الأحد, حزيران 1, 2025

اشترك معنا للاطلاع والحصول على أحدث المقالات والأعداد

الأحد, حزيران 1, 2025

اشترك معنا للاطلاع والحصول على أحدث المقالات والأعداد

بحث ..

  • الكاتب

  • الموضوع

  • العدد

كلمة سواء

غزو من الفضاء كيف المواجهة؟

من أعجب ما رأيت في ردود الفعل على حوادث الإنتحار المؤسفة التي حصلت مؤخراً هو هذا التعنيف الشديد من قبل كثيرين لهؤلاء المساكين المعاقين نفسياً وهم في الحقيقة ضحايا هشاشة شخصيتهم أولاً ثم ضحايا التردي الأخلاقي المنتشر على شبكة الإنترنت – وفي المجتمع- وكذلك ضحايا غفلة الأهل وغفلة المدرسة والمجتمع، فإن لم نكن لنرحمهم (على سبيل الإدانة لقتل النفس التي حرم الله قتلها) فإن علينا أن نفهم الظروف التي أحاطت بسقوطهم لأن المطلوب إلى جانب إدانة هذا التصرف فهم الأزمات العميقة التي تهدد التوازن النفسي والأخلاقي للشباب في هذه المرحلة بالذات والتي لا تقتصر على الشباب الدرزي بل تطال الشباب في كافة البيئات اللبنانية والعربية.

إن حوادث الانتحار هي عنوان فقط من عناوين عدة لأزمة شباب ينسلخ يومياً عن ثقافته وعن أسرته وعن تراثه ليهرب إلى عالم افتراضي ينشد فيه مسرات سطحية من دون أي خبرة أو توجيه. ونحن نثور على حوادث انتحار متفرقة لكن يجب أن نثور أيضاً على مئات وربما ألوف الحالات لشبان يعيشون في ظلمة المخدرات والشذوذ وقتل الوقت والوجود الهامشي وهؤلاء “أموات أحياء” ومنسيون ولا يجب بالتالي إهمال مأساتهم والانتظار لكي يحدث لهم سوء أو يتورطوا في مشكلات لكي نعلم بوجودهم والظروف القاسية التي يعيشونها.
والمهم هو مواجهة هذا التحدي الخطير لبيئتنا وقيمنا بعقلانية وروح مسامحة ومن دون ذعر أو تصرف عصبي لأن ردود الفعل العنيفة ستجعل الشباب يخاف التصريح أو التقدم لطلب المساعدة من مجتمع يعامله بالقسوة وعدم التفهم لمشكلاته أو لأخطائه وحتى انحرافه أحياناً على السلوك السليم.

جذور الأزمة
إن ثورة الإنترنت والتواصل الفوري تطور كبير في الحضارة الإنسانية لكنها تطور متعدد الوجوه وأحد هذه الوجوه هو في كونها تحت سيطرة الغرب المادي والقوى الغامضة الإلحادية وهي تمثل لذلك غزواً أخطر بكثير من غزو الجيوش لأنه غزو ينزل علينا من السماء عبر الأقمار الصناعية ويجتاح عقولنا وثقافتنا وهو غزو ممنهج هدفه تربية الأجيال الجديدة وفق ثقافات القوى الغربية وبأسلوب يجرد الشعوب العربية والإسلامية من شخصيتها وإيمانها ويهدم مجتمعاتها واحترامها لنفسها فتسقط أهم دفاعاتها وتصبح بالتالي ساحة مباحة لكل أنواع التدخل والسيطرة. ونحن نوجز أهم المصائب التي حملتها ثورة الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي بالتالي:
1. الهجرة من ثقافة السلف وثقافة الأسرة والعائلة والقرية والجماعة إلى البيئة الفاسدة والمُفسِدة لشبكة الإنترنت والهواتف الذكية وتطبيقاتها التي لا تحصى، وهذه الهجرة تتسبب بانسلاخ تدريجي للشاب عن بيئته واندماجه في عالم افتراضي خيالي وغير موجود في الواقع، لكن بعض الشباب المنسلخ باتوا يعتبرونه العالم الجديد الذي يريدون العيش فيه باعتباره أفضل من العالم الواقعي الذي لا يعطيهم أملاً بحياة أو مستقبل.
2. الحرية الرقمية: إن أكثر مبادلات التواصل تحصل عبر أجهزة محمولة من الشباب لا يعلم إلا صاحبها ما يتم بواسطتها فإن الأهل غير مطلعين حقيقة على عمق الانسلاخ الحاصل ولا تتوفر لهم في أحيان كثيرة فكرة مبكرة عن الهوة التي تكبر مع أبنائهم وعن المشكلات التي تتجمع في الخفاء بعيداً عن أعينهم.
3. الصداقة والصداقة الرقمية : كانت الصداقة في الماضي صداقة لبناء الشخصية تزدهر في بيئة القربى أو الجيرة أو القرية أو صداقات الأهل أو المدرسة ولم يكن ممكناً لهذه الصداقات أن تستمر في غفلة عن الأهل الذين يختارون لأبنائهم من الرفاق من يساهم في صون أخلاقهم، وكثيراً ما منعنا والدانا من مخالطة شخص سمعوا أنه يسُبّ أو يشتهر بسوء المسلك. أما الصداقات الرقمية فتتم خارج أي اطلاع من الأهل أو اختيار منهم، وهي ليست صداقات بل “تسليات” سطحية يتنافس فيها الشباب عن جمع أكبر قدر من العناوين و”المعجبين” من دون معرفة الكثير عن خلفية الأشخاص. أما مضمون تلك الصداقات فليست كتاباً ينصح بقراءته أو مادة ثقافة أو دين أو نصيحة بل نكات و”نفايات” الإنترنت أو مقاطع فيديو صريحة يوجد الملايين منها في التداول غذاء مسموماً ومدروساً لإفساد الأجيال في أي مكان لا يزال فيه تراث أو حضارة أو دين.
4. الاختلاط الرقمي: إن الصداقات قبل مجيء العالم الرقمي كانت في كافة البيئات وعلى الأخص الدرزية بين ذكور أو بين إناث ولم تكن مختلطة إلا نادراً أما الآن فإن وسائل التواصل الاجتماعي تتيح تواصل الشباب والشابات من دون قيود كإمتداد لعلاقات التعارف في المجتمع أو على مقاعد الدراسة أو في مكان العمل وهذا من دون رقيب أو مرشد، وهذا النوع من العلاقات الرقمية الحرة يحتوي على مغريات ومنزلقات لا تحصى.
5. مخاطر ومنزلقات :إن الكثيرين ممن يدخلون عالم الفيسبوك أو الإنستغرام أو الواتس آب أو غيرها غير ملمين بصورة كافية بكيفية عمل تلك التطبيقات وهم غير ملمين خصوصاً بالثغرات الكبيرة التي قد تتيح تداول صورهم الشخصية أو أخبارهم أو أقوالهم وغيرها، كما إن العديد منهم قد يتحوّل إلى مادة استغلال من أشخاص هدفهم فتنة الناس وإشاعة الفضائح غير عابئين بمن ائتمنهم (بسذاجة) على أخص خصوصياته. وهذا الجهل أو ضعف الخبرة هو الذي سبّب لبعض ضحايا “الخيانة” والابتزاز الرقمي تلك الصدمة النفسية الساحقة كما لو أن السماء أطبقت بكل ثقلها على صدرهم فإذ بهم لا يجدون مخرجاً من العار الذي لاحقهم وإظلام الدنيا من حولهم إلا الفرار إلى عالم الأموات.

ماذا عن الحلول؟
من السذاجة الاعتقاد بوجود علاجات سهلة لهذا “الغزو الفضائي” المخيف الذي يجتاح البيوت ويدخل غرف النوم ويستولي على النفوس وعلى العقل والشعور والخيال ويدمر نواميس الآداب ويستلب الهوية. ولقد أصبح اقتناء الهواتف الذكية واستخدام تطبيقاتها وكذلك دخول الإنترنت بكل مفاسدها أمراً زهيد الثمن ومتاحاً لجميع الناس من كافة الأعمار بدءاً ربما من العاشرة أو ما دونها. وطالما وجد الفراغ أو البطالة وطالما أن الوصول الحرّ إلى شبكة الإنترنت الكونية متاح في أي وقت للصغير والكبير وبعيداً عن أي رقابة أو توجيه فإن المخاطر التي تهدد شبابنا وشاباتنا ومجتمعنا لا بدّ من أن تتعاظم مع صبيحة كل يوم جديد.
لكن، وبالرغم من ضخامة التحدي، فإن هناك متسعاً لاتخاذ مجموعة من المبادرات المنسقة والهادفة لاحتواء المخاطر ومعالجة المشكلات التي قد تنشأ بين الحين والآخر، ونحن نعرض هنا لبعض الأفكار من دون أن نعتبرها حلاً بل مجرد جدول أعمال يمكن للنقاشات اللاحقة والاقتراحات البناءة من مختلف الجهات التي أظهرت غيرة واهتماماً أن تغنيه وصولاً إلى حلول عملية ومبادرات على الأرض.
1. يجب على وزارة التربية والمدارس الحكومية والخاصة أن تدخل مقرراً أساسياً في برامج التربية يتناول التدريب على الاستخدام المسؤول للإنترنت ووسائل التواصل والتوعية بالمخاطر التي تحيق بالاستخدام الطائش أو غير المتبصر لتلك الوسائل.
2. يجب خلق “غروبات الصداقة” بمبادرة من ناشطين اجتماعيين يدعى إليها الشباب، سواء على مستوى المدرسة أو القرية أو العائلة أو غيرها على أن يتم اختيار موادها بعناية بحيث تجمع بين الترفيه وبين التوجيه.
3. يجب على المدارس والبلديات ومنظمات الشباب والجمعيات الشبابية التعاون في إنشاء “مخيمات الصداقة” خصوصاً في الصيف وبعد انتهاء المدارس وتعزيز النشاطات التثقيفية في الطبيعة كتلك التي تقوم بها محمية أرز الشوف أو غيرها من الجمعيات البيئية.
4. يجب إنشاء مؤسسة اجتماعية يتسجّل فيها الشباب الذين هم بلا عمل، بحيث يمكن الاتصال بهم لعرض أعمال موسمية أو جزئية في المواسم، أو دعوتهم للتسجيل في دورات تدريب على الزراعة أو بعض المهن والحرف.
5. يجب وجود خط ساخن يستعين بمرشدين نفسيين وتربويين يمكن لمن يواجه مشكلة من الشباب بسبب وسائل التواصل الاجتماعي أن يتصل به طلباً للمساعدة، ويجب أن تضمن هذه المنظمة للمتصلين السرية التامة لتفاصيل مشكلتهم وتطبّق احتياطات تحافظ على كرامتهم وتؤمنهم على خصوصيتهم.
6. يجب منع الهواتف المحمولة منعاً باتًا في المدارس خلال الصفوف والدوام الرسمي .
7. يجب تشجيع الشباب على العمل الاجتماعي والبيئي المباشر من خلال البلديات والأندية والمعاهد وإطلاق مبادرات التشجير والعمل الإنمائي والمدني بمختلف وجوهه.
8. يجب تنظيم لقاءات عامة في المدارس يتحدث فيها ناشطون في وسائل التواصل الاجتماعي من أجل تنبيه الشباب إلى مزالق الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي.
9. لا بد ّأخيراً من تنظيم دورات وورش عمل للتعريف بالفوائد الهائلة التي يمكن تحقيقها من الاستخدام المدروس للإنترنت مع التعريف بالمواقع الثقافية والتعليمية والصحية والتراثية وتدريب الشباب على الاستفادة الكاملة من الشبكة في أمور الدراسة والعمل والتكوين المهني والنفسي والروحي.
والله من وراء القصد

مشاركة المقال

التعليقات

Leave a Reply

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اترك تعليقاً

Leave a Reply

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

المقالات ذات صلة

السابق
التالي