الإثنين, كانون الثاني 6, 2025

اشترك معنا للاطلاع والحصول على أحدث المقالات والأعداد

الإثنين, كانون الثاني 6, 2025

اشترك معنا للاطلاع والحصول على أحدث المقالات والأعداد

بحث ..

  • الكاتب

  • الموضوع

  • العدد

شكيب أَحمَد تَقِيِّ الدّين

شاعرٌ مِهجريٌّ، تألَّقَ في النَّظم باكراً، واستقامت له القريحةُ الشعريّة، فأعطى من نفسه وفكره ما طابت له موهبته، على غرار كبار الشعراء في بلاد الاغتراب. هو ابن قاضي الشعراء، وشاعر القضاة، الشيخ أحمد عبد الغفار تقي الدين، من رعيل بناة عصر النهضة اللبنانية، في القرنين التاسع عشر والعشرين، وابن عمٍّ لأبيه أمين تقي الدين، المُتَميز، والخالد في الشعر والأدب، إلى كوكبةٍ أُخرى بارزة، دخلت بدورها، وبعبقريتها وعلائقها صميم الإبداع الأدبي.

شكيب أحمد تقي الدين

وليس بغريبٍ على شكيب.. أن يترسَّمَ خُطى آبائه وأجداده، فالإنسان غالباً، ابنُ بَجْدَتِهِ، وصورةٌ عن تراثِهِ، وثقافتِهِ التي اكتسبها متأثراً بمحيطه، وتجاربه الاجتماعيةِ، والإنسانية، ولا سيما إذا اقتضت الظروف أن يبتعد عن وطنه، وأماكن عيشه الأولى، ومرابع طفولته، فتطغى عليه، وتغيّر من خط حياته، بشؤون وشجون، عُرِف بالصبر والحكمة، والانكباب على تثقيف نفسه، وكيف يجعل منها حافزاً لذات إنسانية حضارية، ما لبثت أن تفجَّرتْ شعراً أخّاذاً جميلاً أدّى إلى علاقات متينة مع كتَّابِ وشعراءِ المهجر، ما خلَّف إرثاً شعرياً ضخماً في البرازيل. وكما يقول الأديب الراحل نجيب البعيني: «كان شعره بين أدباء المهجر، وأمام العرب المغتربين، نبراساً ينير الطريق أمام الأجيال الصاعدة، ويبعث فيهم النّخوة العربية، والوعي القومي» وهل رسالة الأديب، في مجتمعه أينما كان وأينما حلَّ إلّا إيقاظ أبناء قومه وحثّهم على الرّقي؟

لم يَحَرْ شكيب بشعره ونثره، في أن يكون أصيلاً على خُطى الكبار من آل تقي الدين أسلافه، وهم كثرٌ في العَدِّ، أصحاب إبداعٍ وعطاء وعلم، وشهرة. فكان له كما جاء في المواثيق والمأثورات آنذاك يدٌ طولى في تأسيس غير جمعية أدبية، وإقامة الندوات الثقافية، وعقد الاجتماعات التي عززت من دور الشعر والأدب، وقد آل ذلك إلى إنشائه مع عدد من شعراء البرازيل رابطة أدبيةً أطلق عليها اسم «جامعة القلم» بعد أفول «العصبة الأندلُسية» الذائعة الصيت، ثم أسّس في سنة 1979 مع شعراء وأدباء «عصبة الأدب العربي» أربى عددهم على الأربعين. وما عَتَّمَ أن ترأس هذه العصبة، سنوات بحكم تميُّزه الأدبي ونشاطه الفكري، ويضم هذا الكتاب الذي نسلّط الضّوء عليه اليوم عدداً من القصائد، وبعض المقطوعات التي تميَّزت بالصدق في النظم، وبالإيمان، والحس والوجدان، إذ كان يرى في أمة العرب المُرتجى والمجد والتاريخ العريق، والأمل والطموح فقال مفتخراً:

لنا فيك يا قلب العروبة شافعُ
ومجدٌ وتاريخٌ وحُلْمٌ وواقعُ
وتحضرني نُعمى من الأمس بالذي
أُحسُّ، وتحدوني إليها دوافعُ
لنا فيك إيمانٌ كبيرٌ نُقيمُهُ
صَلاةً قد ارتاحتْ إليه الشرائعُ
حروف معانيها إذا ما تناحرت
لها شَبَواتُ في الزمان قواطعُ

ومن شيم الإيمان أنَّ حُماتَهُ
جبالٌ على قلب العدوِّ ضواجعُ

هكذا وبهذا السبك الشعري المتين راح ينثر حروف معانيه قوافي، تتلبس روحه السمحة، وإيمانه القوي الراسخ بقومه ومِنْعَة بلاده، قلب العروبة، معتزاً بماضيها وبجبالها التي كانت على قلب الأعداء موانَعُ وضواجعُ…

أدبٌ رفيع المستوى، جديرٌ بالدراسة بعمق، فهو على الصعيد الفني، يحفل بالصور، والأخيلة، والومضات الإنسانية، علاوة على ما به من طلاوة، ورؤىً تشد عقل القارئ ونفسه معاً، ففي قصيدةٍ يستحضر الحب بأوصاف وصور مختلفة:

واستحكمَ الحبُّ في حقلي، وأحصدُهُ
وأشتري بالحَصَادِ السمنَ والعَسَلا
وأُحرزُ البعضَ من صَدفٍ ومن حَطَبٍ
وأُصلح السَقْفَ والجدرانَ والخَلَلا
وأُحكمُ البابَ في فصلِ الشتاء لكي
أباعدَ الشَرَّ والأهواءَ والعِللا
واستقرُّ على رأي وقد هَجَمتْ
هُوجُ العواصفِ أَلَّا أفقِدَ الأملا

فهل تدق عليَّ البابَ عاصفةٌ
تنام ملء ضلوعي الآن والأزلا

وما أكثر النوازع والآفاق في شعر شكيب تقي الدين، في العناوين وفي التفاصيل التي يترجم بها عن أحاسيسه التي يحولها إلى مادةٍ أو فكرة سائغة تستبق الزمن الحاضر إلى آفاق من الضوء أو الطيب الرافلَين في المبدعات، إلى المستقبل الآتي:

ومالتْ جراحي إلى حقلةٍ
يرود مداها صدى المِعْوَلِ
لها حُلُمُ الزَهْرِ في تُربةٍ
وغنوةُ أُحدوثةِ الجَدْوَلِ
فمن ثَمَرٍ طابَ في غفلةٍ
شهيٍّ وأعذب من سَلْسَلِ
تساقَطَ ليلاً على نِيَّةٍ
تقول لعين الحسود كُلي

الشعر ليس نظماً وجَرْساً وقوافيَ وحَسْب، بل معانٍ جديدة، لم يُسْبَقُ صاحبها إليها، عشرات السنين من الهجرة لم تنسه بيته في الجبل، فظلَّ يحِنُّ إليه، وإلى جلساتِهِ وغفواتِهِ في ظلال سنديانةٍ عتيقة بين وردٍ وفلٍّ، وحيث هنالك بيت جدوده الأُوَل:

الشيخ أحمد عبد الغفار تقي الدين

أتعرِفُ بيتي بلحف الجبلْ
على جهة الشْرقِ من سنديانة
وسافرتُ في صبوتي للعملْ
ولم تُنسني الغفواتُ زمانَهْ
فزرتُ بلاداً، ولم ينتقلْ
ولمَّا يَزَلْ، رَغْمَ هَجْري مكانهْ
وأَعْرِف أين يَهُفُّ الأملْ
إذا ما جلَسْتُ إلى بيلسانه
هنالِك بيت جدودي الأُوَلْ
وَانَّى أَمَمْتُ أُرَجِّي حَنَانَهْ
ولا شيءَ يمتدُّ من هِجْرتي
إلى هجرةٍ في بياضِ الكَفَنْ
سوى من تخلَّف من أُمتي
فأَضْرَمَ في كل صَوْبٍ فِتَنْ

للشاعر شكيب تقي الدين غير كتابه هذا «خاتمة شعري» ديوان بعنوان: «ظلال العُمر» جُمِعَ وطُبع بعد وفاته.

شاعرٌ مُجدّد، كما قلنا، في إطار الموضوعات، وطريقة معالجتها، ورؤيتها بشكل فني جديد، مُتمكِّن العبارة، مشرقُها.

مشاركة المقال

التعليقات

Leave a Reply

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اترك تعليقاً

Leave a Reply

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

المقالات ذات صلة

السابق
التالي