بناء يخاف الدهر منه وكل ما
على ظاهر الدنيا يخاف من الدهر
ما من زائر أو سائح قصد مصر إلا وكانت بغيته الأولى زيارة الأهرامات قبل سواها، ليقف أمامها مستعظماً ومندهشاً وحتى مستغرباً قائلاً في ذاته: هل هي حقاً من بناء البشر العاديين أم من بناء الجن أو مخلوقات خارقة من خارج الأرض!!
يقول عالم الآثار الفرنسي الشهير “شامبليون”، الذي رافق نابليون في رحلته إلى مصر واكتشف “حجر رشيد”، الذي مهد لفك رموز الكتابة الهيروغلوفية: “إن الأهرامات لم تكن من صنع كائنات بشرية مثلنا، بل من صنع طوائف حاملي الأسرار التي ما خلا منهم زمان ولا مكان، لقد تمكنت هذه الطوائف المتفوقة أن تمتلك تكنولوجيات متقدمة اختفت مع الطوفان أو صينت وحفظت في أحرام خفية في مكان ما من العالم، وهذه الحضارة الخفية ما زالت ترشد المؤمنين وتقوي عزيمتهم وتشرق من عليائها بأنوار اليقين”.
ظهرت عظمة الأهرامات عبر التاريخ في ما تجسده من أحجامها الهائلة، ودقة هندستها، وعجائب ما في جوفها وغموض رموزها، وصمودها وثباتها أمام عواتي الدهر كالزلازل والفيضانات والرياح وأطماع البشر بما في ذلك تخريب الفاتحين وعبث العابثين واللصوص المحترفين ليصح فيها قول الشاعر القديم:
بناءٌ يخاف الدهرُ منه وكل مـا علـى ظاهر الدنيا يخاف من الدهر
قصة باني الأهرام
أجمع العديد من العلماء والمؤخرين الأقدمين أن هرمس الهرامسة هو باني أهرامات الجيزة، من ضواحي مصر، أي القاهرة حالياً، وقد عرف هرمس في اللغة اليونانية بـ”أرميس”، ومعنى أرميس عطارد. وآخرون قالوا إنه اسم سرياني واشتقاقه عن الهرمسة أي علم النجوم. وعُرف عند العرب بالنبي ادريس وأسموه بذلك لكثرة دراسته. وعند العبرانيين عرف بـ “أخنوخ أو أخناتون” التوحيدي، وقد وُلد بمدينة مناف في مصر القديمة، وعندما بلغ الأربعين من عمره أُنزل عليه ثلاثون صحيفة وورث صحف شئت وتابوت آدم. والصابئة الحاليون، وهم فرقة قديمة في التاريخ، لم تزل تقطن منطقة الأهواز في جنوب العراق يزعمون أنهم من أتباعه ومتمسكون بكتب النبي هرمس ويقدسونه ويعبدونه. كذلك تماثلهم فرق باطنية أخرى تقول عن بناء الأهرامات أنها بُنيت لأجل الحفاظ في داخلها على أسرار الكون ومواثيق البشر، وأن لكل فرد سجلاً في داخلها.
ومما يلفت النظر أن جماعة “الروز كروشن” أو الهالة الوردية، والتي يبلغ عدد أفرادها في العالم نحو 14 مليوناً، منتشرين في أوروبا وأميركا وآسيا، تؤمن بأن الأهرامات هي كعبة المؤمنين والموحدين عبر الأجيال.
كذلك ما أوردته حديثاً إحدى الدراسات الأميركية الصادرة عن جمعية “فيدرالية الأخوة العالمية ” IFB، إذ تقول عن الحضارة المصرية إنها حضارة روحانية تؤمن باليوم الآخر وجوهرها تقديس الحياة الآخرة للإنسان، لهذا كان أعظم رموزها هي الأهرامات وما تحويه من أسرار الكون وقبور الملوك، وكتابها المقدس هو “كتاب الموتى” وفحواه كيفية اجتياز يوم الحساب وبلوغ الآخرة.
وما يماثل هذا القول ما أورده العالم الإنكليزي الشهير “بول برنتون” PAUL BRUNTON، الذي أمضى بمفرده ليلة كاملة داخل حجرة الملك في الهرم الأكبر إذ أتاه الوحي قائلاً: “اعلموا يا أولادي أنه في هذا الأثر القديم تكمن الحقائق والمعارف المفقودة للأجيال السابقة من البشر، إذ تكمن أسرار المواثيق التي عقدها الانسان القديم مع الخالق من خلال الأنبياء والسابقين، واعلموا أيضاً أنه لم يطّـلع على هذه المواثيق سوى المختارين من أبناء البشر”.
والحقيقة أن الأهرامات هي من غرائب العبر إذ أن لها آلافاً من السنين والحقب لم يعرف ما في داخلها أي مخلوق من البشر، كذلك عجز الملوك والجبابرة عن هدمها واستخراج ما في باطنها، ورجعوا عنها بعد بذل الأموال الطائلة خائبين، ومنهم الخليفة المأمون العباسي، والذي حشد لها أعداداً كبيرة من الفعلة والحجارين، وضاعف لهم النفقات حتى قيل أنه قدّم لذلك نحو ألف أوقية من الذهب الخالص ولم يحصل على طائل، وكفّ عنها خائباً، “حسب بعض المخطوطات القديمة”، وتكمل تلك المخطوطات فتقول: ” أمّا الهرمان في الجانب الغربي من فسطاط مصر وهما من عجائب برهان العالم مبنيّان بالحجم العظيم على الرياح الأربع، وما على وجه الأرض أعظم وأجل بناء، ولا أحسن هندسة ولا أطول بقاء ولا أرفع سناء من هذه الأهرامات، إذ بعضها مبني بحجارة الصوان الأحمر المنقط الشديد الصلابة والقسوة. ومن عجائب بنائها وضع الحجر على الحجر بهندام ليس في الإمكان أصح منه بحيث لا تجد بينهما مدخل أبرة، ولا خلل شعرة، ووجد مكتوب عليها كتابة غريبة ترجمتها هي: “إن بين هذين الهرمين والنسر الواقع في السرطان” فحسبوا من ذلك الوقت إلى الهجرة النبوية فبلغ إثنين وسبعين ألف سنة شمسية (لا نعلم ما هو هذا الحساب).
باسم الله
وقيل أن هرمس الهرامسة لما عزم على بنائها أمر باستخراج الرصاص من بلاد المغرب، وقطع الأحجار الضخمة الهائلة من أماكن بعيدة جداً عنها، وكان عندهم صحائف مكتوب عليها اسم الله العظيم فيضعون الصحيفة على الحجر ويسمّون باسم الله تعالى ويدفعونه بتلك الدفعة مقدار مائة سهم، ثم يعيدون عليها الصحائف والدفع حتى تصل إلى الهرم بغير حملٍ ولا مشقة، فإذا وصل الحجر إلى الهرم يثقبونه ويجعلون في وسطه قطباً من حديد قائماً ثم يركّبون عليه حجراً آخر مثقوباً ويُدخلون القطب فيهما جميعاً ثم يُذاب الرصاص ويُصب في القطب وحول الحجر بهندام وإتقان.
وتناسباً مع هذا القول القديم ما أورده في دراسته المؤرخ الأوروبي في القرن التاسع عشر (Kings Land ) كنجزلاند، إذ ذكر أن قطع أحجار الجرانيت (الصوان)، والتي تزن الواحدة منها سبعين (70) طناً، والموجودة في مخدع الملك، قد أعدّت في مقالع تبعد ستمائة (600) ميل قبل نقلها فوق النيل، ثم تابع يقول: “لا بد أن قوة غامضة قد استخدمت في نقل هذه الأحجار لا يعلمها سوى الله”.
شهادة نابليون
والقائد الفرنسي نابليون عندما احتل مصر سنة 1789، وبعد أن وقف مندهشاً أمام عظمة الأهرامات قال إن ما تحويه من حجارة ومواد بناء يكفي لإحاطة فرنسا بجدار تبلغ سماكته 92 سم، وارتفاعه نحو 3 أمتار. وكلام روحي آخر يقول: “إن في الهرم الشرقي أصناف القباب الفلكية والكواكب وتكوينها وما يحدث في أدوارها وقتاً وقتاً، وما تحمل لها من التواريخ والحوادث التي مضت والأحداث التي ينتظر حدوثها في مصر، وما يليها من أقطار العالم إلى آخر الزمان”.
“وكذلك زُبر على حيطانها أصناف العلوم العظيمة كعلم السيما وعلم الكيمياء والهيئة والحساب والأحكام الهندسية والمنطق والطب والفلسفة، ولم يترك علم من العلوم حتى تمّ زبره ورسمه”. ويضيف بعض المؤرخين القدماء القول إنه لا يوجد على وجه الأرض قاطبة بناء أعظم منها أو يضاهيها، وهي مع طول الأمد والدهور لم ترث ولم تبل، وهي العجيبة الوحيدة الباقية سالمة من عجائب الدنيا السبع القديمة.
إلى هنا انتهى ما ذكرته تلك المخطوطات القديمة، ونحن بدورنا لا يمكننا أن نذكر كل ما كتب عنها من المؤرخين والجغرافيين الحديثين من علماء ومفكرين ورحّالين، وقد أسهبوا في بيان أوصافها ومميزاتها وأهميتها التاريخية، وحتى تقديسها، ومنهم من أصابته لعنة الفراعنة والمعروفة عند الجميع إذ حلّت بهم بعد أن تطاولوا من قطع أو حفر أو إخفاء بعض حجارتها أو معالمها، ثم نقلها إلى بلدانهم أو بيوتهم فكان نصيبهم أن حلّت المصائب والأحزان في ديارهم، ومنهم العالم الاسكتلندي “Winston” ونستون، إذ فقد أولاً أولاده ولداً تلو الآخر، ثم فقد زوجته. كذلك أصابه الوسواس ولم يعد إلى صوابه إلا بعد أن أعاد إلى الأهرامات ما سرقه من أفيائها، وقصص كثيرة تُروى بين العامة من المصريين وسواهم ما جعل الجميع يهابون لمسها أو أخذ أي شيء منها بعد أن دفع العديد منهم الأثمان غالية.
خاتمة: ليس بالكثير أن يكون عدد الزائرين لتلك الأهرامات، وحسب إحصاء وزارة السياحة المصرية في أيام السلام والأمان، نحو (20) عشرين مليون زائر كل عام، وأن عدد زائريها من الأحياء على وجه الأرض ربما يزيد عن نصف مليار زائر من البشر.
الأخوت اللّي بدو يقتل أمو
ويحتمي عند خالتو
لكل عالم هفوة ولكل صارم نبوّة ولكل جوادٍ كبـوة
( عمر بن الخطاب)