الجمعة, نيسان 19, 2024

اشترك معنا للاطلاع والحصول على أحدث المقالات والأعداد

الجمعة, نيسان 19, 2024

اشترك معنا للاطلاع والحصول على أحدث المقالات والأعداد

بحث ..

  • الكاتب

  • الموضوع

  • العدد

كرامَةُ صاحبِ دكّانٍ ماتَ مظلوماً

حدّثني الشيخُ أبو نجيب محمود الخماسي، فقال: “روى أمامي والدي عن تاجر خضار في سوق حاصبيّا عاش منتصف القرن الماضي. وكان ذلك البائع، جليل القَدر، كبير النّفس، فقير الحال، متديّناً حقاًّ وحقيقة. نهاره عمل، وليله عبادة، بيعه معتدل، وحديثه مقتضب، لا يُجيب إلّا إذا سُئل، ولا يتفاصح ولا يحدِّث إلّا بما عرف وما يُلمّ. ومع هذا، حصل له ابتلاء لم تظهر الكرامة المقصودة منه إلّا بعد وفاته وذلك عندما ظهر إلى العلن السرّ الذي أخذه معه إلى القبر وأصبحت حكايته عبرة لمن اعتبر، ونبراساً لمن أراد الصّدق وإليه امتثل.
تقول الحكاية إنّ هذا التّاجر الورع أتاه يوماً رجل اشترى بعض الحوائج والخضار من دكّانه، وبعد أن نقده ثمنها، قفل الرجل راجعاً نحو منزله، إلّا أنه نسي كيس النّقود الذي أخرج منه ثمن ما اشتراه، إلى جانب إحدى السّلال، وبداخله خمسمائة قرش تركي.
قبالة دكّان التاجر، كان حلّاق يتابع جاره عندما انتبه إلى أنّ المشتري نسيَ الكيس، فما كان منه إلّا أن تسلّل على مهل وانتشل كيس النّقود الذي نسيَه الرّجل دون أن ينتبه التّاجر أو يدري ما حصل.
ما أن بلغ الرّجل المشتري منزله، حتى تذكّر فجأة ما نسي، فعاد أدراجه مُسرعاً من حيث أتى، لكنه لم يجد الكيس في موضعه، فضرب كفّاً بكفّ وسأل التاجر بلهفة وقلق عن الكيس، موضحاً أنّه يحتوي على مبلغ كبير من المال أضيف إليه في النّهار نفسه ثمن موسم القز الأخير.
دُهِشَ التّاجر الورع لسؤال الرّجل، لكنّه عرض على الرّجل أنْ يساعده على البحث عن الكيس، راجياً من الله أن يوفّق في العثور عليه، وبالفعل إنهمك الرّجلان في البحث والتّنقيب وقلبا الدّكان وسلال الخضار وكل ما يحيط بها رأساً على عقب، لكن لم يعثرا على شيء. عندها، وعندما فقد الرّجل الأمل بالعثور على ماله دبّ الشك في صدره من أن يكون البائع هو الذي أخفى الكيس طمعاً بالثّروة التي في داخله. لذلك صرخ في وجه التّاجر بغضب “إنّك أنت المسؤول عن المال”، ثم أمسكه بصدر سترته قائلاً: إنّك لن تأكل حقي وأنا حيّ، فإمّا إعادة الكيس وإمّا الموت!”. وعلا الصّوت بين الرّجلين، ثم تدافعا بالأيد،. عندها تدخل التّجار والمارّة بينهما، وأخذ الجميع يبحثون عن حلٍّ ينهي الخلاف ويُظهر الحقيقة.
تقدّم شيخ طاعن في السنّ من الاثنين، ثم قال: “المثل يقول البيّنة على من أدّعى، واليمين على من أنكر. فعليك أيّها الرّجل إثبات ادّعائك بشاهد يؤيّد دعواك حول ما أضعت، وأنت أيها التّاجر الكريم، ما عليك سوى قَسَم اليمين لرفع التّهمة عنك”.
الرّجل المشتري سارع فوراً، فاستشهد برجل كان يرافقه حيث شهد بأنّه شاهده وهو يخرج المال من الكيس الذي فقده. أما التّاجر التقي فإنّه رفض أن يقسم اليمين عملاً بسنّة الأولياء الصّالحين، راضياً بدفع التّعويض من جيبه لعلّ ذلك يهدّئ من رَوْعِ صاحب الكيس، وهذا رغم ثقة التّاجر التامة أن أحداً ما اغتنم فرصة وجوده داخل الدّكان فسرق الكيس خِلسة وظلماً.
من أجل إنهاء المشكل عمد التّاجر التقيّ إلى كرم زيتون لا يملك سواه، فباعه ودفع ثمنه بدل كيس النّقود المفقود، وكأن شيئاً لم يكن. ورغم ذلك شاع عندَ العامّة (وأن لم يقولوه جهرة) أنّ التّاجر ربّما هو الذي أخفى كيس النّقود، وعاب على نفسه إظهاره في ما بعد.
دارت الأيام دورتها التقليديّة، ومرّت الشّهور والسّنون، ومات التّاجر وأخذ السرّ معه، أمّا جاره الحلّاق الذي أخفى كيس النّقود فقد استعمل النّقود الحرام في شراء كرم زيتون جاره التّاجر المنكوب بخسارة المال وبشكوك أكثر العامّة من النّاس في أمانته وكان ذلك أقسى عليه من خسارة المال. لكن ما أن أُسدل الستار على هذه الحادثة حتى بدأ الزّمن يعاكس الحلّاق، إذ دب الخلاف داخل الأسرة وبلغ حدّ طلاق زوجته، وتشتت شمل أولاده، فخيّم الهمّ عليه وفوق منزله. ولم يكن هذا العقاب الربّاني سوى مظهرٍ لحكمة ربانيّة قصدت إظهار سرّ التاجر وكرامته عند ربّه وعبيده وكشف السّارق الحقيقيّ.
كيف تمّ ذلك؟
بعد طلاق الحلّاق لزوجته، عمدت المطلّقة إلى فضح أعماله القبيحة وذكرت منها كيف أنّها كانت شاهداً على إخفاء زوجها الحلّاق لكيس النّقود الذي فقده ذلك الرّجل عند التّاجر المتوفّى، بعد أن راقب كيف وضعه صاحبه، واشترى بقيمته كرم الزّيتون من التّاجر المذكور. وفي أقلّ من أسبوع كان سرّ الحلاق قد افتُضِح وشاعت قصته الشائنة في أنحاء المنطقة، كما برئت في الوقت نفسه ساحة التّاجر الورع وإن بعد وفاته. ولمّا علم المشايخ والمجتمع بأكمله بما فعل ذلك الحلّاق، أسرع أبناء التاجر لمقاضاته أمام الشّيوخ الثقات فاستدعي إلى خلوات البيّاضة لتبرير ما سُمع عنه. لكنّه أمام هيبة الشّيوخ ورهبة الموقف، تلعثم وبدت على محياه صورة المذنب، وعاد المشايخ ليطلبوا إليه أن يعترف أمامهم وأمام الله بالحقيقة وإذا كان له فعلاً دور في سرقة كيس النقود. أمام هذا الموقف الرّهيب، أحسّ الحلاق بأن ثقل الدنيا كلّه وقع على كاهله في تلك اللحظة، ولم يقوَ على الاستمرار في الكذب وأنّه لن يرتاح صدره إلا بعد أن يقرّ بما حدث فأقرّ فعلاً وأنبأ المشايخ بقصّة استيلائه خِفية على كيس الزّبون. بناء على ذلك أمره المشايخ بأن يعيد كرم الزّيتون لأسرة صاحب الدكّان، أو قل صاحب السرّ الدّفين الذي ظهرت كرامته للملأ لأنّ الله أراد أن يبيّض صفحته ويظهر تقواه، وقد تقاطر النّاس في الأيام التّالية لزيارة قبر الرجل الذي مات مظلوماً، وقرأوا الفاتحة أمامه، وترحّموا عليه وأثنَوْا على خصاله أمام أفراد عائلته والعموم.
أمّا الحلاّق، فقد هجر حاصبيّا إذ لم يعد قادراً على العيش فيها بعد افتضاح عمله، وتركَهُ أولاده إلى مكان آخر بينما حلّت الزّوجة بين ذويها، وصحّ بذلك القول المأثور: “إذا كان الحلال يَذهب، فالحرام يذْهِب ومعه أصحابه وأتباعه”.

العدالةُ السّماويّةُ عند المؤمنين نعمةٌ
وعند الفاسقينَ نقمةٌ

العدالةُ السماويةُ سيفٌ قاطع، ومهما يكن الإنسان قويّاً أو جباراً فإنّ العدالة السماويّة ستلحق به عاجلاً أم آجلاً، لكنّ العقاب السماويّ المُعجّل عبرة لأولي الألباب لأنّه يرهب العاصي ويثبّت المؤمن في إيمانه ويزيده ثقة بعدالة الخالق الجبّار، وبحكمته الخالدة: إنّما هي أعمالكم تُردّ إليكم.
في هذا الموضوع حدّثني أحدهم بموعظة حدثت في جبل العرب مع تاجر ذهب، يتنقّل عادة بهدف التبضّع لمحالِّه التجارية الواقعة في مدينة حلب. وفي يوم استقلّ التاجر الحافلة من دمشق عائداً إلى منزلة وأعماله، لكن بتأثير طول الطّريق وإرهاق العمل غلب عليه النّعاس، وأخلد إلى غفوة استغرقت قسماً من الطّريق الطويل.
كان يجاوره الجلوسَ في المقعد أحدُ الركّاب الذي كان يقظاً واستيقظت حواسّه أكثر عندما انتبه إلى إغفاءة التّاجر وغطّه في نوم عميق. بدأ الرّجل بفحص جاره النّائم فلاحظ محفظة النّقود التي كانت تبرز من جيب سترته، وعلى الفور وسوس له الشّيطان وأغرته المحفظة التي بدت محشوّة بالنّقود فمدّ يده على مهل دون إثارة شبهة المسافرين وأمسك بالمحفظة وسحبها بهدوء ووضعها على الفور في جيب سترته، وبعد أن تحسّسه ألقى نظرة سريعة على ما في داخله فإذا هي حزمة من النقود تفوق قيمتها المليون ليرة سورية (كما صرّح صاحب المال في ما بعد) وهذا بالطّبع كان ثروة كبيرة عندما كانت اللّيرة السورية في عز قوّتها.
لكن بعد أن قطعت حافلة الركّاب شوطاً من الطّريق توجّه السّارق إلى مُقدَّمة الحافلة وطلب من السائق التوقّف لأنّه بلغ مقصده على اعتبار أنّ قريته على مسافة قريبة من المكان. استغرب السّائق طلب الرّجل لعلمه أنّه لا توجد أماكن مأهولة أو سكنيّة في تلك المنطقة القاحلة، لكنه مع ذلك أوقف الحافلة ليهبط منها الرّجل وتابع سيره وهو يفكّر في ملابسات سلوك الرّجل ودوافعه الغامضة.
لكن ما أن وطأت رجلا السّارق أرض الطريق السّريع حتى جاءت سيّارة مسرعة فصدمته وقذفت به لأكثر من عشرة أمتار، فسقط أرضاً يتخبّط بدمه بعد أن تشوّه وجهه وتقاسيم جسمه وغطاه الدّم بأكمله، فبات من الصّعب التعرّف على هوّيته. أما السّائق الذي دهسه فقد تابع طريقه ولم يعبأ يأمر إسعافه، وبقي الرّجل ملقى على الطّريق إلى أن أتت دوريّة عسكريّة قامت بنقله إلى أقرب مستشفًى في تلك النّاحية.
وبعد إجراء الأمور القانونيّة للتعرّف على شخصه لم يعثر إلا على محفظة النّقود التي سرقها وبداخلها هويّة صاحبها، فتمّ الإتّصال بذوي التّاجر وإبلاغهم أن يحضروا إلى المستشفى المعيّن لاستلام الجثمان مع الجزدان والدّراهم.
أمّا التاجر فعند وصوله إلى مدينة حلب تفقّد المحفظة فلم يعثر عليها، فدبّ في قلبه الهلع من خسارة “تحويشة” العمر وتوجّه إلى سائق الحافلة مستغيثاً وطالباً منه مساعدته في العثور على المحفظة أو يكشف كيف اختفت ومن يا ترى استولى عليها، وقد اتّجه الشكّ بالطّبع إلى الرّاكب الذي كان يشاركه المقعد خلال قسم من الرّحلة قبل أن يغادر الحافلة فجأة ودون سبب وجيه.
وبالفعل فقد هزّ السائق برأسه قائلاً: ظنّي هو أنّ السّارق هو الشّخص الذي كان إلى جانبك لأنّني كنت أعتقد أنّه ذاهب إلى حلب، لكنّه بدّل خطّته وقرّر الترجّل من الحافلة بعد وقت قصير من بدء الرّحلة في مكان قاحل لا أثر لسكن أو لعمران فيه، وعبّر السّائق الخبير في هذه الأمور عن شكّه في أن يكون الرّجل الذي ترجّل في ذلك المكان من سكّان تلك النّاحية. وأردف بالقول إنّ من الصّعب العثور على الرّجل لأنّه اختفى على الأرجح مع الغنيمة سائلاً التّاجر أن يسلّم أمره إلى الله وأن يسأله تعويض ما خسره. لكنّ التاجر الملتاع ردّ على السائق بأنّه خسر كلّ شيء وأنّه لم يبقَ معه حتّى ما يكفي للعودة إلى منزله في حلب. فعرض السائق مساعدته وقدّم له من المال ما يكفيه لتأمين طريق العودة.
لكنّ التّاجر بعد عودته إلى بلدته وجد أبناء قريته يقيمون له مأتماً والجميع بادٍ عليهم علامات الحزن والأسى، والبعض الآخر مشتغل بتعداد حسناته ومزاياه الحميدة، وما أن أحسّ الجمع بوجوده بينهم حتى صُعِقوا وتحلّقوا حوله غير مصدّقين ما يشاهدون أمامهم، ومع هذا علت البهجةُ والفرحةُ وجوه الجميع وعانقوه مهنّئين ومستفسرين في الوقت نفسه عمّا يا تُرى حدث معه في سفرته.
وبعد أن قصّ عليهم كيف سُرقت محفظته من قبل من كان يشاركه مقعد الحافلة، وأخبرهم أيضاً أنّه علم من بعض الشّهود في طريق العودة إلى بلده أنّ السارق استحق عقاباً شديداً إذ مات دهساً تحت عجلات سيّارة مسرعة، ثمّ كيف استضافه صاحب حافلة الركّاب وزوَّده بالمال كي يتمكّن من العودة.
آنذاك اتّضح للجميع أنّ الجثمان المشوّه هو للسّارق وأن ما قامت به السّلطات الرّسميّة كان اعتمادها على البطاقة التي وجدت داخل المحفظة، وبعد أن تبيّن أنّ الجثمان المسجّى هو للسّارق الذي استحقّ العقاب حدث هرجٌ ومرجٌ ودعا بعض الحاضرين لإحراق الجثمان، غير إنّ التاجر رفض ذلك قائلاً: ليس هذا من شيمنا وأخلاقنا، وما عليكم سوى أخذه ودفنه في أي مكان ليظهر للجميع عفونا وفي الوقت نفسه ليبقى مثواه عنواناً لعدالة السّماء ودرساً يُنقل إلى الأجيال، ثمّ توجّه للحاضرين المتحلّقين حوله شاكراً حامداً أريحيّتهم سواء أكان بحضورهم للمأتم على موته أم سرورهم وفرحهم بعودته.
سؤال للقارىء الكريم: ما رأيكم بما أصاب السّارق..؟
أليس خلف هذا كلّه إرادة سماويّة كانت سريعة وفاعلة في إظهار عدالتها وأنّ الله لا يحبّ الفاسقين؟؟

بينزع الدّبس عن الطّحينة

بعض الذين يتميّزون بالذّكاء المفرط وبالدّهاء وسعة الحيلة يصحّ فيهم الوصف القائل: “بينزع الدّبس عن الطّحينة”، وقد بقي في ظنّي أن هذا الوصف مجرّد صورة مَجازية جميلة لأمر لا يمكن أن يحصل لأنّه من المستحيلات حتى سمعت هذه القصة الغريبة عن شابٍّ من عين جرفا عمل أجيراً عند أحد الفلّاحين الكبار الذي وبسبب انشغاله بموسم الحصاد واضطراره لتناول الطّعام في البيدر طلب من زوجته أن ترسل له طعامه ومع الطّعام قصعة من الدّبس والطّحينة وهو من أصنافه المفضّلة.
الشابّ الأجير كان أيضاً ذوّاقاً و”يموت” في دبس الخرّوب لكنّه لا يحبّه مع الطّحينة، ومن شدّة حبّه للدّبس لم يستطع مقاومة رائحته اللّذيذة وطعمه الألذّ فشحذ مخيّلته وتفتّق عقله عن حيلة جهنّمية تمكّن بواسطتها من أن يأتي على معظم الدّبس قبل أن يصل إلى البيدر لتسليم معلّمه طعام اليوم. لكن بدل الدّبس والطّحينة كان سيّده لا يجد إلّا الطّحينة بمفردها في قعر الوعاء ممّا أثار حنقه على زوجته التي اعتقد أنّها تقوم عمداً بإرسال الطّحينة له من دون الدّبس وبعد تكرار هذا الحادث قرّر مواجهة زوجته وتأنيبها بشدّة بسبب ما تقوم به من عدم تلبية طلباته. وقد ختم الرّجل تأنيبه لزوجته بالقول: إذا كانت الأمور ستبقى هكذا فما أمامنا سوى الطّلاق والفراق…
بُهتت الزوجة المخلصة لهذا التّهديد، لأنّها لم تكن على علم بما يحصل وأنّ زوجها لم يكن يجد في القصعة سوى الطّحينة، أمّا الدّبس فكان يختفي تماماً، وهي كانت دائماً تردّ على تهديد زوجها بالإنكار الشّديد وكانت تُقْسم أيْماناً مغلّظة بأنّها لم تغفلْ يوماً عن إرسال الدّبس مع الطّحينة، وإن كانت لا تعلم ما الذي يحصل قبل بلوغه مكان زوجها، وفي يوم قالت له: لِمَ نستمرّ في هذه المشاحنات إذ ليس عليك سوى التحقّق والبحث عن سبب ذلك بنفسك”.
الزّوج لم يقتنعْ، ولم يكترثْ لقَسَم ويمين زوجته وكان غالباً ما يخاطب أقرانه وأصحابه بالقول: هل بإمكان أحد أنْ ينزع الدّبس عن الطّحينة؟ فالاثنان سائلان ممزوجان فوق بعضهما بعضاً، لكن يبدو لي أنّ في الأمر مَكيدة ما.
المرأة بدورها أعملت فكرها في الأمر خصوصاً بعد اتّهام زوجها لها ولهذا فهي اقتربت منه وقالت: جُلّ ما أرجوه أنّ تتحقّق من الموضوع أوّلاً عن سبب اختفاء الدّبس وأنا أصبحت مقتنعة معك بأنّ هناك مكيدة لم نعرف ملابساتها حتّى الآن.
بدأ الزوج يفكّر وانتبه إلى أنّ أجيره كان كلّما “احتدمت” بينه وبين زوجته يترك موقعه وينسحب بهدوء بعيداً في الحديقة، وكأنّ في الأمر شيئاً يخصّه أو خوفاً من السّؤال والجواب. لهذا لحق به ثم استدعاه إلى غرفته ليسأله عن سبب هربه وابتعاده عندما يعلو الخلاف بينه وبين زوجته. وقد أتّبع سؤاله بقدر من التّهديد بأنه ما لم يُصْدِّقه أجيره القول فإنّه سيطرده على الفور.
الأجير وجد الأمر في غاية الجديّة وخاف على مسيرة عمله ورزق عياله، لذلك قرّر أن يُفصح عن سوء عمله مهما تكن النّهاية، فاقترب من معلّمه ثم قال: سيّدي حقّاً إذا كان الكذب حجّة فالصّدق منجاة، لعن الله هذه النّفس الدّنيئة ومن يتبعها، لكن كما أنتم تحبّون وترغبون أكل الحلويات بعد الطّعام كذلك فإنّني أشتهي الحلوى، ولم أستطع أن أمنع نفسي من تناول الدّبس وحده لأنه عندي ألذّ حلو اً لا يقاوَم ويفوق في قيمته عندي الطّحينة التي تمزج معه.
قال معلمه: فهمت لكن أخبرني كيف توصلت إلى نزع الدّبس عن الطّحينة؟
أجاب الأجير: لقد تفتّقت مخيّلتي عن حيلة لا تخطر على بال بشر إذْ عمدت إلى قشة “فاقوع” فارغة من قلبها فكنت أغرسها في الوعاء المليء بالدّبس وفوقه الطّحينة وبهذا أصبحت أشفط الدّبس بمفرده لتبقى الطّحينة..
الرّجل استراح في محله؛ بعد أن قلب على ظهره من الضّحك لحدّة ذكاء هذا الأجير وشيطنته ثم قال: “والله والله لا يُجاريك في عملك هذا سوى الشّياطين والعفاريت، لأنّك بنزعك الدّبس عن الطّحينة كِدْت تُفْسدُ علاقتي بزوجتي الوفيّة وتخرّب بيتنا بعد طول السّنين.

مشاركة المقال

التعليقات

Leave a Reply

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اترك تعليقاً

Leave a Reply

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

المقالات ذات صلة

السابق
التالي

اكتشاف المزيد من Dhoha Magazine

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading