السبت, أيار 4, 2024

اشترك معنا للاطلاع والحصول على أحدث المقالات والأعداد

السبت, أيار 4, 2024

اشترك معنا للاطلاع والحصول على أحدث المقالات والأعداد

بحث ..

  • الكاتب

  • الموضوع

  • العدد

مشروع البحيرات في الشوف الأعلى

مشروع البحيرات في الشوف الأعلى
تجربة رائدة للنهوض الزراعي في لبنان

15 بحيرة وبركة لتجميع مياه الأمطار
تبعث الحياة في القرى وتعزّز ثقل الاقتصاد المحلي

بحيرات تجميع الأمطار في منطقة الشوف الأعلى بدأت تجارب متفرقة وتحوّلت مع الوقت إلى موجة وتسابق بين البلديات وحتى الأفراد على الاستثمار فيها، بعد أن ثبت دورها الحاسم في إحياء القطاع الزراعي وإقامة زراعة إقتصادية تعود على المنطقة بالعائد، كما توفّر في الوقت نفسه فرص العمل وتزيد من العوامل المحفّزة لبقاء المواطنين في قراهم وتنميتها وإعمارها.
وبسبب النجاح الذي حققته المبادرات الأولى التي قامت بتشجيع ودعم مباشر من وليد بك جنبلاط، فقد تكاثرت البرك في غضون سنوات معدودة ليبلغ عددها الآن نحو 15 بركة للريّ بمياه الأمطار، وهذا إضافة إلى البحيرة الطبيعية التي تمّ إنشاؤها في محمية أرز الشوف وبحيرة كبيرة أيضاً أنشئت في محمية أرز الباروك. وتحولت التجربة بذلك إلى إحدى أبرز حالات النهضة البيئية والزراعية في لبنان وباتت بسبب تطوّرها تحمل دروساً وخبرات يمكن نقلها إلى العديد من المناطق الجبلية المماثلة من شمال لبنان إلى جنوبه.
“مجلة الضحى” تسلّط في هذا التحقيق ضوءاً كاشفاً على هذه التجربة الرائدة، وعلى أهم النتائج التي أثمرتها على صعيد التنمية الريفية والزراعية في جبال الشوف.

ر مشروع إنشاء البحيرات وبرك تجميع مياه الأمطار في الشوف الأعلى أول محاولة جادة لوقف التدهور المتسارع في الاقتصاد الزراعي في الشوف، وما أدى إليه حتى الآن من تزايد موجات النزوح نحو الحواضر والمدن في الجبل أو في بيروت. وكان لهذا التفرغ المستمر للقرى أثر بالغ الخطورة على الاقتصاد الزراعي والريفي والوضع السكاني. وقد أصبحت القرى التي كانت آهلة وتعمل كخلايا النحل شبه خالية، وتحوّلت مصادر الرزق الأساسية من الزراعة والثروة الحيوانية إلى الوظيفة الحكومية أو المصالح أو التجارات الصغيرة التي تنشأ في الأسواق التجارية في الجبل أو في القرى أو خراج الجبل.
لكن تراجع الاقتصاد الزراعي في الجبل لا يعود فقط إلى تراجع الاهتمام به من قبل السكان، بل يعود أيضاً إلى عوامل عدة منها تزايد دور المحاصيل الاقتصادية المستوردة والقادرة على المنافسة بسبب استخدام التقنيات الحديثة، وكذلك تراجع الخبرات الزراعية. وأخيراً وليس آخراً تبدّل المناخ وتناقص الموارد المائية الطبيعية أو تزايد الطلب عليها بسبب الإستخدام الكثيف والتزايد السكاني ونمو العمران. من هنا فقد تحوّل موضوع توفير مصادر دائمة أو رديفة لمياه الري أمراً ملحا،ً وبدأت قبل سنوات التجارب الأولى لإنشاء برك تجميع الأمطار في الشوف الأعلى وتمّ اختيار المنطقة لوقوعها على سفوح سلسلة الجبال الغربية التي تشهد معدلات سقوط أمطار وثلوج في موسم الشتاء.
في هذا الصدد، يقول رئيس بلدية جباع المهندس رجا البتلوني الذي أشرف على الجانب التقني لإنشاء بعض البرك: “منذ عشرات السنين وكل قرى الشوف الأعلى تشكو من الإهمال على صعيد كل القطاعات الصناعية، الزراعية، والسياحية. ولأن البنى التحتية والمشاريع الإنمائية هي التي تبقي المواطنين في أرضهم، أدى غيابها الى نزوح أبناء الجبل الى المدينة وبالتالي إهمال العمل في القطاع الزراعي وتطويره”.
ويضيف أن الشح المتزايد في الموارد المائية دفع إلى إطلاق خطة لتطوير القطاع الزراعي بتوجيه ورعاية وليد بك جنبلاط انطلاقاً من تقديره بأن التغيّر المناخي أصبح أمراً واقعاً ولا بدّ من التحرّك لمكافحة نتائجه الداهمة. ومع هذا التوجّه بدأت فكرة إنشاء البرك الاصطناعية لتجميع المياه المهدورة، في ظل غياب تطبيق خطة مشاريع السدود التي كان مقرراً إنشاؤها في لبنان.

نزار هاني
للبرك فوائد غير منظورة أهمها السياحة والتوعية البيئية

رجا البتلوني
كل القرى تريد بحيرات ولكن نحتاج إلى تمويل

بحيرة جباع
بحيرة جباع

البداية في محمية أرز الشوف
كانت محمية أرز الشوف الرائدة على لائحة البرك الاصطناعية في المنطقة، إذ أنشئت أول بركة سنة 2000 في غابة عين زحلتا – بمهريه بكلفة 50 ألف دولار وبتمويل من السفارة اليابانية، ثم أقيمت بركة ثانية في غابة الباروك وهي بركة ضخمة جداً سعتها 90 ألف متر مكعب وبلغت كلفتها 360 ألف دولار أميركي تبرع بها النائب وليد جنبلاط.
بعد تلك المبادرات وتأكد الفائدة منها، بدأ العمل على إنشاء برك اصطناعية في بلدة مرستي. وحفّز نجاح التجربة على تعميم مشروع البرك على كل قرى الشوف الأعلى بتوجيه من النائب جنبلاط. وتحوّل الأمر إلى موجة أو تيار حقيقي مع مسارعة البلديات وعدد من الأفراد إلى تلقف الفكرة بعد أن وجدوا فيها حلاً عملياً وسبيلاً فعّالاً لإقامة الزراعات الإقتصادية في المنطقة.

النجاحات الأولية تعزز الحماس للتجربة
ويشير البتلوني إلى أن موجة إنشاء بحيرات تجميع الأمطار قويت بعد الـعام 2007، فأقيمت برك عامة تشرف عليها البلديات في عدد من القرى، وهي كناية عن برك زراعية سعتها نحو 10 آلاف متر مكعب (المساحة السطحية 1500 متر مربع، وعمقها ما بين 8 و9 أمتار)، تتم تغذيتها من الأمطار المتساقطة خلال فصل الشتاء، بسبب عدم وجود مجاري مياه دائمة. وهذا مع العلم أن معدل المتساقطات العام هو 800 ملم (80 سنتم)، وتقوم البلديات بفتح مجاري جانبية لتجميع المجاري والسواقي المؤقتة التي تكوّنها الأمطار بغية توجيهها نحو البرك.
وتتوزّع البرك على الشكل التالي: نيحا (واحدة انتهت وواحدة قيد الانشاء)، جباع (أربع برك)، مرستي (خمس برك)، بعذران (بركة واحدة)، الخريبة (ثلاث برك) المعاصر (بركة واحدة).
من هذه النقطة ينطلق البتلوني ليتحدث عن البحيرة التي أنشئت في محمية أرز الشوف، لافتاً الى أن الدافع لإنشائها كان الخوف من الحرائق، ومحمية الأرز هي الجانب البيئي الأبرز في المنطقة. ويشرح أن مساحة هذه البحيرة السطحية تصل الى 16 ألف متر مربع بينما يبلغ عمقها نحو 6 أمتار.

استخدامات البرك
ويلفت مدير المحمية نزار هاني أن الأمر الإيجابي كان إقامة البرك في مواقع هي عبارة عن حفر طبيعية مما وفّر تكلفة الحفر. أما عن الأهداف من إنشاء تلك البرك، فيلخّصها بثلاث نقاط:
1. الريّ، الاستخدام التقليدي، حيث يستفاد منها في إرواء مشاريع التحريج.
2. تأمين مياه للحياة البرية (الطيور والحيوانات) وحمايتها من المخاطر، خصوصاً في أواخر فصل الصيف وأوائل فصل الخريف، ففي فترة الجفاف تفتقر المحمية للمياه مما يدفع بالحيوانات الى التوجه نحو القرى، وبالتالي يعرضها لإعتداء الأهالي.
3. إخماد الحرائق (بواسطة الدفاع المدني والطائرات). وهنا يلفت هاني إلى أن البحيرة الثانية في الباروك يمكن استخدامها في اطفاء الحرائق وحتى سيارات الدفاع المدني قادرة على الوصول إليها والإفادة منها.
ويضيف هاني الى أن هناك استخداماً غير منظور للبرك يتمثل باستخدامها في نشاطات السياحة والتوعية البيئية، حيث أقيمت الى جانب كل بركة نقطة مراقبة للطيور والحيوانات البرية.
بالإضافة الى البرك العامة هناك نحو ثماني برك خاصة موزّعة على عدد من قرى المنطقة.

ماذا عن الجانب التقني لإنشاء هذه البرك؟
يقول البتلوني إن اختيار الموقع يجب أن يتم وفق معطيات تتمثل في أن يكون قريباً من مجاري مياه الأمطار، وأن تكون البرك على ارتفاع يسمح بتغطية الأراضي الزراعية بواسطة الريّ بالجاذبية، وأن تكون الأرض مهيأة لخزن المياه مما يتطلب فحصها. وأشار إلى أن نحو 6 أو 7 مواقع لبرك تجميع مياه الأمطار كانت مقالع رمل وتمّ تحويلها الى برك مياه وتشجير محيطها بأشجار الصنوبر.
ويلفت الى أنه في البرك التي يشرف عليها، تستخدم الأغشية العازلة Geomembrane من اللون الأبيض وبسماكة 1,5 ملم، لأن من خصائص هذا العازل عكس أشعة الشمس والتخفيف من التبخر إلى حدٍ كبير في الوقت الذي يرفع الغلاف الأسود من نسبة التبخر بشكل كبير.
تمتلئ البرك في آخر نيسان وتبقى حتى آخر الصيف. ويشير البتلوني الى أنه في جباع أنشئت البرك بطريقة تسمح بنقل المياه من بركة الى أخرى حسب الحاجة، مع الإشارة إلى ضرورة تصفية المياه من الأوحال والترسبات قبل إيصالها إلى بركة التجميع.

إحدى البحيرات في الشوف الأعلى copy
إحدى البحيرات في الشوف الأعلى copy
حفر البحيرة وتهيئة الأرض قبل تثبيت الفشاء العازل copy
حفر البحيرة وتهيئة الأرض قبل تثبيت الفشاء العازل copy

لكن ماذا عن التكلفة؟
يشرح البتلوني أن بركة لتجميع مياه الأمطار بسعة 10 آلاف متر مكعب تكلف نحو 100 ألف دولار تشمل حفر البركة وتأهيلها وتغليفها بالأغشية العازلة وإنشاء تصوينة ومد شبكات الريّ. ونظراً لعامل التكلفة فقد بات هم البلديات تأمين التمويلات اللازمة لتنفيذ هذه المشاريع، وذلك عبر السعي لدى الوزارات المعنية كوزارة الزراعة (من خلال المشروع الأخضر) أو مجلس الإنماء والإعمار أو هيئات المساعدة الأجنبية.
وبسبب العائق المالي فقد تمت تغطية تكلفة أول البرك في مرستي وجباع من عائد بيع الرمول الناتجة من حفرها. ولكن بعد الجدوى التي حققتها البرك قدمت بعض الجهات مثل الإتحاد الأوروبي والسفارة الإيطالية مساهمات وصلت الى 80% من تكلفة الإنشاء وغطّت البلديات الباقي. وتوزّعت المساهمات حتى تاريخه على الشكل التالي: الإتحاد الأوروبي ثلاث برك (واحدة في الخريبة واثنتان في نيحا)، السفارة الإيطالية بركتان (واحدة في الخريبة وأخرى في نيحا). كما ساهم مجلس الإنماء والاعمار بتمويل جزء من بركتين أنشئتا في بعذران والخريبة.
ويشير البتلوني الى أن البلديات تتكفل بتنظم الريّ وتوزيع المياه وصيانة الشبكة بما يضمن اِستفادة المزارعين من هذا المشروع، وهي توصل لكل مزارع نسبة متر مكعب واحد لكل دونم أرض، وما على المزارع سوى دفع كلفة الصيانة.
أما في ما يخص المنتجات فهي تشمل كل المزروعات وبشكل خاص الأشجار المثمرة والتفاح بدرجة أساسية. وعند سؤاله عن مدى التوجه نحو الزراعة العضوية، يقول البتلوني نحاول إرشادهم الى هذا النوع من الزراعات ولكن المسألة صعبة، فالمشرفون على الزراعة العضوية في لبنان يضعون شروطاً للإنتاج الزراعي العضوي، والتدابير اللوجستية المطلوبة مكلفة، معتبراً أن تطوير هذا العمل يتطلب إنشاء مركز للإرشاد الزراعي في المنطقة.
يبقى القول إن إنشاء البحيرات لا يتم عشوائياً، وكأي مشروع يتطلب دراسة لتقييم أثره البيئي. وعلى خلاف ما تداول البعض، يفيد هاني أن “ايكوديت” أجرت دراسة كاملة لتقييم الأثر البيئي للمشروع، وبناء على تلك الدراسة تم إنشاء البحيرة في المحمية.
وفي هذا السياق، يقول هاني النتيجة غير مضمونة، ولكن دائماً عندما نريد أن نقوم بفعل ما يكون هناك أولويات.

البحيرات في مرستي من الأقمار الصناعية
البحيرات في مرستي من الأقمار الصناعية
البحيرات وفرت مصادر مياه قريبة لمكافحة حرائق الغابات copy
البحيرات وفرت مصادر مياه قريبة لمكافحة حرائق الغابات

دروس التجربة
يعتبر هاني أن التجربة مشجّعة جداً وكذلك ردة فعل المجتمع المحلي والدليل هو في نمو الزراعات وانتشار الخضار في المنطقة مما يؤشر إلى أن الناس أصبحوا يهتمون بأرضهم أكثر من السابق.
من جهته، يقول البتلوني بعد تجربة امتدت لنحو أربع سنوات، لاقت البرك الاصطناعية أقصى درجات التجاوب من البلديات والمواطنين، الناس يريدون برك الري بقوة، وكل القرى تريد هذه البرك ولكن نحتاج الى تمويل، لافتاً الى أن هناك اتجاهاً لإنشاء بركة في مزرعة الشوف ولكن الأمر مرهون بتوفر التمويل.
ويتابع بحماس واضح: “تصوري تعطيهم مياه تعطيهم حياة”. والجيّد أنه أصبح هناك اهتمام جدّي من قبل الوزير حسين الحاج حسن الذي كان متجاوباً جداً لدرجة أنه قام بزيارة الى الشوف وأطلق مشروع إنشاء بحيرة في مرستي.
ويسأل البتلوني: هل هذا يكفي؟ وماذا نريد بعد؟ معبراً عن رأيه بضرورة مواكبة الإستثمارات التقنية والصناعية لهذا العمل، للسماح للقطاع الزراعي بالتطور، ولتأمين قيمة إضافية لهذا الإنتاج مما يستلزم:
1. إنشاء مراكز للتدريب والتثقيف والإرشاد الزراعي.
2. اِقامة سوق زراعية لتصريف الإنتاج في المنطقة وتخفيض الكلفة على المزارع.
3. إنشاء مركز توضيب وتبريد زراعي.
4. إيجاد صيغ لمساعدة المزارع بالأدوية والأسمدة الزراعية.
5. ويؤكد أن ذلك يعيد التوازن للقطاع الزراعي ويساهم في تمسك المواطن بأرضه.

ماذا حققت البحيرات؟

تبلغ سعة البحيرات الاصطناعية التي أنشئت في الشوف الأعلى حتى الآن نحو 300 ألف متر مكعب من المياه.
أما النتائج الاقتصادية التي حققتها فيمكن تلخيصها بالآتي:
1. ريّ نحو 250 ألف شجرة مثمرة.
2. استصلاح نحو 3000 دونم من الأرض مما ساهم في خلق فرص عمل، استثمار أراضٍ جديدة ومساحات واسعة من الأراضي البور، تحسين إنتاجية الأشجار البعلية، ومضاعفة الإنتاج الزراعي. ويشار إلى أن كل 120 متراً مكعباً من المياه تروي دونماً من الأرض، وكل دونم أرض يمكن أن يزرع فيه 70 شجرة مثمرة. وعلى سبيل المثال فقد تمّ في جباع خلال هذه الفترة (3 – 4 سنوات) استصلاح نحو 200 دونم من الأراضي وتمّ تشجيرها بالأشجار المثمرة خصوصاً التفاح، وذلك يسري على كل القرى الأخرى التي أنشأت بركاً لتجميع مياه الأمطار.
3. تساعد البرك بشكل ممتاز في اِطفاء الحرائق التي تزيد بشكل مخيف في لبنان.

مشاركة المقال

التعليقات

Leave a Reply

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اترك تعليقاً

Leave a Reply

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

المقالات ذات صلة

السابق
التالي

اكتشاف المزيد من Dhoha Magazine

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading