بكِّيفا الوادعة أنجبتْ رجالاً
وسيّدة كانت أختاً للرّجال
سَليمة درغام لحقت بالزّعيم كمال جنبلاط إلى سلّم الطّائرة
وأخذت منه توقيعاً على إنشاء أوّل معصرة زيتون في المنطقة
إقتصاد القرية الزّراعي تراجع أمام الجرّافات
والغابات المحيطة بها أصبحت وَقوداً للمدافئ
العين بصيرة في بلديّة بكِّيفا لكنّ اليَدَ قصيرة
فاضل فيّاض رئيس البلديّة بنى شعبيّته على الإنجاز.
تعود تسمية البلدة الى أصل سريانيّ وتعني الصّخرة أو الرّقعة في الصّخرة كما يبدو موقعها، وعبارة “كيفا” إستعملها السّيد المسيح في وصفه لتلميذه سمعان عندما قال له “ انت كيفا “ أي انت الصّخرة التي سوف أبني عليها كنيستي.
يقدّر عدد سكّان بكِّيفا بنحو 2300 نسمة لكنّ المقيمين منهم لا يتجاوزون الـ 1500 نسمة وهم ينتمون بغالبيّتهم إلى طائفة الموحّدين الدّروز . ترتفع البلدة 900 م عن سطح البحر وهي تبعد عن مركز القضاء 5 كلم وعن العاصمة بيروت 90 كلم.
يمكن الوصول إلى بكِّيفا من طريقين رئيسيين: شتورة -المصنع – ضهر الأحمر- بكيّفا أو مرجعيون-حاصبيّا-عين عطا- بكِّيفا. وتتبع البلدة إداريّاً لقضاء راشيّا، محافظة البقاع وهي تقع في الطرف الغربي لبلدة راشيّا يحيط بها العديد من قرى القضاء مثل تنّورة، بيت لهيا، العقبة، وهي تجاور من الجهة الشّرقية جبل الشيخ.
أبرز عائلات البلدة: حجاز، شرّوف، برغشي، درغام، البراضعي، العسل، دهام، الحلبي، أبو بركة، فيّاض، بدّور، دنيل، أبو عسلي، يونس .
أهميّة الهجرة في اقتصاد القرية
الهجرة هي إحدى الظّواهر البارزة التي طبعت الحياة في منطقة راشيّا في السّنوات الأخيرة وذلك لأسباب منها ارتفاع مستوى التّعليم والمهارات لكن من دون وجود فرص عمل، وتراجع الاقتصاد التقليديّ للقرية وخصوصاً الزراعة، وقد بدأت هجرة شباب القرية منذ مطلع القرن الماضي وتركّزت على مُغتربات بعيدة مثل دول أمريكا الجنوبيّة ومن بعدها استراليا، إلّا أنّه مع ارتفاع أسعار النّفط في السبعينيّات وازدهار الاقتصادات الخليجية بدأت تتركّز أكثر على دول الخليج العربي، ورغم ما يسببه من استنزاف للطّاقات الشّابة للبلدة فإنّ الاغتراب يسهم في تنشيط الحركة الاقتصاديّة من خلال تحويلات المغتربين إلى ذويهم أو الاستثمارات المباشرة التي يقومون بها في مجال العقار أو بناء منازل وفيلّات تخلق فرص العمل في قطاع البناء والمقاولات، كما إنّ المغتربين في البلدة كانوا دوماً مثالاً في سخاء التّقديمات التي خصّصوها لتنمية البلدة.
إقتصاد البلدة
الحياة الاقتصاديّة لأبناء البلدة متنوّعة، وهي تشمل بعض الأعمال الزّراعية وخصوصاً زراعة الأشجار المثمرة لكن وعورة الأراضي وضيق المساحة القابلة للزّراعة جعلا الزّراعة محصورة بالملكيات الفرديّة والصغيرة وعلى زراعات بعلية مثل اللّوزيات والزّيتون وكروم العنب والتّين وزراعة بعض الحبوب كالقمح والحمَّص والعدس والفول. أمّا زراعة الخضار خلال فصل الصّيف فهي محدودة بسبب نقص المياه اللّازمة للرّي. وقد لعبت الهجرة واتّجاه الشباب إلى الوظيفة دوراً في تناقص العمالة المتوافرة للعمل في الأرض، لكنّ العامل المهمّ الآخر هو تراجع مساحة الأراضي الزّراعية أمام المشاريع السكنيّة و التجاريّة ممّا أتى على الكثير من الأراضي الصّالحة للزّراعة.
المهن والحرف
لا توجد صناعة بالمعنى الحقيقيّ في القرية حيث تقتصر على بعض المصانع الصّغيرة التي تختص بصناعة الخشب والحدادة الإفرانجية وجميعها فرديّة وخاصة حيث يقوم أصحابها بتأمين معيشتهم فقط، فلا تساهم في تأمين فرص عمل إضافية إلّا في ما ندر لكنّها تؤمن احتياجات أبناء القرية من اللّوازم التي يحتاجونها في بناء منازلهم، كما يوجد في القرية حرفيّون يعملون في خدمات قطاع البناء والأعمال المتمّمة له مثل الكهرباء والصحيّة والورقة..
نهضة نسائيّة
كانت المرأة في بلدة بكِّيفا تحصر إهتمامها بتدبّر شؤون المنزل وتربية الأولاد والاهتمام في فصل الصّيف بالتّحضير لمؤونة الشّتاء الشّديد البرودة، لكن في العقود الأخيرة وبعد النّهضة التي أحدثتها السّيدة سليمة درغام، أخذت المرأة تشاطر الرّجل في شتّى ميادين الحياة العمليّة، حيث بدأت تدخل القطاع العسكريّ والمؤسّسات الرّسميّة والتّدريس في مدرسة القرية وفي المدارس المجاورة ممّا أحدث نهضة نسائيّة إنعكست على البلدات والقرى المجاورة، وكان لمعمل السّجاد ومعمل الخياطة ومعصرة الزّيت دور مهم في توفير فرص عمل لآنسات وسيدات البلدة .


سليمة درغام
سليمة درغام رئيسة بلديّة بكّيفا التي تبوّأت موقع رئاسة البلدية في العام 1964 واستمرّت في خدمة أبناء البلدة حتى العام 1998 كانت هذه الأعوام زاخرة بعطاءات وإنجازات قلّ نظيرها في تلك الحقبة، وقد عُرِفت سليمة درغام بجرأتها وقوّة شخصيّتها ويعود إليها الفضل في تبديل المفاهيم البالية عن المرأة وتقديمها الدّليل الحسّي على كفاءة المرأة وقدرتها على المساهمة في حياة مجتمعها وتقدّمه، ولم تكن السّيدة درغام تتردّد في طرق أبواب أهل السّلطة والنّفوذ واقتحام صالونات النّخبة ومنتدياتها رافعة الصّوت في طلب المشاريع لأبناء بلدتها. وقد سطع نجمها خصوصاً عندما استوقفت الزّعيم كمال جنبلاط قبل صعوده درج الطائرة للحصول على توقيع يخوّلها إنجاز مشروع في البلدة. وفي تفصيل تلك الحادثة: “عندما كان المرحوم كمال جنبلاط وزيراً للدّاخلية زارته السّيدة درغام وحصلت منه على وعد بمبلغ مادّي لاقامة مشروع حيويّ في البلدة وهو عبارة عن معصرة زيتون، كانت الوحيدة في البقاع في تلك المرحلة. وفي يوم، وعندما كان كمال بك يهمّ بصعود درج الطائرة متوجّهاً إلى الهند لحقت به السيدة درغام إلى ساحة المطار صارخة من بعيد قبل أن يدخل الطّائرة “يا كمال بك لوين رايح وتاركني” ممّا خلق حالة من الدّهشة لدى جميع الحاضرين لكنّ المعلّم توقّف بعد سماع صياحها وعرفها كما تذكّر أنّه وعدها بمبلغ 20 ألف ليرة آنذاك لإنشاء المعصرة فوقّع على الطلب الذي كانت تحمله السيدة درغام وتابع صعوده إلى الطائرة”، وهذه الرّواية عن اندفاع السيّدة درغام واحدة من عشرات الأمثلة عن جرأتها وتصميمها في ما كانت تقوم به لخدمة بلدتها.
حازت سليمة درغام أثناء تولّيها لرئاسة البلدية على ثقة المجتمع الأهلي برمّته حتى غدت مضرب مثل وهذا التألّق نال إستحسان رئيس الجمهورية الرّاحل سليمان فرنجيّة فمنحها وسام الأرز من رتبة فارس في العام 1974 ومما قالته خلال تقليدها الوسام:“مسؤوليّتي أن أستحقّ كل يوم هذا الوسام والويل لمن يسقط عن صدره هذا الوسام “ كما حازت على وسام الأرز من رتبة ضابط من قبل الرّئيس الراحل الياس الهراوي ونالت وسام الإستحقاق اللبناني المذّهّب“ .


إنجازات سليمة درغام
قبل أن ترحل سليمة درغام تركت خلفها العديد من الإنجازات التي خلّدت ذكراها في مسيرة حافلة بالعطاء ساهمت في خلق العديد من فرص العمل لأبناء البلدة كما كان للمشاريع الزّراعية دور مهم ساهم في دعم المزارعين وتثبيتهم في أرضهم وزيادة الإنتاج الزّراعي، ومن هذه المشاريع إقامة المعارض الزّراعية والعمل على تسويق منتجات المزارعين، وباكورة هذه المعارض كان في العام 1968 برعاية الرّئيس شارل حلو قبل أن يتمّ إنشاء التّعاونيّة الزّراعيّة في العام 1972 ومن ثم إنشاء التعاونيّة الحرفيّة لتعليم الخياطة والأشغال اليدويّة، كما قامت بتشييد مجمع إنمائي يضمّ مصنع سجّاد تعمل فيه عشرات الفتيات ومصنع خياطة ومركزاً صحيّاً ودار توليد وتعاونيّة استهلاكيّة وتعاونيّة زراعيّة وقاعة لتدريب الصمّ والبكم بالإضافة إلى قاعتين للنّادي تتّسعان لألفي شخص.
درغام ونظرتها للمرأة
كان للمرأة في حياتها دور هام حيث أعطتها من حياتها حيّزاً كبيراً لتشجّعها وتصبح متمكّنة قادرة على النّهوض بأعباء الحياة مثل الرّجل ولهذه الغاية قامت بإنشاء المركز الصحيّ لجمعية نهضة المرأة في بكّيفا ويؤدّي هذا المركز خدمات صحيّة كانت غير متوفّرة في خضم الحرب الأهليّة لأبناء البلدة والقرى المجاورة.


ولادتُها وحياتُها
وُلِدت السيّدة درغام في العام 1918 في بلدة عين عنوب قضاء عاليه وعاشت طفولتها في البلدة وتابعت تحصيلها العلميّ في صِغرها لتدخل معترك الحياة الاجتماعية من بوّابة جمعيّة نهضة المرأة الدّرزيّة التي اعتبرتها المدرسة الاجتماعية الأولى لتقترن بالسّيد علي درغام من بلدة بكّيفا الذي لطالما اعتبرته السّند في حياتها، وخلال هذه المسيرة الحافلة تميّزت بالحِنكة والذّكاء وبنظرة متقدّمة في إدارة الشأن العام حيث كانت تَعتبر أنّه من الخطأ أن يتمّ الاعتقاد أن صلاحيّات رئيس البلديّة لا تتعدّى تعبيد الطّرق وبناء الجدران بل هذه الصلاحيّة أبعد وأشمل لتشمل مختلف مرافق الحياة من صحيّة وتربويّة وثقافيّة واجتماعيّة، وقد ووريت الفقيدة في نهاية آذار من العام 2014 ليصحّ بها قول المتنبّي في رثاء والدة سيف الدّولة
ولــــــــــــــوْ كـــــــــــــــانَ النّســــــــــــــــاءُ كمَــــــنْ فَقَدْنــــــــــــــــــا
لفُضّلَتِ النّساءُ على الرّجالِ
وما التأنيثُ لاسمِ الشّمسِ عَيبٌ
ولا التّذكيـــــــــــــــــرُ فَخْـــــــــــــــــرٌ للهِـــــــــــــــــــــــــلالِ


الحراك الشبابي
على مدى العقود الماضية تميّزت بكِّيفا بحراك شبابيّ يعكس تراثاً من العمل الاجتماعيّ وتضامن شباب البلدة في العمل من أجل بلدتهم والارتقاء بها نحو الأفضل، ومن ثمار الوعي الاجتماعيّ في البلدة نادي بكِّيفا الثّقافي الخيريّ الذي تأسس سنة 1967 أي قبل 50 عاماً بهدف إنماء وتطوير المجتمع المحلّي في الميادين الثّقافية والتّربويّة والرّياضيّة والصحيّة، كما يوجد في القرية “نادي النّسور الرّياضي” والذي لعب دوراً مهما ً في جمع المجتمع المحلّي تحت راية الرّياضة، إضافة إلى الجمعيّات الكشفيّة التي تلعب دوراً بارزاً في تنمية روح التآخي والتعاون. وفي السّنوات الأخيرة إنتدبت مجموعة من شبّان البلدة نفسها للإضاءة على البلدة من خلال العديد من الأنشطة الثقافيّة والترفيهيّة تحت عنوان بكِّيفا أجمل بلد وكان لهذا التجمّع دور رياديّ في توحيد أبناء البلدة على اختلاف انتماءاتهم الفكريّة والدينيّة .
الثّروة الحرجيّة في تراجع
بعد أن كانت تغطّي ما يقارب الـ 60% من مساحة البلدة لم تعد تشكل سوى مساحة بسيطة، وهذا التّدهور في مساحة الغطاء النباتيّ يعود إلى أسباب عديدة أبرزها القطع الجائر الذي يقوم به عدد من أبناء البلدة لتأمين حطب التدفئة في الشتاء، أمّا السّبب الآخر والذي لا يقلّ خطورة فهو الحرائق التي تلتهم سنوياً مساحات ليست بالقليلة وعدم التمكّن من السّيطرة عليها لغياب الوسائل اللّازمة لمكافحة الحرائق وكذلك لوعورة الجبال المحيطة بالبلدة وعدم توفّر مسالك سريعة إلى مكان الحريق.
التّربية و التّعليم رعاية دائمة لأجيال واعدة
على الرّغم من تراجع التّعليم الرّسمي بشكل عام وإقفال معظم المدارس الرسميّة في منطقة راشيّا ما زالت مدرسة بكِّيفا الرسميّة درع الأمان لأبناء البلدة حيث تحتضن ما يزيد على 100 طالب سنوياً وتجنّب ذوي الدّخل المحدود مشقّة الانتقال إلى خارج البلدة أو إرسال أولادهم إلى المدارس القريبة لمتابعة تحصيلهم العلميّ، كما تساهم المدرسة في توفير فرص عمل لأبناء البلدة من حملة الإجازات التعليميّة وتجنّبهم الغربة أو الانتقال إلى أماكن أخرى لمتابعة عملهم، وهذه النّهضة التربويّة تشمل عدداً كبيراً من الطلّاب الذين ينتقلون خارج البلدة لمتابعة تحصيلهم العلميّ في مختلف الجامعات والمعاهد المنتشرة في البقاع أو في العاصمة بيروت.
رئيس بلديّة بكِّيفا يعرض لأهم المنجزات
الكهرباء، البئر الارتوازية وحل محلّي لأزمة النفايات


المعروف عن رئيس بلديّة بكِّيفا السيد فاضل فيّاض مناقبيته في العمل وانفتاحه وتسخير مخصّصاته في المجلس البلديّ لخدمة بلدته وإعلاء شأنها. ورغم المعاناة التي عاشها خلال فترة أسر ولده، فإنّه بقي متفانياً في خدمة البلدة فاتحاً أبواب البلديّة وأبواب بيته لكلّ طالب خدمة أو صاحب شكوى، الأمر الذي دفع أبناء البلدة إلى تجديد الثّقة به كرئيس للبلدية مرات عدّة. “الضّحى” التقته وسألته عن وضع القرية وخطّط المجلس البلدي بشأنها.
> ما هي أبرز الإنجازات التي حقّقتموها ؟
خلال فترة زمنيّة قصيرة استطاعت البلديّة أن تحقّق انجازات كثيرة بدأت بإنشاء عدد من الحدائق العامّة، شقّ و تعبيد عدد من الطّرق، توسيع بعض الطّرق الدّاخلية، إقامة محميّة، تحسين شبكة الإنارة لتغطّي كافة أحياء البلدة بالإضافة إلى محطّة كهرباء جديدة و تقوية المحطّة الموجودة لتصبح قادرة على تأمين حاجة البلدة من الكهرباء و شراء مجموعة من المولّدات لتأمين التيّار الكهربائيّ عند انقطاعه، و تنظيف الأقنية ممّا يجنّب البلدة الكثير من المشاكل خلال فصل الأمطار كما تمّ تشييد ملعب لكرة الطّائرة وكرة السلّة لأبناء القرية وأبناء القرى المجاورة.
الحصول على هبة من قبل الشّيخ سعد الحريري تتمثّل بجرّار زراعيّ يساهم في الأعمال الزّراعيّة ويُستخدم في نقل النّفايات من البلدة.
إنشاء مطمر للنّفايات بمواصفات عالية تتناسب والشّروط البيئيّة .
• توسيع وتجميل مدخل البلدة .
• تحديث معصرة الزّيتون بهبَة من السّفارة الإيطاليّة وهذه المعصرة توفّر فرص عمل موسميّة لشباب البلدة.
• حفر بئر ارتوازيّة بمساعدة من مؤسّسة الوليد بن طلال .
• شراء وتجهيز سيّارة إسعاف .
• العمل على إنشاء مستوصف في البلدة، حيث نقوم اليوم بإعادة تأهيل المدرسة القديمة والتي يعود تاريخ بنائها للعام 1930 لتصبح مركزاً صحيّاً لأبناء البلدة والقرى المجاورة .
> هل من خدمات أخرى تقدّمها البلديّة ؟
نعم تعتبر البلديّة حلقة وصل بين المواطنين والمؤسسات موجودة على أراضيها من تربوية و صحية بالإضافة إلى تحمّلها مسؤوليّات بعض الوزارات في إقامة جدران دعم للطّرقات العامّة.
> ماهي أبرز مداخيل المجلس البلديّ ؟
المداخيل ضعيفة جدّاً مقارنة بالخدمات المطلوبة. مع ذلك فإنّنا نحاول زيادة الجباية والتي تعتبر مورداً بسيطاً بالإضافة الى مستحقّات البلديّة من الدولة. نحاول أن نخلق آليّة ملزمة للجباية ونأمل أن يسهم ذلك في تغذية صندوق البلديّة بشكل مستمر.
> ما هي أبرز المعوقات التي تعترض عملكم؟
إلى جانب ضَعف السّيولة الماليّة، هناك مشاكل تتمثّل في غياب الآليّات و المعدّات التي من شأنها أن تيسّر أعمال الحفر والتوسيع وبقية الأشغال العامّة، وكذلك نشكو عدم وجود سيّارة متطورة لجمع النّفايات ونقص عدد الموظّفين. ونعمل بشكل جدّي على تذليل كافّة العقبات.
وإنّني أغتنم فرصة هذا اللّقاء لأتوجّه بالشّكر والتّقدير لمجلّة “الضّحى” بسبب مبادراتها المشكورة في التّعريف بالقرى والبلدات في أقضية الجبل والجنوب فضلاً عن عملها كمنبر لإيصال صوت البلديّات وطرح القضايا الاجتماعيّة التي تهمّ النّاس.
حكايةٌ مأثورةٌ عن آلِ برغشي
واستماتتهم في حفظ سيف الدّاعي عمّار
تعتبر أسرة برغشي من العائلات الأعرق في طائفة الموحّدين الدّروز بسبب الدّور الذي لعبته في نشر مبادئ التّوحيد والدّفاع عنها وحماية أهلها. ومن المآثر التي عزّزت مكانة الأسرة الخبر المأثور عن إخلاصهم الشّديد في حفظ سيف الدّاعي عمّار حتى بثمن أرواحهم وخراب ممتلكاتهم.
وتقول الرّواية المأثورة إنّ الداعي عمّار زار منزل أبو الخير سلامة برغشي في بلدة بكِّيفا ووضع في عهدته سيفه وقميصه وغادر واستمرّ هذا السيف في حوزة العائلة لخمسة قرون (500 عام ) كانت الأجيال خلالها تتناقل هذا السيف فكان كلّ جيل منها أشدّ حرصاً من الذي سبقه في الحفاظ على السّيف.
وفي الرّواية المأثورة أنّه عندما تكلّف الشيخ خطّار برغشي بمقابلة السّلطان سليم العثمانيّ وكان برفقة وفد من مشايخ وأعيان طائفة الموحّدين الدّروز، ولدى عودة الوفد كان التّعب قد أنهكهم والظّلام والرّياح العاتية تكاد تشتّت جمعهم، فاجأ الشيخ خطّار رفاقه بالقول: “عليّ إضاءة الطّريق وعليكم كتمان السرّ” وعمد عندها إلى سحب السّيف من غِمده مقدار أربعة أصابع فأنير الطّريق وتابع الوفد السير. ويبدو أنّ الخبر بلغ السّلطان سليم من أحد جواسيسه فما كان منه إلا أن أرسل يطلب من الشّيخ خطّار تسليم السّيف. وقد حاول الشّيخ خطّار التملص من الطلب فأرسل سيفا مزيفاً طلاه بالذهب إلى السلطان، لكن الأخير اكتشف التّزييف وغضب السّلطان غضباً شديداً وأرسل ينذر الشّيخ بأنّه إن لم يبادر إلى تسليم السّيف الحقيقيّ خلال عشرة أيّام فإنّه سوف يقتل جميع أفراد الأسرة ويقطع نسلها. فازداد الوضع تأزماً واجتمع الشّيخ بعائلته وأخبرهم بما وصلت إليه الأمور والمأزق الحرج الذي يواجهه، فكان ردّ العائلة بالإجماع أنّها سوف تقاتل إلى آخر رجل ولن تسلّم السيف. ونظراً إلى خطورة الظّرف فقد تمّ نقل النّساء إلى منطقة الشّوف ومن بعدها إخفاء السّيف في أرض الشيخ خطّار بمكان ٍ لا يعلمه إلّا مجموعة مقرّبة منه ويستحيل العثور عليه وبعد انقضاء الأيّام العشرة أرسل السّلطان بخيّالته ليقضي على هذه العائلة التي اعتبرها عاصية له، وبعد وفاة الشيخ خطّار والرّجال الذين كانوا برفقته لم يعد أحد يدرك مكان السّيف وبقي هذا الكنز العظيم سرّاً لا يعرف أحد مكانه حتى اليوم.
وفي الرّواية أيضاً أنّ زوجة الشّيخ خطّار كانت حاملاً وبعد فترة أنجبت صبياً أسمته بدر الدين وأن هذا الفتى كُشف أمره فاعتُقل وسيق إلى ديوان السّلطان سليم قبل أن يودَع أحد السجون. لكن الفتى اليافع كان يكبر بعيداً ً عن والدته، وفي كل عام يزداد قوة وتزداد بُنيته الجسديّة وقاراً وهيبة حتى غدا في سنّ التاسعةَ عشْرةَ من عمره، وفي سجنه، من أقوى المصارعين في السّلطنة. وتقول الرّواية إنّ السّلطان سليم كان يهوى مشاهدة لعبة المصارعة وأنّه وضع يوماً جائزة لمن يقهر كبير مصارعيّ السّلطنة وكان السّلطان يظنّه لا يُقهر. لكن نظراً إلى شهرة الشّيخ بدر الدّين كمصارع جبّار فقد أعطي الفرصة لمنازلة هذا المصارع الصِّنديد فتمكّن منه وصرعه في نهاية المبارزة. وبسبب إعجاب السّلطان بالمصارع بدر الدّين فقد سأله أنْ يطلب منه حظوة أو مكرمة فطلب الشّيخ أنْ يأذن له السّلطان بالعودة إلى بلاده. وعندها نزل السّلطان عند رغبته وعيّنه مقدَّما على منطقة العرقوب ووادي التّيم، وقد استمرّت مرجعية وادي التّيم في عهدة هذه العائلة من جيل إلى آخر حتى اليوم وهي مستمرّة بالشيخ أبو محمد جميل برغشي .