الثلاثاء, نيسان 29, 2025

اشترك معنا للاطلاع والحصول على أحدث المقالات والأعداد

الثلاثاء, نيسان 29, 2025

اشترك معنا للاطلاع والحصول على أحدث المقالات والأعداد

بحث ..

  • الكاتب

  • الموضوع

  • العدد

حمد عامر

حَمَد عامر مجاهد الثّورتين

1875 ــ 1925

قاتل حملة الفاروقي وشارك في الثورة العربية
وخاض معارك الثورة السورية وسقط فيها شهيداً

رفض «هدية» الليرات الذهبية من الشريف حسين
والتقاه سلطان باشا لأول مرة في اجتماع مع الملك فيصل

نجا بأعجوبة من كمين تل الخروف وقاتل في المسيفرة
لكنه سقط وهو في الخمسين من العمر في معركة السويداء الثانية

الزعيم الوطني عبد الرحمن الشهبندر
أبّنه بالقول: فقدنا رجلاً لا تعادله الرجال

آلُ عامر في جبل حوران
لم يهنأ آل عامر طويلاً بعد قدومهم من إقليم جبل الشّيخ على أثر موقعة دامية جرت لهم في دير حِينَة في إقليم جبل الشّيخ، إذ اعتُدِي عليهم من قبل بعض الجيران، ومن ثمّ تمّت ملاحقتهم من قبل العثمانييّن الذين انحازوا للمعتدين تحت غطاء الانتماء المذهبيّ فأعدموا بعضهم ونجا آخرون منهم اضطرّوا للّجوء إلى جبل حوران نحو عام 1805، أما آل عامر فقد استقرّوا في شهبا وتمدّدوا إلى العديد من قُرى وادي اللّوى ونجحوا في تحقيق نوع من التّوازن بينهم وبين العشائر البدويّة التي كانت لا تقيم وزناً للزّراعة بسبب اعتمادها في رزقها على الرّعي والغزو.
المولدُ والنّشأة
في تلك البيئة القلقة والمُضطربة وُلد حمد عامر عام 1875م في عائلة تنتمي لكبار ملاّك الأراضي في المقرن الشّمالي من الجبل في قرية “البثينه” التي تقع إلى شمال شرقي مدينة شهبا بنحو عشرين كيلو متراً، ولنا أن نتصوّر العوامل التي أثّرت في تشكيل وعيه الوطني منذ بدايات شبابه الأولى، منها مثلاً توجّس السّلطات العثمانيّة من الموحّدين الذين شكّلوا مجتمعاً حَضَريّاً متماسكاً في جبل حوران الذي كان شبه مهجور لبعده النّسبيّ عن مركز الولاية في دمشق. كان ذلك المجتمع المترابط يمثّل عقبة يعسر على الولاة العثمانيين تطويعه بسهولة. وإلى الهاجس العثماني الدائم لاحتواء ذلك المجتمع النّامي في جبل حوران يشير سلطان باشا في كتاب “أحداث الثورة السّوريّة الكبرى” بالقول: لست أشكّ بأنّ لجوء الأمير سلطان بن الرّشيد إلى الجبل عام 1906 والاحتفاء به في مختلف قرى الشّمال والوسط والجنوب وخروج البيارق لحمايته والسّير في موكبه تحت سمع ممثّليّ السلطات التّركيّة وبصرهم قد أثار غضب ولاة الأمور في دمشق والآستانة ثم جاءت حادثة غزو المعجل في ضْمِير كل هذا زاد من حقد الأتراك وأعوانهم وتربّصهم بنا وجعلهم يحسبون لتلك المظاهر المسلّحة ألف حساب لما قد تثير من حماسة أحرار العرب في الأقطار المجاورة وتساعد على تقوية حركتهم القوميّة الناشئة وقتذاك، لذلك لجأوا إلى أسلوبهم التقليديّ المعروف في إثارة الأحقاد الدّينيّة في منطقتنا واستغلال الحوادث العاديّة التي كانت تقع بيننا وبين جيراننا الحوارنة لتبرير الحملات العسكريّة الكبيرة التي كانوا يجرّدونها علينا بقصد إخضاعنا لأنظمتهم الفاسدة وقوانينهم الجائرة في غفلة من ضمائر أخواننا العرب في كل مكان”.

المجاهد-حمد-عامر
المجاهد-حمد-عامر

عضو في “العربيّة الفتاة”
يشير سعيد الصّغير في كتابه”بنو معروف في التّاريخ” ص477 إلى أنّه في عام 1909 ألّف مجموعة من الأحرار العرب من بلاد الشّام في باريس جمعيّة “العربيّة الفتاة” ومن ثمّ انتقل مركزها عام 1912 إلى بيروت فدمشق وكان شعارها بادئ أمرها “العمل بالنّهوض بالأمّة العربيّة إلى مصافّ الأمم الحيّة”. ولم يكن لـ “العربيّة الفتاة” حينها هدف في الانفصال عن العثمانييّن غير إنّ ذلك الهدف تبدّل عقب إعلان الحرب العالمية الأولى إلى الدّعوة للإستقلال عن العثمانيين. ومن الذين اشتركوا بعضوية تلك الجمعية أنجال الشريف حسين وانضمّ إليها من الدّروز نسيب الأطرش وحمد ومزيد عامر وسليم ومعذَّى المغوّش وحمد البربور وأسعد مرشد وحسين مرشد رضوان ومزيد أبو عسلي وعبد الله العبد الله ومحمد الجرمقاني وعلي الملحم وغيرهم من المتحمّسين لاستقلال العرب عن العثمانيين.
وفي الحملة العثمانيّة على الجبل التي قادها الجنرال سامي باشا الفاروقي عام 1910 قاتل حمد عامر إلى جانب قومه بني معروف إذ اشترك إلى جانب ابن عمّه يحيى عامر في معركة تلّ المفعلاني قرب قريتي مفعلة وقنوات، وفي معارك المواجهات التي جرت بين الموحّدين والجيش العثماني المؤلّف من نحو ثلاثين ألف جندي. وتشير وثيقة عثمانيّة أوردها عبد الرحيم أبو حسين في كتابه “حوران في الوثائق العثمانيّة” (ص439 ) إلى أن يحيى عامر كان قد قاد “العصاة بنفسه مدة ثلاثة أيّام خلال اشتباكات قنوات”.
عام 1911 أعدم العثمانيّون إثنين من أقرباء حمد عامر هما يحيى عامر من شهبا ومزيد عامر من المتونة وذوقان الأطرش والد سلطان باشا وهزّاع عزّ الدين وحمد المغوّش وحمد القلعاني ومن التّهم التي وُجّهت إليهم دون أن يُدانوا بها تهمة الخروج على الخلافة والكفر كما سيق من أبناء الجبل حينها نحو ألف وثلاثمائة شاب للخدمة العسكريّة في بلاد الأناضول والبلقان
وهذا كله كان مبرّراً ليحسم حمد عامر موقفه من سلطة التّرك بصورة نهائيّة.
وفي عام 1914 أخذ الأحرار من قادة الجبل ومنهم سلطان الأطرش، حمد عامر، فضل الله هنيدي، حمد البربور وغيرهم ينظّمون الخطط لعرقلة حركات الجيوش العثمانية بين دمشق وفِلِسطين، كما رفضوا انخراط الدّروز بالجيش التّركي”.

يرفض مال الشّريف حسين
كان حمد عامر يعمل ضدّ العثمانيين لهدف وطني بحت هو التّحرر وتحقيق الاستقلال السوري والعربي عن الدولة العثمانية التي كانت قد وقعت تحت هيمنة الطورانيين من أصحاب سياسات التتريك وإخضاع العالم العربي. ولم يكن هذا المجاهد ليكترث للمال الذي كان يوزّعه الشّريف حسين وابنه فيصل لكسب الأنصار. ويروي مزيد عامر من قرية البثينة إثر مقابلة أجريت معه
عام 2010 بأنّه “عام 1918 بعث الأمير فيصل رسولاً إليه، (أي إلى حمد عامر) وإلى ابن عمّه زيد عامر يحمل رسائل، ومبلغاً من اللّيرات الذّهبية فاستلما الرّسائل وأعادا المبلغ مع الرّسول وهو من آل العسل”. كان للرّجل (أي حمد عامر) أنفته التي جعلته يرفض تقاضي المال كما لو أنه مكافأة لنضاله في الثورة العربية كما إنه لم يكن بحاجة إلى المال فهو يمتلك أراضي واسعة وثلاثة آلاف رأس من الغنم وبئراً في أرض فِناء دارته في قرية البثينة يملؤها بالسّمن ليطعم منها الصّادي والغادي…
ويشير سعيد الصّغير إلى أن حمد عامر ونجم عزّ الدّين وفضل الله هنيدي كانوا من بين قادة الرّأي وزعماء الجبل الذين أيّدوا فيصل بن الحسين قبل دخوله دمشق في 2 تشرين اوّل سنة1918 1 .
وإبّان دخول قوّات الثّورة العربيّة لتّحرير دمشق بقيادة الشّريف فيصل بن الحسين كان هناك الكثير من الثّارات بين القبائل والعشائر العربيّة التي اجتمعت على تأييد الثّورة العربية، ولذلك فقد أرسل فيصل المجاهد الشّيخ حديثة الخريشا وهو من زعماء قبيلة بني صخر المنتشرة في الأردنّ إلى دمشق بهدف إبلاغ قادة القوّات العربيّة وزعماء العشائر برغبته بدفن الخلافات والثّارات القديمة بينها من أجل جمع كلمة الأمّة، وقد التقى بهم الأمير فيصل في ديوانه في حيّ المهاجرين وكان حمد عامر أحد أولئك الزّعماء في ذلك الاجتماع. وفيه توطّدت علاقة سلطان بحمد كما يشير سلطان في مذكراته المخطوطة، (ج1، ص52) بقوله: “منذ ذلك الحين توثّقت علاقتي بحمد عامر فغدا صديقاً حميماً لي تمثّلت به روح التّضحية في سبيل الحرّيّة والاستقلال”، وعلى أثر الاحتلال الفرنسي لسوريا عام 1920 وانتقال الملك فيصل إلى فلسطين أرسل سلطان رسلاً من قبله دعا فيها الملك فيصل للعودة إلى الجبل من أجل متابعة الكفاح ضدّ الفرنسييّن2 لكن تجاهل فيصل للنداء خلق شعوراً بالخيبة وفراغاً كبيراً في الثورة العربية فتبلبل الرّأي العام في الجبل وبرز فريق يدعو إلى القبول بالأمر الواقع، بإستثناء سلطان وفريقه الذي لم يكن ليثق بالفرنسييّن.
دويلة في الجبل
إصطنع الفرنسيون في السّويداء دويلة أسمَوْها “دولة جبل الدروز”، واصطنعوا لها مجلساً نيابيّاً، في الأوّل من أيّار سنة 1921، وقد انتَخَب ذلك المجلس الأمير سليم الأطرش حاكماً للجبل، وفي ذلك المجلس النّيابي المُصْطَنَع كان هناك نوّاب وطنيّون يتعاونون مع سلطان وفريقه أبرزهم فضل الله هنيدي وحمد عامر ومحمّد عز الدين الحلبي وأخوه فواّز وعلي عبيد وحسني صخر، والمَسيحيّ يوسف الشّدياق، ، وقد كان حمد عامر حينها من بين الشخصيّات الحكومية وقادة الرّأي الذين حسموا موقفهم برفض قبول عودة كاربييه حاكماً على الجبل قائلين “إذا رجع الكابتن كاربييه إلى حاكميّة الجبل فنحن لايمكن لنا أن نقوم بالأعمال لذلك نطلب الاستقالة3 ”.

دوره في الثورة السورية
في فترة التّحضير للثّورة على الاحتلال الفرنسي كان سلطان يدرك بفطرته السّليمة أنّه لابدّ من إنهاء الخلافات القديمة بين العائلات وتوحيد الجهود من أجل الانتقال إلى موقف موحّد في المواجهة مع الفرنسييّن وعلى هذا فقد تألّفت في الجبل لجنة مركزيّة ولجنة صلحيّة وخمس لجان فرعيّة لتغطية سائر حواضر الجبل، وكان حمد بك عامر رئيساً للّجنة الثّانية ومركزها شهبا، ومهمّتها إيجاد التّفاهم والتّعارف ورفع كلّ حقد بين العشائر والعائلات التي سبق وأن وقعت بينها خلافات في فترات سابقة في المقرن الشّمالي من الجبل، ومن أعضاء تلك اللّجنة كان الوجهاء جميل بك عامر وسعيد بك عز الدّين وسليم بك سلاّم وجبر بك شلغين.

في ميادين الثّورة
ممّا جاء في مذكّرات متعب الأطرش على لسان ولده هايل أنّ الذين أغاروا على مواقع الفرنسيين في تلّ الخروف كان عددهم سبعين فارساً ولم يعد منهم أحياء سوى 15 بسبب مكيدة مُحكَمة رتّبها الفرنسيّون للإيقاع بفرسان الدّروز وكان حمد عامر واحداً من أولئك الخمسة عشر فارساً الذين نَجَوْا من تلك المكيدة المُحْكَمة، ولكنّه عاد منها جريحاً، ويشير سلطان باشا في مذكّراته (ص131) إلى أنّ حمد عامر كان واحداً من أولئك الأبطال الذين كُتبت لهم النّجاة في معارك اليومين السّابقين لمعركة المزرعة كما يشير مهنّا كرباج إلى أنّه أصيب في موقعة تلّ الخروف بعد أن أبدى بطولة مشهودة.
ولكن جرح حمد عامر لم يمنعه من الاشتراك في اليوم التالي في موقعة المزرعة في 3 آب حيث تمكّن الثّوار في صبيحة ذلك اليوم من سحق الجيش الفرنسيّ الذي يقوده الجنرال ميشو. وإلى دوره البطوليّ المشهود في تلك المعركة يشير مهنّا كرباج في ص 27 من كتابه “تاريخ رجالات جبل العرب”.
بعد معركة المزرعة اضطُرّ الفرنسيّون لأن يساوموا على أسراهم لدى الثّوار وبعد مداولات جرى الاتفاق مع قيادة الثّورة على إعلان هدنة على أثر اجتماع عقد في قرية المجيمر وعلى شروط منها:
– دفن قتلى الجيش الفرنسي في المزرعة.
– مبادلة الأسرى الفرنسييّن بالزّعماء الذين سبق نفيهم إلى الحسكة والإفراج عن الشبّان المسجونين.
ولتنفيذ الشّرط الثاني تمّ تشكيل لجنة من حسن الأطرش وحمد عامر وهلال عزّ الدين مهمتهم تسليم الثلاثمائة أسير فرنسي إلى لجنة الهدنة واستقبال الزّعماء العائدين من المنفى، والشّبّان المُفرَج عنهم من السجون ليًصار إلى استقبالهم في بلدة عرى بحفاوة.

قائد الثورة السورية سلطان باشا الأطرش اكتشف مواهب حمد عامر وصادقه وكلفه بمهام حساسة
قائد الثورة السورية سلطان باشا الأطرش اكتشف مواهب حمد عامر وصادقه وكلفه بمهام حساسة

معارك دمشق
كان حمد عامر أحد فرسان حملة الرابع والعشرين من آب التي كان هدفها تحرير دمشق وذلك على أثر المفاوضات مع الزّعماء الوطنيين الشّوام في العاصمة، وكانت الخطّة أن ينطلق من الجبل ألف من الثوّار يلاقيهم ألف ثائر من دمشق في منطقة العادليّة جنوب المدينة بهدف الدخول إلى العاصمة معاً ولكنّ الفرنسييّن واجهوا حملة الجبل بالطّيران والمدفعية في الوقت الذي لم يفِ فيه زعماء دمشق بما وعدوا به من إرسالهم ثواراً من جانبهم لدعم حملة ثوّار الجبل لتحرير العاصمة، وقد كانت تلك من المعارك الخاسرة في الثورة.

حمد في مؤتمر ريمة الفخور
ونظراً إلى أهميّة دوره السياسي والجهادي فقد جرى في مؤتمر ريمة الفخور الذي عقد في أيلول عام 1925 تعيين حمد عامر واحداً من عشرة أشخاص اعتُبروا أركاناً للثورة، منهم سلطان باشا الأطرش، الذي بويِع كقائد عام للثورة السوريّة الكبرى. وقد تمثّلت في ذلك المؤتمر قوى وطنيّة سوريّة وشخصيّات أبرزها عبد الرّحمن الشّهبندر ونسيب البكريّ ونزيه وسعد الدّين المؤيّد العظم وجميل مردم بك وعبد القادر سكّر وقاسم الدّربخاني.
وعلى أثر ذلك المؤتمر، اتّسع نطاق الثّورة وأخذت النّجدات تصل إلى جبل الدّروز من جبل لبنان وغيره من المناطق ووصل الأمير عادل أرسلان قادماً من مصر ورشيد طليع وفؤاد سليم من الأردن لينضمّوا إلى أركان الثّورة.
في 17 أيلول اشترك حمد عامر في معركة المسيفرة، كما في شارك في معارك السويداء الأولى بعد 23 أيلول عام 1925 على أثر زحف غاملان بنحو ثلاثين ألف جندي وهذا العدد يشكّل أضعاف عدد جنود سلفه الجنرال ميشو المهزوم في المزرعة، كان هدفه فك الحصار عن 500 جندي فرنسي مُحاصَرين في القلعة منذ الهزيمة الفرنسيّة المدوّية في معركة الكفر، وفي ليلة دخول قوات غاملان إلى القلعة يقول علي عبيد ص 14 من مذكراته “إنّ تلك القوات “صار عليهم (دور) من قبل المرحومين أبطال الثّورة ورجال الشّرف حمد بك عامر وفضل الله باشا هنيدي والمجاهدين وخسر العسكر بتلك اللّيلة ما ينيف عن الخمسماية جنديّ وحاصروه من الأربع جهات.”

الجنرال موريس غاملان في العام 1936
الجنرال موريس غاملان في العام 1936

مطاردة حملة غاملان
في ص250 من كتابه يذكر الرّيس أنّ غاملان انسحب بجيشه باتّجاه سهل حوران على غير توقّع من الثّوار. ويضيف: “منذ الصّباح أخذ العسكر الذي كان محصوراً داخل القلعة وذهب، فتبعه (بالقتال) المذكورين ــ أي حمد عامر وفضل الله هنيدي ومن معهم من المجاهدين إلى قرب قلعة “السّودا”، لينسحب بعدها إلى درعا”..

الشّهبندر يوثّق موقعة السويداء
يذكر الشّهبندر في ص 177 من مذكّراته أنّ الثّوار قضَوْا عى نحو أربعين جنديّاً من الجيش الفرنسيّ خرجوا من القلعة لورود الماء في مصاد، وقد “ألقى ذلك الرّعب في قلب الجنرال غاملان وحَمَلَه على الانسحاب والتّقهقر بجنوده وبالقائد تومي مارتان ومن كان معه من المحصورين في القلعة منذ معركة الكفر الماضية، فغادرها خلسة تاركاً ما كان فيها من عتاد ثقيل وسلاح كثير وجَدّ في التّراجع (أي الانسحاب) بحيث ترك قدور الطّعام تغلي على النّار. وبعد خروجه من السّويداء يصف الشّهبندر تمركز الآلاف من قوّات غاملان لمدّة ثلاثة أيّام في قرية رساس “ضُرِبت أثناءها البيوت وقُطِعَت الأشجار بصورة همجيّة وفي اليوم التّاسع من تشرين الأول سنة 1925 انسحبت عند طلوع الشّمس فلاحقها المجاهدون وعلى رأسهم الأمير حسن الاطرش ويوسف بك الأطرش وسعيد بك العاص والمرحوم فؤاد بك سليم وصياح بك الحمّود وغيرهم مما اضطرّ الجنرال غاملان إلى نشر جنوده المشاة لكنّ حمد بك عامر البطل المشهور لاقاهم في جهات تل الحديد وقد دام الحرب حتى العصر إذ أصيب العدو بإنكسار شنيع فقرّر حمد عامر الانسحاب إلى المزرعة حيث قضى ليلته واشترك في هذه المعارك أيضاً زيد بك الأطرش وحمزة بك درويش وفضل الله باشا هنيدي الوطنيّ الصّميم والشّجاع الباسل وكانت خسائر العدوّ عظيمة بينها طيارتان وقتلاه تملأ السّهل أمام رساس لكنّنا فقدنا رجلاً لا تعادله الرّجال هو المرحوم حمد بك عامر وجرح أيضاً فضل الله باشا هنيدي” وعقّب الشّهبندر بقوله” ولما ظهرت بوادر الثّورة في سورية رأى الجنرال غاملان شدّة الخطر المُحدِق بالفرنسيين فاضطُرّ إلى الانسحاب من الجبل بصورة نهائيّة”.

الثوار-الدروز-يلبّون-نداء-سلطان-باشا-الأطرش-للانتفاضة-على-الفرنسيين-سنة-1925
الثوار-الدروز-يلبّون-نداء-سلطان-باشا-الأطرش-للانتفاضة-على-الفرنسيين-سنة-1925

 

وذكر السّفرجلاني أنّه في “الخامس من تشرين الأوّل بلغ الظمأ منتهاه بالجيش الفرنسيّ رأى أن يتوجّه إلى كناكر لورود الماء، غير إنّ الثّوار كانوا للعدوّ بالمرصاد إذ وقفوا وحالوا دونه والماء … فاضطُرّ غاملان إلى بثّ جنوده المشاة هناك لكنّ البطل حمد عامر لاقاهم من جهات تلّ الحديد ودامت الحرب بين الطّرفين حتى العصر وقد مُنِيَ العدوّ بخسائر فادحة في هذه المعركة وقد انسحب حمد العامر إلى المزرعة حيث قضى ليلته وفي اليوم الثاني تابع (الجيش الفرنسيّ)الانسحاب إلى المسيفرة وقد كان للأشاوس الرئابيل زيد الأطرش وفضل الله الهنيدي وحمزة الدّرويش أكبر الفضل في الانتصار بهذه الوقائع غير إنّ الذي كدّر هذا الظّفَر وعكّره استشهاد الباسل حمد العامر وجرح البطل الكبير فضل الله الهنيدي.
كان مبيت الجيش الفرنسيّ في المزرعة أمراً لا مفرّ منه للجنرال غاملان المنسحب أمام ضغط هجمات الثّوّار وملاحقتهم لقوّاته المتراجعة، وهنا يتساءل المجاهد الصّحافيّ منير الرّيّس وأحد شهود تلك المعارك فيقول:”لا أعلم ما هو شعور الجنرال غاملان ورجال جيشه في تلك اللّيلة وهم يبيتون على مياه المزرعة وفي أراضيها التي شاهَدَتْ قبل شهرين تقريباً أقسى صراع دمويّ بين الدّروز الذين يلاحقون حملته اليوم وبين جيش أفرنسيّ كجيشه أسفر عن سحق الجيش وإبادته تشهد على ذلك أرض المعركة المليئة بحطام المدرّعات وأنقاض المركبات والألوف من بني الإنسان والحيوان”.
ويضيف الريس القول:”إنّني أقدّر أنّ جفون الكثيرين من الضباط والجنود الفرنسييّن لم تغمض في تلك الليلة، لاسيّما وهم يسمعون طلقات الرّصاص تئزُّ حولهم من البنادق والرّشّاشات التي تحميهم من مناوشات الدّروز المحيطين بهم في اللّيل بقيادة حمد عامر وهم مقاتلة المقرن الشّمالي الذي اعتقد الجنرال غاملان أنّه خضع لفرانسة (فرنسا) ولم يبقَ أمامه غير المقرن الجنوبيّ”
وإلى انسحاب العسكر الفرنسيّ يشير المجاهد علي عبيد في
ص 15 من مذكّراته أنّ:” العسكر شال (أي انسحب) وأبقى المدرعات جانب رساس لحماية العسكر وحيث إنّ الدروز كانوا قبل بيوم وضعوا مدفع في هيش (أي حرش) السّهوة الذي هو عالٍ على منازل (أي مواقع) العسكر بأكثر من ألف متر فضربوا المدرّعات المذكورة ثلاث طلقات أجبروهم على الانسحاب والهريبة وأظنّ أنّ سبب رحيل العسكر هو مسبّب عن أخذ هذا الاستحكام لكون العسكر في أراضٍ سهليّة والمدفع مستولي (أي مسيطر) عليها فعند هرب المدرّعات المذكورة هجمت على العسكر شبّان الدّروز وكسروه شرّ كسرة إلى أن أوصلوه قرية الثّعَلَة مساء فخيّم بها وصباح اليوم التّالي شال قاصداً ماء المزرعة”، ويرى المجاهد الشّيخ علي عبيد أنّ تلك التحرّكات للقوّات الفرنسيّة كانت بناء على طلب بعض المتواطئين مع الفرنسييّن ضدّ الثورة الذين سبق لهم أن وعدوا غاملان بقدوم وفد للتسليم من المقرن الشّمالي، ولكن ما أفشل تلك الخطّة أنْ قابله (أي قابل الجيش الفرنسيّ) المرحوم حمد عامر وفضل الله باشا هنيدي ودروز المقرن الشّمالي والشّرقيّ ولم يمكّنوه من تنزيل الأحمال عن ظهور الجمال بل بقيت كلّ تلك الليلة الأحمال على ظهور الجمال وصباح اليوم التالي شال ورجع مدحوراً إلى درعا وأزرع تاركاً نيّف عن ثلاثة آلاف قتيل من حين دخوله إلى عرى (2 تشرين الأوّل عام 1925 حسب الرّيّس ص 241) لخروجه من المزرعة (9 تشرين الأوّل1925)، لكن استشهد المرحوم حمد بك وجرح فضل الله باشا”.
وإلى خسائر الجيش الفرنسيّ الذي كان يقوده غاملان يقول الرّيّس ص 254: “إنّ خسائر جيش غاملان أثناء انسحابه من الجبل كانت أضعاف أضعاف العدد الذي اعترفت به القيادة الفرنسية وربّما كانت الخسائر المُعتَرف بها هي بالفرنسييّن وحدهم دون خسائر الحملة من جنود الرّماة الأفريقيين والفيلق الأجنبي فجنود هذين اللواءين ليسوا فرنسييّن وخسارتهم لا تُعتَبَر خسارة للجيش الفرنسيّ”.

aجانب-من-مدينة-شهبا--السويداء-في-عشرينيات-القرن-الماضي
aجانب-من-مدينة-شهبا–السويداء-في-عشرينيات-القرن-الماضي

تأبين الشهيد
يقول الرّيّس في ص 253 من كتابه الذّهبي: “ما كاد فجر التّاسع من تشرين الأوّل يبزغ حتى هبّت الحملة تسرع بالرّحيل من هذا المكان الموحش بذكرياته والدّروز يناوشونها حتى دخلت أراضي حَوْران وخلّفت وراءها الجبل الثّائر الذي عادت إليه حماسته والذي لم تتجاوز خسائره في معارك الأيّام الثلاثة أكثر من بضعة عشر شهيداً وعشرات الجرحى وبين الشّهداء حمد عامر الذي يُعتبر أكبر زعيم في المقرن الشّمالي ومن أنبل زعماء الجبل وأكرمهم وأشجعهم. أمّا خسائر الحملة الفرنسيّة في أيام انسحابها فتقدّر بمئات القتلى والجرحى بينهم عدد من الضبّاط وكبار القادة فقد أقام الفرنسيّون يوم وصولهم إلى مواقعهم ومراكزهم في حوران حفلاً عظيماً لدفنهم.
وممّا ورد في مذكّرات حكيم آل الأطرش وعارفتهم أو عرّاف جبلهم الأمير متعب الأطرش4 على حد تعبير منير الرّيّس، في ص 106 من مذكّراته المخطوطة والتي تمّت مراجعتها وضبطها من قبل الباحث الأستاذ الأديب والمترجم عارف حديفة ، بأنّ “الجيش الفرنسيّ الذي هاجم الجبل لفكّ الحصار عن قلعة السّويداء المضروب عليها منذ أكثر من شهرين هاجمته دوريّة درزيّة بقيادة المأسوف عليه حمد عامر بقصد ألاّ يتركوه يهدأ ويرتاح وكان قصد الجيش أن يمتدّ من المزرعة إلى قضاء شهبا لأجل بثّ الدّعاية وضعضعة الثّورة ولكن هذه المهاجمة جعلته يقطع الأمل وعاد الجيش منسحباً إلى أزرع وثم صار الجيش الإفرنسيّ يتجمّع في درعا”.
وقد ذكر سلطان باشا في مذكراته ج 1 ص 186 فقال “ومن جملة شهدائنا في تلك المعركة الضّارية عمّي نسيب وعبد الله العبد الله ورفيق جهادنا البطل حمد عامر الذي كان من أركان الثّورة البارزين”.
ويذكر محمد جابر ص 29 من كتابه “أركان الثورة” أنّ حمد عامر استُشهِد في معركة السّويداء الثّانية في 8 تشرين الأوّل وكان يرافقه عبد له اسمه عُبَيد فما كان من عُبَيد إلّا أنِ انتقم لسيّده إذ انتخى (أي دبت فيه الحميّة)عنده وهو يتضرّج بدمه وهجم على الفرنسييّن فقتل أربعة منهم ومن ثمّ قام المقاتلون الذين يرافقونه بنقل جثمانه إلى قريته البثينة حيث دفن فيها.
وقد أبّنه محي الدّين السّفرجلانيّ في كتابه “الثورة السّوريّة الكبرى” ص 563 بقوله: “هذ الفقيد الفحل والشّيخ المُهاب يُعَدّ رُكناً كبيراً من أركان الّثّورة السوريّة الكبرى وقد انتخبته قريته البثينة ليكون علمها الخفّاق فيها فكان بذلك عند حسن الظّنِّ فساهم في أكثر الوقائع حتى كانت واقعة المزرعة الأخيرة عام 1925 وفيها كافح وقاتل حتى ختم الخمسين من عمره بأن أحرز لقب شهيد في سبيل العروبة”.
وفي معرض حديثه في شأن زعامة آل عامر اعتبره حنّا أبو راشد في ص 61 ــ 62 من كتابه المجموع “جبل الدّروز، حَوران الدّامية” أنَّه من زعمائهم الفُضَلاء، وأنّه كان محبوباً من الجميع، رحمة الله على الشّهيد”.
أمّا الزّعيم السّوريّ المجاهد الدّكتور عبد الرحمن الشّهبندر فقد قال فيه في ص 84 من مذكّراته “لقد فقدنا رجلاً لا تعادله الرجال هو المرحوم حمد بك عامر”.

سخاؤه الشهير
على مجاهدي الثورة

كان الشهيد حمد عامر ثريّاً ويملك أراضي واسعة في ثلاث قرى ولم ينجب ذرّيّة من الذكور وإنّما أربع بنات وقد بقي طيلة أيّام الحرب منذ يوم اشتراكه فيها إلى يوم استشهاده يأمر رجاله أن ينقلوا على جماله الماء والطّعام للمجاهدين يوميّاً سواء إلى معسكراتهم أو إلى ميادين القتال معرّضين أنفسهم للخطر وكان قد أعدّ خزاناً نظيفاً في فناء داره خصّصه للسّمن الذي تنتجه أغنامه إذ كان يملك ما يزيد على ثلاثة آلاف رأس من الغنم وغيرها من المواشي
وكانت النساء يصنعن الخبز يوميّاً في داره ويقمن بدهن رغيفين بالسّمن والسكّر يوميّاً، أو بالسّمن واللّبنة ولفّهما على شكل سندويشة ليكونا وجبة دسمة لواحد من الثّوار.

مشاركة المقال

التعليقات

Leave a Reply

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اترك تعليقاً

Leave a Reply

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

المقالات ذات صلة

السابق
التالي