الجمعة, شباط 21, 2025

اشترك معنا للاطلاع والحصول على أحدث المقالات والأعداد

الجمعة, شباط 21, 2025

اشترك معنا للاطلاع والحصول على أحدث المقالات والأعداد

بحث ..

  • الكاتب

  • الموضوع

  • العدد

مزاعم عيران الحايك

مزاعم عيران الحايك
تكذّبها الدراسات الإسرائيلية وحقائق التّاريخ

من كذبةِ الأصولِ المشتركةِ إلى الأصلِ القوقازيّ
“تلفيق جيني” هدفه تضييع النسب العربي للدروز

دراسة إسرائيلية أثبتت في العام 2015 عروبة الدروز
واستقرار خصائصهم الجينية منذ القرن الحادي عشر

كتب رئيس التّحرير
فجأةً انتشر في وسائل التّواصل الاجتماعيِّ في لبنان وفي المنطقة فتاتٌ من نظريّة إسرائيليّة مستحدثة تدَّعي أنّ أصلَ الدّروز ليس عربيّاً وأنّهم على الأرجح جاؤوا من مناطق في شرق تركيا وإيران، وزادت النظريّة أنّ الدّروز جاؤوا من مناطق جغرافيّة متقاربة مع المناطق التي سكنها اليهود في شمال شرقي تركيا وأنّه يجمعهم باليهود خصائص جينيّة تفوق ما يجمعُهم بسكّان المنطقة العربيّة، وأخيراً أنّ الدّروز من أصل قوقازيٍّ وليسوا عرباً!
بالطّبع هذه الادّعاءات هي من السطحية والافتقاد لأيّ سند علميّ بحيث لا تستحقّ الردّ، وذلك لأنّ تاريخ الدروز موثّق بالتّفصيل ومنذ أن بدأت طلائع القبائل العربيّة التي جاءت من الجزيرة العربية لتقطن السّواحل اللبنانيّة والجبال المطلّة عليها، وقد تمت تلك الهجرات بحثٍّ من الدّولة الإسلامية التي عهدت إلى أسلاف الدّروز بحماية الثّغور وطرق المواصلات من اعتداءات البيزنطيّين وبعض الجماعات الجبليّة المسيحيّة التي كانت متوطّنة في شمال سوريا ولبنان.

غطاء علمي لأجندة سياسية
لكنْ وبما أنّ تاريخ الدّروز وموقعهم في المنطقة من الأمور التي تهمّ كثيرين، فقد قام العديد ممّن وصلتهم الرّسالة حول أصل الدّروز (معتقدين بأنّها ذات قيمة علميّة) بإعادة بثّها إلى معارفهم وقام هؤلاء بدورهم بتحويلها إلى آخرين، فكان أن تداولت أوساط متنوِّعة في المنطقة هذه الأكذوبة لاسيّما وأنّ الموضوع جرى تقديمه بإعتباره “اكتشافاً علمياً” مستنداً إلى علم الجينات. وبالطّبع وقبل أن نتطرّق إلى هذه المكيدة ونظهر كونها مجرّد تلفيق علميّ لأهداف سياسيّة، فإنّنا نلفت إلى الأثر الهائل الذي باتت تمارسه وسائل التّواصل الاجتماعيّ في تكوين الأفكار والتأثير في الرأي العام، وهو ما جعلها تدخل كمكوِّن أساسيّ في استراتيجيّات التّضليل السياسيّ أو خدمة أهداف الدّول والمجموعات، وهذا الأمر يظهر خطورة التأخّر عن الرّكب وبالتالي أهميّة امتلاك أسلحة التّواصل الاجتماعيّ وموقع الإنترنت والمجلّة وغيرها من وسائل الاتّصال لأنّه من دونها سيكون من السّهل على من يريد بالموحّدين وبالوطن شرًّا أن ينشر ما يشاء من الأقاويل والدّسائس ودون أن يكون هناك من يمكنه التّصدي الفوري لردّ تلك الهجمات وفضح أهدافها.
الرّسالة التي نشرت على وسائل التّواصل الاجتماعيّ استندت إلى مقال للبروفسور “عوز ألموج” نشره على صفحته الشّخصية في موقع فيسبوك وجرى ترويجُه بعد ذلك عبر وسائل إعلام إسرائيليّة ووسائل التّواصل الاجتماعيّ ثم نشر الموقع الإسرائيلي بالعربيّة “المصدر” عَرْضاً مفصّلاً لنظريّة “الدّروز ليسوا عرباً” فساهم بذلك في زيادة تأثير النظريّة. لكن “ألموج” الذي نشر نظريّته السّخيفة ليس عالماً بالهندسة الوراثيّة ولا هو بباحث في أنتروبولوجيا الشّعوب بل أستاذ أكاديميّ في علم الاجتماع والتّاريخ الإسرائيليّين في جامعة حيفا وهو وجد صعوبة في نشر مقاله في أيّ صحيفة إسرائيليّة محترمة فاكتفى بالنّشر على صفحته الخاصّة مستهدفا إحداثَ أكبر أثرٍ ممكنٍ لأقاويله.

رائد في “التلفيق الجيني”
وفي ما عدا إيراد بعض “الدّلائل” الواهية على أصل الدّروز القوقازيّ مثل “سكنهم في الجبال” و”اختلاف سماتهم الفيزيولوجيّة عن العرب” (وهذا كذب صريح) وطبيعة مذهبهم ذي المصادر العديدة فإن “ألموج” استند بصورة خاصة إلى نظرية لـ “باحث” إسرائيلي يدعى “عيران الحايك” وهو أستاذ في جامعة شفيلد في بريطانيا لكنّه ليس من علماء الجينات المعروفين ولا يعمل ضمن فريق له مصداقيّته، وقد نشر حتى الآن جملة من النظريّات حول أصل أوروبيٍّ (خَزَريٍّ) مزعوم لليهود تعرض بسببها لهجمات من قبل المصادر الأكاديميّة ووسائل الإعلام الإسرائيلية، وقد حذر موقع Forward الذي يعكس آراء اليهود

المحافظين من الانخداع بنظريّات الحايك مصنّفاً إيّاها في خانة “العلم المُبتذَل” Junk science.
ويجب التّنبيه إلى أنّ هذا النّوع من أنصاف العلماء الذين يعملون على هامش المؤسّسة العلميّة غالباً ما يتمّ إدماجهم في مؤسّسات الدّولة وخطَطها السياسيّة، وفي هذا السّياق فإنّ هذه الدّراسات يتمّ على الأرجح تنسيقها وتركيب نتائجها من قبل أجهزة متخصصة بالدعاية والحرب النفسية ثم البحث في كيفيّة إعطائها الطابع العلمي بما يوفّر لها الأثر المطلوب. ومن الأمور المماثلة تعميم استخدام تعبير “الدّيانة الدرزية” (بدل “مسلك التوحيد”، كما يسمّي الموحّدون الدّروز أنفسهم). في بعض الإعلام الإسرائيليّ.
ونشير هنا إلى أنّنا نخصّص هذا المقال ليس بهدف الردّ على مزاعمه السّطحيّة ولكن من أجل إظهار الأساليب الماهرة التي تستخدمها الدّولة الإسرائيليّة في سبيل خدمة أهدافها وتضليل الرأي العامّ الدرزيّ وغير الدرزيّ في موضوع حسّاس يتعلّق بطائفة لها مكانتها ودورها في تاريخ العرب والمسلمين.
المهمّ هنا أنّ “ألموج” لم يأتِ من عنده بشيء ذي قيمة وهو أنشأ فرضيّته القائلة بأنّ الدّروز ليسوا عرباً بالاستناد إلى نظريّة حول الموضوع للباحث الإسرائيليّ عيران الحايك وهو أستاذ في جامعة شفيلد في بريطانيا لكنّه ليس من علماء الجينات المعروفين ولا يعمل ضمن فريق له مصداقيّته وقد نشرَ حتى الآن جملة من النّظريّات حول أصل أوروبيّ مزعوم لليهود تعرّض بسببها لهجمات من قبل المصادر الأكاديميّة ووسائل الإعلام في إسرائيل، وقد حذّر موقع Forward الذي يعكس آراء اليهود المحافظين من الانخداع بنظريّات الحايك مصنّفا إياها في خانة “العلم المُبْتذَل” Junk science.

الحايك “يكتشف” الدروز
وقد بدأ الحايك مقالته “الكشفيّة” بتقديم يزعم فيه أنّه ولأكثر من ألف سنة فإن “المصادر الغامضة” (لاحظوا التعبير) للشّعب الدرزيّ حيّرت علماء اللّغات والمؤرّخين وعلماء الاجتماع الذين لم يتوصّلوا للاتّفاق حول ما إذا كان الشّعب الدّرزي هو من أصل عربيّ أو قوقازيّ أو تركيّ أو فارسيّ”. فالحايك يمهّد لنظريّته بإعطاء الانطباع بأنّ تاريخ الدّروز مجهول وغير متّفق عليه، ليضيف بعد ذلك أنّه وبفضل البحوث الجديدة (التي أجراها منفرداً) فإنّه تمكّن من حل هذا اللّغز (هكذا..) إذاً، فإنّ الدّروز الذين شاركوا في حياة المنطقة منذ الإسلام الأوّل وحكموا مناطق كثيرة من جبل لبنان ثم خدموا الدّولة الإسلامية ثمّ السّلطنة العثمانيّة لمئات السنين، هؤلاء الدّروز ذوي الأنساب العربيّة الصّحيحة والأسماء العربيّة الصريحة والعقيدة الإسلامية العربيّة والذين لا يوجد جزء من تراثهم الفلسفيّ أو الروحي أو التاريخي إلا وكتبوه هم باللّغة العربيّة، هذا الشّعب الأبيُّ العريق هم حسب هذا الباحث الإسرائيليّ لا يعرف تاريخه ولا يعرف خصوصاً أنه من أصل غير عربيّ!!.
كيف حل الباحث الإسرائيليّ اللّغز المتعلّق بأصول الدّروز؟ حلّه في مختبر خاصّ به يقول إنّه أجرى فيه “أبحاثاً جينيّة” تستخدم طريقة اخترعها وسمّاها “علم السّبر الجغرافيّ للجينات” وهي طريقة مُفبركة لا أساس علميّاً لها وليست مستخدمة من قبل أيّ جهةٍ علميٍّةٍ، لكنّها مناسبة لخدمة أغراض الباحث ولاستكمال عمليّة التّلفيق. يقول الحايك:
“لقد أظهرت تحقيقاتنا الجينيّة أنّ معظم الدّروز يعودون في تركيبهم الجينيّ إلى منطقة شمال شرقي تركيا وجنوب غربي أرمينيا وشمال العراق، وهي المنطقة المحاذية لجبال زاغروس”. ويتابع بأنّ الدّروز نزحوا عن تلك المناطق بسبب الحروب والصّراعات التي حصلت فيها، وبما أنّهم معتادون على العيش في تلك الجبال الشاهقة فإنهم مالوا للإستقرار في المناطق الجبليّة في لبنان وسوريا وفلسطين. ثم يورد الكاتب مزاعم غير مسبوقة مثل “إنّ التركيب الجينيّ للدّروز أقرب إلى اليهود الأشكناز منه إلى شعوب الشّرق الأوسط.”

نظرية “الأصول المشتركة”
ثم يضيف الحايك القول: إنّ في الإمكان ردّ التّشابه الجينيّ بين الدروز واليهود الأشكناز إلى “الأصول المشتركة” التي تجمعهما وذلك بسبب أنّهما عاشا جنباً إلى جنب في تلك المناطق من القوقاز (مما يبنى عليه أنّه حصل تمازج وربما تزاوج بين الشّعبين هو الذي يفسر التّشابه في تركيبهما الجيني)، ثم ينتقل الكاتب لمحاولة تبرير حقيقة تاريخية معروفة تكذّب نظريّته وهي أنّ الدّروز لم يلتقوا أبداً باليهود ولم يعيشوا معهم منذ هجرتهم إلى بلاد الشام، وهو يقول في ذلك إنّ الشّعبين “افترقا” فاتّجه الدّروز إلى جنوب سوريا واتّجه اليهود إلى بلاد الخزَر Khazar في آسيا الوسطى وهما “يجهلان أصولهما المشتركة” وهذا إلى أن أثبت علم الجينات ذلك مجدّداً!!

مبروك إذاً للدّروز!! فبعد أكثر من ألف عام عاشت فيها هذه القبائل العربيّة العريقة في جبال لبنان وفلسطين وسوريا وعمّرت قراها لكن دون أن تعرف (أو ربما نسيت) من أين أتت وما هي أصولها أتركيّة أم قوقازيّة أم كرديّة أم غير ذلك، وبعد عدّة قرون تولى فيها الموحّدون الدّروز حكم مناطق شاسعة من لبنان وسوريا وفلسطين بتفويض من الدّول الإسلاميّة والعربيّة المتوالية، جاء باحث يهوديّ يعمل ربما في “وحدة دراسيّة” تحت إشراف الدولة ليكشف لهم اللّغز وينبئهم بأنّهم لا يعرفون من هم ويبشّرهم بأن جيناتهم تدلّ على أنّهم من أصول مشتركة مع اليهود الأشكناز بعد أن تمازجوا بهم في جبال القوقاز. والنّتيجة الأهمّ التي شدّد عليها الحايك هي أن الدّروز ليسوا كما يقال عرقاً متميِّزاً لم يمتزج بغيره بل هم حملوا من خصائص الكثير من الشّعوب الشرق أوسطيّة وغيرها التي تداخلوا معها. إنّ الهدف من الاستنتاج الأخير هو تشكيك الدّروز بأصولهم العربيّة وجعلهم منفتحين على نظريّات مثل الأصل المشترَك مع اليهود الأشكناز وما شابه من الترّهات.

الدراسات الجينية كلها أثبتت أن الدروز عرب أقحاح تعود أصولهم إلى القرنين السادس والسابع الميلادي أي إلى بدء الدعوة الإسلامية
الدراسات الجينية كلها أثبتت أن الدروز عرب أقحاح تعود أصولهم إلى القرنين السادس والسابع الميلادي أي إلى بدء الدعوة الإسلامية

الدّراسة الإسرائيلية التي أثبتت عروبة الدّروز
قلنا إنّ الأبحاث الإسرائيليّة والدوليّة الرّصينة نفسها تكذّب عيران الحايك وعوز ألموج وأمثالهما من المزوّرين المحترفين، وسنذكر في هذا المجال وبصورة خاصّة البحث التّفصيلي الذي أجراه فريق من الباحثين الإسرائيليّين والدّوليين وأعلنت نتائجه في شباط 2015 ونشرت نتائجه في “المجلة الأوروبيّة لأبحاث الجينات الإنسانيّة” ثمّ في صحف إسرائيليّة ودوليّة وأثار اهتماماً عالمياً،
يومها أعلن رئيس الفريق البروفسور جيل آتسمون أستاذ البيولوجيا الإنسانيّة وعلم طب الجينات في جامعة حيفا أنّ الدّراسة هي “أوّل بحث في الخصائص الجينيّة للطائفة الدرزيّة يؤكّد أنّها تتمتّع بتاريخ من المُورِّثات الجينيّة المشتركة يعود إلى القرن الحادي عشر الميلاديّ، وأن نتائج البحث تلتقي مع ما يعتقده الدّروز أنفسهم في ما يخصّ أصولهم العرقيّة والثقافيّة”.
تألّف الفريق الدّراسيّ يومها (إضافة لرئيسه البروفسور جيل أتسمون) من البروفسور جمال زيدان أستاذ طب الجينات في جامعة بار إيلان ومن البروفسور إيتان فريدمان من جامعة تل أبيب ومن مركز بئر السّبع الطبّي في تلّ هاشومير. وانضمّ إلى الفريق البحثيّ الدكتور دان أبراهام من قسم طبّ الجينات الوراثيّة في كليّة أينشتاين في جامعة نيويورك، والدّكتور شاي كارمي الأستاذ في قسم علوم الكمبيوتر في جامعة كولومبيا والدكتور تيسير مرعي من مبادرة تنمية الجولان. ويشير تكوين الفريق البحثيّ من هذه الشخصيّات العلميّة الشهيرة في حقل البحوث الجينيّة إلى أهمّية الدّراسة التي قاموا بها والتقنيّات البحثيّة التي استخدموها لإعداد هذه الدراسة التي خرجت باستنتاجات تطابق ما خرجت به دراسات علميّة سابقة كما تطابق تاريخ الدّروز واعتقادهم بأنّهم يتمتّعون بأصول عربيّة صافية، بينما تقوم “نظريّة” عيران الحايك على عمل علميّ مزعوم في مختبر شخصيّ مُغلق لم يشارك به أحد ولم تطّلع عليه أو تفحص نتائجه أيٌّ من الهيئات العلميّة المشهود لها بالخبرة.
إستهدفت الدّراسة الشّاملة للفريق العلميّ الإسرائيليّ- الدوليّ معرفة ما إذا كان دروز الزّمن الحاضر يشتركون في أصول جينيّة واحدة، وفي حال ثبوت ذلك، في أيّ وقت بدأت تلك الأصول المشتركة في التكوّن. وتناول البحث 120 مشتركاً من دروز مناطق فِلِسْطين والجَولان واشترط ألّا يكون بين أيٍّ منهم روابط قربىمن الدّرجتين الأولى والثّانية بهدف ضمان شروط الدِّقة العلميّة للبحث، وتمّ استخدام نتائج دراسات جينيّة إضافيّة أُجرِيَت في لبنان وجبل الكرْمل ومناطق أخرى عديدة يقطنها الدّروز، وفقاً لعضو الفريق البروفسور جمال زيدان.
ومع اختتام أعمال مجموعة البحث، أعلن الفريق العلميّ أنّ الدّراسة أثبتت أنّ الدّروز يشتركون بالفعل في مورّثات جينيّة تُميِّزهم بقوّة عن أفراد الجماعات الأخرى في الشّرق الأوسط، وأنّ المجموعة المُميِّزة لجينات الدّروز بدأت بالتّشكّل في القرن الحادي عشر الميلادي. وحسب الدّراسة فإنّه وبالنّظر لأنّ أفراد الطّائفة لا يتزوّجون من خارجها فإنّ الأصول الجينيّة السّابقة التي حملها الدّروز معهم قبل القرن الحادي عشرَ الميلاديّ تلاشت في نفس الوقت الذي تناقص فيه عدد أفراد الطّائفة فأصبحوا (نتيجة استمرار التّزاوج الداخليّ) أكثر تقارباً وأكثر تمايزاً عن المحيط في مورّثاتهم الجينيّة.

الأمير شكيب أرسلان أثبت بالتفصيل التاريخي أن الدروز عرب أقحاح
الأمير شكيب أرسلان أثبت بالتفصيل التاريخي أن الدروز عرب أقحاح

الدروز حافظوا على نقائهم الجيني
وخرجت الدّراسة بأنّ الطائفة الدرزيّة تأسّست من قبل بضع مئات من العائلات في مطلع القرن الحادي عشَرَ وأنّ جميع الدّروز يعودون في خصائصهم الوراثيّة إلى تلك العائلات. الأهمّ من ذلك هو استنتاج فريق البحث بأنّه لم يُعثر على أدلّة تبيّن أنّ “بنك الجينات” الدرزيّة دخلته مورّثات غريبة طيلة السّنوات الألف الماضية، وهذا يعني أنّ الجماعات الدرزيّة لم ينضمَّ إليها جماعات جديدة منذ ذلك التّاريخ، كما عثر الباحثون على أدلّة تؤكّد وجود فروقات جينية بين المجموعات الدرزيّة في عدد من المناطق المختلفة والمتباعدة مثل لبنان والجولان والجليل الأعلى وجبل الكَرْمل وغيرها، وهو ما يعزّز الافتراض بأنّ الدّروز (على العموم) يتزاوجون في ما بينهم في المناطق التي يسكنونها.
لكنّ الدّراسة أكّدت في الوقت نفسه أنّ الجينوم (النّمط المميّز لجينات الموحّدين الدّروز) يتشابه إلى حد كبير مع الجينوم المميّز للشّعوب العربيّة ولسكان الشّرق الأوسط. ووجد الباحثون أنّ الجينات المُميِّزة للدروز تُظهر صلتهم بجماعات عربيّة عاشت في صدر الإسلام في القرن السابع الميلادي، وأنّ هذه الجماعات هي التي كوّنت أسلاف الدّروز وأجدادهم، والاستنتاج الأخير يطابق أيضاً رواية الدّروز لتاريخهم بأنّهم ينتسبون إلى قبائلَ عربيّة عاشت في صدر الإسلام وارتحلت في أوقات معيّنة بعد ذلك خصوصاً في العهدين الأمويّ والعباسيّ إلى جبل لبنان (الذي كان مفهوماً واسعاً يضمّ أجزاء من شمال سوريا وشمال فلسطين)..
إنّ نتائج الدّراسة الإسرائيليّة الدّوْليّة للعام 2015 تفضحُ المهزلة البحثيّة لعيران الحايك وتظهره على حقيقته، كما تعزّز الشّكوك بأن تكون دراسة الحايك وكلّ ما نُسج حولها في الإعلام ليست سوى جزء من مجهود دعائيّ وإعلاميّ إسرائيليّ منسّق لإيهام الدّروز (في فلسطين خصوصاً) بأنهم يشتركون مع اليهود بأمور كثيرة بينما لا يجمعهم بالعرب جامع، وهو ما قد يُسهِّل فصلهم عن جذورهم التاريخيّة العربيّة الإسلاميّة وإدماجهم بصورة أقوى بأغراض الدّولة العبريّة. ومن الواضح أنّ إسرائيل تستفيد الآن من حالة التمزّق وانهيار المعنويات العربيّة لإطلاق مثل هذه النظريّات على أمل أن تلاقي أصداءً لدى أوساط الموحّدين الدّروز المحبَطين بسبب تراجع القضيّة الفلسطينيّة وحالة التفرّق العربي.

سلطان باشا الأطرش ومجاهدو الثورة العربية السورية في صحراء الأردن- خيال عيران الحايك الواسع رأي فيهم أصولا قوقازية
سلطان باشا الأطرش ومجاهدو الثورة العربية السورية في صحراء الأردن- خيال عيران الحايك الواسع رأي فيهم أصولا قوقازية

العلم في خدمة الأجندة السياسية

نظريّة عيران الحايك حول الأصل القوقازيّ للدّروز بل وأصولهم المشترَكة مع اليهود الأشكناز قد تكون بدعة فجّة وتضليل مكشوف الأهداف، وهي بالتأكيد لن تلاقي أي اهتمام من دروز فلسطين أو الموحدين الدّروز عموماً.
لكن الحايك تميَّز قبل ذلك بكونه أحد مروّجي نظريّة ملفّقة أخرى عن “الأصل الخّزَرِيّ” لليهود، وهي النظريّة التي تقول إنّ يهود العصر الحاضر لا ينتمون جينيّاً إلى العِرق اليهوديّ الذي وُجِدَ في فِلِسطينَ في فجر التاريخ لكنّهم ينتمون إلى قبائل الخزَر التي كانت تسكن في آسيا الوسطى ولكنّها تبنّت اليهوديّة في وقت ما من القرن التّاسع الميلاديّ. وهذه النظريّة أطلقها قبل ذلك مفكّر يهودي ماركسي هو آرثر كوستلر (في كتابه “السّبط الثالث عشر”) وفحوى هذه النّظرية هي أن اليهود الأشكناز جاؤوا من قبائل الخزر وأنّه لا تربطهم بالتّالي صلات جينيّة وعرقيّة باليهود الذين يتّهمهم المسيحيّون بصلب المسيح. وقد نقل أحد أصدقاء كوستلر عنه في ما بعد أنّه أراد من كتابه أن يُظهرَ أنّ اليهود ليسوا عرقاً مميّزاً لعلّ ذلك يساهم في تخفيف الشّعور المعادي لهم والذي يسمّيه اليهود “اللّاسامية”، أي أنّ كوستلر اعترف بأنّه وضع نظريّته لأغراض سياسيّة وأنّه لا يوجد بالتّالي أساس علميّ لها. وها هو الحايك يحوك على نفس المنوال لكنّه يفتتح هذه المرّة سوقاً مع بضاعة تفوح منها رائحة الكذب والتّزييف الصّريح. وهو مثل كوستلر وألموج وغيرهم يقدّمون الدّليل أنّ ولاءهم الأساسيّ ليس للحقيقة بل للأجندة السياسيّة للدّولة اليهوديّة.

البروفسور إران حايك مروج نظرية الأصل القوقازي للدروز
البروفسور إران حايك مروج نظرية الأصل القوقازي للدروز
البروفسور جلعاد (جيل) آتسمون رئيس فريق البحث الذي أثبت نقاء الخصائص الجينية للدروز وأصولهم العربية
البروفسور جلعاد (جيل) آتسمون رئيس فريق البحث الذي أثبت نقاء الخصائص الجينية للدروز وأصولهم العربية

مشاركة المقال

التعليقات

Leave a Reply

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اترك تعليقاً

Leave a Reply

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

المقالات ذات صلة

السابق
التالي