الجمعة, نيسان 26, 2024

اشترك معنا للاطلاع والحصول على أحدث المقالات والأعداد

الجمعة, نيسان 26, 2024

اشترك معنا للاطلاع والحصول على أحدث المقالات والأعداد

بحث ..

  • الكاتب

  • الموضوع

  • العدد

حماية دروز الجبل للأمير سلطان ابن الرشيد

حماية دروز الجبل للأمير سلطان ابن الرشيد
أمير مدينة حائل في السعودية

حاصر العسكر التركي قرية الصورة سعياً لاعتقال الضيف
ولم تمضِ ساعات حتى حوصروا من فرسان الجبل ومقاتليهم

ابن الرشيد حلّ ضيفاً عزيزاً على الشيخ أبو علي مصطفى الأطرش
وودّع الجبل بذكريات البطولة والكرم وبقصيدة مدح طويلة للدروز

في العام 1904 كان الأمير سلطان ابن الرشيد على خلاف مع ابن عمه الأمير متعب بن عبد العزيز الرشيد وكان يطالب بحق الإمارة التي كانت آنذاك في فرع العائلة الذي ينتمي إليه. ورداً على ذلك، أمر متعب الرشيد بإلقاء القبض على ابن عمه الأمير سلطان الذي قرر عندها الانتقال مؤقتاً للإقامة في الشام. ولما علم الأمير متعب بذلك طلب من الوالي التركي في دمشق إلقاء القبض على الأمير سلطان وتسليمه له. ويبدو أن الأمر بلغ الأمير سلطان فنصحه أصدقاؤه في دمشق بأن يلجأ إلى بني معروف في جبل العرب والدخول عندهم.
وفعلاً توجّه الأمير سلطان إلى الجبل ووصل إلى قرية الصورة الكبيرة وكان شيخها آنذاك واكد زهر الدين. وقد عرَّف الأمير سلطان عن نفسه بقصيدة وحلّ ضيفاً على الشيخ واكد وأهله والذين رحبوا بالأمير وقبلوه ضيفاً حسب عاداتهم.
لكن الأتراك عرفوا بواسطة أعوانهم بخبر انتقال الأمير سلطان إلى الجبل فأرسلوا في أثر الرشيد إلى جبل العرب فرقة من الجيش العثماني كان قوامها حوالي 50 بغالاً مع أمر بإلقاء القبض عليه. وحاصرت الفرقة التركية قرية الصورة ودخل الضابط العثماني على الشيخ واكد مطالباً إياه بكل حزم بتسليم الأمير ابن الرشيد. لكن الشيخ واكد ردّ بهدوء وبشاشة قائلاً للضابط التركي: الغداء أصبح على النار وقريباً يجهز. وأنا أدعوكم لتناول الطعام مع ضيفنا وبعد ذلك تأخذونه معكم فأنتم ضيوفنا أيضاً.

أبو عليى مصطفي الأطرش
أبو عليى مصطفي الأطرش

يقال بأن ابن الرشيد كانت في يده مسبحة وعندما سمع ما قاله الشيخ واكد للضابط التركي وقعت المسبحة من يده على الأرض ولزم الصمت. وذهب الشيخ واكد إلى النساء يطلب منهن تأخير الطعام قدر الإمكان وطلب من أولاده في الوقت نفسه اختراق الطوق العثماني ومن ثم التوجه على ظهور الخيل لإعلام القرى بالحادثة وحملهم قصيدة جاء فيها:
قـــم يارسل وانقل عجول أخبـاري لـلابــه اللـــى زينــو كل ملـــــــــــهوف
الضيغمى تو بحمانا استــــــــجاري هايالنشاما بلغو عيـــال معــــــروف
متـعـقبيـــنـــه فرقتــــــين صـــــــواري بضباطهم وجنودهم زايم الشــوف
هــالينشاما ســـلاحكم والمهـــــاري دون الدخيل المال والعمر متـــــلوف
حمــر البيــارق جردوهــا جــــياري ولاحنا بحال الترك لو جمعها الوف
والله لـــو إن أحمـــر الـــدم جـــاري ياغير ياصـل ضيفنــا ديرة الجوف
وما قدر الله يا أهل الطول جاري المال يذهـــب والضنا بعد مخـلوف
مار الكرامة ما من دونها اعــذاري كاس الردى ولا يلحق الضيم بضيوف

إحدى القلاع القديمة في حائل
إحدى القلاع القديمة في حائل

وفحوى هذه القصيدة التي كتبت بلغة أهل الجبل القريبة من الشعر النبطي أن الشيخ واكد يخبر أهل الجبل بقصة الأمير ابن الرشيد ويحثهم على النهوض للدفاع عن الضيف، مؤكداً أن الموت أهون له ولعشيرته من أن يلحق الأذى بضيف استجار ببني معروف.
وبعد ساعات عاد أبناء الشيخ واكد واخبروا والدهم بأن خيالة الجبل طوقت القوات العثمانية بالكامل. فدخل الشيخ واكد عندها المضافة وأعلم الضابط التركي برفضه تسليم الأمير ابن الرشيد، وذلك جرياً على تقاليد الجبل التي تحرم تسليم المستجير بأهله. غضب الضابط وهدد وتوعد بالانتقام من القرية. لكن الشيخ واكد أعلمه بأن قواته قد حوصرت من قبل الدروز ناصحاً إياه بالمغادرة على أن يضمن له خروجه مع عسكره سالمين من بين بيارق الدروز التي وصلت إلى قرية الصورة بالحداء والأهازيج الحماسية.
ويقال بأن الضابط عرض على الشيخ واكد رشوة كبيرة من الليرات الذهبية (“العصملية”) مقابل تسليم الأمير سلطان لكنه رفض بإباء وغادر العسكر التركي يجرون أذيال الفشل والخيبة.
كان جميع بيارق الجبل بلغ قرية الصورة وكان على رأسهم المرحوم الشيخ أبو علي مصطفى الأطرش، فتناول الجميع الغداء، وكان رأي الشيخ أبو علي أن بقاء ابن الرشيد في الصورة سيكون خطراً وذلك لقربها من الشام، فكان القرار أن يذهب الضيف إلى قرية أمتان حيث ديار الشيخ أبو علي.
وبعد أن تأكد الشيخ واكد من سلامة دخيله قال هذه القصيدة (بلهجة أهل الجبل) يروي فيها مأثرة الدروز في حماية الضيف واصفاً الدخيل (أي المستجير) بأنه في نظر الدروز مثل العقد أو الجوهرة التي يحافظ عليها، كذلك فإن “دخيلنا ما ينشرى بالمجيدي” (وهي العملة الذهبية العملة العثمانية ) ويشرح الشيخ واكد كيف أن الدروز مسالمون ولا يعتدون على أحد لكنهم يقاتلون أيضاً حتى نيل مبتغاهم. ومن اللافت أن الشيخ ينهي كلامه بالاستغفار بهذا البيت (يا الله يا محصي أنفاس العبيدي عنا تكفر كل خطل وتقصير) وفي هذا يعكس خضوع الموحدين الدروز للمولى في عز انتصارهم الذي يردونه دوماً لتأييد رباني لهم بسبب طيب نفوسهم وتجردهم من كل نوايا القهر والعدوان.
عينيك يا سلطان يابن الرشيـدي جوك النشاما فوق حمر النواضير
جوك وتنـــاخو من قريب وبعيــدي والكل منهم شـرع السيــف ومغيــر
انظــر بعينيك للرمـك والجريـدي واسمــع زغاريـــد البنات المبـــاكير
سيوف تحطـــم كل طـاغى عنيدي وعيــــال عـــم للــــوازم حواضيـــــــر
دخيلنــــا بالجيــــد عقـــد فــريــدي ولاحلنا بحال الترك لو هم طوابيـــر
متجـــــــود بنــــــا بحبــــل الوريـــدي نرفاه مثــل العش مايــرفى الطيـــر
دخيلنـــــا ماينشــــــــرى بالمجيـــدي ياغـــير من دم النشــــاما معاييــــر
هذى عــــــوايدنا قــــديم وجديـدي زود على عجــل القرى للخطاطير
يالله يامحــــصي أنفاس العبيـدي عنــــا تكفـــر كل خطــــل وتقصيـــر

غادر الضيف بصحبة أبو علي وجموع بيارق الدروز ديار الشيخ واكد إلى الجبل ومكث في أمتان، وكان الشيخ أبو علي قد جهز له مكان إقامته وأعدّ له كل شي من متطلبات إكرامه كضيف ذي شأن. ويقال بأنه دفع له بـ 26 رأساً من الغنم قائلاً له “عليك جيرة الله غير تكرم مثل ما كنت ببلادك”.
ويروى أيضاً بأنه وطوال فترة مكوث الرشيد في أمتان لم تنقص الأغنام عن 26 أبداً، حيث كان الرشيد إذا ما ذبح منها واحدة أو اثنتين يوضع مكانها الذبائح أغناماً بديلة بحيث يبقى العدد 26.

الشيخ أبو علي مصطفى الأطرش يودّع ضيفه
مكث الرشيد في الجبل حوالي ستة أشهر زار خلالها معظم قرى الجبل وبعدها صدر العفو عنه نتيجة لمساعي صلح جرت مع ابن عمه ومع السلطة العثمانية. فغادر عائداً إلى دياره في حائل السعودية وفي ذاكرته قصص لا تنسى عن كرم الدروز وطيبهم ونخوتهم وهو أرسل لدى بلوغه بلده قصيدة شكر للدروز ذاكراً فيها بصورة خاصة كلاً من الشيخ واكد زهر الدين والشيخ أبو علي مصطفى الأطرش، وجاء في القصيدة التي كتبت باللهجة العربية البدوية (النبطية) وصف الأمير لشهامة الدروز وذودهم عن الدخيل وكرمهم وانتصارهم على العسكر العثماني. وفي هذه القصيدة يشهد الأمير أن الدروز عرب أقحاح يتصفون بصفاتهم وشيمهم في الذود عن المستجير. ويروي الأمير قصة حصار العسكر التركي (حمر الطرابيش) ثم كيف هزمهم الدروز فباتوا “يجرون الخزي والفشيلة” (أي يجرون أذيال الخزي والفشل).

من قصيدة ابن الرشيد في شكر الدروز
وسيوف واكـــد من بيارق وفرسان نعمـــين ربـــــع معذبــــــين دخيلــــــــه
أنـا اشــــهد أن ساســــــكم قحطان وأنا اشهد أنكم من ذواد القبيـــله
جونا سرايا الكـــيد من آل عثمــان وبعيونـهم تقرى الغدر والدغيـــــله
حاطو بنا ما يحوط خمسك بفنجان ويات الفرج عسر على كل كـحيـــله
نحرت عانى لابه من هـــل الشـــان بيض العمــــايم كاسبيـــن النفيلــه
تطابقـــــو يـــوم تناخـــو المـــــــــردان وبيدينـــهم تلمع رهاف النصيـــلـه
حينـــن لفـوا والجـــو عــج ودخــــان ياشوفــهم يبـــرى الكبـــود العليــلـه
راحت على حمر الطرابيش شردان واقفـــو يجرون الخــزى والفشيــلـه

مشاركة المقال

التعليقات

Leave a Reply

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اترك تعليقاً

Leave a Reply

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

المقالات ذات صلة

السابق
التالي

اكتشاف المزيد من Dhoha Magazine

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading