الأحد, أيار 11, 2025

اشترك معنا للاطلاع والحصول على أحدث المقالات والأعداد

الأحد, أيار 11, 2025

اشترك معنا للاطلاع والحصول على أحدث المقالات والأعداد

بحث ..

  • الكاتب

  • الموضوع

  • العدد

صَفحات من تاريخ بني معروف في الأردن

نشأت في القرن السابع الميلادي منطقة إداريّة عسكرية في بلاد الشام تضمّنت اسم نهر الأردن، هي جُند الأردن، قاعدته العُظمى طبريّة، وذلك عند تقسيم العرب بلاد الشام بعد فتحهم لها إلى خمسة أجناد. وفي العصر الحديث نشأ في سنة 1921 كيان سياسي تضمَّن أيضًا اسم نهر الأردن، هو شرق الأردن، لأنّه قام في الأراضي الواقعة إلى الشرق من هذا النهر.

كان للموحِّدين (الدروز) وخصوصًا منذ عهد الأمير فخر الدين المعني الثاني، وتَوطُّن الدروز في جبل حوران (جبل الدروز أو جبل العرب أو محافظة السويداء) علاقات مع أبناء المناطق التي تَشكَّل منها الكيان الأردني، ثم قُيِّض لهم المساهمة في تأسيس هذا الكيان، وتأسيس حكومته الأولى، من خلال نُصرة مؤسِّسه الأمير عبد الله بن الحسين، ليكون منطلَقًا لمتابعة الجهاد ضد الاحتلال الفرنسي لسورية.

وعند تخطيط الحدود بين منطقتَي الانتداب الفرنسي والانتداب البريطاني، ضُمَّت بعض أراضي جبل الدروز إلى الكيان الأردني. وأصبح هذا الكيان البلد الملجأ لوطنيِّيهم عند اضطرارهم إلى تجنُّب ملاحقة السُّلطة الفرنسيّة لهم في سورية ولبنان. ثم صار الوطنَ الذي يقيم الآلاف منهم في العديد من مدنه وقراه حيث ساهموا في نهضته وعمرانه، وحيث عُرفوا بِاسْم “بني معروف”، وعُرفت عائلاتهم بِاسْم “عشائر بني معروف” عند ذِكر العشائر الأردنية، ذلك أنَّ هذا الاسم هو، كاسْم “الموحِّدين” الاسم المفضَّل عندهم على اسم “الدروز”.

وفيما يلي تفصيل لهذه الأمور، مع الإشارة إلى أنَّ صفحات تاريخ الموحِّدين في الأردن، ترتبط بتاريخهم في جبل الدروز أكثر من أيّة منطقة أخرى مأهولة بهم، بسبب العامل الجغرافي.

المساهمة في إنشاء الإمارة الأردنية وترَؤُّس رشيد طليع أُولَى حكوماتها

إنَّ دَور الموحِّدين (الدُّروز) في تأسيس إمارة الأردن وحكومته هو تتمَّة لدورهم في المساهمة بالثورة العربية، وفي قيام الحكومة العربية ونصرتها. لقد الْتَحق بعض مجاهديهم بالثورة حين كانت لا تزال في الحجاز، وزاد الالتحاق بها عند وصول قوّاتها إلى العقبة وخلال تقدُّمها في الأراضي الأردنية ووصولها إلى درعا في حوران. ولعلّ أبرز ما يُذكر في هذا المجال هو قضاؤهم بقيادة سلطان باشا الأطرش على القوة العسكرية التركيّة المدعومة من الضبّاط الألمان، والمرابطة جنوب دمشق للدِّفاع عنها، ثم أسبقيّة سلطان في دخول دمشق ورفع العلم العربي فيها في 30 أيلول 1918.

أيَّد العديد من النُّخب الدُّرزية في سورية ولبنان الحكومة العربية بالنِّيابة عن جماعاتهم، وبايعوا فيصل ملكًا على سورية، واشترك بعض قادتهم في هذه الحكومة، وتَسلَّموا المناصب فيها(1). وحين أنهاها الفرنسيُّون، وطلبوا من الملك فيصل مغادرة سورية، أرسل إليه سلطان من يعرضون عليه نقلها إلى السويداء في جبل الدروز، لكن هؤلاء لم يلحقوا به في درعا وهو في طريقه إلى حيفا ومنها إلى أوروبا.

تلا ذلك لجوء العديد من الوطنيِّين السوريِّين واللبنانيِّين إلى الأردن، ليتّخذوا منه منطلقًا للنِّضال ضد الفرنسيِّين، ومِن هؤلاء الوطنيِّين الذين ابتعدوا، أو أبعدهم الفرنسيون، مجاهدون دروز بينهم رشيد طليع الذي عمل بِاسْم الأمير عبد الله في السويداء، وأرسل منشورًا إلى قرى جبل الدروز يطلب إلى رجالها الاشتراك في الهجوم الذي سيقوم به الأمير على الفرنسيِّين، الذين طلبوا بدورهم إلى زعماء دروز الجبل طرْد رشيد طليع وإلّا فإنهم سيدمّرون السويداء، ثم الْتَحق بالأمير في جَمع كبير من الفرسان بحسب ما تَذكر الوثائق البريطانية. وقد كان الْتِحاقه هذا بناءً على طلب الأمير عبد الله لكي يؤسِّس أوّل حكومة أردنيّة.

ويَرِدُ في الوثائق البريطانية أيضًا الْتِحاق حسيب ذبيان بالأمير عبد الله خلال وجود الأخير في معان، والْتِحاق شيخ قرية الهيت (تركي عامر) مع عدد من رجاله، وسلمان وأسد الأطرش مع عَشَرة من رجال كلِّ واحد منهما. ويرِدُ فيها كذلك أنَّ حسيب ذبيان أُرسل من قِبَل الأمير عبد الله للدعوة له في “المقرن الشرقي” من جبل الدُّروز، وأنّ رُسل الأمير كانوا يَعِدُون السكان بإعفاء تامّ من دفع الضرائب طوال ستّ سنوات.

وممّن التحقوا بالأمير عبد الله وهو في معان فؤاد سليم ومعه المجاهد المسيحي من دير القمر سعيد عمّون، وقد طلب منه الأمير مراسلة زعماء الأردن ورؤساء الحكومات المحليّة، فقام بهذه المهمة. تَشكَّلت الحكومة الأردنية الأولى من سبعة أعضاء جميعهم، باستثناء واحد، من خارج الأردن؛ واستعان الأمير عبد الله أيضًا، لتسيير شؤون الإدارة وبناء الجيش، بالسوريين واللبنانيِّين المُبعدين عن بلادهم، والمحكوم على بعضهم بالإعدام أو بالسجن من قبل الفرنسيِّين، ذلك لأنّهم يمتلكون الخبرة الإدارية والتجربة الوظيفية والكفاءة العلمية، وعندهم قدر واسع من الحركة ومن الحياد إزاء شيوخ العشائر الأردنية ومنازعاتهم وإزاء المواضيع الخلافيّة، وجميع هذه الأمور غير متوافرة إلّا عند القليل من أبناء الأردن. وممَّن استعان بهم الأمير عبد الله رجالات الموحِّدين (الدُّروز) الآتي ذكرهم، مع ذكر المناصب التي تسلّموها في الحكومة الأردنية وقبل ذلك.

– رشيد طليع (1876- 1926)، إنّه لبناني من جدَيْدة الشوف ومن أعضاء حزب الاستقلال. تَسلَّم رئاسة أوّل حكومة أردنية في 11 نيسان 1921 وسُمّي “الكاتب الإداري” و”رئيس مجلس المُشاورين”. ثم عاد وأَلَّف حكومة ثانية في 5 تمّوز 1921. وقد استعان الأمير عبد الله به نظرًا لخبرته في الشؤون الإدارية، وكفاءته، وتَقلُّبه في مناصب عدة، منها في العهد العثماني: وكيل قائمّقام بعلبك، وقائمَّقام كلٍّ من المناطق التالية: الزبداني وراشيّا وحاصبيّا، وعاهرة في جبل الدروز، وعضو مجلس المبعوثان عن لواء حوران، ومتصرِّف كلٍّ من المناطق التالية: حوران وطرابلس والاسكندرونة. ومن المناصب في عهد الحكومة العربية: مدير الداخليّة، ومتصرِّف كلٍّ من اللاذقيّة وحماه وحلب(2).

الأمير عادل أرسلان

– الأمير عادل أرسلان (1887- 1954)، هو لبناني من بلدة الشويفات، ومن أعضاء حزب الاستقلال. حكم الفرنسيون عليه بالإعدام عدّة مرات، عاد من أوروبا والْتَحق بالأمير عبد الله وغدَا مستشارًا له نظرًا لخبرته ومعارفه وماضيه الجهادي، فقد كان في العهد العثماني مديرًا للشويفات، وقائمَّقام الشوف، والنائب عن جبل لبنان في مجلس المبعوثان، وكان بعد جلاء الأتراك أحدَ عُضوَيْ حكومة جبل لبنان التي تأسَّست في بعبدا لبضعة أيام، وصار في عهد الحكومة العربية سكرتير الأمير فيصل.

– فؤاد سليم وأخَواه عارف ونصري، إنّ فؤاد سليم (1893- 1925) لبناني من جباع الشوف، كان من مجاهدي الثورة العربية، وقد أتى مع الأمير فيصل إلى دمشق حيث تَسلَّم قيادة فرقة من سلاح الفرسان والمشاة في الحكومة العربية، ثم قاد العصابات الوطنية العاملة ضد الفرنسيِّين إبّان لجوء هذه الحكومة إلى مقاومتهم. وبعد نهايتها كان من أوائل الملتحقين بالأمير عبد الله الذي عهد اليه مساعدة الكابتن البريطاني بيك في قيادة قوة من الجند تحافظ على الأمن غدَا اسمُها الجيش وغدَا فؤاد سليم رئيس أركانه، وسيكون له دور بارز في حفظ وتوطيد الأمن الضروري لنجاح انطلاقة مسيرة الإمارة الأردنية. وممّا يُؤْثَر عنه إيواؤُه للمجاهد أدهم خنجر في بيته ليحميه من ملاحقة السلطة له والقبض عليه وتسليمه للفرنسيِّين، لأنّه من المتَّهمين بمحاولة اغتيال المفوَّض السامي الفرنسي الجنرال غورو على طريق القنيطرة.

أمّا عارف سليم شفيق فؤاد، فقد الْتَحَق في سنة 1922 بالجيش العربي في الأردن برتبة ملازم، وكانت باكورة أعماله القتالية مشاركته في صدِّ الحملة الوهّابيّة التي وصلت إلى الأردن في هذه السنة. وعُيِّن بعد ذلك قائدًا لمخفر وادي موسى لإتقانه اللغة الإنكليزية التي تؤهِّله للتخاطب مع السُّيّاح الأجانب، وخصوصًا البريطانيِّين منهم، الذين يزورون مدينة البتراء. وحلَّ مكانه في قيادة المخفر المذكور أخوه الأصغر نصري.

– حسيب ذبيان (1885- 1969)، إنَّه لبناني من مزرعة الشوف كان أحد الضُّبّاط في عهد المتصرفيّة، ثم غدا أحد ضبّاط الحكومة العربية ومساعدًا لفؤاد سليم في حرب العصابات الوطنية ضد الفرنسيين، ثم أصبح ضابطًا في الجيش الأردني. وكان معه أيضًا المجاهد حمد صعب (1891 – 1941) وهو لبناني من الكحلونية الشوف الْتَحق بالحكومة العربية، وكان مع المجاهدين الذين اشتركوا في حرب العصابات ضد الفرنسيِّين بقيادة فؤاد سليم.

– أسد الأطرش، هو أحد شيوخ جبل الدُّروز. الْتَحق مع رشيد طليع بالأمير عبد الله كما وردت الإشارة إلى ذلك، وعاد من الأردن في 12 آب 1921 مبعوثًا من الأمير إلى جبل الدروز. وكان قصد الأمير من ذلك مدَّ نفوذه إلى الجبل الذي كان بعض أهله يرغبون في الانضمام إلى شرق الأردن وإلى منطقة الانتداب البريطاني، ويرفضون الانتداب الفرنسي. لكن مظاهرة أسد الأطرش الشريفيّة جوبهت بالرفض الشديد من أعيان جبل الدروز وحكومته، وتهديد الفرنسيِّين باعتماد القوة وقصف الجبل لإنهاء حركته، فانتهت بتسليم نفسه إلى الفرنسيين(3).

استقالة رشيد طليع من رئاسة الحكومة الأردنيّ

كان رشيد طليع رئيس حزب الاستقلال الذي تَأسَّس في 5 شباط 1919 كمظهر علني لجمعية “العربية الفتاة” التي تأسَّست سنة 1909 وعملت لاستقلال البلاد العربية عن الأتراك. رمَى هذا الحزب إلى توحيد البلاد العربية واستقلالها وبلوغها مَصافَّ الأمم الراقية. انضمّ العديد من أعضائه إلى الأمير عبد الله، وساهموا في تأسيس الحكومة الأردنية في عمّان بعد أن خدموا الحكومة العربية في دمشق. لكن أطروحات الحزب تراجعت بسبب التطوُّرات واعتماده الواقعيّة حتى باتت تشمل فقط وحدة البلاد السورية وتحريرها. أنشأ أعضاؤه في الأردن لجنة مركزية مؤلَّفة من زعمائه، وهم: رشيد طليع، عادل أرسلان، أحمد مريود، عادل العظمة، أحمد حلمي، نبيه العظمة، ابراهيم هاشم، عوض القضماني، صبحي العُمري، سعيد عمُّون، سامي السّراج، مُسلم العطّار، عثمان قاسم. وشارك في هذه اللّجنة من الأردنيِّين أحمد أبو راس ومحمّد علي العجلوني وغيرهما(4).

سبق لرئيس حزب الاستقلال رشيد طليع أن اجتمع بالأمير عبد الله، وباحثَه في شأن استئناف الحزب نشاطه في الأردن، فوافق الأمير على ذلك “شرط إلّا يتدخّل الحزب في شؤون المنطقة الإدارية”. وحين عرض رشيد طليع الأمر على رفاقه الاستقلاليِّين جرى بينهم نقاش صاخب وافقوا بعده على براغماتيّة رشيد طليع بقبوله شرط الأمير عبد الله، وذلك لثقتهم به، وبأنه، وهو رئيسهم، سيصبح مرجع الحكومة(5). لكن التضارب في المواقف سيحصل بين الفريقَين ذلك أن الأمير انتهج الواقعيّة والمرونة السياسيّة ومُماشاة البريطانيِّين، بل الرُّضوخ أحيانًا لإملاءاتهم لتجنُّب الاصطدام بهم، لأنهم قادرون على التلاعب بمصيره وبأمن الإمارة، وعلى توجيه دفّة الأمور حسب رؤيتهم ومصالحهم. ومقابل هذا كان الاستقلاليُّون، وعلى رأسهم رشيد طليع، يركِّزون على استقلاليّة القرار ما أمكن، ويرَون ضرورة استمرار النِّضال ضد الفرنسيِّين وتشجيع الثائرين عليهم ودعمهم، وتأمين الحماية لهم في الأردن، مخالفين بذلك توجُّه السلطة البريطانيّة.

بعد تشكيله حكومة شرق الأردن الثانية، استقال رشيد طليع منها في أواسط آب 1921، وانتقل إلى فلسطين ومنها إلى مصر، لأنه لم يجد عند الأمير عبد الله الدعم الكافي الذي يمَكِّنه من الصمود أمام تدخُّل البريطانيِّين المفرط في شؤون الأردن، وإجراءاتهم الرامية إلى فرض هيمنتهم المُطلقة، وضغْطِهم لإخراج رجالات حزب الاستقلال وسائر الوطنيِّين من الحكومة. وقد اختلف معهم في الأمور التالية:

  • إصراره على الاطِّلاع المُسبق على خطاب المندوب السامي البريطاني لدى زيارة الأخير إلى الأردن في 17 نيسان 1921، إذ قد يكون في الخطاب ما يضرُّ بالأردن، وكان له ما أراد.
  • احتجاجه الشديد على نصب خيام الجنود البريطانيِّين قرب خيام الأمير عبد الله وكانت لديهم طائرتان بقصد إظهار حمايتهم للأمير، وطلبه إبعادهم. وكان له أيضًا ما أراد.
  • إلحاحه على المندوب السامي البريطاني ليُفْرِج عن حِصّة الأردن من العائدات الجمركيّة، إذ كان المندوب يريد من وقْفِها الضغط على الحكومة الأردنية وإظهارها بمَظهر العاجزة عن دفع رواتب موظفيها والقيام بالمتطلّبات.
  • جاء السبب المباشر الذي أدَّى لاستقالة رشيد طليع، وهو رفضه تسليم المُتَّهمين بمحاولة اغتيال المفوَّض السامي الفرنسي، الجنرال غورو، على طريق القنيطرة بتاريخ 23 حزيران 1921، وهم متهمون إضافة إلى ذلك بأنهم انطلقوا من الأردن وعادوا إليه بعد تنفيذ العملية(6). ففي هذا مخالفة لتوجُّه السُّلطة البريطانية ومصلحتها التي تقضي بالتفاهم والتنسيق مع السلطة الفرنسية المُنتدَبة في سورية ولبنان، ومخالفة صريحة للاتِّفاق بين الأمير عبد الله ووزير المستعمرات البريطاني ونستون تشرشل على ضرورة تفاهُم الأمير مع الفرنسيِّين والسير بالناس سيرة بعيدة عن تحدِّيهم، وقد وردت الإشارة إلى هذا الاتِّفاق.

    رئيس وزراء شرق الأردن رشيد طليع عام 1921
إخراج الاستقلاليِّين من الأردن

كان البريطانيُّون يتعاطَوْن مع العاملين ضد الفرنسيِّين انطلاقًا من الأردن وفْقًا لمصالحهم، فلا يتشدَّدون في حال تَعارُض مصالحهم مع مصالح الفرنسيِّين، ويتشدَّدون في حال توافُقها، ويضغطون على الأمير عبد الله والحكومة الأردنية لِحَذْو حذْوهم، لذا طلبوا في سنة 1924 إخراج الاستقلاليِّين من الأردن، لأنّ مجموعة من المجاهدين بقيادة أحمد مريود انتقلت منه إلى سورية واشتبكت مع الجند الفرنسي في حوران ومن ثمّ في العاصمة دمشق(7).

آنذاك كان الأمير عبد الله في الحجاز لأداء فريضة الحجّ، وعندما عاد في 19-8-1924 قدَّمت إليه سلطة الانتداب البريطاني إنذارًا من ستة بنود مُفادُها تحقيق الإشراف البريطاني الفعَّال والكامل على الحكومة الأردنية، ومن بينها قبول اتِّفاق تسليم المجرمين المعقود مع الحكومة السورية الخاضعة للسلطة المنتدبة الفرنسية، وإخراج المتَّهمين بالتحريض على الحوادث الأخيرة من الأردن، وذلك نزولًا عند طلب الفرنسيِّين. فألقى الأمير خطابًا في اليوم التالي أعلن فيه استجابته للإنذار، وأدَان كلَّ من يعبث بالأمن في سورية وفلسطين “لأننا –والقول له – لا نريد أن تجني هذه البلاد ذُلًّا بسبب تصرُّف أولئك العابثين” وأضاف قائلًا: “لا أريد، أن أضحِّي بنفسي من غير رويّة وأُؤَلِّب على العرب دولتَين عُظمَيَين”(8).

نزلت الحكومة الأردنية عند الطلب البريطاني، وأذاعت بتاريخ 21-8-1924 بلاغًا تُبرِّر فيه عملها بضرورة تلافِي تشويش الأفكار في البلاد المجاورة وتسكينها بإظهار حُسن النَّوايا والرغبة في إثبات الخطّة القويمة السالمة من كلِّ شائبة نحو المناطق المجاورة، على ألّا يُفهم من ذلك أنّ الذين تطلب خروجهم من الأردن لهم أدنى علاقة بالحوادث المذكورة(9). أمّا الذين طلبت خروجهم، فهم: عادل أرسلان، وفؤاد سليم، وأحمد مريود، ونبيه العظمة، وأحمد حلمي، وعثمان قاسم، وسامي السرّاج، ومحمود الهندي. ولمّا كان هؤلاء المُبْعَدون لا يستطيعون الانتقال إلى فلسطين الموضوعة تحت الانتداب البريطاني، فقد انتقلوا أوّلًا إلى العقبة التي كانت لا تزال آنذاك تابعة للحجاز، ومنها تَفرَّقوا إلى مصر والحجاز والعراق، وقد انتقل فؤاد سليم إلى مصر، وعادل أرسلان إلى الحجاز حيث شهد هجوم الوهّابيِّين عليه، وسقوطه بيدهم، فانتقل إلى مصر.

يبدو أنَّ الأمير عبد الله كان مضطرًّا إلى قبول بنود الإنذار البريطاني، والعمل بها كي لا يخسر إمارته، وكي لا يوضع الأردن تحت الحكم البريطاني المباشر. وكان آنذاك أضعف من أن يواجه السلطة البريطانية، كما كان والده في الحجاز مهدَّدًا في الوقت نفسه من قِبَل الوهَّابيِّين. وهنا تجدر الإشارة إلى عِظَم مخاطر وضع الأردن تحت الحكم البريطاني المباشر، لأنّه يقضي كلِّيًّا على الآمال التي يعلِّقها وطنيُّو بلاد الشام عليه، وفي هذا المجال يقول عجاج نويهض في رسالته المُرسَلة من القدس إلى نبيه العظَمة بتاريخ 9-7-1924: “إنَّنا أصبحنا لا نرى لنا مأملًا في المستقبل إلّا في هذه الرُّقعة الصغيرة [الأردن] التي إذا ما اغتُصبت اغتصابًا تامًّا فقدْنا كلَّ شيء نملكه في هذه الدنيا”(10).

لجوء سلطان باشا الأطرش إلى الأردن سنة 1922

سبقت الإشارة إلى أنّ الأردن كان ملجأ الوطنيِّين والثائرين، كإبراهيم هنانو الذي لجأ إليه عبْر جبل الدُّروز، وبمساعدة سلطان باشا الأطرش، بعد إخماد الفرنسيِّين لثورته. بيْد أنّ أكثريّة اللاجئين كانت من جبل الدُّروز بحُكم مجاورته للأردن وتعدُّد ثوراته بقيادة القائد العامّ للثورات السورية، سلطان باشا الأطرش(11). وفيما يلي الحديث عن ثورته الأولى على الفرنسيِّين، ولجوئه إلى الأردن.

بدأ سلطان انتفاضته الأولى على الفرنسيِّين في 21 تموز 1922 لسبب مباشر هو اعتقالهم لضيفه أدهم خنجر. وحين لم يَلْقَ الدَّعم المطلوب من أهالي جبل الدُّروز، وشُنَّت عليه حملة عسكريّة فرنسيّة قويّة مقرونة بحملة إعلاميّة معادية من جبل الدروز، لجأ إلى الأردن بعد أن وافقت حكومته على الإقامة في أراضيه. ونزل في ديار بني حسن، ورحّب به الأمير عبد الله وحكومة الأردن ورجال حزب الاستقلال، وبعض شيوخ العشائر ومنهم مثقال الفايز الذي قال له: يا باشا إذا فقدتَ منزلك في القريّا جرَّاء تدميره بالطائرات الفرنسية فإنّ منازل ومضارب الأهالي في الأردن كلَّها مفتوحة لك ولجماعتك فاختَرْ ما تريده ونحن لها.

أراد سلطان أكثر من الترحيب به في الأردن، وأملَ بمساعدة من الأمير عبد الله ووالده الشريف حسين، وبقيام ثورة عامّة تُخرج الفرنسيِّين من سورية. وقد قابل مُرافقه شكيب وهّاب رئيس وزراء الأردن رضا باشا الركابي، وشجَّعه على اغتنام الاضطراب الحاصل، ومهاجمة الفرنسيِّين ودخول سورية، إلّا أنَّ الركابي لم يتحمَّس للفكرة، كما أنَّ الشريف حسين لم يكن بإمكانه مساعدة الثّورة العامة التي اقترحها ولده الأمير عبد الله، بسبب انشغاله بالصِّراع مع الأمير عبد العزيز بن سعود.

احتجَّ الفرنسيُّون لدى السُّلطة البريطانية على وجود سلطان في الأردن، وطلب المندوب السامي الفرنسي من المندوب السامي البريطاني إخراجه منه، أو السماح للفرنسيِّين بقصف معسكره بالطائرات، فنزل المندوب السامي البريطاني عند طلبه، وسمح لقوَّة فرنسية بملاحقة سلطان، وحمل الأمير عبد الله على القبول بذلك، وأعطى كلَّ منهما الأمر بوقف تمرُّد سلطان بحسب ما جاء في وثائق وزارة الحربية البريطانية. وعن هذا الموضوع يَذكر الأمير عادل أرسلان أن بعض الاستقلاليِّين الموجودين في حكومة الأردن عارضوا ذلك، وأنّه، أي الأمير عادل، أرسل إلى سلطان الذخائر وثلاثين فارسًا لبنانيًّا لاجئين إلى الأردن ومقيمين في الرصيفة، وأن محمود الهندي وسعيد عمّون وصبحي العمري حرّضوا جنود الأردن، “فأخذوا يتوعَّدون بذبح القوّة الفرنسية عن بكرة أبيها، فابتعد الفرنسيون عن المكان، وعاد بك وجيشه إلى عمان”(12). وظل سلطان في الأردن تسعة أشهر وعاد منه إلى الجبل في 5 نيسان 1923 بعد صدور العفو عنه.

لجوء سلطان باشا الأطرش ومجاهدي الثورة السورية الكبرى إلى الأردن

أعلن سلطان باشا الثورة على الفرنسيِّين في 21 تموز 1925، وتحوَّلَت بقيادته إلى ثورة سورية كبرى رَمَت إلى وحدة سورية وتحريرها واستقلالها وقيام حكومة شعبيّة فيها على مبدأ سيادة الأمّة سيادة مطْلَقة، وشملت، بالإضافة إلى مهدها (جبل الدُّروز)، معظم المناطق السورية وبعض اللبنانيّة. وبعد تَوسُّعها وتحقيقها أروع الانتصارات، مُنِيت بالهزائم، وتراجعت عن المناطق التي امتدّت إليها، وأخيرًا تراجعت عن الجبل، وأخذ الثُّوّار يتركون ميادين القتال فيه ويتجمّعون في الأزرق، وبعضهم نزح إليه مع عياله.

كان شرق الأردن ممرَّ السِّلاح والذَّخيرة والأدوية والأموال إلى الثُّوّار، وغدا بوجودهم في مناطقه الشمالية، وخصوصًا في الأزرق مُنْطَلق عمليّاتهم ضد الفرنسيِّين الذين أيقنوا أن الثورة لن تنتهي إلّا بإخراجهم منه. تَوصَّل المندوب السامي الفرنسي دو جوفنيل إلى اتِّفاق مع البريطانيِّين في لندن على المسائل المُختلف عليها، وأُولاها قضية الموصل وأنابيب النِّفط منه إلى البحر المتوسِّط، وثانيتها إنشاء خطّ سكّة حديد بين حيفا وطرابلس، وثالثتها الحدود بين منطقتَي الانتداب الفرنسي والانتداب البريطاني، وقد حلَّها دو جوفنيل فيما يتعلّق بجبل الدُّروز والأردن بالتنازل عن بعض قرى الجبل وأراضيه للأردن، ومنها الأزرق.
تلا ذلك اتِّفاق فرنسي بريطاني سرِّي في القُدس، يقضي بالتعاون المشترك ضد الثُّوّار، واتِّفاق في درعا بتاريخ 23 أيلول 1926 نُظِّم هذا التعاون، وتُرجِم بإعلان القائد البريطاني للجيش الأردني الأحكام العُرفيّة في منطقة الأزرق بمنشور وقَّعه الأمير عبد الله مُجبَرًا، وبناءً على ذلك أرسل البريطانيُّون أربعة آلاف جندي إلى الأزرق حيث حاصروا الثُّوّار وقصفوا مخيّماتهم وضايقوهم في أيام قليلة أكثر ممّا ضايقهم الفرنسيون في سنتين ممّا اضطَرّ أكثرهم إلى الاستسلام والعودة إلى جبل الدُّروز، وعددهم 2000 نسمة، فيما فضَّل 1200 نسمة عدم الاستسلام والخروج من الأزرق، وعلى رأسهم سلطان الذي اصابت شظايا قنابل الطائرات البريطانيّة عباءته التي أهداها بما فيها من ثقوب إلى صبحي الخضرا في فلسطين(13).

تَرك سلطان ورفاقه المجاهدون الأردن إلى النبك في وادي السرحان من أراضي المملكة العربية السعودية حيث أقاموا بضع سنوات حافلة بالمشقّات وصعوبة العيش، وبتضييق عمّال الملك عبد العزيز آل سعود عليهم ومحاولتهم نزع سلاحهم، وإسكانهم في داخل نجد بعيدًا عن أراضي الأردن، لأنّهم كانوا يحذرون استمرار علاقة بعضهم مع الأمير عبد الله الذي كان في صراع مع الملك عبد العزيز وفي تنافُس معه على عرش سورية؛ والذي اجتمع بسلطان وأخيه زيد في الموقّر في تشرين الأول 1927، “ربّما ليوضح أنه كان مرغمًا بالموافقة على إخراج الثُّوّار من الأزرق”(14).

ظَلَّ الأردن المكان الأفضل والمنشود لإقامة المجاهدين في منفاهم لمجاورته جبل الدُّروز. ولمّا كان انتقالهم إليه يتطلّب موافقة السُّلطة البريطانية والسلطة الفرنسية والأمير عبد الله، عرض المجاهدون هذا الأمر على الأمير عبد الله، فاتّصل بالمسؤولين البريطانيِّين، ثم أرسل في النصف الثاني من كانون الأول 1929 رسالة إلى سلطان للاجتماع به في مرج الضّبعي والاطِّلاع على البرنامج الذي سلّمه البريطانيّون له بحالة وجود المجاهدين في الأردن. ثم جدَّد سلطان الاتِّصال بالأمير وطلب منه العمل للاستحصال على موافقة البريطانيِّين وتعيين المكان المقترح مع تفضيل الأزرق الذي كان الفرنسيون يمانعون وجود المجاهدين فيه. وبعد اتِّصالات عدَّة بين سنتَي 1930 و1931 وافقت السُّلطة البريطانية على إقامة سلطان والمجاهدين في الأردن، فانتقل إليه في تموز 1932 مع معظم الموجودين في وادي السرحان، وتَوزَّعوا في الكرك والسلط والحُمّر وعمّان والزرقاء والأزرق، فيما ظلَّ القليل منهم في النبك.

رحَّب الأمير عبد الله بالمجاهدين، وقدَّم لهم التسهيلات المُمكنة، وزارهم بعد استقرارهم، فازدادت العلاقات تعمُّقًا بينه وبينهم، وخصوصًا سلطان الذي أقام في الكرك. وبقي المجاهدون في الأردن، وفي النبك منفيِّين عن البلاد حتى صدور العفو عنهم بموجب المعاهدة السورية الفرنسية الموقَّعة في سنة 1936، حيث عادوا بعدها مُعزَّزِين مكرَّمين. إلّا أنَّ بعضهم ظلُّوا مقيمين مع عيالهم في عمّان والزرقاء والأزرق.

لجوء سلطان باشا الأطرش إلى الأردن سنة 1954

قاد سلطان باشا الأطرش انتفاضة الشعب السوري سنة 1954 على رئيس الجمهورية أديب الشيشكلي الذي شبَّه معارضيه بالأفعى: رأسها في جبل العرب (جبل الدُّروز) ومعدتها في حمص، وذنَبها في حلب. فإذا سُحِق الرأس ماتت الأفعى. لذا أرسل الحملات العسكرية إلى الجبل للقضاء على انتفاضته، وللقبض على سلطان. لكنَّ سلطان تجنَّب سفك دماء السوريِّين العزيزة، وآثَر ترك الجبل إلى الأردن على الصدام مع الجُند.

مكث سلطان يومَين على حدود الأردن ينتظر سماح حكومته بدخول أراضيه. وبمسعًى من القائد كمال جنبلاط وافقت الأردن على ذلك، وقال سلطان في المؤتمر الصحفي الذي عقده في الأردن إنّه “قصد هذا الحيّ الهاشمي الذي به تعتزُّ تقاليد العرب، وإنّه لم يخرج من الجبل إثر هزيمة أو انكسار، ولكنه آثَر حجب دماء العرب في جبل العرب”. وانتقل إلى قلعة المدوّرة في أقصى جنوب الأردن، ورحّب به شيوخ الأردن ومنهم محمّد بن عودة أبو تاية الذي دعاه إلى معان وأكرمه بالرغم من حصول حادثة مؤسفة بين سلطان ووالده عودة الذي كان وسلطان من قادة الثورة العربية(15).

تَمكَّن وزير الداخلية السورية من إثارة الدمشقيِّين، المستوطِنين في عمَّان، ضد سلطان، فتظاهروا وطالبوا بتسليمه للحكومة السورية. وكادت الحكومة الأردنية تفعل ذلك لولا معارضة النائب الأردني وصفي ميرزا، والملكة زين والدة الملك حسين بن طلال، الذي كان آنذاك خارج البلاد. لقد كانت الملكة تُدرك أهميّة سلطان ودوره النِّضالي في الثورة العربية والثورة السورية الكبرى، وتَعلم منزلته السامية عند الهاشميِّين. ولم يَطُل الأمر سوى أيام حتى استقال الشيشكلي ليل 25- 26 شباط 1954 تحت ضغط النِّقمة الشعبية وتمرُّد قوّات الجيش ضده، فعاد سلطان بعد ذلك إلى سورية، وللمرة الثالثة يعود بطلًا قوميًّا ووطنيًّا.

التَّوطُّن في الأردن

كان عدد سكّان الأردن سنة 1922، 225380 نسمة، موزَّعين على الشكل التالي: 122430 نسمة (حضر) و102950 نسمة (بدو)، وعدد سكّان العاصمة عمَّان فكان فقط 6400 نسمة(16). لكن عدد السكان زاد كثيرًا بعد تأسيس كيانه السياسي جرّاء النمو الطبيعي، ولتحوُّله إلى منطقة جذب لأبناء المشرق العربي، إذ قصده عشرات الآلاف للعمل والارتزاق في مرحلة نموّه ونهضته وإعماره، ومن هؤلاء الموحِّدون (الدُّروز) الذين كانوا قلائل في البداية، لكنهم ازدادوا حتى بلغ عددهم مؤخّرًا بحدود 14000 نسمة يقيمون في العديد من المدن والقرى، وأبرزُها عمّان والأزرق والزرقاء والرصيفة وأمّ القطين، أي إنَّهم مقيمون في المنطقة الشمالية الممتدّة من الأزرق وأمّ القطين شمالًا حتى عمّان جنوبًا.

قَدَّرَت دراسة صادرة في سنة 2004 عدد الموحِّدين في الأردن بـ12750 نسمة موزَّعين على الشكل التالي: الأزرق (5200) عمّان (5000) الزرقاء (1100) أم القطين (450) الرّصيفة (400) العقبة (100) المفرق (100)(17).

كان المُتوطِّنون الدُّروز الأوائل من اللاجئين إلى الأردن، مبعدين من لبنان وسورية، وقد توطَّنوه على دفعتَين، الأولى وهي القليلة عند تأسيس كيانه السياسي، والثانية وهي الأكبر وأكثريّتها الساحقة من جبل الدُّروز، بعد تراجع الثورة السورية الكبرى كما وردت الإشارة إلى ذلك. وتلا هاتَين الدفعتَين نزوحٌ من جبل الدروز بعد سنة 1929 بسبب تفاقُم الأزمة الاقتصادية فيه كنتيجة طبيعية لخسائره البشرية والمادية في الثورة، ولكساد مواسمه بتأثير الأزمة الاقتصادية العالمية. وإضافة إلى هذه الدفعات قَدِم إلى الأردن مئات الأشخاص للعمل في البناء والمقاولات والتجارة، وغير ذلك من الأعمال الحرَّة، علاوة على دخول الجنديّة وقوى الأمن والوظائف المدنيّة المُتاحة للمتعلِّمين وأصحاب الخبرة والكفاءة.

شكّل الأزرق عبْر عقود أكبرَ تجمُّع لبَني معروف (الدُّروز)، وكانت النُّزوحات تتمُّ منه أو عبْرَه إلى سائر الأماكن الأردنية، وإلى الأماكن الفلسطينية، لأنّه قريب جدًّا من جبل الدُّروز، وكان من أراضيه قبل ضمِّه إلى الأردن، وقد توفّرت وسائل العيش فيه أوّلًا من استخراج المِلْح وتصديره، ثم من زراعة الحبوب والأشجار المثمرة، ولتحوُّله إلى عقدة مواصلات بين الأردن والعراق والسعودية وسورية. إلّا أنّ عمَّان صارت تضمُّ حاليًّا تجمُّعًا معروفيًّا (درزيًّا) يوازي تجمُّع الأزرق نظرًا لكَونها العاصمة، ولكثرة مجالات العمل فيها.

اكتسب بنو معروف (الدُّروز) الجنسية الأردنية مع احتفاظ بعضهم بالجنسية الأساسية. وحملوا الهُويّة الأردنية وعليها فقط الهُويّة الدينية الإسلامية بوضع كلمة “مسلم” دون ذكر المذهب، بحيث لا يمكن تمييزهم عن سائر المسلمين في الأردن. وتسلَّموا الوظائف والمناصب المختلفة في إدارات الدولة وسلطاتها والمجالس المحلّية على أساس أنهم مواطنون أردنيُّون لا على أساس مذهبيّ. وصار أحدهم الأستاذ فيصل الأعور (من مواليد الأزرق) نائبًا في مجلس الأمّة حاليًّا، كما تَسلَّم الأستاذ أيمن الصفدي (من مواليد الزرقاء) منصب وزير دولة ونائب رئيس الوزراء في السابق، وهو حاليًّا وزير الخارجية وشؤون المغتربين. وهناك موظَّفان إداريّان كبيران، هما سامر سويد (من مواليد الأزرق) مدير قضاء، وسلطان حسّان من مواليد الزرقاء (مدير قضاء).

قدَّرَت الحكومات الأردنية والسلطات المحلِّيّة دور نُخب بني معروف في تأسيس الكيان الأردني وتطوُّره، وذلك بتسمية المباني والشوارع بأسماء بعض أعلامهم العاملين لمصلحة الأردن، كمدرسة رشيد طليع في عمّان، وشارع حسن حسيب ذبيان في الرّصيفة.

تمسَّك بنو معروف بمعتقدهم وإيمانهم بمسلك التوحيد الذي هو أحد المذاهب الإسلامية، وتمَشَّوْا في شؤون أحوالهم الشخصية على أعرافهم وتقاليدهم المتوارَثة على أن تتمَّ المعاملات الرسمية الأردنية بشأنها في المحاكم الشرعية. كما تَمشَّوا في حياتهم المُجتمعيّة على عاداتهم التي حملوها من مواطنهم الأصليّة، والتي يشبه معظمها عادات موطنهم الجديد. واستمرُّوا في التواصل مع الجذور ومع قراهم وعائلاتهم في سورية ولبنان، حتى إنّ بعضهم عادوا إلى هذَين البلدَين بعد تَوطُّن الأردن لعقود.

تأسيس الجمعيّات والنَّوادي

توفَّر لبني معروف، كما لغيرهم من الأردنيِّين، ظروف العمل في القطاع الخاصّ، والتوظُّف في الإدارات الرسميّة، فحقَّقوا طموحاتهم، وحسَّنُوا مستواهم، وخدموا الوطن الذي يتفيَّؤُون ظلاله. وتَوفَّرت لهم كذلك حرِّيّة تأسيس هيئات تُعنى بشؤونهم وتخدم مصالحهم وتتكامل تقديماتها مع ما تُقدِّمه الدولة. وقد أسَّسوا جمعيّات خيرية ونوادي ثقافية ورياضيّة، من أسمائها ما يدلُّ على عروبتهم، ومنها ما يدلُّ على المكان المأهول بهم، ومنها ما يحمل اسمهم: بنو معروف. وهذا هو موجز عنها.
• الجمعية الخيريّة. تأسَّست في عمَّان في بداية الخمسينيات من القرن العشرين، واستمرّت في عملها حتى سنة 1962.
• الجمعية الخيرية العربية. تأسَّست سنة 1968، وشمل نشاطها أبناء معروف في مدن عمَّان والزرقاء والرّصيفة.
• جمعية الحكمة الخيرية. تأسَّست سنة 1972.
• جمعية الأزرق التعاونية الزراعية. تأسَّست سنة 1951، وعُنيت بصناعة الملح وتصدير الفائض منه إلى العراق.
• جمعية سيِّدات الأزرق التعاونية. تأسَّست سنة 1992. ومن أبرز نشاطاتها تشجيع أعمال الخياطة والأشغال اليدويّة.
• نادي الأزرق. تأسَّس سنة 1971. نشاطاته رياضية وثقافية واجتماعية وفنِّيّة.
• منتدى الأزرق الثقافي. تَأسَّس سنة 1992 باسم “فرقة الأزرق للفنون”.
• تَجمُّع أبناء بني معروف. تشكَّلت لجنته التنفيذيّة من 17 عضوًا يمثِّلون المدن المأهولة بالموحِّدين (الدُّروز) أو ببني معروف: 5 (عمّان) 5 (الأزرق) 4 (الزرقاء) 2 (الرّصيفة) 1 (أمّ القطين). وقد وجَّه التجمُّع كتابًا إلى وليِّ العهد الأمير حسن بن عبد الله، أظهر فيه أن بني معروف في الأردن ينالون حقوقهم كأفراد، إلّا أنهم كمجموعة أقل التجمعات الأردنية حظًّا وأكثرهم حرمانًا. وهذا ما أدَّى إلى زيارة الأمير لبني معروف في الأزرق، وإلى إظهار تقديره لهم وتَفهُّمه لمطالبهم(18). فكان ما قام به تَجمُّع أبناء بني معروف إحدى المحاولات التي ترمي إلى إنصاف بني معروف كمجموعة وإنصاف مُثقَّفِيهم والكُفوئِين بتَسلُّم مناصب هم جديرون بها.


المراجع

  1.  انظر عن المناصب التي تَسلَّمها أعيان الدروز، يوسف الحكيم: سورية والعهد الفيصلي، ص92- 93.
  2. للمزيد من المعلومات عن رشيد طليع، انظر الكتيِّب الذي ألَّفَه أمين طليع بعنوان: “الشهيد رشيد طليع”. ومنذر جابر: سجّل أنا رشيد طليع: سيرة ومصير، ص39- 130.
  3. انظر كتابنا: دروز سورية ولبنان في عهد الانتداب الفرنسي، ص156- 157.
  4. محمود عبيدات: أحمد مريود، ص265، والهامش رقم 7.
  5. خير الدين الزركلي: عامان في عمّان، ص 108 – 112.
  6. خيرية قاسمية: الرعيل العربي الأوّل، ص35 وهامشها الرقم 12.
  7. انظر عن المجموعة وأعمالها، محمود عبيدات: أحمد مريود، ص266- 267.
  8. حقبة من تاريخ الأردن، مصدر مذكور سابقًا، ص177- 179.
  9. مُنيب الماضي وسليمان موسى: تاريخ الأردن في القرن العشرين، ص242- 243.
  10. خيرية قاسمية: الرعيل العربي الأول، ص180- 181.
  11. انظر عن هذه الثورات فصولًا عديدة من كتبنا التالية: جبل العرب- سلطان باشا الأطرش. مسيرة قائد في تاريخ أمّة- دروز سورية ولبنان في عهد الانتداب الفرنسي- سلطان باشا الأطرش والثورة السوية الكبرى.
  12. مذكِّرات الأمير عادل أرسلان، الجزء الثالث، ص1367.
  13. مذكِّرات صياح الأطرش عن يوم 25 آب 1928.
  14. مقابلة شخصية مع زيد الأطرش في 8 أيلول 1984.
  15. انظر عن الحادثة كتابنا: سلطان باشا الأطرش والثورة السورية الكبرى، ص86- 87.
  16. للمزيد من المعلومات عن تَوزُّع السكّان على المدن والقرى، وعلى مضارب البدو، انظر سليمان موسى: دراسات في تاريخ الأردن الحديث، ص350-362.
  17. انظر مقالة عاهد قنطار في كتاب: تعريف بالجماعة الدرزية في الأردن، ص132 وهو كتاب نشرته مؤسسة التراث الدرزي بعنوان: الدروز. الواقع والتصوّرات.
  18. للمزيد من المعلومات عن توطُّن الدُّروز في الأردن وجمعيّاتهم، انظر تيسير أبو حمدان: بنو معروف في واحة بني هاشم، ص262- 271، وص389-415 .

مشاركة المقال

التعليقات

Leave a Reply

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اترك تعليقاً

Leave a Reply

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

المقالات ذات صلة

السابق
التالي