الإثنين, كانون الثاني 6, 2025

اشترك معنا للاطلاع والحصول على أحدث المقالات والأعداد

الإثنين, كانون الثاني 6, 2025

اشترك معنا للاطلاع والحصول على أحدث المقالات والأعداد

بحث ..

  • الكاتب

  • الموضوع

  • العدد

النَّبيُّ حزقيال

وَرَدَ في التاريخ القديم ذكرُ نَبِيّين يحملان هذا الاسم الكريم وهما حزقيال الأوّل وحزقيال الثاني. أمّا حزقيال الأوّل فمدفنه بلدة بثينة كرَك نوح، كما يشير إلى ذلك صاحب كتاب عمدة العارفين.

أمّا حزقيال الثاني، والذي نحن بصدد تاريخه، فمدفنه ومزاره بلدة بلاط قضاء مرجعيون وهي من قرى وادي التيم جغرافياً وقداسة. وهو صاحب السِّفر الثالث والذي يذكرُ فيه حِكَماً طبيعيّة وفلكيّة مرموزة، وكذلك شكل البيت المقدس وأخبار ياجوج وماجوج. وحزقيال هذا كان في جملة سبايا بني إسرائيل أيام الملك نبوخذ نصر وعددهم، كما يُقال، نحو 70 ألفاً، إذ أقام بينهم وتنبّأ فيهم نحو عشرين سنة بأمر الله تعالى حيث أمرَهم بالمعروف ونهاهم عن المنكر فأجاب البعض وصدّقه الأقلّ وصدّ عنه وكذّبه الأكثر، فلما ألحّ عليهم بالإنذار وبالغ في النّصح ردّوا كلمته وخالفوه واقتحموا عليه، فقتلوه، ولم يتعظوا بما صار عليهم ولا خافوا الله لفعلتهم.

ومن الأقوال المنسوبة للنّبيّ حزقيال: «مَن أهانَ وليّاً فقد بارزني بالمحاربة وأنا أسرعُ إلى نصرة عبيدي وأوليائي. وإنّ من عبادي من لا يصلحُ إيمانه إلاّ بالغنى ولو أفقرتُهُ لأفسدتُ عليه دينه. وإن من عبادي المؤمنين من لو سألني الجنة لأعطيته ولو سألني الدّنيا غلافة سوطٍ لم أعطه. وما تقرّب إليّ عبدي بشيء أفضل ممّا افترضت عليه ولم يزل يتقرّب إليّ بالنّوافل حتى أحبّهُ، فإذا أحببتهُ كنتُ سمعه الذي يسمعُ به وبصرهُ الذي يُبصرُ به، ولسانه الذي ينطقُ به، وقلبهُ الذي يعقلُ به، ويدهُ التي يبطشُ بها، وإن دعاني أجبتهُ وأن سألني أعطيته».

أمّا مزاره ومدفنه في بلدة بلاط فقد تداعت الدولة العثمانية إلى ترميمه أواسط القرن الثامن عشر وكان المتعهد لبنائه من آل ملاعب (جبّ حسيكة) من بلدة بيصور. وهنا ما يدعو إلى الاستغراب والاستهجان أنّه ما كان يبنيه في النّهار يُهدم في الليل إلى أن احتار من أمرهِ وفِكرهِ، وما العمل، ومن الذي يُقدم على ذلك! ممّا حمله على النّوم قرب المقام ليلاً وإذ به يسمع صوت ريحٍ قويّة ترتدّ على الحائط فترميه أرضاً.

في اليوم التالي بعد أن استشار العديد من المقيمين كانت إجاباتهم: ما لكَ سوى الأتقياء من المشايخ وخصوصاً مشايخ الأزهر الشّريف (خلوات البيّاضة). لهذا ذهب إليهم واستشارهم بعدما أبلغهم بما حدث معه وما العمل لإنجاز البناء.

المشايخ الثقات كانت إجابتهم: من أين تأخذ إيجارك لقاء البناء؟ أجاب من أموال الدولة العَليّة أي الدولة العثمانية الحاكمة آنذاك.
هنا افترّ ثغر أحد كبار المشايخ قائلاً: يا بُني ألا تعلم أن أموال السلطان ودار ضرب العملة محرّمة عند أبناء التوحيد، فكيف يكون لقاء بدل ثمن لبناء مكان مقدس لنبيّ مكرّم فذاك لا يجوز مطلقاً.

ألا تعلم كم من ظُلمٍ وتعسّفٍ وإرهاقٍ لأبناء الشّعب عند تحصيل هذه الأموال؟
ألا تعلم أنه لا يدوم ولا يصحّ سوى الأموال الحلال وأنه منها يكون ترميم وبناء دور العبادة والمقامات وحتى بيوت الصالحين والمؤمنين؟

استغفر معلّم البناء من حضرات المشايخ ثم وعدهم أنه سيبنيه دون أي مقابل، غير أنه في النهاية لربما أغوته إحدى نساء تلك القرية فتزوّج منها ثم اعتنق المذهب الشيعي وذريَّته لتاريخ اليوم لم تزل في بلدة بلاط وهم يتبادلون الزيارات مع أقاربهم في البلدة الأم بيصور. وهذا المقام يُزار حالياً من جميع المذاهب، وأنا شخصيّاً وقد أصبحت في أواخر العقد الثامن من العمر أتذكّر كيف كان أهلنا فيما مضى من بلدة الفرديس وكيف كانوا يوفون النذور إلى المقام الشريف والسعي المبرور حيث يذهب جميع أبناء البلدة سيراً على الأقدام أو ركوباً على المطايا من الدواب والخيول وينامون هناك. وكانت تُقام حلقات الذّكر أوّلاً ثم الطعام والموائد العامرة من أصحاب النذور، ثم يُعْمَدُ إلى المنذور فيعتلي فرساً ويدور الجميع معه حول المقام ثلاث دورات والرجال يرفعون عقيرتهم بالحداء وكذلك النسوة، وممّا أتذكره من الحداء :
جينا نزورك يا حزقيل بين بلاط وبين دبّين
يا ربّي تحرس مَزْيـــَــد وثبّتنا عَ المحبة واليقين

بحلول منتصف القرن الماضي تولّى إدارة المقام المرحوم الشيخ سليمان ذياب من قِبَل خلوات البياضة المشرفة عليه صيانةً وتجهيزاً وبناءً، إذ أصبح المقام المذكور وما يحيط به من باحاتٍ وحدائق ومطابخ وقاعات تليق وتتسع لأكبر عدد من الزوّار حضوراً وإقامة.

يتوسّط ذلك المقام سنديانة مُعمّرة لربما عمرها من عمر المعبد التاريخي. وممّا يلفت النظر أنّه عام 1982 عندما احتَلّت بلادنا دولة إسرائيل عمد خبراءُ الآثار والحاخامون منهم إلى نبش النواويس التي حوله ومنها ناووس لم يزل ظاهراً للجميع وهو محفور في الصخر بشكل دائري ويحتوي على ثمانِية مدافن في الصخر ذاته ولا نعلم ماذا وجدوا وكيف اهتدوا إلى ذلك، وهذا ما يرويه أبناء تلك القرية..!

(من كتاب وادي التيم أرض القداسة، قيد التأليف لمؤلّفه غالب سليقه).


المراجع:

1- كتاب عمدة العارفين.
2- كتاب تاريخ حاصبيا وما إليها.
3- كتاب مع الأنبياء.
4- أقوال بالتواتر من بعض المعمرين.

مشاركة المقال

التعليقات

Leave a Reply

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اترك تعليقاً

Leave a Reply

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

المقالات ذات صلة

السابق
التالي