إنشاءُ مجلسِ الشّيوخ في لبنان بين النصوص والممارسات
أولًا: أسباب أخذ الأنظمة الديمقراطية بنظام المجلس في النظم البرلمانية بالعالم:
توجد قاعدتان بالنسبة إلى تكوين السلطة التشريعية.
القاعدة الأولى: أن يأخذ النظام البرلماني، بفكرة المجلس الواحد كما هو الحال في لبنان وفق منطوق المادة 16 من الدستور.
القاعدة الثانية: أن يأخذ النظام البرلماني بفكرة المجلسين. وهذان المجلسان يسميان بأسماء مختلفة. مثلًا في بريطانيا مجلس العموم (وهو يمثل نواب الأمة) ومجلس اللوردات (كان يوصف في السابق بأنه مجلس الأعيان).
أما في الولايات المتحدة فيوجد مجلس نواب يقابله مجلس شيوخ. وعلى رغم تعدد التسميات إلا أن السلطة التشريعية بمجلسيها(النواب والشيوخ) إذا اجتمعا مع بعضيهما البعض يطلق عليهما اسم (البرلمان).
بعد هذا السرد الموجز نطرح السؤال التالي: لماذا تأخذ بعض الأنظمة البرلمانية بنظام المجلسين؟
ليس الهدف هنا اتباع نمط محدد في تكوين السلطة التشريعية ولكن هنالك أسباب واقعية متصلة مباشرة بالتشريع وأخرى هي المغايرة في التكوين وهي:
أـ أسباب متصلة بالتشريع:
1. كبح جماح مجلس النواب في التشريع:
لا نقصد البتة أن كبح جماح مجلس النواب بالتشريع يعني عرقلة عمله، لكن يجب أن نعرف أن مجلس النواب بكونه يمثل الشعب بعمومه. وهو أشد اتصالًا بموجب ذلك بالشعب، لذلك يحاول الأخير تلبية المطالب الشعبية، التي تصل إليه إما من محتجين على تصرف حكومي أو متظاهرين ضد سلوك اعتبروه خروجاً عن الأصول المتعارَف عليها أو أحيانًا ترتقي الاحتجاجات إلى مستوى ثورة شعبية.
وتحت وطأة كل هذا يُصدر مجلس النواب قانون يلبي مطالب الجماهير. ولكن يتوجب وجود جهة أخرى تتصدى لمجلس النواب، وذلك بالاعتراض، وهذا ما يفعله مجلس الشيوخ.
2. عقلنة التشريع:
نلاحظ في بعض التشريعات في لبنان، وجود ثغرات قانونية، وصيغ غير واضحة، وأحيانًا يقر المجلس قانون يناقض في بعض جزئياته قوانين أخرى مما يؤدي إلى فوضى تشريعية. لكن في ظل وجود مجلس شيوخ مثل هذا التناقض والتضارب بين القوانين لا يمكن أن يحدث. حيث إنّ مجلس الشيوخ سوف يناقش القوانين ويسعى إلى عقلنتها، وجعلها منسجمة مع بعضها البعض ضمن المنظومة القانونية للدولة.
3. التروّي في التشريع:
قد يكون مجلس النواب صائباً في ما أقرّه لقانون ما. كَوْن ذلك القانون يعتبر كبارقة علاج وخلاص حتمية في المجتمع لكن المصلحة العليا للبلاد ومصلحة المجتمع تقضيان بعدم إقراره في تلك الفترة بالذات (حرب ـ ثورة ـ عدوان خارجي) فيكون من واجب مجلس الشيوخ، التصدي لما يقره مجلس النواب. فيتريث إلى حين تسمح الظروف إقرار ذلك القانون. لهذا كله تأخذ بعض الأنظمة الديموقراطية بنظام المجلسين.
ب ـ أسباب متصلة في المغايرة بالتكوين:
1. بالنسبة للسن: ترغب بعض الدول أن يكون سن العضو في مجلس الشيوخ أكبر من سن العضو في مجلس النواب وذلك كون الكبار يملكون الحكمة والتروي والعمل والدراية في الشأن العام لذلك ترفع الدول سن عضو مجلس الشيوخ.
2. المغايرة في التكوين: فقد يكون مجلس الشيوخ هو مجلس يمثل أقاليم الدولة حيث يكون لكل إقليم عدد مساوٍ لغيره من أقاليم الدولة.
3. المغايرة في العدد: دائمًا عدد مجلس الشيوخ أقل من عدد مجلس النواب.
4. المغايرة في بعض الصلاحيات: بعض القوانين لا تدخل في صلاحية مجلس الشيوخ فهي متروكة لمجلس النواب. أما بعض القوانين الهامة فيُعقد الاختصاص بها لمجلس الشيوخ.
5. المغايرة في الانتخاب: حيث يكون لمجلس الشيوخ أسبابه في انتخاب أعضائه تتماشى مع هدف من يمثّل (المقاطعات ـ الاقليات ـ الطوائف).
بعد كل هذا نسأل هل لبنان بإمكانه أن يأخذ بنظام المجلسين وهل هنالك نصوص حالية تشير إلى الأخذ بنظام المجلسين؟
ثانيًا: مجلس الشيوخ في لبنان بين النشأة والإلغاء الأول:
أـ نشأة مجلس الشيوخ اللبناني:
1.إنشاء ثم إلغاء لمجلس الشيوخ
بعد الاحتلال الفرنسي المباشر الذي استمر من عام 1920 حتى عام 1926 وابتداءً من أول أيلول سنة 1926، تغير اسم البلاد من دولة لبنان الكبير إلى الجمهورية اللبنانية دون أي تبديل أو تعديل آخر.
وبذلك أبصر النظام الجمهوري في لبنان نور الوجود وسبق إعلان الجمهورية إعلان وضع الدستور في 23/أيار 1926 وهذا الدستور نص في مادته 16 على أن «يتولّى السلطة التشريعية هيئتان، مجلس الشيوخ ومجلس النواب».
حتى أن الدستور نص على أكثر من ذلك تحديدًا في المادة 22 « يؤلَّف مجلس الشيوخ من ستة عشر عضوًا يعيّن رئيس الحكومة سبعة منهم بعد استطلاع رأي الوزراء ويُنتخب الباقون وتكون مدة ولاية عضو مجلس الشيوخ ست سنوات ويمكن أن يعاد انتخاب الشيوخ الذين انتهت مدة ولايتهم وأن يُحدَّد تعيينهم على التوالي».
من هنا نستنتج أن المشرِّع حزم أمره، بالإعلان وبموجب المادة 16 من الدستور أن «يتولى السلطة التشريعية هيئتان مجلس الشيوخ ومجلس النواب». بل إنَّ المادة 22 من الدستور بينت عدد مجلس الشيوخ وكيفية انتخابهم وتعيينهم ومدة ولايتهم ومدى التجديد لهم.
وبالفعل أجريت انتخابات نيابية، ومثّل الطائفة الدرزية في مجلس الشيوخ الأمير فؤاد أرسلان ولكن وفي قرار مفاجئ، ألغى المفوض السامي النصوص الناظمة لوجود مجلس الشيوخ.
ب ـ أسباب إلغاء مجلس الشيوخ
1ـ الأسباب التمثيلية: خَلْق نظام مَجلِسي يمثل الطوائف وتمثيل المقاطعات والاختصاصات.
2ـ الأسباب التشريعية: وُضعت صلاحيات دستورية عدة لمجلس الشيوخ منها حق إحالة أي قانون إليه من مجلس النواب والبت في الموازنة وإبداء الرأي في شكل وعدد أعضاء الحكومة وغيرها من الصلاحيات.
أسباب دفع المشرّع إلى إلغاء مجلس الشيوخ:
ـ البطء في إقرار التشريعات
ـ عرقلة عمل الحكومة ورئيس الجمهورية.
ـ عرقلة تأليف الحكومة: حيث حصل أن أعلن مجلس الشيوخ صراحة أنه غير مستعد للتعامل مع حكومة يزيد عددها عن ثلاثة وزراء لأن البلاد ليست بحاجة لأكثر من هذا العدد.
3ـ الأسباب السياسية والاستعمارية:
أـ الأسباب السياسية:
ـ رأت بعض الأوساط السياسية، أن مجلس الشيوخ يشل عمل السلطة التشريعية. وفي الحقيقة هدفها الخفي، حرمان من هو من نفس طائفتها من التمثيل في مجلس الشيوخ، خصوصًا أنها أي تلك الأوساط ممثلة في مجلس النواب، ويمنع عليها الدستور أن تمثل في مجلس الشيوخ.
ـ عرقلة عمل الحكومة من خلال الاعتراض على مشاريع القوانين.
ب ـ الأسباب الاستعمارية:
ـ رغبة المستعمر الفرنسي في العمل السياسي السريع، فالتروِّي يزعزع وجوده ويحد من قدرته على التغيير السريع. فهو يريد إصدار القوانين بأقصى سرعة. لذلك وجدنا معظم قوانين لبنان قرارات صادرة عن المفوض السامي. وهذه السرعة مقصودة لأغراض استعمارية مثل تمرير المعاهدات والقوانين التي تخدم الوجود الفرنسي في لبنان.
ـ الثورة السورية الكبرى: تلك الثورة التي أشعلت سوريا ولبنان في بعض مناطق (جبل عامل ـ حاصبيا ـ راشيا) وقادها سلطان باشا الاطرش. وفهمت فرنسا الرسالة، وأرادت إقصاء دروز لبنان عن لعب أي دور محوري، وخصوصًا بدا أن رئاسة مجلس الشيوخ، قد تؤول إلى الطائفة الدرزية. رغم عدم البدء في تلك الفترة، في ترسيخ الأعراف الدستورية. فالدستور عمره حينها عام، وكان من المحتمل أن تؤول تلك الرئاسة للدروز، لذلك وعقابًا لهم ولثورتهم عليها، أعلنت فرنسا ممثلة بالمفوض السامي إلغاء مجلس الشيوخ.
ثالثًا: مجلس الشيوخ في لبنان وفق نصوص الطائف:
لحظت وثيقة الوفاق الوطني الموقعة بالطائف، ضرورة تعديل النظام السياسي في لبنان وبموجب القانون 18 لعام 1991، أقرت تعديلات الطائف في مدينة القليعات البقاعية ولكن السؤال هنا، لماذا لم ينشأ مجلس الشيوخ في لبنان بعد إقراره مند ثلاثين عاماً؟
هل السبب نصوص دستورية؟ أم السبب سياسي؟
في النصوص الدستورية وتحليلها:
أول نص في الدستور اللبناني بعد الطائف، يشير إلى إنشاء مجلس الشيوخ، هو نص المادة 22 «الذي ينص: مع انتخاب أول مجلس نواب على أساس وطني لا طائفي يستحدث مجلس للشيوخ تتمثل فيه جميع العائلات الروحية وتنحصر صلاحياته في القضايا المصيرية».
ولما كان هذا النص يشير إلى المرحلة التي يجب استحداث مجلس للشيوخ وإلى صلاحياته ومكوناته. جاء نص المادة 95 من الدستور ليشير، إلى أبعد من ذلك فهو يوجب «على مجلس النواب المنتخب على أساس المناصفة بين المسلمين والمسيحيين، اتخاذ الإجراءات الملائمة لتحقيق إلغاء الطائفية السياسية وفق خطة مرحلية وتشكيل هيئة وطنية برئاسة رئيس الجمهورية، تضم بالإضافة إلى رئيس مجلس النواب ورئيس مجلس الوزراء شخصيات سياسية وفكرية واجتماعية».
مهمة الهيئة الوطنية هي دراسة واقتراح الطرق الكفيلة بإلغاء الطائفية وتقديمها إلى مجلسَي النواب والوزراء، ومتابعة تنفيذ الخطة المرحلية.
وبذلك يكون نص المادة 22 من الدستور، أعلن إعادة اعتناق النظام البرلماني اللبناني فكرة نظام المجلسين في السلطة التشريعية. ولكن وقع إنشاء مجلس الشيوخ بشرك التعجيز والاستحالة بموجب نصوص إنشائه. فما هي أخطار التعجيز والاستحالة في إنشاء مجلس الشيوخ؟ وما هي الحلول المقترحة لإنهائهما؟
1ـ بالنسبة لنص المادة 95 من الدستور:
لقد أرست هذه المادة قاعدة التمثيل النيابي مناصفة بين المسلمين والمسيحيين. وبالفعل انتُخبت عدة مجالس نيابية على أساس المناصفة فمنذ عام 1992 حتى يومنا هذا. وبذلك حُلّت أول العقد أمام إنشاء مجلس للشيوخ. خصوصًا أنّ المادة 95 أضافت ضرورة «اتخاذ الإجراءات الملائمة لتحقيق إلغاء الطائفية السياسية وفق خطة مرحلية وتشكيل هيئة وطنية» وأضافت» مهمة الهيئة دراسة واقتراح الطرق الكفيلة بإلغاء الطائفية وتقديمها إلى مجلسَي النواب والوزراء ومتابعة تنفيذ الخطة المرحلية».
لكن هذه المادة حددت المسار القانوني لإلغاء الطائفية وهي:
ـ اتخاذ الإجراءات الملائمة لإلغاء الطائفية:
لم تحدد تلك المادة ما هي الإجراءات الملائمة. هل هي قوانين؟ أم هل هي تهيئة سياسية واجتماعية وفكرية مترافقة مع حملة إعلامية وطنية واسعة تبين أهمية إلغاء الطائفية في لبنان؟
فكان حَريِاً بالمشرع توضيح هذه النقطة بما لا يقبل الشك.
ـ الخطة المرحلية / إن الإجراءات التي تشير إليها المادة 95 هي « خطة مرحلية « وهنا وقع المشرع في صياغة غير واضحة ولا يسعفه نص المادة 22 من الدستور في تحديد نهايتها ولا حتى في بداية العمل بالخطة المرحلية.
على أن كل ما سبق، أي الإجراءات الملائمة لإلغاء الطائفية والخطة المرحلية رغم صعوبة تحديدهما، إلّا أنهما مرتبطان تمامًا وفق نص المادة 95 بـ « تشكيل هيئة وطنية برئاسة رئيس الجمهورية تضم بالإضافة إلى رئيس مجلس النواب ورئيس مجلس الوزراء شخصيات سياسية وفكرية واجتماعية».
وكما سبق الذكر فإنّ مهمة الهيئة هي دراسة الطرق الكفيلة بإلغاء الطائفية السياسية.
نستنتج من ذلك أن الهيئة شرط أساسي لإلغاء الطائفية السياسية وما التوسع في تشكيلها إلا أمر ضروري بموافقة الجميع، بل إن ما من دراسة إلّا ستكون عبر الهيئة الوطنية ولها وحدها، حق تقديم الدراسة إلى مجلسي النواب والوزراء، إذاً فمظاهر الاستحالة هنا واضحة في الدراسة لإلغاء الطائفية. وفي المرحلة الانتقالية وفي تكوين الهيئة الوطنية المشروطة بدراسة مستحيلة التحقق، وإنّ عدم وجود تلك الهيئة يعني عدم القدرة على متابعة الخطة المرحلية كون تلك الهيئة دون سواها، لها متابعة الخطة المرحلية وبذلك أفرغت الصيغ القانونية المادة 95 من معناها لجهة إلغاء الطائفية السياسية.
2ـ بالنسبة لنص المادة 22 من الدستور:
على أن الصيغ المستحيلة التي فرضتها المادة 95 بلغت ذروتها في نص المادة 22 من الدستور. سواء لجهة استحداث مجلس للشيوخ، أم لجهة الصلاحيات المنوي إعطاؤها لهذا المجلس. فنصّت « مع انتخاب أول مجلس نواب على أساس وطني لا طائفي يُستَحدث مجلس للشيوخ تتمثل فيه جميع العائلات الروحية وتنحصر صلاحياته في القضايا المصيرية».
فبعد آليات إلغاء الطائفية المستحيلة وفق نص المادة 95 من الدستور أتت المادة 22 منه لتقرن تلك الاستحالة باستحالة جديدة، مرتبطة كل الارتباط بإلغاء الطائفية السياسية وهي « مع انتخاب أول مجلس نواب على أساس وطني لا طائفي يُستحدث مجلس للشيوخ».
وهذا النص أغلق الباب نهائيًا على البحث في إنشاء مجلس للشيوخ. والأخير لا يمكن الوصول إليه دون تطبيق نص المادة 95 الذي دونه عقبات سبق شرحها.
إضافة إلى حصر مهام المجلس في قضايا مصيرية وهو معنى واسع يحتمل الكثير من التفسيرات.
3ـ الحلول المقترحة:
لجهة النصوص الهادفة لإنشاء مجلس الشيوخ، سواء كان نص المادة 22 أو 95 من الدستور نجد ضرورة الاستغناء عنهما، ووضع نص واضح مثل:
« يُنشأ مجلس للشيوخ، ويُحدَّد عدد أعضائه وفق قانون الانتخاب المَرعي الإجراء وتنحصر صلاحياته بما يلي:
تعديل الدستور، إعلان حالة الطوارئ وإلغاؤها، الحرب والسلم، التعبئة العامة، إقرار الاتفاقات والمعاهدات الدولية أو الغاؤها، الموازنة العامة، تعيين موظفي الفئة الأولى أو ما يعادلها، إعادة النظر في التقسيم الإداري، قانون الانتخاب، قانون الجنسية، قوانين الأحوال الشخصية، اطلاعه من خلال رئيسه على نتائج الاستشارات النيابية الملزمة لتسمية رئيس الحكومة، المصادقة على البيان الوزاري بعد إقراره في مجلس النواب فإذا استغنى المشرع عن نص المادة 22 و 95 من الدستور، فقط في الصيغ المتعلقة بإنشاء مجلس للشيوخ، يكون قد سعى حقيقة لإنشاء غرفة ثانية في البرلمان اسمها مجلس الشيوخ.
رابعًا: الأسباب الموجبة لإسناد رئاسة مجلس الشيوخ للطائفة الدرزية.
هنالك عدة أسباب توجب تولي الطائفة الدرزية رئاسة مجلس الشيوخ منها:
أـ الأسباب التاريخية والسياسية:
لقد حكم الدروز لبنان منذ عام 758 ميلادية حتى عام 1861 أي قرابة ألف عام لم يستطع غازٍ إنهاء سيطرتهم وحمايتهم للبنان، وبهم وبأمرائهم تكوّن لبنان السياسي. فهم أول من تمتع في الخلافة العباسية بالاستقلال الذاتي عن بغداد، وهم أول الفرق الإسلامية التي صدت الغزو الصليبي عن الشرق وانتصرت في معارك ضدهم في عهد الأمراء التنوخيين.
وبعد انقراض السلالة التنوخية، تابع الأمراء المعنيين بناء لبنان السياسي، ولكن بسمات استقلالية أوسع وأوضح وأثبت من ذي قبل، كلّفتهم الكثير من إبعاد واعتقال وإعدام بالجملة لأسرة الامير فخر الدين المعني الثاني الذي وصفه المؤرخون بـ أبو الاستقلال الوطني الأول. حيث تمكّن من بناء دولة مستقلة.
تابع الأمراء الشهابيون – انسباء الأمراء المعنيين – صناعة لبنان المستقل لكن انتهى حكمهم ومعه حكم الدروز للبنان. لهذه الأسباب كلها توجب إعادة الاعتبار السياسي للدروز في مجلس الشيوخ، لدورهم التاريخي والسياسي في قيادة هذه البلاد وحمايتها.
ب- الأسباب الواقعية والقانونية
لقد وُزِّعت الرئاسات الثلاث فنال المسيحيون رأس الهرم (رئاسة الجمهورية) ونال المسلمون الشيعة الرئاسة الثانية، والمسلمون السنة الرئاسة الثالثة، ونالت الطوائف المسيحية منصبَي (نائب رئيس مجلس النواب ونائب رئيس مجلس الوزراء) وهذا التوزيع الطائفي ليس فيه خلل فالكل حصل على موقعه لكن واقعيًا تعداد سكان لبنان كشف عن أن نسبة المسيحيين من مجمل عدد سكان لبنان تساوي الثلث أو أكثر بقليل مما دفعنا إلى القول إنّ رئاسة مجلس الشيوخ يجب أن تكون من حصة المسلمين الدروز. خصوصًا إن كل طائفة إسلامية حازت على رئاسة إلا المسلمون الموحدون الدروز.
ج ـ المساواة التي يطالب بها الدستور:
نصت المادة رقم 7 من الدستور على «كل اللبنانيين سَواء لدى القانون وهم يتمتعون بالسواء بالحقوق المدنية والسياسية ويتحملون الفرائض والواجبات العامة دون ما فرق بينهم».
وهذه الصيغة تتبعها صيغة نص المادة 95 التي تطالب «وفي المرحلة الانتقالية:
أـ تُمثَّل الطوائف بصورة عادلة في تشكيل الوزارة من هنا الدستور يلتزم بعدم التمييز بين المواطنين وبأنهم سواء أمام القانون وفق المادة 7 منه وتؤكد المادة 95 وفي المرحلة الانتقالية تُشَكل الوزارة بصورة عادلة وهذا ما حصل في تشكيل الحكومات. ولكن السؤال هنا؟ هل إنْ طَلبَ اللبنانيون العدالة في التمثيل بالسلطة التنفيذية، سيقابله أيضاً المطالبة بالعدالة في السلطة التشريعية، والحال كذلك، أفلا يعني ذلك أن على الدروز طلب العدالة لأنفسهم من خلال حصولهم على رئاسة مجلس الشيوخ؟
نعم يحق للدروز بالرئاسة الرابعة في البلاد للأسباب السابقة التي عرضناها، مع أنّ الأمر سيبقى رهناً بالتجاذبات السياسية في هذ البلد.