ملحق خاص: مقاومة دروز فلسطين للخدمة الإجبارية
كان للقرار الإسرائيلي الذي أخضع الدروز في العام 1957 للتجنيد الإجباري أهداف واضحة، هي تفرقة المكوّنات العربية للشعب الفلسطيني وإذكاء الصراع والكراهية بين تلك الفئات، كما استهدف القرار استدراج العرب الدروز إلى وضع يجعلهم هدفاً للكراهية العربية ويفرض عليهم بالتالي تبنّي عقلية الحماية والاستقالة في الوقت نفسه من موجبات النضال الوطني والتضامن مع إخوانهم العرب الفلسطينيين. لكن بعد أكثر من 50 عاماً على الخطوة الإسرائيليّة أصبح رفض الخدمة الإجباريّة في جيش الاحتلال الإسرائيلي موقفاً درزيّاً عامّاً يشترك فيه الشباب والأمهات والأسر العربية الدرزية، ويعبّرون عنه بشتّى أشكال الاحتجاج والمقاومة المدنية وعبر وسائل الإعلام، تحت شعار: «أرفض، شعبك بيحميك».
حتى في المراحل الأولى لفرض الخدمة الإجبارية على العرب الدروز فإنَّ رضوخ هؤلاء للإجراء الإسرائيلي لم يكن طوعيّاً بل نجم عن الوضع النفسي والاجتماعي الذي تعانيه الأقليّة المعروفيّة في قرى شمال فلسطين، كما أنّه ارتبط بالموقف الفطري للموحدين الدروز والذي يقوم على التمسّك بالأرض بأيِّ ثمن والقبول في سبيل ذلك بتنازلات مؤقّتة تفرضها موازين القوى على الأرض وخصوصاً موازين القوى في المنطقة والضعف العربي والخلافات الفلسطينية التي كانت دوماً معوّقاً أساسيّاً للنضال ضد الصهاينة. ولا يسعنا في هذا الإطار إلّا أن نشير إلى ما كتبه المعلّم كمال جنبلاط في كتابه «من أجل لبنان» (والذي حمل بالعربية عنوان: هذه وصيّتي) وتطرّق فيه إلى قضية الخدمة الإجبارية بالقول: «من بين مشاكلنا كدروز، هناك مشكلة وجود جماعة درزية في فلسطين، وهؤلاء الدروز ليسوا كما يحكي البعض، خدّاماً أوفياء للدولة اليهودية، ولكنَّ الدرزي لديه من الحكمة ما يجعله لا يتخلّى عن أرضه متى جاء المحتل. وهذا هو المبدأ الذي طبقّه الدروز في العامين 1947 و 1948 عندما حاول الإسرائيليون طرد العرب. فهم بَقوا هنا وتدبّروا أمورهم بحيث لا يستولي القوم على الكثير من أراضيهم. وأعتقد شخصيّاً لو أنَّ الآخرين قلّدوا الدروز لما كانت هناك مشكلة اسمها «إسرائيل».
تحولت مقاومة التجنيد الإجباري إلى حركة شعبيّة واسعة منذ بداية السبعينيّات من القرن العشرين، وذلك مع قيام لجنة المبادرة الدرزية بقيادة الشيخ فرهود فرهود، والشيخ قاسم فرّو والشاعر سميح القاسم وغيرهم، وكان من أبرز أهداف المبادرة رفض قانون التجنيد الإجباري ومصادرة الأراضي وفرض «تراث درزي» مستقل عن التراث العربي.
وتلعب القيادات الدرزية في لبنان وفي سورية دوراً مُهمّاً في شدّ عزيمة دروز فلسطين للمضي في مقاومة الخدمة الإجبارية في جيش الاحتلال، وتمثل ذلك بسلسلة من المبادرات التي انتهت إلى عقد اجتماعات في عمّان في العام 2001 بين وفد من الموحدين الدروز في لبنان وآخر ضمّ ممثليّ الموحدين الدروز في فلسطين. وقد ركز ذلك الاجتماع التاريخي الذي نظمه الزّعيم وليد جنبلاط على بلورة استراتيجية للنضال ضد التجنيد الإجباري وتمّ الاتفاق على إجراءات انتقالية تقضي برفض العرب الدروز في فلسطين الخدمة في مهمات ميدانية أو قتالية قد تضعهم على تماس مع الشعب الفلسطيني، والاقتصار بالتالي على تأدية بعض الوظائف الإدارية، لكن مع إعطاء الأولويّة دوماً لرفض الخدمة في الجيش كموقف مبدئي للعرب الدروز في فلسطين.
وشكّل قدوم وفد «المعروفيين الأحرار» مع شخصيات وطنية درزية أخرى في الداخل الفلسطيني إلى لبنان في تموز 2010 للمشاركة في المؤتمر الاغترابي الأوّل للموحدين الدروز محطّة جديدة مهمّة في خطة النضال لتأكيد عروبة الدروز الفلسطينيين ورفض الخدمة الإجبارية. ومن المعروف أنّ هذه الخطوة التي نظمها الزعيم وليد جنبلاط لاقت تأييداً قوياً من الأمير طلال إرسلان الذي شارك في الترحيب بالوفد الفلسطيني، وألقى كلمة في الجلسة الافتتاحية للمؤتمر الاغترابي الدرزي أكد فيها على الموقف الدرزي المشترك في رفض الخدمة في صفوف جيش الاحتلال. وقد شدّد الأمير طلال في كلمته على التذكير بأنَّ الموحدين الدروز في فلسطين كانوا من أبرز ضحايا التهجير وأنَّ الاحتلال صادر ما يوازي 85 بالمئة من الأراضي المملوكة تاريخيّاً للموحدين الدروز في شمال فلسطين. وكذّب الأمير طلال الزعم الشائع بدور كبير للدروز في الجيش، مذكراً بأنَّ نسبة الموحِّدين الدروز الذين يخدمون في حرس الحدود هي أدنى نسبة مئوية بين عرب الداخل حيث لا تتجاوز الـ 0.49 في المئة (أي أقل من نصف في المئة) من «المتطوعين».