الجمعة, نيسان 26, 2024

اشترك معنا للاطلاع والحصول على أحدث المقالات والأعداد

الجمعة, نيسان 26, 2024

اشترك معنا للاطلاع والحصول على أحدث المقالات والأعداد

بحث ..

  • الكاتب

  • الموضوع

  • العدد

يوم البيارق في القريّا

يوم البيارق في القريّا

أبَـــــا هِنْـــــدٍ فــــَلاَ تَعْجــــَـلْ عَلَيْنَـــــا وَأَنْظِـــــرْنَا نُخَبِّـــــــــــرْكَ اليَقِيْنَــــــــــــــا
بِـــــأَنَّـــــا نُــــــوْرِدُ الـرَّايَـــــاتِ بِيْضــــــاً وَنُصْـدِرُهـــُنَّ حُمـــْراً قَـــــدْ رُوِيْنَــــــا

البيـــرق مهمـــاز البطولـــة فـي المعــارك
كـــــم مـن الشهـــــداء سقطـــوا لحمايتــــه

شهد صرح الثورة في القريّا في سورية في 21 آذار الماضي احتفالاً مهيباً بإيداع بيارق جبل العرب في صرح سلطان باشا الأطرش الذي يتحول بذلك يوماً بعد يوم إلى متحف متكامل للثورة السورية الكبرى، إضافة إلى احتضانه ضريح بطل الثورة وقائدها المغفور له سلطان باشا الأطرش. وقد جرى الاحتفال بحضور جمهور غفير من ممثلي القرى وحملة بيارقها الذين هم غالباً من أبناء أو أحفاد أبطال الثورة والمعارك العديدة التي جرت خلالها، وكانت المشاعر الجياشة واضحة في هذه المناسبة نظراً للرمزية الكبرى التي يحملها البيرق بالنسبة لكل من قرى الجبل العديدة ولما يحاط به من اهتمام ورعاية، وما يثيره أحياناً من تنافس بين العائلات ووجهائها على شرف الاحتفاظ به وحمله في المناسبات .
أما سبب ذلك التنافس فهو كون البيرق الراية التي حملها الثوار أثناء معاركهم التي خاضوها عبر التاريخ ضد قوى كبرى سعت لإخضاع الجبل المسالم فاستفزت مشاعر الكرامة والعزة بين أبنائه الذين كانوا يردون دوماً بعنف واستبسال في الدفاع عن حماهم وكرامتهم، بسبب الأنفة التي تميزهم وتمسكهم الشديد بكرامتهم، فقد وجد ثوار جبل العرب أنفسهم في مرات كثيرة في صدام مباشر مع قوى كبرى مثل العثمانيين والمصريين (حملة إبراهيم باشا) والفرنسيين، بحيث يمكن القول إن تاريخ الجبل كله هو تاريخ ملاحم ومواجهات بطولية استغرقت قسماً كبيراً من تاريخ الجبل الأشم.
والبيرق هو عبارة عن قطعة من القماش الأحمر مستطيلة الشكل ومكتوب عليها بعض العبارات التي تدل على اسم القرية التي يعود لها، وذلك لحث شبابها على القتال والشد من عزيمتهم. وجرت العادة أن يكون حامل البيرق من الرجال الشجعان لأن له مكانة خاصة في النفوس على اعتباره راية من رايات الحرب، وله مفاهيم عديدة منها أنه لا يجوز أن يقع البيرق على الأرض في ساحة المعركة، حيث يلتف المحاربون حول البيرق أثناء المعركة لحمايته من الوقوع في أيدي الأعداء، وإذا ما استشهد حامله تناوله شاب آخر قد يكون أخوه وكثيراً ما قام الثوار بغرسه بصدورهم بعد إصابتهم خوفاً من وقوعه، كما أن تاريخ الجبل والعائلات فيه زاخر بالقصص عن كل بيرق وكم من الشهداء سقط تحته في هذه المعركة أو تلك. وعلى سبيل المثال فإن بيرق السويداء سقط تحته في إحدى المعارك سبعة من أسرة واحدة في سعيهم المستميت للحفاظ عليه.

من يحمل البيرق؟
حمل البيرق شرفٌ لا يعطى إلا لأنبل شاب في القرية أدباً وأخلاقاً وفتوة وفروسية، بحيث يكون أهلاً لحمل بيرقها، لكن غالباً ما كانت تراعى في الاختيار اعتبارات أخرى مثل أن يكون حامل البيرق من عائلة شبابها كثيرون ومشهورون بتماسكهم وشدة بأسهم أثناء القتال، وذلك بما يضمن تكاتفهم واستماتتهم في الدفاع عن البيرق. وهذا ما يجعل العائلة التي يتم اختيارها لحمل البيرق ترى في ذلك شرفاً عظيماً لها لا تتنازل عنه مهما كلفها ذلك من تضحيات.

متى يخرج البيرق؟
لخروج البيارق في جبل العرب مغزى عظيم وجسيم لأنه لا يتم إلا في حالات الخطر الداهم والتنادي للذود عن الحياض. ففي أثناء الحرب يأتي النذير ويعلم أول من يصادفه من أبناء القرية بأن العدو في المكان الفلاني وأن عليهم الاستعداد على الفور للمواجهة. وغالباً ما يتابع النذير سيره خيالاً كان أو راجلاً على وجه السرعة بهدف إعلام القرى المجاورة التي تنتدب بدورها منذرين يتصلون بالقرى التالية. وغالباً ما تكون وظيفة النذير أن يصعد إلى أعلى مكان ويصيح (وين راحوا النشامى وين راحوا حماة الوطن) فتتناخى الشباب ويجتمعون في ساحة القرية ومعهم حامل البيرق وتبدأ “النخوات”.
ويحضر (عازف المجوز) إلى جانب البيرق ويبدأ بعزف نغمة تثير الهمم وترفع المعنوية في النفوس وتسمى هذه النغمة “الجرودي” ومعناها (تجريد السيوف من أغمادها استعداداً لمواجهة منتظم العدو).
وعادةً ما يخرج البيرق بعد اجتماع عام عند كبير القوم، حيث يقف حامل البيرق ومن معه من الفرسان في الساحة استعداداً للانطلاق إلى المعركة حيث تلتقي بيارق الثوار جميعها. وللبيارق منظر مهيب في ساحة المعركة، إذ يدخل الرعب في قلوب الأعداء. ومن العادات السائدة أيضاً أنه لا يجوز بأي شكل من الأشكال طي البيارق قبل انتهاء المعركة كما لا يجوز بأي شكل من الأشكال رمي البيرق على الأرض، وخير مثال على ذلك عندما استشهد “شهاب غزالي” (من قرية ملح في جبل العرب) غرس “البيرق” بصدره كي يحول دون سقوطه..

ضريح ومتحف سلطان باشا الذي استقبل بيارق قرى جبل العرب
ضريح ومتحف سلطان باشا الذي استقبل بيارق قرى جبل العرب

دور البيرق في المعركة
عند بدء المعركة يندفع حامل البيرق إلى موقع متقدم حتى يلحق به كل شباب القرية ويلتفّون جميعهم حول البيرق كالسوار وبشكل دائم، فإن استشهد حامله تلقف البيرق مقاتل آخر حتى انتهاء المعركة فيثبت البيرق عندها في مكان واضح كي يهتدي إليه كافة شباب القرية للعودة به، وبعد ذلك يعزف لاعب المجوز أنغام النصر ويتحلق المقاتلون لأداء رقصات حربية على أنغام المجوز الحماسية وتصفيق الأيادي احتفاء بالنصر الذي تحقق بجهودهم وتضحيات رفاقهم من شهداء وجرحى.
إن أهمية البيرق في التكتيكات العسكرية للمقاتلين في جبل العرب هو أنه يعتبر أهم وسيلة للتشجيع على ثبات المقاتلين في موقفهم واجتناب الانهزام مهما اشتدت الضغوط. بمعنى أن العنصر الأهم في معارك الموحدين الدروز في جبل العرب، والعامل الأساسي الذي وقف وراء انتصاراتهم الباهرة على جيوش جرارة كان دوماً الروح المعنوية والاستعداد للبذل وعدم الخشية من الموت، بل الإقبال عليه دون تردد وفي الحكمة الشريفة (لا تخافوا من تمزيق أقمصتكم) أي لا تخافوا من خسارة الجسد الذي هو مجرد قميص للروح ولا يكون التعلق بالحياة سبباً للهوان والعيش الذليل.
من أجل توضيح المغزى الكبير للبيرق في تاريخ جيل العرب وأبنائه نورد في ما يلي بعض المقتطفات من الشعر الشعبي الذي قيل في البيرق من بعض الشعراء المعروفين.

هلال الأطرش على فرسه 1925 وخلفه حملة البيارق
هلال الأطرش على فرسه 1925 وخلفه حملة البيارق

تاريخنــا وضــاح مابــه عروجــــي ومجــد ليعــرب طافــح بكــل الــوزان
ويوم البيارق في المعامع خفوجي وين إنت يلي مصنف الناس غفلان
محمد جادو شجاع

شدوا على قب الرمك والبكارة وخلوا البيــارق فوقهــــا ترجف رجــوف
ويا ما حلا عند الصباح المثارة ويضحى سماها بأصفر العج مكسوف
إسماعيل العبد لله

حمر البيارق ما إنطـــوت عاذلة وعاداتنــــــا جيـــــش العــــدو نذلـــــــــــه
بصوله تــــــــروي للقـــلب والغلــة وأرض العــــرب لا بد من تكنيســـــــــــا
عيسى عصفور

حمر البيارق والسيوف رعافــــي شيـــالة ضيــــم الدخيــــــــل العــــافــــي
والديرة اللما أنتم بهـــــا تنعـــافي لو أنها جنــــة عـــدن والطـــــــــايـــــــــفِ
عيسى عصفور

يــا سيوف تزنري بلون الـــــورود وحزي رقاب البِطْل والعنق إقطعــــــي
ويــا بيــارق لوحي فــوق الـــــزنود شقـي الفضا وكفي طريقك وإطلعـــي
علي شعبان

سلطان متحــــف للبيارق والعلام للهنــــــــادى.للمــــدى. للمطـــــــــــــــــال
سلطان يمكن من بعد ألفــين عام بيظل بيــرق للمحـــبــة والســـــــــــــلام
حمد المصفي

بيــــــــــــــــــرق جبلنا إلي إنتـــــصب فـــــــــــــوق الليــــــــــــــــــوث بغابهــــــــــــا
وجبـــــــــــــــال بركـــــان الغــــــــضب عســـــــــــــــرت علــــــــــــى طلابـــــهـــــــا
شاعر من الجبل

مشاركة المقال

التعليقات

Leave a Reply

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اترك تعليقاً

Leave a Reply

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

المقالات ذات صلة

السابق
التالي

اكتشاف المزيد من Dhoha Magazine

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading