وقد أصدرت مديرية الآثار في وزارة التربية في سنة 1960 قراراً صنّفت بموجبه البوابة ضمن الآثار اللبنانية وقامت الدولة على أثر ذلك بترميمها باعتبارها موقعاً أثرياً.

سراي آل جنبلاط
فضل مؤسس الزعامة الجنبلاطية علي جنبلاط الإقامة في بعذران وكان بإمكانه الإقامة في مزرعة الشوف أو عين قني أو المختارة وذلك ربما لمناعتها الطبيعية، فاشترى جزءاً من حارة أبو حسن وبنى قصراً في شمال المنبسط الذي تقوم عليه بعذران وأنشأ فيه الآبار لتلافي مشكلة قلة المياه وسكنه حتى وفاته وأحدث عليه أبناؤه وأحفاده إضافات. وللقصر مدخلان حول بوابة كل منهما نقش أسدان ويعرف حالياً بسراي آل جنبلاط. وينبسط أمام القصر من الناحية الشمالية ميدان لاستقبال الحشود ولإقامة سباقات الخيل وسائر ألعاب الفروسية وأهمها الجريد، وكان قصر علي جنبلاط في زمنه تعبيراً بليغاً عن الثروة والمركز اللذين توافرا له، إلا أن خلفاءه الذين سكنوا مدة في بعذران انتقلوا منها إلى المختارة ثم إلى البرامية.
وتعتبر سراي آل جنبلاط من المعالم الأثرية الرائعة، لكن أصبحت مهجورة ومهملة وأدى ضعف الصيانة من عوامل الطبيعة خصوصاً الأمطار إلى إضعاف بعض هياكل البناء وتصدّع جدران وانهيارات في بعضها، وخشي المعنيون على هذا المعلم الأثري، إلا أنه تمّ في الفترة الماضية إجراء أعمال ترميم أساسية للمبنى الذي تمّ مؤخراً تصوير فيلم (ابن حنبل) في أرجائه.

بعذران إدارياً
في بعذران مختاران اثنان هما إلياس هاني ووليم أبو عبسي وتتألف بلديتها من اثني عشر عضواً منهم خمسة أعضاء من الطائفة المسيحية ويترأسها الأستاذ أحمد سلّوم. وإلى جانب قيامه بمهماته في خدمة البلدة، يعمل المجلس البلدي على تنفيذ المشروع الذي بدأته البلدية السابقة وهو مشروع “قريتي” الذي يتضمن إنشاء مبنى للبلدية وموقف سيارات ومكتبة عامة ومستوصف وحديقة عامة وملاعب رياضية وبئر ارتوازية، وتمّ في منتصف شهر آب 2014 وضع حجر الأساس للمجمع البلدي، تمهيداً لبدء الأعمال فيه .

النشاطات العامّة
تنظّم كل من البلدية والنادي الرياضي والرابطة الثقافية والمدرسة الرسمية والكشاف التقدمي والجمعيات الأهلية احتفالات بالأعياد كالأضحى ورأس السنة وعيد الفصح ومهرجانات رياضية وكرمساً سنوياً.
يقام في بعذران سباق ماراثون سنوي برعاية قائد الجيش.

نول وحرف تراثية
تحافظ بعذران على بعض المهن والحرف القديمة كصناعة المأكولات القروية التقليدية- صناعة أطباق القش، الأشغال اليدوية والحياكة على النول والنحت على الصخور والرسم وغيرها. ويعتبر النول حرفة قديمة شبه منقرضة على صعيد الوطن إنما في بعذران حرفة النول لا تزال قائمة، وقد تأسس النول في بعذران سنة 1918 على يد الشيخ ريدان باز وبعد وفاته تسلّمه حفيده السيد نزيه نبيه باز ولا يزال يعمل وينتج حتى هذا التاريخ ومن أعماله حياكة العباءات الشرقية وأطلق عليها في معرض نور الحسين في الأردن اسم العباءات الملوكية، كما ينتج النول حالياً المفارش للجلسات الشرقية وهو مستمر في المشاركة في المعارض اللبنانية والعربية كبيت المحترف اللبناني وفي سوق الزوق والكسليك وفي المملكة الأردنية.

بيوت الضيافة وسياحة درب الجبل
على مدار السنة تقوم سياحة (درب الجبل) سيراً على الأقدام لمسافة إجمالية تبلغ نحو 466 كلم وينطلق الدرب من القبيّات في عكّار وينتهي في مرجعيون، والهدف منه التعرّف على الجغرافية اللبنانية والمناطق الطبيعية الرائعة الجمال وكذلك بهدف تشجيع السياحة البيئية والرياضة، ولأجل ذلك أُقيمت في بعذران سنة 2008 بيوت الضيافة بدعم أميركيين من أصل لبناني ومن وكالة التنمية الأميركية USAID وتستقبل بيوت الضيافة هذه عدداً من الرحلات سنوياً، يتعرف السائحون خلالها على الطبيعة الجبلية اللبنانية والمأكولات القروية فضلاً عن آثار الحضارات والأماكن الأثرية.

شحّ المياه يقيد النشاط الزراعي
كون بلدة بعذران في سفح جبل وليس من مجارٍ للأنهار ولا توجد ينابيع غزيرة الدفع يمكنها ان تروي الاراضي وتحيي الزراعة ما أدى إلى اعتماد أبناء البلدة على الزراعة البعلية لكافة أنواع أشجار الفاكهة وغيرها.
لكن في السنوات الأخيرة بدأت تنشط تربية الدواجن اللاحم والبياض فغدت بعذران تشكل نسبة 5 % من الانتاج الوطني للدجاج اللاحم حيث يوجد فيها أكثر من 13 مزرعة كبيرة عدا الصغيرة.
أما على الصعيد تربية النحل فهناك عدد من الأهالي يهتمون بذلك لكن ليس على مستوى كبير، وكذلك بالنسبة إلى تربية الماعز والأبقار فهي متواضعة بالكاد يغطي إنتاجها حاجات البلدة.

نول الشيخ ريدان باز لا زال يعمل

أعلام سابقون ومعاصرون
تتميز بعذران بوجود نسبة عالية من المتعلمين ومن ذوي الاختصاص فمنهم الاطباء والمهندسون والمحامون والضباط وعدد كبير من المدرسين والمدرسات، كما يفخر أبناء بعذران بابن بلدتهم العماد جان قهوجي قائد الجيش الذي تقاعد مؤخراً..

مميزون من بعذران
شبلي سليمان تاج الدين (1895 – 1975)
نشأ شبلي في بعذران وهاجر الى الولايات المتحدة سنة 1912 وعمل في التجارة فاشتهر هناك بالإستقامة وصدق المعاملة فجمع ثروة خصص قسماً منها لمساعدة الأعمال الاجتماعية والمشاريع الخيرية التي كان يعدّ من الركائز القوية لها في بلاد الاغتراب، وإضافة لما كان يقدمه للثورة السورية سنة 1925 وقد كان يحضّ الشباب والمناضلين على القتال في صفوف الثورة. قال عنه الأمير شكيب أرسلان إنه من أبرز شخصيات المغترب الذين رفعوا اسم بلادهم عالياً، وقد أسس شبلي مع الأمير شكيب وبعض الشخصيات الدرزية في أميركا رابطة “الباكورة الدرزية” وكان الشيخ شبلي معتمد مشيخة عقل الطائفة الدرزية في أميركا أي المرجع الديني والقضائي للجالية هناك.
شبلي في زيارة سلطان الأطرش: عام 1946 حضر شبلي الى لبنان وقام بزيارة إلى سلطان باشا الأطرش في القريّا الذي كانت تربطه به صداقة بالمراسلة، ونظراً إلى ما كان يعرفه سلطان عن أعمال شبلي في دعم الثورة السورية، فقد أكرمه مع وجوه الجبل وأثناء مأدبة حضرها جمع غفير أطلق سلطان لقب أبو سلطان على شبلي، وقد ربطته صداقة مع السيدة نظيرة جنبلاط استمرت بالمراسلة بعد عودته إلى أميركا.

قاسم حمّود خطّار (1861 – 1940)
مجاهد ولد في بعذران وكان يمتلك اراضي شاسعة واشتهر باندفاعه ومساعدته للمحتاجين في بلدته وخارجها فكان منزله موئلاً للمجاهدين إبان الثورة التي عصفت في جبل لبنان فكان يقدّم الذخيرة والسلاح والطعام للمجاهدين ويقوم ولده سعيد بنقلها الى أماكن تواجد الثوار.
اعتقل بتهمة الاشتراك في الثورة السورية الكبرى وأخلي سبيله ومن ثم اعتقل ثانية بتهمة ايواء مجاهدين ومساعدتهم وسجن لمدة سنة ثم أطلق سراحه وتوفي سنة 1940.
وسجن لمدة سنة بتهمة مساعدة المجاهدين الا انه بقي على صلة بهم ويرسل لهم الطعام والماء والذخيرة الى أحراج باتر وسفح جبل عين قني الشوف غير عابىء بالمخاطر من اجل استمرار شعلة المقاومة فاعتقل مجدداً عام 1935 وسجن مدة خمس سنوات. سافر بعدها الى الأرجنتين لمدة 15 سنة وبعد رحيل قوات الاستعمار عاد سنة 1954 وتزوج ورزق ولداً اسماه صلاح.

فخر الدين اسماعيل هاني
شارك فخر الدين في مقاومة المستعمرين واستشهد في معركة الغوطة سنة .1925

شاهين سلمان هاني
شارك شاهين في معركة المزرعة جبل الدروز سنة 1925 وأظهر شجاعة فائقة في المعارك بين المجاهدين والقوات الفرنسية.
المجاهد زين الدين محمّود شاذبك (1877 – 1945)
ولد المجاهد زين الدين شاذبك في بلدة بعذران في أسرة ميسورة تعلم مبادىء القراءة في مدرسة البلدة وقبل أن يهاجر في سنة 1907 الى الولايات المتحدة عمل في الزراعة وبعد عودته في سنة 1917 عمل في التجارة والزراعة وتزوج سنة 1920 وحين نشبت الثورة السورية الكبرى أسهم الى جانب المجاهدين في التصدي للفرنسيين وأعوانهم في منطقة راشيا وحاصبيا ومجدل شمس وكان الى جانب ابن بلدته احمد هاني.
وفي 20 تموز سنة 1926 وعلى اثر مداهمة السلطة لأحمد هاني في بعذران اشتبك أحمد مع العسكري سركيس المدور وقتله أمام منزل زين الدين، وعلى اثر ذلك اعتقل زين الدين وسيق الى السجن ووجهت له تهمة الاشتراك بالثورة والاسهام بمقتل الضابط ومساعدة المجاهدين وسجن مدة عشر سنوات.
وبعد خروجه من السجن انتقل الى سوريا وأقام في بلدة جرمانا وأثناء الصراع على لبنان وسوريا بين الانكليز وديغول من جهة، وحكومة فيشي من جهة ثانية، عمل مترجماً مع الانكليز ثم عاد الى لبنان وتوفي في بعذران.

المجاهد سعيد قاسم خطّار (1901 – 1977)
ولد في بعذران في أسرة تتعاطى أعمال الزراعة وشبّ وترعرع على محبة النضال الوطني. استهوته سيرة أحمد هاني ورفاقه فكان يحمل الطعام والسلاح والماء إلى أحمد ورفاقه في المغاور والجبال التي كانوا يختبئون فيها، وكان ناجحاً في عمله الذي اتّسم بالسرية والخفاء، وحين نشبت الثورة السورية أسهم في الصراع ضد المستعمر وأعوانه في راشيا وإقليم البلان ومجدل عنجر والغوطة وغيرها، وكان مشهود له بالشدة والثبات في مواقع الجهاد وبعد عودته من معارك الثورة في أواخر صيف 1926 قامت السلطة باعتقاله مع والده الشيخ قاسم خطّار وأقاربهم سعيد سلّوم وأمين سلّوم.

درويش حمّود باز
بعد تشكيل الحكومة العربية برئاسة أحمد الركابي في دمشق أنيط بالعقيد فؤاد سليم تسلّم فوج المشاة السيار لكن فؤاد أصرّ على أن ينتقي عناصره فرداً فرداً وأطلق على هذا الفوج اسم فرق المغاوير الفدائية، وكان درويش حمّود باز ممن اختارهم فؤاد سليم حيث نفّذ مع الفرقة عمليات أشغلت الفرنسيين في مواقع عدة على الحدود اللبنانية والسورية وفي البقاع.

فارس باز
كان فارس باز أحد عناصر مجموعة حمد صعب وقد شارك في معظم معارك اللجاه والثورة السورية الكبرى، وشارك بصورة خاصّة في معركة رشيدة البطولية التي لقّن المجاهدون فيها درساً قاسياً للفرنسيين، وشارك في المعركة سلطان باشا الأطرش والأمير عادل أرسلان وشكيب وهاب وغيرهم.

سراي-آل-جنبلاط
سراي-آل-جنبلاط

الشيخ أبو علي سليمان تاج الدين (1900 – 1980)
يروي ولده الشيخ رياض سليمان تاج الدين سيرة حياة والده فيقول: ولد الشيخ سليمان في بعذران فتعلّم على يد الأستاذ أبو فؤاد اسكندر القهوجي في البلدة ثم انتقل ليتلقى علومه العلمية خارج البلدة على يد مدرسين كما كان يتلقى علومه الدينية من والده الشيخ أبو يوسف قاسم اسماعيل تاج الدين وهو ابن 12 سنة، وبعد أن شبَّ كلفه الشيخ حسين حماده شيخ عقل الطائفة الدرزية بإمامة المسجد (مجلس العبادة) وإقامة مدرسة للعلوم الدينية، فانشأ عدة مدارس في القرى المجاورة. ففي سنة 1927 افتتح اهالي مرستي مدرسة خاصة لتعليم اولادهم وجرى تجهيز غرفة لهذه الغاية وباشر الشيخ سليمان بمهمة التعليم وبتاريخ 8 شباط 1929 صدر عن حاكم لبنان الكبير المرسوم رقم 2754 قضى بالترخيص للشيخ سليمان تاج الدين بإنشاء مدرسة في مرستي، كما منحه الحاكم الفرنسي إجازة في التعليم عام 1950 وكان يتقاضى راتبه من أهالي الطلاب وكان له حق تناول الغداء والعشاء في منازل الأهل وبقي حتى عام 1950 عندما كلّفه سماحة شيخ العقل الشيخ محمد أبو شقرا كقائم بأعمال مشيخة العقل وبقي في هذا العمل حتى وفاته.

علي محمد باز (1895 – 1968)
أول طيار حربي لبناني في الولايات المتحدة، ولد في بعذران وهاجر الى أميركا عام 1906 تلقى علومه هناك ومن ثم تطوع في الجيش الاميركي بصفة طيار حربي شارك في الحرب العالمية الأولى وذهب مع الحلفاء إلى فرنسا لكنه أصيب بمرض السكري وهو في الخمسين من عمره ففقد نظره فعاد إلى وطنه، لم يتزوج وتوفي في لبنان.

رشيد محمد باز مؤسس مستشفى لبنان في فلوريدا
تخرّج عام 1952 طبيباً من الجامعة الأميركية ، استدعي للخدمة العسكرية في الولايات المتحدة كونه يحمل الجنسية الأميركية وبعد انتهاء خدمته العسكرية أسس مستشفى باسم مستشفى لبنان في فلوريدا.

العقيد مسعود لطيف
ضابط في سلك الدرك كان يتصف بالشجاعة وقد أوكلت إليه مهمات صعاب في مطاردة الخارجين على القانون.

المنفيون من بعذران
على اثر قلاقل 1860 – 1864 في لبنان وتشكيل لجنة تدعى لجنة بيروت الدولية المؤلفة من الفرنسيين والانكليز والروس والأتراك والبروس كان مركزها محلة الطيّونة المتاخمة لبيروت قديماً، قررت هذه اللجنة نفي عدد من رجال الطائفة الدرزية إلى طرابلس الغرب وبلغراد وتمّ نفي عدد من رجال بعذران منهم حسين فارس علامة ومحمود علي شاذبك.

الهجرة في بعذران
في بداية القرن التاسع عشر كثرت الهجرة من بعذران على اثر المضايقات التركية ثم الفرنسية فهاجر من بعذران عشرات من الشباب ولم يعد منهم إلا القليل وكانت وجهة الهجرة الغالبة الأرجنتين – البرازيل والولايات المتحدة الاميركية والمكسيك.

بتلون على خريطة السياحة

“درب بتلون بطول 20 كم مع مكتب إرشاد للسياح ومرشدين وخطة لتحويل مخلّفات تقليم الأشجار الحرجية إلى قوالب مضغوطة مع جفت الزيتون للتدفئة”

“مشكلة النفايات العضوية لم تحلّ بعد والبلدية تدعو المقيمين للتخلص منها محلياً عبر تحويلها إلى تورب مخصِّب للأرض”

بتلون على خارطة السياحة البيئية

درب جديد وفرص تنمية لخمس قرى شوفية

وضع حجر الأساس للمشروع مركز الاستعلامات السياحية بحضور رؤساء بلديات من المنطقة
وضع حجر الأساس للمشروع مركز الاستعلامات السياحية بحضور رؤساء بلديات من المنطقة

في إطار توجيه مساعدات التنمية للأولويات الجديدة، تهتم المنظمات غير الحكومية في الدول المتقدمة بالمشاريع التي تدعم السياحة البيئية، ورغم أن لبنان لا يحصل على قدر وافر من تلك المساعدات (ربما بسبب أوضاعه المقلقلة) فإن هذه السياسة ترفع حظوظ القرى الشوفية في الحصول على حصة ولو يسيرة من تلك المساعدات بسبب ما تتمتع به من طبيعة خلابة وتراث ونشاطات بيئية.
بعد المعاصر والباروك وعين زحلتا وبمهريه تستعد بتلون لتنضمّ إلى لائحة القرى الشوفية التي تستقبل الزوار من هواة المشي بمدخل جديد من مداخل درب الجبل اللبناني. والدرب البتلوني جزء من مشروع أنشطة ميدانية سياحية- بيئية أطلقته مؤسسة رينيه معوّض في بتلون ضمن برنامج “بلدي” لبناء التحالفات بهدف دعم التنمية وتشجيع الاستثمارات المحلية، وسينفّذ المشروع تحت إشراف المؤسسة الراعية وبتمويل من الوكالة الأميركية للتنمية الدولية (USAID) .
وضعت بلدية بتلون هذا المشروع مع المجتمع المحلي والمناطق المجاورة، بهدف تعزيز السياحة البيئية والمساعدة على ضمان إدارة سليمة ومستدامة للغابات، أما الهبة المقدّمة من الوكالة الأميركية للتنمية الدولية، والتي تبلغ قيمتها 175 ألف دولار، فستستخدم لتأهيل وتجهيز درب للمشي بطول 20 كم وبناء مكتب للمعلومات السياحية بالإضافة إلى تدريب المرشدين السياحيين على استخدام معدات تقليم الأشجار وتحويل مخلّفات التقليم من أغصان مقطوعة إلى قوالب للتدفئة.
ومن المتوقع أن يوفِّر المشروع فرص عمل ويولّد دخلاً سياحياً، ويساعد سكان بتلون وأربع قرى مجاورة (بطمه، الباروك، خريبة الشوف، ومعاصر الشوف) على خفض تكاليف تدفئة منازلهم عن طريق تدوير وتصنيع مخلفات تقليم الأشجار.
درب بتلون البيئي سيبدأ من ساحة بلدية بتلون مروراً بوادي بتلون والجسر العثماني على نهر الباروك، ومنه إلى حرش دلبون في معاصر الشوف فبطمة؛ وستعتمد طريق المشي القديمة في إنشاء وتطوير درب المشي الجديد كما سيتم تجهيز مدخل الدرب لاستقبال الزوار من خلال مركز للاستعلامات واستراحة.
يتخلل المشي في الدرب عرض للمشاحر في حرش دلبون في معاصر الشوف، حيث سيتولى المرشدون السياحيون شرح المراحل التي تمرّ بها المشحرة عبر نماذج عينية على الأرض، للتعريف كيف كان الأهالي يصنعون الفحم في تلك المنطقة بالذات.
ويتم حالياً تنظيف الدرب وتأهيله، ومن المتوقع أن ينتهي العمل عليه في أواخر شهر آب المقبل، وسيعطى موضوع السلامة أولوية في التنفيذ الذي تشرف عليه مؤسسة رينيه معوّض.

حطب بيئي وحماية للأشجار
من ضمن المشروع، سيتمّ تقليم الأحراج الموجودة في القرى التي يربطها الدرب، بالإضافة إلى بلدة الخريبة المتاخمة للمعاصر، وسيقوم فريق عمل محمية أرز الشوف بتجميع الأغصان وإرسالها الى معمل في بشتفين حيث يتمّ فرمها وإضافة جفت الزيتون إليها لإنتاج الوقدات البيئية Briquettes. وينتج المعمل حالياً مليون وقدة بيئية، ومن المتوقع أن يؤدي المشروع إلى زيادة الكمية المنتجة من وقدات التدفئة بنسبة كبيرة، وسيوزّع جزء من هذه الوقدات مجاناً على أهالي القرى المشاركة في المشروع، والباقي سيباع بكلفة أقل من كلفة الحطب والمازوت. يذكر أن الوقدات البيئية هي عبارة عن حطب صديق للبيئة، وإنتاجه يعمل على حلّ مشكلة قطع الأشجار عشوائياً لغاية التدفئة شتاء، فضلاً عن أن تشحيل الأغصان ورفعها عن الأرض يساهمان في منع الحرائق.

فرص عمل للشباب
تتوزّع فرص العمل التي سيخلقها المشروع على أعمال التشحيل وتجهيز الممرات وصيانتها، هذا فضلاً عن الفرص التي سيوفرها مركز المعلومات المقرر إنشاؤه في بتلون، كما سيتم إنشاء جسور خشبية في الأودية حيث يتعذر المرور وعليه، عندما يبدأ الدرب باستقبال الزوار ستكون هناك حاجة لأعمال الصيانة على مدار العام.

درب بتلون يمر بالبلدة التحتا التي خربها زلزال 1956 ويقطع النهر إلى حرج دلبون
درب بتلون يمر بالبلدة التحتا التي خربها زلزال 1956 ويقطع النهر إلى حرج دلبون

من هي الفئة المستفيدة من فرص العمل التي سيؤمنها المشروع؟
يقول رئيس بلدية بتلون مروان قيس إن الشباب هم المستفيدون من هذه الفرص بشكل عام، فالمرشدون السياحيون للدرب الجديد سيكونون من أبناء بتلون، وسيتم تدريبهم بالتنسيق بين البلدية ومحمية أرز الشوف.
وهنا يشجّع الطلاب من عمر 18 سنة وما فوق على العمل في الإرشاد السياحي في مواسم الربيع والصيف، لافتاً الى أن هذا العمل سيكون تطوعياً بالمبدأ ولكن سيُعطى المتطوعون مقابلاً رمزياً (pocket money).
الحديث عن دروب المشي في الطبيعة يجرّ إلى موضوع بيوت الضيافة التي تستقبل الزوار القادمين من أماكن بعيدة. وهنا يلفت قيس إلى أن هناك بيوت ضيافة موجودة أصلاً في الباروك وعين زحلتا، وتعمل البلدية بالتعاون مع نادي بتلون الثقافي على تجهيز بيوت ضيافة في بتلون.
سألناه عن القيمة المضافة للمشروع بالنسبة الى بلدة بتلون.
قال: قد يكون الأهم بالنسبة لنا هو الإضاءة على البلدة، غير المعروفة نسبياً، إذ ستكون هناك إشارات تدلّ الناس على كيفية الوصول إلى بتلون من مداخل الشوف، كما سيكون هناك إعلان ترويجي للدرب، وعليه سيظهر اسم البلدة في هذه الإعلانات ونحن في البلدية ندرس مشروع إنشاء مركز قروي تباع فيه منتجات بتلون من المونة البيتية.

فرز النفايات
بالتوازي مع مشروع الدرب، تعمل بلدية بتلون على إنشاء مشغل لسيدات البلدة يقوم على إنتاج رقائق التفاح (Apple Chips) بثلاث نكهات، وذلك بالتنسيق مع الجامعة الأميركية في بيروت. المشروع الذي أوشك على الانتهاء اختير له عنوان معبِّر هو “تمكين المرأة اقتصادياً”، وعليه فإن مردود المشغل سيعود إلى السيدات العاملات فيه.
تتابع بلدية بتلون أيضاً إدارة ملف النفايات، وهي بدأت العمل على فرز النفايات الصلبة عند المصدر منذ استلام مهامها السنة الفائتة. ويقول رئيس البلدية في هذا الصدد إنه يمكن الحديث عن تحقيق أكثر من ستين في المئة فرزاً عند المصدر. وتقوم البلدية بجمع النفايات الصلبة في أرض تابعة أقامت عليها مركزاً لفرز وكبس هذه النفايات، وبعدها يتم ترحيلها الى معامل التدوير. ويلفت إلى أن الناس باتوا، الى حدّ ما، مقتنعين بفكرة الفرز.
أما النفايات العضوية فلم تحلّ مشكلتها في بتلون بعد، إذ يتم تجميع هذه النفايات في موقع مؤقت. وعن ذلك، يقول قيس: “لا يمكن للبلدية أن تحلّ كل المشاكل بعصا سحرية”، مشيراً إلى أنها في طور تشجيع الأهالي وتوعيتهم على التخلص من نفاياتهم العضوية بطريقة بيئية ومفيدة للأرض، علماً أن النفايات العضوية يمكن أن تكون سماداً طبيعياً للأرض، ويمكن أن يستفيد منها الأهالي من دون تكبّد أي عناء، علماً أن أكثر المضار التي تنجم عن انتشار روائح النفايات والجراثيم التي تولّدها إنما تحصل بسبب عدم فرز النفايات العضوية عن أصناف النفايات الصلبة الأخرى.
عن أولويات المجلس البلدي، يقول قيس إنه يعمل على تأمين متطلبات وحاجات البلدة الأساسية كتوفير المياه لفترات أطول، فضلاً عن صيانة الطرقات، كما تأمل البلدية إقامة الأرصفة على جانبي الطريق العام تسهيلاً لحركة المشاة ومنعاً للحوادث.

بلدية المعاصر

من المجتمع المدني ..إلى المجتمع البلدي

رئيس بلدية معاصر الشوف جورج عربيد

رؤية نهضوية لبلدة تراثية

معاصر الشوف أنجزت 60% من فرز النفايات في المصدر
ومهتمة بإنارة الشوارع LED وبالطاقة الشمسية

لا تحتاج الكثير من الوقت لتكتشف أنه آتٍ من خلفية لا تشبه تلك التي تطبع أحياناً العمل العام أو البلدي، وقد يكون من حسن حظ بلدية معاصر الشوف أن رئيسها يفكر خارج الأطر التقليدية ولعبة السياسة والعائلات والوجاهة البلدية، فهو مثقف منفتح وذو خيال ويأتي إلى العمل البلدي من خلفية التطوع في نشاطات المجتمع المدني، وهو بالتالي يؤمن بالمشاركة وعمل الفريق ولا يرى أي جدوى من التفرد في العمل العام لأن تعريف “العام” هو أنه لا يقوم وينجح إلا بجهود الجماعة المتضامنة ويتعثر بمجرد أن يصطدم بعقلية التفرد.
هادىء، منفتح ومتواضع، وخلال الحديث معه ترى أنه ينطلق في العمل من رؤية واضحة وطموحة تتخطى السنوات الثلاث، مدة ولايته، لترسم أفقاً أطول أمداً لإنماء محلّي يضع في أولى أهدافه تشجيع أبناء المعاصر على العودة إليها وإحياء اقتصادها وحياتها الاجتماعية.
“أنا صديق للبيئة ومن محبذي فرز النفايات في المصدر”، هكذا يبدأ المهندس المعمار جورج عربيد، رئيس بلدية معاصر الشوف حديثه عن الإنجاز الذي حققته بلديته وهو فرز النفايات في المصدر، وهي مبادرة بلدية انطلقت في مطلع العام ولاقت تجاوباً كبيراً من الأهالي. وقد بلغ الإقبال حدّ التمكّن من تحقيق تغطية في الفرز تبلغ نحو 60 في المئة من الوحدات السكنية، وتُخرج النفايات المفروزة من البلدة الى معمل فرز النفايات في بعذران حيث تخضع لفرز ثان.
يقول عربيد إنه ليست هناك مشكلة نفايات كبيرة في المعاصر، لأن النفايات العضوية محدودة، نظراً لأن من يربون الدجاج يطعمونها فضلات الأطعمة، وعدد لا بأس به من السكان يعتمد التسبيخ، وهناك في معاصر الشوف غياب للصناعات الملوّثة، لكن أكثر ما استرعى عربيد هو الدور المبادر للشباب والأحداث في المساعدة على إقناع أهاليهم بالفرز والمتابعة في المنزل، مبدياً تفاؤلاً كبيراً بأنه مع قليل من التنظيم سيسود الفرز من المصدر ليشمل كامل البلدة تقريباً.

ماذا عن تصوّر رئيس البلدية لمستقبل القرية ولإحتياجاتها؟
يعتبر عربيد أن بلدته ليست صعبة الإدارة كثيراً، إذ إنها تحتوي على طاقات سياحية كبيرة في حاجة إلى تنمية، لكن الذي استوقفه عند بداية عمله البلدي هو أن الناس على عجل وتريد نتائج سريعة، وربما لا تؤمن بالمشاريع ذات المدى الطويل التي لا بدّ منها في أي رؤية بلدية طموحة وعليه، فهو يسعى جهده للتوفيق بين الأفكار البعيدة الأجل التي يطرحها وبين ضرورة تحقيق إنجازات في المدى القريب تعزز ثقة جمهور البلدة بالبلدية وتعزز رغبتهم في القيام بقسطهم من المجهود البلدي العام.
إنجازات
> ماذا أنجز المجلس البلدي الحالي حتى الآن؟
يجيب: “إنطلاقاً من مبدأ إيلاء الإنماء الضروري الأهمية، تعمل البلدية على استكمال مشروع الصرف الصحي مع اتحاد بلديات الشوف الأعلى، وعلى تأمين مياه الشفة بانتظام إلى الجميع.
التوفير في الطاقة أيضاً على لائحة العمل البلدي، وفي هذا الإطار يلفت إلى أن هناك رغبة بتحويل إنارة الشوارع في البلدة الى لمبات التوفير LED، مع إمكانية الاستفادة من الطاقة الشمسية.
تهتم بلدية المعاصر بصورة خاصة بالسياحة الريفية، بما فيها بيوت الضيافة والمهرجانات، وعلى رأسها مهرجان “جبلنا” السنوي الذي يتخلله عرض للدبكة الفولكلورية وبيع للمونة والمنتجات البيتية، وهو يستقطب زواراً ومشاركين من مختلف المناطق اللبنانية، وتحرص البلدية الحالية على الحفاظ عليه والتعاون مع جمعية جبلنا لإنجاحه.
في الحقل البيئي، وإضافة الى الفرز من المصدر، تتعاون البلدية مع محميّة أرز الشوف في تشحيل الأغصان التي تُفرم وتضاف إلى جفت الزيتون لتصبح وقدات بيئية (briquettes) توزّع على أهالي البلدة.
وفي إطار تشجيع النشاطات الثقافية، رعت البلدية في أيلول الفائت، حفلاً للأوركسترا الشرقية الوطنية.

مشاريع للمستقبل
يؤمن عربيد بأهمية الإنماء الزراعي، الّا أن معاصر الشوف تعاني من مشكلة هدر في المياه، بالتزامن مع إهمال الكثيرين لأراضيهم لصعوبة ريّها. من هذا المنطلق، شارك عربيد كممثل للتعاونية الزراعية مع المجلس البلدي السابق في التقدّم بمشروع لإعادة تأهيل قنوات الريّ في بساتين البلدة سينفّذ هذا الصيف بتمويل من USAID. ويقول في هذا الصدد إن مشاريع تنموية من هذا النوع تساهم في إبقاء المقيمين وتشجّع الغائبين على العودة.
استتباعاً لمشروع الري، وتحت عنوان خلق فرص عمل لأبناء البلدة، يتحدث عربيد عن التواصل مع وزارة الشؤون الاجتماعية لإنشاء معمل للمنتجات الزراعية سيساهم حتماً في تحريك العجلة الاقتصادية في البلدة.
من المشاريع البعيدة المدى التي يعمل عليها أيضاً، المشاريع السياحية الثقافية، ويشير في هذا الصدد إلى وجود آثار مهمة ومغائر ومدافن من العهد الروماني في منطقة الحصن، والتي يبدو أنها أخذت اسمها (الحصن) من طبيعتها العسكرية قديماً، وستضع البلدية خارطة طريق مع مديرية الآثار في وزارة الثقافة لإبراز هذه المعالم.
تتعدى رؤية عربيد التنمية المحلية الآنية الى مشاريع تطويرية بعيدة المدى، وتعمل البلدية حالياً بعد تمكين أحد كوادرها من خلال التدريب، على مكننة الملفات والمباشرة باللجوء إلى برنامج معلوماتي للخرائط وقواعد البيانات الجغرافية
(Geographic Information System) GIS يدمج المعلومات المتعدّدة حول السكان والمباني والبنية التحتية مما يسهّل التوثيق والتخطيط والتنسيق بين المشاريع.
ويقول في هذا الصدد إنه لاحظ أنه بينما كان يتم العمل على إحدى خدمات البنى التحتية، تسبب الحفر بضرر لخدمة ثانية لأن العمال لم يكونوا على علم بوجود أنابيب ممدودة في نفس البقعة، ويلفت إلى أن المكننة توفّر خارطة كاملة بكل الخدمات مما يساعد على تجنّب هذا النوع من المشاكل.
في كل مجالات الحياة، يختلف النظري عن العملي، فكيف اذا كنا نتحدث عن عمل اجتماعي، كل يرى الأمور من زاويته، وعليه تصبح العقبات جزءاً لا يتجزأ من هذا العمل. هذا الواقع كان مفاجئاً بعض الشيء لعربيد الجديد على العمل البلدي، ولكنه رغم ذلك يصرّ على التعاطي بإيجابية: “صحيح أنه يمكن أن نواجه صعوبات والواقع مختلف بعض الشيء عن التصوّر المسبق، ولكنني متفائل دائماً”. ويتابع شارحاً بأن المثابرة في الدعوة إلى تغيير الذهنية السلبية أظهرت ثمارها في فترة عشرة أشهر (منذ توليه المنصب حتى تاريخ إجراء المقابلة).
ويتابع شارحاً بأنه على أرض الواقع هناك صعوبة بتنفيذ الأحلام التي جاء بها إلى البلدية، ولكن إذا نظرنا إلى الأمر من منحى آخر ففي فترة عشرة أشهر (منذ توليه المنصب حتى تاريخ إجراء المقابلة) بات يدرك أن هناك أشياء يمكن تنفيذها.

رياضة المشي واستكشاف الطبيعة
رياضة المشي واستكشاف الطبيعة
معاصر الشوف كما تبدو من طريق المحمية يكسوها اخضرار موسم الدفء
معاصر الشوف كما تبدو من طريق المحمية يكسوها اخضرار موسم الدفء

“مشروع لإعادة تأهيل قنوات الريّ في بساتين البلدة ينـــفّذ هذا الصيف بتمويل من USAID”

التراث من زاوية مختلفة
يذهب الكثير منّا الى “تقديس” التراث القديم، اذا صحّ التعبير، والحنين اليه في كل جوانبه، ولكن لعربيد رأي مختلف في هذا الإطار، فهو لديه مقاربة علمية ثقافية للعمارة، والتي هي بنظره منتج تقني وحضاري، وهو يحاول من خلال التعليم والعمل المعماري تخطّي النوستالجيا لكل ما هو قديم. ويقول في هذا الصدد: “أنا أهتم كثيراً بالتراث القديم، ولكن ليس عندي حنين مفرط له أو تعلق عاطفي به، فالعمارة الحديثة هي أيضاً تراث، مثلاً أعتبر مدينة بيروت بمبانيها الحديثة الطراز مهّمة ويجب الحفاظ عليها”.
ويجب أن لا نتعصب للتراث أو نسيء فهمه ومعانيه والظروف التي جاء فيها والتقنيات التي تدخل في كل زمن في عملية العمارة وتسمح بتنفيذ أعمال وتجديدات لم تكن متاحة في الماضي.. ويقول في هذا الصدد، إن الهوية والتراث أشياء ديناميكية، فأسلافنا حاولوا أن ينتجوا أحدث شيء في عصرهم، وتجاوزوا أحياناً الماضي، ومن الممكن إنتاج أعمال تنتمي في الوقت عينه إلى الحداثة وإلى روح المكان.

 

بيت الهنا، أحد بيوت الضيافة التي تم ترميميها وتجهيزها كمقصد سياحي في بلدة المعاصر
بيت الهنا، أحد بيوت الضيافة التي تم ترميميها وتجهيزها كمقصد سياحي في بلدة المعاصر

“ليس عندي حنين مفرط للتراث لأن للهوية والتراث أشياء ديناميكية ومن الممكن إنتاج أعمال تنتمي في الوقت عينـه إلى الحـــــداثة وإلى روح المكــان”

ترميم المنازل القديمة
بعيداً من موقعه كرئيس للبلدية، وانطلاقاً من خلفيته كمهندس معمار، يعمل عربيد على مشروع خاص قوامه تشجيع الأهالي على ترميم المنازل القديمة والعودة إليها بعد حين.
ويقول في هذا الصدد إنه دعا الصيف الماضي أربعين طالباً من طلابه في الجامعة الأميركية في بيروت إلى البلدة، مكثوا في البلدة لمدة عشرين يوماً درسوا خلالها خصائص العمارة المحليّة. ويشير هنا الى أن المعاصر تحتوي على أكبر عدد من الأبنية التراثية في الشوف الأعلى، وفق دراسة أجراها المهندس المعمار زاهر الغصيني.
يعطي عربيد الأولوية للمنازل التي فيها مواصفات ويكون الترميم لمدة سنة، إما على حسابه الشخصي أو بالمشاركة مع صاحب المنزل، على أن يُستثمر المنزل كبيت للضيافة لبضعة سنوات حتى يردّ كلفة ترميمه وبعدها يُعاد إلى صاحبه. وفي هذا السياق، يلفت إلى أنه باشر بالمشروع مع أصحاب منزلين.
ويرى عربيد أن أول فائدة للمشروع تشغيل أبناء القرية في الترميم، وثانياً المحافظة على بيت قيّم حتى لا يتدهور وضعه أكثر، وثالثاً جذب السياحة إلى البلدة من خلال بيوت الضيافة، وأخيراً وليس آخراً المساهمة في تمكين صاحب المنزل من السكن فيه؛ وعليه تنشط الحركة في البلدة وتتحرك العجلة الاقتصادية في المحلات وتزدهر تجارة المونة البيتية والمنتجات الزراعية.
ويلفت عربيد إلى أنه مع اللامركزية الإدارية شرط تأهيل وتجهيز البلديات حتى تقوم بالواجب فضلاً عن تدعيم التواصل المجتمعي بمشاريع مشتركة، ويعبّر عن مناصرته لإدخال العنصر النسائي والشباب الى البلديات مع ضرورة تدعيم هذه الأخيرة بالجهاز البشري، ويشير الى أن بلدية المعاصر تشارك في ورشات تدريب أكانت موجّهة إلى أعضاء المجلس البلدي أو إلى الموظفين تهدف إلى تمكين القدرات وتحسين الأداء.
أما عن متطلبات نجاح العمل البلدي، فيرى أنه يحتاج الى صبر ومثابرة، والى توازن بين العمل الذي يظهر على المدى القصير وذلك الذي على المدى الطويل والذي يؤسس للمستقبل، لافتاً إلى أن المسألة تحتاج إلى تواصل مع المجتمع المدني وإلى إبداع في تخطي العثرات والتحديات على مقولة: “أوقات بتركب عوجا وبتظلها عوجا إذا ما إجا حدا يغيّر”.

نقص موارد
هل بإمكان البلدية كسلطة محلّية وبالإيرادات التي تحصل عليها، على سبيل المثال لا الحصر، من الصندوق البلدي المستقل، أن تحقق درجة من الإكتفاء الذاتي في تمويل المشاريع؟
جوابه ببساطة: قطعاً لا. لافتاً بشيء من الطرافة إلى وجود نوعين من البلديات: نوع على المبدأ القائل “ما توجعني ما بوجعك أو ما تطالبني ما بطالبك”، ونوع آخر يعمل بمبدأ “حاسبني لأحاسبك” أي أنت كمواطن قُم بواجبك تجاه البلدية من حيث دفع الرسوم والمستحقات عليك وحاسب البلدية بعد ذلك حول ما تقدّمه أو لا تقدّمه في المقابل من خدمات وأعمال للبلدة.
وفي جميع الحالات، لا بدّ من توفير الدعم للبلديات حتى تعمل وليس تحجيمها، كما إن من الضروري إعلام أبناء البلدة عند التعاطي مع المنظمات غير الحكومية وإشراكهم في اللجان واتخاذ القرارات.

ماذا ينقص المعاصر لتكون بلدة نموذجية؟
يجيب عربيد مع ضحكة: “ينقصها التفاؤل فالناس محبطون”، ولكنه يعود ويستدرك ليبقى في الايجابية، ويقول إنه لا ينقصها شيء لتكون بلدة نموذجية على خط الإنماء السريع والمجدي والمثمر، فالبلدة فيها قدرات وطبيعة مميزة، وهنا يتوقف ليقول بأن سبل العيش في البلدة الجبلية العالية تتحسن، ولم تعد هناك معوّقات للعيش فيها لا صيفاً ولا شتاء، اذ أصبح هناك مركز لجرف الثلوج، ويوجد مولّد كهربائي بإدارة البلدية يعوّض انقطاع الكهرباء وبسعر معقول، ومحطة لتكرير الصرف الصحّي، فضلاً عن أن الانترنت السريع (DSL) أصبح متوفراً منذ تشرين الماضي، والطرقات على تحسّن.
يتابع القول إن “محميّة أرز الشوف” و”درب الجبل” يعزّزان موقع المعاصر فالمشاة وراكبو الدراجات الهوائية يمرون فيها، ولكن البلدة في حاجة إلى تنمية سياحية على مدار السنة. وينهي عربيد حديثه معنا بالتأكيد على حرصه على المقاربة التي توازي بين التطوير والإمتداد العمراني من جهة، والحفاظ من جهة أُخرى على الكنز الطبيعي والبيئي الذي تتمتع به المعاصر.

يدرس-خرائط
يدرس-خرائط

 

جورج عربيد في سطور

جورج جوزف عربيد، من مواليد 30 تموز 1961. درس الهندسة المعمارية في الأكاديمية اللبنانية للفنون الجميلة ALBA، وبعد تخرّجه، انتقل من مقاعد الطلبة في الجامعة إلى منصب أستاذ محاضر فيها (من 1989 حتى 1996). بعدها انتقل عربيد الى جامعة MIT في الولايات المتّحدة الأميركيّة كباحث ثم التحق بجامعة هارفرد Harvard حيث حصل على دكتوراه في العمارة عام 2002، وعاد إلى جامعة الـ ALBA ليدرّس فيها.
في العام 2003 انتقل إلى الجامعة الأميركية في بيروت ليكون أستاذاً محاضراً فيها حتى العام 2016، وفي أيار من السنة نفسها ترشّح إلى الانتخابات البلدية في بلدته معاصر الشوف، ونجح من بين الأعضاء الـ 15 للبلدية، بعدها انتخب لمنصب رئيس البلدية لولاية من ثلاث سنوات، ليستكمل الولاية بعده عضو آخر من أعضاء البلدية. وهنا تجدر الإشارة إلى أنها المرة الثانية التي يتمّ الاتفاق فيها على أن تقسّم ولاية رئيس البلدية (6 سنوات) في معاصر الشوف إلى قسمين بما يتيح المشاركة بين الدروز والمسيحيين في المسؤوليات البلدية.
ترك عربيد التدريس في الجامعة وانكبّ على العمل البلدي، ولكن نشاطه لا يقتصر على ذلك، فهو مهندس معمار، وقد أسس مع زملاء “المركز العربي للعمارة في بيروت”
(www.arab-architecture.org)،
وهو مركز أبحاث يديره بنفسه، ويعمل هذا المركز على توثيق العمارة في لبنان والعالم العربي، والتحفيز على المحافظة على العمارة الجيّدة، خصوصاً الحديثة منها.

العدد 20