الخميس, تشرين الثاني 21, 2024

اشترك معنا للاطلاع والحصول على أحدث المقالات والأعداد

الخميس, تشرين الثاني 21, 2024

اشترك معنا للاطلاع والحصول على أحدث المقالات والأعداد

بحث ..

  • الكاتب

  • الموضوع

  • العدد

المناذرة اللخميون

المناذرة اللخميّون

نسبهم وفروعهم ودورهم الجهادي

“تا الله لا يأتي الزمان بمثلهم ولا يحمي الثغور سواهم”
صالح بن يحيى التنوخي

نفوذهم تعدّى إمارة الغرب إلى بيروت وطرابلس وصيدا وصور والشوف وراشيا والبقاع الغربي وامتد حتى اللجون وصفد في فلسطين

المناذرة هم آل أرسلان وآل عبد الله وآل تنوخ وبنو فوارس. قدموا من معرّة النعمان إلى لبنان في أواسط القرن الثامن الميلادي، وتأمّروا لقرون عديدة على مناطق من جبل لبنان. إنهم من قبيلة لخم. ومن جدودهم الأعلين عمرو بن عدي اللخمي، مؤسس مملكة الحيرة التي دامت 364 سنة، وحكمها 23 ملكاً، بينهم 17 ملكاً لخمياً من الأب والأم. ومن الملوك السبعة عشر هؤلاء خمسة إسمهم «المنذر»، هم المنذر بن النعمان، المنذر بن المنذر، المنذر بن أمرؤ القيس الملقّب بإبن ماء السماء، المنذر بن المنذر بن ماء السماء، المنذر بن النعمان الملقّب بالمغرور لهذا دُعيت مملكة الحيرة بإسم مملكة المناذرة، ودُعي ملوكها بإسم الملوك المناذرة، ودُعي أحفادهم الذين جاؤوا إلى لبنان بإسم المناذرة.
وبما أن بين أسر المناذرة، الذين توطّنوا جبل لبنان، أسرة آل تنوخ أو التنوخيين، فقد كان إسمهم ونسبهم من الإشكاليات في تاريخ لبنان بسبب وجود من يشاركون هذه الأسرة إسمها، وهم التنوخيون نسبة إلى قبيلة تنوخ، أو نسبة إلى حلف تنوخ الذي قال بعض المؤرّخين إنه نشأ في البحرين (الأحساء، حالياً في المملكة العربية السعودية)، وإنه ضمّ قبائل عدّة نزحت من اليمن ومن شرق الجزيرة العربية إلى البحرين حيث تتنّخت، أي اتفقت على التنوخ والإقامة مع بعضها فضمّها إسم «تنوخ» بمعنى المقام، وبعد ذلك إنتقل معظمها إلى العراق، ثم إنتقل منها فريق كبير من تنوخيي قضاعة، ولحق بمن سبقهم من تنوخ إلى السكن في معرّة النعمان وجهاتها. وكان سبب النزوح من العراق تضييق الملك أردشير بن بابك على من لم يوافقه في سياسته(1).
جانب العديدُ من المؤرّخين الحقيقة، حين أعادوا التنوخيين المناذرة إلى تنوخيي قضاعة الذين أقاموا في معرّة النعمان ومحيطها. وجانب الحقيقة أيضاً من أعادوا التنوخيين المناذرة إلى حلف تنوخ. واللافت أن إسم تنوخ بات عند العديد من المؤرّخين صفةً للنسب الرفيع تعني «علو شأن ومحتد»، وأن بعضهم اعتبر التنوخيين اللبنانيين أجداد الموحِّدين الدروز.
وفي الحقيقة أن التنوخيين المناذرة لا علاقة لهم بتنوخيي قضاعة الذين منهم فيلسوف الشعراء وشاعر الفلاسفة أبو العلاء المعرّي، والذين انتقل بعضهم من معرّة النعمان ومحيطها إلى أماكن عدة منها منطقة اللاذقية حيث أسسوا إمارة تنوخية كان من أمرائها ممدوحون للشاعر أبي الطيب المتنبي. فلا علاقة بين التنوخيين المناذرة وتنوخيي قضاعة الا بالإسم فقط، وعلاقة الإسم هذه هي الوحيدة أيضاً بين التنوخيين المناذرة وسائر المناذرة، وبين حلف تنوخ، لأنه لم يثبت أن اجداد المناذرة كانوا من مكوّنات هذا الحلف الآني الذي لم يُعمِّر طويلاً، كما أن مسارهم التاريخي كان مختلفاً عن مسار هؤلاء.(2) وإذا إفترضنا أن هناك مبرّراً للجمع بين تنوخيي لبنان، وبين قبيلة تنوخ وحلف تنوخ وجعلهم من أصل واحد جرّاء الإشتراك بالإسم، فإنه ليس هناك مبرّر على الإطلاق للجمع بين سائر المناذرة وبينهما، وجعلهم من أصل واحد.
إن انتساب التنوخيين وسائر المناذرة إلى الملوك المناذرة يمنحهم شرفاً أرفع من تنسيبهم إلى حلف تنوخ الذي كان منه فقط ثلاثة ملوك حكموا في العراق قبل الملوك المناذرة، وكان مقرّهم بين الحيرة والأنبار، مع الإشارة إلى أن المناذرة اللخميين أسسوا بعد إنتهاء مملكتهم الشهيرة في الحيرة، إمارات في جبل لبنان استمرت قروناً، وكان لها دورها وأهميتها وشهرتها أكثر بكثير من إمارة التنوخيين في اللاذقية، ثم إنه كان من نسل الملك النعمان بن المنذر اللخمي ملوك إشبيلية في الأندلس، وهم أبو القاسم محمد، وإبنه المعتضد، والمعتمد على الله إبن المعتضد(3)، أما القول إن التنوخيين هم أجداد الموحِّدين الدروز ففيه بعض الصحة، لكنّهم فقط فريق من أجداد الموحّدين الدروز في لبنان، إذ إن هناك أسراً كثيرة غيرهم أقامت معهم في جبل لبنان، واعتنق أبناؤها مذهب التوحيد (الدرزي).

قدوم المناذرة إلى لبنان
إن وجود المناذرة في جبل لبنان مرتبط بظهور الإسلام، وبالفتوحات العربية. والسجل الأرسلاني يضيء على مرحلة من تاريخهم كانت غامضة، ويسجّل لهم، في كلامه عن الأرسلانيين، دوراً لم يذكره المؤرّخون، وهو سير الأمير عون، إبن الملك المنذر (المغرور) إبن ملك الحيرة النعمان (أبو قابوس)، مع القائد خالد بن الوليد المخزومي، من العراق إلى الشام، حين طلب الخليفة الراشدي أبو بكر الصديق من خالد أن ينضمَّ إلى الجيوش العربية التي تقاتل الروم البيزنطيين في الشام. وقد حضر الأمير عون فتح بصرى الشام، وشارك في موقعة أجنادين وجُرح فيها وتوفي بعد أيام قليلة بسبب جرحه، فخلفه إبنه مسعود في الإمارة على لخم، وحضر فتح دمشق، وكان أول من دخلها من الثقب الذي أحدثه يونس بن مرقص في سورها، ثم حضر واقعة مرج الديباج، ومعركة اليرموك، وحضر مع أخيه عمرو فتح بيت المقدس، وسار مع القائد أبي عبيدة بن الجرّاح، الذي تسلّم القيادة العامة للجيوش العربية بدلاً من خالد بن الوليد، لفتح قنّسرين وحلب وإنطاكية، فيما سار أخوه عمرو وإبن عمه الأمير همّام مع القائد عمرو بن العاص لفتح قيسارية ومصر.(4)
نزل الأمير مسعود وأقاربه ومن رافقه من لخم، في معرّة النعمان، وأقاموا فيها منذ بدايات الثلث الثاني للقرن السابع الميلادي حتى سنة 758م. ففي هذه السنة انتقلوا من المعرّة إلى جبل لبنان بأمر من الخليفة العباسي أبي جعفر المنصور الذي طلب منهم الإقامة في الهضاب المطلة على ثغر بيروت، للدفاع عنها ضد غارات الروم البيزنطيين الذين كانوا يغزون السواحل بعد جلائهم عن الشام، وللدفاع عن الطريق الساحلية، وعن الطرق الجبلية بين بيروت ودمشق، التي كانت تتعرّض لهجمات حلفاء الروم من السكان المحليين، وهم المردة بحسب تسميات العديد من المؤرّخين، فيما إسمهم الحقيقي هو الموارنة، لأن المردة كانوا آنذاك قد خرجوا من لبنان، والقلة الباقية منهم إندمجت مع الموارنة.
مواجهات مع الموارنة
ما كان الأرسلانيون وحدهم في المسيرة من العراق إلى معرّة النعمان، وعلى الأخص في الإنتقال من المعرّة إلى جبل لبنان والتوطّن فيه، بل كان معهم سائر أبناء عمومتهم، بدليل أن المواقع التي خاضوها مع الموارنة، في بداية توطّنهم في الجبل، تدلُّ على أنهم كانوا عدداً وافراً بحيث تمكّنوا من هزيمة الموارنة في المواقع الأولى التي خاضوها معهم، ثم في المواقع التي استمرت وأدّت الى إنكفاء الموارنة نحو الشمال، من محيط مصبّ نهر بيروت إلى محيط مصبّ نهر الكلب. فالسجل الأرسلاني لا يذكر من الأمراء الوافدين إلى جبل لبنان سنة 758م إلاّ الأمير المنذر بن مالك وأخاه الأمير أرسلان وأولاد إخوتهما الأمير خالد إبن الأمير حسّان، والأمير عبدالله إبن الأمير النعمان، والأمير فوارس إبن الأمير عبد الملك(5)، وهؤلاء لا يمكنهم وحدهم التغلّب على الموارنة الوافري العدد. ومن هذا، يُستنتج إغفال السجل لذكر أبناء عمومة الأميرين، المنذر وأرسلان، والعديد من أبناء قبيلتهم لخم، فإن كان لا يمكن تسمية أبناء هذه القبيلة، فإنه يمكن الإشارة إليهم، كما يمكن تسمية سائر الأمراء المرافقين.
أسس المناذرة في المنطقة المطلة على بيروت، والمعروفة بجبل بيروت أو الغرب، إمارة إسمها «إمارة الغرب». وهذه المنطقة تشمل حالياً الجزء الغربي من قضاءي عاليه، وبعبدا (المتن الجنوبي)، لأن جزءَهما الشرقي يشكّل منطقتين تُعرفان بإسمي «الجرد» و «المتن». كان نفوذ إمارة الغرب يتعدّى أحياناً حدود «الغرب» ليشمل مدن بيروت وطرابلس وصيدا وصور، ومناطق الشوف وإقليم الخرّوب وراشيا والبقاع الغربي، ويمتد إلى خارج لبنان ليشمل اللجون وصفد، وكان متسلّمها أميراً مقدّماً بين متساوين من أمراء المناذرة، يُعرف بالأمير الكبير، ومقرها هو مقرّ هذا الأمير، مثل سن الفيل والشويفات وعرمون وفلجّين وعبيه.
كان المناذرة على مذهب السنّة عند قدومهم إلى لبنان، وبعد إحتلال الدولة الفاطمية لبلاد الشام، في النصف الثاني من القرن العاشر الميلادي، تأثروا بمذهبهم الشيعي الإسماعيلي. . ثم إعتنقوا مذهب التوحيد.

التنوخيون المناذرة الذين رافقوا الفتح الإسلامي لا علاقة لهم إلا بالاسم بتنوخيي قضاعة الذين منهم أبو العلاء المعرّي، والذين أسسوا إمارة في شمال سوريا لكنّ المؤرخين خلطوا بين الجماعتين

آل أرسلان
سمّي آل أرسلان أو بنو رسلان بإسم الأمير أرسلان بن مالك بن بركات بن المنذر بن مسعود بن عون إبن الملك المنذر (المغرور) إبن الملك النعمان (أبو قابوس).
والإسم «أرسلان» سلجوقي، شاع منذ القرن العاشر الميلادي، وخصوصاً بعد شهرة الملك السلجوقي ألب أرسلان الذي هزم الروم البيزنطيين هزيمة منكرة في معركة ملازكرت سنة 1071م، وأسر أمبراطورهم أرمانوس. والإسم «رسلان» عربي، ظهر حوالي الفترة نفسها، في المصادر التاريخية، لكنه لم يشع كالإسم «أرسلان». وقد ذُكر من حملوا هذا الإسم من المناذرة بآل ارسلان، في السجل الأرسلاني، وفي العديد من المراجع، كما عُرفوا ايضاً بإسم « بيت رسلان»، وذُكروا به من قبل الناس في أحاديثهم، وظهر على بلاطة مدخل السراي الأرسلانية في عين عنوب، المشادة بتاريخ سنة 1117ه (1705م) والمجال هنا لا يتسع أكثر للحديث عن هذين الإسمين، وخصوصاً الإسم «أرسلان» الذي كان واحدةً من نقاطٍ ركّز عليها بعض الباحثين في نقدهم للسجل الأرسلاني.(6)
أسس آل أرسلان أول إمارة منذرية في جبل لبنان، هي أول إمارة عربية إسلامية فيه، وجاهدوا ضد الروم البيزنطيين وأعوانهم المحليين والفرنجة، وكادوا أن ينقرضوا في صراعهم مع الفرنجة سنة 1110م، لو لم ينجُ منهم أمير صغير إسمه ناهض الدين أبو العشاير بحتر. فقد استطاع هذا الأمير أن يعمّر البيت الأرسلاني من جديد، لكنه لم يستطع إستعادة إمارةَّ الغرب كلها، بل غدا أميراً على جزء منها، لأن أميراً آخر يحمل إسمه هو ناهض الدولة أبو العشاير بحتر بن شرف الدولة التنوخي، نافسه على الإمارة، ثم غدا أميراً على الغرب.
كان من نسل الأمير بحتر الأرسلاني أمير إسمه أبو الجيش زين الدين صالح، وهو الذي عاد وعمّر البيت الأرسلاني للمرة الثانية، بعد أن كاد يندثر في أوائل عهد المماليك الجراكسة، ومنه ينحدر الأرسلانيون الذين لا يزال نسلهم ونفوذهم مستمرين إلى اليوم. وإسم «أبو الجيش» ليس نسبة إلى حصن أبي الجيش الموجود في وادي التيم، والذي أشار إليه أحد المصادر، وإنما هو صفة أعطيت للأمير زين الدين صالح وفق العرف الذي كان متّبعاً في الماضي، وهو إعطاء صفة للرجل النافذ تُضاف إلى إسمه. وبعد أن ضعف نفوذ آل أرسلان في عهد الإمارة البحترية التنوخية استعادوا بعضه في العهد العثماني. وبعد أن عاد وضعف في العهد الشهابي إستعادوه في عهد المتصرّفية من خلال تولي قائمقامية الشوف.

بنو فوارس
ينتسب بنو فوارس إلى الأمير فوارس بن عبد الملك بن مالك بن بركات بن المنذر بن مسعود بن عون إبن الملك المنذر (المغرور) ابن الملك النعمان (أبو قابوس). فهم تبعاً لذلك أبناء عم الأرسلانيين. والأمير الذي ينتسبون إليه هو إبن أخ الأمير أرسلان. إنهم الأكثر عدداً بين أسر المناذرة، والأكثر إنتشاراً، إذ إنهم أقاموا في «الغرب» وشمال الشوف، والجرد، والمتن. وعن هذا جاء في كتاب «قواعد الآداب حفظ الأنساب» المدوّن في أواخر القرن الرابع عشر الميلادي، أن الأمير فوارس أنجب احد عشر ولداً ذكراً، وقوي بالمال والرجال ممّا أوجد الغيرة عند أقاربه، فاقترح أعقلهم أن يتقاسموا البلاد وأن يكبّروا حصة فوارس.(7)
أشهر الأمراء، بعد الأمير فوارس، أحد أحفاده الأمير معضاد الذي كان مقيماً في فلجّين، وهو مشهور جداً في أوساط الموحّدين الدروز، ويتردّد إسمه وأفعاله في أدبياتهم، ويعتبره الموحّدون أول رئيس روحي لهم في جبل لبنان. وقد تقلّد الأمير معضاد إمارة الغرب من سنة 1020 إلى سنة 1040م، بعد أن تنازع عليها مع الأمير عماد الدين موسى الأرسلاني، لكن هذه الإمارة عادت إلى آل ارسلان بعد وفاته.
من فروع بني فوارس، التي حملت أسماء أحفاد الأمير فوارس، معضاد وزعازع وأبو اللمع والخضر والمغربي. وقد جاء في كتاب «قواعد الآداب حفظ الأنساب» أن الأمير معضاد خلف في فلجّين ولدين هما أبو اللمع وزعازع(8)، ولا يزال آل أبو اللمع وآل المغربي موجودين إلى اليوم، كما أن آل ابو اللمع الذين عُرفوا بالمقدّمين لفترة من الزمن باتوا يُعرفون بالأمراء في العهد الشهابي، ولا يزال لهم نفوذ إلى اليوم. وهناك أسرة في قرية بزبدين في قضاء المتن الجنوبي ( قضاء بعبدا) تحمل شهرة معضاد، هي، بحسب اعتقادنا، من أحفاد الأمير معضاد.

المناذرة اللخميون شاركوا في فتح دمشق ومصر ومعركة اليرموك وفتح قنسرين وقيسارية وحلب وأنطاكية قبل الانتقال للدفاع عن الدولة الإسلامية في جرود
وسواحل لبنان

أطلال مدينة الحيرة اليوم
أطلال مدينة الحيرة اليوم

آل عبد الله
ينتسب آل عبد الله إلى الأمير عبد الله بن النعمان بن مالك بن بركات بن المنذر بن مسعود بن عون ابن الملك المنذر(المغرور) ابن الملك النعمان (أبو قابوس) فهم تبعاً لذلك أبناء عم آل أرسلان وبني فوارس. المعلومات عن تاريخهم القديم قليلة، تقتصر على نسبهم الذي ذكره السجل الأرسلاني وتاريخ بيروت لصالح بن يحيى، وعلى أسماء بعض أمرائهم. ومما ذكره السجل الأرسلاني هو تسلّم أحد أمرائهم، مجد الدولة بن عدي، إمارة الغرب، بعد الضربة القاسية التي أنزلها الفرنجة بالأمراء الأرسلانيين سنة 1110م، ولكن لم يخلفه أحد من أسرته فيها، بعد مقتله في أحد المواقع مع الفرنجة سنة 1127م.
من فروع آل عبدالله فرع الطوارقة نسبة إلى الأمير طارق بن عبدالله بن النعمان، ومنهم آل تقي الدين المقيمون حالياً في بعقلين في قضاء الشوف، وآل علم الدين الذين برزوا منذ القرن الثالث عشر الميلادي. ينتسب آل علم الدين إلى الأمير علم الدين سليمان الموصوف بالكبير والمعروف بالرمطوني، لأنه أقام في رمطون الواقعة على الضفة اليمنى لنهر الصفا تحت بلدة كفرمتى. وقد أخطأ العديد من المؤرّخين حين نسّبوهم إلى أبناء عمهم التنوخيين المناذرة، اعتماداً على بعض ما قاله المؤرّخ صالح بن يحيى عنهم، إذ أعاد نسبهم في مكان إلى آل عبدالله، وأعاده في مكان آخر إلى البحتريين التنوخيين، وأدرجهم مع البحتريين التنوخيين في حديثه عن الطبقة الثانية منهم(9) ، ونسبهم هذا المدرج في النص، في النسخة المحققة من الدكتور فرنسيس هورس اليسوعي وكمال سليمان الصليبي، مدرج أيضاً في شجرة النسب التنوخي في النسخة المحققة من الأب لويس شيخو(10). لكن المؤرخ ابن سباط، الذي جاء بعد المؤرخ صالح بن يحيى بزمن قصير، قال إن آل علم الدين فخذٌ من آل عبدالله، نُسبوا إلى التنوخيين بسبب المصاهرة(11). وهذه المصاهرة كانت متبادلة، ومع العديد من الأمراء، كما أن السجل الأرسلاني وكتاب «قواعد الآداب حفظ الأنساب» يعيدان آل علم الدين إلى آل عبدالله.

الأمير علم الدين الكبير
بعد أن كان آل علم الدين أمراء مغمورين برز دورهم مع الأمير علم الدين سليمان الرمطوني، في عهد الأمير ناصر الدين الحسين التنوخي الموصوف بالكبير. كانوا مقيمين في عبيه، لكنهم انتقلوا منها إلى رمطون بسبب مضايقة الأمير نجم الدين محمد، المعروف بنجم الدين العاق لإبيه، لأنه لم يسر على نهج والده جمال الدين حجى الموصوف بالكبير. فعمرت رمطون بالبيوت الكبيرة التي شيدها علم الدين وأبناؤه، لكنها تحوّلت إلى قرية دارسة بعد أن تركها أحفاده إلى منطقة الجرد واتخذوا بلدة عين دارة قاعدة لهم، وكان ذلك حين غزا تركمان كسروان الغرب سنة 1389م وعاثوا فيه(12).
برز دور آل علم الدين مجدّداً في عهد الإمارة المعنية. فلقد تسلّموا زعامة اليمنيين، وخاضوا، بعد نهاية الأمير فخر الدين المعني الثاني، صراعاً قويّاً مع المعنيين، ثم مع الشهابيين، على إمارة الجبل، لكنهم إنتهوا في موقعة عين دارة سنة 1711 حيث انهزمت اليمنية التي يقودونها ومحمود باشا أبو هرموش، وانتصرت القيسية بقيادة الأمير حيدر الشهابي. وفي حين تَذْكُر المراجع أنهم دُثروا في هذه الموقعة ظهرت مؤخراً أسرة من بقاياهم، هي على المذهب السنّي، وقد برز منها عز الدين علم الدين التنوخي، عضو المجمع العلمي العربي في دمشق، وأحد أساتذة جامعتها في النصف الأول من القرن العشرين.

آل تنوخ
ينتسب آل تنوح أو التنوخيون المناذرة إلى الأمير تنوخ بن قحطان بن عوف بن كندة بن جندب بن مذحج بن سعد بن طيء بن تميم إبن الملك النعمان (أبو قابوس)، فهم تبعاً لذلك أبناء عم آل أرسلان وآل عبدالله وبني فوارس، يلتقون معهم عند الجد الأعلى الملك النعمان (أبو قابوس)، الذي كان له ولدان، هما الملك المنذر (المغرور) الذي من نسله آل أرسلان وآل عبد الله وبنو فوارس، وتميم الذي من نسله التنوخيون.
من فروع التنوخيين بحتر، وهو جد الأمراء البحتريين التنوخيين، أنشأ الإمارة البحترية التنوخية في «الغرب» المعروفة أيضاً بالإمارة التنوخية نسبة إلى الجد الأعلى الأمير تنوخ. واذا كانت الإمارة الأرسلانية هي الأقدم بين إمارات المناذرة في لبنان، فإن الإمارة البحترية التنوخية هي الأشهر والأهم. وقد برز من أمرائها رجال سيف وقلم وتقوى، وكان منهم بالإضافة إلى الأمراء الزمنيين الحاكمين، المؤرّخ صالح بن يحيى، صاحب كتاب «تاريخ بيروت» والأمير جمال الدين عبدالله، المعروف بالأمير السيّد، وهو الذي ينسب إليه تجديد مسلك التوحيد وتوثيقه، كما يعتبر المرجع الروحي الأبرز في تاريخ الموحدين بعد وقف الدعوة في مطلع القرن الحادي عشر الميلادي.

ميناء يروت في القرن التاسع عشر
ميناء يروت في القرن التاسع عشر

آل أرسلان أسسوا أول إمارة عربية إسلامية في جبل لبنان وكادوا أن ينقرضـــــوا بســــبب حروبـــهم مع الفرنجــــة لو لم ينـــــجُ منهم أمير صغــــــير هو ناهــــض الدين بحتـر

تحديات تواجه الإمارة التنوخية
واجهت الإمارة البحترية التنوخية صعوبات عدّة وأخطاراً ولكنها تجاوزتها، وتمكّنت من الإستمرار، وأبرز تلك الأخطار كانت:
1. هجوم فرنجة سنيورية بيروت المفاجئ على الغرب، سنة 1174م، وإنزالهم بأهاليه ضربة موجعة بحيث لم ينجُ منهم إلا من تستّروا بالشعاب والأودية. وكان من الناجين الطفل حجى بن كرامة بن بحتر الذي عاد وعمّر البيت البحتري من جديد.
2. قيام الأيوبيين، في أواخر عهد سيطرتهم على بلاد الشام، بحملة على «الغرب» سنة 1255، لكنّ البحتريين هزموهم في موقعة عيتات.
3. صراع أربع قوى على بلاد الشام وتداول حكمها في سنة 1260، وهي الأيوبيون بقيادة الملك الناصر يوسف، والمماليك البحرية بقيادة السلطان قطز، والمماليك البحرية بقيادة السلطان بيبرس الذي اغتال قطز وتسلّم الحكم بعده، والتتار (المغول) بقيادة هولاكو، الذين وصلوا في زحفهم إلى بلاد الشام واحتلوا دمشق. هذا الصراع، وهذا التداول السريع لحكم بلاد الشام، وضعا الإمارة البحترية بين شقي الرحى مما اضطر الأمير جمال الدين حجى بن محمد بن حجى وابن عمه الأمير زين الدين صالح إلى تناوب الأدوار، فكان الأول مع المغول في دمشق، والثاني مع المماليك في معركة عين جالوت حيث حصلت الهزيمة المنكرة للمغول.
4. لجوء المماليك البحرية إلى مركز الإدارة، وفرض النظام الإقطاعي العسكري، وقيامهم بحملة على «الغرب» سنة 1278، بحيث غدت الإمارة البحترية مزعزعة لولا إسراع أمرائها، وعلى رأسهم الأمير ناصر الدين الحسين، إلى الالتحاق بجند الحلقة.
5. منافسة أمراء كسروان التركمان للأمراء البحتريين وطمعهم في إقطاع «الغرب».
بعد أن استطاعت الإمارة البحترية تجاوز هذه الأخطار والصعوبات ضعفت في أواخر عهد المماليك البرجية، ثم أخذت الإمارة المعنية، التي قامت في الشوف، مكانها في العهد العثماني. وكانت نهاية أمرائها في سنة 1633 حين فتك الأمير علي علم الدين اليمني بهم، وهو على مائدتهم في عبيه، ثم هدم سراي عبيه على أطفالهم. وإذا كانت هناك أسر منهم، فهي التي تخلّت عن اسم «تنوخ» واسم «بختر» وحملت شهرة غيرهما.

دولة المناذرة في فجر الإسلام
دولة المناذرة في فجر الإسلام
سوق الغرب المطلة على بيروت تظهر أهمية الجبل في الدفاع عن الثغور الإسلامية
سوق الغرب المطلة على بيروت تظهر أهمية الجبل في الدفاع عن الثغور الإسلامية

 

 

 

 

 

 

 

لدور الجهادي للمناذرة
كانت المهمة الأساسية من وجود المناذرة في جبل لبنان هي الدفاع عن ثغري بيروت وصيدا، والساحل الممتد بينهما، ضدّ الخطر الذي تمثّل بالروم البيزنطيين وحلفائهم المحليين، ثم بالفرنجة. وقد بدأوا هذه المهمة حين قدموا من معرّة النعمان وجهاتها في سنة 758م بأمر من الخليفة العباسي أبي جعفر المنصور، وتوطنوا جبل لبنان للقيام بدور جهادي. وهذا الدور لم يتغيّر بتغيّر أمرائهم وإماراتهم، وبتغيّر الخلفاء العباسيين وسائر حكام الدول الإسلامية المتعاقبة على حكم بلاد الشام، بل ظل هو ذاته طوال قرون عديدة، لأن موقعهم الجغرافي ظل نفسه، وهو بيروت وجبلها، ولأن ولاءَهم السياسي أو «عقيدتهم السياسية» إذا صح التعبير، لم يتبدلا، وهو الولاء للدولة الإسلامية الحاكمة، ونصرتها ضد أعدائها، وربط مصيرهم بمصيرها.
تغيّرت مع الزمن وتطوّر الأحداث، وحصول التحوّلات، القوةُ المعادية للمسلمين، فبعد أن كانت متمثلة بالروم البيزنطيين حتى أواخر القرن الحادي عشر الميلادي، أصبحت بعد ذلك تتمثل بالفرنجة الذين بدأوا بحملاتهم على الشرق، ووصلوا إلى السواحل الشامية سنة 1098م، وأسّسوا المملكة اللاتينية أو مملكة بيت المقدس، وثلاث إمارات مرتبطة بها، هي إمارة الرها وإمارة إنطاكية وإمارة طرابلس. ومع أنهم طردوا من الشرق نهائياً في سنة 1291، إلا أنهم واصلوا حملاتهم على سواحل الشام، وكانت حملاتهم السبع على الشرق بإسم الجهاد من أجل إنقاذ الأماكن المقدّسة في فلسطين. أما أهدافهم الرئيسية، فهي سياسية وتوسّعية. وكان قتال المسلمين لهم جهاداً مقدّساً لإستعادة القدس والأراضي الاسلامية المحتلة. وكان للمناذرة إسهام بارز في هذا الجهاد.
من قبل، كان المناذرة أثناء سيطرتهم على مناطق واسعة في غرب العراق، وأحياناً في شرق الشام، يشكلون خط دفاع عن الأمبراطورية الفارسية في وجه الأمبراطورية البيزنطية، فيما كان الغساسنة خط دفاع عن الأمبراطورية البيزنطية في وجه الأمبراطورية الفارسية. وتبعاً لذلك كان المناذرة رجالاً للفرس، يحافظون على حدود أمبراطوريتهم ويحافظون بهذا على وجودهم وسط دولتين كانتا الدولتين العظميين في العالم. وبعد توطّنهم في جبل لبنان صاروا مجاهدين في سبيل الإسلام، الذين شاركوا في فتوحاته، وحموا ساحل بلاد الشام وثغورها. وهذا دفع أحد أبنائهم، المؤرّخ صالح بن يحيى، على الإفتخار بهذا الدور في حديثه عن أجداده البحتريين التنوخيين، والقول:
« تا الله لا يأتي الزمان بمثلهم ولا يحمي الثغور سواهم».(13)
كان المناذرة مرابطين لحماية الثغور والساحل، وكانوا في الوقت نفسه خط دفاع أول عن دمشق والداخل، ولا سيما في فترات توسّع الفرنجة، إذ أن البحتريين التنوخيين المتأمّرين على «الغرب» وقفوا في وجه توسّع هؤلاء نحو المرتفعات الشرقية، وحصروا وجودهم على الساحل فيما استطاع الفرنجة مثلاً، التوسّع في جهات الشوف وجنوب لبنان حتى بلغوا الجبال. لكن هذا الجهاد المشرّف كان مكلفاً، ومن الأدلة على ذلك إبادة الفرنجة في سنة 1110م لجميع الأمراء الأرسلانيين بإستثناء واحد منهم هو الأمير ناهض الدين أبو العشاير بحتر بن عضد الدولة علي، وإبادتهم في سنة 1174 لجميع الأمراء البحتريين التنوخيين بإستثناء واحد هو حجى بن كرامة بن بحتر.

سلسلة نسب أسر المناذرة وصولاً إلى الملك المنذر الأول

مشاركة المقال

التعليقات

Leave a Reply

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اترك تعليقاً

Leave a Reply

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

المقالات ذات صلة

السابق
التالي

اكتشاف المزيد من Dhoha Magazine

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading