الجمعة, أيار 10, 2024

اشترك معنا للاطلاع والحصول على أحدث المقالات والأعداد

الجمعة, أيار 10, 2024

اشترك معنا للاطلاع والحصول على أحدث المقالات والأعداد

بحث ..

  • الكاتب

  • الموضوع

  • العدد

الصفحة الاخيرة

الصفحة الاخيرة

قايـين

لماذا يلجأ بعض الناس إلى النميمة؟ ولِمَ يضيعون وقتهم في نقل الأخبار السيئة وهدم الوفاق وأجواء العمل والخوض في وحول هذه الدنيا؟ ما يظن هذا البعض أنّه صانع، وإلى أي مبادئ في المسلك القويم وخصاله يستندون وأي قضية يخدمون في اعتقادهم؟

النميمة من أسوأ الخصال البشرية، وهي من معدن الأخلاق الضدية لأن الضد يتربص بالناس على الدوام ويؤذيه العمل الصالح ويقض مضجعه الوفاق والتآخي فلا يني يوسوس لهذا ويحرك غرائز ذاك حتى يقوم الشجار وينفرط عقد الجماعة وينهدم العمل وتزول البركة. عندها فقط يفرح الضد في سره وهو الذي يؤذيه مشهد الوفاق وقيام الصلح بين الناس.

النميمة بنت الحسد وبنت الفشل كما أنها لا يمكن أن تأتي من سالك في طريق تربية النفس وتزكيتها، ومن لا ينزّه نفسه عن هذه الكبيرة وما يشابهها لا أمل له مهما اعتقد في نفسه من العلم أن يتقدم خطوة واحدة على طريق المعرفة أو أن يقترب من أعتاب الحق المطهرة، فهذه السلاسل الثقيلة تقيد رجليه وتجره إلى الخلف على الدوام. لماذا؟ لأن هذا المرء منصرف في الغالب عن عيوبه إلى عيوب الناس، وعن التقرب من الله بالعمل الصالح إلى محاولة رفع شأنه على حساب الحط من قدر الآخرين. والسالك الحق زاهد في كل مظاهر الدنيا ولا وقت لديه للنظر شمالاً أو يميناً بل نظره الدائم مركز على قلبه، وعلى ما يقيده من أهواء وخصال ضدية، وما يؤخر سيره من أوزار النفس ومكرها.

ولا يوجد مرض من أمراض القلب أخطر على الإنسان من أن يتوهم أنه أفضل من الآخرين أو أنه أحق منهم بما قسم الله من حظوظ دنيوية أو معنوية. وقد بلغ من سلطان هذا المرض على النفس أن الله تعالى أظهر لنا أنه كان في أصل النشأة البشرية كما ترمز إليه قصة قتل قايين لأخيه هابيل. وقد ثارت حفيظة قايين لأن السماء تقبلت قرباناً من أخيه ولم تتقبله منه. ولم يتفكر قايين في الأسباب التي جعلت قربانه مردوداً ولم يسع ليجد السبب في نيته أو قلبه. لم يجد الخصم في نفسه بل وجده في أخيه فقتله شفاء لغليل النفس الأمارة الحاسدة. ومنذ ذلك الزمن بات شيء كثير من نفس قايين ورعونته موجوداً في كل إنسان، كأن في كل منّا نحن البشر في جميع الأزمنة قايين وهابيل في آن، وكما لو أن ازدواج الطاقات والملكات في النفس يمكن تلخيصه بهذه الثنائية التي قام عليها الخلق وما زال.

إنه بلاء عام لا سيما في هذه الأيام التي غلبت فيه قوى الفردية والتميز والسباق على كسب الجاه الفارغ دينياً كان أو دنيوياً على نفوس الكثيرين. وها نحن نرى فتنة قايين قائمة على نحو أعم في ما شجر بين الناس من خلافات وأحقاد وتكبر وتجبر وما أحدثوه ويحدثونه يومياً من فتن واقتتال وفوضى. وقد أمرهم الله تعالى بواجب المحبة والتآخي في كل الأزمان ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ﴾ (الحجرات: 13) ولم يقل الحق تعالى لتخاصموا أو لتقاتلوا بل لتعارفوا أي لتحابوا ولتتآخوا.

لكن مهما كان من أمر صعوبات زماننا فإن واجبنا هو أن نتابع ما نقوم به بجد وسكينة، وأن نتحلى في الوقت نفسه بروح المسامحة فلا نلتفت إلى من يسيء إلينا، بل أكثر من ذلك إن علينا أن نرى في ما قد ينزل علينا من سهام الناس ابتلاء وامتحاناً للصبر أو ربما كفارة عن أخطائنا السابقة، ومن حسن ستر الله على العبد أحياناً أن يرى الناس بعض العيوب الصغيرة وأن ينشغلوا بها ولا يرون العيوب الأكبر وهي عيوب خفيه لا يراها إلا السالك الصادق في نفسه، وهذه العيوب هي أشد وطأة عليه من كلام يقال هنا أو هناك. والحمد الله الذي خفف عنا فسلط علينا بلاء الناس وأعاننا على بلاء أنفسنا.

مشاركة المقال

التعليقات

Leave a Reply

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اترك تعليقاً

Leave a Reply

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

المقالات ذات صلة

السابق
التالي

اكتشاف المزيد من Dhoha Magazine

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading