الأحد, شباط 23, 2025

اشترك معنا للاطلاع والحصول على أحدث المقالات والأعداد

الأحد, شباط 23, 2025

اشترك معنا للاطلاع والحصول على أحدث المقالات والأعداد

بحث ..

  • الكاتب

  • الموضوع

  • العدد

اوقاف الموحدين

أوقاف الموحدين
الــــــــــــــــــــــــدروز

النشــوء . الإدارة . الواقــع والمرتجــى

الموحِّدون الدروز أقل الناس وقفا لأملاكهم
والكلام عن ثروة هائلة للوقف يخالف الواقع

يَعتبر الموحِّدون الدروز الوقف من الواجبات الدينية والاجتماعية، ومن الضرورات لخدمة المجتمع وتقديم العون للفقراء والمحتاجين، وأحد الأدلّة على التعاطف الإنساني، وعلى التضامن الأخوي الذي يحرصون عليه؛ وخصوصاً رجال الدين منهم. ومجال الصدقات عندهم واسع لأنهم أحرار بالإيصاء لغير وارث كما لوارث، وبكل التركة أو ببعضها في جميع سبل الخير والمنفعة العامة. وتخضع شؤون الوقف عند الموحِّدين (الدروز) لأحكام الشرع الإسلامي، وهم متمشُّون على الحديث النبوي الشريف بشأن أهمية الصدقة الجارية في دوام ذكر الإنسان بعد وفاته، وهذا الحديث مدرج في وصايا الواقفين إِمَّا بنصِّه الحرفي أو بمضمونه.
لكنّ الموحِّدين (الدروز) هم أقلُّ الجماعات الدينية الرئيسية وقفاً، وأن أكثرية أوقافهم هي من أشخاص لا ورثة لهم، وأنها تتنوَّع تبعًا لمقاصدهم، فمنها ما هو وقفٌ على ذرِّيّتهم، ويخصّ أعقابهم وأعقاب أعقابهم، وأعقاب أعقاب أعقابهم. ومنها ما هو وقفٌ للخير العامّ، ومنها ما يخصَّص للمجلس والخلوة.

قدسية الوقف
يعتبر الموحِّدون (الدّروز) الموقوف من المحرَّمات التي لا يجوز المسُّ بها، والتطاول عليها، لأن في ذلك إثماً كبيراً ومدعاةً لإنزال غضب الله على الفاعل. والوقف، في نظرهم، هو بحماية الله أكثر مما هو بحماية الناس، وهو تعالى يدافع عنه، ويعرِّض المعتدي عليه لعقابه السماوي إضافة إلى العقاب الأرضي. والدّروز يستشهدون في ذلك ببيوت وأُسَر انقرضت، أو افتقرت، أو تدنَّى شأنها، لأن الأجداد من أبنائها تعدَّوا على الوقف. لذا يحاذر الكثيرون الانتفاع مما يتلف من الوقف كأغصان أشجار حطّمتها العواصف أو الثلوج، ولو بمقابل ثمن، ولذا يحرص أكثر الأمناء والوكلاء والنظَّار على الأوقاف، على التقيُّد بشروط الواقف بحذافيرها وتفاصيلها، والمحافظة على عين الوقف، والعمل على زيادة ريعه وحسن توزيعه، وذلك تبرئةً للذمَّة وإراحةً للضمير وطلباً لرضا الله تعالى.

الوقف في الشَّرع والقانون
قوام الوقف في الشرع ركنان هما الحبس والتأبيد. فمتى حبس الواقف العين عن التملُّك، وأبَّد الحبس بالتقييد إلى جهة لا تنقطع أصبح الوقف مبرماً، وأضحت العين محبوسة شرعاً، ولا يمكن تحريرها من قيد الوقف ورجوعها ملكاً صرفاً كما كانت، لأن الشرع صانها للجهة الموقوفة عليها من تصرُّف الانتقال والتمليك. وبمجرد أن توقف العين للمنفعة العامة تخرج من ملكية الواقف ولا تدخل في ملكية ورثته، ولا في ملكية أحد من الناس، وتصبح في حكم ملك الله، إلاَّ أن هذا لا ينطبق على الوقف الذرّي واقعاً وقانونا.
وحكم الوقف في القانون “أنه عمل قانوني صادر عن فريق واحد، ويُدعى في اللغة إسقاطاً. وهو تامّ بمجرد صدوره عن إرادة الواقف مستوفياً الشروط، فلا حاجة لقبوله من أحد لكي يصبح صحيحاً”1. وقد اختلف الفقهاء في مختلف العصور على الشروط العشرة العامة للوقف، وهي الزيادة، والنقصان، والإدخال، والإخراج، والإعطاء، والحرمان، والتغيير، والتبديل، والبدل، والإستبدال، ويلحق بها التخصيص والتفصيل.
إن مسائل الوقف الإسلامي متشعِّبة جداً نظراً لاختلاف المذاهب والفتاوى فيها، وللاختلاف حتى في المذهب الواحد، لأنه ليس هناك نصٌّ على الوقف في القرآن الكريم. وقد ازدادت مسائل الوقف تشعُّبًا مع اختلاف الأيام والأحوال، وظلَّ الاعتماد الأوّل فيها على مصادر الشرع الإسلامي، وعلى اجتهادات الفقهاء وأعمال الخلفاء والأمراء وسابقاتهم التي بقيت بعض آثارها إلى يومنا الحاضر. ثم تجاوُباً مع مقتضيات التطبيقات العملية للأوقاف صدرت في العصور اللاحقة المختلفة قوانين وأنظمة، وقرارات ومنشورات، وتعديلات عديدة “ففي لبنان، مثلاُ، نرى إلى جانب الفقه الحنفي أنظمة عثمانية، ثم قرارات انتدابيّة فرنسية، ثم لبنانية رسمية، ثم استقلالية صادرة عن المجلس الشرعي الإسلامي”2.
كانت شؤون الوقف عند الموحِّدين (الدروز) خاضعة للشرع الإسلامي قبل أن توضع القوانين المنظِّمة له، وظلَّت تخضع له في كل ما لم تنصَّ عليه هذه القوانين. والوقفيات التي وصلت إلينا منذ القرن الخامس عشر الميلادي مصدَّقة عند قضاة الشرع الإسلامي في دمشق وبيروت، الذين كان يحقُّ لهم النظر في المسائل والنزاعات المتعلِّقة بها. وحين غدا القضاء الشرعي في جبل لبنان في عهدَي الإمارتَين: المَعنيَّة والشهابية، بأيدِي قضاة من الدروز، كان هؤلاء يحكمون في النزاعات اعتماداً على المذهب الشافعي والمذهب الحنفي في ما يتعلَّق بأهليَّة المتولِّين على الأوقاف والشروط التي يجب أن تتوافر فيهم.
تمتَّع جبل لبنان بإستقلال إداري في عهد المتصرفيَّة فانعكس هذا على وضع الموحِّدين (الدروز) القضائي، فبات عندهم قضاء مذهبي مختص بهم. وبعد أن استقلَّ لبنان صدر قانون الأحوال الشخصية المتعلِّق بهم، في 24 شباط 1948 فبات قضاتهم يحكمون بموجبه وبموجب الشرع الإسلامي في كل ما لم ينصَّ عليه ، أو تنصّ عليه قوانين القضاء المدني.
نصَّت المادة (170) من قانون الأحوال الشخصية للطائفة الدرزية، على ما يلي:
“يرجع في حكم الوقف ولزومه واستبداله واستغلاله والولاية عليه وتعيين مستحقيه وتوزيع ربحه إلى صكوك الوقف أو التعامل الجاري منذ القدم، وإلى الأحكام الشرعية والقوانين النافذة”.
ونصَّت المادة (171) من القانون المذكور على ما يلي:
“في جميع المسائل الداخلة في اختصاص قاضي المذهب، والتي لم يرد عليها نصٌّ خاص في هذا القانون، يطبِّق القاضي المشار إليه أحكام الشرع الإسلامي، المذهب الحنفي، وجميع النصوص القانونية التي لا تتعارض مع الشرع الإسلامي”. وتجري تصفية الوقف الذُّرِّي بحسب المادة (27) من قانون الوقف الذُّرِّي الصادر في 10 آذار 1947، وهذه المادة تنصُّ على ما يلي:
“يفرز عند تقسيم الوقف الذُّرِّي المحض ما يقابل خمسة عشر في المائة لقاء جهة البرِّ المشروطة في الوقف والتي لولاها لما صح الوقف وتُسلَّم إلى الدائرة الوقفية المحلية لتُصرف في وجوه البرِّ العامَّة”، وتوجد أمثلة عديدة عن هذا النوع من الأوقاف.

مقام-النبي-ايوب
مقام-النبي-ايوب

الولاية على الوقف
إن الوقف شخص معنوي يحتاج إلى شخص طبيعي يمثِّله، ويرعى عينه، ويحسن استثماره للمنفعة التي وُقف من أجلها، فيشرف على أملاكه، ويتناول غلاله ويوزِّعها على المستحقين وفق شروط الواقف، وهذا الشخص الطبيعي يُسمَّى المتولِّي، كما يُسمَّى أيضاً الناظر والقيِّم والوكيل.
إن المتولِّي على الوقف هو أوَّلاً واقفه نفسه، ثم الشخص الذي يعيِّنه أو الأشخاص الذين يعيِّنهم، في حجَّة وقفِه. وقد يعيّن الواقف متولِّياً ومشرفاً، وفي هذه الحال لا يحقُّ للمتولِّي أن يتصرَّف في مال الوقف دون أخذ موافقة المشرف. وإذا مات الواقف وله وصيٌّ اختاره، قام هذا الوصي بعد موته بشؤون الوقف. ويحقُّ لكلٍّ من الوصيّ والمتولِّي أن يعيِّن خلَفًا له يدير الوقف بعد موته.
لا يجوز بقاء الوقف دون من يتدبَّر أمره في حال عدم وجود الوصي والوكيل، وفي هذه الحال تعود إدارة الوقف إلى القاضي بما له من الولاية العامَّة. وصلاحيّة القاضي في التولية أضيق من صلاحيَّة الواقف، لأنه لا يحقُّ له تولِيَة أجنبي إذا وُجد بين أقارب الواقف من يصلح للولاية، فيما يجوز ذلك للواقف.
أمَّا أهليّة الولاية على الوقف، أي الشروط التي يجب أن تتوفَّر في الوليِّ، فهي، حسبما تضمَّنَته كتب الفقهاء: أن يكون عاقلاً، أميناً، قادراً، بالغاً (راشداً) إذ لا تجوز تولية المجنون، وإنما تَولِية سليم العقل. ولا تجوز تَولِيَة الخائن، وإنما تولية المشهود له بالأمانة. ولا تجوز تولية العاجز عن القيام بشؤون الوقف، وإنما القادر المُؤهَّل للإشراف عليه، والمحافظة على عينه. ولا تجوز تولية الصغير القاصر لعدم قدرته على التمييز، وإنما تجوز تسميته على أن يتولَّى الوقف حين يبلغ سن الرشد3.
إن الأمور التي ورد ذكرها عن الولاية على الوقف، وشروطها، هي ذاتها عند الموحِّدين (الدروز). وفي وقفيّة الأمير السيد عبد الله التنوخي(ق) –وهي أقدم وقفيَّة وصلَتْنا- دليل على معظم ما ورد عن الوقف والولاية عليه، وشروطها، فقد جاء في وَقْفيّته ما يلي:
“أنشأ الواقف- أي الأمير السيد عبد الله (ق)- وقْفَه هذا على نفسه أيام حياته أبداً ما عاش، ودائماً ما بقي، لا يشاركه فيه مشارك، ولا ينازعه فيه منازع، ولا يتأوَّل عليه متأوِّل، ثم من بعده لمن سيذكرهم، وهم حضرة الجناب العالي المولوي الشريفي الزعيمي الأمير سيف الدين أبي بكر، والشيخ الجليل فخر الأفاضل العالم العلاَّمة الشيخ زين الدين جبرائيل من قرية المعاصر، والشيخ الفاضل مولانا العلاَّمة عماد الدين إسماعيل من عين داره، والشيخ الرئيس الجليل الفضيل أَوْحَد المعتبرين وقدوة العارفين شرف الدين عليّ من قرية الفساقين. فجملة السادة المذكورين جعل لهم النظر في أمر وَقْفِه هذا والتكلُّم عليه والإدخال والإخراج فيه ما جعل لنفسه، ثمَّ من بعدهم جعل النظر للأرشد فالأرشد من مشايخ بلاد الغرب لا ينازعهم فيه منازع، ولا يتأوَّل عليهم متأوِّل”4.
إنَّ لِلَفظَتَي “الراشد والأرشد” –وهما من مشتقات لفظة الرشد الذي هو أحد شروط الولاية على الوقف- مدلولاً مختلفاً عند الموحِّدين (الدروز) عن سائر المسلمين، إذ إنَّ الراشد عندهم هو الرجل العاقل البالغ الدَّيِّن، أي هو المُنضمُّ إلى سلك رجال الدين، والمواظب على القيام بالواجبات الدينية مع أخوانه. والمقصود بلفظَتَي “الراشد فالأرشد” من مشايخ بلاد الغرب: البارزون من رجال الدِّين في هذه البلاد.

نهج الأمير السيد
تمشَّى الموحِّدون (الدروز) على نهج الأمير السيد(ق) في تولية البارزين من رجال الدين على الأوقاف، ذلك أنهم في نظرهم هم، على العموم، أجدر من يتحمَّل الأمانة وينفِّذ شروط الواقف. وظلَّ هذا مرعِيّاً حتى أوائل القرن العشرين حيث أخذ رجال الزمن يحلُّون مكان رجال الدِّين في الولاية على الأوقاف. وفي حال عدم وجود المتولِّي، فإن الولاية تعود إلى قاضي المذهب إلى أن صدر قانون المجلس المذهبي لطائفة الموحدين الدروز عام 1962.
إنَّ بعض متوَلِّي الأوقاف تَجاوزوا شروط الواقف، فباعُوا ورهنوا ما هو محرَّم بيعه ورهنه، وبعضهم وظَّفوا مال الأوقاف في مشاريع أثارت اعتراض رجال الدين كإنشاء عارف النكدي مثلاً، سينما في عاليه، فكان ذلك أحد اعتراضات شيخ العقل محمد أبو شقرا على إدارته للأوقاف. وإن التطور بشكل عامّ وتطوُّر حاجات الدروز بشكل خاص، فرض وضع الأوقاف في وجوه من الخير العامّ لم تكن في زمان الواقف.
كان بعض الناس يتهيَّبون التعاطي في شؤون الوقف بما في ذلك الولاية عليه، ولا يقبلون بها إلاَّ عند الضرورة، أو نزولاً عند طلب الآخرين منهم، وإلحاحهم عليهم، فيما يرى غيرهم ذلك سبيلاً إلى الشهرة والنفوذ ورفعة الشأن، ومنهم من يراه فرصة للاستفادة المادية، وهؤلاء هم الذين أساؤوا الأمانة، وسطَوا على عين الأوقاف وريعها.
إنَّ النظارة العموميّة العليا على الأوقاف هي لشيخ العقل والقاضي، ويتم إشرافهما عليها عبر الوكلاء أو المتولِّين الذين عليهم أن يعودوا إليهما ويقدِّموا كشف حساب، وأن يأخذوا الموافقة على كل إجراء يريدون القيام به كالبيع والشراء والرهن والاستبدال وقد منع القانون الأخير بيع الأوقاف. وظلَّت النظارة العامة على الأوقاف لمشيخة العقل بعد إنشاء المجلس المذهبي، ذلك أنَّ رئيس هذا المجلس هو شيخ العقل الذي من مهامّه الإشراف على عمل لجان المجلس بما في ذلك لجنة الأوقاف ومديرية الأوقاف. وقد بدأ تنظيم الإشراف على الأوقاف منذ سنة 1862، وتَتَالَى لجاناً وهيئات ومجالس ومديرين.

أنواع الوقف
الوقف، بشكل عامّ، أنواع عديدة يختلف بعضها عن بعض بحسب القصد منها، والجهة الموقوفة عليها، ووضعها القانوني، وطبيعتها المادية، ووجوه الانتفاع بها، وأصول التولية عليها، وإدارتها. والأنواع الأساسية للوقف هي، بحسب ما نصَّت عليه المواد: الأولى والثانية والثالثة من قانون الوقف الذُّرِّي الصادر في 10 آذار 1947، ما يلي:
1. الوقف الخيري: وهو ما وقَفَه أصحابه من أملاكهم وأموالهم الخاصة ليُصرف ريعه في وجوه البر والخير والإحسان، كالمساجد والمعابد، والمستشفيات والمعاهد والمدارس ودُور الأيتام والعجزة، والملاجئ والجمعيات. وهذا الوقف بمثابة مُلك لله تعالى من حين إنشائه، لا يُباع ولا يُورث ولا يُوهب ولا يُرهن ولا يُحجز وهذه الامتيازات التي يختصُّ بها تحصّنه ضد مجالات العبث فيه.
2. الوقف الذُّرِّي: وهو ما وقَفَه أصحابه من أملاكهم وأموالهم على ذرِّيّتهم. وهو وقفٌ على الذرِّيَّة، وعلى الغالب على الذكور منهم. وهو لا يصير وقفاً عاماً إلاَّ إذا انقرض المستحقون، وهذا قليلاً ما يحصل. كما أنه، بعكس الوقف الخيري، كان على الصعيد الواقعي معرَّضًا للتصفيات من ذرّيّة الواقف. وقد جاء قانون الوقف الذّرّيّ المشار إليه أعلاه يمنع تأبيده على أكثر من طبقتَين، وأجاز إعادته إلى الواقف وتمليكه وتقسيمه.
3. الوقف المشترك: هو الذي يكون بعضه خيريّاً وبعضه ذرّيّاً، أي إنه وقفٌ مشترك بين الخيري والذرّيّ، تُصرف غلّته على جهة برٍّ محدَّدة كمسجد أو معهد أو ملجأ، وما تبقَّى منها يُصرف للذرّيّة. إنه وقفٌ لم يرد ذكره في كتب الشرع، وتنطبق عليه أحكام قانون الوقف الذرّي.
أمَّا الأوقاف الدرزية، فيمكن تقسيمها إلى قسمين رئيسيَّين، هما الأوقاف الخاصة، والأوقاف العامَّة.
1. الأوقاف الخاصة: ويُقال لها أيضاً الأوقاف الأهليّة، وهي قسمان: الأوقاف الذُّرِّيَّة، والأوقاف العائليَّة.
أ. الأوقاف الذّرّيّة: هي التي يوقفها المرء على ذُرِّيَّته الخاصة من ذكور وإناث، وأقدمُ ما وصل إلينا منها وقفيَّة الشيخ ناصر الدين حمدان المدوَّنة في سنة 1575 5.
ب. الأوقاف العائلية: هي التي يوقفها المرء لصالح عائلة ما بمفهومها الواسع. وهناك نوع جديد من الأوقاف العائليَّة، نشأ مؤخًَّراً،هو بيوت العائلات المخصَّصة للمناسبات العامَّة، وحكمها حكم الأوقاف العامّة، إذ تبقى مخصَّصة لمنفعة أبناء العائلة الذين أُوقِف البيت لمصلحتهم، ولمنفعة ذرياتهم إلى أن يرث الله الأرض وما عليها. وتعود إدارة البيت إلى أشخاص أو لجنة تنفق العائلة عليهم أو عليها، أو إلى جمعية أو رابطة عائلية.
2. الأوقاف العامة: ويُقال لها أيضاً الأوقاف الخيرية، مع العلم أن جميع الأوقاف خيرية. إنها موقوفة للمنفعة العامّة إلى أن يرث الله الأرض وما عليها. وأنواعها البارزة أربعة، هي:
أ. الأوقاف العامَّة للطائفة الدرزية: إنها جميع الأملاك من العقارات والأبنية الموقوفة لصالح الطائفة الدرزية.
ب. الأوقاف التابعة للمقامات الدينية: وهي متعددة، والأموال التي تدخل في صناديقها هي تبرُّعات ونذورات.

• وقْف مقام النبي أيوب:النبي أيوب(ع) من الأنبياء المكرّمين عند الدروز. أُقيم له مقام على هضبة فوق بلدة نيحا (الشُّوف) متفرِّعة من جبل نيحا. حوله مساحة قليلة من الأرض. وهو ومقام النبي شعيب(ع) في فلسطين، ومقام النبي هابيل(ع) في سورية، أهم مقامات الأنبياء عند الدروز. كان دروز نيحا يتفقون على وكيل عليه، ثم بات هذا الأمر من اختصاص مشيخة العقل.
• وقْف المقام الشريف: ويقع في منطقة “شمليخ” عند بداية الطريق الذاهبة من بلدة العزُّونيَّة إلى بلدة شارون وتُشرف عليه عائلات شارون: الصايغ، والأحمدية، والبنَّا، وقد مُسح باسمها. وهي تنفق ما يتجمَّع في صندوقه من التبرُّعات والنُّذورات على تحسينه وصيانته والإشراف عليه، وعلى المساعدات الاجتماعية لأبناء شارون.
• وقْف الأمير السيد عبد الله: سنتكلم عنه لاحقًا خلال الحديث عن أقدم الأوقاف.
• وقْف الست شعوانة: إنها فتاة مؤمنة، هَرَبَت من والدها الظالم، وعاشت متستِّرة بثياب الرجال مع عُبَّاد منقطعين لعبادة الله. عُرفت حقيقتها بعد موتها، وصار الناس يضعون النُّذورات على حجارة قبرها البسيط في محلَّة “الصّعلوك” في السفح الشرقي لجبل الباروك، إلى الجنوب من بلدة قب الياس. أقام لها الشيخ ملحم قبلان كرامي مقاماً دشَّنه شيخ العقل محمد أبو شقرا في 29 أيلول 1967، واهتمَّ به في البداية الشيخ ملحم مع الشيخ خطار زهر الدين. ثم زِيد البناء، وقدَّم النائب جوزف سكاف قطعة أرض محيطة به، وجرى مؤخَّراً شراء قطعة أرض واسعة بجانبه، وهو اليوم بإشراف لجنة الأوقاف ومديريَّة الأوقاف في المجلس المذهبي.
ج. الأوقاف العامَّة لصالح القرى: وهي ما أُوقف لصالح دروز قرية من القرى المأهولة بالموحِّدين (الدروز)، ومنها مؤخَّراً بيوت القرى المشادة للمناسبات العامّة، وحكمها حكم بيوت العائلات التي جرى الحديث عنها. وأشهر الأوقاف العامة لصالح القرى:
• وقْف الست زهر أبو اللمع (1737- 1813م): هي ابنة الأمير منصور ابن الأمير مراد أبو اللمع. ظلَّت على مذهب التوحيد بعد تنصُّر أقربائها. وقفت كل ما تملكه في صليما والبقاع لعائلتَي المصري وسعيد في صليما. وقد تقاسمت هاتان العائلتان مناصفةً الأملاك الموجودة في صليما بعد زوال الأملاك في البقاع، وشُكّلت لجنة من كلٍّ منهما تضمُّ وجوه العائلة للإشراف على الوقف.
• وقف دروز بلدة المتين ويوجد وثائق تشير انه وقف مسجد المتين: هو من الأملاك التي وقفتها لصالحهم إحدى الأميرات من آل أبو اللمع، فيما وقفت شقيقتها أملاكها، الموازية في مساحتها لما وقفَتْه هي، إلى دير مار مخايل في بنابيل. ووقْف دروز بلدة المتين كان كوقْف صليما من أوسع أوقاف القرى. أُقيم عليه مؤخَّراً بناء “الخلية” المخصَّصة للمآتم، والصالة المخصَّصة للأفراح، ويتبعه عقارات موجودة في الزعرور (محلَّة الحبش).
د. الأوقاف المحدَّدة لغاية معيَّنة، مثل وقْف نبيهة وعبد الله النَّجّار للتعليم العالي.
ه. كما يوجد العديد من الوقوفات على معابد القرى.

مبنى معهد العلوم والتكنولوجيا في عبيه
مبنى معهد العلوم والتكنولوجيا في عبيه

أقدم الأوقاف العامة (وقْف الأمير السيد عبد الله)
الأمير جمال الدين عبد الله، الملقَّب بالأمير السيد (ق) ،هو من الأمراء البحتريين التنوخيين، المتسلسل في نسبه “إلى الأمير جمال الدين حجى ابن أمير الغرب التنوخي الجميهري اللخمي” حسبما جاء في وصيته. وهو أهمّ علماء وأولياء ورؤساء الموحِّدين (الدروز) الروحيِّين. وقد وقف ما يملكه بوصية أو وقْفيَّة، مؤرَّخة في 21 جمادى الآخرة من سنة 820 هـ (5 آب 1417م) مصدَّقة بحضوره من قاضي الشّرع في دمشق في 6 صفر 822 هـ (4 آذار 1419م) ومن قاضي الشرع في بيروت في شهر شوال 822 هـ (تشرين الأول 1419م)6.
وقَفَ الأمير السيد (ق) ما عنده من أبنية في بلدته عبيه، وهي الحارة تحت العين والمساكن، والحارة الكبيرة الفوقا، وأملاكه البعلية، والمروية، والمشجَّرة، وهي في مدينة “بيروت المحروسة”، ومزرعة خلدة، وعرمون، ومنطقة اليهودية التابعة حاليّاً لبشامون، وعبيه، وعين درافيل، والبون (المشرف حاليّاً)، وجسر القاضي، وبعورته، ورمطون، وكفر زبيد.
وخصّص الأمير السيد ما ورد ذكره من أوقاف إلى “الفقراء والمساكين والأرامل المنقطعين من المسلمين أهل الصلاح والعفَّة والدين، من أهالي قرايا بلاد الغرب”. أمَّا وجوه الإنفاق، فهي إطعام طعام، وتفريق خبز، وفكّ أسير، وخلاص مسجون، وعمارة سبيل، والقيام بمصالح الجوامع في بلاد الغرب، والإنفاق على الفقهاء وعلى الكتَّاب الذين “يعلِّمون الكتاب والسُّنَّة وتلاوة القرآن”. ثم خصَّ الأمير السيد في وصيَّة خاصَّة أشخاصاً محدَّدين بصدقات من ماله ومقتنياته وغلال أملاكه.
سمَّى الأمير السيد أربعة نظَّار على وقْفه، وقد تَوالى النظَّار على وقْف الأمير السيد وفْق شروطه فكانوا من الأرشد من بلاد الغرب، وحافظ الأوائل منهم على الوقف لكن من خلفوهم تهاونوا في ذلك أو عجزوا عنه، وربما امتدَّت أيادي بعضهم إليه، كما امتدَّت إليه أيادي الأمراء الشهابيِّين. وهذا موجز عنه أورده متسلِّمه عارف النكدي في مجلة الضحى:
“الوقف الذي وقفه سيدنا الأمير استولى عليه الشهابيون في جملة ما استولوا عليه من أملاك التنوخيين، أمَّا ما تسلَّمناه نحن فليس فيه شيء من الوقف الأصلي، وإنما هو يتألف:
أ. من مجموعة قطع متفرِّقة أوصى بها بعض المحسنين.
ب. مما اشتراه جدُّنا سليم بك في ولايته الطويلة على الوقف ، ومن قطعتين اشتراهما بعده جدّنا سعيد بك.
ج. مما بيَّنَّاه نحن واشتريناه بإسم هذا الوقف”7.
وفي مكان آخر يقول عارف النكدي ما يلي: “الوقف التنوخي، بالتسمية التي أطلقناها عليه مؤخَّراً، أو “وقف السيد” كما كان معروفاً من قبل، وقفٌ أنشأه الأمير السيد ونُسب إليه”. ثم يعيد النكدي ما ذكره عن استيلاء الشهابيين على هذا الوقف وعلى أملاك التنوخيين، ويضيف قائلاً: “ثم عاد بعض المحسنين، من الفقراء الأتقياء، فأوصَوا لمقام الأمير السيد، بقطع من الأرض، كانت غلَّتها، مع ما يجتمع إليه من النُّذور، تقوم على ضآلتها بنفقات المقام”8.
وفي رأينا أن عارف النكدي قلَّل من أملاك الوقف التنوخي عند إنشائه، وقلَّل منها بعد ذلك ، كما يبدو من وقوعات المجلس المذهبي المنشأ في سنة 1962.

أكبر الأوقاف العامَّة (وقْف الشيخ أحمد أمين الدين)
كان الشيخ أحمد أمين الدين (…- 1809) شيخ عقل الموحِّدين (الدروز)، وهو يعود في النسب إلى الشيخ بدر الدين حسن العنداري، شيخ مشايخ الدروز زمن الأمير فخر الدين المعني الثاني. وقد تميَّز بالتقوى وإشاعة الخير والوفاق بين الناس، ولقَّبه الأمير بشير الشهابي الثاني بـ”الشيخ الرضي”. كانت أملاكه منتشرة في تسع قرى، وقد وقَفَها كلها مع سائر ما يملك للخير العام في وصيته (وقْفيّته) المؤرَّخة في العشر الأخير من رجب سنة 1218 هـ (تشرين الأول 1803م). وجاء في هذه الوقفية أنّ ما وقَفَه هو “وقْف مؤبَّد كلما مرَّ عليه زمان أكَّده، وكلما أتى عليه عصر ثبَّته، لا يغيِّره مرور الأيام والشهور، ولا الأعوام والدهور”.
وقفَ الشيخ أحمد أمين الدين حارته (بيته) “وقفاً مثبَّتاً لأهل الخير، مستمرًّا جريانه كما هو في وجوده إلى أن يرث الله الأرض وما عليها، منهلاً إلى كل من يلفي إليها من أجاويد [رجال الدين] عبيه وغيرها، غريباً أم قريباً”، على أن يكون ما فيها وقف يتبع المجلس. ووقَفَ لحارته وللمجلس وللخلوة غلالَ عقارات كثيرة، ووزَّع ماله وأملاكه وغلالها بشكل لم يسبقه أو يعقبه مثيل، إذ شكَّلت خيراً عاماً مستداماً، ولا تزال، لجميع الموحِّدين (الدروز)، وشملت حسناته ما يلي:
• القرى: عبيه- البنّيه- عين عنوب- عاليه- بعذران- الرملية- بشامون- كفرمتى- بعورته. وهي القرى التي كانت توجد أملاك الشيخ أحمد فيها.
• الخلوات: 27 خلوة.
• المجالس: 42 مجلساً.
• المقامات: (مقامان).
• مجموعات الإخوان، أي أخوان الشيخ أحمد أمين الدين من رجال الدين: 42 مجموعة.
• الأشخاص: 144 شخصاً.
سمّى الشيخ أحمد أمين الدين الوكلاء على الحارة والمجلس والخلوة والأملاك وجعل الوكلاء من نخبة رجال الدين، وأوصى أن يكون نظر الشيخ بشير جنبلاط على الوكلاء للذبِّ عنهم. فالولاية على الوقف لا ينهض بها إلاَّ القوي الأمين، وهذا بدوره يحتاج إلى نظر مقاطعجي المنطقة أو أهم مقاطعجيّي الدروز، الذي كان في زمن الشيخ أحمد قريبه الشيخ بشير جنبلاط، وهو الزمن الذي كثرت فيه مصادرة الأمراء الشهابيين لأملاك الدروز لأسباب مختلفة.
ومن المعروف أن بناء مدرسة الداودية الأساسي التي عرفت في ما بعد بـمدرسة الحكمة تمّ بناؤه من أموال وقف الشيخ أحمد أمين الدين، وضُمّت إليها أراض سجلت بإسم وقف المدرسة الداودية. كما يوجد في بلدة عبيه مقام وخلوة الشيخ أحمد أمين الدين، أما أراضي بلدة البنية فقد مُسحت في عهدة لجنة الأوقاف الحالية مشيرة إلى وصية الشيخ أحمد أمين الدين.

أوقاف خلوات البيَّاضة
تقع خلوات البيَّاضة في خراج بلدة حاصبيا، وإلى الجنوب منها، وإسمها مشتق من بياض عمائم الشيوخ الكثيرين الذين يقيمون فيها. تعود نشأتها إلى أواسط القرن الثامن عشر حين أسَّس الشيخ سيف الدين شعيب أوّل خلوة لتدريس المريدين الذين يرغبون بالإنضمام إلى سلْك رجال الدين. وقد اختار مكان الخلوة على سفح إحدى التلال البعيدة نسبيّاً عن حاصبيَّا، ليتاح له التعبُّد وتعليم المريدين بعيداً عن ضوضاء الناس، وفي أجواء السكون والهدوء. ومع الزمن صارت الخلوة خلوات، وغدت منذ أواسط القرن التاسع عشر “أشهر أماكن الدروز المقدَّسة” حسبما قال عنها الرحَّالة الأوروبي إدوار روبنصون9. وغدا عددها مؤخَّراً 52 خلوة، ذات بناء متواضع جدّاً، موزَّعة على الشكل التالي: 31 خلوة بأسماء الأشخاص المتبرِّعين بالبناء، 11 خلوة بأسماء العائلات، 3 خلوات بأسماء القرى، 7 خلوات بأسماء مناطق لبنانية وسورية وفلسطينية.
أُوقِفَت لخلوات البيَّاضة العقارات التي كثر عددها مع الزمن حتى بلغت 278 عقاراً، أكثرها ريعاً تلك التي أوقفها الشيخ أمين شمس وزوجته الست نايفة جنبلاط، ابنة الشيخ بشير جنبلاط، التي لها خلوة بإسمها. وهذه العقارات تغطِّي قسماً قليلاً من النفقات فيما تغطِّي القسمَ الأكبرَ منها نذوراتُ المؤمنين، وتبرُّعاتهم المدرجة في وصاياهم.
تَوالَى على إدارة الشؤون الدينية للخلوات سُوَّاس عديدون، وتَولَّى شيخ مسؤول الإدارة العملية الممثَّلة باستقبال الضيوف والمريدين والاهتمام بشؤونهم وإدارة الأملاك والتصرُّف بالموجودات. وتمثَّلَت الإدارة الدينية خلال عقود عدَّة بشيخ واحد، لكنها حاليّاً ممثَّلة بهيئة دينية 10 وقد استطاعت هذه الإدارة، بوحدانيتها أو بتعدديتها، تجديد نفسها بناءً على الأعراف والتقاليد، والكفاءة، وبطريقة تحفظ التوازن المطلوب.
مما ورد ذكره يظهر أنّ لخلوات البيَّاضة خصوصيَّة معيَّنة جعلَتْها تتميَّز عن سائر أماكن العبادة عند الموحِّدين (الدروز)، لذا استُثْنِيَت أوقافها من إشراف المجلس المذهبي المنشأ بموجب القانون الصادر في 13 تموز 1962، وأُبقيت بيد شيوخها، ثم استُثنِيَت في جميع مشاريع القوانين المطروحة لإنشاء المجلس المذهبي ولانتخاب شيخ العقل.
ثم استُثنِيَت أوقاف خلوات البيَّاضة في جميع مشاريع القوانين المطروحة لإنشاء المجلس المذهبي ولانتخاب شيخ العقل. واستُثنِيَت من إشراف اللجنة المعيَّنة من مقام مشيخة العقل بتاريخ 17 آب 1999، ومن إشراف مجلس أمناء الأوقاف المنشأ بموجب القانون الصادر في 18/12/1999. كما استُثنِيَت أخيراً من إشراف المجلس المذهبي ومشيخة العقل في قانون تنظيم شؤون طائفة الموحِّدين الدروز، الصادر بتاريخ 9/6/2006 ثم استُثنِيَت أوقاف خلوات البيَّاضة في جميع مشاريع القوانين المطروحة لإنشاء المجلس المذهبي ولانتخاب شيخ العقل، واستُثنِيَت من إشراف اللجنة المعيَّنة من مقام مشيخة العقل بتاريخ 17 آب 1999، ومن إشراف مجلس أمناء الأوقاف المنشأ بموجب القانون الصادر في 18/12/1999. كما استُثنِيَت أخيراً من إشراف المجلس المذهبي ومشيخة العقل في قانون تنظيم شؤون طائفة الموحِّدين الدروز، الصادر بتاريخ 9/6/2006.
الأوقاف الدرزية في بيروت
الأوقاف الدرزية في بيروت هي 11 عقاراً، مجموع مساحاتها 41.657 متر مربّع، منها عقار جعل مجلساً لدروز جبل لبنان بعد الحوادث الطائفيّة التي جرَت في سنة 1860، وهو معروف بإسم “مجلس القنطاري”. أصغر هذه العقارات عقاران، مساحة الأول 29 متراً مربّعاً، والثاني 32 متراً مربّعاً. وأكبرها عقار بقي من مساحته، التي كانت كبيرة، 36426 متراً مربَّعاً، الواقع في محلَّة “المصيطبة” رقمه 2046، وهو معروف بعدَّة أسماء هي: مقبرة الدروز، وتربة الدروز، وتلّة الدروز، ودار الطائفة الدرزية. والإسم الأخير هو المتداول حين اكتمل بناء دار الطائفة، ودُشِّن في سنة 1965، وصار مقرّاً لمشيخة العقل والمجلس المذهبي وبعض الهيئات، ومكاناً للإستقبالات والاجتماعات.
وبالرغم من صغر مساحة “تربة الدروز”، فإنها تستأهل بحثاً خاصاً يتناول كيفيّة نشوئها، والنزاعات حولها، ورمزيتها، وأهمية عقارها الذي هو اليوم أفضل العقارات في مجال الاستثمار، إضافة إلى أهمية دار الطائفة التي قامت على هذا العقار.
يلي هذا العقار عدة عقارات تعرف بإسم المدرسة المعنية مساحتها حوالي 5000 متر مربع.

إدارة الأوقاف العامَّة
الأوقاف العامّة شأن مهمّ من شؤون الموحِّدين (الدروز)، جرى الإشراف عليها بحسب الأعراف والتقاليد، كما بدأ تنظيمها منذ سنة 1862 بشكل مستقل أحياناً عن سائر الشؤون، وأحياناً أخرى في إطار تنظيم مشيخة العقل والمجلس المذهبي حيث وُضعت بإشرافهما. لقد كانت الأوقاف أحد عناوين الصراع في الأوساط الدرزية، كما كانت في الوقت نفسه أحد أسلحة هذا الصراع. ويمكن تلخيص أبرز الخطوات التنظيمية لها بما يلي:
• نظام داود باشا الموضوع في سنة 1862، وهو يتضمَّن اثني عشر بنداً تنصُّ على تغطية نفقات المدرسة الداودية، المنشأة في السنة نفسها، من إيرادات الأوقاف العمومية، وخاصة وقف الشيخ أحمد أمين الدين كما ذكرنا، باستثناء أوقاف المعابد.
• نظام رستم باشا الموضوع في سنة 1880، والمتضمِّن 37 مادة. وقد حلَّ مكان نظام داود باشا، الذي لم يفضِ إلى تسيير المدرسة الداودية والإشراف على أوقافها كما يجب.
• محاولة إنشاء مجلس ملّيّ في سنة 1921 للاهتمام بشؤون المدرسة الداودية وأوقافها، وذلك بعد تعثُّر المدرسة وإقفالها لسنوات كثيرة جرَّاء عجز ريع الأوقاف المخصَّصة لها عن تغطية نفقاتها، ومردّ ذلك إلى سوء إدارتها والإشراف عليها.
• تولّي عارف النكدي الوقف التنوخي في سنة 1921، وتوليته في سنة 1931 على الأوقّاف العامة من قبل شيخي العقل حسين حماده وحسين طليع، وقاضي المذهب الدرزي ملحم حمدان.
• إنشاء المجلس المذهبي في سنة 1962، برئاسة شيخ العقل، بموجب القانون الصادر في 13 تموز 1962، ومن صلاحياته الإشراف على الأوقاف باستثناء أوقاف خلوات البيَّاضة، وهو يتضمَّن لجنة للأوقاف ومديراً عاماً لهذه الأوقاف، لكن هذا المجلس الذي كان مطلباً لعارف النكدي من أجل إراحته من مهمّة الولاية على الأوقاف، دخل مع النكدي نفسه في نزاع حول إدارة الأوقاف وحول ملكيّة بعضها.
• إدارة خالد جنبلاط للأوقاف لسنتين زمن عمل المجلس المذهبي، بعد المُديرَين محمود أبو خزام ومحمود خليل صعب، واستمراره في إدارتها، بعد انحلال المجلس المذهبي في سنة 1970، حتى وفاته في سنة 1992. ومما تجدر الإشارة إليه هنا هو إنشاؤه قبل وفاته بخمسة أيام لجنة لتدير الأوقاف من بعده، لكن هذه اللجنة لم تمارس عملها بسبب المعارضة لإنشائها.
• اللجنة المؤقَّتة المشكَّلة في سنة 1994 بقرار من محكمة بيروت المذهبية، للحلول مكان دائرة الأوقاف التي كان يرأسها سلمان عبد الخالق، بعد حصول النزاع بينه وبين القائم مقام شيخ العقل الشيخ بهجت غيث.
• إدارة سلمان عبد الخالق للأوقاف بعد وفاة خالد جنبلاط، بصفته أكبر موظَّف في دائرة الأوقاف، واستمراره في ذلك حتى سنة 1994، ثم إدارته لها من سنة 1995 إلى سنة 1999 بصفته مكلَّفاً من رئيس مجلس الوزراء رفيق الحريري بتسيير شؤون مشيخة العقل والأوقاف، وذلك بعد عزل الحريري القائم مقام شيخ العقل الشيخ بهجت غيث عن تسلُّم هذَين الشأنين بموجب القرار الرقم 69/95 بتاريخ 25/10/1995. واستمر بإدارة العديد من أوقاف قضاء عاليه حتى انتخاب المجلس المذهبي عام 2006.
• اللجنة المؤقَّتة المشكَّلة في سنة 1999 بقرار من الشيخ بهجت غيث.
• مجلس أمناء الأوقاف المنشأ في سنة 1999 بموجب المرسوم الرقم 1767 بتاريخ 25/10/1999 بناءً على القانون الرقم 127.
• لجنة الأوقاف ومديريّة الأوقاف المشكَّلتان بموجب قانون تنظيم شؤون طائفة الموحِّدين (الدروز) الصادر في 9/6/2006. وقد تسلَّمَت الأكثرية الساحقة من الأوقاف التي يجب أن تكون بإشرافها.
ومما يجدر ذكره هنا هو أنَّ بعض هيئات الإشراف على الأوقاف هي من نتائج انقسام الدروز حول تنظيم شؤونهم وإدارتها، وأفضل مثال يُعطَى عن ذلك هو إنشاء الإدارة المزدوجة للأوقاف في سنة 1999، والممثَّلة باللجنة المؤقَّتة وبمجلس أمناء الأوقاف. وقد أضاع انقسام الدروز حول تنظيم شؤونهم ومنها الأوقاف الكثير من الفوائد، وكانت خسائرهم تلك كخسائرهم من عدم تنظيم شؤونهم، وخسائرهم من غياب الإشراف الفعَّال على أوقافهم الذي أضاع عليهم بعض مساحاتها وبعض إيراداتها.

أحراج-جسر-القاضي-جزء-من-الإرث-الغني-للأوقاف-الدرزية1
أحراج-جسر-القاضي-جزء-من-الإرث-الغني-للأوقاف-الدرزية1

إحصاء الأوقاف العامَّة
إحصاء الأوقاف حتى سنة 2006: إنَّ أولى المقاربات لعدد عقارات الأوقاف العامّة حصلَت من خلال مقاربة عدد القرى التي توجد فيها، وجاءت في دفاتر ناظر أوقاف المدرسة الداودية: ملحم تقي الدين، ثم في بيانات متولِّي الأوقاف العامة: عارف النكدي.
وعندما تسلَّم الشيخ محمد أبو شقرا مشيخة العقل في صيف 1949 كلَّف المسؤول عن مكتب مشيخة العقل، الشيخ أبو علي سليمان تاج الدين، بتفقُّد المعابد والأوقاف في القرى لجمع المعلومات عنها، وعمَّم بياناً بتسهيل مهمته التي تنحصر بالإطِّلاع والدرس والإحصاء فقط. وأرسل ونظيره الشيخ محمد عبد الصمد رسالة بتاريخ 19/11/1951 إلى قاضي المذهب، الشيخ علي زاكي، يطلبان فيها إحصاء الأوقاف في قضاء راشيَّا وضبطها، وتسليمها لمن يرى أنهم من أهل الأمانة والاستحقاق، بعد أن كثرت الشكاوى الواردة إليهما من قضاء راشيَّا عن الأوقاف11.
وبدأت مجلة “الضحى” بدءاً بعدد تموز 1970، وبتوجيه من الشيخ محمد أبو شقرا، نشر بعض أرقام عقارات الأوقاف الدرزية، في ضوء المعلومات المتوافرة عنها، إضافة إلى ما جرى نشره قبل ذلك وبعده من أرقام عقارات متنازع عليها بين المجلس المذهبي وعارف النكدي.
بعد تكليفها في آب 1999، قامت اللجنة المؤقَّتة للإشراف على الأوقاف بإحصاء سريع لها، أوردتْه في كتيِّب صدر عنها في سنة 2000، وأعادت طبعه في سنة 2005 بعد إضافة عقارات ومعلومات جديدة، وهو يتضمَّن أرقام العقارات وأماكنها، موزَّعة بحسب القرى والمحافظات المأهولة بالموحِّدين (الدروز) كما يتضمَّن جدولاً عاماً بها، وقد بلغ عددها 940 عقاراً، وهو دون العدد الحقيقي.
إحصاء الأوقاف في سنة 2015: أجرت لجنة الأوقاف في المجلس المذهبي، المنتخب بموجب قانون سنة 2006، إحصاءً لعقارات الأوقاف نشرتْه في كتاب بعنوان “أوقاف الموحِّدين الدروز. واقع وحقيقة 2015”. وقد بلغ عدد العقارات في المحفظة الوقفيّة، باستثناء عقارات أوقاف خلوات البيَّاضة وعقارات قليلة لأوقاف غيرها، 1173 عقاراً، موزَّعة على الأقضية والقرى، مع ذكر أرقام العقارات، ومساحة معظمها، الحقيقية أو التقريبية، ومشتملاتها، وإيجاراتها، ونوع استثمارها، والإشكاليَّات حولها، كالنزاعات والدعاوى مثلاً، وذلك بناءً على الواقع وعلى القيود الرسمية والأوراق الثبوتيّة.
إنَّ الإحصاء المذكور هو أيضاً إحصاء غير نهائي، بدليل القول في نهاية كتاب “أوقاف الموحِّدين الدروز”: إنه إحصاء أوَّلي. وهو يشتمل على نوعين من الأوقاف، أولهما أوقاف القرى والعائلات والمعابد والمزارات والمجالس، وعددها 796 عقاراً موجوداً في 73 بلدة وقرية من البلدات والقرى المأهولة بالموحِّدين (الدروز)، وللجنة الأوقاف ومديريّة الأوقاف الإشراف عليها فقط، وثانيهما أوقاف بإدارة لجنة الأوقاف ومديرية الأوقاف ، وعددها 377 عقاراً موجوداً في مدينة بيروت وعشر بلدات فقط، بحسب ما يظهر في الجدول التالي12:

يتبيَّن من الجدول المذكور، الذي يضيء على ثروة الأوقاف وأماكنها، أنّ بلدة البنّيه هي الأولى بعدد عقارات الأوقاف وبمساحاتها، تليها بالعدد والمساحة بلدة عبيه، وتليهما بالمساحة بلدة كفرمتى فبلدة بعورته، والسبب عائد إلى أنَّ الأملاك التي أوقفها الأمير السيد (ق)، المعروفة بالوقف التنوخي، والأملاك التي أوقفها الشيخ أحمد أمين الدين، والمعروفة بوقف المدرسة الداودية، موجودة بأكثريّتها الساحقة في البلدات المذكورة، كما سيتبيَّن لنا من خلال الحديث عن ثروة الأوقاف أنّ ثروة عقارات بيروت هي الأكبر.

ثروة الأوقاف
إن ثروة الأوقاف تختلف من زمن إلى آخر باختلاف الأسعار، واختلاف طرق الاستثمار، وهي لا تتعلَّق بأعداد العقارات وبمساحاتها بقدر ما تتعلَّق بمواقعها، وبمشتملاتها وخصوصاً الأبنية، وبإيرادات إيجارها واستثمارها التي تختلف بين عقود قديمة وعقود جديدة، وبين عقود قصيرة الأمد وعقود طويلة الأمد، كما تتعلَّق بنوع الاستثمار فيها وبوجوهه التي تختلف من سكنية إلى تجارية إلى صناعية إلى زراعية، فريع الأوقاف التي كانت تُستثمر في الزراعة سابقاً هو أفضل بكثير من استثمارها في هذا القطاع حاليّاً، وهي –أي ثروة الأوقاف- تتعلَّق أخيراً بضبط الموارد وعدم التطاول عليها.
جاء في دراسة عن أوقاف المدرسة الداودية، بناءً على دفاتر المحاسبة بين سنتَي 1873 و1889 “أنه يتبيَّن أنّ الأموال الأميرية المدفوعة عن أملاك هذه الأوقاف، كانت قيمتها من حيث المساحة الإنتاجية التقديرية تقارب دراهم أراضي وأملاك البطريركية المارونية خلال فترة عهد المتصرفية والبالغة حوالي 209 دراهم و17 قيراطاً وحبتين، وقد فاقتها في سنة 1880 بحوالي 10 دراهم و16 قيراطاً و8 حبَّات، فوصلت –أي دراهم إنتاج الأراضي الزراعية والمغالق التابعة لأوقاف المدرسة الداودية- إلى 220 درهماً و9 قراريط و10 حبَّات”13.
كان هذا التقدير في زمن انتعاش المدرسة الداودية، وفي زمن استغلال الأوقاف المخصَّصة لها في وجوه الزراعة، وفي زمن كانت فيه المغالق تدرُّ الأرباح، وقد تغيَّر هذا الوضع مع ضعف مردود القطاع الزراعي منذ عهد الانتداب، وانتعاش القطاعين: الصناعي والتجاري، ومع نزوح السكان من الأرياف إلى المدن واشتداد الهجرة إلى الخارج.
ظهر الدروز منذ أواخر القرن التاسع عشر أقل وقفاً من مُساكنيهم المسيحيين في جبل لبنان. فقد كانت أوقاف المسيحيين 25% من مساحة الجبل في أوائل الربع الأوَّل من القرن العشرين14، وبلغت نسبة أوقافهم 26% من مساحة لبنان. فأين هي مساحة أوقاف الدروز من المساحة المذكورة، وممَّ كانوا يملكون؟ إنها لا تبلغ مساحة أوقاف بضعة أديرة من أديرة الرهبانيات المارونية التي بلغت في أواسط القرن التاسع عشر 80 ديراً تمتلك في الفترة نفسها ربع مساحة جبل لبنان بحسب تقدير مبالغ فيه بعض الشيء فيما كانت لا تمتلك شيئاً عند تأسيسها في سنة 1700 15، مع العلم أن نشأة الأوقاف الدرزية تعود إلى ما قبل ذلك بكثير.
وإذا انتقلنا من الزمن الذي غابت فيه الإحصاءات الدقيقة والشاملة لعقارات الأوقاف والبيانات الصحيحة عن المداخيل والمصاريف، وصعُب فيه تقدير الثروة الواقعية والريع الحقيقي، إلى زمننا اليوم حيث أظهر الإحصاء الدقيق الذي أجرته لجنة الأوقاف مؤخَّراً عدد العقارات، وأظهرت البيانات المالية ريع الأوقاف، تتبيَّن لنا ثروة الأوقاف الحقيقية والواقعية، كما يتبيَّن لنا أن الدروز حاليًّا هم أيًًا أقلُّ الطوائف الدينية الرئيسة في ملكيّة الأوقاف وأقلُّها استفادةً منها.
إن عدد أوقاف القرى والعائلات والمقامات والمزارات والخلوات والمجالس هو 796 عقاراً، إيراداتها_ باستثناء القليل منها كالمقامات الشهيرة ومنها مقام النبي أيوب مثلاً_ هي إمَّا معدومة، وإمَّا قليلة بالنسبة إلى مساحتها، إذ من العقارات ما هو مدفن عام، أو خلوة، أو مجلس، أو بناء صغير جدّاً، أو بيت خرب، أو بركة ماء جمع، أو شجرة جوز، أو شجرة زيتون، أو شجرة تين، أو بضعة أغراس من الكرمة، إضافة إلى أن هذه العقارات موجودة في المناطق الجبلية، ومستثمرة في الزراعة، أو هي أراضٍ بُور وسليخ كالعقارات الثلاثة الموجودة في بلدة المتين، والتي هي أكبر عقارات أوقاف القرى، وأكبرها مساحته 55080 متراً مربَّعاً وهو مستَغلٌّ في الزراعة، وثانيها مساحته 53280 متراً مربَّعاً وهو أرض سليخ وبُور، وثالثها مساحته 44680 متراً مربَّعاً، وهو مستغَلٌّ في الزراعة.

عقارات بيروت
إن ثروة الأوقاف، المعوَّل عليها، هي الثروة الكامنة حاليّاً في الأوقاف المستثمرة أو التي معظمها قابل للاستثمار في الوجوه السكنيّة والتجاريّة. وتأتي عقارات مدينة بيروت القليلة العدد والصغيرة المساحة، في المرتبة الأولى ثمناً واستثماراً، وأوّلها العقار الرقم 2046 المعروف حالياً بدار الطائفة الدرزية، إذ تبلغ مساحته 36426 متراً مربَّعاً، وهو يقوم في وسط المدينة، وعلى تخوم منطقة فردان المصنَّفة حاليًّا أفضل المناطق التجارية في لبنان. إنَّ جزءاً صغيراً من هذا العقار أفضل في الوقت الحاضر وأجدى –من حيث الريع_من عقارٍ في كفرمتَّى مساحته 170000 متر مربَّع، هو قطعة أرض سليخ مشجَّرة صنوبراً وأشجاراً برِّيَّة، ضمنها أتونان، ومردودها السنوي الذي هو خمسة ملايين ليرة أقلُّ بكثير من إيجار شهر لمحلٍّ من محالّ العقار الرقم 2046، الواقعة على الشارع العامّ في الاستثمار الجديد.
وإن مجمل الإيرادات المتوقَّعة في ميزانيّة أملاك أوقاف بلدة البنَّيه، التي هي أكبر العقارات المستثمرة (729396 متراً مربَّعاً تقريباً) “تقارب خمسة وستين مليون ليرة سنويّاً”16 وهذا المبلغ يوازي فقط جزءاً قليلاً لا يُذكر من إيراد العقار الرقم 2046 المارّ ذكره بعد تطويره.
لم يبقَ من إيرادات الأوقاف المتواضعة، الواردة في جداول لجنة الأوقاف حتى سنة 2015، سوى نصف مليار ليرة هي مال احتياط غير تشغيلي، مودع في المصارف كأمانة. وبناءً على ذلك، وعلى ما ورد ذكره سابقاً، تظهر ثروة الأوقاف مختلفةً عن صورتها المزعومة عن جهلٍ أو عن تغرّض ضد متسلّميها، أو صورتها البرَّاقة المرسومة في أذهان الموحِّدين (الدروز) التي تظهرها غنيَّة.

المدينة أو البلدة عدد العقارات مساحة العقارات
(بالمتر المربع)

مساحة العقارات
(بالمتر المربع)
عدد العقارات المدينة أو البلدة
41657  11 بيروت
 53787 42 عاليه
 26936 14 الشويفات
 223535  14 بعورته
 363695  62 عبيه
348880 26 كفرمتى
 729396  164 البنّيه
230  1 عيناب
 78351 23 العبادية
222219 19 حاصبيّا
34896  1 راشيا الوادي
 2123582 مترا مربَّعًا 377 عقارًا المجموع

الواقع
مرَّت أوقاف الموحِّدين (الدروز) في مراحل جرَى التقيُّد خلالها بشروط الواقف من حيث التَّوليَة ووجوه الانتفاع، وبالأعراف والتقاليد، وقُيِّض لها مَن أَحسَن الإشراف عليها، وضبَط وارداتها وثمَّرَها، وحافظ على عينها، ومنع التعدِّي عليها، وحصَّل حقوقها. ومقابل ذلك مرَّت منذ القرن التاسع عشر في مراحل عدّة من الفوضى والتسيُّب والإهمال، مما أدَّى إلى هدْر ريعها والتطاول عليها وضياع فرص استثمارها وتحقيق الفوائد المرجوَّة منها، وكانت غالبًا في عهدة مسؤولين ضعفاء لم يستطيعوا الحفاظ عليها وضبْط وارداتها، أو مسؤولين أدخلوها في إطار المحسوبيّات والمحاصصات، أو مسؤولين غير محصَّنين في غياب الرقابة والمحاسبة فغلبت عندهم الأطماع والمصالح الشخصية على المصالح العامَّة، وتعدَّوا على عين الوقف وريعه، وضربوا بعُرض الحائط ما له من قداسة.
ودخلت الأوقاف منذ سنة 1962 مرحلة التنظيم القانوني، وآخرها قانون تنظيم شؤون طائفة الموحِّدين الدروز، الصادر في سنة 2006، وجرى إحصاؤها، وتسلَّم أكثرها، ووُضعت بإدارة لجنة الأوقاف وتحت إشراف المجلس المذهبي الذي يرأسه شيخ العقل، والذي يضمُّ قادة الدروز. لذا يمكن القول إنها دخلت مرحلة التنظيم المؤسَّساتي، ومرحلة الضمانة الأكيدة والموثوقة، التي يؤمّل فيها حُسن الإشراف وحسن الاستغلال، ومرحلة إيجاد الثقة الكاملة، وتوطيدها بين المسؤولين عن الأوقاف وجمهور الموحِّدين الدروز، بحيث تنتهي الإشكاليات والشكوك والشكاوى التي لطالما كثرت حول الأوقاف، وخصوصاً أنّ قانون 2006، وبعكس القوانين السابقة التي تناولت شؤون الموحِّدين (الدروز)، منَع بيع أو شراء أو رهن جميع أو بعض الأوقاف، وأخضَع الاستبدال والإيجار والاستثمار لموافقة المجلس المذهبي، وبشروط معيَّنة. وقد شاء واضِعُو قانون 2006 ذلك ليدحضوا اتهامات معارضيهم، وليزيلوا الشكوك، وليطمئنوا جميع الدروز إلى وضع أوقافهم من سنة 2006 وصاعداً.
جاء في رسالة سماحة شيخ عقل طائفة الموحِّدين الدروز الشيخ نعيم حسن، الواردة في أوَّل كتاب “أوقاف الموحِّدين الدروز. واقع وحقيقة 2015” الصادر عن لجنة الأوقاف برئاسة القاضي عباس الحلبي ما يلي: “نحن بدورنا نستطلع المؤشِّرات التي يمكن استخلاصها بعد مراجعة مضامين الكتاب لنقف بموضوعيّة وواقعيَّة على مآلات هذا المسار، أعني تقييم القدر الصحيح لقدرتنا على التأسيس القانوني السليم لكل نشاط وقفي بهدف العبور من مرحلة “المشاع” المجهول إلى مرحلة البناء في ضوء النهار التي من شأنها إدخال كل ما هو موقوف لدى الطائفة للخير العامّ إلى حيِّز الإنتاجيّة الكبرى التي تعود ثمارها بالنفع على كل مستحقٍّ وفق الأصول”.

المرتجى
لقد أظهرَت الإحصاءات بأرقامها الدقيقة أنَّ الأمر لا يتعلَّق فقط بريع الأوقاف، ولا بتحسينه من خلال حسن إدارتها وتثميرها، بل يتعلَّق أيضاً بحجم عينها ونوعها، وبعدد عقاراتها ومواقعها، وهذا ما يضع الدروز أمام التحدِّيَين التاليَيْن: زيادة العين وزيادة الريع. لقد استغلَّ الدروز مجموعةً من الأوقاف الخيريّة العامّة هي جزء قليل مما كانوا يملكون، فما هو المرتجى منهم في ظلِّ واقعهم وواقع الأوقاف اليوم؟ وهل يستطيعون زيادة عينها من القليل الذي بقي لهم بعد أن فرَّطُوا بالممتلكات الكثيرة ساحلاً وجبلاً، وغَدَوا أقلَّ الطوائف الدينية الرئيسة وقْفاً، وبعد أن تجزَّأ ما تبقى من ملكيات مقاطعجيهم الكبيرة عبر الأجيال المتعاقبة؟! ومما لا شك فيه أنه يبقى هناك مجال لزيادة ملكيات الأوقاف، ومجال أوسع في تقديم الخدمات التي تقوم بها ، وفي التخفيف عن كاهلها بعض الأعباء.
من الأمثلة البارزة على المساهمة في زيادة عين الأوقاف تبرُّع الزعيم وليد جنبلاط بمبلغ ثمانمائة ألف دولار أميركي، وجمعية التضامن الخيري الدرزي في بيروت بمبلغ مائتي ألف دولار، للمساهمة مع المجلس المذهبي في شراء العقار الرقم (18) في منطقة “المصيطبة” لإنشاء المركز المخصَّص لإقامة الطالبات الجامعيَّات الدرزيّات، كذلك تبرع وليد بك جنبلاط بأرض في مدينة الشويفات أنشأت عليها “جمعية الغد للتنمية والإسكان” المنبثقة عن المجلس المذهبي أربعة أبنية سكنية تحتوي على أربع وستين شقة سكنية وبدأت عملية تسويق وحداتها بطريقة التقسيط. ومن الأمثلة البارزة على المساهمة في تحسين وصيانة أبنية الأوقاف ما قام به السيد عدنان سليم الحلبي من إنجاز أعمال إعادة تأهيل وتجهيز مقام الأمير السيد عبد الله (ق)، وما قام به بعض أصحاب الأريحية بمبادرة من رئيس اللجنة الاغترابية في المجلس المذهبي الشيخ كميل سري الدين من إعادة تأهيل قاعات وغرف مبنى دار الطائفة الدرزية، وما يقوم به مجلس أمناء مجلة “الضحى” التي تصدر عن المجلس المذهبي، حيث يقوم منذ ست سنوات بتمويل إصدارها.

1.دار-الطائفة-في-فردان-أحد-أهم-إنجازات-الشيخ-محمد-أبو-شقرا
1.دار-الطائفة-في-فردان-أحد-أهم-إنجازات-الشيخ-محمد-أبو-شقرا

إنَّ ما يمكن أن يقوم به أغنياء الدروز في ما يتعلَّق بالأوقاف هو وقف عقار أو أكثر من العقارات الكثيرة التي يمتلكونها لتُوضع في سبيل الخير العامّ، أسوةً بالواقفين الأقدمين الذين درَّت ممتلكاتهم الموقوفة المنافع العامّة خلال عقود عديدة، ولا تزال تدرُّ هذه المنافع حتى اليوم.
كما إنَّ ما يمكن أن يقوم به أغنياء الدروز أيضًا هو المساهمة في الوقف المالي كبديلٍ عن الوقف العيْني، وذلك بالتبرُّع لمصلحة الأوقاف، أو بتزكية أموالهم من خلال دفع نسبة معيَّنة منها إلى أيّ صندوق مالي يقدِّم الخدمات من ريع أمواله لا من أصولها، كالصندوق الذي تأسَّس منذ بضع سنوات من قبل مجموعة من رجال الأعمال والمتبرعين الدروز تحت اسم “شبكة الأمان” والذي يُرجى دعمه وتفعيله لتزيد أمواله وتزيد خدماته.

الهوامش

1. سليم حريز: الوقف، دراسات وأبحاث، منشورات الجامعة اللبنانية، بيروت 1994، ص7.
2. صبحي المحمصاني: مقدمة كتاب عبد الرحمن الحوت: الأوقاف الإسلامية في لبنان، ص9.
3. للمزيد من المعلومات عن الولاية على الوقف وشروطها، انظر: سليم حريز: الوقف .. ص131- 148.
4. نصُّ وقفيّة الأمير السيد (ق).
5. انظر عن هذه الوقفيّة: مقالتنا في مجلة “الضحى” بعنوان: آل حمدان في تاريخ جبل لبنان، العدد 17، ص13- 14.
6. انظر نصّ الوقفيَّة والتصديق عليها: فرحان العريضي: مناقب الأعيان، الجزء الثاني، ص354- 377.
7. مقالة عارف النكدي بعنوان “من أين للأوقاف هذا؟” منشورة في مجلة “الضحى” عدد تشرين الثاني 1959، ص275 (هامش رقم 2).
8. البيان الثلاثون (سنة 1961) نشره عارف النكدي في مجلة “الضحى” عدد كانون الأول 1961، ص371- 372.
9. إدوار روبنصون: يوميات في لبنان، ترجمة أسد شيخاني، منشورات وزارة التربية في لبنان 1949، الجزء الأول، ص242.
10. للمزيد من المعلومات عن خلوات البيَّاضة انظر غالب سليقة: تاريخ حاصبيَّا وما إليها، طبعة 1996، ص252- 262.
11. رسالة الشيخ محمد أبو شقرا والشيخ محمد عبد الصمد.
12. استنتجنا الجدول من كتاب “أوقاف الموحِّدين الدروز 2015”، ص58- 79. وهو كتاب أصدره المجلس المذهبي لطائفة الموحِّدين الدروز. لجنة الأوقاف.
13. سليمان تقي الدين وآخرون: دراسات في تاريخ الشوف … ص427.
14. محمد كرد علي: خطط الشام، دار العلم للملايين، بيروت 1969، المجلد الخامس، ص100.
15. إيليا حريق: التحوُّل السياسي في تاريخ لبنان الحديث، الأهليّة للنشر والتوزيع، بيروت 1982، ص87- 88.
16. أوقاف الموحِّدين الدروز 2015، مرجع مذكور سابقًا، ص16.

مشاركة المقال

التعليقات

Leave a Reply

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اترك تعليقاً

Leave a Reply

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

المقالات ذات صلة

السابق
التالي