الأحد, شباط 23, 2025

اشترك معنا للاطلاع والحصول على أحدث المقالات والأعداد

الأحد, شباط 23, 2025

اشترك معنا للاطلاع والحصول على أحدث المقالات والأعداد

بحث ..

  • الكاتب

  • الموضوع

  • العدد

سلامة علي عبيد

سلامة علي عبيد

المناضل الوطني والمفكر والشاعر والمؤرخ
رائد الشعر الحديث ومؤلف المعجم الصينــي

قاوم الفرنسيين وعهد الشيشكلي وأيّد الوحدة العربية
لكنه صُدم بالسياسة وفضّل التفرغ للأعمال الإبداعية

كانت ولادة سلامة عبيد في مدينة السّويداء عام 1921، في أسرة معروفيّة ذات تاريخ نضالي عريق، فجدّه حسين عبيد قاوم العثمانيين في جبل لبنان واضطر للنزوح مع أسرته إلى جبل حوران ليستقر ّ في السويداء وذلك في العقد الثامن من القرن التاسع عشر، ومن ثمّ ليصير أوّل رئيس بلديّة للمدينة عام 1890؛ أمّا والده علي فقد كان من أركان الثورة السوريّة الكبرى عام 1925 ــ 1927 إلى جانب قائدها العام سلطان باشا الأطرش ومن رفاقه في المنفى الصحراوي من أراضي المملكة العربيّة السعودية التي استضافت الثوّار السوريّين آنذاك وحتى عام 1937.

بيئة تحرر ونضال
كانت أسرة علي عبيد أسرة جهاد وتضحيات، فاثنان من أخوة سلامة كانا من الشّهداء، أخوه الأكبر نايف استشهد في معركة السويداء الثانية عام 1926، وأخوه رشيد اعتقله الفرنسيون عام 1930 وكان عائداً من مهمة سرّية من القدس، إذ كانت هناك علاقة وطيدة بين الثوّار السوريين والحركة الوطنيّة الفلسطينية التي كان يقودها الحاج أمين الحسيني، وكان علي عبيد والد رشيد أحد أبرز عناصر التواصل بقادة الحركة الوطنية الفلسطينية. وعلى هذا كان اعتقال رشيد من قبل الفرنسيين وبالتواطؤ مع المخابرات البريطانية وسيلة مباشرة للضغط على الوالد الثائر خصوصاً، وعلى الثوّار السوريين عموماً.
سجن رشيد في درعا وبتأثير التعذيب ساءت صحته، وعندما تأكدوا من قرب وفاته أخرجوه من السجن مشياً على الأقدام من درعا الى السويداء ليتوفّى سريعاً في منزل الأسرة في السويداء بتاريخ 28/5/1930 بعد خروجه من السجن، وقيل إنّ الفرنسيين دسوا السمّ له؛ أمّا أخوه الأصغر من سلامة، كمال، وهو الضابط الطيّار في سلاح الجوّ السوريّ فقد كان من شهداء حرب تشرين عام 1973.

طفولة سلامة في المنفى الصحراوي
عاش الطفل سلامة ردحاً من طفولته في صحراء النبك في الأراضي السعوديّة مع الأسرة المنفيّة، وهناك تعرّف عن كثب على قادة الثورة الكبار، سلطان باشا الأطرش والأمير عادل أرسلان وغيرهم من الثوّار وهم رفاق أبيه، ومنهم معلّمه الأوّل الذي تعلّم منه القراءة، إلى جانب أطفال الثوّار في الصحراء، المجاهد الشيخ أبو زين الدّين صالح أبو عاصي (لبناني ثائر من معاصر الشوف)، وعن أولئك الرّعيل من الثوّار تعشّق سلامة حب الوطن وأحبّ الحرية والنّضال في الدفاع عنها.
تقول ابنته الأستاذة المثقّفة سلمى عبيد في مقابلة أجرتها معها “الضحى” ربيع 2017 في معرض حديثها على نشأة الوالد:
“كان لجدّتي شريفة منصور عبيد، والدة أبي الأثر الواضح في حياته، إذ كانت الوارثة الوحيدة لأحد كبار ملاّك الأراضي في جبل لبنان آنذاك، وبالرّغم من اعتيادها حياة الترف فقد رضيت حياة المنفى الصحراوي التي عاشها زوجها إلى جانب رفاقه المجاهدين، وتحمّلت مرارة الجوع والعطش والحرمان في حياة صحراويّة بالغة الشّظف والقسوة”.
> كيف سارت الحياة بالأسرة على أثر لجوء جدّكم إلى المنفى عام 1927، وكيف كانت حياة الطفل سلامة حينذاك؟
عاش والدي مع الأسرة في المنفى حتى عام 1930 وحينها أُرسِل به إلى لبنان للتعلّم في بيت اليتيم الدرزي، بمنحة خاصّة لأولاد المجاهدين الذين فقدوا ثرواتهم أيام الثورة. كان بمفرده بادئ الأمر وقد كتب عن تلك الفترة قصّته الرائعة “هديّة أم”، عندما لم تجد الوالدة التي كانت حينها في السويداء ما ترسله لابنها في لبنان هديّة أو نقوداً ولو ليرة واحدة، فقد أرسلت له مع المعلّم الشيخ هاني باز رضوان فرنكين. لم يكن معها غير ذلك (المبلغ!) من المال. بعد تلك الفترة القاسية على الطفل سلامة قالت أم نايف لزوجها وهي التي لم تتخلّ عنه في فترة الثورة والمنفى بأنها ستذهب إلى لبنان لتبقى مع أبنائها وتهتم بتعليمهم، أجابها الزوج:”أنا رجل معروف ولا أستطيع أن أترك بيتي بلا زوجة “، قالت السيّدة بحزم: “أنت تستطيع أن تجد زوجة غيري، ولكن أولادي لن يجدوا أمّاً سواي!”، وذهبت السيدة شريفة مع أبنائها جميعاً ليعيشوا في عاليه، سكنوا في قبو غير بعيد عن قصر والدها الذي كان قد بيع لتمويل الثّورة التي استهلكت أملاكاً كانت منتشرة بين بيصور وصوفر بيعت للثورة. اصطحبت جدّتي أبناءها إلى موطنها الأوّل في لبنان لتمكينهم من الدراسة وذلك بين عامي 1930 و1940، وفي نهاية تلك الفترة حصل والدي على الشهادة الثانوية ومن ثمّ عاد ليعمل في التّعليم الابتدائي في السويداء، وفي تلك الفترة، فترة الدراسة في الجامعة الوطنيّة وما تلاها تفتحت موهبته الشعرية. كانت أشعاره الأولى أناشيد تطفح بمشاعر الثورة على الاستعمار الفرنسيّ، ففي عام 1943 كتب مسرحية شعرية عنوانها “اليرموك” مستلهماً التاريخ العربي الإسلامي، وعرضت المسرحية فعلا في مدينة صلخد رغم معارضة الفرنسيّين لذلك، وهذا يدل على مدى تصميم شباب الجبل آنذاك الذين كانوا يلتفون حول عصبة العمل القومي التي كان الوالد من نشطائها البارزين (مؤسّسها اللبناني علي ناصر الدّين وقد انتشرت فروعها آنذاك في بلاد الشام) وكان يرأس تنظيمها في السويداء السياسي والأديب سعيد أبو الحسن، وتربطه علاقة وثيقة بالوالد، فكلاهما شاعر وسياسي نهضوي، وثائر على سلطة الاحتلال الفرنسي.
> ما المدارس التي درس فيها الوالد سلامة بعد بيت اليتيم؟
درس أبي في الجامعة الوطنية في عاليه، وكان من أساتذته الأستاذ هاني باز والأديب مارون عبّود الذي اكتشف مواهبه ورعاها وشجّعه على أن يكون كاتباً”.
> وماذا عن دراسته الجامعية؟
وصل والدي إلى بيروت نهاية عام 1946 وبداية 1947، يعني الفصل الثاني من السنة الجامعية، بمنحة قُدّمت له من الجامعة الأمريكية، في حينها كان معلماً وأباً وقد استفاد من نظام الساعات المعتمدة في الجامعة ومن دورات الصيف فكثف دراسته واستطاع ان ينهي دراسته بأقل من خمس سنوات إذ حصل على شهادة الماجستير بدرجة امتياز وقد أنهى دراسته في خريف 1951 ولمّا لفت تفوّقه نظر أساتذته ومنهم د. نقولا زيادة فقد حاولوا إقناعه البقاء في لبنان والتدريس في الجامعة الأمريكية ولكنه أصر على العودة إلى السويداء.
> ماذا عن حياة الوالد الأسريّة؟
تزوّج عام 1945من أمّون نعيم قائد بيه، ابنة خالته من عين عنوب، وتنتمي لعائلة لبنانيّة عريقة تعود بنسبها للأمراء اللمعيين، (وقد نوّه الرّحابنة بدور أمراء آل قائد بيه في مسرحيّتهم التاريخيّة “صيف 1840”. كان لتفاني تلك الأم الوالدة وتحمّلها أعباء ومشاكل الحياة اليومية لأسرتنا الدّور الكبير في تمكين والدي من التفرّغ للكتابة والعمل السياسي والنّشاط الفكري الذي مارسه لفترة من الزّمن قبل سفره إلى الصين. ، وقد أنجب الوالدان ستّة أبناء هم (أنا) سلمى 1946، وليلى 1949، وأكرم 1953، و ضحى 1957 وعامر 1959- 1994 ، وناصر 1963
> ما الوظائف التي شغلها الوالد بعد حصوله على الماجستير؟

منظر عام لمدينة السويداء
منظر عام لمدينة السويداء

> هل كان لدى المرحوم والدكم تخوّف ما على دولة الوحدة بسبب ممارسات سلبيّة في إدارة الإقليم الشمالي مثلاً؟
لم يسكت والدي على ما كان يراه خطأ في دولة الوحدة، كانت تلك الدولة حلم غالبية الشعب العربي في ذلك الزمن، ومع ذلك وبسبب صراحته في نقد مواطن الخلل في إدارة الدولة فقد كان قيد المراقبة الشديدة من عبد الحميد السرّاج وزبانيته الممثّلين بدائرة المباحث (أمن الدولة في ذلك الزّمن ) فهو كعضو مجلس أمّة قريب من السلطة المركزية في الإقليم الجنوبي، وهذا يجعله موضع حذر من السرّاج الممسك بمفاصل السلطة في الإقليم الشّمالي، والذي يكاد يكون الرئيس الفعلي لسورية آنذاك. أذكر يوماً أنّني كنت أمشي في حديقة بيتنا فشاهدت رجلاً يجلس القرفصاء خلف شباك مضافتنا يتنصّت إلى أحاديث والدي وزائريه، ظننته يقضي حاجة، وعندما أخبرت والدي ابتسم بمرارة وقال: “ بابا هذا موظف”، ولم يزد على ذلك. كان ذلك الرجل المريب يكاد يكون مقيماً خلف شباكنا. وقد قدم الوالد الكثير من الاعتراضات على الممارسات القمعية للمباحث آنذاك، وعلى تسريح ضباط الجيش ممن لم يرض عنهم السرّاج وغير ذلك كثير. وكنا نحن أسرته نشعر بأنّه مهدّد بالاعتقال في كل لحظة لولا التخّوف من ردود فعل المجتمع في حينه… من أغلاط الرئيس عبد الناصر اعتماده على السّراج ومن هم على شاكلته في التصرّف بإدارة الإقليم الشمالي. كان الوالد يتذمّر بشدة من عمليّات القمع وخنق الحرّيات واستيراد آلات تعذيب كانت جديدة على سورية حينها.

سلامة عبيد حذر من تجاوزات عهد الوحدة وخصوصا أثناء طغيان عبد الحميد السراج لكن الانفصال شكل صدمة كبيرة له
سلامة عبيد حذر من تجاوزات عهد الوحدة وخصوصا أثناء طغيان عبد الحميد السراج لكن الانفصال شكل صدمة كبيرة له

صدمة انهيار الوحدة المصرية السورية
لكنّه صُدم بانقلاب الانفصال الذي كان يحذّر من مسبّباته المنذرة بالخطر على دولة الوحدة. بعد الانفصال لم يتولّ والدي أيّة وظيفة حكوميّة، ومع أنّه شارك في التحضير والتأييد لثورة الثامن من آذار وعُرضت عليه مناصب وزارية أو دبلوماسية، إلا أنه آثر التركيز على التوعية الفكريّة والابتعاد عن السياسة، ثم وبعد سفره إلى الصين بعد عام 1972 عرض عليه أن يكون سفيراً لسورية في الصين فرفض العرض مكتفياً بالعمل الأكاديمي في جامعة بكين.
> كيف توصل الوالد إلى العمل في الصين؟
بعد تعرّف المسؤولين في السفارة الصينيّة عليه من خلال تعليمه لطلاّبهم وقد وثقوا به وبقدراته؛ اقترحوا عليه أن يشرف على إنشاء قسم للّغة العربيّة في جامعة بكّين، وعلى هذا فقد عمل بمساعدة بعض الأساتذة الصينيّين على تنفيذ تلك المهمّة، ولما لم يكن هناك من كتب مناسبة فقد قام بنفسه على إعداد الكتب المطلوبة في أصول تدريس اللغة العربيّة والأدب العربي واللغويات وأصول الترجمة، وتاريخ الديانات الإبراهيمية الذي أولاه القادة الصينيّون عنايتهم كمعنيين بالسياسة الدوليّة. وبذلك فقد وضع منهاجاً كاملاً للقسم معظمه بمجهوده الشّخصي،
وعندما لم يجد قاموساً صينيّاً عربيّاً تطوّع مجّاناً بتأليف قاموس صيني عربي إنكليزي مستنداً إلى معرفته العميقة باللغات الثلاث، فقد كان يتقنها بالإضافة إلى اللغة الفرنسيّة، ولم يكتفِ بذلك بل عمل على ترجمة مختارات من الأدب الصّيني إلى اللغة العربيّة.. ومن جانب آخر فقد بقي على علاقة طيبة بالسفارة السورية في الصين خاصّة أثناء وجود مواطنه، ابن بلده الدكتور جبر الأطرش سفيراً لسورية هناك. وكان الطلاب السوريون يعتبرونه أباً لهم، حيث كان يعمل على متابعة دراستهم وحلّ أيّة مشكلة تعترض أحدهم مع السفارة الصينيّة.

حياة تنقل دائم

جامعة بكين في الصيين حيث ساعد سلامة عبيد في تأسيس قسم اللفة العربية
جامعة بكين في الصيين حيث ساعد سلامة عبيد في تأسيس قسم اللفة العربي 1966 …
الجامعة الأميركية في بيروت حيث حصل سلامة على درجة الماجستير وعرض عليه التعليم فيها لكنه آثر العودة إلى وطنه
الجامعة الأميركية في بيروت حيث حصل سلامة على درجة الماجستير وعرض عليه التعليم فيها لكنه آثر العودة إلى وطنه

قاموس سلامة عبيد
العربي الصيني الإنكليزي

من أضخم أعمال سلامة عبيد تأليفه القاموس العربي الصيني الإنكليزي الذي عمل عليه بدأب 10-14 ساعة يومياً لأكثر من عشر سنوات ليظهر إلى النور بعد ذلك بـ 2264 صفحة من القطع الكبير.
ساعده عبيد على ذلك فريق من الأساتذة الصينيّين، ولمّا كان الطبيب الصينيّ يحذره من أثر ذلك المجهود على صحّته المتعبة، كان يجيبه: “ هذا القاموس ينهيني أو أنهيه”. وهكذا كان فقد دفع سلامة عبيد فعلاً حياته ثمناً لذلك المجهود الجبّار، إذ توفّي في اليوم التالي لعودته إلى سورية من الصين.

رائداً للقصيدة العربيّة في الشعر الحديث
من المعروف أنّ والدك من روّاد القصيدة الحديثة والتفلّت من الوزن الشعري وهو شرح موقفه هذا في وصفه لحالة الشعر في بغداد أيام بني العباس بهذا البيت:
عـــــــــــــــرف الشعـــــــــــــــر زمـــــــــاناً طيّبًاً
مطـــــــلق النهضة يزري بــــــــــــــالقيود
فما قولكم؟
عام 1946 ولدت (أنا)، ابنته سلمى، ويومها بمناسبة ولادتي كتب الوالد قصيدته المعروفة “إلى ابنتي”، والتي مثّلت حينها أوّل قصيدة تنتمي إلى شعر التفعيلة، يقول فيها:
يا بْنَتي؟ فتّحْتِ عينيكِ على دنيا ضياءٍ وحَنانٍ
وأناشيدٍ حِسان، فتطلّعتِ كئيباً وبكيتِ
وهبوكِ الثّديَ ريّانَ شهيّاً فأبَيْتِ، فلماذا يا بْنَتي جئت حزينة؟
عالماً لاتعرِفينَه ؟؟.
لانيوبَ لدهر آذتكِ، ولا أعوان دهرك
وطيوفُ الهمّ لمّا تتململ فوق صدرك
بيتُنا جرّبْتُ أن يبدوَ في أحسنِ زينهْ، في بياضِ الياسمينه
وفؤادي كان جذلانَ لمرآكِ، طروبا، لا عَبوساً أو غَضوبا
فلماذا يابْنتي جئت حزينهْ؟ عالماً لاتعرفينَهْ ؟؟
كانت تلك القصيدة أسبق من قصيدة “الكوليرا” لنازك الملائكة التي نظمت عام 1947، وكذلك مما كتبه بدر شاكر السياب في دواوينه من شعر ينتمي إلى شعر التفعيلة بعد عام 1948 وما بعدها.
قبل ذلك كانت قصيدته من شعر التفعيلة “من دمانا”، وقد نظمها على أثر قصف القائد الفرنسيّ أوليفا روجيه لمدينة دمشق والمجلس النيابي بالطيران والمدفعية، ومما قاله فيها:
من دمانا، أيّها السفّاحُ، من دمع اليتامى والأيامى
أترِعِ الكأس مُداما، وأدرها بين أشلاء الضّحايا
واستغاثات الثّكالى والسّبايا، وزئير المدفع الطّاغي وأنّات الشّظايا
أترع الكأس وناولها النّدامى، من دمانا أيّها السّفاحُ
من دمع اليتامى والأيامى
أمطرِ الشّام حديداً ولهيبا، واسْتَبِحْ فيها هلالاً وصليبا
واذبح المرضى ولاتخْشَ عذولاً، أو رقيبا

مجدد الشعر العربي
يرى الدكتور رضوان القضماني أن سلامة عبيد كان الرائد في الخروج من العمود الشعري في المشرق العربي بدءاً بقصيدته “يا بلادي” التي نظمها عام 1943 وكانت بمثابة “ثورة في التّجديد إذا ما قورنت بأشعار عصرها سواء في المضمون أو في الأسلوب” ثم قصيدته “إلى ابنتي”، التي نظمها عام 1946، هي مثبتة في ديوانه لهيب وطيب، بينما قصيدة الكوليرا لنازك الملائكة تعود لعام 1947، وللأسف فما زالت المناهج المدرسيّة والجامعيّة تتجاهل حقيقة أنّ سلامة عبيد هو أوّل من أدخل التجديد إلى الشعر في المشرق العربي.
ولقد جمع الرجل في إبداعه بين الشعر والأدب والتاريخ، فهو مؤرخ صادق ومن أعماله المرجعيّة كتابه “الثّورة السّورية الكبرى، في ضوء وثائق لم تُنشَر” ويضمّ كتابه ذاك كمّاً كبيراً من الوثائق الغنيّة بالمعلومات التي عمل على جمعها وتدقيقها على مدى عشرين عاماً تناولت أحداث الثورة التي كان قد تعرّف على أركانها عياناً في المنفى، وفي مراحل حياته التالية بحكم كونه ابنا لعلي عبيد أحد أركانها البارزين، وقد طُبع الكتاب في بيروت عام 1971، ولا يمكن لباحث جادّ في شأن تلك الثورة وفي سيرة سلطان باشا الأطرش قائدها العام أن يتجاهل أهمّية ذلك الكتاب وقيمته المرجعية.

شعره مرآة نفسه
نتلمّس مزايا الشاعر من خلال قصائد ديوانه “لهيب وطيب” وقد قدّم له أستاذه الأديب الكبير مارون عبّود بقوله: “الديوان عنوانه (لهيب وطيب) وهو كذلك، فلو لم يحترق سلامة عبيد في جحيم الآلام لما خرج من رأسه هذا الشعر الفصيح الذي لم تفسده رطانة وميوعة هذه الحقبة، قلنا إنّه تألُّم والألم معصرة القلوب والعقول، عفواً فلنقل إنبيق، لأن الطيب يُستَقْطَر استقطاراً على اللّهيب، وأيُّ لهيب أحرّ من لهيب النّبك في صحراء نجد التي عرفها سلامة طفلاً مشرّداً مع أبيه والعائلة بعدما وضعت الثورة السوريّة أوزارها؟”…

الموظف المسؤول والمثالي
بالإضافة إلى عمله مديراً للتربية في السويداء شغل سلامة عبيد مهمّة مدير بيت اليتيم وكان عضواً في اتّحاد الكتاب العرب وعضواً في جمعية العروة الوثقى في الجامعة الأمريكية ورئيس تحرير لمجلّتها، وقد عمل على تأسيس ومتابعة عدد من الأنشطة الثقافيّة والرياضية في المحافظة كالكشافة والمسرح المدرسي والمنتديات الثقافيّة والمكتبات المدرسيّة والمعارض.
وعمل على الاهتمام بالآثار والتعريف بها وطباعة أدلّة للتعريف بالمحافظة. كذلك شارك في كثير من المؤتمرات الأدبيّة والثقافية وألقى عشرات القصائد في مؤتمرات ومنتديات في سورية ولبنان والعراق ومصر والمغرب والإمارات كما شارك في مؤتمر الأدباء الآسيويين والإفريقيين في بكّين عام 1964
كما كان له دور كبير في إنشاء قسم اللغة العربية في بكّين وكتب عشرات الكتب التعليمية لتعليم الصينيّين اللغة العربية.

سلامة عبيد ولبنان
عاش سلامة عبيد تلميذاً وطالباً في لبنان بين عامي 1930 و1940، ووثّق عن تلك الفترة أحداثاً جمّة سجّلها في كتابه “ذكريات الطفولة”، وفيما بعد درس في الجامعة الأمريكية بين عامي 1947و1951، وفي شعره يتجلّى حنينه ألى لبنان وطن الأجداد إلى جانب ذكرياته في دمشق
في “ديوانه لهيب وطيب” قصيدة “تحية لبنان”، نظمها على أثر استقلال لبنان هذا بعض ما جاء فيها:
لبنــــــــــان والآلام تجــمعنـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــا ورؤىً معطّــــــــــــــــــــرة اللمــــــــى خضــــــــــــــــــــر
وصنـــــــــــائــــــــــــــــــــع بيــــــــــــــــــــض تعشّــــقـــــــــــها وهفـــــــــــــــــــا لمثل أريجــــــــــــــها الزّهـــــــــــــــر
ودم تعصبــــــــــــــت العــــــــــــصــــور لــــــــــــــه فبدت وحـــــــــــــــــــــــــول جبينــها فــجر
يــــــــــــــرضي العروبة مــــــــــا بذلت لها وتعــــــــــــــود بـــعــــــــــــــد الفـــجر تفتــــــــــــــــــــــــرّ
لــــــــــــــبنــــان جئــــــــــــــــت بنيك معتــذراً عنّــــــا وليـــــــــــــــــــــــــس لمثــــــــــــــلنـا عـــــــــــــــــذر
هــــــــــــــم للســـيــــــــــــــادة والحياة مشـــــــوا وسيــــــــــــــوفـــــهم رعّــــــــــــــافــــــــــــــــــــــةٌ حمـــرُ
هبّــــــــوا إلى اســــتقـــــــــــــلاله ومشــــــوا وعلـــــــــى أكبادهم مكلومة مرّوا

سلامة عبيد في شبابه
سلامة عبيد في شبابه

قصيدته في الشهيد عادل النكدي
وهو لاينسى الشهيد البطل عادل النكدي من بلدة عبيه في لبنان، الطالب الجامعي الذي كان يدرس في لوزان في سويسرا وهو على أبواب التخرّج من الجامعة، ترك الجامعة ليلتحق بالثورة السورية مجاهداً، واستشهد بطلاً بعد معارك خاضها في غوطة دمشق، وبمناسبة نقل رفاته في احتفال مهيب عام 1945 ألقى الشاعر هذه القصيدة ومنها:
لــــــــــــي مثـــــــــــــــــــــلُ ما لَكَ أعمــــــــــــــــــام وإخـــــوان في حــــومة الحــــقّ ما ذلّوا وما لانـوا
ضجّوا من القيد بعد القيد يحكــمه معربــــدٌ من خمــور السّــين1نشـــوان
فاستنصروا البيض والجــــــــرد العتاق فما هانت على جيشه الطاغي وما هانوا
أكـــــــــــــــــــــــــــــــــــرم بــــــــها ثـــــورةً دوّت مجـــــــلجلـــــــــــــــةً كمـــا يتفـــــجّر في الظلمـــــــاء بــــــــــــــــركان
فــــــــــي ذمّة الله مــــــــــــــــــن صانوا كـــــــــــــــــرامتــــنا إمّا استُفِـــــزّت ومن قربانـــــــــــــــها كانـــوا

قصيدته «المنارة الهاوية» في رثاء الأمير شكيب أرسلان
يقول فيها:
قضى من تحدّى الدهــر دهراً فما انثنى ولا هادنتــــه أو تراخت نوائبـــــه
سعــــــــــى طـــالبــــــــــاً حـــــــــــــقّ الحيـــــــاة لقومـــــــــه ومــوج المنايا دون مــــــــــا هو طالبــه
فكــــــان بــــــــوجـــه الطامعيـــــــــــــــــن غضنفــــراً هصوراً ثقيل الوقع مذ طرً شاربه
ينـــــــــــــــازلهــــــــــــــــم في أرضـــــهم بعــد أرضـــــه وحيــــــداً فما لانوا ولا لان جانبه
فما انفكّ حتى حصحص الحق وانبرت زلالا لأقـوام عطاش مشاربــــــه

رثاء الأمير عادل أرسلان
في قصيدته” أمل قضى” يرثي الأمير البطل فيقول منها:
هيهــــــــات لا قلمي يـــــكـــــــاد ولا فمـــــــــــــي يقوى علــى بث الأســى المتضرّمِ
سيــــــــــف العروبة لا العروبة وحدها تبــــــــــــــــــكي عليك ولا هـــلال محــرّمِ
أيُّ الأســـــــــود يطيـــق مـــــــــــــــــــــا جابهتـــــــــــــــــــــه تحت الغبار المـرّ في بـــــــــــــــــــــرك الــــدّمِ
أيُّ السيوف يظــــــــــــــلّ مثلك مرهفـــــــــــــــــــــــاً لــــــــــم ينــــــــــــــبُ فـــي أمــــــــــــــــرٍ ولـــــــــم يتثــلّـــــــــمِ
عرفَ الزعامــــــــــــــة عفّـــــــــــــــــــــةً ومــــــــــــــــــــــــــــــروءة لا وطـــأة مـــــــــــــــــــــــن صـــولةٍ وتــحَــــــــــــــكّمِ

وفاته
في اليوم التالي لعودته من الصين توفي الأديب والشاعر والمؤرخ والباحث سلامة عبيد، كان ذلك يوم 25 آذار 1984 واختتم هذا الرجل الفذّ بذلك حياة حافلة بالنضال الوطني والإسهام الفكري والثقافي والاجتماعي.

مشاركة المقال

التعليقات

Leave a Reply

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اترك تعليقاً

Leave a Reply

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

المقالات ذات صلة

السابق
التالي