ممّا لا شك فيه، أنّ دولة الاحتلال الصهيوني التي قامت على أرض فلسطين العربية عام 1948، كانت بمثابة كيان استعماريّ استيطانيّ توسّعيّ عنصريّ، وبالطّبع، إنَّ كلّ كيان قام على هذا الأساس سيفرز قوانين ذات طابع عنصريّ، بل تنضح بالعنصرية. حيث إنّ أيّة دولة قامت على الجثث والمجازر والدماء، فإنّها لا تعرف السَّلْمِ والسّلام، ومستحيل أن يكون لهما وجود في قاموسها الإجرامي. ولم يكن «قانون الجنسيّة الإسرائيلي» إلّا أحد هذه القوانين التي أفرزها وجود هذه الدولة في وطننا العربي، وفوق بقعة غالية من أرضه، هي فلسطين. (وهكذا هو حال «قانون القومية اليهوديّة» الابن…). فكيف وُلِد هذا القانون (قانون الجنسيّة الإسرائيلي)؟ وما هي طبيعته؟ وما أبرز التعديلات التي أُدخلت عليه؟ وماذا عن موقع العرب الفلسطينيين فيه، لا سيّما موقع أبناء طائفة الموحّدين الدروز في فلسطين وفي هضبة الجولان السورية المحتلّة؟ وكيف تمّت مواجهته ومقاومته ولا تزال عبر الوسائل والطرق المختلفة؟
ولادة قانون الجنسيّة الإسرائيلي: لمحة تاريخيّة
قانون الجنسية لأيَّة دَوْلة هو التشريع الذي ينظّم العنصر السكّاني فيها وفقاً للمبادئ والسياسات الأيديولوجية لتلك الدّولة. وقانون الجنسيّة الإسرائيلي لا يخرج عن هذه القاعدة. وإذا كان التّعريف الرّسمي (لدولة إسرائيل) أنها «دولة الشّعب اليهودي»، فإنَّ قانون الجنسيّة الإسرائيلي جاء ليؤكّد «يهوديّة» العنصر السكّاني للدولة، وبالتالي يحافظ على صفة الدولة كدولة يهوديّة. هذا هو الأساس الأيديولوجيّ لتشريع الجنسية الإسرائيلي.
وقد قدّم وزير الداخلية الإسرائيلي مشروع قانون الجنسية الإسرائيلي إلى الكنيست الأوّل في 3/7/1950. ولكنّ تأجّل البتّ في أمره بسبب حلّ الكنيست. وحين قُدِّم المشروع ثانية إلى الكنيست الثاني في تموز 1951. قام دافيد بن غوريون، رئيس الوزراء، بشرح النقاط الرّئيسة للمشروع الذي اعتبره مكمّلاً لقانون العودة، وبيّن: «أنَّ هذين القانونين معاً هما العهد الذي وَعَدنا به كل يهودي في المنفى…، وأنَّ إسرائيل ليست دولة يهوديَّة فقط، لأنَّ أغلبية السكّان من اليهود، ولكنّها دولة لجميع اليهود حيثما وُجدوا، ولكلّ يهودي يرغب في المجيء إلى هنا… إنَّ هذا الحق موروث لليهودي لمجرّد كونه يهوديّاً». وأكَّد بن غوريون أنَّ (إسرائيل) لم «تُنشئ» لليهود حقّاً بالعودة إليها، ولكنها، «تُعلنه» فقط، إذ إنَّ هذا «الحق سابق لدولة إسرائيل».
أقرّت الكنيست مشروع القانون بأغلبية 43 صوتاً ضد 17، وكان ذلك في أوّل نيسان 1952، وأصبح القانون نافذ المفعول في 14/7/1952. يتّصف قانون الجنسيّة الإسرائيلي بصفتين رئيستين هما: ازدواج الجنسيّة، والصّفة العنصريّة.
وبعد قيام (دولة إسرائيل) اتَّخذ مبدأ وحدة «الشعب اليهودي» بُعْداً سياسيّاً وقانونياً أكثر وضوحاً، ولكنّه في الوقت نفسه أشد ازدواجية. أَعلنت الوكالة اليهودية (إسرائيل) عام 1948 دولة لجميع اليهود وليست فقط لليهود الذين يقطنون فيها. وتأكّد هذا الشعار السياسي في سَنِّ قانون العودة عام 1950 الذي أعطى لكلّ يهودي الحقّ في «العودة» إلى (إسرائيل)، دافيد بن غوريون، قال: «حين نقول أُمّة يهودية واحدة فإنّه يجب علينا ألّا نهمل حقيقة أنّ هذه الأمة اليهودية موزّعة في جميع أقطار العالم، وأنّ اليهود الذين يعيشون في الخارج هم مواطنون في الدّول التي يعيشون فيها… أمّا نحن، أولئك الذين انتهت هذه الازدواجية بالنسبة لهم وأصبحوا
مقيمين في دولة إسرائيل… فإنَّه يجب علينا ألّا نهمل وضع هؤلاء اليهود الذين ليسوا بيننا». وبرغم هذه السياسات المُعلَنة على وحدة «الشعب اليهودي»، وعلى «إنهاء الازدواجية» بالهجرة إلى (دولة إسرائيل) جاء تشريع الجنسية الإسرائيلي لعام 1952 مشجّعاً لهذه الازدواجية. في ضوء ذلك نتساءل: لماذا جاءت طبيعة هذا القانون عنصريّة فاقعة؟ وما أبرز التعديلات التي أُدخلت عليه، وهل طالت الطبيعة العنصريّة له أم زادتها حِدّة ووقاحة؟
من هنا نستطيع القول: إنّ دولة تتّخذ شعاراً لها: «اليهود شعب الله المختار»، لا يمكن بأيَّة حال من الأحوال أن تتعاطى مع «الآخرين» باللِّين والحُسنى والديمقراطيّة، مهما أطلقت من شعارات ديمقراطية، ومهما ادّعت أنها تمثّل «واحة ديمقراطية» في هذا الشرق. إذ إنّ إطلاق الشّعارات شيء، وتطبيقها على أرض الواقع شيء آخر. فكيف بالأحرى إذا كان الشعار التاريخي لهذه الدولة، مدعوماً بقانون يتّخذ صفة «الشرعيّة»؟ سيكون التمييز العنصري هو الجوهر والأساس فيه ولا شك، ولا شيء غير ذلك. فكيف تتجلّى صفة العنصريّة في قانون الجنسيّة الإسرائيلي؟
ينصّ القانون على منح الجنسية الإسرائيلية للمقيمين من غير اليهود الذين كانوا مواطنين فلسطينيين ومسجّلين بموجب مرسوم تسجيل السكّان الصادر عام 1949. قال أحد النواب، أثناء مناقشة المشروع في الكنيست، إنّه لو تم تطبيق هذه الشروط لما حصل إلّا 10% من العرب الموجودين في (إسرائيل) على حق التجنّس لأنّه من الصّعب جدّاً توفّر شرط «الإقامة». وعدد قليل من الفلسطينيين كانوا يحملون جوازات سفر في عهد الانتداب. أمّا أولئك الذين كانوا يحملون هويّات شخصية فإنَّهم إمّا فقدوها أو سلموها للقوات الصهيونية أثناء الحرب. كما أنّ الكثيرين من العرب كانوا قد استُثنوا من عمليات تسجيل السكّان، لأنه كان هناك «محاولة متعمّدة لعدم تسجيل قرى عديدة». لهذه الأسباب اقترح النّواب المعارضون منح الجنسية الإسرائيلية لجميع الفلسطينيين الذين كانوا في البلاد بصورة شرعيّة. إلّا أنّ هذا الاقتراح هُزم.
كما نصّ القانون على شرط آخر مُؤدّاه أنّه يجب على الفلسطيني الذي يريد الحصول على الجنسية الإسرائيلية أن يكون مُلمّاً باللغة العبرية. وقد احتجّ بعض النواب على هذا الشرط لأنّ اللغة العربيّة كانت لغة رسمية في عهد الانتداب ولذلك اقترحوا حذف هذا الشرط، أو إعطاء اللغة العربية مركزاً مساوياً للعبرية. وقد أخذ القانون بالحل الأول.
وبقي على الفلسطيني الذي يريد الحصول على الجنسية الإسرائيلية أن ينال «استنساب»: وزير الداخلية صاحب الصلاحيات الواسعة بموجب القانون.
لقد دافع المؤيّدون للقانون عن الصفة العنصرية فيه، وحاولوا تبريرها، فقال حاخام صهيوني «إنّ الجنسيّة الإسرائيليّة بالنسبة إلى اليهود ما هي إلّا «استعادة لشيء مفقود» ولذلك فإن استعادتها «تلقائية». أمّا بالنسبة للآخرين فليس الأمر كذلك. وأقرّ حاييم كوهين، وزير العدل آنئذ، أنّ التمييز العنصري الوارد ليس سببه قانون الجنسية أو قانون العودة. إلّا أنّ الوزير أغفل أنّ قانون العودة أصبح جزءاً لا يتجزَّأ من قانون الجنسيّة. وحاول هذا الوزير أن يعطي تفسيراً آخر، فقال: «إنَّ أي تمييز في القانون ليس عنصريّاً بل أُريدَ به أن يميّز بين الذين يُعتَبرُ ولاؤُهم لإسرائيل أمراً مفروغاً منه والآخرين الذين عليهم إثبات ذلك».
والمعروف أنّ هذا القانون الذي صدر عام 1952، أُدخلت عليه تعديلات واسعة: التعديل الأول عام 1958، والتعديل الثاني عام 1968، والتعديل الثالث عام 1971، والتعديل الرابع عام 1980… لكنّ هذه التعديلات لم تُحدِث ما كان مُتوقَّعاً منها لجهة «التخفيف من عنصريّتها»… بل ما جرى هو العكس تماماً. كما تمّ اللَّعب على الكلام في بعض العبارات حيث «استَخدم القانون كلمة (البلاد)، وفي هذا إشارة إلى أنَّ المقصود من ذلك هو فلسطين كلها، وليس (إسرائيل) فقط. كما يلاحَظ أنّ القانون استخدم كلمة «شخص» علماً بأنَّ المقصود هو كلمة «يهودي» لأنَّ هذه المادة بالذات خاصة باليهود حصراً.
أمّا على صعيد تطبيقات قانون الجنسيّة الإسرائيلي، فقد عدّد قانون الجنسية ستّ طرق لاكتساب الجنسيّة الإسرائيليّة. إلّا أنَّه يمكن تصنيف هذه الطرق السّت إلى فئتين: الأول تتعلّق باليهود والأخرى بغير اليهود. وهكذا فإنّ قانون الجنسية الإسرائيليّ يتضمن عمليّاً تشريعين متميّزين للجنسية، ولكلٍّ منهما إجراءات مختلفة عن الآخر، ونشأت عن كلٍّ منهما نتائج تطبيقيّة مختلفة.
فعن إجراءات اكتساب الجنسية لليهود: يكتسب اليهودي المهاجر حق الجنسية الإسرائيلية بحكم «العودة» أمّا الإجراءات الواجب على اليهودي أن يتخذها للحصول على الجنسيّة فهي أن «يعود» إلى (إسرائيل)، أو يعبّر عن رغبته في الاستقرار في (إسرائيل) إذا كان خارج حدودها. ولم يُشِر القانون إلى أيّة إجراءات أخرى. وبموجب القانون يكتسب اليهودي المهاجر إلى (إسرائيل) الجنسية الإسرائيلية «فوراً» بمجرد دخوله (إسرائيل). أمّا الجنسية الاسرائيلية لغير اليهود: لأغراض قانون الجنسية، يشمل تعبير «غير اليهود» نظريّاً الفلسطينيين الذين ظلّوا في (إسرائيل) بعد قيامها، وغير الفلسطينيين. ورسم القانون لكل فريق طريقاً خاصّاً به لاكتساب الجنسية. وأما من الناحية العمليّة، فإنَّ إجراءات التجنُّس لغير الفلسطينيين هي تقريباً بدون معنى، لأنّ (إسرائيل) لا تمنح حق الإقامة فيها لغير اليهود بسهولة. لذلك يقتصر البحث على الفلسطينييِّن المقيمين في (إسرائيل).
اكتساب الجنسية للفلسطينييِّن
في حين يكتسب اليهودي المهاجر، أو الذي يعبّر عن رغبته في الهجرة إلى (إسرائيل)، الجنسية الإسرائيلية فوراً وتلقائيّاً وبدون اتخاذ أيّة إجراءات، يلزم الفلسطيني وحده باتّباع إجراءات التجنُّس الشائكة التي حددها القانون في المادة الثالثة. وعلى الفلسطيني أن يتقدّم بطلب إلى السلطات الإسرائيلية، وأن يكون مستوفيَاً للشروط التي حددها القانون. ومع ذلك فإنَّ استيفاء تلك الشروط لا يعطيه الحق باكتساب الجنسية الإسرائيليّة حُكماً، إذ عليه أيضاً أن يحصل على موافقة وزير الداخلية. وإذا قرر الوزير رفض الطلب، فإنّ قراره قطعي وغير قابل للطَّعن.


نتائج تطبيق القانون على الفلسطينيين
هناك ثلاث نتائج مباشرة ترتَّبت على إصدار وتطبيق قانون الجنسية الإسرائيلي وتأثّر بها الفلسطينيون:
أولاً: التجريد من الجنسية: فبعد قيام (دولة إسرائيل) توقَّف العمل بقانون الجنسية الفلسطيني الصادر عام 1925. وحتى صدور قانون الجنسية الإسرائيلي عام 1952 استقر اجتهاد المحاكم الإسرائيلية على اعتبار الفلسطينيين بلا جنسية. ومع صدور قانون الجنسيّة تم رسمياً إلغاء قانون الجنسية الفلسطيني بأثر رجعي اعتباراً من تاريخ قيام (الدولة). وهكذا فإنّ قانون الجنسية الإسرائيلي جرّد الفلسطينيين من جنسيّتهم وأصبحوا «بلا جنسية».
ثانياً: المقيمون بلا جنسيّة: ولما كانت الفقرة (أ) من المادة الثالثة من قانون الجنسية الإسرائيلي وضعت شروطاً صعبة لتجنُّس الفلسطينييِّن، فإنَّ الذين لم يتمكّنوا من استيفاء الشروط التي حدّدها القانون، ولم يتمكّنوا من الحصول على موافقة وزير الداخلية، ظلُّوا بدون جنسية، وما زالوا كذلك حتى الآن.
ثالثاً: وقد جاء التعديل الثاني لقانون الجنسية عام 1968 واستحدث طريقة منح الجنسيّة الإسرائيلية بحكم «الولادة والإقامة» في (إسرائيل). ويبدو من ظاهر النّص أنَّ أي فلسطيني وُلد في (إسرائيل)، ولم يحصل على الجنسيَّة الإسرائيليّة لأنَّ أحد والديه لم يتمكن من الحصول عليها، له الحق في أن يحصل على الجنسية الإسرائيلية بشرط أن يقدّم طلباً حين يبلغ سن الثامنة عشرة وقبل أن يصل إلى سن الحادية والعشرين، وأن يكون مقيماً في (إسرائيل) قبل تقديمه الطلب بخمس سنوات متواصلة، وأن يثبت أنّه لم يحكم عليه بجرم ضد أمن (دولة إسرائيل)، ولم يحكم عليه بجرم آخر لمدة خمس سنوات أو أكثر، وأن يوافق وزير الداخلية على الطلب. وتطبيقاً لهذه الشروط فإنّ الفلسطيني الذي يولد بلا جنسيّة سيظل بلا جنسيّة حتى يبلغ سن الثامنة عشرة على الأقل، ثم يقدم الطلب ويستوفي الشروط الأخرى. وإن لم يستوفها فسيظلّ بلا جنسيّة. ثم إنَّ الفلسطيني الذي وُلِد بلا جنسيّة، وتجاوز الحادية والعشرين يوم صدور هذا التعديل، سوف يبقى كذلك بلا جنسيّة.
بعد هذه اللمحة التاريخية الموجزة عن قانون الجنسية الإسرائيلي، والذي أَعلن على أثره مؤخّراً رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو (قانون القومية) للدولة اليهودية الإسرائيلية، وهو استكمال لقانون الجنسية الإسرائيلي السابق، وأحد إفرازاته العنصرية… وقد أقرّت (إسرائيل) «قانون الدولة القومية» لليهود بتاريخ 19 تموز/يوليو 2018، حيث ينصّ على ما يلي:
- ينصّ القانون على أنّ إسرائيل هي الوطن القومي للشعب اليهودي وأنّ حق تقرير المصير في إسرائيل يقتصر على اليهود، ويَعتبر القدس الموحَّدة عاصمة لإسرائيل.
- ويشجع القانون الاستيطان اليهودي ويلغي المكانة الرسمية للُّغة العربية.
- وأقَرَّ الكنيست المؤلّف من 120 عضواً قانون «الدّولة القومية» بموافقة 62 نائباً ومعارضة 55 وامتناع نائبين عن التصويت، وسط غضب النّواب العرب.
أبرز سمات القانون:
- القانون صدر بعد وقت قصير من إحياء الذكرى السبعين لقيام دولة إسرائيل.
- ينصّ على أنّ «إسرائيل هي الوطن التاريخي للشعب اليهودي» وأنّ حقّ تقرير المصير فيها «يخصّ الشعب اليهودي فقط».
- من القوانين الأساسية التي تُستَخدم كدستور لعدم وجود دستور حتى الآن في دولة إسرائيل.
- ينزع القانون عن اللّغة العربية صفة اللّغة الرسمية إلى جانب العبرية.
- نصّ القانون على أنَّ الدولة تعتبر تنمية الاستيطان اليهودي قيمة قومية وستعمل على تشجيع ودعم تأسيسه.
وكان من الطبيعي أن يثير إقرار هذا القانون غضباً على الصعيد الفلسطيني والعربي، وترحيباً إسرائيليّاً بالمقابل حيث:
- رحّب رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو بالقانون قائلاً «لحظة حاسمة في تاريخ دولة إسرائيل تكرّس لغتنا ونشيدنا وعلَمنا».
- منتقدو القانون يقولون إنَّه سيعمِّق إحساس الفلسطينيين بالغربة حتى بعد إجراء بعض التغييرات.
- النائب العربي في الكنيست أحمد الطيبي عبّر للصحفيين عن صدمته وحزنه معلناً «موت الديمقراطية».
- سرى الغضب بين السكّان العرب واصفين القانون بالعنصري وأنّه يغرس البذور لقيام دولة فصل عنصري. بينما مزّق نوّاب عرب نُسَخاً من القانون أمام نتنياهو وألقوا به في وجهه، كتعبير صارخ عن معارضتهم.
كما ندّد زعماء فلسطينيون بالقانون. وقال صائب عريقات كبير المفاوضين الفلسطينيين في بيان: «شعبنا هو من يقرر مصيره على أرضه، وهو من قرر لغته وعلمه ونشيده، فنحن أمّة راسخة في هذه الأرض منذ فجر التاريخ وسنبقى صامدين ومتمسّكين بحقنا التاريخي المشروع والأصيل في تقرير المصير». في حين كانت المظاهرات والاعتصامات تعمّ كافّة المدن والقرى الفلسطينية، ومن بينها بالطبع القرى الدرزية في شمال فلسطين المحتلة، معبّرة عن رفضها لهذا القانون العنصري بامتياز.


في ظلّ هذا الوضع نتساءل: أين موقع دروز فلسطين وموقفهم من هذا الموضوع؟ وأين موقع دروز هضبة الجولان السورية المُحتلة وموقفهم أيضاً منه؟ وماذا بين الأمس واليوم؟
فبالنسبة لأبناء الطائفة الدرزية التوحيديّة في فلسطين المحتلّة، وقبل ولادة دولة الاحتلال الصهيوني التي أطلق عليها اسم «إسرائيل»، يعيش معظم الدّروز الفلسطينيّون في منطقة الشمال. ويشكلون نسبة 8 بالمئة من مجمل السكان العرب هناك. وقد وصلت أعدادهم في عام 2019 إلى نحو 143،000 نسمة، أي بمعدل 1،6 بالمئة من السكان في دولة الاحتلال الصهيوني (إسرائيل). يضاف إليهم السوريون الدروز القاطنون في هضبة الجولان التي احتلَّتها (إسرائيل) عام 1967 من سوريا وضمّتها في عام 1981 بشكل غير شرعي، وهم من المقيمين الدائمين بموجب قانون مرتفعات الجولان. وقد رفضت الأغلبية الساحقة منهم قبول الجنسيّة الإسرائيليّة واختاروا الاحتفاظ بجنسيّتهم السورية والهوية السورية… هذا، ويسكن أبناء الطائفة الدرزية في 18 قرية وبلدة تقع جميعها على رؤوس الجبال في شمال فلسطين التاريخيّة.
والواقع أنّه منذ قيام (إسرائيل) عام 1948، رفض الموحّدون الدروز ترك قراهم وبيوتهم ومغادرتها، مفضّلين البقاء والموت فيها على الهجرة أو التهجير. ومع ذلك فقد تعرّضوا لحملة من الدسّ والافتراءات والتّشويهات من البعض المتجاهل لموقفهم الرافض والمقاوم للانتداب البريطاني والاحتلال الإسرائيلي فيما بعد، ولحقيقة تاريخهم النضالي العربي المشرّف في صفوف الحركة الوطنية الفلسطينية، وبخاصة في ثورة ١٩٣٦ حيث شاركت سريّة درزية بقيادة حمد صعب في معظم معارك تلك الثورة، وفي أثناء حرب فلسطين سنة ١٩٤٨ حيث شارك العشرات من دروز لبنان وسوريا في جيش الإنقاذ بقيادة فوزي القاوقجي وكان مدير الإذاعة والإعلام في ذلك الجيش هو المناضل المعروفي علي ناصر الدين، إبن بلدة بمريم المتنيّة، مؤسس «عصبة العمل القومي».
كان عليهم تجرّع هذه الكأس بصبر وحكمة وتعقّل رغم المرارة والحسرة الناجمتين عن هذا الموضوع، دون أن يتزعزع إيمانهم بالوجود والكرامة والتشبّث بالأرض قيد أنملة.
يعيش الدروز في عدد من قرى الجليل وجبل الكرمل بشكل منفرد مثل بيت جن وجولس ودالية الكرمل وساجور وعين الأسد ويركا، وتضم بعض القرى التي يشكل غالبيَّة سكانها من الدروز في إسرائيل على أقليّة مسيحيّة عربيَّة مثل حُرفيش والمغار والبقيعة وكِسرى – كفرسميع وعسفيا وغيرها. وتضم كل من كفر ياسيف والرامة الجليليّة ذات الأغلبيّة المسيحيّة على أقلية من الموحدين الدروز، ويعيش الموحدون الدروز في عدد من قرى الجليل اختلاطاً بالمسلمين والمسيحيين مثل أبوسنان وكفر ياسين والمغار وشفاعمرو والرامة الجليليّة.أمّا في الجولان الواقع تحت السيطرة الإسرائيلية، فيتوزّع الدروز فيه بين بقعاثا،وعين قنيَة، ومجدل شمس ومسعدة.
والجدير بالذكر، أنّ بلدة «دالية الكرمل» هي أكبر البلدات الدرزيّة في فلسطين التاريخيّة. وتليها بلدة «يركا»، ومن بعدها «المغار»، ثم «بيت جن»، و«عسفيا»… واللائحة التالية تستعرض تعداد السكان الدروز في القرى والبلدات الدرزية، بناء على التقسيم الإداري الإسرائيلي في الداخل:
المنطقة الشماليَّة (لا يشمل منطقة الجولان الفرعية) |
منطقة حيفا | هضبة الجولان (قسم الفرعي من المنطقة الشماليَّة) |
يركا (16،400 – 97.9%) | دالية الكرمل (16،700 – 97%) | مجدل شمس (10،930 – 99%) |
المغار (12،900 – 57.9%) | عسفيا (9،200 – 76%) | بقعاثا (6،485 – 100%) |
بيت جن (11،700 – 99.8%) | مسعدة (3،592 – 100%) | |
كسرى-كفرسميع (8،100 – 95%) | عين قنية (2،033 – 99%) | |
جولس (6،300 – 100%) | ||
يانوح-جت (6،500 – 100%) | ||
حُرفيش (6،000 – 96.3%) | ||
شفاعمرو (5،700 – 13.9%) | ||
البقيعة (4،500 – 78%) | ||
ساجور (4،148 – 100%) | ||
أبو سنان (4،100 – 30%) | ||
الرامة الجليليّة (2،400 – 31%) | ||
عين الأسد (871 – 100%) | ||
كفرياسيف (348 – 4%) |
والحقيقة: كثيراً ما عمد الإسرائيليون عبر أساليب شتّى، في ظل القانون العنصري الإسرائيلي، إلى محاولات استيعاب الدروز وإخضاعهم عنصريّاً لجعلهم تماماً – كما جاء في بعض الوثائق الصهيونيّة المكتشفة مؤخّراً – «سكيناً في ظهر أُمّتهم»، بما يخلق هوّة كبيرة بينهم وبين مواطنيهم العرب، ويقطع بالتالي طريق عودتهم إلى أحضان الأمّة العربيّة والإسلاميّة. حيث إن أقصر الطرق لاستعباد أي شعب أو مجموعة بشريّة هو قطع جذورها الحضاريّة، وتشويه أصولها ومحو ذاكرتها الجماعيّة. وهذا ما يواجهه دروز فلسطين، ولا يزالون. إلّا أنّ النتيجة لم تكن كما يريدها الإسرائيليّون وأعوانهم.
هذا، وقد حاول الإسرائيليّون بعد احتلالهم لهضبة الجولان السوريّة، وضمّها لاحقاً، تطبيق برنامجهم السابق الذي طبقوه مع دروز فلسطين، على صعيد الجنسيّة الإسرائيليّة والهويّة الإسرائيلية… لكنهم لم يحصدوا إلّا الفشل أيضاً، رغم محاولاتهم العديدة والمتكرّرة، مما يؤكّد حقيقة واحدة مفادها أنَّ طائفة الموحِّدين الدروز هي طائفة لا تقبل الذلّ والهوان والخضوع والإخضاع تحت أي ظرف كان، ومهما كانت الصعوبات. هي طائفة وطنية عروبية إسلامية عبر التاريخ، ولن تؤثّر الدسائس والتشويهات والافتراءات على حقيقة تاريخها مطلقاً…
هذا، ما عاشه أبناء الموحدين الدروز في هضبة الجولان منذ وقوعها تحت الاحتلال الإسرائيلي بعد حرب حزيران 1967، وبعد قانون الضمّ عام 1981. وكما أوضح الجدول السابق أن هناك أربع قرى درزيّة متبقية في الجزء الذي ضمته إسرائيل من مرتفعات الجولان – بقعاثا وعين قنية ومجدل شمس ومسعدة، يعيش فيها 23،000 درزي. معظم سكان الدروز في مرتفعات الجولان يعتبرون أنفسهم سوريين ويرفضون الحصول على الجنسيّة الإسرائيلية، وبدلاً من ذلك يحملون وضع إقامة دائمة في إسرائيل، وبدلاً من جواز سفر إسرائيلي يستخدمون وثيقة مرور إسرائيلية صادرة من إسرائيل للسفر إليها، تترك فقرة الجنسية فارغة.
ومنذ اعتماد قانون مرتفعات الجولان لعام 1981، أصبحت الأراضي خاضعة للقانون المدني الإسرائيلي، وأدمجت في النظام الإسرائيلي للمجالس المحلّية. وبعد ضم مرتفعات الجولان في عام 1981، قدمت الحكومة الإسرائيلية الجنسية لجميع غير الإسرائيليين الذين يعيشون في المنطقة. ولكنّها رُفضت بالمطلق…


فكيف كان ذلك؟ وما هي الإجراءات التي اتُّخذت؟ وماذا كانت النتيجة؟
لقد كان واضحاً، منذ البداية تقريباً أنَّ الإسرائيليين قرروا البقاء في الجولان. لم يدّعوا – كما فعلوا في الضفة الغربية وقطاع غزة – أنهم سيحتفظون بالقانون المحلي ويدخلون عليه تعديلات بأوامر عسكرية. وعلى الرغم من أنَّ إسرائيل لم تزعم قط أنه يوجد «فراغ» في السيادة هناك، فقد ألغى المحتلُّون القانون السوري برمَّته على الفور، وأنشأوا حكماً عسكرياً. واستُبدلت العملة السورية بعملة إسرائيلية. وتمَّ إصدار لوحات معدنيّة إسرائيلية للسيارات (بأرقام خاصة). وصودرت الهويّات الشخصية السورية، واستُبدلت بهويّات عسكرية إسرائيلية…
وفي زمن الاحتلال، عزلت إسرائيل رؤساء بلديات قرى الجولان، وحاولت أن تشجّع القادة التقليديين المحلييِّن، وأن تعيد إحياء التنافس العشائري المحتضر؛ وقد باءت هذه المحاولات بالفشل. إلّا أنّ السلطات الإسرائيليّة وجدت شخصيّات أقلّ شأناً، على استعداد لأن تعبّر عن سعادتها بالوجود الإسرائيلي، ولأن تلمّع وجه الاحتلال. وفي سنة 1974، حاول الإسرائيليون أن ينشئوا مجالس محلية مشابهة للمجالس القائمة في إسرائيل. وفشلت هذه المحاولة كما فشلت المحاولات الأخرى. وفي النهاية، عيّنوا شخصاً في كلّ قرية لإدارة الشؤون المحلّية. إن رئيس بلدية مجدل شمس الذي عيّنته إسرائيل ليس حتى من المنطقة.
وحظر الإسرائيليون أيضاً، في بداية احتلالهم، البرنامج التعليمي السوري، واستبدلوه بآخر مُعَدّ خصِّيصاً ليغرس في الذهن الإحساس بـ «هوية درزية» منفصلة، متميزة من الهوية العربية – زاعمين أن الدروز يشكلون أمّة لا طائفة دينية تعود بنشأتها إلى الإسلام. وقد صُقلت هذه السياسة على مدار الأعوام، وأصبحت أكثر صراحة في سنة ١٩٧٦، بتأليف «اللجنة التعليميّة للدروز». وتم وضع كتب تاريخ خاصّة مناقضة تماماً للحقائق. على سبيل المثال: يتحدث واحد منها عن العلاقة التاريخيّة بين المجتمعين اليهودي والدرزي بحكم وضعهما المشترك كأقليَّتين، وعن عداوة تقليدية بين الدروز وإخوانهم المسلمين السنّيين. ويجري التشديد على إيصال هذه الرسالة بطرق شتى منها: إنّ الدروز جماعة استثنائية، متفوّقة ومتميّزة عن العرب الآخرين – في الحقيقة ليست عربية على الإطلاق. ولا يرِد ذكر لحقيقة أنّ مرتفعات الجولان كانت دائماً جزءاً من سوريا.
وبمرور الوقت، جرى فصل المدرسّين الذين يتمتعون بأي مستوى من الوعي السياسي. وقد تم فصل مئة مدرسّ على الأقل لأسباب سياسية منذ بدء الاحتلال، وفصُل أكثر من عشرين مدرسّاً دفعة واحدة في أثناء مقاومة الضمّ سنة 1982. وتمّ استبدال هؤلاء، في معظم الأحيان، بمدرّسين غير مؤهلين، بعضهم لم يكمّل حتى المرحلة الثانوية، لكنهم منُحوا «شهادات تعليم» بعد أن حضروا دورات قصيرة في إسرائيل… وخلال عام، تزايد عدد التظاهرات الشعبيّة في قرى الجولان كلها، وقُدّمت العرائض إلى الحكومة الإسرائيلية. وبدأت السلطات في هذه الفترة، وعلى نطاق واسع، بالربط بين الجنسية والحياة اليومية: لم يكن في الإمكان الحصول على رخصة سياقة من دون حيازة بطاقة هويّة شخصية مذكور فيها أن الجنسية إسرائيلية. ولم يكن في الإمكان السفر داخل إسرائيل من دون مثل هذه البطاقة… إلخ. وفي الوقت نفسه، حصلت القلّة التي تعاونت مع السلطات على امتيازات خاصة مثل: ضرائب مخفّضة، وحصص أكبر من المياه، وأجوبة سريعة تتعلّق بتصاريح البناء، إلخ.
وفي تشرين الثاني/ نوفمبر 1980، عُدِّلَ قانون الجنسية الإسرائيلية وخُوِّلَ وزير الداخلية صلاحية منح الجنسية الإسرائيلية بناء على شروط مختلفة مفصّلَة في القانون. وكان الشرط الذي ينطبق على السكان السوريين في الجولان أنّ «الجنسية تُمنح عندما يُعتَبر ذلك تحقيقاً لمصلحة خاصة للدولة».وفي نهاية السنة، كانت إسرائيل قد بدأت تضغط على السكان ليقبلوا بطاقات الهوية الشخصية الجديدة؛ وبحسب قول السلطات، فقد قبل بها 400 شخص تقريباً. وفي الحقيقة، كان 300 من هؤلاء من الدروز الذين يحملون الجنسية الإسرائيلية أصلاً، وانتقلوا من إسرائيل نفسها إلى مرتفعات الجولان، إمّا لأسباب عائلية أو لغيرها من الأسباب.
تصاعدت التظاهرات والاحتجاجات. وفي أوائل آذار/ مارِس دعا الزعماء الدينيون، مدفوعين من نشطاء محليين، جميع سكان مرتفعات الجولان إلى اجتماع عام في الخلوة في مجدل شمس. واحتشد نحو 6000 شخص من القرى الأربع، أو ما يزيد على نصف عدد سكان الجولان في ذلك الوقت، في المبنى الضخم والساحة المكشوفة أمامه. وتقرّر في ذلك الاجتماع فرض مقاطعة اجتماعية دينية كاملة – عمليّاً: حرمان ديني ومدني – على كلّ من يقبل الجنسية الإسرائيلية. وتقرّر منع الذين تسري المقاطعة عليهم من حضور الأعراس والمآتم وكل المناسبات الاجتماعية والدينية، وعدم السماح لأي فرد من أفراد المجتمع بالتعامل معهم بأي شكل. وفي مجتمع صغير كمجتمعنا، حيث يعرف كل شخص الآخر، فإنَّ تأثير مثل هذا النبذ من شأنه أن يكون مدمراً. وفي ذلك الاجتماع نفسه، أقرّ الحضور «وثيقة وطنية»، نُشرت فيما بعد في الصحف، تُعلن أنّ سكان الجولان هم سوريون تحت الاحتلال الإسرائيلي، وأنّهم يتطلعون إلى اليوم الذي سيتحرّرون فيه ويعودون إلى أحضان سوريا.
وفي ردّها على ذلك، قامت سلطات الاحتلال بفرض عقوبات على السكان، بما فيها ضرائب مُبالَغ فيها، وقيود مُشدّدة على السفر وعلى تسويق المنتوجات الزراعية. ووُضِعَ عدد من النُّشطاء في الإقامة الجبريَّة أو الاعتقال الإداري، وفصُل بعض المدرّسين. وبعد ذلك أُخبر القادة المحلّيون، بصورة غير رسمية، أنّ العقوبات ستُرفع إذا وافق السكان على إنهاء مقاومتهم. مع ذلك، استمرَّ النبذ وبدأ أولئك الذين قبلوا الجنسيّة الإسرائيلية بالتخلي عنها، واحداً بعد الآخر.
وفي كانون الأول/ ديسمبر 1981، بعد أشهر من الاضطراب، صدر قرار بضم مرتفعات الجولان فعلياً. وعلى الفور تمت الدعوة إلى إضراب عام لمدة ثلاثة أيام، شُلَّت فيها الحياة تماماً في القرى الأربع. وأُرسلت مذكّرة إلى الأمين العام للأمم المتحدة، كما أُرسلت عريضة إلى الحكومة الإسرائيليّة تطالبها بإلغاء الضمّ.
استمرّ ما أصبح الآن نمطاً اعتياديّاً: التظاهرات من جهة، والاعتقالات والقيود من جهة أخرى، حتى 13 شباط/ فبراير 1982، عندما وَضعت إسرائيل أربعة من زعماء الطائفة في الاعتقال الإداري لمدّة ستة أشهر. وفي اليوم التالي، 14 شباط/ فبراير، أُعلن إضراب عام استمرَّ أكثر من خمسة أشهر من دون انقطاع. وردتّ سلطات الاحتلال بفرض نظام حظر التجوّل. وفي ٢٥ شباط/ فبراير، فُرض حصار كامل على الجولان: أُوقفت كلّ أشكال المواصلات من المنطقة وإليها؛ ولم يُسمح بإدخال الطعام أو الدواء؛ وقُطعت الكهرباء والماء. وقد نُظِّمت تظاهرات كلّ بضعة أيام خلال الإضراب، في بعض الأحيان في القرى الأربع كلّها، وأحياناً في قرية واحدة، حيث كان سكان القرى الأخرى يحتشدون فيها. وقد تمّت المحافظة على تنسيق دقيق طوال تلك المدّة من خلال الاجتماعات العامة. وجُوبِهَت بعض التظاهرات بالعنف، وأصيب خمسة وثلاثون شخصاً بطلقات ناريّة خلال اشتباكات مع الشرطة. وفقد شاب رجله ويده وعينه في حادث انفجار لغم خارج مجدل شمس. وقد رُفضت كلّ محاولات اللجنة الدولية للصليب الأحمر لزيارة المنطقة.
في 1 نيسان/أبريل، أعلنت إسرائيل رسميّاً الجولان منطقة مُغلقة، وفرضت حظر التجوُّل على مدار الساعة، وأَرسلت إلى المنطقة 14،000 جندي إسرائيلي – أكثر من نصف عدد السكان العرب في مرتفعات الجولان – قاموا بالتنقل من بيت إلى آخر لمصادرة بطاقة الهويّة العسكرية القديمة وتوزيع بطاقات الهوية الجديدة، المُعَدّة لكل فرد، والمذكور فيها الجنسية الإسرائيلية. وقد تم اعتقال 150 شخصاً خلال هذه الحملة. في هذه الأثناء، وفي محاولة لإقناع السكان بقبول بطاقات الهوية/ الجنسية، بثت الإذاعة معلومات زائفة بأنّ زعماء عديدين قبلوا بها. لكن المحاولة فشلت فشلاً ذريعاً، وسرعان ما تناثرت بطاقات الهوية المرفوضة في شوارع القرى الأربع جميعاً. وفي5 نيسان/ أبريل، انسحبت القوات الإسرائيلية ورُفع الحصار.
أُنهي الإضراب أخيراً في 21 تموز/ يوليو. وكانت العيون، في ذلك الوقت، مركزة على غزو إسرائيل للبنان وحصار بيروت الوحشي؛ وكان واضحاً في تلك الأوضاع الجديدة، أنّ من العبث الضغط على إسرائيل فيما يختص بالجولان. وعلاوة على ذلك، كان مخزون المواد الغذائية – مؤونة كبيرة من الأغذية المجفّفة والمحفوظة التي كانت دائماً في متناول القرى – قد بدأ بالنفاد. لم يكن الحليب متوفّرا؛ً وكان الأطفال يعانون. وقد نفقت مئات من المواشي جوعاً بسبب منعها من الوصول إلى المراعي. وأخيراً، تراجع الإسرائيليون عن إصرارهم على موضوع الجنسيّة، ولم يرد في بطاقات الهوية ووثائق السفر التي وُزِّعَت في النهاية ذكر للجنسية الإسرائيلية. وكان هناك اتفاق آخر يقضي بأنّ سكان الجولان لن يؤدّوا الخدمة في القوات المسلّحة، وأنّه سيتم السّماح لهم بزيارة سوريا، وأنّ الأراضي لن تصادَر. ولم يتمّ احترام الالتزامين الأخيرين. وهذا هو الوضع الآن: تَعتبر إسرائيل سوريي الجولان «مقيمين في إسرائيل»، لا مواطنين.


«لا لضمّ الجولان، لا للإستسلام، لا للڤيتو الأميركي».
لقد كان إضراب 1982 العام ذروة العمل الجماهيري في الجولان، ولم يتكرّر ما يرقى إلى مستواه. منذ ذلك الحين، جرت تظاهرات عديدة. ويتم التقيّد سنوياً على الأقل بإضرابين ليوم واحد: في 14 شباط/ فبراير، ذكرى الإضراب العام؛ وفي 17 نيسان/ أبريل، عيد الاستقلال السوري. ومنذ بدء الانتفاضة، أضُيف إلى القائمة يوم 8 كانون الأول/ ديسمبر، يوم اندلاعها في سنة 1987. وتقوم تظاهرات كلّما حدث أمر استثنائي في المناطق المحتلّة الأخرى (مثل مذبحة الأقصى، أو عمليات القتل في ريشونلتسيون)، أو في المستوى الدولي (مثل أزمة الخليج، والحرب ضد العراق).
هذا، وفي الوقت الذي وقف فيه دروز فلسطين إلى جانب الإضراب الجولاني، إلّا أنّ موقفهم لم يكن متناغماً تماماً. فقد تظاهر أهالي عدّة قرى درزية في إسرائيل تأييداً لنا خلال الإضراب العام سنة 1982، وكان ذلك في بعض الحالات بدافع التضامن الديني، لكنّه في حالات أخرى كان بدافع من أسباب قومية. وتألفت، في ذلك الوقت، لجنة تضامن معنا. وهناك أيضاً أعداد متزايدة من الدروز الفلسطينيين تعترض على تعاون الطائفة ككل، وتعارض سياسة إسرائيل التي تعزلها عن أشقائها العرب؛ ويحتفظ سكان الجولان العرب بعلاقات ممتازة بهؤلاء الناس، ويمدّونهم بكل أشكال العون الذي يحتاجون إليه. وما من شك في أن تحدّي سكان الجولان للسلطات الإسرائيلية كان له أثره بين دروز الجليل.
وفي الواقع، يمكن القول إنّ دروز الجولان يقيمون علاقات ممتازة وتضامناً قوياً مع فلسطينيي الضّفة الغربية وغزة. وقد حاول سكان المناطق المحتلة إرسال أغذية خلال الإضراب العام في سنة 1982، وما زالوا يساعدون بمختلف الطّرق. من جهتهم، ألّف دروز الجولان لجاناً للتضامن حين اندلعت الانتفاضة، وكانوا أوّل من أرسل شاحنات محمّلة بالأغذية والملابس إلى مخيمات اللاجئين في الضفة الغربية وقطاع غزة. وهم يجمعون الأموال وينظّمون زيارات تضامن لمخيمات اللاجئين. وفي كلّ سنة، ينظمون حملات لقطف التفاح، ويوزعون التفاح على مستشفيات الضّفة الغربية وغزة، ويتبرّعون بعائدات مبيعات التفاح لدعم الانتفاضة. كما أنّهم قاموا بعدة تظاهرات شعبية وإضرابات عامة تأييداً للانتفاضة. لكنْ يحدّ من تعاونهما واقع أنَّ الضفة الغربية ومرتفعات الجولان غير متّصلتين جغرافياً، في (إسرائيل)..
أمّا اليوم، وبالرغم من أنَّ غالبية الدروز الفلسطينيين والجولانييِّن يعتبرون بأن المستوطنات الإسرائيلية تضرّ بأمن دولة الاحتلال الصهيوني. كما يبيّن الإحصاء الاستقصائي أنّ أغلبية الدروز أيضاً لا يؤمنون بأنّه يمكن «لدولة إسرائيل» أن تكون دولة يهوديّة ودولة ديمقراطية في الوقت نفسه… كما يعتقد نحو 8 من كل 10 أشخاص من عرب (إسرائيل)، بأنّ هناك تمييزاً عنصرياً كبيراً في المجتمع الإسرائيلي ضد المسلمين، وأنّ الحكومات الإسرائيلية غير صادقة في السعي للوصول إلى اتفاقية سلام…
في ظل كل هذه المعطيات والوقائع الميدانيّة، «تشير بعض التقارير الإسرائيليّة إلى تزايد أعداد دروز الجولان الراغبين في الحصول على الجنسية الإسرائيلية»… وفي الوقت الذي كان فيه العدد في الماضي لا يتجاوز أصابع اليد الواحدة، فقد بلغ العشرات في الفترة الحالية، لا سيّما بعد الأحداث الأخيرة في سوريا، واستهداف التنظيمات الإرهابية عدداً من الدروز، واستغلال إسرائيل لقضيّتهم بشكل غير مسبوق، ولكنّه منظّم ومبرمج وهادف بدقّة…
بعد هذا العرض شبه التفصيلي لقانون الجنسيّة الإسرائيلي وتطبيقاته على عرب فلسطين، بمختلف طوائفهم ومذاهبهم وأديانهم (بمن فيهم أبناء طائفة الموحدين الدروز الفلسطينيين)، وعلى دروز هضبة الجولان السورية المحتلّة، نصل إلى ضرورة تبيان بعض الحقائق والوقائع التي تعامى عنها البعض، وتجاهلها البعض الآخر (لغاية في نفس يعقوب)، بينما أمعن البعض تجريحاً وتشكيكاً وتشهيراً بطائفة الموحدين الدروز في فلسطين، فتلاقت حملتهم هذه مع محاولة العدو الصهيوني في سلخ الموحدين الدروز عن عروبتهم وإسلاميتهم ووطنيتهم وقوميتهم، وإلباسهم ثوباً لا يمتّ إلى حقيقة وجودهم التاريخي بصلة… ويشوّه بالتالي نضالهم الوطني والقومي والعروبي والإنساني كلّه… وهذا ما يستوجب منّا ردّاً علميّاً وموضوعيّاً ومنطقيّاً على كل ذلك، بغية دحض الاتهامات الباطلة والافتراءات المُغرضة، التي طالت ومسّت طائفة عربية إسلامية عريقة في هذا الشرق، لعبت، ولا تزال، دوراً هاماً وأساسياً في «مَدْمَكَة» بنيان الكثير من دُوَلِه، وساهمت في كتابة تاريخ البعض الآخر، بالسيف والقلم، وقدَّمت الغالي والنّفيس من أجل الحريّة والاستقلال والكرامة… فما هي أبرز هذه النقاط التي تلقي الضوء على هذه المسألة وتضع الإصبع على الجرح؟
يذهب كثيرون من الباحثين العرب والأجانب إلى أنّ الموحدين الدروز هم المدافعون الأصليون عن العروبة والإسلام والقوميّة العربية في كلِّ أقطار تواجدهم. وقد أثبتت الوقائع التاريخية صحّة انتمائهم الوطني والإنساني منذ ظهورهم على مسرح التاريخ في مطلع الألف الثاني الميلادي، ولا يزالون، حتى أنّ أسلاف الموحدين الدروز من التنوخيين والبحتريين والأرسلانيين كانوا «حماة الثغور» منذ وجودهم في الجبال المُطِلّة على الساحل في وجه الروم البيزنطيين وأعوانهم في الداخل، ثمّ الصليبيين فيما بعد، وقد استطاعوا تأسيس أوّل إمارة عربية إسلامية في الشرق دامت ثمانية قرون… (هي الإمارة التنوخيّة)…
وبشكل أكثر تحديداً، فإنّ الدروز يتحدّرون من القبائل العربية الإثنتي عشرة التي كانت تقيم منذ الفتح العربي في معرّة النعمان، ثم انتقلت بعدها لتستقرَّ في لبنان. ويؤكّد ذلك كثير من المؤرّخين العرب الذين يعرفون هذه الطائفة ويعيشون بين ظهرانيها. ويشير عبد الرحمن بدوي (ص 642) إلى الحجج التي يقدمها الدروز توكيداً على عراقة أصولهم العربية فيقول نقلاً عن الأستاذ سليمان أبو عز الدين إنّ «أسماء الدروز، إلّا القليل منها عربية». وإنّ «الدروز من أصحّ الفروع العربية لفظاً لبعض الحروف الهجائية، أي الثاء، والذال، والظاء، والقاف». كما يشير الأمير شكيب أرسلان مؤكّداً عروبة الدروز بقوله: «إنَّ لفظهم بالعربي الصحيح… لا يساويهم فيه أحد من جميع سكان سورية». كما أنَّ المؤرّخ الأستاذ أكرم زعيتر يؤكِّد ذلك قائلاً: «الدروز لباب العرب. ولا يوجد درزي واحد يرضى بأن يُنسب لغير الإسلام».
وبصورة أكثر شموليّة، يقول المؤرّخ الكبير الأستاذ عارف النكَدي بأنَّ «هذه الطائفة عربية الأصل، بل هي أعرق طوائف بلاد الشام عربيّة وأخلصهنّ في ذلك دماً.. أمّا عربية هذه الطائفة فثابتة:
-
- بأسمائها العربية اللفظ والمعنى والمُصطلح.
- بعاداتها وأخلاقها وآدابها.
- بسلامة ألفاظها العربية.
- بأنساب كثير من أُسَرِها وقبائلها التي حفظت عمد أنسابها وسلالاتها، بعضها بالتسجيل الصحيح في سجل المحاكم الشرعية، وبعضها بالنقل الدقيق والسّند المتصل.
- بتاريخها الثابت. وتاريخ هذه الطائفة تاريخ قريب عهده لا تضيع أصوله وحوادثه في مجاهل القِدَم»
وانطلاقاً من العلاقة العضويّة بين الصهيونية والاستعمار العالمي، فإنَّ الصهاينة لم يتخلّوْا في هذا العصر عن مشاركة أسيادهم الاستعمارييّن في الدسيسة ضد الدروز. ولم تقتصر مشاركتهم على الناحية النظريّة فقط، بل وبشكل أرقى بتطبيقها على واقع الصراع العربي – الصهيوني في فلسطين المحتلّة. وذلك من خلال التفرقة بين الدروز وإخوانهم المسيحييّن والمسلمين الفلسطينييّن، حيث أُبْعِدَ الآخرون عن الخدمة في جيش الاحتلال، بينما فُرِض التجنيد الإلزامي على الدروز ضمن خطة الإيقاع بين أبناء الشعب العربي الواحد في فلسطين وخارجها، وكدليل وإثبات أمام الآخرين بأنّ «الدروز ليسوا بعرب». ولتظهر الدولة الصهيونية، من ناحية أخرى، أمام العالم الخارجي بأنّها دولة «ديمقراطية»، ضمن مخطّط القضاء على الهوية العربية للدروز مستغلّة تشبّث الإنسان الدرزي بأرضه، مع ما يعانيه اقتصاديّاً وثقافيّاً وسياسيّاً في ظل القبضة الحديدية الصهيونية المُحْكَمة عليه.
وتحاول الصهيونية بشتّى الوسائل والطرق إقناع الدروز بأنّ لهم خصوصيّتهم المميّزة، وقومية خاصة بهم على غرار «القومية اليهودية»، متناسية شهداء دروز شفا عمرو وكفار عطا عام 1948 الذين سقطوا ضمن الفيلق الدرزي في جيش الإنقاذ دفاعاً عن عروبة فلسطين وحريّتها. ويكفي لمجاهدي الدروز شرفاً أنّهم هم الذين قتلوا «زوريك» (أخ موشي ديان) في العام 1948. فضلاً عن مشاركة مجاهدي الدروز في معظم المعارك ضد اليهود عام 1948 بشهادة فوزي القاوقجي في مذكّراته. تماماً كما قتلوا من قبل القائد الصهيوني العريق الكابتن جوزف ترمبلدور ورفاقه، وهذا ما جعل الإرهابي إسحق شامير يتوعّد الدروز بالثأر والانتقام…
وفي هذا الإطار، أرسل الطلاب العرب الدروز في الجامعة العبرية كتاباً لوزير الداخلية يؤكّدون فيه «أن الدرزية هي مذهب ديني، وأنّ قومية الدروز هي القومية العربية». كما أكّد الشيخ قاسم فرّو من عسفيا: «إنّنا إذا أنكرنا أنّنا عرب نُنكر تاريخ ثوراتنا التاريخيّة… وإنّ من يبتغِ أن يبدّل قوميّته العربية بقومية لم توجد يوماً، ألا وهي «القومية الدّرزية» مقابل عضويّة الكنيست أو راتب أو وظيفة، فإنّ هذا لا يغيّر من التاريخ والحقائق التاريخية شيئاً». وهذا ما يؤكّد عليه أيضاً النائب سعيد نفّاع.
ورغم كلّ الدعايات الصهيونية العنصرية، فإنّهم يعامَلون معاملة متشابهة مع إخوانهم المسيحيين والمسلمين الفلسطينيين. وقد فسّر المؤتمر القطري الأوّل لِلَجنة المبادرة الدرزية الذي عقد في شفا عمرو بتاريخ 9/9/1978، هذه السياسة العنصرية بحق الدروز قائلاً: «أمام الدعاية لسنا عرباً، وأمام السياسة العنصرية نحن «عرب مئة بالمئة»».
لكن ردّة الفعل الدرزية تُثْبت بالدليل القاطع عروبة الدروز، وتحرّكاتهم في الأرض المحتلة المناهضة للاحتلال ورفضهم الخدمة العسكرية في الجيش الإسرائيلي أكبر شاهد على ذلك. وكثير من الشباب الدرزي في داخل فلسطين المحتلة تعرّضوا للاعتقال والسجن نتيجة هذه المحاولات، مصمّمين على التخلّي عن حياتهم مع تمسّكهم الصلب بالأصالة العربية وترسيخ الانتماء لها، ورفضهم أن يكون الموحّدون الدروز «سكّيناً في ظهر أُمّتهم العربية»…
وخرجت اللجان الدرزية في الأرض المحتلّة كخطوة أولى على هذا الطريق، وكدليل على تشبّثهم بالأرض وعلاقتهم العضوية بها. وكانت «لجنة المبادرة الدرزية» برئاسة الشيخ فرهود قاسم فرهود إحدى العلامات البارزة في طبيعة الصراع. وليس الشاعر العربي الفلسطيني الدرزي سميح القاسم إلّا أحد الرموز التي تمثّل المقاومة بأروع صورها، وعندما رفض الانصياع لقانون التجنيد الإلزامي قال: «إنَّني كعربي أؤمن بعروبتي… أرفض حمل البندقية، وإنَّ تجنيدي بالقوة سيحيلني إلى مجرم… وستكونون مسؤولين عن كلِّ النتائج».
كذلك الحال بالنسبة للصحفي التقدمي سلمان الناطور، الذي أعلن موقفه الرافض للخدمة العسكرية في جيش الاحتلال قائلاً: «إنَّني أرفض الخدمة في جيش الاحتلال لأنّني إنسان أولاً، وعربي ثانياً، وفلسطينيّ ثالثاً، ودرزيّ رابعاً».
وتأتي انتفاضة دروز هضبة الجولان ضدّ السلطات الصهيونية حلقة من سلسلة المقاومة الدرزية للصهاينة، وهي امتداد للمرحلة السابقة التي بدأت بالمَرَدة والبيزنطيين والصليبيين والمغول والمماليك والعثمانيين مروراً بالفرنسيين وانتهاء بالصهيونية وحلفائها.
فعملية البقاء التوحيدي الدرزي لا يمكن ترسيخها إلا بمقاومتها لهذا الأخطبوط الصليبي القديم – الجديد. كما يتّخذ في كثير من الأحيان طابع التحدّي المباشر والمدوّن خطيّاً كما هي الحال مع عاصم الخطيب أحد قادة لجنة المبادرة الدرزية في رسالته المفتوحة إلى غولدا مائير رئيسة وزراء الصهاينة سابقاً والتي يقول
فيها: «أقسم لك يا سيّدتي قَسَماً عربيَّاً… ولكي تنامي يا سيدتي مرتاحة البال اتبعي هذه النصائح بعد أن تحفظيها:
- تقول دائرة المعارف البستانية… إنّ من أجداد الدروز الحاليين عشرة ممَّن بايعوا الرسول (صلعم) بيعة الرضوان تحت الشجرة.
- الأنسيكلوبيديا العبرية تؤكِّد وتقرّر أنَّ الدروز عرب أقحاح.
- في نشرة داخلية سِريّة لمكتب مستشار رئيسة الوزراء صدرت عام 1958 ورد في صفحة 6 قول الدكتور حاييم بلانك: «لغة الدروز العربية على الإطلاق، ولا مجال للافتراض بأنّ أصل الدروز يختلف كثيراً عن أصل الناطقين بالعربية». ويضيف الدكتور بلانك: «يخطئ من يعتقد أنَّ الدروز ليسوا عرباً، فالدروز هم قحّ العرب».
وردّاً على عروبة الدروز أصدرت وزارة المعارف والثقافة الإسرائيلية ثلاثة كتب بإشراف الدكتور الصهيوني جبرائيل بن دور هي: «التراث الشعبي الدرزي» و«القيم والتقاليد الدرزية» و«دروس في الآداب الدرزية». وضمن خطّة إقامة الدويلات في المنطقة العربية عمدت الصهيونية بعد سقوط الهضبة السورية في أيدي القوات الصهيونية لطرح مشروع الدولة الدرزية، ولم يكن هذا الطرح الصهيوني بصدد إقامة الدويلات الطائفية في المشرق العربي جديداً، لكن أهميته تكمن بُعيد الانتصار السياسي والعسكري الصهيوني على الأنظمة العربية، وإظهار القوة الصهيونية بأنها «قوّة لا تُقهر».
وقد كان لكمال جنبلاط – عبر المحامي كمال أبو لطيف وكمال كنج أبو صالح (من الجولان) – دور هام في إفشال هذا المخطط وتبليغه للسلطات الرسمية في سوريا ومصر والعراق ولبنان يومها…، ممّا كان له أبلغ الأثر على مختلف الأصعدة المتعلّقة بالموحدين الدروز ومواقفهم الوطنية والعروبية الملتزمة بمذهبهم التوحيدي… إنّه الدور المشرّف «للكمالات الثلاثة» على هذا الصعيد.
من هنا يتوضّح بكل جلاء أنّ موقف الدروز من عروبة فلسطين لا تشوبها أية شائبة. ومهما حاول أعداؤهم أن ينالوا منهم ويشوّهوا حقيقتهم، تبقى الحقائق التاريخيّة وتجاربهم في ميادين الحياة المختلفة، المعيار الأوّل والمقياس الوحيد للحكم عليهم. و«القومية الدرزية» (الخرافة) هي ذاتها «القومية اليهودية» التي قامت على أساسها دولة الاحتلال الصهيوني في فلسطين. فقومية الدروز هي القومية العربية ولن يرضَوْا عنها بديلاً. وهم، أينما كانوا في مناطق تواجدهم، يشربون من نبع واحد هو «التوحيد»، والتوحيد لا يدعو مطلقاً إلى التقسيم القائم على العنصرية والتمزّق والتشتّت. فوحدتهم هي الوحدة العربية، وكذلك قوميتهم. ومن يحاول من المغرضين والحاقدين تحميل «الأقليَّة الدرزية» في فلسطين، التي كان عددها عام 1948 نحو 14 ألف نسمة مسؤولية النكبة وسرقة فلسطين يومها، فهم مخطئون فعلاً… مع العلم أنّ قرار إبقاء هذه الأقلية في أرضها للدفاع عنها، يعود إلى كمال جنبلاط والأمير مجيد أرسلان وشيخ عقل طائفة الموحدين الدروز محمّد أبو شقرا، يومها، والبيان التاريخي الذي صدر بهذا الخصوص عام 1948، مع رفض مطلق لترك أرضهم وبيوتهم ووطنهم… (مع الأمل بالتدخّل الدولي العادل لحلّ المشكلة). كما كان للقائد سلطان باشا الأطرش موقفه أيضاً لبقاء دروز فلسطين في أرضهم وعدم مغادرتها، باعتبار أنَّ المغادرة تعني «اللّاعودة».
ويدرك الدروز إدراكاً واعياً أنّ «مشروع الدولة الدرزية» هو مشروع صهيوني استعماري، على أساسه قامت «إسرائيل» العنصرية التوسعية، واعترفت بها أميركا، ورئيسها ترومان، بعد سبع دقائق من إعلان قيامها. وأي كيان لها في المنطقة العربية، هو نسخة عنها، وطعنة للعرب والعروبة. كما أكّد الأستاذ وليد جنبلاط، في محاضرة ألقاها بدعوة من «رابطة العمل الاجتماعي» في مقرها في بيروت، في معرض كلامه عن الطائفة الدرزية مؤكِّداً «إنّنا طائفة وطنيّة عربيّة، تقدميّة منذ فجر التاريخ، وهذا تاريخنا ولا نستطيع أن نتخلّى عن هذا المنطلق الأساسي». وعن الدور الوطني للطائفة الدرزية قال: «لا يمكن النظر إلى دورها الوطني إلّا من خلال كون الطائفة الدرزيّة من الإسلام والعرب في آن واحد».
وبهذا المعنى أيضاً وجّه العقيد معمّر القذافي برقيته إلى الملوك والرؤساء في الدول العربية والإسلامية في أيلول 1983 بمناسبة «ثورة الشوف» كما سمّاها، قائلاً: من العار أن يقف رؤساء وملوك الدول العربية والإسلامية متفرّجين في حين تقوم الدول الغربية والصهيونية في حملة صليبية عاشرة لقتل عشيرة عربية أصيلة (الدروز) تدافع عن العروبة والإسلام في أرضها التاريخية. أيلول 1983/ معمر القذافي.
هذه باختصار أبرز النقاط التي تؤكّد عروبة وإسلاميّة ووطنيّة الموحدين الدروز في فلسطين والجولان ولبنان وسوريا، كما في أي بقعة من بقاع تواجدهم. وهي الردّ المنطقي والطبيعي على كلّ الافتراءات والمزاعم التي تهدف إلى سلخهم عن أصولهم العربيّة والإسلامية، وتعمل على خلق هويّة خاصّة بهم، لا تمتّ إلى حقيقتهم التاريخيّة بأيّة صلة. وفي النّهاية نستطيع القول: إن: صاحب البيت أدرى بالذي فيه…
المراجع
- «الموسوعة الفلسطينيّة»، الجزء الثاني (إعداد د. أنيس صايغ)، الطبعة الأولى، دمشق 1984.
- سعيد نفّاع «العرب الدروز والحركة الوطنية الفلسطينية حتى الـ1948 »، الدار التقدمية، المختارة – لبنان، الطبعة الأولى 2010.
- د. صالح زهر الدين، «المسلمون الموحدون الدروز من أسلافهم حتى اليوم»، طبعة أولى 2019 (إصدار خاص).
- تيسير مرعي وأسامة ر. حلبي، دراسة بعنوان: «الحياة تحت الاحتلال: مرتفعات الجولان»، نشرت في مجلة الدراسات الفلسطينية، العدد 13، شتاء 1993.
- غالب،أبو مصلح، «الدروز في ظل الاحتلال الإسرائيلي»، مكتبة العرفان، بيروت 1975.
- نبيه القاسم، «واقع الدروز في إسرائيل»، القدس، مطبعة دار الأيتام الإسلامية الصناعية، الطبعة الأولى1976.
- أنيس فوزي قاسم، «قانون العودة وقانون الجنسية الإسرائيليان»، بيروت 1972.
- الأمير شكيب أرسلان، «النقد التاريخي وعروبة آل معروف»، دراسة نشرت في مجلة «الميثاق»، الجزء السادس، حزيران 1980.
- عز الدين المناصرة، «الدروز الفلسطينيون»، دراسة نشرت في مجلة «شؤون فلسطينية»، عدد 108، ت2، 1980.
- Toufic Touma, «Paysans et Institutions féodales au Liban», (2 tomes), Beyrouth.
- Volney, «voyage en Egypte et en Syrie», Tome 2, Paris 1959.
- Adel Ismail, Histoire du Liban, Tome 1, Paris 1955.
- «الأنباء» (جريدة ناطقة بلسان الحزب التقدمي الاشتراكي)، بيروت، العدد 1400. الاثنين 15 شباط 1982.
- «الضحى»، العدد 02، كانون الثاني 2011.