الأحد, تشرين الثاني 24, 2024

اشترك معنا للاطلاع والحصول على أحدث المقالات والأعداد

الأحد, تشرين الثاني 24, 2024

اشترك معنا للاطلاع والحصول على أحدث المقالات والأعداد

بحث ..

  • الكاتب

  • الموضوع

  • العدد

الأرض في مناهج التعليم ما الذي ننتظره من مدارس الجبل؟

هل يعقل أن يعرف الطالب طول نهر الميسيسيبي، ولا يعرف شيئاً عن الساقية أو الينبوع في وادي قريته؟
ما هي مسؤوليات المدارس والمعاهد القائمة في الجبل في رعاية الرابطة بالأرض لدى الأجيال الجديدة؟ السؤال قد يبدو مفاجئاً للكثيرين لكنه في صلب عملية التقييم التي يجب أن نجريها لأسباب الجفاء المتزايد بين أهل الجبل وبين البيئة التي يعيشون فيها.

 

الواضح أن مدارس الجبل على اختلافها تعتبر واجبها الأول تطبيق المناهج التربوية، ومن ثم تحقيق أكبر نسب من النجاح في الامتحانات الرسمية، لأن هذه النسب تأتي إليها بالمزيد من الطلاب وتحقق للمستثمر المزيد من الأرباح.
لا اعتراض بالطبع على أن تحقق المدارس الخاصة أرباحاً، ولسنا هنا في معرض فتح هذا الملف الحساس، فهذا سيكون له شأن آخر في المستقبل، لكن لا بدّ للمدرسة أن تدرك وجود حاجات إضافية في بيئة الجبل لتربية الثقافة البيئية والزراعية لدى الطلاب منذ نعومة أظفارهم عبر إدخال نشاطات خارج المنهج تتعلق بتعريف الطلاب بمكونات البيئة التي يعيشون فيها وبما تحمله من فرص وإمكانات يمكن أن تجعل الأرض على الأقل جزءاً من حياتهم في المستقبل .
ومن البديهي القول إن تعليم الطالب في الجبل لا يمكن أن يكون نسخة عن تعليم طالب المدينة وإن تعليم الطالب في لبنان الذي يتمتع بميزات بيئية خاصة لا يمكن أن يتم وفق النسق نفسه الذي يتم في الكويت أو الأردن. لكن صناعة المناهج التربوية الجديدة أصبحت معولمة، وهي مصممة وفق نظريات توضع في الغرب وتبنى على حاجة النظام الرأسمالي لتخريج العمالة التي يحتاجها، ومستهلك المستقبل الذي سيأتي منه الطلب على سلع شركات الصناعات الغذائية، وكل شيء معلّب وجاهز تطرحه الشركات في السوق.

 

بمعنى آخر، أن آخر هم المناهج التي يرعاها نظام العولمة الاقتصادية هو تأهيل المواطنين في المناطق الريفية أو في البلدان النامية لتعلّم سُبل الاعتماد على النفس وخلق القيمة الاقتصادية من الأصول الزراعية التي يمتلكونها. على العكس، فإن الهدف النهائي هو بدء عملية السلخ -وتهيئة مستهلك المستقبل- من على مقاعد الدراسة من خلال إدخال الأطفال في دهاليز التعليم النظري والحشو الفكري، وإغفال العلوم النافعة المتعلقة ببيئتهم الطبيعية، وعلى الكوكبة المجلية منهم أن تتقن فن حفظ هذه المواد وتجتاز امتحان البراعة فيها على أفضل وجه لكي يتم التصفيق لها وتمنح الجوائز وتصبح في عداد “جيل المستقبل”!

 

هل يدرك أرباب المدارس –الخاصة والعامة- في الجبل هذه الحقيقة؟ وهل من المنطق أن يتعلم الطالب ما هو طول نهر الميسيسيبي، ولا يعرف شكل ساقية المياه أو ينبوع المياه الذي ينبع في وادي الضيعة؟ هل من المنطق أن يعرف كل شيء في العلوم ولا يعرف شيئاً عن تركيبة البيئة التي تحيط به ويتفاعل معها: نباتاتها، أشجارها، حيواناتها البرية وحشراتها المفيدة والضارة؟ وهل هناك إقرار بأننا كأهل جبل نحتاج إلى التعامل ومنذ الطفولة، وبصورة أساسية أو جزئية مع الطبيعة ومع الأرض ومكوناتها، وفي هذه الحال أليست النتيجة الطبيعية هي أن للمدرسة دوراً مهماً في تهيئتنا منذ الصغر لهذا الجانب المهم في حياتنا.
ألا يوجد الكثيرون من أهل الجبل بمن فيهم الشباب الذين يتمنون العمل في حديقتهم ورعاية أشجارهم وتقليم داليتهم والعناية بزيتونهم أو زرع خضارهم أو غير ذلك؟ وهؤلاء غالباً ما يكتشفون أن خبرتهم في هذه الأمور تكاد تكون معدومة فيخبطون خبطاً عشوائياً أو يتعلمون القواعد الخطأ، علماً أنها شؤون بسيطة كان يتعلمها الأولاد على يد آبائهم في الماضي عبر مرافقتهم إلى الحقل أو المشاركة في القطاف أو التقليم أو الحراثة وغيرها من الأعمال؟ أما الآن فإن الآباء الذين تخرجوا وفق مناهج التعليم المنمطة وغربية الأهداف هم أنفسهم فقدوا علم الأرض، بل فقدوا معه احترامهم للبيئة –كما نشهد في القتل العشوائي للطيور المهاجرة وغير المهاجرة- وفي إهمال الحقول وتركها نهباً للشوك والبوار.
حاصل الأمر أن على المعاهد الرسمية والخاصة في الجبل واجباً خاصاً يجب عليها أن تفكر في سبل الوفاء لمجتمعها ولطلابها على حدّ سواء، فلا تكون عن غير قصد طرفاً في استراتيجية السلخ والتنميط البشري الذي يتم طبخها من الشركات متعددة الجنسيات ومن يلف لفها. والمطلوب في هذا المجال ليس كثيراً ولا يجب أن يؤثر في أداء تلك المدارس التي تعلم حق العلم. فالمناهج المقررة تحتوي على الكثير من الحشو الذي لا فائدة منه لا الآن ولا في المستقبل، المطلوب هو القليل، تصميم نشاطات أسبوعية تتضمن إخراج الطلبة إلى الطبيعة والحقول وتعريفهم بالمحيط والبيئة وتطوير ثقافتهم النباتية والطبيعية، وفي الوقت نفسه تدريبهم تحت إشراف مرشدين وممارسين بعض المبادئ الأساسية في الزراعة والاقتصاد الزراعي، بل ودفعهم لاستغلال مباشر لبعض قطع الأرض فيكون لكل مدرسة بستان ويحصل التنافس والمقارنة بين المعاهد على هذا الصعيد أيضاً، ولا يقتصر على مقارنة النتائج الأكاديمية.

مشاركة المقال

التعليقات

Leave a Reply

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اترك تعليقاً

Leave a Reply

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

المقالات ذات صلة

السابق
التالي

اكتشاف المزيد من Dhoha Magazine

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading