العقبة، بلدة التسعين شهيداً
تستذكر مواسم العنب والتنور
الشيخ التسعيني سيف الدين دحسون
كنا نأكل الخبز والجرجير البري لكننا كنا سعداء
أما الآن فكل شيء متوفّر لكن أين الألفة والطمأنينة؟
أهل العقبة تركوا الزراعة وبرعوا في إدارة المطاعم والفنادق
حتى باتت أكثر مطاعم المنطقة مملوكة من أبناء البلدة
لكل من بلدات قضاء راشيا تاريخ، ولكل منها شخصية مميزة هي في الواقع نتاج موقعها الجغرافي وطبيعة أرضها وصفات سكانها، كما أنها نتاج بعض الأحداث والملمات التي مرت عليها في الأزمات الماضية أو الحديثة. أما بلدة العقبة، فإن طابعها الأهم هو الوطنية والغيرة على الارض والعرض وهو ما جعل منها إحدى أكبر البلدات سخاء في تقديم الشهداء في المواجهات مع طغيان إبراهيم باشا أولاً ثم الانتداب الفرنسي سنة 1925، كما أن من سمات العقبة التضامن الاجتماعي وتعاون أبناء القرية في إنماء البلدة وتوفير حاجاتها الأساسية من مياه ورعاية صحية وتعليم وغيرها. في هذا التحقيق نعرض لواقع بلدة العقبة في قضاء راشيا ونتحدث إلى رئيس بلديتها، ثم نفتح خزان الذاكرة مع شيخها التسعيني سيف الدين دحسون.
تسعون مناضلاً من أبنائها استشهدوا في محاولة اقتحام قلعة راشيا وتسلّق أسوارها وفي القتال مع الفرنسيين
موقعها وأصل إسمها
تقع بلدة العقبة في الطرف الغربي لبلدة راشيا ويحيط بها عدد من قرى القضاء مثل راشيا، وضهر الأحمر وكوكبا وبكيفا، وهي تبعد عن مركز القضاء 5 كلم وعن العاصمة بيروت 90 كلم، ويبلغ عدد سكانها ما يقارب الـ 4000 نسمة، وهم موزعون على العقبة وعلى أحياء المزارع وجب فرح. تقع العقبة على ارتفاع نحو 900م عن سطح البحر ويمكن الوصول اليها عن طريق شتورة المصنع، ضهر الاحمر العقبة، أو عن طريق مرجعيون حاصبيا عين عطا العقبة.
تعود تسمية البلدة الى القرن السادس عشر، حيث كانت تُعرف هذه المنطقة بـ «عقب راشيا»، أي المكان الذي كان يعتبر محطة للقوافل التجارية التي كانت تمرّ من سوريا ولبنان الى فلسطين ومنها الى مصر، وهناك كانت تأخذ قسطاً من الراحة قبل أن تكمل سيرها إلى الوجهة المقصودة. وفي هذا المكان كان التجّار ( المكاريّة ) يلتقون خلال استراحتهم تحت الاشجار الوارفة الظل، وعلى منابع المياه العذبة يتناولون الطعام ويأخذون قسطاً من الراحة، ومن ثم يتابعون المسير. ومع الأيام حرفت التسمية الأصلية أي «عقب» لتصبح « العقبة» .
توجد في غرب العقبة بقايا لقصر روماني، وقد إختفى جزء مهم منه وبقيت بعض النواويس الحجرية، وقد طال هذا الموقع الأثري إهمال مزمن، وأدى غياب الرقابة من الدولة إلى إساءات متكررة للموقع لاسيما أصحاب الأراضي المجاورة. إن الموقع أو ما تبقى منه يؤكد أن الإنسان سكن هذه المنطقة منذ أقدم الأزمان.
بلدة التسعين شهيداً
يعتبر تاريخ هذه البلدة حافلاً بالشهادة حيث كانت السبّاقة في تقديم أبنائها من أجل عزة الوطن والذود عن كرامته، فكانت مشاركة ابنائها في ثورة 1838 ضد ابراهيم باشا الذي حاول اخضاع دروز المنطقة وتجريدهم من اسلحتهم وفرض الخدمة العسكرية الاجبارية عليهم ابان وجوده في بلاد الشام، فهبّ أبناء البلدة لمناصرة اخوانهم فاستشهد عدد كبير منهم وغادر آخرون اتقاءً لظلم الطاغية الى جبل الدروز واستوطنوا هناك، ومازالت معظم هذه العائلات في الجبل تحمل أسماء العائلات نفسها المنتسبة إلى قرية العقبة.
وكان لبلدة العقبة نصيب وافر من الشهداء أثناء مقاومة الانتداب الفرنسي، وعلى وجه التحديد في الثورة السورية الكبرى التي قادها سلطان باشا الأطرش في سنة 1925، إذ شكل الاهالي عدداً من المجموعات التي أخذت على عاتقها مهاجمة الوحدات الفرنسية التي كانت تتجه لقمع ثورة سلطان باشا في جبل الدروز وعرقلتها، لاسيما تلك الوحدات التي كانت تتجه الى قلعة راشيا، وتم قتل قائد احدى السرايا مع مجموعة من جنوده على تخوم البلدة مما دفع بالسلطات الفرنسية الى الانتقام من ابنائها، فعمدت الى تطويقها ومهاجمتها واعتقال ثلاثة وأربعين شاباً منهم واقتيادهم الى قلعة راشيا حيث تمّ تنفيذ حكم الاعدام بهم رمياً بالرصاص أمام عائلاتهم وذويهم. وقد استشهد عدد آخر من سكان البلدة عندما هاجمها الفرنسيون ففرّ من فرّ منهم مجدداً الى جبل الدروز ليعاودوا مهاجمة القلعة من جديد مع مجاهدي الجبل مرات عديدة، وقد استشهد العديد منهم عندما كانوا يحاولون تسلق جدران القلعة مستخدمين أجسادهم سلالم وجسوراً بهدف الوصول الى داخلها، كما استخدم المجاهدون كوفياتهم في اشعال النار في داخل القلعة. وقد قضى من أهل البلدة في تلك الموقعة تسعون شهيداً، ولذلك اطلق على قرية العقبة بعد ذلك التاريخ اسم «بلدة التسعين شهيداً».
مستذكراً تلك المحنة التي عصفت بالبلدة، يحدثنا الشيخ التسعيني سيف الدين دحسون الذي غادر البلدة طفلاً رضيعاً مع والدته الى جبل الدروز بعد حرقها ليعود اليها بعد سنوات ليجد أن منزلهم هو المنزل الوحيد الذي سلم من الحريق فيحدثنا قائلاً:
عندما عدنا الى البلدة كان منزلنا هو المنزل الوحيد الذي سلُم من الحريق، وكان حديث الأشخاص الذين لم يغادروا أنه تعرّض الى الحريق أكثر من مرة، وكانت النيران تنطفئ في وقت قصير ولا تمتد كما هو مفترض. وقد دهش الفرنسيون الذين وجهوا إحدى قذائفهم إلى المنزل لكنها لم تصبه بأي ضرر وغادر الجيش المكان وهم في حيرة من تفسير تلك الظاهرة. ويتنهد الشيخ متابعاً حديثه عن مشهدٍ لا يمحى من ذاكرته، وهو جموع الناس التي كانت تعود من ملجأها في جبل العرب لترى منازلها وقد تهدمت أو احترقت، وكان هؤلاء يلجأون إلى منزل الشيخ الوحيد الذي سلم من الدمار وكانوا يتكدسون في مساحة صغيرة ، قبل أن تبدأ كل أسرة من الأسر العائدة في إعادة بناء مساكنها.
اقتصاد، زراعة وخدمات
الحياة الإقتصادية لأبناء البلدة متنوعة وهي تشمل زراعة الاشجار المثمرة وبعض الزراعات الأخرى المحدودة، وهذا يعود الى وعورة الأراضي وضيق المساحة المخصصة للزراعة من جهة، وضعف الدخل الذي يؤمنه هذا القطاع من جهة أخرى. وبسبب طبيعة الأرض يتم التركيز على زراعات قادرة على التكيّف مع طبيعة المكان، أي الزراعات غير «السهلية» ومن هذه اللوزيات والزيتون وكروم العنب والتين وبعض الحبوب كالقمح والحمص والعدس والفول، بالإضافة الى زراعة بعض الخضار خلال فصل الصيف. ونظراً لافتقار البلدة لمصادر المياه، فإن أكثر الزراعات تستهدف تأمين الحاجات المنزلية ولا توفّر فائضاً مهماً يمكن تسويقه بالطرق التجارية.
وبسبب تراجع أهمية الزراعة كمصدر لتأمين العيش اللائق ومواجهة المتطلبات المتزايدة للحياة، فقد اتجه عدد متزايد من شباب البلدة إلى العمل في المطاعم والفنادق، وقد برع هؤلاء في هذا القطاع حتى بات معظم المطاعم الموجودة في المنطقة مملوكاً من ابناء بلدة العقبة، كما أن الكثير من المطاعم والفنادق في البقاع يعتمد على أبناء بلدة العقبة في تسيير عمله. وهنا نلاحظ مفارقة هامة نتيجة هذا العمل أن معظم حفلات الزفاف في البلدة تتم في وسط الأسبوع وليس في نهايته نظراً لإرتباط أبناء البلدة في عمل المطاعم، والذي تكون ذروته في نهاية الأسبوع حين لا يمكن للعريس تأمين الحضور الكافي لإحياء حفل الزفاف.
كما يلعب ابناء البلدة دوراً هاماً في تنشيط الحركة التجارية في منطقة راشيا لاسيما في سوق ضهر الأحمر التجاري، حيث يمتلكون عدداً كبيراً من المؤسسات التجارية، وعلى وجه الخصوص تجارة الثياب، وهم يشكلون دعامة أساسية في تحريك العجلة الإقتصادية، كما يوجد عدد كبير من الباعة المتجولين الذين يجوبون قرى وبلدات راشيا عارضين شتى انواع السلع الإستهلاكية، وهذه الظاهرة ليست حديثة العهد بل تعود الى سنوات خلت، ولعل ابرز هؤلاء الباعة المتجولين المعروف بإسمه الأول فقط (رضا) ومن أبناء المنطقة لم يألف وجهه الذي يطالعك في كل يوم مطالعة البشير يقص عليك من نوادر الحياة ما تيسّر يزيل همومك وكأنه مبعوث المحبة المتنقل. وكان رضا في كل رحلة تجارية يقوم بها ينسج على أنغام شبابته (مزماره) نهاراً جديداً حتى بات يخصص لكل بلدة يوماً يجوب أرجاءَها عارضاً بضاعته البسيطة التي كانت تكتنزها كشته، وإذا إفتقدته يوماً فإنك لا بدّ أن تجده في «سوق الأربعاء» الذي يؤمه أبناء المنطقة بين عارض لبضاعته ومشترٍ أو متبضع يبحث عمّا يلبي حاجته. ولعل رضا هو العلامة الفارقة الذي يجوب أرجاء السوق نافخاً في شبابته باعثاً الفرح والسعادة في نفوس الزائرين والباعة على حدٍ سواء.
تعاني العقبة شأنها شأن معظم القرى اللبنانية النائية من الحرمان ونقص الخدمات الأساسية التي يحتاجها المواطن في حياته اليومية، لكن عزيمة أبناء البلدة وإصرارهم على تحسين بلدتهم أحدث الفرق، وكانت باكورة هذا العمل في مطلع التسعينيات أن قدّم أهل البلدة قطعة أرض خصصت لتشييد المستشفى الحكومي الذي بدوره أحيا المنطقة برمتها وكان متنفساً حقيقياً خفف على ابناء منطقة راشيا مشقة الإنتقال الى مستشفيات زحلة والبقاع الأوسط وخلق بدوره فرص عمل لأصحاب الإختصاصات الصحية المرتبطة به.
لم يقف أبناء العقبة عند هذا الحد، بل قدموا قطعة أرض أخرى في منطقة الملول لصالح وزارة التربية والتعليم المهني والتقني لتشييد المعهد الفني الذي كان له الأثر الأكبر في دفع العملية التربوية قدماً، حيث كان على أبناء قضاء راشيا الإنتقال الى البقاع الغربي أو الى البقاع الأوسط لتحصيل التعليم المهني، فكانت لهذا الصرح التربوي نتائج ايجابية على أكثر من صعيد، حيث خفف عن الأهل أعباء وتكاليف التعليم المرتفعة التي كانوا يتكبدونها في إرسال أولادهم الى مناطق بعيدة لمتابعة تحصيلهم العلمي من جهة، كما أصبح بإمكان الفتيات اللواتي لا يستطعن أو لا يرغبن في الانتقال الى أماكن بعيدة عن سكن ذويهن متابعة تحصيلهن العلمي، نظراً للإختصاصات المتنوعة التي يوفرها، وقد وفّر المعهد فرص عمل لأكثر من مئة مجاز في مختلف الإختصاصات، مما ساهم في تثبيت الناس في أرضهم وتخفيف وطأة البطالة التي يعاني منها ابناء المنطقة، كما ساهم في تحريك العجلة الإقتصادية المرتبطة به من وسائل النقل وغيرها.
المستشفى الحكومي والمعهد الفني عززا اقتصاد العقبة وحولاها إلى نقطة جذب لأبناء المنطقة
لواقع الإغترابي في البلدة
الإغتراب هو إحدى السمات البارزة التي وسمت منطقة راشيا في السنوات الأخيرة نظراً لغياب فرص العمل، وكان لبلدة العقبة نصيب وافر من هذا الواقع، حيث تركزت الهجرة في السنوات الأخيرة على دول الخليج العربي، وكانت قد سبقت ذلك الهجرة الى بعض دول القارة الأميركية. ويسهم الاغتراب الى حدٍ ما في تنشيط الحركة الاقتصادية من خلال الأموال التي يرسلها المغتربون الى ذويهم لكن نسبة المغتربين في البلدة تبقى محدودة مقارنة بالقرى والبلدات المجاورة حيث لا تتعدى الـ 5 % .
نشاط الأندية والجمعيات
تلعب الأندية والجمعيات دوراً بارزاً في تفعيل دور الشباب في البلدة من خلال الأنشطة التي تنظمها على المستويين الرياضي والثقافي، إضافة الى مبادرات تنشيط العمل الحرفي والزراعي. وتضم البلدة ناديين هما نادي الطليعة ونادي العقبة، بالإضافة الى جمعيتين هما: الجمعية التعاونية الحرفية والجمعية التعاونية الزراعية التي قامت في سنة 1988 بشق وتعبيد طريق يصل البلدة في حي جب فرح الذي يبلغ طوله ما يزيد على 5 كلم.
دور البلدية
يتحدث رئيس بلدية العقبة الشيخ رشيد حماد عن واقع العمل البلدي والصعوبات التي تعترض عمل البلدية، ولعل أبرزها غياب الأموال وضعف الجباية وعدم دعم الدولة الا أن ذلك لم يقف حاجزاً، بل نسعى بالامكانيات المتوافرة الى تقديم كافة الخدمات المطلوبة في ما يتعلق بالخدمات الأساسية للمواطن من كهرباء وماء.
– كيف تصفون تجربة البلدة في مجال العمل العام؟
التوافق الذي حصل على المجلس البلدي من ابناء البلدة كافة على إختلاف انتماءاتهم السياسية كان الإنجاز الأهم بعد سنوات من المشاكل كانت تنعكس سلباً على العمل البلدي. لكن المشكلة ما زالت في ضعف الامكانات المادية، والذي يقف حائلاً امام القيام بمشاريع تحتاج اليها البلدة. على سبيل المثال عندما استلمنا البلدية كان هناك ديون قمنا بتسديدها، وخلال السنوات الماضية نفذت البلدية عدداً من المشاريع التي تتعلق بصيانة الطرقات الرئيسية والفرعية وتعبيدها وتوسيع مداخل البلدة وشراء مولّد كهربائي للبلدة بالتعاون مع وزارة الشؤون الإجتماعية، وقد قمنا ايضاً بترميم وتحديث شبكة الكهرباء التي تضررت من العواصف الثلجية، كما أقمنا العديد من جدران الدعم ووضعنا حجر الأساس للقاعة العامة، والتي تعتبر من أولويات المجلس البلدي الحالي.
-ما هي مشاريعكم للمستقبل؟
أبرزها التالي:
حفر بئر للمياه وسوف يبدأ العمل به قريباً ويعتبر من اولويات البلدة أيضاً لغياب مياه شمسين وعدم وصول مياه العين الزرقاء التي وعدنا بها منذ مدة، ولتلبية حاجة الناس الماسة الى مياه الشفه.
استكمال بناء القاعة العامة.
السعي الى بناء مصنع لفرز النفايات بالتعاون مع اتحاد بلديات جبل الشيخ.
العمل على إنشاء شبكة للصرف الصحي من خلال تأمين التمويل من الجهات المانحة.
مشروع زيادة الثروة الحرجية من خلال عملية التشجير التي سوف تبدأ مطلع الشتاء المقبل.
ما هي المساعدة التي تنشدون الحصول عليها من الجهات المعنية؟
نتمنى على الدولة والوزارات التي تعنى بالشأن العام أن تضاعف اهتمامها بالبلديات النائية نظراً إلى الإهمال المزمن الذي كانت تتعرض اليه، لاسيما امام حاجة المواطنين المتزايدة والملحة وضعف إمكانات البلدية منفردة للقيام بتلك الأعباء.
حفـــر البئر الارتـــوازي وتشييـــد القاعة العامة والصـــرف الصحـــي
والتحريج من أبرز أولويات المجـــلس البلـــدي
-ما هي مشاريعكم للمستقبل؟
أبرزها التالي:
حفر بئر للمياه وسوف يبدأ العمل به قريباً ويعتبر من اولويات البلدة أيضاً لغياب مياه شمسين وعدم وصول مياه العين الزرقاء التي وعدنا بها منذ مدة، ولتلبية حاجة الناس الماسة الى مياه الشفه.
استكمال بناء القاعة العامة.
السعي الى بناء مصنع لفرز النفايات بالتعاون مع اتحاد بلديات جبل الشيخ.
العمل على إنشاء شبكة للصرف الصحي من خلال تأمين التمويل من الجهات المانحة.
مشروع زيادة الثروة الحرجية من خلال عملية التشجير التي سوف تبدأ مطلع الشتاء المقبل.
ما هي المساعدة التي تنشدون الحصول عليها من الجهات المعنية؟
نتمنى على الدولة والوزارات التي تعنى بالشأن العام أن تضاعف اهتمامها بالبلديات النائية نظراً إلى الإهمال المزمن الذي كانت تتعرض اليه، لاسيما امام حاجة المواطنين المتزايدة والملحة وضعف إمكانات البلدية منفردة للقيام بتلك الأعباء.
الشيخ دحسون يتذكر
بعد هذا الحوار القصير مع رئيس بلدية العقبة عدنا إلى الشيخ التسعيني سيف الدين دحسون لنستعيد معه بعض المحطات المهمة في تاريخ قرية العقبة وبدأنا بالسؤال:
-ما هي أبرز الصور التي ما زالت تجول في ذاكرتكم؟
ينظر جانباً قبل أن يجيب ويقول:« هنا كانت تجتمع معظم نساء البلدة حيث كنّ يخبزن عجينهنّ على التنور، والذي كان يجمع الناس على المحبة والألفة، فكانت النساء يساعدن بعضهن بعضاً وكانت إحدى النساء مثلاً تتولى إشعال النار حتى تصبح كمية الجمر كبيرة، عندها تبدأ النساء في التوافد اليه كل واحدة لخبز عجينها حسب دورها، وذلك في جوٍ من المعونة والنخوة والسمر. يتنهد الشيخ متأسفاً على زوال تلك الحياة البسيطة معبراً عن ألمه إلى «هذه الأيام التي وصلناها»، حيث حلّ التباعد محل الألفة وحلّت الأنانية وقسوة القلوب محل روح المحبة والتسامح وغلبت المصالح الفردية الضيقة على روح الجماعة والتضحية من أجل الآخرين».
ويضيف: « كانت الناس في تلك الفترة، التي تسودها حالة العوز والفقر، تأكل القرة والجرجير (نوع من النباتات البرية) لكنها كانت تعيش بسعادة ومحبة. أما اليوم فكل شيء أصبح متوفراً لكن الناس تعيش في حالة من التنابذ والقلق وافتقاد الطمأنينة».
يمضي في حديث الذاكرة فيقول: كان لشهر أيلول طعمٌ مختلف. لقد كان سكان القرية تحت ضوء القمر وعلى وقع أهازيج الرجال يأتون بأحمال العنب من الكروم الى معاصر البلدة، تلك المعاصر التي كانت محفورة في الصخر، وكان قطاف العنب وعصره يستمر ما يقارب الشهر، فتشاهد الرجال يدعسون العنب وآخرين ينقلونه الى «الخلقين» لغليه وتحويله إلى دبس فيصلون الليل بالنهار دون تعب أو ملل.
عائلات بلدة العقبة
العقباني، زيدان، عقل، سعد، الهبري، كليب، أبو شهلا، فاعور، حماد، حامد، حمود، صافي، العريضي، عساف، مرعي، سعيد، ابو علي، دحسون، أصيل، نمر، شمس.