هي إحدى أقدم المدارس «الحديثة» في لبنان، سُمّيت بـ «الداودية» نسبة إلى المُتصرِّف العثماني الأوّل على جبل لبنان، وكان تأسيسها استجابة لطلب الوجهاء من الدروز، وفي مُقدّمهم الشيخ سعيد تلحوق (الذي كان وكيلاً للدروز لدى المتصرفية) عرضوا فيه افتقار بني معروف إلى صرح تربوي، فجَرت الاستجابة للطلب بعدما قدّم الشيخ أحمد أمين الدين الأرض للمشروع ذلك. صدر الترخيص بتاريخ 17 رجب 1387ه، الموافق 14 كانون ثان 1862، تحت رقم 134، وتضمّن محضر خاص قوله: «مما يضاعف رغبتي في نصوبها وتقدّمها هو أنها سميّت باسمي». ومع الحصول على الترخيص رقم 134 فتحت المدرسة أبوابها في 14 نيسان 1862، وجرى احتفال تكريمي تضمن إظهار مراحل التأسيس ونظامها الأساسي. وفي 16 نيسان 1863 حضر المتصرف داوود باشا برفقة حاكم المقاطعة الذي أصبح فيما بعد القائمقام الأمير ملحم أرسلان ومشايخ العقل وأعضاء المجلس، وألقى كلمة قال فيها: «إنني أهنّئ النفس باجتماعي وأرى الوقت الذي أصرفه كان مفيداً جداً من أجل زرع راية المشعل التربوي. كنت أسمع وكثيراً ما طرق مسامعي أن الدروز لا يقبلون التعلّم والتعليم فكتبت ضد هذا الكلام جملة وتفصيلاً ولسان هذا الحفل يبرهن صدق كلامي، ولي أمل أنّ هذا الصرح سيكون وسيلة كبرى برفعه اسم الموحدين الدروز». وأردف قائلاً: كما أن الماء ضروري للحياة، أرى أنّ الداودية بالنسبة لطائفة الموحدين كالماء للحياة. إنّ جميع أوقاف المدرسة تحت نظارة مأمورية مخصوصة مؤلفة من مدير الدروز أو قائمقام – وكيل الدروز – شيخ العقل. وبناء عليه أوجب تشكيل النظارة الأولى لمدرسة الداودية وكانت على النحو الآتي:
ملحم حيدر أرسلان – مدير طائفة الموحدين أو القائمقام – رئيساً، سعيد بيك تلحوق – وكيل الدروز – الشيخ حسين طليع، الشيخ حسن عبد الصمد شيخا عقل طائفة الموحدين.
واختير حسن أفندي سليم ناظراً للمدرسة. وبقي من العام 1863 إلى العام 1873. وفي العام 1880 في عهد رستم باشا جرى تعديل القانون لتغيير اسم الداودية إلى المدرسة الدرزية، أو الكليّة الدرزية اللبنانية. وفي تلك الحقبة 1873-1883 تم تشكيل النظارة على النحو الآتي:
الأمير مصطفى أرسلان مدير الدروز قائمقام رئيساً، الشيخ محمّد حمادة، الشيخ محمّد طليع شيخا عقل طائفة الموحدين الدروز، وعيّن بدلاً من الشيخ حسن أفندي سليم الشيخ أمين الدين سنة 1890 ناظراً للمدرسة؛ ولقد أُجريت بعض التعديلات على نظام المدرسة وأصبحت عمدة المدرسة 12 عضواً، وتألّفت على النحو التالي:
الأمير مصطفى أرسلان قائمقام الشوف رئيساً – نجيب بيك جنبلاط – قاسم بيك العماد – سليم بيك نكد – الشيخ حسين محمّد تلحوق – ناصر الدين عبد الملك – الشيخ فارس العيد – الشيخ سعيد تقي الدين – حسن بيك حمادة – حسن بيك شقير – نعمان فندي بوغنّام.
أما الذين توالَوْا على نظارة المدرسة الداودية فهم:
حسن أفندي سليم، الشيخ مجيد تلحوق، الشيخ حسين عبد الصمد، الشيخ مصطفى دويك، الشيخ أحمد أمين الدين، الشيخ ملحم تقي الدين، الشيخ حمد المصفي، أمين بيك خضر.
أما في عهد المتصرف نعوم باشا 1892-1902، كان الأمير مصطفى أرسلان قد كُلّف ثانية قائمقاماً للشوف، فلم يَعِر المتصرفون بين 1902 و1910 اهتمامهم للصرح التربوي، فأقفلت الداودية أبوابها وكانت الحرب العالمية الأولى، فتحوّلت المدرسة إلى ثُكنة عسكرية أيام العثمانيين ثم أيام الفرنسيين.
بعد نهاية الحرب، بدأت سنة 1921 المساعي لإحياء الصرح العلمي، وضبط أوقاف الدروز، وقد بدأ الأمير فؤاد أرسلان وعلي بيك جنبلاط مساعيهما لإعادة العمل بهذا الصرح، لكن دون جدوى. ثم قام المناضل سامي سليم، المفكر والمجاهد، وأحد روّاد الفكر القومي العربي، وصاحب الرؤى في أهمية الإصلاح الاجتماعي ودور التربية للخروج من الجهل والانحطاط إلى التقدم والرقي، فكان صوته مدوياً لإحياء الداودية وقام بمحاولات بين 1922 و1925 لم يُكتب لها النجاح. وفي العام 1928 دعا أحد مؤسسي جمعية المعارف الدرزية سليمان بيك بو عزالدين لإعادة إحياء الصرح، لكنّ مساعيه فشلت فاضطُرّ للتخلّي عن مهمته مختاراً في 19 آيار 1928، وفي هذا اليوم صدر مرسوم يحمل الرقم 3307 عن رئيس الجمهورية شارل دباس، ورئيس مجلس الوزراء بشارة خليل الخوري، عُدِّلت فيه المادة الأولى بموجب القرار رقم 3323 تاريخ 4 تشرين أول 1925 وتألَّفت لجنة إدارية برئاسة وزير التربية والفنون الجميلة.
في العام 1929 تسلّم المناضل العروبي الأستاذ عارف بيك النكدي الداودية فرمّمها وبدأ التدريس بها سنة 1930 وأضاف غُرفاً جديدة إلى الصرح.
وفي العام 1932 كُلِّف عارف النكدي بإدارة الأوقاف العامة وأعاد فتح الداودية بصورة منتظمة، وأعتُبرت هذه الفترة الذهبية للداودية بين 1932 و 1992. تميّزت الحقبة هذه بانجازات إدارية وعمرانية تعليمية عربية، وذلك بالتعاون مع جمهورية مصر العربية التي أوفدت لجنة علمية للمساعدة في رفع مستوى التعليم والمساعدة في سدّ النفقات المترتبة على الإدارة… كذلك لم يقصّر المغتربون الدروز في دعم الداودية وتطويرها، فأمكنها تحقيقق نجاحات بارزة وارتفع عدد طلابها من اللبنانيين والعرب.
في الحقبة تلك تم إنشاء 30 مدرسة ابتدائية ومتوسطة فروعاً للمدرسة الأم في مختلف القرى اللبنانية، وكان للمغفور له الأستاذ شكيب النكدي اليد الطولى في متابعة إنشاء هذا المركز، وهو المشرف والمربي المتفاني في عمله، وقد تسلّمها بعده الأستاذ فندي الشعّار المفتش التربوي للداودية وفروعها.
في العام 1992 انتقلت جميع الصلاحيات والإشراف للأوقاف بموجب القانون الذي أقرّه المجلس النيابي، وتعاقب على إدارتها العديد من المديرين والمدرسين والتربويين.
في العام 1996، عَيّن المجلس المذهبي مديراً عاماً للأوقاف المقدم المتقاعد محمود أبو خزام الذي استقال بعد 3 سنوات، وكُلّف مديراً عاماً جديداً المقدّم الأستاذ محمود صعب ثم استقال، فتسلّمها المجلس المذهبي وتم تعيين خالد بك جنبلاط مديراً عاماً للأوقاف وفي عهده تشكل مجلس أمناء للمؤسسات الدرزية لإعادة الصرح إلى سابق عهده، صرحاً لبنانياً عربياً وليس لطائفة الموحدين الدروز فحسب. فالداودية كانت إلى جانب رسالتها التربوية مقرّاً وطنياً عروبياً خرّجت فيه المناضلين والأبطال الذين انضموا إلى معارك البطولة والتحرير على امتداد الوطن العربي بدءاً من الثورة العربية الكبرى، إلى الثورة السوريّة الكبرى سنة 1925، إلى معارك التحرير في فلسطين، وكان للجبل فيها صولات وجولات في تقديم الأبطال والاستشهاد في سبيل عروبة فلسطين.
وبعد توقف لسنوات بسبب من أحداث لبنان والجبل والشحّار الغربي على وجه الخصوص، نشأت الجمعية التي أخذت على عاتقها إحياء الداودية وتطويرها تحت علم وخبر رقم 390/ أ د /20/9/1999، مركزها اعْبَيْه، وتشكّلت هيئتها الإدارية في 21 كانون أول 2003 على النحو الآتي، عادل الشعار رئيساً، رياض اللحام نائباً للرئيس، ذوقان مطر أميناً للصندوق، نديم حمزة أميناً للسر محاسب، حافظ الصايغ ممثلاً لدى الحكومة، د. عصام الجوهري وأحمد غيث مستشاران، فانطلقت مسيرة الداوودية من جديد في زمن بالغ الصعوبة.
ثم جرى انتخاب هيئة إدارية جديدة، بناء لنصوص النظام الداخلي، بتاريخ 11/3/2007، وتشكّلت على النحو الآتي:
غازي صعب رئيساً، د. عصام الجوهري نائباً للرئيس، سمير شمس الدين أميناً للسر عاطف حمزة أميناً للصندوق، رجا جابر ونزيه خداج مستشاران، فاستمرّ العمل وكانت الأنشطة والندوات واللقاءات. تابعت الهيئة الجديدة عملها وتقدمت من المجلس المذهبي بمجموعة من التصورات. في إثر ذلك، عقد المجلس المذهبي اجتماعه بتاريخ 14/11/2007، بحضور: الشيخ علي زين الدين رئيس اللجنة الدينية، القاضي عباس الحلبي رئيس لجنة الأوقاف، الشيخ سامي أبي المُنى رئيس اللجنة الثقافية، الأستاذ منير حمزة مقرِّراً وأمينا للسر. وفي جلسة 27/11/2007 أقرّ المجلس المذهبي في جلسته العامة اعتبار الداوودية صرحاً معروفياً واتخذ الخطوات التالية:
– ترميم البناء وإعداده.
– الاتفاق مع الجامعة اللبنانية على جعله مقرّاً لفرع من المعهد الجامعي للتكنولوجيا.
-إقامة مركز للدراسات التوحيدية.
فعادت الداودية منارة معروفية وباتت منذ العام الجامعي 2009/2010 تستقبل الطلاب الجامعيين من الجبل ولبنان قاطبة.