الجمعة, شباط 21, 2025

اشترك معنا للاطلاع والحصول على أحدث المقالات والأعداد

الجمعة, شباط 21, 2025

اشترك معنا للاطلاع والحصول على أحدث المقالات والأعداد

بحث ..

  • الكاتب

  • الموضوع

  • العدد

كارل يونغ

يُعتَبَرُ كارل غوستاف يونع من ألمع المفكّرين الذين أنجبتهم الإنسانيّة في القرن العشرين، فهو ليس فقط أحد أبرز المؤسّسين لعلم النّفس التحليلي بل هو أكثر المفكّرين المعاصرين تميّزاً في إدراكه للبعد الرّوحيّ للحياة وفَهمه للبنية المركّبة للنّفس البشريّة ولديناميكيّة تشكّل الجماعات والحضارات والعوامل التي تحدّد معارفها وسلوكها. ومن أبرز ما ميّز شخصيّته الخلّاقة انفتاحه بل انجذابه المبكر إلى الحضارات الآسيويّة والإرث الفلسفيّ والروحيّ الهندوسيّ بصورة خاصة، إذ رأى فيه مكمّلاً مهمّاً لعلم النّفس الحديث وعثر فيه على أدوات كثيرة تساعد على سبر الأغوار السّحيقة للنّفس البشريّة الفرديّة والجماعيّة وبالتّالي فهم المضامين الحقيقيّة للميثولوجيا والإرث الميتافيزيقيّ للحضارات. وكانت الرّؤية الكلّية التي تبنّاها يونغ لعلم النّفس ولما يمكن تسميته أيضاً “علم الإنسان” أحد الأسباب الأساسيّة التي دفعته للانفصال ومنذ وقت مبكر عن أستاذه وأبرز مؤسّسي علم النّفس سيغموند شلومو فرويد (1856-1939)،إذ اعترض على تحليله الضيّق الذي ربط أكثر مظاهر اللّاوعي الإنسانيّ بالغريزة الجنسيّة Libido وبما يسمّيه “الكبت” وهذه النّظرية اعتبرها يونغ تتضمّن تعريفاً دونيّاً ومَرَضياً للإنسان بينما نظر إليها العلماء الآخرون الذين عارضوها بإعتبارها وفّّرت أساساً مزيّفاً لدعوات الانحلال والتفلّت من القيود الاجتماعيّة والأخلاقيّة. ويُذكر أنّ النظريّة الفرويديّة لاقت رواجاً كبيراً في ستينيّات القرن الماضي إلا أنّها فقدت الكثير من تأثيرها في ما بعد خصوصاً بعد اتّهام فرويد بالتّلاعب بالتجارب المختبرية وتلفيق النّتائج لدعم نظريّته، وصدرت مجلة “تايم” الأميركيّة الواسعة النّفوذ قبل سنوات وعلى غلافها صورة لفرويد مع عنوان: هل فرويد عالم مُحتال؟

كارل يونغ
كارل يونغ

على عكس النهج الوحيد الجانب للتّحليل الفرويديّ فقد قدّم كارل يونغ بدائل أكثر نضجاً وإحاطة بالنّفس البشريّة والتّكوينات الاجتماعيّة وأماط اللّثام عن العديد من غوامض التّكوين الثّقافي الجمعيّ للشّعوب وخصائصها المميّزة من خلال النّظرية العبقريّة للّاوعي الجماعي، إذ اكتشف يونغ أنّه كما إنّ لكلّ فرد لاوعياً خاصّاً به هو نتيجة حياته وما يمرّ عليه من تجارب ومحرّضات وما ينتجه من خيالات وأعمال فإنّ لكلّ شعب أو مجموعة بشريّة أيضاً لاوعياً جماعيّاً هو نتيجة أسلوب عيش الجماعة والظّروف التي تمرّ بها عبر تاريخها واللّاشعور الجمعيّ هو بهذا المعنى “مخزن الخبرة الشّاملة لجماعة عرقيّة أو أثنيّة” وهو ما يطبع شخصيّتها وسلوكها ويجعل منها أثنيّة متميّزة عن الجماعات الأخرى. ويرتبط بهذه النّظريّة لـ يونغ صياغته لما يسمّى نظريّات المثالات الجمعيّة Archetypes وهي تعبيرات خارجيّة للّاوعي الجماعيّ يمكن استنتاجها من الصّور والرّموز والفنّ والأساطير والدّيانات أو الأحلام، وعرَّف يونغ المثالات الجمعيّة بأنّها صور نفسيّة مغرقة في القدم تنبع من اللّاوعي الجماعيّ وهي المرادف النّفسانيّ للغريزة بمعناها المُحدّد. وهذه المثالات هي احتمالات موروثة تتحوّل إلى فعل عندما تظهر إلى صعيد الوعي والعالم الخارجيّ، وهي بواطن سلوك فريدة بكلّ شخص أو جماعة ومستبطنة لكنّها تأتي إلى السّطح عندما تدخل صعيد الوعي فتأخذ تعبيرات محدّدة في سلوك الأفراد وثقافتهم. والرأي السائد هو أنّ نظريّة المثالات الجمعيّة لـ يونغ تأثّرت بالتّفكير الأفلاطونيّ حول “عالم المُثل” وبمفهوم مستويات الوعي Categories للفيلسوف الألمانيّ “كانت” Kant وأخيراً بالفيلسوف الألماني شوبنهاور الذي تحدّث عن المثالات السلوكيّة prototypes.
يبقى القول إنّ يونغ الذي كان سويسريّاً ناطقاً بالألمانيّة عانى بسبب نزاهته العلميّة وإصراره على فصل العلم عن النّزاعات السّياسيّة من مواجهات مع طرفين متناقضين، فهو أولاً اصطدم بالحكم النازيّ في ألمانيا كرئيس لأهمّ جمعيّة لعلم النّفس في أوروبا عندما رفض تطويع الجمعيّة لأغراض الحزب النازيّ وأصرّ على السّماح للعلماء اليهود بالنّشر في مجلّتها، لكنّه وبسبب استمراره في رئاسة الجمعيّة في وقت كانت النّزعات المعادية لليهود في ألمانيا قد أصبحت سياسة رسميّة فإنّه اتُّهم بمعاداة السّامية، لكنّ هذه الاتّهامات كانت بلا أيّ أساس وهي لم تحمِه على أيّة حال من إجراءات انتقاميّة اتّخذها المسؤولون الألمان بحقه بما في ذلك مصادرة مؤلّفاته ووضعه على اللّائحة السّوداء.
يبقى القول أخيراً إنّ التطوّرات العلميّة في علم النّفس وفي العلوم الإنسانيّة الأخرى عزّزت كثيراً من النّفوذ الفكريّ العالميّ للعالم يونغ في الوقت الذي تمّ الابتعاد عن الدّوغما الفرويدية والتي اتّضح أنّها بُنيت على أسس علمية واهية بل ومُلفّقة، كما سجّل عالميّاً ابتعاد الطبّ النفسيّ الحديث عن أسلوب المعالجة النفسيّة المستند إلى مدرسة فرويد وتحوّله أكثر فأكثر إلى مدرسة يونغ في التّحليل النفسيّ، وهذا بعد أن بات الكثير من الأطبّاء النفسيّين يَرَوْن أنّ الأسلوب الفرويديّ ليس فقط غير ذي فعالية في شفاء المرضى النّفسيين بل هو على العكس زاد في أغلب الحالات من أعراضِ المرض الذي يعانون منه.
نظراً إلى الأثر الهائل الذي تركه كارل غوستاف يونغ في الفكر الإنسانيّ وفي علم التّحليل النفسيّ رأت “الضّحى” أن تقدّم هذه الشّخصيّة الفذّة للقارئ المهتمّ وذلك في سياق عنايتها بنشر الإنتاج الفكريّ العالميّ وتوسيع اطّلاع القارئ على بعض أهمّ الأشخاص والأحداث التي وَسَمَت تاريخنا البشري.

يونغ شرحَ إيمانَه الصّوفيَّ بمصطلحاتِ علمِ النّفس
ومساهماته الكُبرى مهدّت لتراجعِ نفوذِ الفرويْديّة

التعدُّدَ في العالَم الإختباري يستند إلى وحدةٍ كامنة
وما يبدو مجزأ ينتمي إلى وجود أوحد لا يدرك بالحواس

أيُّ تشكُّكٍ في النّفس البشريّة حول “حقيقةِ الله”
يسبّب إضطراباً وشقاءً في الجسد والنّفس على حد سواء.

وضع تفسيراً نفسيّاً لقصّة الخُضرِ والنّبي موسى
اعتُبِر دليلاً على تضلُّعه بالإسلام والقرآن الكريم

كارل غوستاف يونغ Carl Gustav Jung (1875-1961) هو أحد الروّاد الكبار المؤسِّسين لعلم النفس، وقد كان لأعماله وحياته ومحاضراته الأثر الأكبر على التّحليل النفسيّ، لكن التّأثير الواسع ليونغ لم يتوقّف على علم النّفس والتّحليل النفسيّ بل تعدّاه إلى فتوحات مُلفتة في مَيدان علم السّلالات والحضارات (الأنثروبولوجيا) وعلم الرّموز والشّيفرات الثقافيّة وعلم الآثار والأدب العالميّ، كما إنّه تفرّد عن علماء عصره وعن بيئة العلمنة والإلحاد التي طبعت مجتمع العلوم الطبيعيّة والنّفسية في زمانه في أنّه تبنّى رؤية علميّة متصالحة مع مرتكزات التّفكير الرّوحي وتفهّم بقوّة أهميّة درس الجانب الآخر الغامض وغير المَرئي للحياة الإنسانيّة وهو الجانب الرّوحي، وكان يونغ يميل خلال فترة تعليمه ما قبل الجامعيّ إلى الجيولوجيا وعلم الحيوان والحفريّات وكان شديد الاهتمام بالعقائد الدينيّة المختلفة والحضارات الإنسانيّة والآثار خاصة ما تعلّق باليونان ومصر وعصور ما قبل التّاريخ مع ميل واضح للتأمّل والتّفكير خارج الأطر الرّائجة. ودرس يونغ الطبّ في مدينة بازل حيث تخرج طبيباً وبدأ حياته العمليّة عام 1900.
رغم اكتشافه لأهميّة البعد الرّوحي في حياة الإنسان والجماعات فإنّ يونغ حرص على استخدام لغة علميّة ورمزيّة خاصة للتعبير عن قناعاته أو قل حاول التّوفيق بين الروحيّ والعلميّ عبر استنباط مفاهيم جديدة في علم النّفس تفي بالغرض وتسمح له بالإشارة إلى الحقائق الروحيّة لكن بمصطلحات ابتدعها هو وقد ساعده ذلك على تجنب المواجهة مع التيّارات المعارضة للفكر الدينيّ، فكان بذلك يعيش بصمت وبنوع من التّورية على إيمانه الحقيقيّ وسعيه الدّؤوب لاستجلاء الأبعاد الخفيّة لعالم الرّوح واللّاوعي في النّفس البشريّة.

يونغ والبُعد الرُّوحيّ
لقد أثارَ البُعد الرُّوحي والصوفيّ لدى كارل يونغ فضول الباحثين الذين دُهشوا للطريقة التي كان يعرض فيها لغوامض الرّوح والنّفس البشريّة بأسلوب منطقيّ وبتعبيرات علميّة جديدة ومبتكرة. وهذا ما سَلَّط عليه الضّوء الكاتبُ الأميركي غاري لاشمان (Gary Lachman) في كتابٍ تحت عنوان “يونغ الصوفيّ: الأبعاد الرُّوحية الباطنيّة لحياة كارل يونغ وتعاليمه1”، حيث أولى اهتماماً خاصّاً بعددٍ من الأحداث والتجارب والعلاقات التي ساهمت في إرساء معتقدات يونغ ومقاربته، لا سيّما نظرياته الشّهيرة “المثالات الجمعية” (Archetypes)، و”اللّاوعي الجماعي” (Collective Subconciousness)، و”التكوّن الفردي” (Individuation)، و”الذات العُليا” (The Self)، و”العقدة النفسيّة” (Psychological Complex)، و”الماندالا” (Mandala) وهذا الكتاب هو معالجة مشوّقة في العمق حول حياة هذا العالم والمفكّر الكبير والمعتقدات التي كانت قد تكوّنت لديه في السّنوات المبكرة لانطلاق علم النّفس.
ويُناقش لاشمان الوحدة التي كان يعانيها يونغ طفلاً وبعض الرّموز التي استحدثها وأبقاها في أماكن سرّية، وهو ما استخدمه يونغ لاحقاً كإثباتٍ على آرائه حول مشاركتنا للّاوعي جماعيّ على مرّ العصور دون أن نعي ذلك. ويتحدّث الكاتب عن نشوء يونغ في جو محفوف بالظّواهر الرُّوحانية حيث كانت والدته إيميلي تختبر رؤى روحيّة تركت أثراً كبيراً على حالتها النفسيّة ومزاجها، وهذا الأثر وجَّه حياة يونغ من الناحيتَين الشّخصية والمِهَنية في وقتٍ لاحق.
وكان يونغ على قناعة منذ سن الثّانيةَ عشْرةَ بأنّ لديه شخصيّتَين: الأولى فتًى سويسريّ عادي، والأخرى رجلٌ نبيل وذو سلطة ونفوذ من الماضي. وكانت هاتان الشّخصيّتان في صراع دائم أثناء تطوّر حياته النفسيّة وكذلك الروحيّة.

.

اهتم يونغ كثيرا بالفلسفات الشرقية وها هو هنا يقدم تفسيره لرمز المندالا الروحي في الفلسفة الهندوسية
اهتم يونغ كثيرا بالفلسفات الشرقية وها هو هنا يقدم تفسيره لرمز المندالا الروحي في الفلسفة الهندوسية

يونغ وفرويد واللاّوعي الجماعيّ
الحَدَث الأبرز في انطلاقة كارل يونغ المِهنيّة كانت علاقته مع عالِم النّفس الشّهير سيغموند فرويد (Sigmund Freud)، حيث رافقه لعددٍ من السّنوات وتعاون معه في تطوير “التّحليل النفسيّ” (psychoanalysis)، بَيْدَ أنّ اهتمام يونغ بالأمور الرُّوحيّة أبعده عن تركيز فرويد العلميّ الماديّ المحض، ولو أنّهما تعاملا سويّةً مع سلوك الإنسان وحوافزه التي يمكن مراقبتها وتنظيرها، لكنّهما وصلا في النّهاية إلى خلاصتَين مختلفتَين.
هذه الصداقة بدأت في العام 1906 واستمرّت لفترة ستّ سنوات من التّعاون على مبدأ التّحليل النفسيّ، لكن في نهاية المطاف بدا واضحاً أنّهما على خلافٍ جوهريّ في آرائهما حول النّفس والعلاج النفسيّ وطبيعة الإنسان. فقد كان فرويد يرى أنّ النفسَ البشريّة هي أشبه بجبل جليدٍ، يُمثِّلُ جزؤه المرئيّ الصغير العقلَ الواعي، فيما يُمثِّلُ الجزء الأكبر المنغمس تحت الماء اللّاوعي. وكلّ ما يدفع الإنسان إنّما ينبعُ من عمق هذا الجبل الجليدي، المشاعر المكبوتة والذّكريات والنّزاعات. لكنّ يونغ في المقابل كان يرى أنّ ثمّة تأثيراً كبيراً على الطّبيعة البشرية لا ينبع من جبل الجليد هذا فحسب، بل من المحيط بحدّ ذاته – أَلا وهو اللّاوعي الجماعيّ للبشريّة. وإضافة إلى ذلك خرج يونغ من خلال عمله وتحليله لشخصيّات مرضاه بقناعة أنّ التحليل النفسيّ وجبَ أن يكون إيجابياً وذا هدفٍ راقٍ يُمكِّن الإنسان من إحراز إمكانيّاته العُليا. لكنّ فرويد على العكس كان ماديّاً ومُتَشكِّكاً بالطّبيعة البشريّة ويرى أنّ الحياة غير ذات مغزى وأنّ التّحليل النفسيّ يمكنه في أفضل الحالات أن “يُخفِّف من بؤس الإنسان”.
اختبرَ يونغ نظريّات التّحليل النفسيّ الفرويدي، الذي يهدف إلى العمل كعلم آثار للحياة النفسيّة، يستنبط الذّكريات القديمة المكبوتة والمنسيّة للطفولة المبكرة. لكنّه في ممارسته للتّحليل النفسيّ لمرضاه لم يجد ذكريات مكبوتة فحسب بل كنزاً من الصّور ذات المحتوى الرُّوحي، ورموزاً دينيّة وأسطورية كامنة في حنايا النّفس.
وفي العام 1912، اكتمل الانفصالُ النّظريّ والشخصيّ ما بين هذَين العالِمَين، حيث انتقد فرويد علناً اهتمامَ يونغ بالمسائل الرُّوحية العميقة واتّهمه جهارةً بـ “الصوفية”، لكنّ يونغ مضى في طريقٍ امتدّ لسنواتٍ عديدة لتطوير نظريّاته التي تُعطي للإنسان قيمة، وللحياة جدوى، وللوجود غاية.

“يونغ اختبر أثناء نوبة قلبيّة تجربة “مغادرة الجسد” فأيقن بوجود عالم الرّوح الأزليّ وحزن للعودة إلى الجسد”

كارل يونغ (إلى اليمين) مع سيغموند فرويد (أقصى اليسار) قبل الافتراق
كارل يونغ (إلى اليمين) مع سيغموند فرويد (أقصى اليسار) قبل الافتراق

المثاُلات الجمعيّة والصورة الأسمى
خرج كارل يونغ بنظريّته الشّهيرة حول “المثالات الجمعية” الأوّلية أو البدْئية Archetypes المتماثلة مع “اللّاوعي الجماعي”، وهي مصدر كلّ الأفكار بل ومصدر كلّ الوجود، وهي تُشبه إلى حدٍّ ما المُثُل العُليا الأفلاطونيّة، أي الصّور الأُوَل في ما أسماه “العقل الكونيّ” (Cosmic Mind)، التي تُؤثِّر في النّفس البشريّة وتتبدّى لها في الأحلام، وفي الرّموز، وفي التّجارب الرُّوحيّة. وبالنّسبة إلى يونغ، فإنّ المثال الأوّليّ الأقدس هو القيمة الأعلى للذّات، الحقيقة الأصليّة للنفس وغايتها، ألا وهو “صورة الله” (Imago dei)، وأيُّ تشكُّكٍ في النّفس البشريّة، حتى ولو في اللّاوعي، حول “صورة الله” إنّما يُحدِثُ اضطراباً وشقاءً في الجسد والنّفس على حدٍّ سواء.
إنّ أعمال كارل يونغ هي أكثر من علم نفس للصحّة العقليّة، أو للمعالجة النفسيّة، إنّها تُوفّر علماً نفسانيّاً لاهوتيّاً (Psycho-Theology) للتحقُّق الرُّوحي للنّفس البشريّة، التي تسمو وترقى لتُحقِّق “صورة الله” في يقينها، كحاجةٍ نفسيّة وهدفٍ أسمى لوجوده، حيث إنّ هذا المثال الأصلي البدئي يغرس في النّفس “توقاً لرؤية تجلٍّ لتلك الصورة” (Theophanic Vision) منطبعةً على مرآة العقل، على حدّ قول القدّيس أوغسطين (St. Augustine). فهذه الصّورة كما يقول يونغ: “القيمة الأرقى والغاية الأسمى في تراتبيّة النّفس”، وهي تُوجِّه نمو وتطوُّر الحياة النفسية.
وممّا يثير الاهتمام في هذا الصدد مخطوطةٌ وضعها يونغ بخطّ يده تحت تسمية “الكتاب الأحمر” (The Red Book)، الذي نُشِر مؤخّراً بعد أن احتفظت به عائلة يونغ بعد وفاته في العام 1961 في مكانٍ آمنٍ لعقودٍ من الزّمن. ويُثبت هذا الكتاب أنّ يونغ كان بكلّ معنى الكلمة “صوفيّاً معاصراً”، لديه “انجذابٌ إلى أداء دورِ تعليمٍ روحيّ”، على حد قول الكاتب مايكل تيتشينغز (Michael Teachings).

يونغ الصوفيّ
سعى يونغ إلى التستّر على المنحى الرُّوحي والصوفيّ لحياته،

خوف أن يتمّ التشكيك بنظريّاته العلميّة من خلال اتّهام خصومه له بأنّه يتبنّى مقاربة دينيّة “غير علميّة”، لكنّ يونغ الذي كان يتمتّع بنزاهة علميّة كبيرة وجد طريقة للتّعبير عن تفكيره الروحيّ المتسامي بلغة علم النّفس وبمفردات ومصطلحات أوجدها لتساعده على المواءمة بين الموضوعين العلميّ والصوفيّ، وقد تتوَّج ذلك المنحى بهذه التّحفة الأدبيّة الكبيرة، التي وضعها ما بين العامين 1914 و 1930 وزيَّنها برسوماتٍ أشبه بكتابٍ من القرون الوسطى. وبقي الكتابُ حتى العقد الأول من القرن العشرين محفوظاً في أحد المصارف السويسريّة بعيداً عن أنظار الباحثين، لكن بعد سنوات من التّفاوض مع العائلة وُضعِت ترجمة للكتاب ونُشِرَت في العام 2009، حيث تبدّى بُعداً روحيّاً شديدَ الوضوح، لاسيّما حينما يصف يونغ في أنحاء الكتاب الشخصيّات الروحيّة التي عايشها في عالمه الداخليّ، ومنها النبيّ إيليا، وشخصيّة مرشدٍ روحيّ أسماه “فيلمون” (Philemon)، ورسمه كرجلٍ مُسِنّ ذي لحية بيضاء، يعكس مثاله الأصليّ الشهير “الرّجل الحكيم”.
هذه الأفكار والتّجارب الرُّوحيّة حدثت بعد أن اختبر يونغ ما يُسمّى بتجربة “العودة من الموت”. ففي أحد أيام شتاء العام 1944، انزلق يونغ وهو في سن الـ 68 على الجليد وكسر قدمه، ودخل المستشفى، وفيما هو هناك تعرّض لأزمةٍ قلبية، وفقَدَ الوعي واختبر تجربة “مغادرة الجسد” وهو وجدَ نفسه مُحلِّقاً على علو مئات الأميال فوق الأرض. كانت البحار والقارات مغمورة بنورٍ أزرق، وأمكنَ ليونغ أن يُميِّز الصّحراءَ العربيّة وجبال همالايا المُكلَّلة بالثلج. وأحسَّ أنّه سيفلت من المدار، لكن عندها تراءى له نصبٌ هائل، كان نوعاً من الهياكل، وعند مدخله رأى يونغ حكيماً هندوسيّاً يجلس بوضعية اللوتس. وداخل الهيكل، تلألأ عددٌ لا يُحصَى من الشّموع، وأحسَّ بأنّ وجوده الأرضيّ على وشك التّلاشي. كان شعوراً يبعث على السّرور، فما تبقَّى كان “يونغ جوهريّ!”، هو جوهر وجوده. وأدرك أنّ داخل المعبد يكمن سرُّ وجوده، وغرضُ حياته. وكان على وشك اجتياز العتبة حينما انبثقت من قارة أوروبا أسفله صورةٌ لطبيبه في مثال أصلي على هيئة ملك “كوس”، تلك الجزيرة التي يقع عليها معبد “أشكليبوس الإغريقيّ”، شفيع الطب. وأخبره طبيبُه أنّ رحيله عن هذه الدنيا لم يَحِن بعد، وأنّ العديدَ يُطالبون بعودته. وما إن سمع يونغ ذلك حتى أُصيب بالإحباط، وسُرعان ما انتهت رؤيته واختبر “العودة إلى الحياة في الجسد”. وفي اليوم الذي تماثل فيه يونغ للشفاء، أُصيب طبيبُه بتسمُّم في الدّم وأُدخِلَ إلى المستشفى حيث توفّي بعد بضعة أيام على السّرير ذاته الذي رقدَ فيه، وكأنّما افتداه بحياته.
وبعد هذه التجربة أصبح البُعدُ الرُّوحيّ أو الصوفيّ عنصراً جليّاً في أعمال يونغ، الذي بات يؤمن بأنّ “الرُّوحانيّة هي ضروريّة لعافيتنا النفسيّة والجسديّة”، لا كما كان فرويد يعتقد بأنّ التجاربَ الرُّوحيّة ما هي إلا ضربٌ من الأوهام. وقد وضعت مجلة “التّايم” على غلافها في العام 1955، “يونغ: تحدٍّ لفرويد”.

كارل يونغ وعائلته
كارل يونغ وعائلته

“فرويد إنتقد اهتمامَ يونغ بالشأن الرُّوحي واتّهمه بـ “التصوّف” لكنّ يونغ أصرّ على اعتبار الرّوحي أساساً في فَهم الإنسان”

تفسيره لقصة موسى والخُضر
في خضمّ هذا الاهتمام الرُّوحيّ، سعى يونغ إلى تفسير سورة الكهف في القرآن الكريم بمقالة تحت عنوان: “في ما يتعلّق بالولادة من جديد” (ضمن أعماله الشّاملة، المجلّد التّاسع، الجزء الأوّل)، ويصل في تفسيره إلى شخصية الخُضر، “العبد الصالح”، الذي رافقه موسى ليتعلّم منه، واعتبره يُمثِّل رمزاً لـ “الذات العُليا”، والتحوُّل الرُّوحيّ أو “الولادة الرُّوحيّة من جديد”، وقد بدا من أسلوبه الغني والمبتكر أنّه كان على معرفة جليّة بالقرآن الكريم وبشخصيّة الخُضر النَّبويّة وبالتصوّف الإسلامي. فالخُضر يمثِّل رمزاً ليس فقط “للحكمة العُليا” بل أيضاً لطريقة العيش والتصرُّف “بما يتوافق مع تلك الحكمة والعقل الكونيّ”.

كارل يونغ والفيزياء الكوانتيّة
بعد أن تلقّف المتعطِّشون للمعرفة نظريّات يونغ بكلّ دهشة واحترام علميّ رزين، لفتَ الباحثان دييغو فالاداس بونتي (Diogo Valadas Ponte) ولوثر تشايفر (Lothar Schäfer) إلى أوجه الشّبه بين نظريات الفيزياء الكوانتيّة (Quantum Physics) وعلم نفس كارل يونغ. فعلى الرّغم من أنّ الفيزياءَ وعلمَ النفس يُعتبران على غير صلة، فإنّهما قادا إلى تغييراتٍ ثوريّة في المفهوم الغربيّ لنظام الكون، حيث إكتشفا عالَماً غير تجريبي (non-empirical) لا يتألّف من عناصر ماديّة بل “صور أو مُثُل”، وهذه الصّور حقيقيّة ولو كانت غير مرئية من حيث كونها لا تظهر في العالم التجريبيّ وتعمل فيه. وهكذا يبدو العالمُ التجريبيّ “انبثاقاً من عالمٍ من الإمكانيات”، حيث تتبدَّى الصورُ بُنَى مادية فيزيائية في العالم الخارجيّ، ومثالات جمعيّة Archetypes في العقل أو النفس، وهذه الصّلة تعني أنّ الفكر أو العقل البشريّ في جوهره هو “عقل صوفيّ”.
ومنذ أن أرسى الفيلسوفُ رينيه ديكارت (René Descartes) مستنداً إلى اكتشافات اسحق نيوتن (Isaac Newton) المفهومَ الماديّ للكون، أصبحت العلومُ الغربية شكلاً من أشكال الماديّة المحض، وقد نقل داروين تلك المادّية إلى علم الأحياء عبر نظريّته المثيرة للجدل لتصبح بالنسبة إليه أساسَ الحياة التي جرّدها من أيّ فضيلة أو دور للخالق. وغدت العلومُ الماديّة خالية من الأخلاقيّات، والفلسفة وكلّ نظريّة تتناول النّفس خالية من البُعد الرُّوحيّ والدينيّ. وفي ظل هذه البيئة المادية السائدة، كان لكارل يونغ الشّجاعة الكافية للتّأكيد بأنّ عقولنا يُوجِّهها نظامٌ من الصّور الأوّلية أو المُثُل الأصلية القوية والحقيقيّة حتى ولو كانت غير ذات كتلة أو طاقة. فهذه المُثُل بحسب يونغ توجد في “نظامٍ نفسانيّ ذي طبيعة جماعيّة، وكلّية، وغير شخصيّة”، ومن هذا النّظام يمكن لتلك الصّور غير المرئيّة أن تظهر في فكرنا وتُوجِّه “خيالنا وإدراكنا وتفكيرنا”.

يونغ أفرد بحثا لشرح قصة الخصر وموسى الواردة في صورة الكهف في القرآن الكريم
يونغ أفرد بحثا لشرح قصة الخصر وموسى الواردة في صورة الكهف في القرآن الكريم

وتبيَّن للباحثَين المذكورَين أنّ رؤية كارل يونغ هذه للفكر البشريّ هي على اتّفاق تام مع أحدث اكتشافات الفيزياء الكوانتيّة، التي شكّلت في القرن الماضي صدمةً للعلم المادي، لأنّها كشفت الأخطاء الجوهريّة للفيزياء الكلاسيكيّة وقادت إلى تغيُّرٍ جذري في وجهة النّظر الغربيّة للعالَم. فهي دفعت العلماء إلى التّفكير بأنّ أساسَ العالم المادّي هو غير مادّي، بل هو عالمُ صورٍ ومُثُلٍ “عقليّة روحيّة غير مرئيّة”، وكلّ الأشياء الملموسة هي انبعاثاتٌ من عالم الإمكانيّات هذا. وبدا العالَمُ بعد ذلك “كُلّاً غير متجزِّئ يرتبط فيه البشر والأشياء في ما بينهما”، ويظهر الوعي “كخاصّية كونيّة”.
ويؤكّد الباحثان أنّ تعاليم يونغ هي أكثر من علم نفس، إنّها “شكلٌ من أشكال الرُّوحانيّة”. وأوضحا كلمة “روحانيّة” بأنّها تعني وجهة نظر للعالَم “تعتبر الرُّوحانيّ السّامي الرفيع Numinous أساساً للنّظام الكونيّ”. وعلى هذا النّحو، فإنّ الفيزياء الكوانتيّة هي أكثر من فيزياء، إنّها شكلٌ جديد من أشكال الفكر الصوفيّ، ذلك الذي يرى ترابطاً بين كلّ الأشياء والكائنات، ترابطاً بين عقولنا و”عقلٍ كونيّ”.
ففي نظريّة الفيزياء الكوانتيّة (وتسمى أحياناً “الميكانيكا الكوانتيّة”) (Quantum Mechanics)، التي تتيح فهمَ خصائص الذرّات (Atoms) والجُزَيئات (Molecules)، ليست الإلكترونات (Electrons) جُزيئات ماديّة صغيرة، أو كُريّات صغيرة من المادّة، بل موجاتٍ من الطاقة أو صور على عكس ما تبدو عليه عند مراقبتها بالأجهزة العلميّة كنقاطٍ صغيرة ذات كتلةٍ محدّدة. ويُستنتَج من ذلك أنّ العالَم المرئي (أو الملموس) يستند إلى “ظواهر” وهذا ما يتجاوز ماديّة الفيزياء الكلاسيكية. ففي جذور المادّة على المستوى الذرّي والجُزَيئيّ، بتنا نجدُ عالَماً من الصّور والأرقام الرياضيّة، لا تكتُّلاتٍ مادية. وهذا تماماً ما تحدّث عنه الفيلسوف اليوناني فيثاغوراس في القرن السادس قبل الميلاد، حين كان يُعلِّم بأنّ “كلَّ الأشياء هي أرقام” و”الكون بأكمله أرقامٌ وتناغم”، وكذلك نجده في فلسفة أفلاطون، حيث الذرّات هي صورٌ أو مُثُلٌ رياضيّة.
وهكذا جاءت الفيزياء الكوانتيّة لتدعم علمَ نفس كارل يونغ، فاكتشاف عالَمٍ من الصّور أو المُثُل غير الماديّة في جذور المادّة، كأساسٍ لوجود العالم الماديّ المرئيّ، يجعل من الممكن تقبُّل نظرة أنّ المُثُل الصّوَريّة “هي حقيقةٌ تظهر في فكرنا أو عقلنا من عالمٍ كونيّ”. ووجهة النّظر الكوانتيّة لحقيقة كونيّة واحدة وشاملة هي على اتّفاق تامّ مع أحد أكثر مفاهيم يونغ أهمّية، وهو مفهومه المثاليّ “العالَم الأوحد” (Unus Mundus). ويقول يونغ: “ترتكز فكرة العالَم الأوحد دون رَيب على افتراض بأنّ التعدُّدَ والكثرة في العالَم الاختباري تستند إلى وحدةٍ كامنة .. وكلّ ما هو متجزّئ ومتفرِّد إنّما ينتمي إلى عالمٍ وحيد أوحد، وهو بالطبع ليس عالَم الحِسّ”، وبالتالي فإنّ هذا المثال الأصليّ، من ناحيةٍ وجوديّة (Ontological)، يعني “وجوبَ أنْ تتّحدَ النفسُ بتلك الحقيقة”.

صورة غلاف كتابه الشهير -الإنسان ورموزه
صورة غلاف كتابه الشهير -الإنسان ورموزه

التحقُّق الفرديّ
من ثمّ تأتي نظريّتُه الشهيرة عن “التحقُّق الفردي” (Individuation)، حيث يغدو المرءُ واعياً بـ “ذاته العليا”. ويقول يونغ في كتابه “المثالات الجمعيّة واللّاوعي الجماعيّ”2: “لقد استخدمتُ مصطلحَ التّحقُّق الفرديّ لتوصيف العمليّة التي يصبح بها المرءُ سيكولوجيّاً في حالة تحقُّقٍ مع ذاته، أي في وحدةٍ أو كلّيةٍ (Wholeness) غير قابلة للتجزُّؤ”. ولم يكن ثمّة مغزى لتحقيق هذه الكلّية أو الوحدة في عالَم نيوتن المُتَّسِم بالأشياء الماديّة المنفصلة، لكنّ هذا التحقُّق وجدَ أساساً له في العالم الكوانتيّ. ورأى يونغ أنّ عملية التحقُّق الفرديّ هذه هي “حافزٌ دينيّ بل مثالٌ أصليّ روحي يُوجِّه ويُنظِّم مسارَ حياة الإنسان”. فالجذر اللّغوي اللّاتيني لكلمة Religion المستخدمة في هذا السياق هي Re-Ligare وتعني “إعادة الوصل” أو “إعادة الرّبط أو الاتحاد”.
وتوضح الباحثة أنيللا جافي (Anniela Jaffé) في معرض تفسيرها لنظريّة يونغ: “ينبغي فهم التحقُّق الفرديّ باللّغة الدينيّة كتحقيقٍ لِمَا هو إلهي في البشريّ، كإنجازٍ لمهمّةٍ علويّة. وتصبح التّجربة الواعية للحياة تجربةً دينيّة، بل يمكننا القول أيضاً، تجربةً صوفيّة”.
وفي تحليله للرمزيّة في الفلسفة والكيمياء، يعتبر يونغ ما يُسمَّى “حجر الفلاسفة” كرمزٍ لعمليّة التحقُّق الفرديّ هذه، “الهدف الأسمى للذات”. ويقول يونغ بعبارة تُذكّرنا بما علّمه سقراط في محاورة “كارميديس” الأفلاطونية عن ضرورة أن تُعالَج النّفس أولاً كسبيلٍ لمعالجة الجسد: “الاهتمام الرّئيسي لعملي لا يتعلّق بمعالجة الاضطرابات العصبيّة، بل بمقاربةٍ لِمَا هو روحيّ وسامٍ، لكنّ الحقيقة هي أنّ المقاربة إلى ذلك الرُّوحي هي العلاج الحقيقيّ للعلل الجسديّة، وبقدر ما نكتسب من خبرةٍ روحيّة، بقدر ما نتخلّص من لعنة الأمراض”.
وكان عالِم الفيزياء والفلك البريطانيّ الشهير السير آرثر ستانلي إدينغتون (Arthur Stanley Eddington) قد أجرى بحثاً منهجيّاً في ثلاثينيّات القرن الماضي عن وجود الوعي في الكون، وخلُصَ إلى أنّ: “الكون هو من طبيعةِ أفكارٍ في عقلٍ كلّيّ”، ولو كره علماءُ الفيزياء الماديّون بأنّ أصل الموجودات هو ذو خاصيّة عقليّة، وذلك في توافقٍ تامٍّ مع تعاليم كارل يونغ والفيزياء الكوانتيّة.

يونغ في أوج عطائه عندما أصبح شخصية عالمية معترفا بفضلها على علم النفس والثقافة الإنسانية
يونغ في أوج عطائه عندما أصبح شخصية عالمية معترفا بفضلها على علم النفس والثقافة الإنسانية

خاتمة
فيما كان يونغ عاكفاً على درس النّفس البشريّة، اكتشف الخصائصَ العقليّة للكون، تماماً كما فعلت الفيزياء الكوانتيّة. فالمُثُل الأصليّة تتبدّى أفكاراً في العقل البشريّ، وبُنى ماديّة في العالَم الخارجيّ، وهكذا أخذت الفيزياءُ الكوانتيّة تبدو شكلاً من أشكال علم النّفس، علم نفس العقل الكونيّ. وفي المقابل بدا علمُ نفس كارل يونغ فرعاً من فروع الفيزياء، فيزياء النّظام العقلي للكون.
وأصبح الكونُ الكوانتيّ الكلّيّ ذو المنشأ العقليّ غير التجريبيّ مفهوماً صوفيّاً، وكذلك علمُ نفسِ كارل يونغ الذي تحدّث عن النّفس “المتّصلة بعقلٍ كونيّ ومَصدرٍ روحانيّ”. إنّه علمُ نفسٍ أكّد أنّ نكرانَ النّواحي العُلويّة للنّفس البشريّة قد يؤدّي إلى مشكلاتٍ كبيرة في الصّحَّة البدنيّة والنفسيّة على حدٍّ سواء. علمُ نفسٍ خَلُصَ إلى أنّ السعادة في هذه الحياة لا يمكن تحقيقها إلّا بفهم الخلفيّة العقليّة الرُّوحيّة للكون، والعيش بالتّوافق معها، وتقبُّل أهميّة الرُّوح في حياتنا.

مشاركة المقال

التعليقات

Leave a Reply

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اترك تعليقاً

Leave a Reply

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

المقالات ذات صلة

السابق
التالي