خَلـواتُ القـطالـبِ
مِحْرابُ الزُّهّاد ومَحَجّة الدّروز في المُلمّات
بناها ناهضُ الدّين مُرِيدُ الأميرِ السّيّد ورَعَتْها أجيالٌ من المَشايخ الثّقات
تُعتَبر “خلوات القطالب” الواقعة في خراج بلدة بعذران من الخلوات القديمة العهد في جبل لبنان، إذ تمّ بناؤها قبل نحو 557 سنة من قبل أحد مريديّ الأمير السيد جمال الدين عبد الله التنوخيّ (ق) بناء على توجيه منه، لكنّها دَرَسَت في فترة معيّنة وأعيد ترميمها وفتحها للعابدين خلال القرنين الأخيرين على الأقل. ورغم صغرها النسبيّ لعبت خلوة القطالب التي تحوّلت إلى “خَلوات القطالب” لاحقاً مع زيادة عدد الخَلوات) أدواراً دينيّة كما كانت في بعض المُلمّات الوطنيّة نقطة استقطاب للموحّدين الدّروز من كلّ مكان، وقد اهتمّ بها المعلم كمال جنبلاط فكان يزورها للتّذاكر مع المرحوم الشّيخ أبو يوسف حسين هاني ويبيت فيها أحياناً، كما عمل لاحقاً على تعبيد الطّريق إليها، وقد عزّز عهد شيخ العقل المرحوم محمد أبو شقرا الذي اختار مكاناً لإقامته في بعذران من شهرة تلك الخلوات الواقعة خصوصاً عندما دعا فيها إلى اجتماع عام لمشايخ الموحّدين الدّروز مرّتين الأولى أثناء الحرب الأهليّة والثانية إبّان الاجتياح الإسرائيليّ في العام 1982. فما هي قِصّة هذا المكان الجليل الذي يرمز إلى النّقاء الروحيّ والمجاهدة والوقفات الوطنيّة عند الموحّدين الدّروز وما هي المراحل التي مرّ بها عبر تاريخه الطّويل
الخلـوات عند الموحِّدين الدّروز هي مـراكز للترقّي الروحي يقصدها السّالكون والزّهاد الذين نذروا أنفسهم للخلوة والعبادة وصحبة الشّيوخ الثّقات والمذاكرة في القصص وسير الصّالحين بغية الترقّي في السلوك ومعارج التحقّق الروحيّ. والخلـوة هي عادة بناء متـواضع، خالٍ من الزّينة والزّخرف، ليس فيه مقاعـد أو كراس. يفترش الشّيوخ الأجاويـد والطلاّب المريـدون الأرض المغطّاة بالحصر أو السّجاد البسيط، وتـكون الخلـوات عـادة في أعالي الجبال في أمكنة بعـيـدة عـن العمران والضّوضاء. والموحدون الدروز يتابعون في ذلك سيرة الطّرق الصوفيّة التي ازدهرت في الإسلام سواء من حيث رغبة المقيمين فيها الابتعاد عن الدّنيا أم من حيث طلب العلم والارتقاء في معارف الدين. وقـد نشأ التصوّف عـن الزّهـد، وكان الغالب على الزهّاد العبّـاد، الفقـر والتقـوى والتقشّف والخـوف ومحاسبة النفـس. وكانت الحياة الصّوفية في البداية على أساس فـردي، ثـم أخـذ المتصوّفون يجتمعون حـول شـيخ. وبعـد ذلك ظهرت “الطّرق” الصوفيّة التي كانت تقوم حول أحد كبار الصوفيّين في عصره من الذين يتكاثر أتباعهم والسالكين على يدهم فتنشأ بسبب هذه الكثرة الزّوايا والتكايا الصوفيّة، وقد عرف الإسلام عشرات الطّرق الصوفيّة التي اتفقت جميعها على الغاية من التصوّف وآدابه لكنّها تنوّعت وتباينت أحياناً في أسلوب التّعليم وفي مسالك التّربية للمريدين لكن ذلك لم يعتبر في نظر الصّوفيين نقصاً بل تنوعاً يجعل للمريدين أكثر من خيار في التّعلم بحيث يختار المريد ما يميل إليه قلبه من المفيد.
والتصوّف بهذا المعنى ليس “عقيدة دينيّة” لأنّ كلّ الطّرق الصوفيّة تدين بالإسلام ديناً وبمحمد (ص) رسولاً هادياً، وغاية المتصوّف هو التقرّب من الله تعالى وهو لا ينتظرُ الآخرة للحصول على هـذا القرب. لكنّه يلجـأ إلى المجاهدات والرّياضات الروحيّة التي تتجاوز ما يفرضه الدّين. ولا يطلب السّعادة في هذا العالم. بـل ينجذب إلى سعادة أبعـد يسـتريح قلبه فيها. قال ابن خلدون: الصوفيّة من العلوم الشّرعية الحادثة في الملّة. وأصلها العكوف على العبادة والانقطاع إلى الله تعالى. والزّهد فيما يُقبل عليه الجمهور مـن لـذّة ومال وجاه والانفراد عن الخلق في خلـوة للعبادة.
خَـلـوة القـطالب2
تقـع خَلـوة القطالب في قضاء الشوف قـرب بلـدة بعـذران، وعلى علـوٍّ شاهـق فـوق بلـدة عيـن قَنـي، وهي ترتفع عـن سـطح البحـر نحو ألـف متـر، وتبعـد عـن طـريق عـام عمّاطور – بعـذران مسافة ألـف مترٍ أيضاً. كانت تتـألّف مـن ثلاث غـرف. غـرفة فسيحة وغـرفتين جانبيّتين، كلّها مبنيّـةٌ بالحجر الصّخـري ومسقوفة بطريقة العقـد. تُشـرف على مُعـظـم قـرى الشّوف، وتحيـط بهـا الأشـجار المـثمرة والبـرّيّة، وهـذه الطّبيعة الخـلاّبة تضع الزّائر أمام منـاظر طبيعيّة ساحرة تـوحي بالتّـأمّل وتسبيـح الخـالق فكان اختيار المكان بالتّالي موفّقاً منذ البدء وقد قـام ببنـاء الخَلوة سـنة 865 هـ (1460 م) الشّيـخ ناهـض الـدّين بـن عبـد اللّـه حِصن الـدّين شـيخ بلـدة المختارة، على قطعـة أرض يملكها.3 وكما هي الحال في خَلوات الموحّدين الدّروز فقد تميّز البناء بقدر كبير من البساطة والتقشّف.
الشّـيخ ناهـض الـدّين
وُلـِد الشيخ ناهض الدّين بـن عبـد اللـه حِصن الدّين في بلـدة المختارة ونشأ فيها، كان معتدل المزاج، حسن الأخلاق والطّباع. وصفه الشيخ أبو علي مرعي، بــ “زيـن الشباب وسـيّد الفتيان”. وعنـدما أصبح دون سـنّ البلوغ، كان خبر الأمير السيّد جمال الدّين عبد اللـه التنوخي (ق) قد ذاع في طول البلاد وعرضها، فقرر التوجّه لزيارته في بلـدة عبَيْـه، برفقـة الشّيخ علـم الـدّين سليمان بن نصر من قـرية معاصر الفوقا،4 والشّيخ شرف الـدّين علي الحريريّ مـن قـرية بطمـه، ومـرّ الثلاثة بطريقهم إلى قـرية الكنيِّسة الكائنة قرب قـرية ديـركوشة في منطقة المناصف، حيث زاروا الشّيخ أبو علي مرعي ومـن ثـمّ توجّـه الجميع إلى بلـدة عبَيـْه لزيارة الأمير السيّـد، حيث استقبلهم بالتّرحاب، وأفاض عليهم مـن علمـه ووعظـه وإرشاده.5
كان الأمير السـيّد جمال الدّين عبد اللـه التّنوخي قد أصبح شيخ مشايخ البلاد واشتهر بتقواه وعلمه الواسع وحصافته وحسن نصحه وتضلعه في العلوم الرّوحانية، وكان الطلّاب يفدون إليه في عبَيـْه، مـن الإمارتين المعنيّة وقاعدتها بعقلـين، والتنوخيّة وقاعدتها عبَيْه. وكان في مدرستـه 37 تـلميـذاً بالإضافة إلى طلاّب ومريدين من وادي التّيـم ودمشق والغوطـة والجبل الأعلى وفِلِسْطين، يسلكون على يده وينهلون من علومه وحكمته، أمّا هو فقد كان يـردّد عبـارة: (الحمد للّـه الذي جعل المعرفة أساس الخير، ووفّـق إليها مـن أراد بـه الخيـر).6
عـاود الشّيخ ناهـض الـدّين حِصن الـدّين، زيارة الأمير السيّد جمال الدّين عبد اللـه التنوخيّ في عبَيْه، ودخـل مدرسته وأصبح من تلاميذه. فكان من الأذكياء النّابهين. وعندما أنجز قِسْطه من العلوم كلّفه الأمير السـيّد بأمانة الأمـر والنّهي في مقاطعته والاهتمام بشؤون الموحّدين، كمـا أمـر تلاميذه المتخرّجين في مدرسته العِرفانيّة بأن يتوزّعـوا في القرى والبلدات، لتعليم الأولاد، الصّبيان والبنات والكبار الأميّين مـن الذّكور والإناث القراءة والكتابة، وتخصيص يـوم مـن أيّـام الأسبوع للاجتماع بأهالي القرية ووعظهم وإرشادهم، وإفادتهم بأمور الـدّين والـدّنيا. لأنّ غـاية الأمير السيّـد كانت تعميـم التّعليـم المجّـانيّ في جميع القـرى والبلـدات التّـابعة لإمـامته. وبقي هؤلاء التّلاميذ على تواصل مـع أستاذهم الأميـر السـيّد، يأخـذون من علمـه ومعارفـه وإرشاده حتى وفاتـه.7
لقـد رأى النّـاس في هـؤلاء التلاميـذ القـدوة الصّالحة بأخلاقهم وأفعالهم ومسلكهم. فنسبوهم إلى معلّمهم، وأطلقـوا عليهم لـقـب “جماعة الأمير السـيّد “، وقـد جعل لهم المعلّم يـوماً معلوماً مـن أيّام الأسبوع، يجتمعون إليـه، يشـرح لهم غـوامض العلوم، ويفسّـر لهم الآيات والأحاديث. وأمـر الأمير السيّـد ببنـاء المساجـد في القرى، وتجـديد الجوامـع، وإنشاء الأوقاف، وتكليـف شيـوخ فقهاء لإقامة خطبة الجمعـة في الجوامع في كل قـرية. وكان الفقيه شهاب الدّين أحمد بن عمر بن صالح بن سبَاط، من مدينة عاليه،(والد حمزه بن سبَاط، صاحب تاريخ إبن سبَاط، صدق الأخبار). من تلاميذ الأمير السيّد، وكان فقيهاً وخطيب جامع عبَيْـه. وكان له صوت شجيّ عنـد التّسبيح والتّذكير 8 ( وكلمة فقيـه كانت تعني أيّام التنوخيّين، المعلّم أو المدرّس)، وكان الأمير السيّـد يشـدّد على القراءة الصّحيحة للقرآن الكريـم.
لقـد شـاع هـذا التّـرتيب في أكثـر البلـدان. فحسُـنت أحـوال النّـاس في جميع الجهـات، وتجنّـب المُفسـد الفساد، واللـصّ السّرقة،.وكانت الفواكه تسـقط على الأرض فـلا يتعـرّض لها أحـد. وأصبحت البـلاد في أحسن حال مـن طيب العـيش.9
أقـام الشيخ ناهض الـدّين حِصنُ الـدّين في بلدته المختارة، وبـدأ بالاهتمام بشؤون الأهالي، وتعليم الأولاد والكبار الأميين القراءة والكتابة، والاجتماع بالنّاس في يوم من أيّام الأسبوع، للوعـظ والإرشاد وشرح أسس الدّين واستقبال وتعليم الطلاب المريدين، والعمل بتعليم الأمير السيد ووصاياه مثل تنظيـم زواج الموحّدين والموحّدات وطلاقهم، وتطبيق الأوامـر والنّواهي بالنسبة لجوارح البـدن. والنّهي عـن الغضب. والمعاملة بالحـلال، والنّهي عـن الحـرام وغير ذلك من المسائل.
” الشّيخ سلمان الشمعة خَدم الخَلوة بإخلاص ثم قاتل واستُشـــهد في قتال الفرنسيّين خلال ثورة 1925 “
وقد عمـل الشيخ ناهـض الدّين حصن الـدّين بمـا كلّفـه بـه الأمير السيـد عبد اللـه التنوخي على أكمل وجـه فلقّبـه معلّمـه الأميـر السـيّد بـ “ الرّئيـس النّفيـس”، ومـن ثـمّ بعـث لـه برسالـة مـن مقـرّه في عبَيْـه إلى المختارة سنـة (841 هـ/ 1437م). ينعتـه بأحسـن النّعـوت، داعياً له بقوله “فاللـه تعالى بجـاه وليّه يمـدّك بالرّشاد، ويخلـّد لـديك نعيـم ثوابـه بالشّكـر والحمـد، ويتلقّاك بوجـه الـرّضا يـوم الجزاء والمعاد” لأنّ “السّعيد فيـه مـن ركـب جـواد المـروءة واعتبـر، وكشـف عـن ساق العزيمة وحـذّر، والشّـقي مـن أركن إلى الإهمال، وقابـل مراسيم الحـقّ بغيـر فاضل الأعمال، ولـم يستعـدّ لـزاد المَعاد قبـل ورود الآجـال”.
في سنـة 865 هـ (1460 م) عمـل الشّيخ ناهض الـدّين حِصْن الـدّين على بنـاء خَلـوة القطالب، على أرض يملكها قـرب بلـدة بعـذران، وهي بنـاء متواضع، وكان يقصدها الشّيوخ المـوحّدون، وبخاصّة مساء يوم الخميس (ليلـة الجمعة) مـن كلّ أسبوع للصّلاة والمذاكرة والتّشاور في صلاح المجتمع، كمـا كان يقصدها الطلاّب المريدون، للتـعبّـد وتلقّي العلـم.10
توفّي الشيخ ناهض الدّين حِصْن الدّين في بلـدته المختارة نحـو سنة 873 هـ/ 1468م. ونُعِي الأمير السيد (ق) فأتى مـن عبَيْـه إلى المختارة، حيث حضر جنازته وحـزن لفقـده، وشاهـد جثمانه وقبّلـه، ودعـا لـه وصلّى عليـه. ودفـن في المختارة في مـدفـن العائـلة. أمّـا طنّـوس الشـدياق فيـذكر أنّ وفاته وقعت في سنة 1477م الموافق لسنة 882 للهجرة (أخبار الأعيان ج1 ص 182).
وفي شـهر ذي الحجّـة مـن سـنة 1218هـ (الموافـق لسـنة 1803 م). عمـل الشّيخ ناصر الدين بـن أحمـد حِصْن الدّيـن، المتوفّي سنة 1250هـ (1834م)، على بنـاء حجـرة فـوق المـدفن الذي دُفِـن فيـه الشّيخ ناهض الـدّين. نقـش على بـلاطة الشّاهـد الغـربي ما يلي:
“ بسـم اللّـه الـرّحمن الـرّحيم وهـو حسـبي وبـه أستعين. أبنـا (بنـى) هـذه الحجـرة العبـد الحقيـر الشّـيخ نـاصر الـدّين في شـهـر ذي الحجّـة سـنة 1218هـ (الموافق لسنة 1803م). أمّـا بـلاطة الشّـاهد الشـرقي فقد نُقـشت عليها كتـابة لـم تعـد مقـروءة بسـبب مـرور الـزّمن والعوامل الطبيعيّـة.
وبالنّظـر لمـا كان يتمتّـع بـه الشيخ ناهض الدّيـن حِصْن الدّيـن من كـرامة وعلـو منـزلة، ولـم يـزل اسـمه ومآثـره في ذاكـرة النّاس. لذلك ارتأى بعـض الشّـيوخ الأفـاضل، بنـاء ضريـح جـديـد له ومـن أجـل ذلـك، وفي سـنة 1992م تـمّ بنـاء الضريـح الجـديـد في الطابق الأول من مبنى دار بلـدة المختارة ضمـن قاعـة المجلس، وجـرى نقـل الـرّفاة ووضعت في الضّريح الجـديـد، وتـمّ أيضاً نقـل بلاطتي الشاهـدين ووضعتا فـوقه بـعـد أن أجريت الصيانة اللازمـة للكتابة المنقوشة على بلاطـة الشّاهـد الغـربي المـذكورة آنفـاً مـن أجـل توضيحها. أمّـا بـلاطة الشّاهـد الشـرقي، فقـد نقـش عليها النّـص التّـالي:
“تـمّ نقـل هـذه الحجـرة إلى هـذا المكان تكـريماً لـرفاة النّفيـس الطّاهـر الصّدر الـرّزين المـرحوم الشّيخ ناهض الدّيـن ومـا قـد عثـر إلى جانبه في رَمسـهِ مـن رفـاة لسلفه الطاهـرين مـن آل حِصْن الدّيـن”.
(في ربيع الآخـر سنة 1413 هـجرية (الموافق لسنة 1992م).11
الخَـلوَةُ بعـد وفـاة الشّيخ ناهض الدّين
مـن المُلاحظ أنّ الشيخ ناهض الدّين حِصْن الدين، لـم يقـم بإشادة مبنى القَطالب ليجعله خَلـوة يقيـم فيها بصورة دائمة، وهو شيـخ بلدة المختارة، والقائم على خـدمة الأهلين وتدبير شؤونهم. لكن أغلب الظّن أنّـه قـام ببنائها للحضور إليها في أوقات محـدّدة للصلاة والتأمّل، ولإقامة شيوخ مزارعين يعملون في أراضيه، ومـن ثـمّ اعتُمـِدت خلـوة في مـا بعـد.
ومـن البحث عـن مـراجع أو وثـائق أو معلومات تـفـيد عـن أسـماء الشّيوخ الذين أقاموا في خَلـوة القَطالب، بعـد وفـاة الشيـخ ناهض الـدّين حِصْن الـدّين سنـة (873 هـ/ 1468م). لـم يتوفّـر لدينا سـوى وصيّة الشيخ أسـد بن زين الدّين يقظان من بلدة بعذران، المؤرّخة سـنة 1220هـ (1805م) حيث أوصى بمبلـغ خمسة قـروش إلى خلوات القطالب سويّة بين الشيخ جـرير وبين الشّيخ بـو حسين علي.12 (لـم نتـوصّل لمعـرفة اسم عائلتيّ الشّيخين المذكـورين).
وفي وصيّة الشّيخ ناصيف أبو شقرا من عماطور، المؤرّخة سنة 1164هـ (1750م). فقـد ورد فيها: (كرم معصرة القَطالب)، ولم يَـرِد اسم خَلوة القَطالب.
ولـم يـرد ذكر خَلوة القَطالب في وصيّة الشّيـخ أبو محمـود حسّـون الدّبيسـيّ من قرية مـرستي المـؤرّخة (في شهـر جمادى الأولى سنـة 1226هـ الموافق لسنـة 1811م).13 ولـم يـَرِدْ أيضاً ذكرها في وصيّة شيخ العقل الشيخ أبو علي يوسف بردويل أبو رسلان، الذي كان مقيماً في بعقلين، والمؤرخة سنة 1243هـ (1828م). وهـذا يـدلّ على أنّه حصل انقطاع في استخدام المكان للأغراض الدّينيّة التي أنشئ لأجلها.
بـعـد نهايـة الحـرب العالمية الأولى، حضر إلى خلـوة القطالب، الشّيـخ حسين هـاني مـن بلـدة بعـذران، والشّيـخ سـلمان الشّمعة مـن بلـدة عين قَـني المجاورة، وعمـلا على تـرميمها وإجـراء الصّيانة الّلازمـة لهـا، بمساعـدة بعـض الأصـدقاء، وباشـرا باستقبال الشّيوخ الذين يحضرون إلى الخَلـوة للصلاة والتعبُّـد والمذاكرة الروحيّة، وأصبح الشّيخ حسين هـاني يقيـم في الخَلـوة بصورة دائمـة، أمّـا الشّيخ سلمان الشّمعة فقد بقي مقيـماً في منزله في عيـن قَني، ويحضر إلى خَلـوة القطالب مـن حين لآخـر. وخـلال هـذه الحِقبـة، قـدِم إلى الخَلوة الشّيخ أبو حسين يوسف عبد الوهّاب14 مـن قريـة الغـاريّـة في سـوريا، محافظة السّويداء، فأقـام في المكان لمـدّة قصيـرة، ومـن ثـمّ عـاد إلى قـريته الغاريـّة. وكان عندما يحضر إلى لبنـان في ـما بعـد، يـأتي إلى خَلـوة القطالب، للـزّيارة ويمكـث فيها عِـدّة أيّـام.15
إسـتمرّ الشّيـخ حسين هاني والشّـيخ سلمان الشّمعـة بخـدمة خَلـوة القَطالب حتى سـنة 1925. وفي تلك السّنـة، إنطلقت الثـّورة السوريّة التي قادها سلطان باشا الأطـرش ضـدّ الفرنسـيّين في سـوريا، وامتـدّت إلى جنوب لبنان، فأقـام الثـوّار والمجاهـدون مـركزاً لهم في بلـدة حاصبيّا. ذهـب الشّيخ سـلمان الشّمعة إلى حاصبيا بـرفقة بعض الشبّان وانضمّـوا إلى الثوار والمجاهـدين، بعـد أن طلب الشّيخ سلمان من الشّيخ حسين هاني البقاء في خَلـوة القطالب والقيام بخـدمتها وتـدبير شـؤونها. وبـدأ الشّيخ سـلمان الشّمعة ورفاقه، المشاركة بالعمليّات الجهاديّة التي كانت تشـنّ ضـد الجيش الفرنسـيّ، في الجنوب والبقاع الغربي وراشـيّا. وبعـد عـدّة أشـهـر، أصيب الشّيخ سـلمان الشمعة بطلقات نارية أثنـاء اشتباك مسلّح حصل بين المجاهدين، والجنود الفرنسيّين قرب قـرية كـوكبا وفـارق الحيـاة، ودفـن في تلك المنطقـة. وتابع الشّيخ حسين هاني الإقامـة في خَلوة القطالب، يمارس الصّلاة والعبادة، ويستقبل الزوّار والشّيوخ والطلّاب المريدين. وقـد لقّـب بــ “أبـي يـوسـف” وكان بتولاً ولـم يتـزوّج.
زيارة مفاجئة من المعلّم
في أحـد الأيّام من ربيع سنة 1953 حضـر إلى الخلـوة المعلّـم كمـال جنبلاط، منفـرداً وبـدون علـم مسـبق، حاملاً بيـده كيسـاً ضمنـه مـوادّ غذائيّة، وقـدّمـه إلى الشيخ أبو يوسف حسين هاني، فـسـلّم الشيخ أبو يوسف عليه ورحّـب بـه وشكـره ودخـلا الخلوة. جـلس المعلّـم كمال جنبلاط على الأرض متربّعـاً، وبـدأ ينظـر في أرجائها، فـرأى أرضها مفروشـة بالبُسـط والحُصـَر، وعلى الجوانب مفروشة بالطّراريح والمسانـد. والشّيخ أبو يوسـف يجلس متربّعاً على جلـد غنــم مفـروش على أرض الغـرفة، وقـربه بعض الكتب والأوراق ومنضـدة عليها قنـديل كاز. وفي الغُرفة الثّانية وضعت مجموعة من الفُـرش والأُغطية والوسائد، تستعمل لمنامة الضّيوف وعابريّ السبيل.16
كان كمـال جنبـلاط قـد ركن سيّارته على المفـرق المـؤدّي مـن طريـق عام عمّاطور – بعـذران، إلى خلـوة القطالب، وأتى إلى الخلـوة سيـراً على قـدميه، لأنّ طريق السيارات لـم تكن قـد وصلت إلى الخلـوة، والتي تبعـد عن الطريق العام مسافة ( 1000) متر.
عنـدما علم بعض شيـوخ القـرى المجاورة بـزيارة المعلّم كمـال جنبلاط إلى خلـوة القطالب، قامـوا بإجـراء الصّيانة اللازمة لها، وفـرش أرضها بالسّجّاد، ودعـَوْا المعلّم كمال جنبلاط لزيارتها ثانيـة. وفي الوقـت والتّاريخ المحـدّدين، حضر جنبلاط إلى الخَلـوة، وكان في استقباله جمـع من الشّيوخ والأهلين، ودخل الجميع إلى الخلـوة وجلسوا على الأرض متربّعين. وقـد وضـع في الغـرفة المقابلة طاولات، عليها أنـواع مختلفة مـن الأطعمة والفواكـه. فقـال كمال جنبلاط: لمـاذا أتيتـم بكل هـذه الأنواع مـن الأطعمة؟ وهـذه تكلفـة لا لـزوم لهـا. فأجاب أحـدهم: هـذه الأطعمـة مـن بيوتنا ومـن صنع نسائنا، والفواكه مـن غـلاّت أرضنا. فقال المعلم: أنتـم أغنيـاء بالتقـوى والمحبّـة والقناعـة، وعنـد انتهاء الزّيارة ودّعهم وانصرف، فرافقـه بعضهم حتى وصوله إلى سيّارتـه. 17
وبعـد ذلـك، وبتاريـخ لاحـق، زار المعلّـم كمال جنبلاط خلـوة القطالب مـرّتين، وفي كلاهما كان يجلس مـع الشيخ أبو يوسف حسين هاني لساعات، يتبادلان الأحاديث في أمـور مختلفـة. ويبيـت الليل في الخلـوة. كان يرافقة الشيخ علي زيـن الـدّين.18
بقـي الشيخ أبو يوسف حسين هاني مقيماً في خلـوة القطالب، يقـوم بخـدمتها. وكان شـيخاً تقيّـاً طاهـراً بتـولاً زاهـداً متصوّفاً، متخلّيـاً عـن مَتـاع الـدّنيا ومغـرياتها، ثـابت الإيمان، خالـداً إلى نفسـه وربّـه، يحظى بنعمـة الرّضا ورجاحة العقـل وسكـون الإيمان، حليـماً عطـوفاً مسبّحاً بحمـد اللـه تعالى.
توفّـيَ الشـيخ أبـو يـوسـف حسـين هـانـي سـنة 1374هـ (1954م)، عن عمر 76 عاماً، ودفـن بـداخل منـزله في بلدتـه بعـذران. وبُنِي له ضريحٌ داخـل المنـزل، وجُعِل المنـزل فيمـا بعـد مجلساً للصّلاة والعبادة والمـذاكـرة فُرِشـت أرضه بالسّجـاد، وعلى الجوانب مقاعـد أرضيّة مرتّبة، وقد نُقِـش على بلاطة الشّـاهـد الشّـرقيّ من الضّريح آيــةُ الـكـرسـيّ. ونُقِـش على بلاطة الشّاهـد الغربي مـا يلـي:
تـــاريــخ وفـاة التّـقي الـزّاهـد والـورع النّـاسك العـابـد
الشّـيخ أبـو يـوسـف حسـين هـاني رحمـه اللّـه.
تقيٌّ قضى فالفضــــــــــــــل يبكيه راثيــــاً
وينعاه بدراً من سما الطّهر هاويا
غدا ناسكاً بالزّهد أوحد عصــره
وبــــــــــــــات بتــــــــــــــولاً مــطمئـــــــــنّاً وراضيـــــــــا
فقـلت وربّي ثـــــــــــــمّ أرّخت حكمــــــــــــه
أبـو يوسـف في الخلد يرقد هـانيـــــاً
(سـنة 1374هـ الموافق لسنة 1954م).
بعد وفاة الشّيخ أبو يوسف حسين هاني
بعـد وفـاة الشيخ أبـو يـوسف حسين هـاني (سـنة 1954م)، طلـب بعض الشّيوخ مـن الشّيخ أبـو علي اسماعيل زيـن الـدّين19 مـن قريـة الخريبة المجاورة، تـدبير شؤون خلـوة القطالب، وإجـراء مـا يلـزم كي تتابع الخلـوة دورها الدينيّ. فبـدأ الشيخ أبـو عليّ يحضر إلى الخَلـوة عصر يـوم الجمعة مـن كل أسبوع، يستقبل الشّيوخ والطلاب المريديـن للصلاة، ويشـرف على حلقات الذّكـر، يرافقـه ويعاونـه الشّيخ محمـود الشمعة مـن قرية عيـن قني المجاورة. وكانت سهـرة المذاكرة الـدينيّة تستمرّ سـاعات طويلة من الليالي وكان بـعض المشايخ يعـودون إلى منازلهم ليلاً، والبعض الآخـر يبيـت في الخلوة، ويعـود إلى منزله في الصّباح. واستمـّر الأمر على هـذه الحـال نحو سنـة ونصـف.
ولمّـا كان مـن الأفضل تكليف أحـد الشيوخ الإقامة في خلوة القطالب للقيام بخـدمتها وتـدبير شؤونها، وبمـا أنّ الشيخ محمـود الشّمعة هـو شـابّ تقـيّ، ويتمتّـع بأخـلاق وصفات حميـدة، وقـد تتلمـذ بالعلـوم التّوحيدية على يد الشيخ أبو يوسف حسين هاني، والشيخ أبو علي إسماعيل زيـن الدّين، فقد طلـب إليـه الشـيخ أبو علي إسماعيل زين الدين، أن يقيـم في خلـوة القطالب، فاسـتجاب لـرغبته، وأقـام في الخلـوة وعمل على خـدمتها، وذلك اعتباراً من نهايـة صيف سنة (1956).
وُلـِدَ الشّـيخ محمـود سـلمان الشّمعة في بلـدة عين قَني سـنة 1922، والـده الشيخ سلمان الشّمعة الذي قضى شهيداً قـرب قـريـة كـوكبا سنة (1925)، خلال اشتباك مسلّح مع دورية من الجيـش الفـرنسيّ، كمـا مـرّ آنفـاً/ وقـد ربّتـه والدته تربيـة صالحة، ومنـذ نشأته، كان يرافـق المشايخ للصّلاة وجلسات المذاكرة. وباشـر منـذ قيامـه بخـدمة الخلوة، بصيانتها وترميمها وتجـديـد فرشها. واستقبال الشّيوخ والطلّاب المريدين. ولـم يـُرزق الشّيخ محمود الشّمعة بولـد ذكر، ولقّـب “أبو سلمان” على إسـم والـده.
تزويد الخَلوة بالطّريق والكهرباء
الشّـيخ نجيـب رشـيد صالحـة مـن بلـدة رأس المتـن، تـربطه صلـة قـرابة ونسـابة مـع الشّـيخ أبو سلمان محمـود الشمعـة. بـدأ منـذ العـام (1961)، يتـردّد إلى خلـوة القطالب للـزّيارة والمساعـدة في ما تحتاجه الخلـوة مـن خـدمة، وإنجـاز معـاملات تتعلّـق بالخلـوة لـدى الـدّوائر الـرسميّة والخـاصّة. وبمـا أنّ الطّريق التي تصل مـن مفـرق طريق عـام عمّاطور– بعـذران، إلى خَلوات القطالب، لـم تـزل طـريق مشاة، ويصل الناس عبرها إلى خلوة القطالب سـيراً على الأقـدام، فقد قـام الشيخ نجيب رشيـد صالحة في سـنة 1967 بـمقابلة المعلّم كمال جنبلاط، الذي كان وزيراً للأشغال العامة ورفع إليه طلب المشايخ إجـراء مـا يلـزم لإيصال طـريق سـير السيّارات إلى خلـوة القطالب. فأصدر الـوزير جنبلاط قراراً بهـذا الشـأن، وأوفـدت وزارة الأشغال العامة جرّافة بدأت بشـق الطريق. لكن بعـد إنجاز مسافة حوالي أربعمائـة متـر، توقّـفت الجرّافة عـن العمل، بحجـّة نفـاد كمّيـة المـازوت المخصّصة لـها. فقـام الشيخ نجيب صالحة بـجمع مبلغ من المال من أقاربه في بلـدة رأس المتـن، وعمل على شراء كميّـة المازوت اللازمـة، فتابعت الجرّافة عملها في شـقّ الطريق، حتى وصلت إلى باحـة خلوة القطالب، وتـمّ تـزفيت الشارع لاحقاً.20 وفي العام التالي، أي في سنـة 1968، عمـل الشّيخ نجيـب رشيـد صالحة على متابعة ملفّ إنارة خَلـوة القطالب لـدى وزارة الموارد المائية والكهربائية، وتـمّ إيصال التيّـار الكهربائي إلى الخَلوة.21
بـما أنّـه يتـوفّـر في خلـوة القطالب مـن حين إلى آخـر مبالغ مـن المـال، تـأتي مـن النّـذور والتبـرّعات، عمـل الشيخ أبـو سلمان محمـود الشّمعة وعلى مراحل، على إشـادة عـدّة غـرف على جانبي مبنى الخلـوة، مـع طابـق علـوي، خّصص للاجتماعات والمذاكرات الدّينية. وبعـد ذلك تـمّ إنشـاء مبنيين يحويان نحو 30 غـرفة، تستخدم لإقامة الضّيوف والطلّاب المـريدين، بالإضافة إلى مبنى منفرد مـؤلّف من طابقين. خُصّص الطابق العلويّ لإقامـة الشّيخ القـائم بخـدمـة الخَلـوة، والطّابق الأسفل لاستقبال الضّيوف. كمـا جـرى شـراء عقـارات مجـاورة للخلـوة، مـن أجـل توسيع حَرَمَها، وبعـد إشـادة هـذه الأبنيـة، أُطلـق عـلى الخَلــوة إسم “خَـلـوات القـطالـب” بـدلاً مـن “خَلـوة القطالب”.
أقـام الشـيخ أبو سلمان محمـود الشّمعة عـلاقات مـودّة وتـواصل مـع الشّيوخ المـوحّدين، مـن مختلـف مناطـق لبنـان وسـوريا، حيـث بـدأوا يتـوافـدون إلى خلـوات القطالب، مـن حـيـن إلى آخـر وبمناسبات مختلفـة، للصّلاة والتعبّـد والمذاكرات الدينيّة. كمـا يَفِـد إلى الخـلوات طـلاّب ومـريدون مـن تلك المناطـق.
وفي سنـة 1970 تملّـك سماحة شـيخ العقل محمـد أبو شـقرا (1910 / 1991)، قطعة أرض قـرب خلوات القطالب، غُرِسـت بأشجار الصّنوبر والسّرو والشّربين، وبعض الأشجار المثمـرة، وابتنى وسطها منزلاً لسكنـه، وكان سماحتـه يعقـد الاجتماعات في خلوات القطالب، للتّباحث بأمـور مهمّـة تتعلّـق بشؤون الطائفة الـدّرزيّة، ومنها الاجتماع الواسع لمشايخ الطائفة الذي عقد في بـداية الأحـداث التي حصلت في لبنان سنـة 1975 والتي أطلق عليها حرب السنتـيـن، كما حصل اجتماع آخـر أثناء الاجتياح الإسـرائيليّ للبنان سنـة 1982 .
إسـتمرّ الشّـيخ أبو سـلمان محمـود الشمعة بخـدمـة خلـوات القطالب بصـدق وأمـانة عُـرِفَ خلالها بالمحبّـة وحسن السّيـرة والعناية بالضّيوف ورعاية شـؤون الموحّـدين الذين يأتـون إلى الخلوات كما إنّه كان يعلّـم الطلّاب المريدين ويـرأف بهم، ويسهـر على توجيههم وإرشادهم.
وقد خصّ المرجع الروحي المرحوم الشيخ أبو محمد جواد وليّ الدين خلوات القطالب بزيارات متعددة وأصبحت اليوم من الخلوات العامة التابعة لطائفة الموحدين الدروز.
تـوفّيَ الشّيخ أبو سلمان محمود الشّمعة سـنة 1999 وأقيـم لـه ضريح في الطّابـق الأرضيّ مـن المبنى الذي كان يقيـم فيـه في خلوات القطالب، ونُقـِشَ على بلاطة الشّـاهـد الشـّرقي مـن الضّريـح آيـة الكـرسيّ، وعلى بلاطة الشّاهـد الغـربيّ مـا يلـي من نظم الشيخ منذر عبد الخالق:
تــاريــخ وفـــاة
المـرحـوم الشّـيخ أبـي سـلمان مـحـمـود الشّـمعـة
يـــــــــــا شـمعة قـد ذوت في حــبِّ خالقها
جَعَلْت عمركَ عيداً بـورك العيدُ
كنتَ الأبُ الحــدبُ للإخوانِ تخدمُهم
لــــــــــــك الـتّهجّـــــــــــــــُدَ منهـــــــــــاجٌ وتـقـــــــــــــــــــــــــــــــلـيدُ
أقمـــــــــــــتَ في الخــــــــــــلوةِ الشّـــمّـــــــــــاءِ مُعْتَصِماً
أنيسُـــــــــــك الـــذّكـــــــــر تسـبيـــــــحٌ وتمجيدُ
في جَنّةِ الخــــــــــــــلدِ تثــوي سيّـــــــــــــــــداً عَلَمــــــــاً
يـــــــــــــــــــزيّنهُ الـطّهرُ والإخلاصُ والجودُ
تــــــــــــــــــاريخهُ النّــــاصـــــــــعُ المعــطاءُ فيه زَهــــــــــــــــا
نـــــــــــــــــــالَ الثّوابَ أبو سلمانَ مَحمودُ
بـعـد وفـاة الشّـيخ أبـو سلمان محمـود الشمعة سنـة 1999، طُلِب من الشيـخ أبـو سليمـان حسيب الحلبـي مـن بلـدة بطمـة، وهو من الشيوخ الثقاة المتحلين بالورع والمعارف الدينية الإشـراف على خلـوات القطالب فقام بالمهمة خير قيام يرافقه شقيقه الشيخ أبو سلمان انيس الحلبي، كمـا جـرى تكليف الشيخ منيـر أحمـد القضماني القيام بخـدمة الخلوات وتـدبير شـؤونها.
والشّـيخ منيـر أحمـد القضماني هو من مواليد العام 1954 العاصمة بيـروت، وقد تلقّى تعليمـه في مـدارسها، وهـو أيضاً لم يتـزوّج، ويكنّـى “بأبي داود”. وعمل الشيخ أبو داود في سنة 1977 مـدرّساً في مـدرسة العرفان في السّمقانية في الشوف، وكان يحضر إلى خلوات القطالب مـن حين إلى آخـر لحضور حلقـات المذاكرة الدينيـة. وفي سنـة 1983 توقـفت مدرسة العرفان عن التعليم لمـدّة سـنة، بسـبب الاجتياح الإسرائيلي للبنان، فانتقل الشّيخ منير القضماني إلى خلوات القطالب وأقـام فيها، متفـرّغاً للصلاة والعبـادة، وتلقّي العلـوم الـدّينيـة الـرّوحانيّة ومعـاونة الشيخ أبو سلمان محمود الشّمعة، في خـدمة الخلـوات، والاهتمام بأمـور المـوحّـدين.
يسـتمرّ الشيخ أبو داود منير القضماني بخـدمة خلوات القطالب، منـذ سـنة 1999 بتفانٍ وتجـرّد. يستقبل المشايخ الموحِّـدين، والـزائرين الذين يحضرون إلى الخلوات للصلاة أو للـزيارة، ويشـرف على مجالس الذكـر، وتعلّـيم الطلّاب المريدين، ويـزور مـن حيـن إلى آخـر بعض القـرى والبلـدات، للـوعـظ والإرشـاد وشـرح تعليم الـدّين، وهو يقيـم الآن في خلـوات القطالب بصـورة دائمـة، مـن يجالسـه يـرى فيـه وداعـة الإصغـاء، وشـفافيّة التّـوحيـد وهيبـة الإيمـان. وقـد عمـل على تـزويـد مكتبـة خلـوات القطالب بمجمـوعة مـن المـراجع والمصادر في مختلـف المـواضيع بالإضافـة إلى ما كان موجوداً في مكتبتـه الخـاصّة.
وقد انتقل الشيـخ أبـو سليمان حسـيب الحلـبي إلى جوار ربه بتاريخ 3/12/2016 فكان فقده خسارة للخلوات وللطائفة،وما زال شقيقه الشيخ أبو سلمان أنيس الحلبي يتابع مسيرة شقيقه.
الهوامش
1. باحث في التاريخ
2. دعيت خلوة القطالب نسبة إلى شجر القطلب الذي كان يتكاثر في تلك البقعة. والقطلب هو شجر من فصيلة الخلنجيّات، أوراقه كبيرة بيضويّة متناسفة، وأزهاره بيضاء على شكل الجرس. (المنجد في اللغة ط 22 ص 622). تصبح الأزهار ثماراً بحجم حبّات الكرز، عندما تنضج تأكلها الطيور ولاسيّما السمّن والشّحرور.
3. الشّيخ فرحان العريضي، مناقب الأعيان، منشورات مدرسة الإشراق، عاليه، لا تاريخ، ج 1 ص 30،
4. المعاصر الفوقا، هي بلدة معاصر الشوف، وكانت تعرف أيضاً بـ معاصر الفخّار بسبب وجود معامل الفخّار فيها، وللتمييز بينها وبين معاصر بيت الدّين، وكان يطلق على هذه الأخيرة معاصر أبو الهول.
5. د. فؤاد أبو زكي، الأمير السيد جمال الدين عبد الله التنوخي منشور في العام 1997، ص 173 و 174.
6. عجاج نويهض، التنوخي والشّيخ محمّد أبو هلال، مطابع دار الصّحافة- بيروت، ط 2 ، 1963، ص 184 و 185و 188
7. كانت العلاقة حميمة بين آل حصن الدين في المختارة، وآل التنوخيّ في عبيه، وكان ناهض الدين فقيهاً لدى التنوخيين، ووالده عبد الله أيضاً.( طنوس الشدياق، أخبار الأعيان، 1: 181و 182).
8. عجاج نويهض، ن. م. ص 200.
9. عجاج نويهض، ن. م. ص 115.
10. حافظ أبو مصلح، خلوات القطالب، ن م ، ص 110.
11. مقابلة مع الشيخ فوزات العرم مواليد المختارة سنة 1964، في منزله في المختارة بتاريخ 24/11/2016. وذكر أنّه كان من عداد الفريق الذي عمل على نقل الرّفاة ونقل حجارة وبلاطتيّ الضّريح، إلى الموقع الجديد.
12. نسخة مصوّرة عـن وصيّة الشيخ أسد بن زين الدّين يقظان، لدى الأستاذ أنور بشير يقظان مواليد بعذران سنة 1945.
13. نسخة مصوّرة عن وصيّة الشيخ أبو محمود حسوّن الدبيسي، لدى المؤلّف.
14. راجع سيرة الشيخ الجليل أبو حسين يوسف عبد الوهاب في مجلة “الضحى” العدد 14 تشرين الثاني 2015
15. مقابلة مع الشيخ نجيب رشيد صالحة مواليد رأس المتن عام 1934، في منزله في بقعاتا الشوف بتاريخ 13/11/2016.
كان بعض عابري السبيل يقصدون بعض الخلوات للمنامة. وكانت خلوة مرستي الكائنة في قرية مرستي، مقصودة من المارّة والمكارين بخاصّة في فصل الشتاء أثناء اشتداد العواصف وتراكم الثلوج للاستراحة والمنامة، بسبب قرب الخلوة من طريق المشاة الرّئيسة التي كانت تنطلق من صيدا إلى الشّوف والبقاع ودمشق، والتي تمـرّ عبر جبل مرستي وثغـرة مرسـتي.
16. مقابلة مع الشيخ يوسف سليم صفا مواليد عين قني سنة 1923، في منزله في عين قني بتاريخ 13/11/2016
17. مقابلة مع الشيخ علي اسماعيل زين الدين، مواليد الخريبة – الشوف سنة 1942، تاريخ المقابلة 25 /11/2016. والشيخ علي معروف بنشاطه في حقل الدفاع عن الطائفة والخير العام، كان يرافق المعلّم كمال جنبلاط في بعض زياراته وتنقّلاته، وقد أشرف مع المعلم على تأسيس مدارس (ثم مستشفى) العرفان وهو يتولّى منذ ذلك الحين رئاسة المؤسّسة.
18. مقابلة مع الشيخ حسين سليمان هاني مواليد بعذران سنة 1963، في منزله في بعذران بتاريخ 4/12/2016
19. الشيخ أبو علي اسماعيل زين الدين، ولـد ونشأ في بلـدة الخريبة – الشوف. كان شيخاً تقيّـاً ورعـاّ، يعمل في سبيل الخير العام. وكان منزله ملتقى الموحّـدين الصادقين. توفّي سنة 1972، وأقيم له ضريح في بلدته الخريبة.
20. الشيخ علي زين الدين
21. الشيخ نجيب رشيد صالحة مواليد رأس المتن سنة 1934، منذ سنة 1961، بـدأ يحضر إلى خلوة القطالب للزيارة والمساعدة على تنظيم أمور الخلوة، ومتابعة وإنجاز المعاملات التي تتعلّـق بالخلوات لدى الدوائر الرسمية والمؤسسات الخاصة. تولّى إدارة خلوة الشقيف في رأس المتن لمدّة سبع سنوات. وبسعي منه تـمّ مسح منطقة خلوة الشقيف العقارية، وسمّي العقار وقفاً خيريّاً معروفاً بوقف “خلوة عباد اللـه الصالحين من دروز قرية رأس المتن’’ (فؤاد أبو رسلان، رأس المتن مطارح وحكايات – 2008 ص 39). وفي سنة 1976، غادر خلوة الشقيف وبـدأ يحضر إلى خلوات القطالب للتعبّد ونسخ المخطوطات. وفي سنة 1992، كان من عداد الشيوخ الذين سعَوْا بنقل ضريح ورفاة الشيخ ناهض حِصن الدّين إلى مكانه الحالي. وفي نفس السنة، أي 1992، انتقل إلى خلوات البيّاضة في حاصبيّا، للتعبد ونسخ المخطوطات. وهو المسؤول عن إدارة خلوة جبل لبنان، الكائنة بداخل مباني خلوات البيّاضة، وهو متعمّـق بعلوم اللغـة العـربية وقواعدها.