الجمعة, شباط 21, 2025

اشترك معنا للاطلاع والحصول على أحدث المقالات والأعداد

الجمعة, شباط 21, 2025

اشترك معنا للاطلاع والحصول على أحدث المقالات والأعداد

بحث ..

  • الكاتب

  • الموضوع

  • العدد

مقابلة مع المفكر

مقابلة مع المفكر الفرنسي الراحل تزفيتان تودوروف

«العيش خلف جدار يشوهك من الداخل»

الجدار الإسرائيلي إغتصب أراضي إضافية تعود إلى الفلسطينيين
وسياسة فصل الأراضي عن بعضها تذكر بجنوب أفريقيا العنصرية

الجدران الدفاعية فقدت فعاليتها بسبب إختراع المتفجرات
لكن حلّت محلها جدران معادية للمهاجرين الساعين لحياة أفضل

يعتبر تزفيتان تودوروف المفكر الفرنسي البلغاري الأصل من أبرز الكتّاب الإنسانيين الذين عاشوا في أوروبا وكان له تأثير كبير في الأوساط الأكاديمية وأوساط المثقفين كإنسان منفتح وذي نزعة علمانية.
إهتم بعلم الأنتروبولوجيا والفلسفة والنقد الأدبي وعلم الإجتماع، وشغل منصب مدير المعهد الوطني للأبحاث العلمية في باريس العام 1968 قبل أن يصبح مديراً فخرياً له. عمل كأستاذ زائر في عدد من الجامعات الدولية والأميركية منها جامعة هارفرد وييل وكولومبيا وجامعة كاليفورنيا وجامعة بركلي، نشر 21 كتاباً من بينها كتابه عن “شاعرية النثر” و”غزو أميركا”، كما نشر كتاباً حول أخلاقيات معسكرات الإعتقال النازية والستالينية وكتاباً عن “الخوف من البرابرة”: La Peur des barbares (2008) وكتاب”الأثر الإنساني” La Signature humaine (2009)، وهو عضو في هيئة تحرير مجلة Books.
ولد تودوروف في بلغاريا في العام 1939 أول آذار وتوفي مؤخراً في 7 شباط 2017 عن عمر يناهر 77 عاماً. وبهذه المناسبة نعرض هنا لمقابلة أجرتها معه مجلة Books تناولت رأيه في الحواجز المتزايدة بين الإنسانية والجدران الفاصلة وكره الأجانب. وفي ما يلي نص المقابلة كما ترجمها الأستاذ نبيل أبي صعب.

> منذ سقوط جدار برلين في عام 1989، فإن العديد من الجدران الهادفة للفصل بين السكان جرى بناؤها أو هي قيد الإنشاء في العالم. هذه الجدران ألا تشهد جميعها، بطريقة أو بأخرى، على هذا “الخوف من الأغراب” الذي هو عنوان كتابك الأخير ؟
في الواقع، لست متأكداً من أن لنا مصلحة في توحيد جميع الأسئلة التي تطرحها الجدران المختلفة التي، هنا أو هناك، تفصل السكان في ما بينهم. الأهداف المادية من الجدران تشمل وظائف متنوعة جداً. حائط برلين، إذا ما بدأنا به، ينتمي إلى فئة نادرة. فبينما كانت معظم الجدران تهدف إلى منع الأجانب من الدخول إلى البلد، كان ذلك الجدار يهدف على العكس من ذلك إلى منع سكان البلاد من الذهاب إلى الخارج. هذا الجدار كان الجزء المجسد، المحسوس من الستار الحديدي، سور سجن أقامته الحكومات الشيوعية حتى لا تتمكن شعوبها من الهرب، لم يستخدم لحماية السكان المدنيين بل لحبسهم.
فئة أخرى من الجدران، تمثلها تمثيلاً جيداً الجدران الحدودية بين البلدان التي كانت في حالة حرب، هذه هي اليوم حال الأسوار التي تفصل بين الكوريتين، وبين الهند والباكستان في كشمير، أو بين الجزءين اليوناني والتركي من قبرص. لقد توقفت المعارك، ولكن لم يتسنّ بعد إقامة السلم، فكل فريق يحتمي إذاً خلف حاجز منيع.

> جميع الجدران الأخرى، مع ذلك، ألا تعكس الخوف من الغريب، أو حتى من الآخر؟
جدران الحماية هي في الواقع أكثر انتشاراً وقد لعبت دوراً بالغ الأهمية في الماضي البعيد، في ذلك العصر حيث تدمير جدار كان عملاً صعباً. من هنا جدار هادريان الحامي للإمبراطورية الرومانية أو سور الصين العظيم، وكذلك أيضاً التحصينات المحيطة بالمدن في القرون الوسطى. هذه الجدران، التي خدمت الدفاع العسكري، هُجرت تدريجياً لأن التقدم التقني (وعلى الأخص المتفجرات) جعلها غير مجدية.
لكن ظهر نوع جديد من الجدران منذ بضعة عقود باتت السمة المميزة لعصرنا: وهذه هي الجدران المعادية للمهاجرين، المخصصة لمنع الفقراء من دخول البلدان الغنية للحصول على حياة أفضل. أضخم تلك الجدران هو ذلك المبني بين الولايات المتحدة والمكسيك فهو يقطع القارة الأميركية إلى نصفين، ثم هناك الجدار العازل حول الجيوب الإسبانية في شمال أفريقيا، حول سبتة ومليلية.
إلى هذه القائمة ينبغي إضافة جدران ذات قياسات أصغر تهدف إلى حماية حي ما، لأسباب عسكرية (كما المنطقة الخضراء في بغداد) لكن أيضاً بسبب الخوف المتولد عن القرب من حي فقير وسيىء السمعة، كما هي الحال في بادو. أسوار الحماية المقامة حول بعض المساكن الفاخرة تشكّل تبايناً مثيراً ضمن هذه الفئة الأخيرة: إنها غيتوهات ذهبية، حيث السكان أنفسهم هم من اختاروا سجن أنفسهم داخلها.

لماذا لم تذكر الجدار الذي كثيراً ما يُحكى عنه، الجدار الذي بنته إسرائيل في الضفة الغربية؟
ذلك لأن هذا الجدار لا يشبه أي جدار آخر، من حيث إنه يقوم بالعديد من المهام في نفس الوقت. فهو، أولاً، ورسمياً، حاجز حماية من الهجمات التي يشنّها مقاتلون قادمون من فلسطين. لا بدّ أن نأسف بالطبع لأنه لم يتم إيجاد أية وسيلة أخرى لحلّ النزاع بين الشعبين، ولكن يجب أن نقرّ أيضاً أن الهجمات انخفضت منذ إنشاء هذا الجدار بنسبة 80 %، مع ذلك، فإن دور هذا السور لا يقتصر على ذلك فهو مثلاً، لم يبنَ على الحد الفاصل بين المنطقتين، أي فوق ما يسمى “الخط الأخضر”، بل فوق أراض فلسطينية مغتصب منها في بعض الأماكن عشرات الأمتار، إلى عشرات الكيلومترات في أماكن أخرى. هذا الجدار، الذي بني من مواد صلبة، يستبدل إذاً الحدود القديمة (لا يسمح للفلسطينيين بالانتقال إلى أراضيهم في الجانب الآخر)؛ وظيفته الثانية كانت ضم جزء من الأراضي الفلسطينية، ولكنها ليست الأخيرة، لأن بناء هذا الجدار لا ينفصل عن سياسة احتلال الأراضي، التي تقوم على ربط المستعمرات التي أقيمت داخل فلسطين في إسرائيل، بواسطة الطرق المخصصة، ومناطق الفصل ومراكز المراقبة باتت الآن قطع الأرض الفلسطينية المختلفة، حيث يجد السكان الصعوبة القصوى في التواصل في ما بينهم، تشبه البانتوستانات التي تمّ إنشاؤها في عهد الفصل العنصري في جنوب أفريقيا. ما كان من المفترض أن يكون مجرد جدار حماية أصبح في الوقت نفسه منظوراً إليه من الجانب الآخر، جداراً للفصل، وجداراً للسجن، وله بالتالي وظيفة سياسية أيضاً: جعل موضوع إقامة دولة فلسطينية ذات سيادة وصالحة للعيش، جنباً إلى جنب مع إسرائيل، امراً غير قابل للتحقيق.

الجدار المرئي لا يكون أحياناً إلا الجزء “الصلب” من جدار غير منظور أو افتراضي. وهكذا، فإن الجدران المقامة حول الجيوب الإسبانية في سبتة ومليلية هي نقطة تثبيت لما يدعوه الأوروبيون الشرقيون “جدار شنغن”، وهو إجراء يهدف للسيطرة على الهجرة إلى أوروبا. ألا تلعب الجدران الافتراضية (أو القانونية) دوراً هاماً مثل الجدران المرئية؟
الجدران غير المرئية هي الحدود التي يُراد منها ألا تكون قابلة للإجتياز؛ وهي أطول بكثير من الجدران المبنية من الطوب أو الحجر أو المعدن. هكذا كانت الحال حول الكتلة السوفياتية قبل عام 1989: جدار برلين لم يكن إلا جزءاً صغيراً فقط من الستار الحديدي، الذي، مع أنه كان غير مرئي، لم يكن أقل قسوة. في الوقت الذي كنت أعيش في بلغاريا (حتى عام 1963)، لم يكن أيّ من السكان قادراً على اختراق الستار من دون إذن: كانت دوريات الحدود تطلق النار فوراً. جميع الأنباء الواردة من الجانب الآخر كانت تخضع للمراقبة، كان من غير الممكن تصور الاتصال بالخارج، لم يكن أحد يستطيع أن يقرأ من الصحافة الغربية إلا الشيوعية (حصراً)، أما المحطات الإذاعية الأجنبية فقد كان يتمّ التشويش عليها عندما كانت تبث باللغة البلغارية.

“موجات الهجرة الجديدة هي من أهم نتائج العولمة والفارق الهائل في الأجور بين الدول الفقيرة والغنــــيّة”

سبتة ومليلية
الجدران الصغيرة المحيطة بمدينتي سبتة ومليلية يجري إطالتها بوسائل أخرى. لماذا تبني جداراً عندما تكون أرضك يحدّها البحر؟ وبالمثل، ألا تضاعف الولايات المتحدة الجدار الحدودي مع المكسيك مع أنه يمكنها أن تعتمد على نهر ريو غراندي أو صحراء أريزونا لثني المرشحين عن الهجرة. الأفارقة الذين يسعون إلى الدخول إلى أوروبا يحاولون اليوم النزول في جزر: جزر الكناري، لامبيدوزا، مالطة. الدول الأوروبية تستثمر في أجهزة الرصد، من قوارب وطائرات، ورادارت وكاشفات بالأشعة تحت الحمراء أكثر مما تستثمر في بناء الجدران. إجراءات المراقبة الدقيقة التي تجري في مطار رواسي تشارك أيضاً في هذا الجدار غير المرئي، ولكن إذا ما أصبحت الهجرة القادمة من الشرق، عبر تركيا، وأوكرانيا، وبيلاروسيا أو روسيا، أكثر كثافة، أي من الجهة التي لا تحيط البحار بأوروبا، فمن غير المستبعد أن نشهد بناء جدران مادية جديدة ، جدران جديدة من الأسلاك الشائكة.

الجدار العازل في فلسطين - فصل عنصري وغطاء لاغتصاب الأرض
الجدار العازل في فلسطين – فصل عنصري وغطاء لاغتصاب الأرض

أليس من الغريب أن نرى إقامة هذه الجدران الحقيقية والافتراضية، في حين أننا نعيش وقت “العولمة” بإمتياز؟
من بين جميع الفئات التي تحدثنا عنها، ثمة فئة واحدة حديثة حصرياً: الجدران المناهضة للمهاجرين. والحال فإن هذه الجدران متعايشة جوهرياً مع العولمة: ولا توجد أية مفارقة هنا. في السابق، لم يكن فلاح مالي يخطط للذهاب إلى باريس، وفلاح هندوراس لم يكن يفكر في الانتقال للإقامة في لوس أنجلوس: كانا لا يعرفان أن هذه الأماكن موجودة أصلاً. اقتضى أن يحدث هذا الترابط الحالي الملحوظ بين أجزاء مختلفة من العالم من أجل أن يولد الحلم. في الوقت الحاضر، المنتجات المصنوعة في الشمال تنتقل بحرية إلى الجنوب، وأكثر من ذلك المعلومات والصور. الجدران المناهضة للمهاجرين هي ردّ فعل الأغنياء على نتائج العولمة على الفقراء. ردّ الفعل هذا، هذا “الخوف الجديد من الأغراب”، أمر مؤسف. إنه غير فعّال، لأنه يتصرف ضد الآثار من دون أن يهتم بالأسباب. . ولكن السبب واضح: إنه الفرق في أجر العمل، الذي يصل، بين الجنوب والشمال، من 1 إلى 10 أو من 1 إلى 100.
طالما سيظل هذا التفاوت قائماً، فإن الفقراء سوف يحاولون بكل الوسائل، المجيء إلى بلاد الأغنياء لأنها فرصتهم الوحيدة للبقاء على قيد الحياة. وسيكونون مستعدين لتحمل كل المخاطر – السير على الأقدام لمدة أسابيع فوق رمال الصحراء الحارقة، وأن تتقاذفهم لأيام وأيام أمواج البحر في قوارب الحظ… ولأنهم يقامرون بشرفهم: فإن هؤلاء الرجال مضطرون للبحث عما يطعم نساءهم وأطفالهم الذين ظلوا في البلد. فإذا لم ينجحوا بإحدى الطرق، فسوف يبحثون عن أخرى، أكثر خطراً بالنسبة لهم ولكن أيضاً، وفي نهاية المطاف بالنسبة لنا، بسبب زيادة الإستياء الناجم عن ذلك. ينبغي إذاً أن نبذل قصارى جهدنا للمساعدة على رفع مستوى المعيشة في بلادهم، لأن ذلك من مصلحتنا: سواء أحببنا ذلك أم لا، فإننا نعيش في عالم واحد. لن يكون الأمر سهلاً (فالفساد غالباً ما يسود بين النخب الحاكمة في البلدان الفقيرة)، لكنه يستحق المحاولة. المال الذي ننفقه على مراقبة الحدود وفي تشييد الجدران سيُثمر أضعافاً مضاعفة من خلال التعاون.
وبالإضافة إلى ذلك، يجب أن نحاول تغيير علاقتنا مع الأجانب في بلادنا، لأنهم إذا ما تمتعوا بحرية حركة أوسع، فإنهم ربما سيعودون في أغلب الأحيان إلى بلدهم الأصلي، ويفيدونه من معارفهم المكتسبة في أماكن أخرى. أولئك الذين يبقون لا يهددون بقاءنا: فالهوية الثقافية لشعب ما لا تظل إطلاقاً غير قابلة للتغيير، وحدها الحضارات الميتة فقط تتوقف عن التغيير. أوروبا الشائخة تحتاج إلى مدد من فئة سكانية فتية ونشطة.
عمل كبير يجب إذاً المبادرة إليه: التعاون مع الآخرين عندما يكونون في بلادهم، والتكامل عندما يستوطنون في بلادنا- لأن العولمة حركة لا رجعة فيها. ينبغي الشروع في عمل مشترك على مستوى الاتحاد الأوروبي، على أمل أن تكفّ شعوبه عن الإصغاء لشعارات التخويف التي يروجها أقصى اليمين الذي يزدهر هنا أو هناك، بما في ذلك في فرنسا، كما تدلّ على ذلك وزارة الهوية الوطنية وتشريعاتها المضحكة التي تريد أن تحول إلى جريمة عدم الوشاية بالأجنبي أو إكرام وفادته.

عند قراءة التاريخ الطويل، نرى أن الجدران آيلة للسقوط، كما جدار برلين، أو سيتم الإلتفاف حولها كما حصل لخط ماجينو إبان الحرب العالمية الثانية، أو لفقد مبرر وجودها، كسور الصين. هل ترى سبباً للتفاؤل بشأن مصير الجدران الحالية؟
معرفة أن جميع الجدران آيلة للسقوط يوماً ما هو عزاء هزيل لأولئك الذين يعانون منها. ينبغي قياس أثرها بمقياس الوجود البشري، وليس بمقياس التاريخ، وأقل من ذلك بمقياس التآكل الطبيعي. سقط جدار برلين بعد أربعة وأربعين عاماً من قيام الاتحاد السوفياتي ببناء الستار الحديدي حول البلاد التي احتلها في الحرب العالمية الثانية. أربعة وأربعون عاماً من الإختناق داخل سجن بسماء مفتوحة. والحال فإن كلاً منا له حياة واحدة فقط! لا يمكن أن نتظاهر كما لو أن السجن غير موجود وأن نعيش بإنتظار التغيير- ولاسيما وأن النظام العالمي القائم مبني ليستمر قروناً وقروناً، والجدران، حتى لو كانت قابلة للسقوط، تعيش أطول بكثير من الأشــخاص.
إضافة إلى ذلك، أن تكبر وراء الجدران يشوهك من الداخل، سينتهي بك الأمر في نهاية المطاف إلى نسيان أن هناك ما هو خارج السجن؛ أو، نادراً، أن تغذي كراهية لهذا السجن لدرجة يمكن أن تجتاح كيانك وأن تفقد كل إحساس بالفروق الدقيقة وأن لا ترى في ما حولك إلا الأبيض أو الأسود. ليس هناك ما يدعوك للطمأنينة: فالجدران، حتى لو كانت قابلة للسقوط، تعيش أطول بكثير من الأشخاص.

كتاب تودوروف حول التجربة التوتاليتارية
كتاب تودوروف حول التجربة التوتاليتارية

> عند قراءة التاريخ الطويل، نرى أن الجدران آيلة للسقوط، كما جدار برلين، أو سيتم الإلتفاف حولها كما حصل لخط ماجينو إبان الحرب العالمية الثانية، أو لفقد مبرر وجودها، كسور الصين. هل ترى سبباً للتفاؤل بشأن مصير الجدران الحالية؟
معرفة أن جميع الجدران آيلة للسقوط يوماً ما هو عزاء هزيل لأولئك الذين يعانون منها. ينبغي قياس أثرها بمقياس الوجود البشري، وليس بمقياس التاريخ، وأقل من ذلك بمقياس التآكل الطبيعي. سقط جدار برلين بعد أربعة وأربعين عاماً من قيام الاتحاد السوفياتي ببناء الستار الحديدي حول البلاد التي احتلها في الحرب العالمية الثانية. أربعة وأربعون عاماً من الإختناق داخل سجن بسماء مفتوحة. والحال فإن كلاً منا له حياة واحدة فقط! لا يمكن أن نتظاهر كما لو أن السجن غير موجود وأن نعيش بإنتظار التغيير- ولاسيما وأن النظام العالمي القائم مبني ليستمر قروناً وقروناً، والجدران، حتى لو كانت قابلة للسقوط، تعيش أطول بكثير من الأشــخاص.
إضافة إلى ذلك، أن تكبر وراء الجدران يشوهك من الداخل، سينتهي بك الأمر في نهاية المطاف إلى نسيان أن هناك ما هو خارج السجن؛ أو، نادراً، أن تغذي كراهية لهذا السجن لدرجة يمكن أن تجتاح كيانك وأن تفقد كل إحساس بالفروق الدقيقة وأن لا ترى في ما حولك إلا الأبيض أو الأسود. ليس هناك ما يدعوك للطمأنينة: فالجدران، حتى لو كانت قابلة للسقوط، تعيش أطول بكثير من الأشخاص.

كل هذه الجدران التي نتحدث عنها، الحقيقية أو الافتراضية، ترمز دائماً الى الخوف من الآخر. أليس هذا الخوف جزءاً مما يسمى طبيعة الإنسان؟ أليست الإنسانية محكومة إذاً بعقلية بناء الجدران؟
طبيعة المجتمعات البشرية نفسها، وكذلك أيضاً طبيعة الحيوانات العليا، هي أن تقيم علاقات مع المجتمعات الأجنبية من نفس النوع، والخوف أحد ردود الفعل المحتملة في ظل هذه الظروف، إلا أنه أبعد من أن يكون الوحيد فقط. عندما تتلامس اثنتان من المجموعات البشرية، وتتباين مصالحهما، فإنهما تستطيعان، بطبيعة الحال، أن تختارا الانفصال: سواء بالتباعد، أو بتشييد جدار ما، ويمكنهما أيضاً، وهذا أسوأ ما في الأمر، الدخول في حرب قد تكون نتيجتها إبادة الخصم أو خضوعه الكامل (هنا فرض علاقة السيطرة هو الذي يسمح بوقف الحرب)، ولكن انطلاقاً من تباين المصالح نفسها، يمكنهما أيضاً الإنخراط في تفاوض ما، وهو أمر ينطوي على تقديم تنازلات متبادلة من الجانبين، والتفاوض يأخذ ألف شكل وشكل، المشترك بين كل أنواع التفاوض هو تجنّب الانزلاق إلى القطيعة، أو الحرب أو الخضوع، بسبب الخوف من الآخر، والتفاوض هو من طبيعة الجنس البشري، لأنه يفترض مسبقاً استخدام اللغة والأخذ في الاعتبار عامل الزمن، سواء في ما يتعلق بالماضي أم بالمستقبل.

مقابلة أجرتها مجلة Books.
ترجمة : نبيل أبي صعب

مشاركة المقال

التعليقات

Leave a Reply

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اترك تعليقاً

Leave a Reply

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

المقالات ذات صلة

السابق
التالي