المَنْحوس مَنْحوس لو علّقولو فانوس
يُضرَب هذا المثل في الرجل الذي تتوالى عليه النّكبات جرّاء سوء حظّه، دون أن يكون قادراً على الإنتفاع بمساعدة احد .
وحكاية المثل كما يرويها سلام الرّاسي أنّها تعود إلى واقعة تاريخيّة تقول: إنّه خلال النّزاعات المتلاحقة بين القيسيّين واليمنيّين في لبنان، في عهد الأمير حيدر الشّهاب،؛ كانت هنالك قرية تنتمي بأكثريّة أبنائها إلى الغَرَضيّة اليمنيّة، ما عدا رجل واحد بقي قيسيّاً مهما كلّفه الأمر. وقرّر القيسيون يوماً مهاجمة القرية، فأشاروا على حليفهم هذا أن يترك القرية مع عائلته، لكنه أبى.
ثم ما لبث زعيم القيسيّين أن هاجم القرية، وفطن إلى بيت الرّجل القيسيّ، وخاف أن يشمله الإعتداء، فأرسل سرّاً أحد رجاله ومعه فانوس، علّقه قبيل الهجوم، على باب بيت الرّجل القيسي.
لكنّ الفانوس هذا بدلاً من أن يحمي الرّجل من الإعتداء، لفت نظر المهاجمين إليه، فاقتحموا البيت ونهبوه، أحرقوه .
ولما بلغ الأمير حيدر الأمر قال: “ المنحوس منحوس، ولو علّقوا على بابو فانوس “ وجرت عبارته مثلاً على ألسنة الناس1 .
منرجع لقصة الثّور
يضرب المثل في الرّجل إذا أعاد التذكير بأمر يُهمّه، إذا لاحظ أنّ الآخرين تناسَوْا هذا الأمر أو استطردوا في موضوع آخر لا يتعلّق به.. والمثل يذكر في معرض المزاح، حين يحاول أحد الجلساء أن يقطع مجرى الحديث طالباً العودة إلى حديث كان قد بدأ وفيه مصلحة له .
والحكاية أنّ رجلاً طاعناً في السنّ ماتت زوجته، بعد أن تركت له ثلاثة شباب، . وفي جلسة من جلسات الأخوة مع أبيهم الشّيخ، بادر أحدهم إلى مناقشة وضع الوالد قائلاً :
“ لازم نجوّز الختيار، ما بيستر الزّلمي عند كبره غير حرمته “ .
وأمّن الشباب على رأي أخيهم إلا أنّ مشكلة تكاليف الزّواج قد اعترضتهم، فليس لديهم ما يدفعونه لزواج الوالد. واقترح أحد الأخوة أن يبيعوا ثوراً من الثّيران التي يحرثون عليها، غير إنّ الرأي لم يحظَ بالقبول من الأخوين الآخرين وانحرف الحديث باتجاه آخر .
وحينما رأى الشّيخ أنهم ابتعدوا عن مناقشة أمر زواجه أراد أن يذكّرهم قائلاً :
“ أي … بنرجع لقصة الثور “ .
وهو أسلوب متبع في السرد القصصي حينما يُضطرّ السّارد إلى قطع السّرد، ووصل مفاصل الحكاية قائلاً : “ بيرجع مرجوعنا للموضوع الفلاني“ 2 .
وقد وردت حكاية مماثلة في مجموعة سلامة عبيد بعنوان “احكوا لنا قصّة البقرة الصّفرا” وهي لا تختلف عن حكايتنا إلا بجعل الثّور بقرة صفراء3 .
إللّي بتجيبه معك، بتاخذه معك
يُضرَبُ هذا المثل للتأكيد على أنّ المرء يفرض إحترامه على الآخرين من خلال عمله ومسيرته.
وحكاية هذا المثل سمعتها من والدي، وكان يسردها في معرض الحديث عن عزّة النّفس والحرص على احترام الذّات وفيها أنّ الزمن جار على جماعة من أكابر الناس، كانت عندهم أملاك وخيرات ومزارع ومرابعون لكن لحكمة ربّانية تراجعت أحوال هذه العائلة بسرعة حتى خسروا كلّ شيء وأصبحوا من فقراء النّاس رغم مجدهم القديم.
قرّر أفراد تلك العائلة ان يجولوا في أرض الله الواسعة بحثاً عن الرّزق الكريم وكانت الفرصة الأكثر توفّراً يومذاك أن يعمل المرء مرابعاً لدى ملاكيّ الأرض فيتعهّدها بالعمل والقيام بأعمال الحقل والزّراعة والحصاد ويتقاضى ربع المحصول. وصل الرّجال إلى بوزريق وطرقوا باب أبو حمد فارس أبو مغضب، وكان من عقّال القوم وقاضياً مشهوراً برجاحة العقل.. إستقبلهم أبو حمد فارس دون أن يكون على معرفة سابقة بهم فعرضوا عليه العمل في أرضه كمرابعين. وتطرّق الحديث إلى شروط الإتّفاق أي واجبات الرّجال وما يعود لهم نتيجة عملهم. عندها خطر لأحد أفراد الجماعة خاطر فخاطب أبو حمد بالقول:
“شوف يا عمّي بو حمد ! نحن ما بدنا منّك إلا شي واحد”
أبو حمد : تفضّل .
قال له: نحن ما بدنا غير الكرامة والحشمة .
أجابَه أبو حمد فارس على الفور:
ـ شوف يا با ! إللّي بتجيبوه معكن بتاخذوه معكن .
أي أنّكم إن كنتم أهلاً للإحترام وإن كنتم حاملين للخصال التي توجب احترامكم فإنّكم ستفرضون احترامكم من خلال تصرّفاتكم4 .
هذا المَعطْ مش مَعط مين يسدّ
والمثل متداول ومعروف في أنحاء الجبل ويضرب في الرجل المخلاف؛ يبذل الوعود المُغرية في سبيل الحصول على غايته، فيُعرف من خلال وعوده المُغرية أنّه لن ينجز منها شيئاً .
والحكاية أن رجلاً مستور الحال أراد أن يستدين بعض المال لقضاء حاجته، فتوجّه إلى أحد الميسورين، فطلب منه الموسر رهناً على المبلغ، وحين سأله الرّجل: ما الرّهينة التي تطلبها؟ . أجاب الموسر: أريد شعرة من شاربك. فاستكبر الرّجل هذا الطلب، وتردّد في قبوله. غير إنّ ضغط الحاجة أجبره على إعطاء الرّهينة المطلوبة، فاقتلع شعرة من شاربه، وسقطت معها دمعة. ولما رآه الموسر على هذه الحال من التردّد، وثق أنّه سيسدّد الدّين فأعطاه ما يريد.
وحين عاد إلى بيته سأله جاره كيف تدبّر أمر هذا المبلغ، فحكى له الحكاية وهو يتألّم. فانصرف الجار إلى ذلك الموسر يستقرضه بعض المال، وكان أن طلب الموسر الرّهن نفسه الذي طلبه من صاحبه الأوّل. فبادر الرّجل طالب القرض إلى نتف خصلة من شعر شاربه، وقدّمها إلى الموسر قائلاً :
“ كلّ الشّوارب على حسابك“!
عندئذِ أدرك الموسر أنّ الرجل مخلاف فقال له :
“هذا المَعط مش مَعط مين يسد“
والمعط : النّتف، معط الشّعر نتفه ونزعه . ويسد : يفي الدّين. والمعنى العام: أنّ من يقوم بنتف شعر شاربه بهذه الطّريقة دون أن يرِف له جَفن خليق بألّا يفي بوعد .
أنا مَع عصايتك هالعوجا
مَثَلٌ يُضرب في الممالأة، وربّما ضُرِب في الرّضوخ للقوّة عندما لا يكون للمرء خيار غير ذلك على سبيل الحيطة واجتناب المكروه.
والحكاية جرت في خمسينيّات القرن الماضي حينما نشب في الجبل الخلاف المعروف بين آل الأطرش ومن يساندهم، وبين فئة أخرى من عائلات الجبل عرفوا بالشّعبية، وهو ما عُرِف بنزاع “ الشّعبيّة والطّرشان»، الذي حسم في موقعة بكّا الشهيرة لصالح آل الأطرش ومن والاهم، وكان أن انقسم الجبل وبخاصّة المقرن القبلي إلى شَعبي وطرشاني، واستحكم العداء بين الفريقين.
وحدث أن توجّه أحد الأشخاص من قريته إلى قرية أخرى لتأمين بعض أغراضه، فصادفه رجل مقبل من القرية التي يقصدها، وبيده عصا غليظة، وتقدم صاحب العصا من الرّجل الآخر وسأله بشيء من الحماسة، بعد أن هزّ العصا بوجهه :
إنت شَعبي ولا طُرشاني ؟ .
ولما كان الرّجل أعزلاً، لا يستطيع الدّفاع عن نفسه حيال صاحب العصا، فقد حار في أمره؛ لأنّه إن قال له “أنا شعبي”، ربما يكون صاحب العصا طرشانيّاً، وإن قال له طرشانيّ ربما كان شعبياً، فآثر الرّجل السلامة وقال له :
ـ أنا مع عصايتك هالعوجا .
فذهبت مثلاً في الممالأة5 واتقاء الشّر ولو بشيء من الخنوع.
بلاكي يا أم حارتين
أم حارتين هي قرية على طريق دمشق السويداء تبعد نحو 40 كلم عن السويداء لجهة الشّمال.
وبلاكي : تعبير شعبي يستخدم للتّعبير عن الزّهد بالشّيء، وتهوين السّعي في سبيل الحصول عليه. وحكاية هذا المثل وردتني من مصدرين مختلفين أوّلهما الدّكتور فندي أبو فخر الذي أبلغني أنّ آل الحلبي وآل المغوّش وهم من سكان منطقة اللّواء “اللجاة الشرقية” من الجبل، قام بينهم نزاع على قرية أمّ حارتين مطلع القرن العشرين، وهي خربة يومذاك. وكان آل الحلبي يقطنون قرية “لاهثة“ وما يحيط بها. وآل المغوّش يقطنون قرية “خلخلة “ وما يحيط بها. وبلغ الخلاف أشدّه بين العائلتين، فتدخل الأمير شكيب أرسلان لحلّ الخلاف القائم، وكان يومها مرشّحاً لمجلس المبعوثان، فكان إذا ذهب إلى آل الحلبي هون من أمر هذه الخربة، داعياً إلى تسوية الخلاف، فهذه الخربة الصّغيرة لا ينبغي أن تقف في طريق الوفاق. وكانت عبارته المشهورة “بلاكي يا أم حارتين”. أي لنستغن عن أم حارتين ولنسوّ الخلاف. ثم يذهب إلى آل المغوش، الطّرف الثاني في الخلاف ويتبع الأسلوب نفسه قائلاً:
“ بلاكي يا أم حارتين “ فلنسوّ الخلاف. فذهبت عبارته مثلاً .
أما الرواية الثانية فمصدرها السّيد عصام المعاز من بلدة
“ القريّا “ (50 عاماً) وهي لا تختلف كثيراً عن الرّواية السابقة، إذ قال:
“إنّ الخلاف بين العائلتين المذكورتين كاد يؤدي إلى نزاع مسلّح، حينما قرّر آل الحلبي الاستيلاء على أم حارتين، وطرد آل المغوش بالقوّة منها“ .
فاستنجد آل المغوّش بأقاربهم الذين خفوا لنجدتهم، وتمركزوا في أماكن متعدّدة على أسطح القرية. وحينما علم زعيم آل الحلبي بالأمر، وأدرك خطورة ما هم قادمون عليه، جمع رجاله وقال لهم: “ بلاكي يا أم حارتين “. وبذلك حقن دماء كثيرة من الطّرفين .
هذا وقد حدّثني السيّد منيف النّداف من قرية خلخلة. (55 عاماً) نقلاً عن السّيد أبي طرودي نصري المغوش من قرية خلخلة نفسها، وأحد وجهائها، إنّ عبارة “ بلاكي يا أم حارتين “ هي من قول الأمير شكيب أرسلان، مؤكّداً بذلك رواية الدكتور أبي فخر.
هذا وقد ذكر المرحوم سلامة عبيد حكاية هذا المثل مؤكّداً أنّ العبارة من قول الأمير شكيب أرسلان، وأضاف المرحوم عبيد أنّ هذه العبارة تردد في الحثّ على التّسامح في الخلافات الفرعيّة الصغيرة والتّساهل المتبادل6 . والله أعلم.
راس مْصِيْوِل وتدبّر7
والمثل يُضرَب للتأكيد على إمكانيّة تدبّر الأمور الصّعبة، فما دام رأس مْصِيوِل قد دبِّر أمره فليس من الصّعب تدبر أمر أقل أهمية. وحكاية هذا المثل كما نقلها لنا صالح عرابي أن خلافاً نشب بين بدو صلخد تطور إلى قتال أسفر عن قتل مْصِيول السوالمة على يد صالح ابن عميش السّميران راعي مواشي آل الأطرش فذهبت زوجة المقتول ملهوفة إلى شيخ أطارشة صلخد، وأخبرته بالأمر، لأنّ القاتل راعي مواشيه، وهو بشكل ما مسؤول عنه، كما هي العادة. فما كان منه إلا أن قال :
بسيطة، بتدّبّر .
فقالت له:
ياويلي لكن مْصيول قُتِل
فقال مجددا:
بسيطة بندبّرها .
فصاروا يقولون : “ راس مْصيوِل وتدبّر» في الأمر الذي يعسر تدبيره .
وهناك رواية لهذا المثل في كتاب المرحوم سلامة عبيد لا تختلف كثيراً عن روايتنا، إلّا أنّ الأستاذ عبيد يجعل البدويّ راعياً، وُجِدَ مقتولاً في أراضي بلدة صلخد. فأخذت أمّه تنوح، وتمزّق ثيابها، فقال لها شيخ البلدة : بسيطة يا عجوز! سوف ندبّر الموضوع. فصاحت العجوز: “يا ويلي! كيف بتدبّر الموضوع، وراس مْصيوِل مقطوع ؟! «.
وأردف الأستاذ عبيد أنّه يقال في الاستهزاء من محاولة حل موضوع معقد بجهود بسيطة8 .
شو هذا يا دروز؟
هذا التعبير يُطلق عند محاولة حسم الخلاف بطريقة توفيقيّة.
والحكاية أنّه نشب خلاف في إحدى مضافات الجبل كاد أن يؤدّي إلى المواجهة. وبينما القوم في نقاش حاد أمسك رجل من الحاضرين بملقط تناوله من النّقرة9، ورفعه بيده قائلاً :
“ شو هذا يا دروز؟ .
فسكت الجميع وكفّوا عن المجادلة منتظرين حسم الخلاف من هذا الرجل. فقالوا له :
“ ملقط “ .
فقال :
“ حبّوا بعضكن والسّلام “ . فذهبت مثلاً في الحل السّطحي لمشكلات معقّدة.
وقد أورد الأستاذ سلامة عبيد هذا التّعبير في مجموعته بصيغة أخرى. إذ جعل الرّجل يسأل ويجيب في الوقت نفسه: “ شو هذا يا دروز؟ ملقط “. وعقّب قائلاً: “يقال هذا المثل للسّخرية من اقتراح حلّ وهمي أو سخيف“10.
وعندي فإنّ الرجل ربما قصد من قوله “ ملقط “ أنّ الدروز “ مَقْضَب “ وهذا اللّفظ يردّده أهل الجبل للتّعبير عن القرابة، فيقولون: عائلة كذا وعائلة كذا مقضب، أي تربطهم صلة قرابة. وإنّما لجأنا إلى هذا التّفسير فلأنّ الملقط يعبّر عن معنى المَقضب، لأنّهم يقبضون به على النّار. والله أعلم .