أولئك آبائي
يخصّص هذا العدد ملفاً شاملاً احتفالاً بذكرى مرور 40 سنة على استشهاد المعلم كمال جنبلاط في ما اعتبر يومها إيذاناً بدخول لبنان والمنطقة عصر ظلمات طويلاً. هذا الاحتفال تخليد لذكر علم كبير جادت به طائفة الموحدين المسلمين الدروز على لبنان والمنطقة العربية،
وأحد أبرز عظماء القرن الماضي في مجالات الفكر والفلسفة والسياسة والدين المقارن والآداب وأسلوب الحياة والصحة الجسدية والنفسية والعيش الطبيعي وأحد أبرز شارحي فلسفة التوحيد في تعبيراتها المسيحية والإسلامية والمصرية القديمة والهيلينية والتوحيد الهندوسي (الفيدانتا) وفي الوقت نفسه، أبرز داعية للتسامح الديني والفكري والتنوع وللنهضة العربية على أسس الحريات ومناهضة الاستبداد وأنظمة التخلف، وأكبر مساهم في إصلاح النظام السياسي اللبناني والتشجيع على انتقال البلد من صيغة المحمية الطائفية إلى وطن الشراكة الديمقراطية والعدالة الاجتماعية. ويمكننا أن نضيف إلى تعريف المعلم كمال جنبلاط العديد من الصفات والإنجازات لكن مهما أسهبنا فإنه رجل يصعب بسبب الغنى الهائل في شخصيته التعرف عليه حقيقة إلا من خلال الاطلاع الوافي على أعماله وسيرته المجيدة.
لهذه الأسباب، وجدنا من قبل الوفاء لإرث كمال جنبلاط وتشجيع الأجيال الجديدة على الاطلاع عليه بمختلف مكوناته والاطلاع أيضاً على سيرته المضيئة أن نخصص للذكرى ملفّاً يكون وافياً يعطيه بعض حقه علينا. ونحن نحتفل بكمال جنبلاط ليس من منظور سياسي أو حزبي، و”الضحى” كما برهنت على الدوام مجلة للثقافة والتنوير تتعامل مع البيئة المعروفية ومع ما يتعداها باستقلالية وحياد سياسي هدفه أن يجمع ولا يفرق، ونحن قمنا حتى الآن بنشر سير العديد من رجالات الطائفة الكبار ونعد لنشر المزيد واللائحة طويلة بالأعلام الذين يزخر بهم تاريخنا في لبنان وفي سوريا ونحن نعتبر من واجبنا أن نعرِّف قراءنا بسيرتهم وإنجازاتهم وخدماتهم للبنان والمنطقة العربية.
وهذا التاريخ مهم لنا ليس كرواية للماضي بل كزاد للحاضر وللمستقبل ومن لا تاريخ له لا حاضر له ولا مستقبل. والطائفة المعروفية التي تغنّى بمناقبها الشريفة كبار الشعراء والكتّاب تفخر بأن تكون قد أنجبت هذا العدد الكبير من الرجالات والقادة والأبطال، وهو يبين شرف محتدها ونبل أصولها وعراقة انتمائها العربي الإسلامي الصريح، وقديماً قال الشاعر العربي الفرزدق في معرض التفاخر بقومه:
أُولَئِكَ آبَـــــــــائي، فَجِئْني بمِثـــــــــْلِهِمْ إذا جَمَعَتْنـــــــــا يـــــــــــا جَرِيرُ المَجَامِـــــــــــــــــعُ
إلى اهتمامنا بتاريخ أبطالنا وأعلامنا تستمر مجلة “الضحى” في الارتباط بصورة أقوى بهموم المجتمع وقضاياه كما يتضح من الاهتمام الخاص الذي أوليناه في هذا العدد لأزمة الشباب والمخاطر المحيقة بأجيالنا من جراء غزو الإنترنت وتحولها إلى محور حياتنا ونشاطاتنا وعلاقاتنا بعيداً عن أي توجيه بنّاء أو رقابة احترازية. ومن ضمن المنظور نفسه، نتابع اهتمامنا بقضايا الحكم المحلي عبر تسليط الضوء على مبادرات البلديات والحراك التنموي في الجبل.
وأفردت المجلة في هذا العدد حيزاً خاصاً للتطور الكبير الذي تمثل بمؤتمر الأزهر الشريف حول الحرية والمواطنة، والذي اختتم بإعلان تاريخيّ حول حرية العقيدة والشراكة بين كافة مكوِّنات المجتمع الروحية في إطار ديمقراطية مدنية لا تمييز فيها إطلاقاً أو تعصباً أو تطرفاً أو تهميشاً. وقد دعيت مشيخة العقل للمساهمة في أعمال المؤتمر وكانت لها ورقة عمل ننشر أبرز ما تضمنته.
يتسع أيضاً في هذا العدد اهتمام المجلة بالشأن الثقافي مع عرض واف لكتاب “شمس الله تسطع على الغرب” للمستشرقة الألمانية زيغريد هونكه وكتاب الدكتور الشيخ سامي أبي المنى حول رؤية الموحدين الدروز للحوار الإسلامي المسيحي، ولم ننسَ بالطبع شغفنا المعهود بالزراعة والطبيعة في موضوع واف عن زراعة الورد الدمشقي واستخداماته، وهناك في حديقة “الضحى” لهذا العدد، إضافة إلى الموضوع عن الورد الدمشقي الرائع الشذى، العديد من الأزهار الجميلة التي نترك للقارئ أمر قطف ما يرغب منها.