المدرسة الرسمية هي الحل!
تفتح باب “مشكلات اجتماعية”، إيماناً منها أن هناك مشكلات اجتماعية بالفعل، ولا يحتاج الأمر إلى أكثر من ملاحظة مظاهر القلق والاضطراب وعدم الاستقرار التي تسود حياة العائلات اللبنانية، كما المجتمع عموماً. ولأنّ هي مجلة ثقافية ملتزمة أخلاقياً تُلاقي طموحات الناس فهي لا تستطيع تجاهل مظاهر القلق والاضطراب وعدم الاستقرار الاجتماعي.
في الحلقة الأولى من هذا الباب رأينا أن نفي عدداً من المسؤولين التربويين الذين عملوا طويلاً في خدمة المدرسة الرسمية وتلامذتها ومجتمعها ثم أحيلوا إلى التقاعد، بعض ما لهم من حق معنوي على المجتمع. ما نقدّمه من شهادات رمزية من بعض الرسميين السابقين هؤلاء يهدف أيضاً إلى الإفادة من خبراتهم وملاحظاتهم ليتوقف عندها المسؤولون الرسميون اليوم، كما الأهالي، إذ من دون تعاون المسؤولين الرسميين والمجتمع الأهلي لن تستعيد المدرسة الرسمية، وبخاصة في مستواها الابتدائي والمتوسط، السمعة الطيبة التي كانت لها. أما قناعتنا التي نعبّر عنها صراحة فهو أن تغييب المدرسة الرسمية هو في أصل الأزمة الاجتماعية في لبنان، وربما خارج لبنان أيضاً، وأن الحل للكثير من مشاكلنا ربما يبدأ بالمدرسة الواحدة، والمنهاج الواحد، والكتاب المدرسي الواحد.
تجدد تحيتها لهؤلاء الروّاد، وهي ستستكمل الملف بلقاء تربويين آخرين تركوا الخدمة الفعلية أو يزالون في موقع المسؤولية.
[su_accordion]
[su_spoiler title=”مشكلات المدرسة الحالية رياض اللحام
مسؤول دائرة التربية
في عاليه سابقاً
” open=”no” style=”default” icon=”plus” anchor=”” class=””]
يسعدني أن أقدّم لمجلة ، التي أحترم جداً، توضيحاً لبعض الأفكار حول التعليم بصورة عامة والرسمي منه بصورة خاصة، وهو نتاج فترة طويلة قضيتها في التعليم وفي المسؤولية. منها ما يتصل ببعض الممارسات الخاطئة، ومنها ما يتصل بتربية الأهل لأولادهم تربية صالحة تساعد المدرسة إلى حد بعيد. كل ذلك أحدث تراجعاً وتقهقراً في المدارس وكأننا في مرحلة استرخاء أو ترهل، سمّها ما شئت وهذا القول سيزعج البعض إن لم يكن الكثيرين من العاملين في قطاع التربية هذه الأيام خاصة في التعليم الرسمي. وأنا ما كنت ولن أكون يوماً لأزعج أحداً ولكن طالما سأكتب لابد أن أبدا بالاعتذار ممّن يعنيهم الأمر ولا أعني أحداً منهم بالتحديد بل هي بعض الأفكار والاستنتاجات فقط .
لم يعد المعلم معلماً تقع على عاتقه مهمة تربية الأجيال وتثقيفهم وتوجيهمم وتوعيتهم وزرع روح المحبة فيهم وروح الوطنية الصادقة إضافة إلى أن بعض المعلمين يريدون أن تكون المدرسة على مسافة قريبة من سكنهم أو تكاد تكون ملاصقة له، أنا لا أقول بإبعاد المعلم عن مكان إقامته كثيراً وهذا ما يوفر له وقتاً لانتقاله وكلفة مادية لذلك، بل أريد القول إنّ وجود المعلمين في مناطق بعيدة لحد ما يخلق جواً من الألفة والمحبة والأخوة والوطنية الصادقة بصورة خاصة وحسن التعاطي مع الآخرين، وهذا ما ينطبق أيضاً على توزيع وإلحاق عناصر قوى الأمن سابقاً أيضاً حيث لا تنقطع العلاقة بين المتحابين بل تدوم على مدى الحياة عند أكثرهم (لانزال حتى اليوم نذهب لزيارات زملاء لنا سابقين في مناطق كسروان وبشري وطرابلس وبعض قرى الجنوب وسواها والعكس صحيح بالنسبة إليهم).
ونسي البعض أن المعلم هو المثل الأعلى لتلامذته، أناقة وتربية وحسن تصرف ومرونة مع قسوة ضمن الحدود عند الحاجة .
وهذا الأمر وسواه يجب أن يلقى على عاتق مدير المدرسة حيث هو بالنسبة للمعلمين الأخ الأكبر والمسؤول الأول عن كل ما يحدث في المدرسة بمساعدة ومعاونة ومراقبة التفتيش التربوي، أللهم إذا كان المدير على المستوى المطلوب بمسلكه وشخصيته ونظافة كفّه وأناته وصبره وحُسن تعاونه مع المعلمين والتلامذة والأهل والمجتمع وقدرته على حل جميع المشاكل التي تواجهه مهما كانت.
فالإدارة فن وعلم لا يستغني الواحد منهما عن الآخر، والفن في الإدارة هو اتقان فن التعامل وعدم اللجوء إلى استدعاء التفتيش التربوي لكل شاردة وواردة، فالمدير سيد مدرسته والأعلم بحالها وواقعها ومحيطها (أعطه كل ما تحتاج المدرسة واتركه يعمل وراقبه) والمهم أيضاً أن لا يكون تكليف المدير لأسباب غير تربوية. ثم أن لا ينقل أو يكلف أو يعين أي مسؤول تربوي في الإدارة مديراً لمرحلة معينة أو رئيساً لمنطفة تربوية أو رئيساً لدائرة تربوية دون دراسة ملفه الشخصي ومستواه العلمي واختصاصه الجامعي الذي يتلاءم مع عمله التربوي وإجراء مقابلة شخصية معه من قبل هيئة تربوية متخصّصة ومسؤولة وإخضاعه لدورات تدريبية في معهد الإدارة في مجلس الخدمة المدنية.
وأقترح أن لا تكون مدة تكليف مدير المدرسة لأكثر من خمس سنوات ثم ينقل إلى إدارة مدرسة أخرى كي لا يحرم حقه وكي لا يعتقد أن المدرسة أصبحت ملكاً له وكي يستفاد منه في أكثر من مدرسة بسبب خبرته ونجاحه. وأودّ أن أشير إلى مسألة هامة، كانت مناقلات أفراد الهيئة التعليمية تجري على أسس و قواعد مدروسة حيث كانت لجنة من العاملين الناجحين في مديرية التعليم الابتدائي تجتمع خلال العطلة الصيفية في مدرسة قريبة من مستشفى رزق في الأشرفية لأيام تتجاوز الشهر أحياناً، تدرس خلالها أوضاع كل مدرسة رسمية في لبنان وكل صف من الصفوف في كل مرحلة من المراحل ووضع كل معلم من طالبي النقل واختصاصه والمادة التي يدرس، ثم تتم المناقلات بحسب حاجة كل مدرسة ووضع كل مدرس.
أما عن الدوام وحصص التدريس فالفرق شاسع جداً بين اليوم والأمس، حيث إنّ ساعة الحضور إلى المدرسة كانت تمام السابعة والدقيقة الخمسين تماماً للمعلمين، وبالنسبة للمسؤولين، إدارة ونظار، قبل ذلك بثلاثين دقيقة. وكانت حصة التدريس لا تقل عن خمس وخمسين دقيقة، واستراحة صباحية لمدة عشرين دقيقة بين الحصص الأربعة الأولى ثم استراحة طويلة لمدة ساعتين نعود بعدها للتدريس لحصتين، ولا نترك المدرسة قبل الرابعة عصراً، وكان البعض منا يعود مساءً لمدة لا تقل عن الساعة غالباً لتدريس صفوف الشهادات أو التلامذة غير الناجحين (وذلك دون مقابل مادي طبعاً). أما اليوم فحصص التدريس هي سلفاً، وفي بعض المدارس ذات الدوامين لا تزيد الحصة عن الثلاثين دقيقة وفي ذلك خطأ كبير. هذا وكان المدرس لا يخرج من صفه إلا بعد أن يُنهي واجبه ولو أدى ذلك إلى إزعاج زميله الذي سيدخل بعده إلى الصف، بينما نرى اليوم بعض المدرسين يقف الواحد منهم على باب غرفة التدريس ينتظر قرع الجرس كي يخرج.
إضافة إلى ذلك، هناك نقص في بعص التجهيزات ووسائل الإيضاح والمكتبات وغرف المطالعة والمسرح وقاعة المحاضرات والندوات والمباريات في الإلقاء وما إلى ذلك. والأهم الأهم هو أن بعض المدارس الخاصة كانت تقوم على أكتاف بعض المعلمين الرسميين خاصة في مواد معنية كالرياضيات والعلوم واللغات حيث يسمح للمعلم أن يدرس بعد (أذن مسبق من المراجع المختصة).
أما عن هيئة تقييم أداء المعلم التي كنا وسوانا نقترحها دائماً في كل لقاءاتنا التربوية مع المسؤولين، وبخاصة مع الدكتور ريمون معلوف والأستاذ أميل الرامي، فأين هي كي تسجل هذه الهيئة في ملف المعلم مستواها ومدى إنتاجيته ونسبة نجاحة، فتقترح له ثواباً كمنحه وسام المعلم مثلاً (حيث أننا شهدنا في بعض المراحل السابقة) أوسمة تغدق من هنا وهناك لغير مستحقيها، مما ترك امتعاضاً لدى البعض. وأكتفي هنا بهذا القدر كي لا يفسر كل قارئ هذا الكلام على هواه، مع العلم أن البعض لم يطلب الوسام بل رفضه بغياب هيئة تقييم الأداء حيث يتساوى الناجح مع سواه.
وهنا اسمحوا لي أن أورد مثلاً أعتبره هاماً، مع أني أكره العودة إلى أيام الحرب الأهلية المشؤومة، فلسد غياب الدولة يومها لأسباب معروفة لدى الجميع عملت بعض المؤسسات المهمة في عدة مناطق على استمرار المدراس الرسمية وتقويتها وتأمين جميع مستلزماتها إدارة ومعلمين وتلامذة معتمدة على تغطية النقص في عدد المعلمين والحاجة إلى المواد الأساسية، فنجحت جداً لأسباب أولها وأهمها عدم التدخل سياسياً بأمر المدراس ثم تأمين الكادر الإداري والتفتيشي والمتخصصين في شؤون الإمتحانات، فنجحت وكان لها الفضل الأكبر في استمرار المدراس. ولأنه طُلب مني الاختصار، أكتفي بما كتبت وأعتذر من كلّ مَن لا يوافقني الرأي، فأنا الذي عاش التربية والتعليم والإدارة بكلّ جوراحه وأحاسيسه وقناعاته. أبديت وجهة نظري وأفصحت عن معاناتي، مع أنني أحلت على التقاعد منذ سبعة عشر عاماً.
[/su_spoiler]
[su_spoiler title=” واقع المدرسة الرسمية من ماضٍ مزهرٍ الى حاضرٍ مخيف سلمان نصر مسؤول مكتب المنطقة التربية في الشوف (سابقاً)” open=”no” style=”default” icon=”plus” anchor=”” class=””]
يُروَّجُ حاليًا في المنتديات الدولية، واجتماعات الخبراء والمختصين، بأن نشر التعليم على نطاقٍ واسع، يشكّل المدخل الأساسي للتنمية الاقتصادية والاجتماعية للبلاد والسكان؛ ولا بدَّ من إشاعة دعوة الحكومات الى إيلاء التعليم اهتمامها، وجعله من بين أهدافها المباشرة. وعُقدت في إطار ذلك قممٌ دوليةٌ كثيرة، من بين أهم أهدافها، تعميم التعليم الابتدائي والمتوسط.
أما نحن في لبنان، يجب الاعتراف أننا لم نولِ موضوع التربية الاهتمام اللازم، بعد الأحداث الأليمة، والحرب الأهلية العبثية، التي انفجر قدرها بين اللبنانيين، فكانت البوَّابة السوداء الفاحمة التي دخل الوطن منها الى أزمةٍ دامت مع تردُّداتها أكثر من ثلاثين سنة، طاولت بحريقها كلَّ شيءٍ، وفي مقدِّمها التربية والمدرسة بشكلٍ عام، والرسمية منها بشكلٍ خاص، مع ما رافق هذه الأخيرة من فوضى وخللٍ في النظام، وخروج معظم المعلمين عن احترامهم لقانون المدرسة، والانتظام العام فيها، وانتقال المعلمين قسرياً من مراكز عملهم بالحجة الأمنية، إلى حيث أمنهم وأمانهم وفق الطوائف والمذاهب والمناطق؛ مما رتَّب خللاً كبيراً في المدارس، تأتَّى من فائضً خرَّبَ المدارس التي حلَّ فيها ومن نقصٍ خرَّبها هو الآخر.
رُدَّ على ذلك بحلولٍ استثنائية، وسياسة ترميم لما هُدِّم. فاعتمد المسؤولون التعاقد بالساعة، والتعاقد الداخلي، والإتيان بمعلمين، هم بحاجة إلى تأهيل، وتدريب. زِدْ على ذلك، فوضى الإمتحانات الرسمية والنجاح الوهمي الكاذب، والوصول إلى مراتب علمية ووظيفية وهمية كاذبة، بنيل شهادات الحرب، ثم فوضى الانضباط المسلكي ضمن المدرسة الواحدة، وعمل كل شيء على حساب المدرسة والطالب فيها، كيف فالمدرسة بنت الدولة، وللمعلم الحق بقبض راتبه بعمل وبلا عمل…!! كأن المدرسة شركة ضمان ضد البطالة.
كل هذه الأمور مجتمعةً، بالإضافة إلى أسبابٍ تقنية وفنية، أدَّت إلى فقدان الثقة بالمدرسة الرسمية ومن فيها. والأخطر، أن هذه الثقة، لا زالت شبه مفقودة، أو بالأحرى، بين مدٍ وجزر. مع ثقتي بما أقول، أنه لولا الطلاب السوريين في المدارس الرسمية، لأقفل العدد الكبير منها.
التعليم الرسمي في لبنان، لم يأخذ شكل المؤسسات، وهو متخلِّفٌ زمنياً عن التعليم الخاص، وهو فوق ذلك مُثقلٌ بمشاكل الإدارة، ومصالحِ الطبقة السياسية والحاكمة في الدولة، وتدخُّلها المباشر الذي كان ولا يزال، السبب في عدم استقرار المدرسة الرسمية، كما أنه كان مثقلاً بقضايا مطلبية للمعلمين، بسبب حرمانهم من قبل الدولة.
علينا الاعتراف أن التعليم الرسمي قبل سنة 1975، استقطب 65% من تلامذة لبنان، وكان بمستوًى يضارع فيه التعليم الخاص، لا سيَّما المرحلة الثانوية.
بعد هذا التاريخ، تهاوى التعليم الرسمي، للأسف، لا سيَّما الأساسي منه، وهو لا يزال في ضعفه وتراجعه وهزاله، برغم كل محاولات التصدي لذلك.
ولكن يجب ألا ينتابنا اليأس، بل ضرورة الاستمرار باجتراح الحلول التي تعيد المدرسة إلى بريقها وازدهارها، في ظل ارتفاع كلفة التعليم، والظروف الاقتصادية الاجتماعية الصعبة.
ولذلك، نعود ونؤكد الحلول التي تقاطعت حولها الأفكار التربوية النظرية والعملية من أكثر من جهة؛ والتي توصل المدرسة الرسمية إلى المبتغى وهي باختصارٍ شديد:
1. في ظل سياسة تربوية جدية للدولة، يجب إعادة النظر بهيكلية
وزارة التربية، والإدارات التابعة لها بتطبيق اللامركزية الإدارية الموسعة؛ وإعطاء مدير المدرسة الصلاحيات اللازمة، ومراقبته ومحاسبته عند اللزوم، بعد تأمين حاجيات المدرسة.
2. إعادة النظر جذرياً بقضايا المديرين والمعلمين، إعداداً وتأهيلأ
وصلاحيات وأنظمة ثواب وعقاب، ووضع معايير دقيقة لاختيار المعلمين، وتحديث النظام الداخلي للمدارس بما يتناسب وروح عصر الإنترنت ومشتقاتها.
3. إعطاء المعلم حقوقه كاملة، ومعاملته كما يُعامَل في اليابان
(راتب وزير وحصانة دبلوماسي وجلالة إمبراطور…!!) ومن ثم منعه بقانون ترك مركز عمله، والبقاء إلى جانب تلامذته، لكسب صداقتهم وتبادل المحبة والثقة في ما بينهم.
4. إيلاء موضوع الإنترنت وعالمها من أطفال وتلامذة وشباب من
الجنسين الأهمية الكبرى لإنقاذ الجيل من الوجوه السلبية لهذه الثورة الخطيرة والعظيمة.
5. إحياء مشروع تجمُّع المدارس لأنه تجميعٌ للطاقات التي تسدُّ الحاجات.
6. الحؤول دون تدخُّل السياسيين بقانون في شؤون المدرسة للحفاظ
على استقرارها.
7. خلق جهاز تربوي من حكماء تربويين، ــ وهذا المهم ــ يمثل
بأعضائه كل اللبنانيين، يكون برئاسة وزير التربية، يمنح صلاحيات استثنائية، لتنفيذ خطة تربوية خمسية مبنية على سياسة وطنية، يقرها مجلس الوزراء، ويشرعها مجلس النواب. يتحمل الجهاز المسؤولية كاملة ولا يكون أعضاؤه عُرضةً للتغيير أو الاستبدال لأسبابٍ طائفية وسياسية ومناطقية.
فهذا مع ما سبقه، يعيد الثِّقة للمدرسة الرسمية، ويمكن أن يعيدها إلى سابق عهدها، أي تتقدم، وذلك، برجوعها إلى الزمن الجميل.
[/su_spoiler]
[su_spoiler title=”المدرسة الرسمية هي الحل شفيق يحيى مفتش تربوي متقاعد ” open=”no” style=”default” icon=”plus” anchor=”” class=””]
يكثر الحديث هذه الأيام عن أزمة الأقساط المدرسية وارتفاع كلفة التعليم في لبنان. وتتوالى الاتهامات المتبادلة، فمنهم من يتهم المدارس أو بعضها بالجشع والسعي وراء الربح المادي، ومنهم من يتهم السلطة التربوية بإهمال التعليم الرسمي، وعجزها عن مراقبة المدارس الخاصة ودراسة أقساطها. وبين تطاير الاتهامات والاتهامات المضادة. يتيه المواطن ولا يدري من الحقائق إلا القليل، ولا يعرف كيف ينقذ دخله من استهلاكه في نفقات التعليم، وبالتالي لا يعرف كيف ينقذ أولاده من تعرضهم لعدم الالتحاق بالمدرسة، أو كيف يتخلص من عبء الديون.
إزاء هذا الواقع لا يستطيع المراقب للوضع التربوي أن يتهم فريقاً واحداً بالتقصير أو الإهمال أو اللامبالاة، ولكننا نستطيع أن نعترف بأن المواطن اللبناني مضلل إلى حد ما تربوياً، فلا يؤمن بالمدرسة الرسمية، ولا يستطيع أن يتحمل أقساط المدرسة الخاصة. وإذا نصحه أحد المقربين المطلعين على الشأن التربوي بتعليم أولاده في المدرسة الرسمية، اعتبر هذا المواطن التائه أنّ قريبه أو صديقه غير مخلص في نصيحته وأنه “يحط من قدره”.
وما هذا الاعتبار أو الظن إلا الجهل بحقيقة المدرسة الرسمية والتعليم الرسمي الذي يتجاهله البعض أو يجهل واقعه السليم في مدارس كثيرة ويشير إلى ثغراته بدلاً من أن يشير إلى حسناته ويعمّمها خدمة للحقيقة ولمصلحة المواطن.
فما هو سبب هذا الضياع؟
لا شك أنّ التعليم في المدارس الخاصة أكثر جاذبية للمواطن اللبناني لأكثر من سبب قد يكون اعتقاده أنّ التعليم فيها أكثر تنويعاً وتطبيقاً ونشاطاً وتنظيماً. وقد يكون جهله لحسنات المدرسة الرسمية، وكفاءة مدرّسيها وأساتذتها، ونجاح تلاميذها في الامتحانات الرسمية، وتفوُّق بعضهم فيها وفي امتحانات الدخول إلى الجامعات واستمرار تفوّقهم فيها، ونجاحهم أيضاً في مباريات اختيار موظفين لإدارات الدولة.
ولأننا لا نهدف من موضوعنا هذا إلى تجاهل المدرسة الخاصة واتّهام بعضها بالطمع المادي أو بعدم الأفضلية عن زميلتها في التعليم الرسمي.
وبما أننا نريد أن نشارك في النصح والإرشاد إلى ما يخدم المواطن دون الإساءة إلى أي من الفرقاء يهمنا أن نلفت النظر إلى ما يلي:
أولاً. في حقيقة المدرسة الرسمية
لقد بلغ التعليم الرسمي أوجاً مرتفعاً في السنوات التي سبقت الأحداث الأهلية في الربع الأخير من القرن العشرين، ثم أخذ وضعها يتدهور أسوة بسائر مؤسسات الدولة التي تأثرت سلباً بالحرب الداخلية والاعتداءات الإسرائيلية. لكن تعافي الدولة والوطن عموماً ابتداءً من العقد الأخير من القرن الماضي، شمل المدرسة الرسمية في النواحي التالية:
1- ترميم معظم الأبنية المدرسية التي تهدمت في الحرب وتشييد
أبنية حديثه للمدارس الرسمية.
2- تخرُّج عدد من المدرّسين والمدرّسات من دُور المعلمين، والأساتذة
من كلية التربية.
3- تزويد المدارس الرسمية، بما فيها الثانويات، بالكثير من
المختبرات ووسائل الإيضاح والتكنولوجيا.
4- تكثيف الدورات التدريبية لأفراد الهيئة التعليمية ولمديري
المدارس الرسمية، واتّباع منهج التدريب المستمر.
5- تحقيق الكثير من إنصاف المعلمين والمعلمات بإعطائهم درجات
استثنائية، وتعويض إدارة للمديرين.
6- تحديث برامج التعليم وفق المناهج الجديدة التي أقرت رسمياً
بالمرسوم رقم 10227 تاريخ 8/5/1997، وتنظيم دورات تدريبية لمعرفة تطبيقها بالتعاون بين وزارة التربية والتعليم العالي، والمركز التربوي للبحوث والإنماء والتفتيش التربوي المركزي.
7- إعطاء تعويض نقل لموظفين التعليم، أسوة بسائر الموظفين ممّا
يُخفّف من أعباء الانتقال من قرية إلى قرية أو من المدينة إلى القرية، وبالتالي يسهّل على وزارة التربية إلحاق مدرّسين وأساتذة بمدارس خارج محيط إقامة المدرس والأستاذ.
ثانياً: عدم اكتمال جاذبية التعليم الرسمي
إذاً، طرأت في السنوات الأخيرة، إيجابيات كثيرة في التعليم الرسمي، ولكن هل استعاد هذا التعليم زخمه السابق، أو واكب الإيجابيات الجديدة التي طرأت عليه؟
لا نعتقد أنّ الجواب سيكون كلّه إيجابياً لأنّ سمعة المدرسة الرسمية ما زالت غير جذابة للأسباب التالية:
1- التوجُّه إلى التعاقد بدلاً من تخريج مدرّسين جدد من دور
المعلمين، وأساتذة جدد من كلية التربية.
2- استمرار التأخّر في إجراء المناقلات بين أفراد الهيئة التعليمية،
والتأخّر في إلحاقهم وإلحاق المتعاقدين بالمدارس حيث الحاجة.
3- تراجع دور الرقابة التربوية من قِبل التفتيش التربوي بسبب
ضآلة عدد المفتشين وانشغالهم بالرقابة الإدارية والمالية
4- تقصير الإعلام الخاص والرسمي المسموع والمقروء والمرئي في
تسليط الضوء على المدرسة الرسمية الناجحة واكتفائه بالإشارة إلى ثغرات المدرسة الرسمية المتعثّرة أو تسليط الضوء عليها وتجاهل ما فيها من إيجابيات.
5- عدم مبالاة وزارة التربية والتعليم العالي بدراسة أسباب
تقهقر أي مدرسة رسمية ومعالجتها بدلاً من اللجوء إلى إقفالها أو نقل مديرها ومعلميها إلى مدارس أخرى أو إلى الإدارة دون مساءلة ومحاسبة.
6- عدم التنويه إعلامياً بالمدارس الرسمية بكلّ مراحلها الثلاث
الناجحة والمتفوقة في الإمتحانات الرسمية.
7- التدخل السياسي أو المصلحي أحياناً لصالح مدير غير كفوء أو
لنقل معلم تحتاجه مدرسته إلى مدرسة أخرى ليست بحاجة إليه، خدمة له لا للمدرسة.
8- إبقاء بعض المدارس في أبنية، غير مؤهلة تربوياً علماً أن عدد
الأبنية المهملة قد تقلص في السنوات الأخيرة
9- الإضرابات التي توالت سنوات وسنوات مما أخاف الأهلين من
إلحاق أولادهم بالمدرسة الرسمية، وكلنا أمل في أنّ الإضرابات قد انتهت في المدارس الرسمية، ونأمل أن لا تنتقل إلى المدارس الخاصة.
10- ترهل بعض أفراد الهيئة التعليمية أو مرضهم، دون أن يكون
للمدير ورؤسائه القدرة على حل هذه المشكلة وفقدان الإيمان بالرسالة التربوية التي آمنتا بها الأجيال السابقة من المعلمين.
ثالثاً: في الاقتراح
مما تقدّم، ورغبة في الإصلاح والإنقاذ وليس رغبة في الانتقاد نقترح ما يلي:
1- قيام وسائل الإعلام بتسليط الضوء على المدرسة الرسمية
الناجحة كتابة وتصويراً وعرضاً تلفزيونياً
2- تعميم جميع الإيجابيات التي طرأت على المدرسة الرسمية لا
عادة الثقة بها، وبالتالي إنقاذ الأهل من أعباء المدرسة الخاصة.
3- إعادة افتتاح دور المعلمين وكلية التربية لتخريج معلمين وأساتذة
جدد، وثبيت المتعاقدين والتخلص من بدعة التعاقد تدريجياً إلا في الحالات الضرورية.
4- زيادة عدد المفتشين التربويين ليستطيعوا القيام بدورهم
في الإرشاد التربوي بالإضافة إلى دورهم في الرقابة الإدارية والتحقيقات.
5- مكافأة المديرين والمعلمين والأساتذة المجلين في عملهم معنوياً
ومادياً، وتطبيق مبدأ الثواب والعقاب.
6- تعزيز النشاط اللاصفي الثقافي والفني وإصدار المجلات التي
يحرّرها الطلاب بالتعاون مع معلميهم، علماً أنّ بعض المدارس قد خطت خطوات في هذا المجال.
7- عدم التأخر في دفع مستحقات المدارس الرسمية من وزارة
التربية لتستطيع هذه المدرسة تأمين حاجاتها المتعددة.
8- العمل على جعل تدخل السياسة والسياسيين في شؤون المدرسة
الرسمية لصالح المدرسة وليس لصالح أفراد فيها. والافضل بالطبع إبعاد السياسة عن معالجة شؤون المدرسة وترك ذلك للمراجع المختصة.
9- تزويد المدارس الرسمية بما يلزمها من وسائل التكنولوجيا
الحديثة علماً أنّ معظم هذه المدارس قد توافرت فيها هذه الوسائل.
10- تزويد المدارس الرسمية بالعدد اللازم من مدرّسي الفنون
والرياضة البدنية، ولا يتحقق ذلك إلّا بإعادة تخريج مدرّسين للمواد كافة من دور المعلمين والمعلمات.
11- إقامة لقاءات تربوية بين مديري المدارس ومعلميها لتبادل
الخبرات، وتنشيط العمل التربوي. ولقاءات أخرى دورية وطارئة بين مديري المدارس ومعلميها والأهلين للتعاون على معالجة مشاكل الطلاب وتقويم سلوكهم واجتهادهم الدراسي.
12- الاستمرار في إقامة حفلات التخرّج التي بدأت تتوسّع منذ
سنوات في الثانويات الرسمية والعمل على تعميمها وتعزيزها فنياً وتربوياً لأنّ ذلك يُعزّز جاذبية المدرسة الرسمية ويعمّم على الأهلين أخبار نجاحها ونشاطها.
رابعاً: في الخلاصة
نستنتج مما تقدم أنّ المصلحة التربوية والاقتصادية للمواطن تقضي بوجوب الانصراف إلى الاهتمام بالمدرسة الرسمية لتكون هي الحل بدلاً من التلهي بإلقاء اللوم على المدرسة الخاصة والتذمُّر من الأقساط الرسمية.
[/su_spoiler]
[su_spoiler title=”المدرسة الرسمية بين الواقع والمرتجى سلطان أبو الحسن مسؤول مكتب التربية في المتن الأعلى سابقاً” open=”no” style=”default” icon=”plus” anchor=”” class=””]
بالرغم من الجهود المبذولة، لم تزل المدرسة الرسمية، وخصوصاً المدرسة الرسمية الابتدائية والمتوسطة، تواجه صعوبات ومعوقات، لأنها جزء من النظام التعليمي العام، أي النظام الطائفي، خلافاً لِما نص عليه الدستور. وأكبر مثال على إعاقة الطائفية أي تقدم هو عدم الاتفاق التربوي والسياسي على إصدار كتاب موحد لمادة التاريخ، والأسباب معروفة. الوطن يحتاج الوقوف إلى جانب المدرسة الرسمية لأنها الجامع الوطني غير الطائفي التي تعد مواطنين للوطن وليس لطوائفهم، ولأن هناك على الأقل مراقبة لتطبيق المناهج، لا كما هو الحال في معظم المدارس الخاصة حيث رقابة وزارة التربية تبدو شكلية خصوصاً على المناهج التعليمية التي يجري تنفيذها.
أما بعض المرتجى أو الحل فهو أولاً تطبيق وثيقة الوفاق الوطني، وتطبيق الثوابت الدستورية في المدارس الخاصة لا الاجتهاد في تصميم وتنفيذ مناهج تربوية خاصة بالقطاع الخاص أو بكل مدرسة على حدة. وهذا يقود إلى موضوع التنشئة الوطنية والأخلاقية، فلا تكون مهنة التعليم عرضة للارتزاق، كما يحصل اليوم في التعاقد النفعي لتعليم التلامذة السوريين، وما يرافق هذا الملف من اتهامات بالفساد المالي، فضلاً عن أنه غير ذي معنى تربوياً وعلمياً.
إذا أريد النهوض بالمدرسة الرسمية فالمطلوب كثير، ولكن أوله اعتبار الأهداف الوطنية والإنسانية هي غاية التعليم، وليس الاصطفاف الطائفي أو المنفعة المادية، وكلاهما يكون على حساب الهوية العلمية والوطنية للتعليم.
نحن نرى أن الرقابة التربوية على المدارس الرسمية يجب أن تكون رقابة ميدانية وليست صورية، ودون محسوبيات. في ماضي الأيام كانت المدرسة الرسمية نقية ناصعة لا شوائب بسلوكها المادي، أما الآن فقد نخر السوس المفاصل في معظم المجالات وخصوصاً في التعاقد والمراقبة والمنح والتلزيمات وغيرها. وتلعب المحسوبيات دوراً مسيئاً في تعيينات المديرين، فلا يؤخذ بنتائج المقابلات أحياناً بسبب من ضغط من هنا أو من هناك. كذلك يجب إلغاء المدارس الخاصة المجانية إذ لا لزوم لها تربوياً واجتماعياً بوجود المدرسة الرسمية، إلا إذا كان الهدف التنفيعات أي الفساد. ويجب تحويل الأموال المهدورة في المجاني على المدرسة الرسمية الابتدائية والمتوسطة لتعطي أفضل النتائج، والثانويات الرسمية خير دليل على ما تستطيع المدرسة الرسمية أن تحققه إذا تأمن لها الجهاز التعليمي الجيد والتجهيز المطلوب والتعاون الضروري.
[/su_spoiler]
[su_spoiler title=”بالتربية نبني محمود خضر مدير ثانوية حاصبيا السابق ” open=”no” style=”default” icon=”plus” anchor=”” class=””]
لإيماني المطلق بأننا بالتربية نبني،
فهل ننقذ هذا المجتمع ونصل به إلى أرقى ما نريد دون أن تنصب كل جهود الدولة في العمل التربوي؟
فالاستثمار في التربية هو أنفع وأفضل الاستثمارات
كيف لا وكل الوطن يعتمد على خريجي التربية.
كيف نبني مجتمعاً دون تحديث في التربية؟
أبناؤنا في حالة ضياع لعدم وضوح منهجية تربوية تماشي العصر والتطور بسبب التخبط الحاصل في تعديل المناهج.
حان الوقت أن ننطلق جميعاً لنجعل التربية تبني، وبحق.
عسى أن تتكاتف كل القوى الحكومية والتربوية لإصلاح منشود في التخطيط والتوجيه والتنفيذ كي لا تسبقنا إلى ذلك بعض الدول التي كانت تعتبر متخلّفة.
[/su_spoiler]
[su_spoiler title=”خطوة على طريق الإصلاح التربوي في لبنان د. منصور العنز
باحث تربوي ” open=”no” style=”default” icon=”plus” anchor=”” class=””]
لقد أُطلِقت المناهج التربوية الحديثة في لبنان، تحت عنوان برّاق ومُفرح ألا وهو “بالتربية نبني” فلاقت ارتياحاً وترحيباً في الأوساط التربوية لم يسبق لهما مثيل. ولكن سرعان ما تبيّن أن النتائج ليست على المستوى المتوقّع. وعادت التربية إلى الدوران في برامج المسكنات التي تبقى على المستوى العلاجي دون أن ترتقي إلى مستوى التخطيط الوقائي. لذا أصبح لزاماً علينا تحديد أي تلميذٍ نريد، وإلى أيةِ وظائف نعدّه، وما هي مجالات عمله المستقبلية، ودور المؤسسة التربوية في إعداده وبناء شخصيته، ومستوى المعلم الذي سيعدّه لمهام حياتية جديدة بواسطة منظومة تربوية قديمة بظل واقع اجتماعي متغيّر وتطوّر علمي تقني متسارع مستخدماً مناهج تربوية مأزومة الأهداف بين التربية على القِيم الموروثة أو الإعداد لجيلٍ عنوانه التغير ومماشاة العصرنة بتدريب المعلم وتمكينه من استخدام تقنيات الحاسوب والتواصل الإلكتروني في التعليم لجهة تركيز مؤسسات الإعداد والتدريب على تطوير وتنمية قدرات المعلم التربوية والتقنية، وإلى أي مدى يتم الاعتماد على الكفاءة والجدارة كمعيار أولي في تكليف أو تعيين أو ترقية المدراء والأساتذة والمعلمين الرسميين؟!
وهل ينبغي إعادة النظر بآليات تعيين وإعداد المعلمين بظل الاستعمال الواسع للتقنيات المستجدّة في العملية التربوية، لاسيما الحاسوب وفوائد الإنترنت من خلال توظيفها في الإنتاج التربوي، بواسطة موارد بشرية متمكّنة ومواكبة للتكنولوجيا والتطور التقني المتسارع، من أجل ضمان الاحتياجات الاجتماعية والاقتصادية المعاصرة؟ وهذا ما يفترض إجراء تغييرات هامة على مستوى إدارة هذه المؤسسات وتحديثها، وتطبيق التقنيات الجديدة والأساليب المتطورة، وتأمين الموارد المادية والحوافز المعنوية، للنهوض بالمدرسة الرسمية والمجتمع اللبناني.
ولا يمكن أن نتحدّث عن دور التقنيات التكنولوجية، دون أن نتطرّق لدور الجهاز التربوي المتمكّن من استخدامها على مستوى الإدارة والتعليم في المؤسّسات التربوية الرسمية التي تتحمّل على عاتقها مسؤؤلية نجاح أو فشل العملية التربوية برمتها، إلى جانب الأنظمة والقوانين التي ترعاها، متمثلةً بالسلطات التشريعية، التنفيذية والقضائية التي تنتجها وتتابع تطبيقها، وصولاً إلى مؤهلات أفراد الجهاز التعليمي وآليات تعيينهم وتطويرهم وتحفيزهم، لأن الجهاز التعليمي يمثل القلب النابض والعقل المدبر للمدرسة الرسمية.
فاذا كان جهاز التعليم في المدارس الرسمية يمتلك الكفاءة العالية لجهة المعلومات والمؤهلات، وإذا كانت الآليات المعتمدة في تعيين أفراده مضبوطةً على إيقاع الجدارة والكفاءة العلمية فقط،، وإذا كانت خطوات التطوير والتدريب والإعداد هائلة وجبارة! وإذا كانت أجهزة الرقابة والمتابعة من إرشاد وتوجيه وتفتيش ناشطة وتقوم بدورها بشكلٍ صحيح! وإذا كان المعلم نفسه قادراً على المزيد من العطاء والإنتاجية في المدارس الخاصة مقارنةً بما هوالحال عليه في المدارس الرسمية! فكيف يمكن أن نفهم تلك المفارقة؟! وكيف إذاً يمكن تفسير التراجع شبه المستمر في أداء المدرسة الرسمية؟! ويبقى السؤال المركزي يدور حول مدى تلبية جهازها التعليمي والإداري لمتطلبات التعليم الحديثة المعاصرة؟ ومدى قدرة مشروع التدريب المستمر على تطوير أداء المعلمين ومدى انعكاسه على العملية التربوية؛ لجهة تأهيلهم وإعدادهم بطرق وأساليب تعليم بحثية ناشطة محولةً بذلك المعلم إلى باحثٍ مشرفِ موجهٍ بما يتناسب مع تقنيات التعلم والتعليم المتطوّرة المضبوطة على إيقاع سلّم تقييمي دقيق المعايير شفّاف التطبيق لمبدأي الثواب والعقاب بظل منظومة تشريعات تربوية رشيدة منبثقة من آليات تخطيط تربوية واعية ترصد المشاكل وتضع لها الحلول راسمةً سياسات تربوية استراتيجية واضحة الرؤية والأهداف متجاوزةً كافة الاعتبارات.
ولعلّ أول ما يستوقفنا في واقع التعليم الرسمي في لبنان هو مدى مواكبة أفراده ومناهجه للتطوّرات التقنية المتسارعة إلى جانب متطلبات سوق العمل الذي ينتظر طلابه في المستقبل القريب.
بناءً عليه، لا بد من الإبحار وسبر الأعماق لالتماس بعض الحقائق والأسباب المؤثرة على إنتاجية التعليم الرسمي لا سيما الأساسي في لبنان مقترحين جرعاتٍ علاجية تلامس شؤون وشجون التربية والتعليم الرسمي لجهة آليات تكوينه وإعداد جسمه التعليمي وآليات عمل مؤسساته الناظمة ومدى تأدية دورها الأساسي المسؤولة عنه بظل نظام التدخلات والمحاصصة السياسية القائم في لبنان، وهي المؤتمنة عليه أمام ماضي وحاضر ومستقبل الأجيال وصيرورة بناء الوطن ومواطنيه وفق مناهج تربوية سليمة تُدرّس على أيدي معلّمين يُفترض أنهم أكفّاء منخرطين بمؤسسات تربوية تعليمية تعي جيداً أهدافها وأي مواطن تريد ولأية وظائفٍ تعدّه ليكون المدماك الأول التي تسترشد به الأجيال القادمة لتشيّد على أسسه ورؤاه صروح الوطن المستقبلية.
فكانت البداية بالعودة إلى المستندات والوثائق والمطبوعات والتشريعات التي واكبت منظومة التربية والتعليم في لبنان منذ العهد العثماني حتى كتابة هذه السطور، محدّدين بواسطتها العثرات واصفين بعض الجرعات العلاجية آملين أن تجيب على بعض تساؤلات القلقين على مستقبل التعليم الرسمي في لبنان.
من هنا فإنّ التربية تبدأ بوزارة التربية والمؤسّسات المنضوية تحت لوائها على كافة الأصعدة بدءاً من رأس الهرم مروراً بكافة مؤسساتها المتفرّعة عنها كلٍ بدوره وصولاً للمجتمع المحلي الذي يمثل البيئة الحاضنة والمساندة للمدرسة الرسمية مصوبين على جودة المناهج التربوية والأجهزة التعليمية والإدارية والرقابية التي تتحمّل مسؤولية نجاح أو فشل التربية برمتها.
وبهدف الكشف عن بعض الأسباب الكامنة وراء تراجع التعليم الرسمي في لبنان، نُقدّم بعض الاقتراحات التي قد تُضيء شمعةً على طريق الإصلاح التربوي بدلاً من لعنة الظلام، منطلقين من إشكالية يمكن تلخيصها بالسؤال التالي: كيف يمكن تفسير التراجع شبه المستمر في أداء المدرسة الرسمية؟! وهو سؤال البحث المركزي الذي يدور حول مدى تلبية الجهاز التعليمي والإداري في لبنان لمتطلبات التعليم الحديثة المعاصرة، لجهة تأهيل واعداد المعلمين بطرق وأساليب تعليم بحثية ناشطة بعيدة كل البُعد عن أساليب التلقين التقليدية من أجل تحويل المعلم إلى باحثٍ مشرفِ موجهٍ بما يتناسب مع تقنيات التعلم والتعليم المتطورة المضبوطة على إيقاع سلّم تقييمي دقيق المعايير شفاف التطبيق لمبدأي الثواب والعقاب بظل منظومة تشريعات تربوية رشيدة منبثقة من آليات تخطيط تربوية واعية ترصد المشاكل وتضع لها الحلول راسمةً سياسات تربوية استراتيجية واضحة الرؤية والأهداف متجاوزةً كافة الاعتبارات.
وبناءً عليه يمكن اقتراح بعض الإصلاحات التربوية على الشكل التالي:
1- على الجهاز التعليمي والإداري الرسمي الحالي الهَرِم في
لبنان العمل على تحقيق الأهداف التربوية الكبرى المعاصرة للمدرسة الرسمية من خلال إعادة تاهيل وإعداد وتطوير أفراده بما يتناسب مع مسيرة التسارع التقني التعليمي التعلُّمي المتحكّمة بمفاصل التربية والتعليم الشامل المتكامل بمواصفات كونية عالمية تتخطى حدود التاريخ والجغرافيا وتسمو فوق التقوقع المناطقي والعقائدي والعِرقي والمذهبي.
2- على القيّمين على التعليم الرسمي في لبنان إغنائه بعنصر
التعليم الشاب الفتي القادر على استخدام تقنيات التربية الحديثة والمتمكّن من الاندماج عالمياً مع متغيرات الحداثة والعصرنة التربوية بصفة الفاعل والمؤثر فيها وليس بصفة المتلقي المتأثر بها فقط.
3- على المعلم أن ينزع عن نفسه صفة الملقّن ويستبدلها بصفة
المشرف المنشط الباحث المتمكّن من دفع المتعلم لاكتشاف المعلومة بنفسه بدلاً من تلقيها، وهو ما يعيق عملية اعتبار التلميذ محور عملية التعلم والتعليم مع كل ما ينسحب على ذلك من عدم الانخراط باكتشاف المعلومات بواسطة البحث عنها عبر الإنترنت وبالتالي عدم إنتاج الأبحاث العلمية المرسِّخة للمعلومة وهو ما يُفسَّر تربوياً بتحوّل المتعلّم إلى باحث.
4- على وزارة التربية إجراء عملية إعادة تموضع وتوزيع أفراد
ملاكاتها بحسب مؤهلاتهم وإمكاناتهم لأنّ غالبية المعلمين الرسميين المعيَّنين قبل اعتماد أساليب التعليم الناشط المتطورة هم بحاجة لإعادة إعداد وتأهيل بما يتناسب مع طرق الإدارة ووسائل التعليم الحديثة.
5- على الدولة ردم الهوّة الناتجة عن عملية إسقاط المناهج
التربوية الحديثة والمتطورة على المدارس الرسمية في لبنان دون أن تكون أبنيتها معدّة ومجهزة لاستقبالها ودون أن تمتلك جهازاً بشرياً قادراً على التعامل معها فبقيت المناهج بوادٍ وإمكانية تطبيقها تطبيقاً سليماً بوادٍ آخر فكان للجهاز الإداري والتعليمي شرفيّة امتلاكها دون استعمالها، لأنه أمام تقنيات يتعرّف إليها دون أن يفقه أسرارها وطرق استخدامها تربوياً.
6- إحداث نقلة نوعية بآليات التعيين المعتمدة في اختيار مدراء
المدارس ومتعاقديها من الكفاءات والمؤهلات التقليدية غير المفيدة للتربية الحديثة المعاصرة، ورفض ما كانت تتم عليه من قواعد المحاصصة والطائفية والاستزلام السياسي من خلال اعتماد الكفاءة وجدارة المؤهلات فقط كأولوية للتعيين.
7- وجوب تفعيل آليات الثواب والعقاب في المدارس الرسمية
بظل غياب المكافأة المستندة إلى جودة المؤهلات والكفاءة وحُسن الأداء، وبالمقابل وجوب تفعيل المحاسبة عن تدنّي المؤهلات وضعف الكفاءة وسوء الأداء فاصلين القرار التربوي عن القرار السياسي بشكلٍ نهائي.
8- إعفاء التربية من فوضى التشريعات المسيسة والتجاوزات
والتمريرات وارتجال القرارات المضبوطة على إيقاع المحاصصة السياسية والتوزيع الطائفي واستبدالها بالتخطيط التربوي الاستراتيجي المنتج على الصعيد الوطني العام متجاوزةً بذلك جميع أثاره السلبية بوجه انتظام العمل التربوي الرسمي في لبنان.
لقد هالنا ما رأينا وسمعنا وقرأنا من الاجتهادات والقرارات التربوية، التي تملأ رفوف الخزائن في المدارس الرسمية، وغالبها يناقض بعضه بعضاً، أو لزوم ما لا يلزم وكأننا نخوض الورش التربوية ونرفع التوصيات ونصوغ القرارات ونسنُّ التشريعات المتتالية، لتبقى حبراً على ورق أو لنتذاكرها في جلسات سمرنا التربوية حيث أصبحت القرارات هي غايةً التربية بذاتها، وليست وسيلةً للنهوض بها. هذا إضافةً إلى التدخلات والمحاصصات السياسية التي اجتاحت المحرمات التربوية المقدسة لدرجة أصبح معها يكاد يُسأل التربوي عن انتمائه قبل أن يُسأل عن كفاءته!
بناءً على ما تقدّم تبيّن لنا أنّ واقع منظومة التعليم الرسمي في لبنان والتي كانت ولا تزال تصيب حيناً وتخيب أحيأناً، بظل فلسفة تربوية لا تخدم كثيراً التربية على المواطنة الصحيحة في بلدٍ أحوج ما يكون إلى التفاف أبنائه حول فلسفة تربوىة وطنية تسمو فوق كل الاعتبارات الفئوية الضيقة، معتبرين معاناة المدرسة الرسمية قضيتنا المحورية، محاولين إخراج بعض الثغرات التربوية إلى حيّز النور والعمل على الحدّ من التجاوزات قدر الإمكان عسى أن تجد خلاصات بحثنا هذا الصدى الإيجابي لدى المَعنيين بالشأن التربوي في لبنان!


على المعلم أن ينزع عن نفسه صفة الملقّن ويستبدلها بصفة
المشرف المنشط الباحث


التربية تبدأ بوزارة التربية والمؤسّسات المنضوية تحت لوائها على كافة الأصعدة بدءاً من رأس الهرم مروراً بكافة مؤسساتها المتفرّعة عنها
وأخيراً لا بدّ من الشروع بتنفيذ بعض الإجراءات الإصلاحية العملية دون انتظار خطط نهوض تربوي شامل قد لا تأتي أبداً، ومنها على سبيل المثال لا الحصر:
1- استحداث وزارة تخطيط والشروع بتنظيم حديث لوزارة
التربية والتعليم العالي لتواكب خطوات التطور السريع في هذا الحقل الوطني المهم في بناء المجتمعات.
2- إجراء عملية إصلاح تشمل معظم مديري المدارس واختيار
المديرين على أساس الأهلية والكفاءة وإعدادهم إعدادا “تربوياً” وإدارياً” دونما الأخذ بالاعتبارات الأخرى.
3- إعداد المعلمين وتنقية الجسم التعليمي من الذين لا يحملون
رسالة التعليم في قلوبهم وعقولهم. والعمل على اختيار المعلمين من النخبة وتعزيزهم مادياً ومعنوياً وتأهيلهم بصورة مستمرة، وتفعيل تطبيق مبدأي الثواب والعقاب.
4- تطوير مناهج التعليم وفق الحاجات الجديدة والتأكد من
مطابقتها لأوضاعنا الاجتماعية وحاجاتنا الاقتصادية والقيام بعملية إحصاء وأبحاث لمعرفة هذه الحاجات. وتوجيه الطلاب إلى الحقل الأكاديمي أوالمِهَني الذي يبدعون فيه ويتخرّجون منه إلى سوق العمل الذي يحتاجهم.
5- تطوير عملية التقويم وبناؤها على معايير سليمة قابلة للقياس
والتصويب للحد من الرسوب في الإمتحانات والقيام بتوجيه التلامذة وإرشادهم وفق قدراتهم لتجنيبهم الشعور بالإحباط وبالتالي لحمايتهم من آفة التسرب المدرسي.
6- تأمين البناء المدرسي الملائم وتجهيزه بأحدث الوسائل، بعد
تحديد المناطق المتخلفة تربوياً، فتُعطى الأولوية للتجهيز وتكثيف الجهود فيها إن لجهة الأساتذة الكفوئين أو لجهة الإدارة والتجهيز. شرط أن يُوازى بين كافة المناطق والقطاعات لا أن تنمو منطقة أو قطاع على حساب الآخر.
7- تطبيق سياسية تربوية واحدة على جميع المؤسسات في لبنان
بعيداً عن التعصب الديني بحيث يأتي التوجيه وطنياً سليماً لا يتنافى مع حرية الرأي والمعتقد.
8- تعزيز دور الإعلام التربوي والثقافي للتمكين من مجاراة
التكنولوجيا الحديثة التي أصبحت وسيلة هامة للتعليم ولنقل المعرفة.
9- إخضاع مَنْ اجتاز بنجاح مباراة التثبيت في التعليم لاختبار
نفسي ومقابلة شفهية قبل تثبيته معلماً أو أستاذاً بملاك وزارة التربية نظراً لأهمية الشخصية والنفسية على نجاح أو فشل المعلم في تأدية وظيفته الرسالية.
10- استبدال تسمية التعليم الرسمي بالتعليم الوطني لأن رسالة
المدرسة الرسمية رسالة جامعة بحكم كونها تجمع تحت عنوانها وبين جدرانها مختلف الطوائف والطبقات الاجتماعية، ونحن وإياكم نُدرك أنّ أهم مصاعب لبنان وأخطر هواجسه تكمن في تعدد الانتماءات الطائفية على حساب الانتماء الوطني. فعلى القيّمين على المدرسة الرسمية أن يُنمّوا الروح الوطنية إلى حد تجاوز الروح الطائفية وأن نتمكّن بفضلها من العيش كشعبٍ واحد لا كشعوب متصارعة على أرض الوطن، ليصبح إيماننا بدور المدرسة الرسمية على الصعيد الوطني أقوى من إيماننا بدورها في تأمين العلم والمعرفة. وإذا كان الإصلاح بحاجة إلى الإيمان فأننا نؤمن أنّ التربية الوطنية قادرة على تحويل لبنان إلى مجتمع متطور مُبدع وسبّاق في المجالات العلمية والثقافية والوطنية.
ولا نذيع سرّاً عندما نتكلم عن نهم مسؤولي المدارس للحصول على نسبة نجاح مئة في المئة في امتحانات الشهادات الرسمية، ويجاريهم في ذلك الأهل والمسؤولون على مستوى المناطق التربوية والإدارة المركزية. إنّ التربويين يتحمّلون المسؤولية الكبرى عن إفراغ التعليم من جوهره بسبب إغداق الأوسمة وإعطاء الأهمية الكبرى لحصول المدارس على نسب نجاح 100 في المئة.
وهنا تكمن المشكلة الكبرى، حيث يصبح شغل المدرسة الشاغل وهدفها الأسمى هو الحصول على هذه النسبة، على حساب باقي الصفوف المدرسية، فتبدأ عملية تصفية الحساب مع التلامذة الذين ينجحون بمعدّل الوسط، حيث يصدر بحقهم قرارٌ دكتاتوريٌ ينصُّ على إبقائهم في الصف الثامن، وذلك تحت طائلة فقدان النسبة المئوية المقدسة! ثم يبدأ العمل على حشوِّ رؤوس التلامذة بالمعلومات التي تؤمّن لهم العلامات في الإمتحانات الرسمية متعهّدين بنسيانها فور الحصول على النتيجة! بالإضافة إلى أنّ بعض المدارس تبدأ بتدريس مواد السنة المنهجية التاسعة في صفي الثامن والسابع! ضاربةً بعرض الحائط مبدأ التراكم العلمي الذي يجعل معلومات التلميذ تتراكم حلزونياً، حيث تضاف معلومات الصف السابق إلى معلومات الصف الحالي وهكذا دواليك حتى نهاية التعليم!. فاصبحنا نعلّم على مبدأ: “احصل على نتيجة 100 في المئة وخُذ ما يُدهِش العالم”! ناهيك عن التوصيات التي يتوسّلها بعض مدراء المدارس من مراقبي ومصحّحي الإمتحانات الرسمية بتلامذتهم! متناسين أنّ الأوسمة تستحق لمَنْ يُربّي ضعيفاً
ويُنشئه تنشئةً صالحة ليوصله إلى درجة النجّاح، وليس لمَن يرشُّح للإمتحانات الرسمية التلامذة المتفوقين أصلاً ليفتخر بنتائجهم! ولمَنْ يجعل التلميذ محلّلاً مستخلصاً مبدعاً وقادراًعلى تخزين المعلومات وترسيخها واسترجاعها عند الحاجة! هذا التلميذ الذي نريد، ولا قيمة للنسب المئوية المفبركة بذاكرة مؤقتة سرعان ما تزول فور صدور النتائج!.
لذا نُحذِّر من خطورة اللّهاث وراء تلك النسب البرّاقة! فنحن بحاجة لتلميذٍ محلّلٍ ولسنا بحاجة لآلة تسجيلٍ بذاكرة مؤقتة!.
واستكمالاً لمبدأ “بالتربية نبني”، نقول: “على مقاعد الدراسة تُبنَى الأوطان”.
[/su_spoiler]
[/su_accordion]