السبت, شباط 22, 2025

اشترك معنا للاطلاع والحصول على أحدث المقالات والأعداد

السبت, شباط 22, 2025

اشترك معنا للاطلاع والحصول على أحدث المقالات والأعداد

بحث ..

  • الكاتب

  • الموضوع

  • العدد

حول نظرية الأصل الخزري لليهود

حـــــــول فرضيــــــــة الأصــــــــل
الخــــزري لليهــــود الغربييــــن

حـــــــول فرضيــــــــة الأصــــــــل
الخــــزري لليهــــود الغربييــــن

التوسّع الصهيوني إستند دوماً إلى الضعف العربي
أكثر من استناده إلى حقوق تاريخية مزعومة

لم تبرز نظرية تحدُّر اليهود الأوروبيين من الشعب الخزري الآسيوي إلا في النصف الثاني من القرن الماضي، لكن هذه النظرية التي لم يتبناها إلا عدد محدود جداً من الكتّاب وأحد علماء الجينات اليهود تحوّلت إلى أحد أكثر المواضيع إثارة للجدل والتعليقات داخل الوسط اليهودي وخارجه أيضاً واستقطبت النظرية بصورة خاصة إهتماماً واسع النطاق في العالم العربي حيث تحمّس لها كثيرون باعتبارها توفّر حجة بالغة في الجدل حول شرعية الكيان الصهيوني ودولة إسرائيل. وبالنظر إلى الحيز الذي احتلته في نصف القرن الماضي ثم تبني عدد كبير من المفكرين والمؤرخين العرب لها فإننا وجدنا من المفيد تخصيص هذا المقال لتمحيص هذه النظرية ومحاولة تحليل الحسابات والدوافع التي شجّعت على صياغتها وانتشارها.
رغم وجود بعض الآراء المتفرقة في الموضوع مثل أفكار بنجامين فريدمان في خمسينيات القرن الماضي فإن الفضل في الترويج لفكرة أن اليهود الأوروبيين ليسوا من أصل يهودي سامي يعود للكاتب اليهودي الهنغاري الأصل آرثر كوستلر ولكتابه الذي أصدره في العام 1976 ونال شهرة واسعة وهو بعنوان “السبط الثالث عشر”.
حسب كوستلر، فإن اليهود الغربيين (الأشكناز) لا ينتمون عرقياً إلى شعب إسرائيل التاريخي المذكور في الكتب المقدسة، بل هم متحدِّرون من شعب ذي أصول آسيوية تركية الذي كان يعيش في ما عرف بإمبراطورية الخزر التي قامت بين البحر الأسود وبحر قزوين والتي تبنّى شعبها اليهودية في القرن الثامن الميلادي، ثم نزح بعد ذلك، وبعد انهيار مملكة الخزر، إلى أوروبا الشرقية خلال القرنين الثاني عشر والثالث عشر وخصوصاً إلى أوكرانيا وبولونيا وبيلاروسيا وليتوانيا وهنغاريا وألمانيا، وبناء عليه، اعتبر كوستلر ثم كتّاب آخرون يساريون مثل شلومو ساندز بأن الغالبية العظمى من يهود أوروبا يعودون في جذورهم إلى شعب الخزر وليسوا بالتالي ساميين.
هذه النظرية التي تعتبر “ثورية” فعلاً إن في مؤداها أو في نتائجها السياسية ضعيفة من الأصل وقد أسقطتها لاحقاً مختلف الدراسات الجادة التي قامت بها مجموعات من علماء وباحثين استخدمت أحدث تقنيات علوم الجينات البشرية (وسنأتي على ذكر بعض تلك الدراسات بعد قليل)، فآرثر كوستلر الذي كان له الدور الأهم في الترويج لهذه النظرية، رغم كونه مفكراً لامعاً، لم يكن مؤرخاً ولا عالماً طبيعياً وهو بنى نظريته على مصادر ثانوية وعلى إنتقائية إستخدم فيها ما يلائم النتائج التي يريد أن يتوصل إليها، وقد سُفِّهت نظريته على نطاق واسع لكنها مع ذلك حققت شهرة كبيرة بسبب طابعها المثير للجدل وترجمة كتبه إلى عدد كبير من اللغات بما فيها اللغة العربية، وانتشرت مقولات كوستلر

“من مفارقات نظرية الأصل الخزري لليهود الأشكناز الإقرار ضمناً بحق يهود الشتات بإستيــــــطان فلسطين”

في الصحف والإعلام العربي، وأفاض الكتّاب والمعلقون في استقراء النتائج السياسية التي تترتب على تلك النظرية وأبرزها دحض الإدعاء بأن اليهود الأوروبيين هم من مكونات الشتات اليهودي وهو ما يهدم “شرعية” الهجرة إلى فلسطين أو شرعية إدعاء اليهود حق العودة إلى فلسطين. وقد تبنّى هذا الموقف بصورة خاصة عالم ومؤرخ عربي كبير هو عبد الوهاب المسيري الذي أصدر في العام 2008 كتاباً بعنوان “ من هم اليهود، وما هي اليهودية”؟ يعتبر من أهم الكتب التي يجب قراءتها لفهم المسألة اليهودية والعوامل التي ساهمت في إطلاق الفكرة الصهيونية ومشروع الإستعمار الغربي لفلسطين. وفي كتابه يعتبر المسيري أن نشوء إسرائيل تمّ نتيجة توافق من أوروبا المسيحية على “تصدير المشكلة اليهودية إلى الشرق بإقناع الفائض البشري اليهودي بأن تهجيره إلى فلسطين ليس محاولة للتخلص منه وإنما هو عودة إلى أرض الميعاد إلى آخر هذه الترهات، وبالفعل قامت الإمبريالية الغربية بتأسيس الدولة الصهيونية لتستوعب هذا الفائض ولتكون قلعة أمامية تدافع عن مصالح العالم الغربي في المنطقة العربية”.
إن المسيري محق بالتأكيد في اعتبار إسرائيل واليهود الذين تبنوا التفكير الصهيوني مجرد “جماعة وظيفية” لخدمة مصالح الدول الغربية في تقسيم العالم العربي والسيطرة على هذه المنطقة التي أصبحت بلا مرجعية بعد انهيار السلطنة العثمانية، لكنه وهو المعروف بدقته التاريخية لم يستطع مع ذلك مقاومة إغراء العائد السياسي الجاهز لنظرية الأصل الخزري لليهود الأوروبيين فمال بالتالي إلى تبنّي النظرية. ولأن دراسة إران الحايك، وهو عالم جينات إسرائيلي مثيرة للجدل1 لم تكن قد نشرت بعد، فإن ذلك يعني أن المرجع الأهم الذي قد يكون المسيري استند إليه هو كتاب آرثر كوستلر “السبط الثالث عشر.
لكن قبل الدخول في عرض النظريات والأبحاث الكثيرة التي تتناول الأصول الأثنية لليهود الأوروبيين من المفيد أن نعرض هنا إلى أن كوستلر نفسه إعترف في وقت لاحق لصدور كتابه أنه أراد منه خدمة هدف سياسي هو إلغاء الذرائع العرقية التي بنيت عليها معاداة السامية (أي معاداة اليهود) في أوروبا، فهو أخبر صديقه عالم البيولوجيا الفرنسي بيير دوبريه ريتزن بأنه “على يقين بأنه إن أمكنه أن يثبت أن غالبية يهود أوروبا (الأشكناز) هم متحدِّرون من شعب الخزر البائد وليس من بني إسرائيل التاريخيين فإن ذلك سيزيل الأساس العرقي الأهم لمعاداة السامية وبالتالي المشاعر المعادية لليهود في أوروبا”.

أجندة كوستلر السياسية
إن الواقعة السابقة توضح بأن كوستلر الذي لم يكن مجهزاً للكتابة في موضوع معقّد مثل الأصول العرقية لليهود الأوروبيين كان يتحرك بهدف سياسي هو رفع الضغط العنصري عن اليهود الأشكناز من خلال تبرئتهم من وزر أساسي هو تهمة صلب المسيح واضطهاد المسيحية وهو إرث جعل اليهود تاريخياً في موقع العدو للشعوب المسيحية..
كان كوستلر قد بدأ حياته شيوعياً ستالينياً ثم انقلب على الشيوعية وعمل مع الأجهزة الغربية2 وتحول إلى أحد أبرز مناهضي الشيوعية مع شيوعي سابق كسب شهرة أوسع هو جورج أورويل الذي صوّر بشاعة الدكتاتورية الستالينية في كتابه الشهير “مزرعة الحيوانات”، كما أصدر أشهر كتبه عن هيمنة الدولة على الفرد في كتابه الشهير الآخر “1984” ، وقد فوجئ كوستلر بأن نظريته التي أراد أن تخفف الضغط عن اليهود الغربيين تلقفتها على الفور الأوساط التي تعادي الدولة الصهيونية بإعتبارها تزيل أي شرعية عن الهجرة اليهودية إلى فلسطين، وقد أثارت هذه المضاعفات غضب الأوساط اليهودية التي اتهمت كوستلر بالتفكير المغامر والأخرق الذي أضرّ بالقضية اليهودية أكثر مما نفعها لذلك، سارع كوستلر للدفاع عن نظريته بالقول إنه لم يقصد بها نفي حق إسرائيل بالوجود معتبراً أن هذا الحق وبالتالي شرعية إسرائيل- لا يستندان إلى مبررات دينية أو عرقية بل إلى قرارات الأمم المتحدة وبالتالي فإن الجدل حول أصل اليهود لا يجب أن يكون له أثر على حق اليهود في الانضمام إلى المجتمع الإسرائيلي.
لكن، وفي جميع الأحوال، فإن احتفال الكتّاب العرب بنظرية الأصل الخزري لليهود الأوروبيين كان فيه استعجال لأن النظرية نفسها تنطوي على مزالق بل على فخ محكم لم يتنبه إليه المتحمسون لها وهذه المزالق تكمن في ما يلي:
1. إن نظرية الأصل الخزري ضعيفة جداً من الناحية العلمية وإن كانت مناسبة في نظر البعض من الناحية السياسية، وسنبيّن بعد قليل أن أكثر الدراسات الجادة كذبتها، فهي لذلك ليست أرضاً صلبة يمكن الوقوف عليها في مناهضة الصهيونية ومشروعها في إسرائيل..
2. إن بناء الحق الفلسطيني ليس على أن إسرائيل في حدّ ذاتها مشروع باطل وغاصب للحق بل على حجة فرعية هي أن اليهود الذين يهاجرون إليها من الدول الأوروبية لا يحق لهم ذلك لأنهم ليسوا من يهود الشتات، يعني الإقرار ضمناً بأن من حق يهود الشتات أي أولئك الذين ينتمون فعلاً إلى الشعب اليهودي الأصلي أن يطالبوا بحق العودة، وهذا من أغرب المفارقات.
3. إن أكثر من نصف السكان في إسرائيل اليوم هم من المزراحين Mizrachim أي الذين كانوا في فلسطين العربية أو هاجروا إليها بصورة خاصة من الدول الإسلامية والعربية التي كانت تابعة للسلطنة العثمانية خصوصاً بعد حربي 1948 و1967. فما هو في نظر أصحاب نظرية الأصل الخزري لليهود الغربيين حكم هؤلاء اليهود (وهم بصورة أكيدة ينتمون إلى الشعب اليهودي الأصلي)؟ هل لأنهم كذلك يعني أن من حقهم الهجرة إلى إسرائيل؟
إن الواقع الديمغرافي للسكان في إسرائيل اليوم يشير بوضوح إلى أن الاستثمار في نظرية الأصل الخزري لليهود الأشكناز (الذين يمثلون اليوم أقل قليلاً من نصف سكان إسرائيل) لا فائدة منه لأنه حتى ولو افترضنا جدلاً أن قسماً كبيراً من هؤلاء لا يعودون بأصولهم إلى اليهود الساميين فإن ذلك لن يتناول إلا نسبة معينة من سكان إسرائيل اليوم، وسنكون قد وضعنا أنفسنا في مأزق كبير بحيث قبلنا بصورة غير مباشرة بشرعية إسرائيل ككيان، لكن مع الدخول في جدل بيزنطي حول من يحق له ومن لا يحق له الهجرة إليها واغتصاب حقوق سكانها الأصليين!

حقيقة اليهود الخزر
إن أسطورة الأصل الخزري لليهود الغربيين تقوم على مغالطة أساسية هي الخلط بين اعتناق خاقان (ملك) الخزر والنخبة المحيطة به لليهودية في القرن التاسع الميلادي لأسباب سياسية وبين الإدعاء بأن شعب الخزر جميعه إعتنق اليهودية وهو ادعاء تظهر كل البراهين التاريخية أنه باطل، لأن هذا الشعب الآسيوي كان في غالبيته الكبرى من المسلمين والمسيحيين وبعض الوثنيين، وقد كان الخزر جزءاً من الإمبراطورية التركية الغربية في آسيا الوسطى في حوالي منتصف القرن السادس الميلادي قبل أن تعتنق الشعوب التركية الإسلام.
ومن المتفق عليه بين المؤرخين أن الخزر حصلوا على درجة كبيرة من الاستقلالية في ظل الحكم العربي الإسلامي، وأقاموا دولة خاصة بهم وأن ملك الخزر (الخاقان) إعتنق الديانة اليهودية في القرن الثامن للميلاد وتبعه بعض حاشيته لسبب سياسي هو وقوع الخزر بين فكي صراع شرس بين الدولة الإسلامية العبّاسية في ظل الخليفة هارون الرشيد وبين الدولة المسيحية البيزنطية، فأراد الخاقان أن ينأى بمملكته عن الصراع ووجد في تبني الدين اليهودي الذي كان معترفاً به كدين كتابي حلاً يبرر له الوقوف على الحياد بين الإمبراطوريتين النصرانية والإسلامية، لكن تهوّد الخاقان وحاشيته لم يتجاوز نطاق الطبقة السياسية إلى الشعب الخزري الذي كانت تنتشر وسطه الديانتان الإسلاميّة والمسيحية إلى جانب بعض المعتقدات الوثنية، ولم يكن في وسع الخاقان –أو مصلحته- أن يجبر المجموعات الدينية المختلفة

آرثر كوستلر لعب الدور الأهم في الترويج لنظرية الأصل الخزري لليهود الأوروبيين وأقر لاحقا بأن هدفه كان سياسيا
آرثر كوستلر لعب الدور الأهم في الترويج لنظرية الأصل الخزري لليهود الأوروبيين وأقر لاحقا بأن هدفه كان سياسيا

في المملكة على تبني اليهودية بالقوة لأنه كان سيستفز بذلك العباسيين والبيزنطيين معاً. ويذكر الاصطخري3 أن دولة الخزر كانت تديرها “طبقة حاكمة” من اليهود، وأما شعوبها فأغلبهم من المسلمين والمسيحيين والوثنيين، وأن المساجد كانت تنتشر في أرجاء المملكة إلى جانب الكنائس المسيحية والمعابد، كما إن المحكمة العليا كانت مشكلة من أعضاء من المسلمين والمسيحيين والوثنيين، ورغم تعاظم الدولة الإسلامية وانتشار الدين الحنيف فقد هادنت الدولة الإسلامية مملكة الخزر وقامت علاقات قوية تجارية وثقافية بين الطرفين لكن قامت بعد ذلك حروب انتهت بزوال مملكة الخزر واستيلاء العرب المسلمين على معظم أقاليمها وتحول الخزر نتيجة لذلك إلى شعوب تعيش في ظل الدولة الإسلامية الواسعة المترامية الأطراف وعلى سبيل المثال، فإن أحد أبرز علماء المسلمين وهو أبو جعفر محمد بن جرير الطبري، صاحب تفسير الطبري هو من طبرستان في مملكة الخزر.
إن الوقائع السابقة الواردة في روايات المؤرخين العرب خصوصاً تظهر أن شعب الخزر بقي رغم تهوّد الخاقان وحاشيته في أكثريته الساحقة من غير اليهود، وأن هذه الأكثرية كانت قد تحوّلت إلى الإسلام في القرن الثاني عشر. وقد لا ينفي ذلك هجرة فئة من يهود الخزر إلى أوروبا الشرقية أو الغربية، لكنه يظهر أن تلك الهجرات كانت محدودة وربما نتج عنها اختلاط بين اليهود الخزر وبين اليهود الذين كانوا قد قدِموا من الشرق الأوسط إلى أوروبا منذ أيام الرومان، لكن هذا التمازج كان محدوداً كما بيّنت لاحقاً الدراسات الجينية التي أثبتت أن العنصر الخزري لم يظهر إلا بنسبة ضئيلة في التكوين الجيني لليهود الأوروبيين، بينما

مملكة الخزر كانت تضم عشرات القبائل والأعراق والديانتين الإسلامية والمسيحية فضلا عن الوثنيين السلاف دخلت معظم شعوبها مع ال
مملكة الخزر كانت تضم عشرات القبائل والأعراق والديانتين الإسلامية والمسيحية فضلا عن الوثنيين السلاف دخلت معظم شعوبها مع ال

“خاقان الخزر وحاشيته تهوّدوا في القرن التاسع سعياً للحياد في الصراع بين بيزنطة والدولة الإسلامية لكن أكثرية الشعب بقيت على الديانتين الإسلامية والمسيحية”

تبين بوضوح أنهم يحملون بأكثريتهم البصمات الجينية لليهود الساميين المنتمين إلى بلدان الشرق الأوسط.
وسنسرد في ما يلي مقتطفات من أبحاث جينية تمت في العقدين الأخيرين في ما يتعلق بالأصول الأثنية لليهود الأوروبيين والتي تثبت جميعها عدم صحة فرضية الأصل الخزري.

1. في العام 1999 صدر بحث علمي بعنوان “يهود وشعوب الشرق الأوسط غير اليهودية يشتركون في مجموعة واحدة من الكروموزوم Y البياللي” لهامر وآل4 نشر في محاضر الجمعية الأميركية للعلوم وجاء فيه: “على الرغم من إقامتهم لمدة طويلة في بلدان مختلفة وبعزلة بين مجموعة وأخرى، فإن معظم السكان اليهود لم يظهروا اختلافاً كبيراً في ما بينهم على مستوى الخصائص الجينية”، وأضاف التقرير العلمي

الشعب الخزري من أصول تركية ويختلف كليا عن العرق اليهودي
الشعب الخزري من أصول تركية ويختلف كليا عن العرق اليهوديعن نتائج البحث القول:”إن معظم الجماعات اليهودية بقيت في عزلة نسبية عن محيطها غير اليهودي خلال الشتات وما بعده” و”إن اليهود الغربيين (الأشكناز) يشتركون في أصولهم مع الجماعات اليهودية الشرق أوسطية بدرجة أكبر من اشتراكهم في تلك الخصائص مع الجماعات غير اليهودية القاطنة في أوروبا الشرقية وألمانيا”.

2. أظهرت دراسة نشرت في العام 2006 بعنوان “التركيبة الثانوية للشعب الأوروبي : خصائص الأقوام الجنوبية والشمالية” أن اليهود الأشكناز (الأوروبيون) والسفارديم (الشرقيون) أظهروا أنهم يشتركون في ما لا يقل عن 85% من خصائص الجماعة الجنوبية وهو ما ينسجم مع القول بوجود أصل متوسطي مشترك للجماعتين.

البروفسور-إران-حايك-مروج-نظرية-الأصل-القوقازي-للدروز
البروفسور-إران-حايك-مروج-نظرية-الأصل-القوقازي-للدروز

3. في نيسان سنة 2008 بعنوان “ إحصاء الأسلاف: الخصائص الجينية المشتركة للشتات اليهودي” خرج الباحثون بنتيجة أن 40% من اليهود الأشكناز يتحدّرون من أربع جدّات نساء جميعهن من أصل شرق أوسطي.
4. في كانون الثاني 2009 صدرت دراسة حول أسلاف الشعب اليهودي في المجتمع الأوروبي الأميركي وانتهت إلى القول “إن الأفراد اليهود الذين أظهروا انتماءهم الكامل إلى سلالة يهودية شكلوا مجموعة مختلفة تماماً عن أولئك الذين لا ينتسبون إلى أصول يهودية” وأظهر البحث “أن اليهود الأشكناز والسفارديم أظهروا إنتماءهم إلى مجموعة أثنية واحدة” وهذا الافتراض سيكون مستحيلاً في حال الأخذ بنظرية الأصل الخزري لليهود الأشكناز.
5. في شهر كانون الأول 2009 خرجت دراسة حول الأصول المشتركة بين يهود الشرق الأوسط واليهود الغربيين5 بالاستنتاج التالي: “ إن المجموعات الأثنية اليهودية تظهر مستوى عالياً من التماثل الجيني في ما بينها، وهذه النتيجة تدعم القول بأن الجماعات اليهودية تشترك في أصول شرق أوسطية وأنهم حققوا خلال تاريخهم درجات مختلفة من الإمتزاج مع الأعراق غير اليهودية ذات الأصول الأوروبية”.
6. في دراسة صدرت في كانون الأول 2009 بعنوان “ التركيب الجيني للشعب اليهودي” انتهى الباحثون إلى القول: “إن العينات التي تمّ درسها من أوساط مختلفة من يهود الشتات أظهرت أن معظمها يعود بأصوله إلى بلدان المشرق”.
7. في حزيران 2010 أظهرت دراسة بعنوان6: “أبناء أبراهام في عصر الجينوم: “إن معظم جماعات الدياسبورا اليهودية ذات أصول شرق أوسطية” وقد جاء في الدراسة أن الأبحاث التي جرت على 7 مجموعات يهودية من إيران والعراق وسوريا وإيطاليا وتركيا واليونان واليهود الأشكناز (الأوروبيون) أظهرت وجود خصائص لكل من تلك المجموعات تعود إلى أصول شرق أوسطية لكن مع وجود درجات متفاوتة من التمازج مع العنصرين الأوروبي والشمال أفريقي” وتضمّنت الدراسة رفضاً صريحاً لنظرية الأصل الخزري لليهود الأوروبيين بالقول:”إن القرابة الجينية بين المجموعات المدروسة لا تتوافق مع النظريات التي تقول بأن اليهود الأشكناز متحدِّرون مباشرة من الخزر السلاف الذين اعتنقوا اليهودية”.
وهناك في الحقيقة مصادر عديدة وأبحاث لا يتسع المجال لذكرها في هذا المجال تظهر كلها أن لليهود الأشكناز جذوراً مشتركة مع يهود بلدان المشرق الذين عاشوا طويلاً في أنحاء الدولة الإسلامية واندمجوا بمجتمعاتها، كما إن الدراسات اللغوية (الألسنية) تظهر أن كلمات عديدة تنتشر بين اليهود الأشكناز والسفارديم على السواء وأن المفردات الخزرية تكاد تكون مفقودة من لغة اليديش (العبرانية-الألمانية) واللهجات العبرية الأوروبية الأخرى كتلك التي سادت بين يهود إسبانيا وشمال أفريقيا.
صك براءة لأوروبا؟
إن هناك حلقة مهمّة مفقودة في الجدل الذي أثارته نظرية الأصل الخزري لليهود الغربيين وهي حلقة تبيّن ربما لماذا سعى الإعلام الأوروبي للترويج إلى تلك النظرية، ولماذا حصل ذلك التبني للكاتب آرثر كوستلر إلى حدّ تحوله إلى نجم في المجتمع البريطاني؟ هذه الحلقة تتعلق بأن الأكثرية الكبرى من يهود أوروبا الشرقية لم يأتوا من بلاد الخزر بل من دول أوروبا الغربية التي قامت بتهجير الجماعات اليهودية على مراحل، الأمر الذي دفع بهم للتوجه إلى مجتمعات أوروبا الشرقية التي استقبلتهم للإستفادة من خبراتهم ومهاراتهم التجارية والحرفية. ومعروف أن أكثر اليهود الأوروبيين هم ساميون ينحدرون من أصول شرق أوسطية وكان معظمهم قد هاجروا على مراحل مختلفة من بلدان الشرق الأدنى ثم إبان الحكم الروماني خلال القرون الأولى للميلاد.
إن نظرية الأصل الخزري لليهود الغربيين فضلاً عن أنها في اعتقاد أصحابها تخدم أغراض اليهود في جعلهم من أصول غير سامية وتنفي بالتالي صلتهم باليهود الساميين الذين يتهمهم المسيحيون بصلب المسيح، فإنها تخدم المجتمعات الأوروبية من خلال التغطية على فصل مظلم في تاريخ تلك المجتمعات يتعلق بإضطهاد اليهود ودفعهم بالتالي الى الهجرة باتجاه أوروبا الشرقية التي أصبحت لهذا السبب (وليس لقدوم مزعوم ليهود الخزر) تضم النسبة الكبرى من اليهود الأشكناز والتي شكلت لاحقاً (مع روسيا) المصدر الأكبر للهجرات اليهودية إلى فلسطين.

خلاصة
إن الحماسة التي أثارتها داخل العالم العربي نظرية ضعيفة وتدحضها البراهين العلمية حول أصل خزري لليهود الأشكناز تمثل نموذجاً عن نمط في مواجهة التحديات الوجودية يتَّصف بالتسرّع والسهولة وإهمال واجب التمحيص والتدقيق في الوقائع قبل إصدار الأحكام، كما إنه انسياق وراء الأماني والآمال الخادعة في حرب وجود شرسة لم نستطع منذ البدء أن نكون في مستوى المسؤوليات التي تفرضها. إن التوسع الصهيوني في فلسطين والمنطقة يستند بالدرجة الأولى، ومنذ العام 1948 وحتى يومنا هذا، إلى ضعف العرب وتمزق صفوفهم وتخلّف حكوماتهم ولم تكن دعوى الحقوق التاريخية المزعومة فيها إلا حجة القوي الغاصب في وجه المغصوب الضعيف. وها نحن نمضي في إضاعة بلداننا التي تغتصب أو تنتهك تحت أنظارنا دونما حاجة للغاصبين حتى لتقديم حجة أو لتبرير أفعالهم بـ “حقوق تاريخية” أو ما شابه من الأعذار.

مشاركة المقال

التعليقات

Leave a Reply

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اترك تعليقاً

Leave a Reply

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

المقالات ذات صلة

السابق
التالي