مشيخة العـقـل هي رأس الهرم الرّوحي والزعامة الروحيّة لطائفة الموحدين الدروز. هـذه الزعامة الروحيّة الأصيلة، هي اشتقاقٌ معنويٌ وامتدادٌ تاريخيّ لفكرة الإمامة، أيّ الرشادُ والحكمة ُوسلطة التوجيه والتقويم، والـولاء والاستئناس بالعـرفان والاسترشاد بالمثُل العُليا، وبالتوجيه الأصفى والأمثل.
فالعقل هـو مصدر التـدبير وأساس المعرفة. وذَكر الدكتور خليل أحمـد خليل في كتابه «العقل في الإسلام»، أنّ الشراكة بين العقل العلمي والعقل الديني، تبرهن أن العقل السياسي هو جـزء من العقل العلمي العملي. فيما العقل الديني هو عقـل توحيدي. وهـو العقل الذي تُعرف به المُفتَرضات الدينية والمعارف الحقيقية.
كان شيخ العقـل يلقّـب في السابق بــ «شيخ العقّال وشيخ العصر وشيخ المشايخ» حتى استقرّت التسمية أخيراً على لقـب « شيخ العقـل». وكان مقـرّ شيخ العقل محصوراً في لبنان وهو واحـد لجميع الدروز، وتشمل صلاحياته جميع الدروز حيثما كانوا، في لبنان أم في سوريا أم في فلسطين، حتى الربع الأول من القرن التاسع عشر. وبسبب الخلاف بين الحاكم الأمير بشير الشهابي الثاني والشيخ بشير جنبلاط، انقسمت مشيخة العقل بين الحزبين الدرزيين. فكان شيخ عقل للجنبلاطيين وشيخ عقل آخر لليزبكيين. وبعـد الحرب العالمية الأولى وعند تقسيم الدول العربية، انقسمت أيضاً مشيخة العقل. فكان لسوريا ثلاثة شيوخ عقل، ولفلسطين شيخ واحد، وفي لبنان كان يتراوح عددهم بين شيخين وثلاثة. أما اليوم فقـد اجتمعت المشيخة في لبنان بشيخ واحد، ينتخب بموجب قانون تنظيم شؤون طائفة الموحدين الدروز الصادر بتاريخ 9/6/2006. غـير أنَّ سلطة مشيخة العـقـل الروحيّة والزمنيّة كانت تتأثّرُ دائماً بشخص متوليها. (1)
الشيخ اسماعيل أبو حمزة
الشيخ اسماعيل صعب أبو حمزة «أبو سليمان» كانَ شيخاً جليلاً حكيماً عاقلاً، عالي الهمّة حسن التدبير. من مآثرهِ بناء مجلس في قريتهِ الخريبة ما زال موجوداً إلى الآن. وهـو أول مـن تلقّـب بلقـب «شـيخ العقـل»(2) ولم تذكر المصادر التاريخيّة تاريخ ولادتهِ أو تاريخ تولِّيهِ مشيخة العقل. وتوفّي سنـة (1212هـ/ 1798م). والدهُ الشيخ أبو حسين صعب أبوحمـزة من كبار رجال الدين، كان يقـيمُ في قرية السمقانية(3).
كان الشيخ اسماعيل أبو حمزه معاصراً للشيخ علي جنبلاط (ت 1778م)، الذي كان يلقّب بـ «الشيخ الكبير، أو شيخ مشايخ الشوف»، تمييـزاً لـه عن المشيخات العائلية، التي كانت تتعهّـد الجباية الضريبية في نـواحي وقـرى الجبل. ولكن ذلك لا يعني أنَّ الشيخ علي كان شيخاً لعقّال الموحدين الدروز. إذ إنّ لقـب «شـيخ» كان يجمع بيـن وظيفتين: دينيـة وينـدرج تحت مسمّاها مشايخ الدين الـدروز. وإدارية ويندرج تحت توصيفها كل متعهدي الرّيع العقاري في مقاطعات جبل لبنان. لأنّ شيخ المقاطعة سواء أكان درزياً أو مسيحياً، هـو من أوكلت إليه الشؤون الإدارية والسياسية في مقاطعته.(4)
في سنة (1763م)، وقع الخلاف بين الشيخ علي جنبلاط والحاكم الأمير منصور الشهابي. فبـدأ الشيخ علي وبالاتفاق مع الشيخ كليب النكـدي الذي كان من الفئة الجنبلاطية بالعمل على إزاحة الأمير منصور عـن كرسي الحكم، والإتيان بابن أخيه الأمير يوسف الشهابي حاكماً على إمارة جبل الدروز بـدلاً منـه. فعمـل الشيخ علي جنبلاط على تكليف شيخ العقل الشيخ اسماعيل أبو حمـزه بحضّ الأهلين على تأييـد الأمير يوسف. وذلك لمـا لموقع مشيخة العقـل من تأثير على السكان. وبحجّـة تفقّـد الخلوات الدينية للطائفة الـدرزية والنظر بأمورها، جال الشيخ اسماعيل على العـديد من القرى والبلدات في الشوف والغـرب حيث لبّى معظم الأهلين دعوته. الأمر الذي مكّن الأمير يوسف الشهابي من الوصول إلى حكم بلاد جبيل، عن طريق التزامها من والي طرابلس لأن بلاد جبيل كانت في ذلك الحيـن تابعة لولاية طرابلس. وكان الشيخ علي جنبلاط والشيخ كليب النكدي، يرسلان رجالاً من الشوف والمناصف إلى جبيل سـرّاً، لتقوية الأمير يوسف. وبعـد ذلك تمكّـن الأمير يوسف من الوصول إلى حكـم إمـارة الجبـل.(5)
عائلة أبو حمـزه
عائلة أبو حمزه هي من العائلات النافـذة، أو ما كان يُعـرف بالمشايخ الصّغار، وقـد حافظت على موقعها الاجتماعي خـلال عهـد المتصرّفية وحتى اليـوم. يقال أنَّ بداياتها كانت مـن قرية السمقانية، وهي أحـد فـروع عائلة أبو هرموش. وبسبب خلاف مـع أقاربهم، نـزحوا عن قرية السمقانية وأقام قسم منهم في قرية مرستي، والقسم الآخر في قرية معاصر الشوف. إن اختيار هاتين القريتين لسكناهم يعود إلى امتلاك بعضهم أراضٍ فيهما.
كانت قـرية الخريبة المجاورة في ذلك الزمن، ملكاً للشيخ خطار بن يونس جنبلاط. والتي انتقلت اليه بالإرث من والده يونس، ومن جـدّه الشيخ علي الكبير إلى والده. وبناء لطلب الشيخ خطار، انتقل أفـراد عائلة أبو حمزة من مرستي والمعاصر وأقاموا في قرية الخريبة(6). وقـد أنجب الشيخ خطار ابنتين، اقترنت الأولى بالشيخ بشير قاسم جنبلاط واقترنت الثانية بشـقيقه حسـن.
لـم تـذكر المراجع التاريخية تاريخ انتقال عائلة أبو حمزه من قريتي مرستي والمعاصر للإقامة في قرية الخريبة. لكن هناك وثيقة مؤرّخة سنة (1298هـ/ 1880م)، تبيّـن بيع عائلة أبو حمـزه حصّتهم في الخشخاشي (المـدفن) في قرية مرستي إلى أمين زيدان من نفس القرية. والحصّة هي اثنا عشر قيراطاً من أصل أربعة وعشرين قيراطاً. والبائع (كاتبه على نفسه قاسم شاهين بو حمزة).(7)
ومن الرجوع إلى إحصاء قرية مرستي الذي أجري سنة (1329هـ/ 1910م)، في عهـد المتصرّفية، تبين أن شخصاً واحداً من عائلة أبو حمزة كان لـم يـزل يقـيم في قرية مرستي، وهـو: رشـيد بن ملحم حميدان أبو حمزه، وكان يستثمـر دكاناً فيهـا.(8)
نشر يوسف ابراهيم يزبك في أوراق لبنانية (9) تحت عنوان «أوّل اتفاق يزبكي جنبلاطي سنة 1793»، معرّفاً عن هـذه الوثيقة بما يلي:
هي وثيقة اتفاق تمّ في ربيع سنة 1793، بين الشيخ اسماعيل أبوحمزه شيخ عـقل الدروز رئيس الحزب اليزبكي، وبين الشيخين أحمـد نجم جنبلاط وخطار أبو يونس جنبلاط، ابني عمَّي الشيخ بشير قاسم جنبلاط. وكان الزمان الذي تمّ فيه هذا الاتفاق – على أثر مقتل الأمير يوسف الشهابي في عكّا – مليئا بالأحقاد والتشاحن والتطاحن بين الإقطاعيين في الشوف. وكان الحاكم الشاب بشير الشهابي قـد أُقصي عن الحكم وتولاه نسيباه الأميران حيدر وقعدان شهاب. فلماذا اتّفق زعيم اليزبكيين وزعيمان من الأسرة الجنبلاطية هـذا الاتفاق الموثـّق بالأيمـان ؟ إننا سنحاول درس ذلك الحادث التاريخي في جـزء مقبل، ونكتفي اليوم بنشر وثيقته، بعـد فرنجـة تسطيرها، وهـذا نصّها:
«بسم اللّـه الرحمن الرحيم وهو حسبي وبـه استعين.
جـرا الوفق، وباللـه التوفيق، ما بيننا المدوّنه أسامينا أدناه: باننا يد واحدة، وصالح واحد، وراي واحد. وأوثقنا على أنفسنا الوثق التام، بالقول التام والعهد التام، بالإيمان على حكمته. ووكلنا على ذلك حدودا بان لا بيننا لا مفرق ولا فرق. واشرطنا أنفسنا بان ليس عندنا صالح ابدا (اهم) من صالح بعضنا البعض، لا غريب ولا قريب. ولا ينقص (الأصح يُنغّص) عهدنا وايماننا أحد، والراي مشترك. ولا نطابق على (ساج ؟) بعضنا البعض. والمسرى واحد والطريقة واحدة، ومحفوظ السر ما بيننا لا ينذاع لاحد من الأنام. وان الصديق واحد على طريقة الكمال والمروّه وعمار الصالح، ولا نطابق على بعضنا في وحيش. ولا معزه مع احد من الخلق، لا غريب ولا قريب، ولو كان الاخ او ابن العم، او حاكم الوقت، او كاين من كان من ساير الانام. وذلك لازمنا مد (ى) الشهور والاعوام، مدة حياتنا بايماننا الذي اوثقنا النية والطويه برضانا واختيارنا، لا مغصوبين ولا مجبورين، وكل من غيّر منّا نيّته، ان كان في سر او في جهر، بالشي الذي يخصنا، كما هو محرر في باطن هذه الحجه، يكون اللـه وانبياه خصمه، والحكمه قررنا عهدنا عليها في قصمه ومحقه في عاجل الدنيا واجل الاخرة، والباري يجازيه في حاله وماله، وما تنقلب يمينه مع شماله، من غير او بدل عن الشيء الذي محـرر.
حرر ذلك وجرا في شهر شوال من شهور سنة سبعة بعد المايتين وألف، والحمد للـه ختام.
(الخاتم) قابله على نفسه
احمد ابن نجم جنبلاط
(الخاتم) قابله على نفسه
خطار ابو يونس جنبلاط
حرره (وشهد …… ) الحقير سمعيل بو حمزه
وذكـر الشيخ أبو صالح فرحان العريضي في كتابه «مناقب الأعيان» ما يلي: (تولّى الشيخ اسمعيل مشيخة العقل، إلى جانب زعامة اليزبكيين «روحاني جسماني»، بسعي الأمير يوسف الشهابي ومبايعة الشيخ علي جنبلاط والشيخ عبد السلام عماد بوثيقة موقّعة. وذكر الأستاذ أمين طليع أنها ما تزال محفوظة لدى المشايخ آل أبي حمزه. ومن مآثر الشيخ أنه رعى الاتفاق بين الحزب الجنبلاطي والحزب اليزبكي وكتب بخطّـه وثيقه بهذا الإتفاق(10)). مع العلم بأن الشيخ علي جنبلاط كان قـد توفّى سنة 1778م، وتوفّى الشيخ عبد السلام العماد سنة 1788. أمّا الأمير يوسف الشهابي فقـد أعدم شنقاً في مدينة عـكّا من قبل الوالي العثماني في شهر أيار سنـة 1791).
ونشر هـذه الوثيقة أيضاً الدكتور سليم الهشي في كتابه «المراسلات الاجتماعية والاقتصادية لزعماء جبل لبنان خلال ثلاثة قرون»، مطبعة نمنم، بيروت، 1980، ج2 ص 20- 21 تحت عنوان: «اتفاق ودّي بين آل جنبلاط وآل أبو حمزه على أن يكونوا جميعاً يـداً واحـدة في السرّاء والضرّاء».
لا شـك أن يوسف ابراهيم يـزبك هـو كاتب قـدير، لكنّه لـم يبيّـن لماذا اعتبر أن الشيخ اسماعيل أبو حمزة رئيس للحـزب اليزبكي، ولـم يذكـر سـنداً لذلك. مع العلم بأن الوثيقة لا تتضمّن أي كلمة تشير إلى الحزب اليزبكي أو إلى الغرضية اليزبكية. وكـذلك الدكتور سليم الهشـي الذي اعتبر أن هـذا الاتفاق اتفاقٌ ودّيٌّ بين آل جنبلاط وآل أبو حمزه. لذلك نوضح ما يلي:
لا يعقل أن يكون الشيخ اسماعيل أبو حمزه رئيسا للحزب اليزبكي، ولم يحصل على مـدى تاريخ الطائفة الدرزيه أن يكون أحـداً من شيوخ العقل قـد تسلّم منصباً حزبياً أو سياسياً. لأن مهام شيخ العقل تنحصر في رعاية شؤون الموحدين الدروز الدينية والروحية، ولا علاقة له بالطوائف والمذاهب غير الدرزية. لأن هناك أناس من طوائف أخرى إسلامية ومسيحيّة ينتمون إلى الحزبية اليزبكية، مـثل آل حبيش وآل الدحداح وغيرهم.(11)
إن مقـرّ مشيخة العقل، وقبل إنشاء دار الطائفة الدرزية في بيروت في العقد السادس من القرن العشرين، كانت في منزل شيخ العقل حيث يقيـم وإذا كان الشيخ اسماعيل يقيم حيث تقيم عائلة أبو حمزه، في مرستي أو في معاصر الشوف أو في الخريبة، وهـذه القرى الثلاث القريبة من قرية بعذران مقـرّ الشيخ علي جنبلاط. وتقع جميعها ضمن منطقة الشوف الحيطي وإقطاع آل جنبلاط. والشيخ اسماعيل كانت تربطه بالشيخ علي علاقة وثيقـة، ويزوره في منزله في بعذران من حين لآخـر. من أجل ذلك، ومن غير المعقول أن يكون الشيخ اسماعيل رأس الغرضية اليزبكيّة أو ينتمي إليها، في ظل النفوذ السياسي لآل جنبلاط.(12)
لقـد عاصر الشيخ علي جنبلاط، أربعة مشايخ عقـل وهم: الشيخ ناصيف علي أبو شقرا، ومن بعـده الشيخ فخـر الدين ورد، والشيخ يوسف عـربيد أبو شقرا، والشيخ اسماعيل أبو حمـزة. جميعهم كانوا يقيمون في قراهم الواقعة في منطقة الشوف الحيطي وضمن إقطاع آل جنبلاط. وعند وفاة شيخ العقل، كان يتم الاتفاق على تعيين البديل من بين الشيوخ أصحاب الكفاءة. فمن المُستبعد أن يكون أي منهم ينتمي إلى غرضية أو حزبية سياسية، يزبكية كانت أو جنبلاطية.
يظهر من الوثيقة الموقّعة من قبل الشيخ خطار بن يونس جنبلاط، والشيخ أحمـد بن نجم جنبلاط، والمحـرّرة من قبل شيخ العقل الشيخ اسماعيل أبو حمزه وتوقيعه عليها بصفة شاهـد، أن لا علاقة لهــا بالحزبية أو بالغرضية اليزبكية – الجنبلاطية. بل هي عـقـد مصالحة بين فرعي عائلة جنبلاط، فرع الشيخ بشير قاسم جنبلاط وشقيقه حسن في بعذران، وفرع الشيخ سـيـّد أحمـد وأبي قاسم ولدي الشيخ نجم جنبلاط في المختارة. للخلاف والعداوة التي استحكمت بينهما بسبب ممارسة السلطة وفـرض النفـوذ. وقـد تجاهر الفريقان بالخصومة والبغضاء. حيث يرغب كل فـريق منهما بامتلاك التركة الجنبلاطية والتفرّد بالقرار الجنبلاطي. لذلك عمل الشيخ خطار جنبلاط صاحب قرية الخريبة، بمساعـدة شـيخ العقل الشيخ اسماعيل أبو حمزة، على عـقـد هـذه المصالحة لإجراء الوفاق بين فرعي العائلة. لكن هـذه المصالحة لم تصمـد طويلاً. وكان الوالي العثماني آنـذاك أحمـد باشا الجزار، قـد عيّـن الأميرين حيـدر وقعـدان الشهابيين حاكمين على جبـل الـدروز، والمؤيدين من قبل الشيخ سـيّد أحمد جنبلاط وشقيقه ابي قاسم. بينما الشيخ بشير جنبلاط وشقيقه حسن كانا من مؤيـدي الأمير بشير الشهابي الثاني، العـدو اللدود للأميرين حيدر وقعدان. لذلك بـدأ ابنا الشيخ نجـم جنبلاط سيد أحمد وأبو قاسم، يتدبران مكيـدة للإيقاع بابني عمّهما بشير وحسن. وذات يوم استدعيا وجوه عائلة بني عبد الصمد ووجوه بعض العائلات الشوفية الأخرى المؤيدة لهما إلى المختارة. وتم الاتفاق بينهم على الفتك بالشيخ بشير جنبلاط وشقيقه حسن في مكان إقامتهما في بعـذران. لكن الأمير ملّا الأرسلاني من قرية غريفه والذي كان حاضراً مع الذين اتخذوا قرار الفتك بالشيخين بشير وحسن، قـد عـزّ عليه أن يصل العداء بين البيتين الجنبلاطيين إلى درجة سفك الدماء. فخرج من المختارة متظاهرا بالمجيء إلى عين قني للمبيت في منزل صهره. وعندما وصل إلى عين قني، خـفّ مسرعاً إلى قرية بعذران وأعلم الشيخ بشير جنبلاط بذلك. عندها عمـل الشيخ بشير على الفور مع شقيقه حسن على تأليب نحو خمسين رجلاً مـن مؤيديهما، وهاجموا منازل آل جنبلاط في المختارة ليلاً وقتلوا ابني الشيخ نجـم، سيد أحمـد وأبا قاسم. فانطلقت عساكر الدولة على الفـور للقبض عليهما. لكن الشيخ حسن فـرّ واختبأ في قرية عرنه في إقليم البلاّن، وتوجه الشيخ بشير إلى قبيلة عـرب بني صخر في جبل حوران. فداهمت العساكر قريتي بعذران والخريبة، وهدمت منازل آل جنبلاط في بعذران وضبطت أرزاقهم وغلالهم. وقـد حصل ذلك في شهر نيسان سنة (1208هـ/ 1793م).
وفي شهر أيلول من نفس السنة، عـزل الوالي العثماني الأميرين حيدر وقعدان الشهابيين عن حكم جبـل الدروز، وعيّن مكانهما الأمير بشير الشهابي الثاني حاكماً، وهو صديق الشيخ بشير جنبلاط. عندها عـاد الشيخ بشير من جبل حوران واتّحـد مع الأمير بشير الشهابي الثاني، واتّخـذ من المختارة مركزاً له، متخلّياً عن نصيبه في دار بعذران لشقيقه حسن، الذي عاد إليها وعمل على ترميمها والإقامة فيها.(13)
ومـع اقتراب نهاية القـرن الثامن عشر بـدأ اختلال التوازن بين الطوائف، وبسـبب ازدياد النزاع اليزبكي – الجنبلاطي بين العائلات الدرزية، وضعف نفـوذ الدروز السياسي الذين أصبحوا أقلّية في مناطقهم. أمّـا الموارنة فكانوا يزدادون قـوّة. وبخاصّة بعـد تنصّر الأمراء الشهابيين واقتـداء الأمراء اللمعيين بهـم. ومـع بـداية حكم الأمير يوسف الشهابي الماروني المذهب سنة 1770، بـدأ عهـد الشهابيين النصارى.(14).
باختصار الشيخ اسماعيل أبو حمزة هو أول من تسمى «شيخ عقل»، وقد أمكنه إدارة حقبة المشيخة تلك بكثير من الحكمة والاعتدال، وفي ظروف متغيّرة تاريخية صعبة.
المراجع:
1-أمين طليع، مشيخة العقل والقضاء المذهبي الدرزي، المطبعة الأنطونية، بيروت، 1971، ص 74 و 75. كمال جنبلاط، من مقدّمة كتاب “أضواء على مسلك التوحيد للدكتور سامي مكارم”.
2- حنانيا المنير، الدُّر المرصوف في تاريخ الشوف، دار الرائد اللبناني، بيروت، 1984، ص 30.
3- معجم أعلام الدروز ص 91.
4- نائل أبو شقرا، مدارك العقلاء، لا دار نشر، 2018، ص 20.
5- طنوس الشدياق، كتاب أخبار الأعيان، منشورات الجامعة اللبنانية، بيروت، 1970، ص 326.
6- مقابلة مع الشيخ رشيد محمّد أبو حمزه. والشيخ محمّد سعيد أبو حمزه، كما هو مذكور آنفا.
7- نديم الدبيسي، مرستي الشوف تاريخ وذاكرة، لا دار، 2012 ص 228.
8- لائحة إحصاء سكان قرية مرستي لسنة 1910، نسخة مصورة في مكتبتي.
9- يوسف ابراهيم يزبك، أوراق لبنانية، دار الرائد اللبناني، بيروت، 1983، مج 3 ص 86 و 87.
10- الشيخ أبو صالح فرحان العريضي، مناقب الأعيان، منشورات مدرسة الإشراق، عاليه، 2000، مج 2 ص 250.
11- كمال الصليبي، تاريخ لبنان الحديث، دار النهار للنشر، 1978، ط 4 ص 40.
12- نايل أبو شقرا، مدارك العقلاء، ن ، م ، ص 36.
13- يوسف خطار أبو شقرا، الحركات في لبنان إلى عهد المتصرفية، لادار، لاتاريخ، ص 88 و 89 حيدر الشهابي، لبنان في عهد الأمراء الشهابيين، منشورات الجامعة اللبنانية، بيروت، 1969، ج 1 ، ص 173و 174
14- كمال الصليبي، تاريخ لبنان الحديث، دار النهار للنشر، بيروت، ط 4 سنة 1978، ص 40