السبت, نيسان 20, 2024

اشترك معنا للاطلاع والحصول على أحدث المقالات والأعداد

السبت, نيسان 20, 2024

اشترك معنا للاطلاع والحصول على أحدث المقالات والأعداد

بحث ..

  • الكاتب

  • الموضوع

  • العدد

رابعة العدوية

شاعرة العشق الإلهـي

عرفت رابعة العدوية خالقها، فتهذبت أخلاقها وسارت في منعرجات الرقي الروحي، فأعطتنا المثل الأعلى في التوحيد، طريق النفوس التقية النقية، والعقول المدركة للأسرار وأول الشروع في الحكمة هو الانسلاخ عن الدنيا ليكن مطلبك هو الله، ومقصدك هو الله، ولطفك هو الله وفكرك هو الله .
كان أبوها ينتظر غلاماً فجاءت بعد ثلاث بنات، فسماها رابعة، أي البنت الرابعة – حزن الوالد المسكين وكان يدعو الله تعالى بقلب منكسر أن يرزقه ما يسدّ رمق بناته الجائعات: رأى في نومه من يقول له “إقصد عيسى ابن زادات – أمير البصرة– واكتب رقعة تقول فيها “يازادات إنك تصلي في كل ليلة مئة ركعة، وفي كل ليلة جمعة أربعمائة، ولكنك في الجمعة الأخيرة، نسيت، فادفع أربعمائة دينار لصاحب هذه الرقعة».
ذهب أبو رابعة، كما أوحي إليه في حلمه، لملاقاة ابن زادات، وما إن التقاه حتى ألقى إليه بالرقعة. دهش ابن زادات لهذا الأمر وسأله: أنت؟ من أخبرك بالأمر؟ لم يكتم أبو رابعة الأمر، بل أخبره عن وليدته الرابعة ووحيه، فما كان من ابن زادات إلا أن حمل المال وقصد الصغيرة في بيتها وقد شعر أن لهذه المولودة كرامة عند الله.
كانت طفولتها قاسية جداً، وأبوها لا يملك المال ولا الطعام بل كانت ثروته فقط قارباً صغيراً ينقل المسافرين في نهر دجلة من مكان إلى آخر، مقابل بعض أرغفة يسدّ بها رمق بناته الصغيرات.
أما حياة رابعة الصبية فكانت بدورها مليئة بالمصاعب والمصائب. وكانت لذلك تجلس ليلاً نهاراً لمناجاة ربها والتأمل في أحوال دنياها فلا يزيدها ذلك إلا زهداً بهذه الفانية.
وبعد مسيرة الجوع والحرمان شاءت الإرادة أن تدخل رابعة امتحاناً أقسى يليق بمعدنها الصلب وإيمانها الذي لا يتزعزع. إذ مات أبوها ثم ماتت أمها بعد زمن قصير فأصبحت يتيمة الوالدين ولم يعد لها من هذه الدنيا الفانية مورد رزق سوى هذا القارب الذي تركه لها والدها المسكين، فكانت تعمل عليه لتأتي ببعض الطعام إلى أخواتها الصغيرات.
اللهم إني ما عبدتك حين عبدتك طمعاً في جنتك ولا خوفاً من نارك ولكني علمت أنك رب تستحق العبادة فعبدتك.
ثم شاءت القدرة أن تقع اليتيمة أسيرة أحد اللصوص الذي باعها لأحد التجار، تعمل ليل نهار كخادمة وقبل بزوغ الفجر تجلس اليتيمة تناجي ربها، تصلي بصوت عالٍ ودموعها السخية تنهمر من عينيها وتقول: “سيدي بك تقرب المتقربون في الخلوات ولعظمتك سبحت الحيتان في البحار الزاخرات، ولجلال قدسك تعانقت الأمواج المتلاطمات. أنت الذي سجد له الليل وضوء النهار، والفلك الدوار، والبحر الزخار، والقمر النوار، والنجم الزهار، وكل شيء عندك بمقدار، لأنك العلي القهار”. استيقظ الرجل في ليلة وسمع تلك المناجاة الباكية فرق قلبه وقال لها: “منذ الصباح أنت حرة يا بنيتي، تذهبين حيث تشائين. لكن العتق الذي أنعم الله به على رابعة وضعته على الفور هدية على أعتابه فحولت حرية النفس إلى أسر الزهد والعبادة إحقاقاً لحق الرب وتوحيده”.
جاء محمد بن سليمان الهاشمي، يغريها بالمال، لترضى به زوجاً فكتبت اليه تقول: “الزهد في الدنيا راحة البدن، والرغبة فيها تورث الهم والحزن، ولو خولني الله أمثال ما خولك وأضعافه، ما سرني أن أشتغل عن ذكر الله طرفة عين”. سمعت رجلاً من الموحدين يهتف: إلهي إرضَ عني.
فقالت له: “لو رضيت بالله، لرضي الله عنك”. قال: وكيف أرضى بالله قالت: “يوم تفرح بالنعمة، كما تفرح بالنقمة، لأن كليهما من عنده”.
جاءها أمير البصرة، حاملاً لها مالاً كثيراً، فلما رأته دهشت وبكت، ورفعت رأسها الى الله وقالت له: “ربي يعلم، إنني أخجل أن اسأله الدنيا وهو يملكها، فكيف آخذها ممن لا يملكها؟؟”، فرجع من حيث أتى.
سمعت صالح المر يقول: من أدمن على قرع الباب يفتح له قالت: لا تقل هذا، فمتى كان الباب مغلقاً في وجه مؤمن حتى يفتح له؟
هي القائلة: “اللهم إني ما عبدتك حين عبدتك طمعاً في جنتك ولا خوفاً من نارك ولكني علمت أنك رب تستحق العبادة فعبدتك”.
قالت لبعض العابدين الذين زاروها: “لِمَ تعبدون الله؟”، قال أحدهم: “أعبده خوفاً من عذاب النار”، وقال آخر: ” أعبده حباً بالجنة”. قالت: “بل نعبده لذاته، ويكفينا نعمه التي لا تحصى، لنخر له ساجدين”.

مختارات من شعرها

أحبك حُبّين
عرفت الهوى منذ عرفـت هـواك وأغلـــقت قلبــــي عمـــن ســــواك
وكــنــت أناجيــك يـــا مــن تـــرى خفـــايــا القلــــوب ولســنــا نــراك
احبـك حبيـــن حــبّ الهـــــــــوى وحبــــاً لأنـــــك أهـــــل لـــــــــذاك
فأمــــــا الــذي هــو حـــبُّ الهوى فشغلـــي بذكـــرك عمــــن ســواك
وأمـــــــا الـــذي أنـــت أهـــل لـــــه كشفــــك للحجــب حتــــــى أراك
فــلا الحمــد فـي ذا ولا ذاك لـــي ولكــــن لك الحمــــد فـي ذا وذاك
وأشتـاق شـوقــين شـوق النــــــوى وشـوق لقــرب الخلـــي مــن حماك
فأمـــا الـــذي هــو شــــوق النــوى فمســــرى الدمــــوع لطــــول نـــواك
أمــــــا اشتيـــاق لقـــــرب الحمــــى فنـــار حيــاة خبــت فـي ضيـــاك
ولست على الشجـو أشكو الهوى رضيـت بمـا شئـت لي في هـداك

أنت لي مؤنس
يــا سـروري ومنيــــتي وعمــــادي وأنيســــي وعُــــــدتي ومـــــــرادي
أنـــت روح الفــــؤاد أنــت رجائي أنــت لــي مؤنــس وشــوق كزادي
أنــت لـــولاك يــا حيــــاتي وأُنسي مــا تشـــتــتُ في فسيــح البـــــــلاد
كـم بــدت مِنــة وكـم لك عنـــدي مـــن عطـــــاءٍ ونـــعمـــةٍ وأيـــــادي
حُبـــــك الآن بُغيـــــتي ونعيـــــــمي وجــــــلاءُ لعيــــــن قلبـيَ الصـادي
ليـــس لي عندك ما حييت بـراحٍ أنــت منــــى مُمَــكنُ في الســـــواد
إن تكــــن راضيــــاً علــــيّ فإنــي يا مُنى القلــب قد بدا إسعــادي

راحتي في خلوتي
راحتــــي يــــا إخوتي في خلـــوتي وحبيبــــي دائمـــا فـي حَضــــرتي
لـم أجــــد لـــي عن هــواه عِوضـا وهـــــواه فـي البــــــرايا مِحنتـــــــي
حيثــــما كــنت أشاهِد حُســــنه فهــــو محــــــرابي إلـــيــــه قبلتــــــــي

 

شكوى
وارحمتـــا للعاشقــين! قلـــوبـــهـــم فـي تيـه ميــــدان المحــبة هائمــــــه
قامت قيامة عشقـهم فنفوسهـــــم أبــداً علـــى قـــدم التذلل قائمـــــه
إمــــا إلـى جنـــات وصــل دائمــــا أو نــــار صــدٍ للقلـــوب ملازمـــه

زادي قليل
قليـــــل مـــــــــا أراه مُبـــلّــغـــــــــــي أللــزاد أبــكي أم لطول مســـافــتي
أتحــــرقُني بالنـــار يـــا غاية المنــى فأيـــن رجائــــي فيك أين مخـــافتي

خمر العشق
كأســــــي وخمـــري والنديم ثلاثـة وأنــــا المشوقة في المحبــــة: رابعـــه
كــأس المســـــرة والنعيـــم يديـرهـا ساقي المدام على المدى متتابعه
فإذا نظــــرت فــــلا أُرى إلا لــــــه وإذا حضـرت فلا أُرى إلا مـــعـــه

إذا نطقت كنتَ حديثي
وتخــلَّلَتَ مســـلكَ الــــروحِ منــــي وبه سُمّــــي الخلـــيل خليــــــــلا
فإذا ما نطــــقتُ كنـــت حديثــي وإذا ما سكـــــتُ كنــت الغليـــلا

حبيبي
حبيـــــبٌ ليـــــس يعـــدله حبيـب ولا لســـــــواه فـي قلبــــي نصيـب
حبيبٌ غاب عن بصري وشخصي ولكــــــن في فــــؤادي مــــا يـغــيب

مشاركة المقال

التعليقات

Leave a Reply

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اترك تعليقاً

Leave a Reply

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

المقالات ذات صلة

السابق
التالي

اكتشاف المزيد من Dhoha Magazine

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading