الجمعة, آذار 14, 2025

اشترك معنا للاطلاع والحصول على أحدث المقالات والأعداد

الجمعة, آذار 14, 2025

اشترك معنا للاطلاع والحصول على أحدث المقالات والأعداد

بحث ..

  • الكاتب

  • الموضوع

  • العدد

دور الغدّة الدرقيّة في زيادة الوزن

الإفراط في الطعام ليس السبب الوحيد لزيادة الوزن، إذ إنّ هرمونات الغدّة الدرقية قد تكون السبب في المعاناة من الوزن الزائد؟ بحسب موقع Byrdie البريطاني فان كثيرا من المشاكل تُعزى إلى هذه الغدّة الصغيرة مثل فقدان الشَّعر والشّعور بالبرد، لكن ما يميّزها أيضا أنَّها تفرز هرمونات مسؤولة عن زيادة الوزن.

هرمونات الغدّة الدرقيّة:

وفقاً للأطباء، إنّ هرمونات الغدّة الدرقيّة تُعْتَبر من أسباب زيادة الوزن الأكثر شيوعاً لا سيّما عند النّساء. دَعُونا نبدأ بتعريف بسيط للهرمونات. أفضل ما توصف به الهرمونات إنّها وسائل إرسال كيميائيّة تُنتجها الغدد في جهاز الغُدد الصمّاء. ومن خلال إفرازها في مجرى الدم، تسيطر الهرمونات على الوظائف الجسدية الرئيسية بدءاً من الخصوبة ومروراً بالجوع ووصولاً إلى العواطف والحالة المِزاجية، لذا تحتل أهميّة كبيرة. ويوجد كثير من الغدد التي تفرز الهرمونات ويتكوّن منها جهاز الغدد الصماء، ولديها جميعاً أدوار مختلفة. إنّ الغدّة الدرقية، هي غدّة صماء تشبه شكل الفراشة  موجودة في وسط الرّقبة.

ما وظيفة الغدة الدرقية؟

تنتج وتفرز الهرمونات، التي تتحكّم في عمليّة التمثيل الغذائي في الجسد، (وهي العملية التي يحوّل بها الجسد الغذاء إلى طاقة، إذ يحترق الغذاء فيتحوّل إلى سُعرات حرارية تُنتج الطاقة). تتضمّن الهرمونات المسؤولة عن هذه العملية هرمون الثيروكسين(T4) ، وهرمون ثلاثي يود الثيرونين (T3).

تضخم الغدة الدرقيّة

قد يحدث تضخّم الغدة الدرقية نتيجة لحالة صحية ما، مثل نقص اليود، أو الالتهاب الناتج عن العدوى، أو أمراض المناعة الذاتية. وقد تكون مجرد أورام حميدة لا تسبب مشاكل صحية على الإطلاق. عندما يتحدث الناس عن نقص الهرمون أو الاختلال الهرموني المرتبط بالغدة الدرقية، فالأكثر شيوعا أنّهم يشيرون إلى حالتين: أمّا مرض خمول الغدة الدرقية المعروف بـ «قصور الدرقية»، أو مرض فرط نشاطها المعروف بـ «فرط الدرقية». ويمكن تشخيص كِلا المرضين عن طريق الحصول على عيّنة من الدم وعرضها على طبيب عام.

أعراض خمول الغدة الدرقية

يُعَدّ خمول الدّرقية أكثر شيوعاً من فرط نشاط الدرقيّة، إضافة إلى أنّ النساء أكثر عرضة للإصابة بها من الرجال. وينتج عن خمول نشاط الغدة الدرقية إنتاج نسبة أقل من هرمونات الدرقيّة. ويؤدّي هذا إلى انخفاض معدّل التمثيل الغذائي، الذي يؤدّي بدوره إلى الأعراض التالية: الإرهاق، وزيادة في الوزن، والعجز عن خسارة الوزن، والآلام والأوجاع، والشّعور بالبرد أكثر من الطّبيعي، وجفاف البشَرة، وانخفاض كثافة الشّعر، واحتباس السوائل، وتدهور الحالة المزاجية، وتتضمن الأعراض الأقل شيوعاً: عدم انتظام الدّورة الشهريّة لدى النساء، والعقم، وفقدان الرّغبة الجنسيّة، وتدهور الذاكرة.

متلازمة النّفق الرسغي

لذا وفي حال كان الإنسان يعاني من خمول الغدة الدرقية عليه بالبحث مباشرة عن علاج، لأنّ ذلك سيؤدّي إلى خلل بالتمثيل الغذائي وبالتالي إلى زيادة في الوزن.

ما أسباب خمول الغدّة الدرقية؟

يُعتبر السّبب الأكثر شيوعاً هو التهاب الغدّة الدرقيّة الناتج عن المناعة الذاتية، الذي يُعرف أيضاً بالتهاب الغدّة الدرقية لهاشيموتو. ففي هذه الحالة، يكون لدى الجسم جهاز مناعة يهاجم خلايا الغدّة الدرقيّة. إذ تُدَمَّرُ الخلايا، ما يعني أنّها غير قادرة على إنتاج هرمونات درقيّة كافية لتلبية احتياجات الجسم، ومن ثمّ تظهر أعراض خمول الدرقية. ويمكن أن تكون أدوية علاج فرط نشاط الدّرقية من الأسباب الأخرى التي تؤدّي إلى خمول الدّرقية، وهي ما قد يؤدّي إلى انخفاض إنتاج الهرمونات الدرقية ما يؤدي إلى خمول الدرقية. إذ إنّها عمليّة خادعة. إذ يمكن أن يؤثر نقص اليود على إنتاج الهرمونات الدرقيّة. وتتضمّن الأطعمة التي تشكّل مصدراً لليود: البيض، والسمك، واللبن، وأعشاب البحر مثل طحالب الكلب، لذا يُنصح بتناول هذه الأطعمة أو تناول مكمّلات اليود.

أعراض فرط نشاط الدرقية

يَحدث فرط الدرقية عندما تنتج الغدّة الدرقية مستويات مُفَرطة من هرمونات الدرقيّة إلى الدم. ويمكن أن تؤدّي المستويات السُمِّيَّة من هرمونات الدرقيّة إلى أعراض أكثر خطورة، تُعرَف بـ «التسمّم الدّرقي» تتضمّن أعراض فرط الدرقية: وتُعْتَبر النساء أيضا أكثر عرضة للإصابة بها من الرجال.

ما هي أسباب فرط نشاط الدرقيّة؟

مثلما هو الحال مع خمول الدرقية، يتسبّب مرض مناعي، يعرف بـ «غريفز» في فرط الدرقية. يؤثّر هذا المرض عادة على النساء اللائي يبلغن من العمر 20 إلى 50 عاما ويشيع بين الأشخاص الذين لدى عائلاتهم تاريخ من الإصابة بمرض الدرقية أو الأمراض المناعية الأخرى، مثل السكّري أو التهاب المفاصل الروماتويدي. عند الإصابة بأمراض المناعة الذاتية، يُنتج الجهاز المناعي مضادّات حيوية تُعرف بالأجسام المضادة الذاتية، التي تهاجم الخلايا الطبيعية الصحيحة في الجسم. وفي داء غريفز، يُتنج الجهاز المناعي أجساماً مضادة ذاتية تستهدف خلايا الغدة الدرقية، ما يحفزها لإنتاج وإفراز مستويات مفرطة من الهرمونات الدرقية. قد تكون عُقَيدات الغدة الدرقية أحد الأسباب الأخرى، وهي عبارة عن نتوءات تظهر على الغدّة الدرقية يمكن أن تجعل الهرمونات الدرقيّة خارجة عن السيطرة.

العلاج

يمكن لأي اختبار دم بسيط تشخيص الإصابة بفرط أو قصور الدرقيّة. ويتضمن العلاج الأدوية مع إجراء اختبار الدم بانتظام لرصد مستويات إنتاج الهرمونات الدرقية.

باختصار،

الغدّة الدرقية هي غدّة إفرازية موجودة في الرّقبة. تُفرز هذه الغدة هرمونَي T4 و T3. الهرمونات الدرقية تنتج استجابة لهرمون آخر يسمى الهرمون المُنبّه للدرقية تفرزه الغدة النّخامية. وتتحكّم الهرمونات الدرقيّة في عملية الأيض في الجسم. يؤدي اختلال هرمونات الدرقية إلى حالتين: قصور الدرقيّة، وفرط الدرقية. كلتا الحالتين لديهما أعراض مُتناقضة تؤثر على الأيض. فإذا شعر الإنسان بأيٍّ من الأعراض المذكورة، يجب عليه زيارة الطبيب الذي سيتمكّن من تقديم الخيارات التشخيصيّة والعلاجيّة.

Dr. Suleiman Abu Latif

The Lebanese ophthalmologist, Suleiman Abu Latif, a graduate of the Faculty of Medicine at the Lebanese University was awarded in 2003 the fellowship of the Royal College of Ophthalmologists in Britain, the highest title in the ophthalmology profession worldwide, after passing a number of oral and written examinations. This accomplishment was obtained after achieving the degree of “Retinal Network Fellow” of Moorfields Eye Hospital, the largest eye specialist hospital and the most advanced globally.

In 2011, Abu Latif, who specialized in retinal diseases and surgery, received a membership and diploma from the Royal College of Ophthalmologists in Britain. He presented a series of lectures at the conference of Euretina, the European Society of Retina Specialists, in Milan, Nice, Copenhagen, and Vienna. In addition, he has several articles in various international medical journals.

Abu Latif is thinking of a “partial return” to Lebanon through a “seasonal clinic” in which he provides medical services to those in need, as dictated by the professional ethics and the loyalty to his fellow countrymen (consultations, medical examinations, operations, etc.).

The British Royal College Fellowship of Ophthalmologists will be awarded to Dr. Abu Latif at a special ceremony in London the coming September.

د. سليمان أبو لطيف

حصل طبيب العيون اللبناني سليمان أبو لطيف، خرّيج كليّة الطبّ في الجامعة اللبنانيّة. عام 2003، على «زمالة الكليّة الملكيّة البريطانية لجرّاحي العين»، وهو أعلى لقب في مهنة طبّ العيون في العالم، بعد اجتيازه عدداً من الاختبارات الشفهيّة والخطيّة، ليأتي هذا الانجاز بعد تحقيقه درجة «زميل بالجراحة الشبكيّة»، من مستشفى Moorfields Eye Hospital وهو أكبر مستشفى تخصّصي للعيون والأكثر تطوّراً في العالم.

نال أبو لطيف الذي تخصّص بأمراض الشبكيّة وجراحتها، عام 2011، عضويّة وديبلوم الكُليّة الملكية البريطانية لجراحي العين، وقدّم سلسلة محاضرات في مؤتمر اختصاصيّي الشبكية الأوروبييّن Euretina في ميلان ونيس وكوبنهاغن وفيينا، وله مقالات عدّة في مجلّات طبيّة عالميّة.

ويفكّر أبو لطيف بـ «عودة جزئية» إلى لبنان عبر «عيادة موسميّة» يقدّم من خلالها خدمة طبيّة إلى مُحتاجيها بما تفرضه أخلاق المهنة والوفاء لأبناء بلده (استشارات ومعاينات وعمليّات…).

يُشار إلى أن شهادة «زمالة الكليّة الملكية البريطانية «لجراحي العين ستُمنح إلى الدكتور أبو لطيف في احتفالية خاصة ستُقام في العاصمة البريطانية لندن في أيلول المقبل.

الأديبُ المهجريُّ سعيد أَبو شاهين

الأديب سعيد أبو شاهين

(المرحوم) سعيد أحمد أبو شاهين، من بلدة «بْمَريم» في المتن الأعلى، واحد من الأدباء والشّعراء الذين تفتّحت بواكير عطاءاتهم في أرض الوطن لكنّها أزهرت وعقدت وأثمرت أخيراً في بلاد الاغتراب (الولايات المتحدة الأميركية). أمّا لماذا؟ فلا غرابة في الأمر، ولا حَيْرة في الإجابة. فحالُ صاحبنا وصديقنا (الراحل) سعيد أبو شاهين هو حال عشرات الأدباء المهجريين اللبنانييّن والسوريين، الذين لم تتّسع أوطانهم لمطالبهم البديهيّة في الخبز والحريّة والعيش الآمن الكريم، فيمَّموا شَطر أصقاع الدّنيا النائية، يطلبون فيها ما لم يجدوه في أوطانهم. وكان طبيعيّاً أن تتفتّح مواهبهم وتنضَج إبداعاتهم وحيواتهم الكفاحية والجهادية هناك، فيبرز حنينهم إلى أوطانهم وملاعب الطفولة والصّبا والشباب فيها، تصقلها ثقافاتهم التي حصّلوها في مُغترباتهم، لتظهرَ مواطنُ الإبداع في شخصيّة من يمتلك منهم جذوة الإبداع. سعيد أبو شاهين واحدٌ من هؤلاء، بل أحد أبرزهم.

لم ينلْ إنتاج سعيد أبو شاهين الأدبي والفكري في حياته الطويلة ما كان يجب أن يجده من الاهتمام والعناية، كحال الكثيرين كذلك – إذ لم يهتمَّ هو للأمر كما يبدو. أيضاً لم تتوفّر له بسهولة أواليات النّشر المُناسبة. إلّا أنه كُوفئ في أُخريات عمره بنشر أعماله، ثمَّ بالتكريم الذي ناله واستحقّه، وإنْ هذا جاء متأخّرا، فقد كرّمه اتحاد الكتّاب اللبنانييّن، وحلقة الحوار الثقافي، ووزارة الإعلام واتّحاد بلديّات المتن الأعلى، بالإضافة إلى مناسبات تكريم أخرى واحتفاء به في غير مكان – وقد كان لي شخصيّاً شرف الحديث عن أدبه في إحدى المناسبات قبل بضع سنين. و ترى أنّ من واجبها فتح ذراعيها للمُبدعين، أدباء وشعراء وفنّانين ومفكرين وأطبّاء وعلماء ممّن أثْرَوْا حياة مجتمعهم بعطائهم ونتاجهم القيّم. كيف لا وسعيد أبو شاهين فاعل نشيط في مجتمعه المحلّي (رئيس المجلس البلدي لبلدة بْمريم المتنيّة لفترة ما)، ومناضل قبل ذلك في صفوف «عُصْبة العمل القومي» بعد بضع سنوات من انطلاقها سنة 1933 في بلدة «قرنايل» المتنيّة على أيدي مناضلين تاريخييّن في طليعتهم: علي ناصر الدين، والدكتور حسين أبو الحسن، وعجاج نويهض، وقسطنطين يني وآخرون. وقد اعتقله الفرنسيّون سنة 1941 مع آخرين لفترة قصيرة.

أدب سعيد أبو شاهين

ينطوي مضمون أدب سعيد أبو شاهين على معانٍ عميقة، وأفكار جريئة، وحِكَمٍ بغير عددها خلص إليها بفعل ثقافته الغنيّة واتساع تجاربه وشفافية شخصيته والتزامها الأخلاقي والسياسي الصارم بقضايا مجتمعه ووطنه وأمّته، كما بقِيَم التّراث العريق التي ينتمي إليه. وهاكم بعض أفكاره الحصيفة وحكمه العميقة:
«تَعَلَّقَ بالوسيلة ونسيَ الهدف»
«الوصف يُعبّر عن ذات الواصف أكثر مما يعبّرُ عن ذات الموصوف»
«…كم من حقيقة اعتقدها الإنسان ثم تكشّفت عن وَهم»
«تجعلُ نفسك محامياً عن الله؛ فأين وكالتُك؟»
«ليس الرّيش ما يجعل النَّسر نَسراً…»
«من أراد الوصول إلى حقيقة ذاتِه عليه أن يتخلّى عن أطماعهِ وشَهواتهِ»
«قال: إنَّ أفضلَ الرأي هو ألاّ تخالف سُنَّةَ الطّبيعة بل أنْ تطوّرَها»
«متى مشيت وظلُّك إلى الشمس مشى ظلُّك وراءك، ومتى مشيت وظهرك إلى الشمس مشى ظلُّك أمامك».

هذا غَيْض من مئات الأفكار والحِكَم التي صاغها سعيد أبو شاهين بعناية في كتبه التي فاقت العشرة كتب*. لا حاجة للقول أنّ حِكَم أديبنا وأفكاره المنثورة بكثافة ليست مُستلَّة من هذا الأديب أو ذاك، ومن هذا الفيلسوف أو ذاك: هي بوضوح، من خلاصات العمر الطويل الذي عاشه، والتجارب الجادّة التي عرضت له، فكان قادراً بعقله الاستنباطيّ أن يستخلص ما استخلصه من قواعد للحياة العملية، ومبادئ تحكم عقله وضميره وحياته الداخلية الغنية.

خصوصية أفكار سعيد أبو شاهين تتّضح أكثر في الجانب الشّخصي، ولا أقول الذاتي، الذي تنتمي له أفكاره وحِكَمه التي رأيناها – وغيرها المئات. هو لا يتكلّم بالتعميم والتجريد وضمير الغائب، بل يتحدث عن نفسه، ومن تجربته، بل تجاربه الشخصيّة، وقد رغب كأيّ مُصلح اجتماعيٍّ أن يضعها بتصرّف قُرَّائه، بل بتصرُّف جيل بأكمله. وسعيد أبو شاهين أدرك تماماً قوّة «الكلمة»، فأراد صيانتها من كلّ تزييف وعن كلّ تحريف. قال: «عندما انحرفت الكلمات عن حقيقتها، انحرف الإنسان عن حقيقة حياته». وبهذه «الكلمة» رأى سعيد أبو شاهين أن الإنسان هو الغاية، أو يجب أن يكون كذلك دائماً، والوسيلة في آنٍ ليظهر خلق الله في أحسن صورة قال: «أصغيت للكلمة التي كانت هي في البدء فسمعتها تقول: الإنسان هو الغاية وهو الوسيلة». قال: «حصيلة كلّ الفلسفات والمذاهب الفكريّة كانت «الإنسان» هو مقياس كلّ شيء، وأصل وحصيلة هذا الإنسان العاقل الناطق كانت: الكلمة».

وإذا كانت الكلمة حقّة، وكانت تعبيراً عن الله، فلا فرق بعد ذلك بين هذه الكلمة وتلك إلّا في الشّكل، وهو فارق بسيط. قال: «وما خلائق هذا الوجود غير كلمات كُتِبت في سِفر الوجود من مداد واحد، وليس من فرق بين كلمة وكلمة إلّا بما تحمله كلّ كلمة من معنى. أما الشّكل واللّون فلا عِبرة له. فيا كلمة «الإنسان» فتّشي
عن معناك».

كذلك في الأخلاق العمليّة، فإنّ سعيد أبو شاهين مُدافع صلب عن القيم الأصيلة والسلوك الرّصين، يقول: «لا يعطي الورد غير الشّذا والطّيب ولو شرب كُدْرَة الماء». أو في قوله: «في الأخذ لَذّة وفي العطاء الفرح. أمّا اللّذة فهي من بعض طبائع الحيوان، بينما الفرح لا يعرفه غير هذا الإنسان الإنسان». فَلْنعطِ، ولنصنعِ الخير، هذا هو الإنسان. قال: «قال: عساني أزرع خيرَ العمل فأحصد خيرَ الثواب. قلت: وعسى مجتمع الناس أن يكون حقلك وهذه هي الأرض التي يرويها غيث الرّحمة».

وأولى مظاهر الخير الرحمة والمحبّة في القلب. والله عند سعيد أبو شاهين يقيم في القلب لا في هذا الشكل أو ذاك. قال: «لن يرى الفرح العظيم والمجد العظيم والحقّ الذي لا يعلو عليه حقٌّ إلّا من يسعى إليهما حاملاً في قلبه مصباح نور». «فتّشت في عرض المكان ودهر الزمان عن ربّي فلم أجده إلّا عندما وجدته ضاحكاً في أعماق قلبي». نقاء القلب وطهارة السّريرة هما ما يبعث الجمال في الأشياء. قال: «قالت: من يخيط لحواري الجنة أثوابها، فتبدو بمثل هذا الجمال. قلت: ليس لحواري الجنة أثواب جميلة، جمالها الفتّان هو ببراءة قلبها وطهارة نفسها».

وبعد: «أنا وأنت…. الأرض تطعمنا، والينابيع تسقينا، والشمس تدفئنا، والهواء ينعش رئتينا أنا وأنت. أبونا واحد هو الله، أمّنا واحدة هي الحياة. وهما يجودان علينا. فلماذا يا أخي تحرم نفسك وتحرمني من حبِّ الحياة وَجُودها؟ قُم يا أخي لنقدّس الله ولنكرّم الحياة… ثمّ لنغنّي لفرح الحياة ونعيش العمر بسلام».

أختم هذا الجزء الأدبيّ بقطعٍ جميلة من مناجاته لربِّه. يقول سعيد أبو شاهين: «ربّاه… وأنت الذي لا ينضُب لنعمائك معين. لحكمة خلقت من قلبي إناءً لا يمتلئ ليدوم فرحك بالعطاء ويدوم فرحي بالأخذ والنّوال. ربّاه ما أعظمَها نعمةٌ ومنّة. وقد خلقت لي شمس النور لاقتبس منها نبراساً، وخلقت لي مشاع الهواء لأنشق منه أنفاساً… ربّاه… وأنت الرّحمن الرّحيم الجوّاد الكريم. رحمتني وأكرمتني فأعطيتني نفحة من قُدرة الخلق والإبداع، أو الكشف والعِرفان حتّى بِتُّ أحسَب نفسي على شبهك ومثالك… كنت أنا صلصالاً وتراباً، فصنعتْ منّي مشيئتك «قيثارة»، ونفختَ فِيَّ من أنفاسك فاستويتُ على الأرض خَلقاً سويّاً يسعى، ليُخرِجَ بتقديسك أعظم نشيد ربّاني وأعذب لحن إنساني… ربّاه… أيّها المُناجى فتسمعَ مناجاتي بغير أن تتحركَ شفتاي بصوت!» (ص108- 109) هذه عيّنات اخترتها من أدب سعيد أبو شاهين الحِكَميّ. وقد صاغ المؤلّف معظمها على نحو قصَصي.

وإذا لاحظنا أنّ بين أعماله المنشورة أكثر من قصّة واحدة (أقل من رواية وأكثر من قصّة قصيرة) أدركنا فوراً الموهبة القصصيّة التي امتاز بها سعيد أبو شاهين. قدرته على جعل أفكاره في قالب قصصيّ جليّة، حتّى في صياغة حِكَمِه وخلاصاته المعرفيّة. يُظهر الشكل القصصي هذا مدى تأثّر أبي شاهين، كما أعتقد، بالقصص الأخلاقي أو الحكميّ الذي نجده على وجه الخصوص عند جبران ونعيمه ومارون عبود، وربما عند نعيمه أكثر من سواه. وفي ظَنّي أنّ الملمح هذا لا يزال ينتظر الدارسين ليعملوا على التوسّع فيه وإظهار أهمّيته كما تفعل الدراسات الأدبية النقديّة.

تكريم الأديب سعيد أبو شاهين

في وسع القارئ أن يلحظ، زمنيّاً، المبلغ المتقدم من الحكمة العميقة التي بلغها سعيد أبو شاهين في أعماله الأخيرة، وبخاصّة في كتابه الذي اخترت منه هذه النصوص «العرائس الأبكار من بنات الأفكار» (2009). وفي من يرغب أن يرى مثلها، أو ما يقرب منها، أو يتوسع فيها، أن يجد ضالّته في كتب سعيد أبو شاهين الأدبيّة، وهي على التّوالي: شمس الرّبيع، 1999، شعر – لمعات الخواطر، 2001، 365 حِكمة – جوهر المرآة، 2001، قصّة – إرادة الحياة، 2002، شعر – السرُّ الدّفين، 2002، قصة – بذرة تراب، 2005، قصة – العرائس الأبكار، 2009، مجموعة حِكم – خواطرُ زجليّة، 2009. إلى أعمال أخرى تقوم كريمته بجمعها ونشرها.

شعر سعيد ابو شاهين

سعيد أبو شاهين، إلى ذلك، شاعر. بل من الطبيعيّ، والعادي في أعمال الأدباء المهجرييِّن، أن تجد الشعر حاضراً بقوّة. فهو الأكثر قدرة على حمل زفراتهم وأشواقهم وآيات حنينهم، وسرد ما أمكن ممّا رأوْه ظلماً وقع عليهم، أو عدالة لم تصلهم، أو حتى أفكاراً وخلاصات بلغوها في أواخر أعمارهم. وأبو شاهين ليس شواذّ للقاعدة هذه بل هو تأكيد لها.

فشعره متقطّع، فيه ألوان عواطفه وأحاسيسه وغضبه وآيات من مواقف قوميّة ووطنيّة حيال قضايا وطنه وقومه – وإن بدا أخلاقيّاً في الغالب – وفيه أيضاً شعر المناسبات. ولافِتٌ أنّ الروح القصصي عند سعيد أبو شاهين لم يفارق حتى قصائده.

خذ مثلاً لشعره الاجتماعي قصيدته «العبد المتمرّد»:

عبدٌ تَمـــــــرّدَ لـــــــــم يخضعْ لمـــــــولاهُ              والنّـــــــــاس قد نهضت عن ذاك تنهاهُ
ماذا دهـــــــاهُ؟ أهلْ مَــسٌّ أحاق بـــــــــه                مــــــن الجنون أم الشيطــــان أغـــــــواه
قد خالفَ الشّرعَ فيمـا أهلُه اجتهدتْ                   رَدْحــــاً من الدّهــــر في تفسير معنـاه
* * *
إنّــــــــي أخالفُـــــــهم لمّــــــــا مشيئتــهـم        جــــــاءت مُخــــالفـةً مــــــا شــــــاءه الله
* * *
حرّاً خُلقتُ فشاؤوا أن أكــــــون لهــــــم            عبـــــــــداً لأمــــــــــرٍ عزيزُ النّفس يأباه
لن أرتضي من فنون القول واحــــــــدة              إلّا التــي إنْ ســـــألتَ العقلَ يرضــــــاه
* * *
الذئبُ يدعو إلــى دين السّلام ومِـــــنْ                  أدهى الدّواهــــي إذا لم تؤمن الشّــــاهُ
إن تَكفرِ الشــــــاه قد حَقّت إدانتـُـــــــها                والذئــــــبُ ناظــــــرةٌ بالحُـــــكمِ فــــــكّاه
ثم ينــــــــال مــــــــــن التعظيم مــــــــرتبةً            إذ إنّـــــــه مـــــا استقام الشـــعرُ لــــولاه
* * *
ربّاهُ وحـــــــدكَ من يَهدي ضمائـــــــرنا            ربّـــــــــــــاه عطفكَ بالإنسانِ ربّــــــــــــــاهُ

أو في قصيدته «ظُلم الناس»، يحكي عن الظّلم الاجتماعي الذي تتعرّض المرأة والتقصير الاجتماعي في حقّ الأم على وجه الخصوص:

طــــــال ظلــــــمُ النّـــــــاس للأمّ التـــــــي         هي بعـــــــــــدَ الله أصــــــــلُ الـــكائنـات
ظلموهـــــــــا دونمــــــــــا ذنبٍ ســــــــــوى         إنّــهــــــــا قــــــــــد أوجدتهُم بالحيـــــــــاةِ
* * *
عجَباً مـــــــــن فيلسوفٍ يــــــــدّعي عقـ             ـــلاً ويــــــحصي أمّــــــه في الجاهلات
كيف يزكـــــــو مَنبِتٌ مـــــــــا لــــــــم يكن           أصــلُ ذاك الطّيــــــب في أصل النّواة
* * *
حبسوهــــــــــا ثم قــــــــــالوا ويحَـــــــــــها             لم تؤالــــــــف غيرَ عَيْش الظُّلمـــــــــات
عصبـــــــــوا عينيهــــــــــا ثمّ خبّـــــــــــروا           أنّـــــــها لـــــــــم تَهْتــــــدِ درْبَ النّجــــــــاة
قتلوهــــــــا ثــــــم قـــــــــالوا لـــــــيس مَنْ             كــــان حيّــــــــاً مثل من كــــــان رفـــــــــاةِ
أمُّـــــــــــكم أو أُختــــــــــكم أو بنتــــــــــكم             ظلمتُم أيُّــــــــــــها القـــــــــــوم الجنــــــــاةِ
إنْ حــسِبتُم ظُلـــــــــمَها حقـــــــــاًّ لـــــكم                 ذاك وايــم الله أدهـى الدّاهيــــات

وإلى الثورة على الظّلم هناك «شعر الأفكار»، في غير قصيدة له، واحدة منها «قبس من نور الحقيقة». ونختم مرورنا السريع هذا بقصيدة تُظْهِر حِسَّه الإنسانيّ في شعره كما هو في نثره العميق وقناعته بوحدة الإنسانيّة. يقول في قصيدة: «داري هي الأرض، إخواني هم البشرُ»:

داري هــي الأرض أخواني هم البشرُ            بــــالأرض أو بســــــواها أينما انتشروا
مَـــــنْ ذا يؤكّد لــــي أنَّ الخليقةَ مُـــــــذ          كــــــان الوجود بهذي الأرض تنحشـــرُ
ما زال بالأرض حــيّ: لم يعد عجبـــــاً           إن يبعث الحــــيّ فيــــها الأنجمُ الأخرُ
* * *
داري هي الأرض: يا للأرض أحسبُها             لا الشمـس تَعْدوها فضلاً لا ولا القمرُ
يكفي لها أنَّ مِـــــنْ أحشائها انفطرت          روحُ الحيـــــــاة ولا أنثـــــــى ولا ذكـــــــرُ
* * *

الخَلقُ يعمرُها: والخيــــــــر يغمـــــــرُها            أرضٌ تعطّـــــرها الأنفــــاسُ والزَّهَـــــرُ
والأرض تســعدُ إنْ جـــــادت لساكنــها               كالأرض تســــعد إمّا جادهــــا المطـرُ
لولا الذيـــــن تّوّلّاهـــــــم بها جشــــــــــعٌ           أعمــــــى القلوب وزاغ السّمعُ والبَصَرُ

وإلى الشعر الفصيح، كان سعيد أبو شاهين شاعراً زجليّاً بامتياز وكفاءة. وتعدّدت أيضاً موضوعاته: لكنّ أطرفها نظْمُه مئةً وخمساً وثمانين بيتاً عتابا في عقد واحد. وإن دلّ ذلك على شيء فإلى روح جيّاشة بالمشاعر والأحاسيس وقريحة شاعرية وافرة العطاء.

قالوا في سعيد أبو شاهين

نال الأديب سعيد أبو شاهين في أواخر حياته الممتدّة بعضاً من التكريم الذي استحقّه، فكان ذلك اعترافاً بموهبته من أدباء وكتّاب وهيئات ثقافية، كما هو تكريم اجتماعيٌّ له من قادري عمله الاجتماعي وخاصة في منطقته، المتن الأعلى. وقد اخترنا عيّنات من بعض مظاهر التكريم ذاك.

أ. أنور الخليل
وزارة الإعلام اللّبنانية، 1999

الشيخ سعيد أبو شاهين كاتب مُميّز من بلدي، أحبَّ الوطن والإنسان فكان همّه وهدفه الذي ظهر جلياً في كتبه التي ستغني المكتبات اللبنانية. ونحن كوزارة إعلام نعتبره غلّة ثقافيّة بامتياز.

أ. فرحان صالح
الأمين العام لحلقة الحوار الثقافي

نحن في حلقة الحوار الثقافي وجدنا في الأديب اللّامع سعيد أبو شاهين ثروة أدبية وإنسانية واجتماعية جعلتنا نسلّط الضّوء عليه اعترافاً منّا بقدراته الفكريّة المميّزة.


المحامي سليمان تقي الدين

لا يسعني إلّا أن أرفع القبّعة أمام الشاب الثمانيني سعيد أبو شاهين ذلك القلم الغزّار الذي استطاع في فترة عشر سنوات أن ينجز تسع مؤلفات من الشعر والفلسفة والأدب والقصة الهادفة. فعطاؤه هذا يستحق مِنّا التقدير والاحترام.
———————————————-

د. وجيه فانوس
الأمين العام لاتحاد الكتّاب اللبنانيين

يكفي سعيد أبو شاهين أنّه نذر النفس للحبّ والعطاء مغموسين بزيت الإيمان مجلّلَيْن بعباءة التُّقى والورَع. الله مرشده وهاديه. وإيمانه بالله نوره الذي يسطع بين يديه، يضيء له ما يواجهه من ظلمات العيش وعقله سراج يرعى النّور ويسهر على زيته ليظلَّ في ضميره بذلاً لكلِّ ما عنده من خير ينفع به نفسه والنّاس.


د. إلهام كلّاب البساط
أستاذة جامعيّة
نتاج غزير في سنين قليلة من شعر وزجل وحِكم وفكر وتأمّلات وروايات …. غزارة تُفرح نفوسنا والعقول بِرُؤاها العريقة والمعاصرة معاً لقضية الإنسان … غزارة تُخجلُ عمرنا من سنين عمره المباركة، وتكاسلنا من نشاطه المثمر.


د. زاهي ناضر
أستاذ جامعي

يتمتّع سعيد أبو شاهين بكلّ مواصفات رجل الحكمة وصاحب الكلمة وموهبة الاستبصار والاستبطان والقدرة على فَهم الحياة والنّزوح إلى أعماقها والغَوْص في شؤون النفس والإنسان عامة وبالطاقة المتقدّمة على تجاوز الاقتباس إلى الأصالة والإبداع.


المحامي عصام العريضي

يبقى، وهذا رأيي الشخصي، أنّ أدب سعيد أبو شاهين، وبخاصّة شعره، لمّ يُحقَّق بعد كما يجب، أو وفق الأصول، بخلاف ما هو عليه نثره. وعليه، مطلوبٌ جهد إضافي، علمي وحِرفي، لموضعة شعره وإعادة توزيعه، وأحياناً تنقيته ليتلاءم والقواعد الشعريّة التامّة، فهو غنيَ بالصور الشعرية دونما افتعال أو اصطناع، وتحتاج لجهد علمي تقني ليخرجها لجهة الشكل.


د. فارس يوسف
أستاذ جامعي

سعيد أبو شاهين تخطّى عصره بكلّ ما تعنيه الكلمة. فكان مُبدعاً ومدرسة في كل مجالات وقِيم الحياة، (التسامح، الصدق، الوفاء، العطاء، المحبة، والإنسانية) فكان شعاره «الإنسان هو الغاية والوسيلة». أيضاً مدرسة في وطنيّته وعروبته في زمن أصبحنا نفتّش فيه عن رجال مِنْ هذا النوع.
وأخيراً، أعمال الأديب سعيد أبو شاهين عميقة لجهة المعنى، موهوب فيها لجهة الشّكل وهي أقرب إلى العفويّة منها إلى التكلّف والاصطناع، وتستحقّ كذلك أن تكون موضوعات لمباحث أدبيّة ونقدية لاحقة.

عائلة سعيد أبو شاهين (قبل بضع سنوات) في عيد ميلاده المئة

الخير الأسمى لدى أفلاطون

شكَّلَ مفهومُ «الخير» فكرةً محوريّة وجَدَليّة لدى العديد من الفلاسفة لكنّ أفلاطون هو مَنْ ارتقَى به إلى مَصَاف المبدأ الأسمى للمعقولات والموجودات، ومِثَال المُثُل، واعتبرَه أصلَ المعرفة والهدفَ الأرقى للإنسان.

أشارَ أفلاطون في أكثر من مُحاورةٍ له إلى أنّ وَضْعَ تعْريفٍ تامٍ للخير يتعدّى الطاقة البشرية، وإنّما الخيرُ يُعرَّف على نحو أفضل باستخدام المجاز والتشبيه. وهو يقول في الفصل السادس من مُحاورة «الجمهورية» (Republic) على لسان سقراط مخاطباً مُحاوِرَه: ما يمنح الحقيقةَ إلى موضوعات المعرفة، وللفكر العارِف القوةَ على المعرفة، هو مِثَالُ الخير. ومن حيث كونه علّة المعرفة والحقيقة، فهو أيضاً موضوعُ (Subject) المعرفة. فالمعرفةُ والحقيقة على السواء تتَّسِمان بالجمال، لكنّك ستكون مُحِقّاً بأنْ تُفكِّر بأنّ الخير أكثر جمالاً منهما. كما في العالم المرئي يتماثل النورُ والنظرُ مع أشعة الشمس، لكن من الخطأ التفكير بأنّهما الشمس، كذلك من الصائب التفكير بأنّ المعرفةَ والحقيقة هما أشبه بالخير، لكن من الخطأ التفكير بأنّ أيّاً منهما هو الخير، إذ إنّ الخيرَ وجبَ أن يكون أرقى شرفاً منهما… إنّ موضوعات المعرفة لا تعود معرفتهما فحسب إلى الخير بل وجودهما الحقيقي أيضاً، ولو أنّ الخير ليس وجوداً بل يتفوّق ويتعدّى الوجودَ كرامةً وقوة». ومن ثم يقول إنّ الخير هو «المصدرُ الأصلي للحقيقة والمعرفة… بل علّة كلّ شيء». إنّ الخير الأسمى لدى أفلاطون هو علّةُ المُثُل أو «الصور العُلْوية» (Forms).

إذاً، الخيرُ في العالَم العقلي هو كالشمس في العالَم المرئي، تماماً كما هي الشمس مصدرٌ لرؤية العين والمرئيات كذلك هو مصدرُ المعرفة في العقل ولكلّ المعقولات، يشعُّ حقيقةً ومعرفةً، وهو مصدر الحياة والوجود في العالم. فالمُثُل، هدف المعرفة، إنمّا تستمدّ وجودها وجوهرها من الخير كما تستمدّ الأشياء في العالم المرئي وجودها ونموّها من نور الشمس، وتستمدُّ خيريّتها منه. فالخير يوفّر المنطقَ العقلي والمعرفة اللذين يُمكِّنان النفسَ من إدراك المُثُل. فعلى سبيل المثال نحن لا نعلم ما إذا كان العدلُ عدلاً أو الشجاعةُ شجاعةً من دون الاستناد إلى الخير كمعيارٍ للخيريّة بحيث نعلم ما إذا كانت هذه الفضائل خيراً أم لا.

الخيرُ في معرفة مِثَاله الأسمى!

يتبدّى مفهومُ «الخير الأسمى» في «الجمهورية» كعقيدةٍ ميتافيزيقية أساسية للمُحاورة التي تُعتبر مُبكرة في أعماله الفلسفية، وكركيزةٍ أساسية في نظريته عن المُثُل، وإنّما هي مَنْ ألهمت الفلاسفة مذاك في التعرُّض لمسألة جدلية الخير والشر.

فكلُّ مَنْ يقرأ «الجمهورية» يلاحظ الأهمية القصوى للخير الأسمى بكونه هدف المرحلة الأرقى من المعرفة، فالمُحاورة تسعى إلى إيجاد الغاية القصوى لسعي الإنسان. ويصل أفلاطون إلى خُلاصة أنّ الخيرَ هو الهدفُ المرجو من وراء جميع أفعال البشر. وهذا المفهومُ يجد حلاً للعديد من المفاهيم المُغلقة التي لم يُقدِّم لها إجابة في محاورات أخرى. وهو يعتبر أنّ دراسة مفهوم الخير هي الدراسة الأهم، حتى من المنظور السياسي، ويوضِح الخطوات التي يعبرها العقل البشري من المستوى الأدنى، حيث ثمة جهلٌ للخير الأسمى، إلى قمة الوعي، وهي بالمعرفة الكاملة للخير الأسمى، التي هي وراء كلّ خير.

المِثَال الأعلى للمُثُل

إذاً، يرى أفلاطون أنّ الخيرَ هو المبدأ الأول، المِثَالُ الأعلى للمُثُل، ذلك المِثَال الذي تصدر منه جميع المُثُل الأخرى. إنّه المبدأ الأسمى بل هو الهدفُ الأسمى الذي تتوقُ إليه كلّ نفس. ويختصر الباحث يوليوس ستينزل (Julius Stenzel) هذا المفهوم بالقول «الخير بالنسبة إلى أفلاطون هو هدفُ الكمال الإنساني».

ويقع هذا المفهوم لمِثَال الخير الأسمى في صميم نظرية أفلاطون حول الخير والشر وما يُمثِّلانه من جدليّة الأضداد، تلك الجَدَليّة الفيثاغورية التي أكثر ما توضح نظريته. فوفق تعريف أفلاطون فإنّ الجَدَلَ «الديالكتيك» (Dialectic) هو وسيلة للاستكشاف والفهم عبر التحليل العقلي لوحدة جميع المُثُل في نظامٍ واحد، هو مصدرها، أي أنّ «الديالكتيك» هو نهجٌ للحصول على الخير الأسمى. وهذا ما نجده في محاورات «الجمهورية» (Republic)، و»المائدة» (Symposium)، والسفسطائي» (Sophist)، و»فيدروس» (Phaedrus)، حيث هناك ترابط بين الحق والجمال والخير كمِثالٍ أعلى.

أمّا من ناحية عقلانية مفهوم الخير لدى أفلاطون، ففيما نحن نسعى إلى حياةٍ متَّسِمة بالخير لا بالشر، فإنّنا نكون في ما بين هذه الأضداد الجَدَلية الديالكتيكية نسعى إلى تحقيق خيريّتنا الخاصة بنا، وبذلك نَعِي مفهوم المُثُل ومبدأ الخير الأسمى. وهنا يربط الباحثون بين نظرية الأضداد الجَدَلية لدى أفلاطون ونظريته في الخير
والشر، ومنهم جي. إي. مويلير (G. E. Mueller)، وآر. سي. لودج (R. C. Lodge). ففي داخل الطبيعة البشرية نزاعٌ دائم يعتمد على نتيجته ما إذا كان الإنسان سيّداً على نفسه أو غارقاً في عبوديّتها، مُرتَقِياً فوق الحِسّ المتقلِّب نحو مِثَال الخير، الذي يعتبره أفلاطون بذلك الحقيقة القصوى. والإنسان يتوقُ إلى صَقْل صفات مِثَال الخير المُنعكِسة فيه. وهو ما يُشير إليه الباحثُ مارتن بوبير (Martin Buber) أيضاً الذي يُوضِح أنّ أفلاطون في محاوراته يُطلِق على التفكير «مناجاةٍ صامتة» للنفس مع ذاتها. وإنّما الرُّوح هي «المحكمة الداخلية» التي تستمع وتحكُم استناداً إلى مفهوم الخيريّة. وفي مُحاورة «ثياتيتوس» (Theaetetus) يرى أفلاطون أنّ الفكر هو «جدالٌ صامت» للنفس مع ذاتها، تطرح أسئلة وتُجيب لتخرج بحُكْمٍ خيِّرٍ صحيح يدحضُ الشكّ باليقين.

إنّ أعظم الشرور هو اقتراف الخطأ والإفلات من العقاب، لأنّ مَنْ يُعاقَب يصبح أفضل لأنّه يتخلّص من شرور نفسه. أمّا مَنْ يفلت من العقاب فهو يزدادُ شرّاً. “أفلاطون”

غاية السَّعِي البشري

في مُحاورة «غورجياس» (Gorgias) يرى أفلاطون أنّ أعظم الشرور هو اقتراف الخطأ والإفلات من العقاب، لأنّ مَنْ يُعاقَب يصبح أفضل لأنّه يتخلّص من شرور نفسه. أمّا مَنْ يفلت من العقاب فهو يزدادُ شرّاً. إذاً، إنّ توق الإنسان نحو الخير إنّما يعكسُ علاقته مع المَثَال الأعلى له. فإنّ الخيريّة في حياة الإنسان تُحدَّد بمدى وعيه للشر، كما في مُحاورة «غورجياس». فمن أجل أنْ نُدرِك الخير ونُحقِّقه ينبغي أن نعرف معرفة حقّة مِثَال الخير الأسمى. فالخيرُ هو علّة كما هو غاية السَّعي البشري المِثَالي، أي هو ذلك المِثَال الذي يتوقُ له القلب دوماً.

ونرى هذه الفكرة في مُحاورة «غورجياس»:

سقراط: إنّما في السَّعِي إلى تحقيق الخير، حينما نمشي، نمشي ونُفكِّرُ بأنّ ذلك هو المسار الأفضل، أو خلاف ذلك حينما نقف، فإنّنا نقف للسبب ذاته، أي لأجل الخير من ورائه. أليس كذلك؟

إنّ الخيرَ هو الهدف الأسمى للسَّعِي البشري، «علّة غائية» (Teleological Cause) كما يتبدَّى في مُحاورة «المائدة»، و»علّة ذاتية» (Subjective Cause). وبما أنّ الخير يُشكِّلُ الفعل الذي تتحرّك النفس إلى تحقيقه فهو «علّةٌ كلّية» (Universal Cause). وهنا يرى أفلاطون أنّ الحياة وجبَ أن تكون وفقاً لمبدأ الخيريّة، فالفعل لا يكون مقبولاً إلا إذا كان ذا نتائج خيِّرَة. ويقولها بوضوحٍ تام في مُحاورة «المائدة»: علّة كلّ شيء نقوم به هو الخير «فما نُحِبُّه هو الخير ولا شيء سوى الخير». وبالتالي يكون مفهوم الخير لدى أفلاطون مبدأ «العلّة الغائية الكلية» (Universal Teleological
Cause).

ويخلُص أفلاطون إلى أنّه في ما يتعدّى الخير لا نحتاجُ إلى أي شيء آخر. فالخير يُبرِّر وجوده بنفسه، تماماً كما هو شأن السعادة. فلا حاجة إلى أن نسأل لماذا نريد أن نكون سعداء، فالإجابة واضحة، إذ يقول في مُحاورة «المائدة»: «ما الذي يتوق إليه مُحِبُّ الخير؟ أنْ يجعل الخيرَ فيه. وماذا يكسب إذا ما جعلَ الخيرَ فيه؟ .. سيكتسب السعادة … فالسعيدُ هو سعيدٌ بقدر ما يمتلك الخيرَ، وعندئذ لا حاجة لنا إلى أن نسأل لماذا يرغب الإنسان في أنْ يكون سعيداً، فالإجابةُ جَلِيّة».

وهنا تتبدَّى العقلانية (Rationality) وراء مفهوم أفلاطون للخير وأهميّتها في نظرية أفلاطون عن الخير والشر ككلّ. ويعتبر أفلاطون الفضائل والصفات الأخلاقية والحكمة العمليّة والفهم والصلاح جميعها خيرٌ، كما في «القوانين» (Laws) و»غورجياس» و»أوثيديموس» (Euthydemus)، لا سيّما إذا ما استُخدِمَت هذه الفضائل والمزايا لغرض الخير.

لذلك يؤكِّد أفلاطون أنّ الأشياء أو الصفات ليست خيِّرَة في حدّ ذاتها لكنّها خيِّرَة فحسب بقدر ما يتماثل استخدامها ووظيفتها مع مبدأ الخير الأسمى. وبذلك يمكن اعتبار الخير المبدأ الغائي الذي نتطلّع إليه لاتّخاذ أي خيارٍ أو قرار وتنفيذ أي فعل أو وظيفة، إذ إنّ قراراتنا تُبنَى على أساس ما هو أفضل. ولهذا السبب تعتمد مقدرتنا على أن نكون أخياراً أو أشراراً على مدى فَهْم عقلنا لمِثَال الخير الأسمى، وبالتالي أي فعلٍ لا يُحقِّق نتائج خيِّرَة إنّما هو نتيجة جهل أو عدم معرفة ذلك الخير. ولهذا السبب يُصِرّ سقراط في مُحاورة «مينون» (Meno) على أنّ اختيار فعل الشر «يُنافِي الطبيعة البشرية، بل هو جهلٌ للخير». وفي هذه النظرية الأخلاقية المِثَالية، يرى أفلاطون أنّ الإنسان الخيِّر يقوم بفعل الخير لذاته لأنّه غاية في نفسه وجزاؤه سعادة في باطنه لا كما كان يقول السفسطائيون إنّ غاية الأخلاق والخيريّة تكمن في اللّذة التي تنجم عنها أو خارجها.

“نوس” والخير الأسمى

ستتَّضِح الصورة الآن أكثر فأكثر. فيما يُشير أفلاطون في «الجمهورية» إلى أنّ مصدر نور المعرفة هو «مِثَال الخير»، فإنّه يُشير إليه في مُحاورة «فيليبوس» (Philebus) بالعلّة الأولى (First Cause) أو العقل «نوس» (Nous)، أي أنّ معرفةَ مِثَال الخيرِ الأسمى، أي معرفة «نوس»، مصدرِ كلّ خيرٍ وكلّ المُثُل والموجودات والمعرفة، هو أساسُ كلّ الخير للنفس.

في مُحاورة «فيليبوس» يقول أفلاطون على لسان سقراط إنّ «جميع الفلاسفة يوافقون على أنّ العقل «نوس» هو ملك السماء والأرض .. ولعلّهم مُحِقّون». وكان الفيلسوفُ الأفلاطوني الإغريقي ألبينوس (Albinus) (ت. 150 بعد الميلاد) مِن أول المُفكرِّين والكُتَّاب الذين قارنوا المحرِّك الأول للكون لدى أرسطو بمفهوم العقل «نوس» ومِثَال الخير الأسمى لدى أفلاطون. فالمحرّك الأول الذي لا يتحرّك لدى أرسطو هو «نوس» الأفلاطوني ومِثَال الخير الأسمى. فالخيرُ أساس المعرفة و»معرفة الخير أساس الخير كُلُّه».
والتلميحُ واضحٌ في مُحاورة «فيليبوس»، فذاك «النوس» الفردي مسؤولٌ عن الحياة الخيِّرَة وبالتالي السعيدة بقدر ارتباطه بذلك «النوس» الكوني، «واجب الوجود»، بخيريّته الأسمى!

لهذا السبب اعتبرَ أفلاطون الخيرَ هو أسمى المُثُل ومصدرَ الوجود والكمال وهو في أكثر من مكانٍ في مُحاوراته يُوازِيه بالعقل الأسمى «نوس». ويُجمِع الباحثون على أنّ مُحاورة «فيليبوس» (Philebus) هي من بين محاورات أفلاطون الأخيرة وربّما كُتِبَت في الوقت ذاته الذي وَضَعَ فيه مُحاورة «تيماوس» (Timaeus)، وهي حوارٌ بين سقراط وفيليبوس وبروتاركوس (Protarchus) ويتمحور معظمها حول الفرق بين اللّذة المادية واللّذة العقلية والتَّوق، لكنّها تعود إلى مفهوم التوق إلى الخير الذي لا يشمل البشر فحسب بل الكون بأسره.

وقد نقلَ أرستوكسينوس (Aristoxenus)، عن معلِّمه الفيلسوف أرسطو، أنّ أفلاطون ألقى في أثينا محاضرةً عامّة تحت عنوان «حول الخير»، لكنّه أوضحَ مفهومَه الفعلي للخير على نحو خاص لنخبةٍ من طلابه المهيَّأين لفَهْم الحقائق التي لا يفقهها العامّة.

ويقول الباحثُ الفلسفي وولتر ستايس (Walter Stace) إنّ غائية أفلاطون «تصل الذروة في مِثَال الخير، وذلك المِثَال هو التفسير النهائي لكلّ المُثُل الأخرى والكون كلّه. وإنّ وَضْعَ الأساسِ النهائي لكلّ الأشياء في الكمال نفسه يعني أنّ الكونَ يصدر عن تلك الغاية الكاملة التي تتحرّك نحوها الأشياء جميعاً»، وإنّ مِثَالَ الخير «هو الحقيقة القصوى»، لكنّه «مجرّد مخلوقٍ لله مُعتمدٍ عليه من أجل وجوده»، مُعارضاً بذلك مَنْ يشير إلى تطابق مِثَال الخير ومفهوم الله عند أفلاطون.

الضدُّ يُظهِرُ حُسنَه الضدُّ

هكذا يكون وجودُ الشر في هذا العالَم الناقص، عالَم الكون والفساد، ضرورةً جَدَليّةً كدافعٍ للنفس في أن ترنو دوماً نحو تحقيق الخيرِ بالتخلُّص من الشر والنقص فيها، وسببهما كما يقول ابن سينا «عَجْز الموجودات نفسها عن قبول الفيض الصادر عن واجب الوجود». وواجبُ الوجود في المفهوم الأفلاطوني هو الخيرُ الأسمى «نوس» وليس الخالق المُنزَّه عن جدلية الخير والشر والوجود والعدم. فوجود الشر في العالم هو الحافز للنفس لكي تُحقِّق كمالَها الخاص بها للعودة إلى مِثَال الخير الأسمى. فالشرُّ ليس علّةً فاعِلة بل إنّ العلّة المنفعِلَة هي سبب الشر بقدر ابتعادها عن العلّة الفاعِلة أي الخير الأسمى.

وهذه الفكرة قد تناولها القديس أوغسطين (St. Augustine) في القرن الخامس ميلادي، ويتّضح التأثيرُ الأفلاطوني على فلسفته، حينما اعتبرَ أنّ «الشر، خلافاً للخير، لا وجودَ جوهرياً له (Insubstantial)، بل هو غيابٌ للخير (باللاتينية Privitio Boni)»، وذلك في معرض سعيه لحل مشكلة «وجود الشر» حيث قال «نحن نُقدِّر الخيرَ أكثر حينما نُقارِنه بالشر (أي كما قال الشاعر: والضدُّ يُظهِرُ حُسنَه الضدُّ)… كما العتمة ُهي غيابٌ للنور، كذلك الشرُ هو غيابٌ للخير». ويبدو المفهومُ الأفلاطوني واضحاً في خُلاصته: «الخيرُ هو الأساسُ الأنطولوجي (إثباتاً وجودياً) للحقيقة والأساسُ الإبستيمولوجي (إثباتاً معرفياً) لإدراك الحقيقة».

وقد لَفَتَ العديدُ من الباحثين إلى استلهام القديس أوغسطين لمفاهيم أفلاطون لا سيّما في مسألة الخير، وعقدة وجود الشر في العالَم، والسَّعي البشري نحو حياةٍ متَّسِمة بالخير.

كامِل الخير!

يُكْمِلُ أرسطو المفهومَ الأفلاطوني للخير ويقول إنّ جميع الكائنات تتحرّك توقاً إلى الخير، وإنّ الخيرَ في العالَم مستمدٌ من العلّة الأولى «الكاملة الخيريّة»، الخير المُطلَق في جميع الوجوه.

إنّ الطبيعة المتعالية لهذا المبدأ الميتافيزيقي أي الخير الأسمى، المنطوي على جميع الحقائق، تجعل منه ذلك الكمالَ الذي يُوحِّدُ الأشياءَ بكمالِيّته (كامِل الخير)، بل غايتَها وسرَّ وجودها.

وبذلك تترابط دُرَرُ سُبحَةِ المفاهيم الأفلاطونية وتتَّضِح الصورة … فالخيرُ الأسمى هو المِثَال الأول للمُثُل، والمبدأ الأول، والعلّة الأولى (…)، ومصدر الخيرات والوجود والكائنات والهدف الأسمى لكلّ نفس.


المراجع
  1. Julius Stenzel, Plato’s Method of Dialectic. Oxford: Clarendon Press, 1940.
  2. Martin Buber, I and Thou. New York: Charles Scribner and Sins, 1970.
  3. G. E. Mueller, Philosophy as Dialectic. New York: Philosophical Library, 1965.
  4. Walter T. Stace, A Critical History of Greek Philosophy. London: Macmillan, 1968.
  5. R. C. Lodge, Plato›s Theory of Ethics. London: Routledge and Kegan Paul Ltd, 1928.

 

مَسْلكيّة الموحّدين الدّروز

مُحاضرة أُلقيت في مؤتمر الجالية الأميركيّة الدرزيّة ADS في ميامي فلوريدا في ٢٠١٦/٦/٣٠ وأُعيد إلقاؤها في لوس أنجلوس بطلب من اللّجنة المنظّمة للمؤتمر في ٢٠١٨/٦/٢٦.

أوقيانوس الصّفات النّبيلة، والأخلاق العالية، والمثاليات ومسلك الموحِّدين الدروز، كيف أُحيطُ به وأنتزِعُ الدُّرَرَ من لُجَجه؟؟ أمَا ترَوْنني بقصوري أعجزُ عن التّعبير؟؟ أسقطتم الكلمات، لِتسَطّروا على صفحات الخلود وبأحْرفٍ من نور، ذكرى أمجادَكم الخالدة إلى الأبد.

الموحّدون استلهموا الأخلاق الرّفيعة والدعوة السماوية الخالدة واستوحَوْها بِمَهداة العقل النيّر والفكر الثاقب الرّزين، وبنوْا على أساسها مجدهم وصانوا كرامتهم.

هي دعوة إلى معرفة الذات، دعوةٌ إلى المُثل والقِيم. دعوةٌ إلى الأصالة الأخلاقية عند الموحّدين الدّروز، وهي الرّكن الرَّكين والأساس المتين للشخصيّة الدرزيّة وللعادات والتقاليد الموروثة من الآباء والأجداد، وإنّه لَفخرٌ لي واعتزاز، أن أتكلَّم في أمريكا عن مسلك التوحيد لدى الموحدين وصفاتهم المُثلى ومسلكيّتهم الخلُقية، وتقرّبهم إلى الله تعالى، هذا التراث الكامل، هو مصدر شهامة وتَعالٍ لطائفة الموحّدين الدروز وإلى الأبد. الموحّد الدرزي إنسان آمن بالله، وحقّق وجوديته كاملة في خلال ألف سنة، فتوجّه بقدراته الإنسانية نحو الحقّ وبقي ذُخراً للحقيقة ومثالاً وعطاءً. إنّها حقيقة العقل الذي هو نور الله في جميع مخلوقاته فبِه هدانا الله إلى الخالق المبدع، وإنّه لصادِقُ العِلم… تجلّت منجزات العقل أيضاً بالعِلم في المُخترعات كآلة التلغراف والتلفون والراديو والطائرة، ثم بالانطلاق إلى القمر فالمريخ، وجعْلِنا نتبع مسلكيّة معينة ونؤمن إيماناً ساطعاً بالله «الإيمان بالله والتوحيد بكماله» «عَقِلتم فآمنتم وأدركتم فوحّدتم» لِنَسلكَ الطّريق المستقيم وما يقتضيه العقل المستنير بالحق والصّدق والعمل الصالح لنميّز بين الأفعال المحمودة والمذمومة، وبين الحلال والحرام، وبين الحقّ والباطل، ونسير على هدى الله في مندرجات الرقي الرّوحيّ والثقافيّ والحضاريّ والأخلاقي للوصول إلى كرامة الإنسان وشرفه ونبله، وهو ثمرة الهداية والطاعة للباري جلّ وعلا فنصل إلى السعادة الحقيقية في الدنيا والآخرة. مسلكيّة الموحّد هي تهذيب النّفس وهي الإسُّ المتين والرّكن الرّكين في عمليّة معرفة الله لترقى إلى جوهرها، وتُحاسَب على أعمالها في اليوم الآخر يوم يُدان الإنسان بالحساب (الطّبري ص 25). قال عزّ وجل: ﴿وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا ۖ وَإِن كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِّنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا ۗ وَكَفَىٰ بِنَا حَاسِبِين﴾َ (الأنبياء 47)، والأمير السّيد(ق) يقول: «أن يصرف نفسه عن الشّهوات والمُحرّمات، وأن يعرف الله حق معرفته ويوحده ويُنزهّه»، قال تعالى: ﴿وَتُوَفَّىٰ كُلُّ نَفْسٍ مَّا عَمِلَتْ﴾ (النّحل 111).

عليك بالنّفـــــس فاستكملْ فضائلَهــــا        فــــــأنت بالنّفس لا بــــــالجسم إنسانُ

والدين مَعينُه في نفسي، يستحيل على إنسانٍ آخر أن يهديني الدّين، إذا لم تهدِني إليه نفسي، ومن يَقُل بلسانه الله ويعرف بقلبه الله، وتحبُّ روحُه الله، تتعلق بظاهره وبباطنه بين يدي الله. وليكن مطلب كلّ موحّد هو الله، وقصده هو الله، وذكره هو الله، ونطقه هو الله، وفكره هو الله، قال تعالى: ﴿اتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ ۖ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَىٰ عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ ۗ﴾(العنكبوت 45). فالله فردٌ في أزليّته، لا ثاني مَعه، ولا شيء يفعل فعله. «مسلك التوحيد هو جوهرة غنيّة، رحِم الله من صقل هذه الجوهرة الثمينة إلى ذروة الإيمان التّوحيدي، إنّها تعاليم إنسانيّة راقية قديمة وحديثة» (نجيب العسراوي). التوحيد عُزلةٌ وسترٌ، التّوحيد آداب، التوحيد هو الإكثار من ذكر الله تعالى، مثل الذي يذكر الله والذي لا يذكره كمثل الحي والميت، عليكم أيّها الموحّدون بفناء وجودكم في اللّه، فَتُصْقَلُ مراياكم، وتنجلي حقيقتُكم.

التوحيد عقيدة علم، وفلسفة طريق سعادة. يا مُوَحّد، اِعمل بما أمرك به الله، والأديان منذ نشأة الكون لها هدف واحد: تعريف الإنسان بحقيقة دربه، وتعريفه على حقيقة ربّه: «خَلَقْت الوجود كلّه لأجلكم وخلقتكم لتعرفوني وتعبدوني». التّوحيد هو طريق النفوس النقيّة التقيّة والعقول المُدركة للأسرار، عقول من عرفوا الدنيا دار فناء، وعرفوا الحقّ إماماً فاتّبعوه، وميثاقاً وحُجَّة ودعوة استجاب لها الموحّد المؤمن المستجيب. التوحيد هو الارتقاء الكبير بين يدي النّور، على الموحّد أن يُدخل نورُ الحق والخير إلى قلبه حتى يحرق ما فيه من شهَوات، ويُجري فيه دماء الإيمان ونور اليقين، وإيمان الموحّد هو طريقه المستقيم، إيمانُه أبداً بالله سبحانه وتعالى، هو الحقّ، وأنّ الموت هو الحقّ، والقيامة حقّ؛ والميزان حقّ والجنة حقّ (شفيق أبو غانم). التوحيد أوّلُ ما أنزل الله من عِلم على جميع الأنبياء «أعبد الله كأنك تراه، فإن لم تَرَه فهو يراك».

مسلك التوحيد لا يصحّ إلّا إذا شعرنا بهيبة الله تعالى، قال عزّ وجلّ: «أنا عند ظنّ عبدي بي، إذا كان خيراً فلَهُ، وإذا كان شرّاً فلَه»، ﴿فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ، وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ﴾ (الزلزلة 7 و8). الدين هو التوحيد، هو الصلة بين العبد والمعبود، الدّين هو الإيمان «الإيمان بالله والتوحيد بكماله» هو منبع الفضائل في النفس والنور في القلب، الدين هو الطاعة ليسلك مسلك التوحيد للباري سبحانه وتعالى، ﴿هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَىٰ وَدِينِ الْحَقِّ﴾ (التوبة 33). مسلكيّة الموحّدين الدّروز أن يُحْيوا هذه القوة الكامنة في ثنايا هذه الروح، ليدركوا جوهر الدين، والبعد عن الخطايا والمعاصي. هو الدين، أرسله لنا بالهُدى والحقّ، فهو حقيقة الإرادة الإلهية، وعلى النّفس أن تعرفَ الله سبحانه وتعالى، وكمال معرفته توحيده، وكمال توحيده نفي الصّفات عنه.

مسلكيّة الموحّد هي الصّلاة وصدق اللسان، فالصّلاة هي الصّلة الروحيّة بين الله والإنسان، طَهّروا نفوسكم من الجشع والحسد والحِقد والنميمة، تَخلَّقوا بأخلاق الأنبياء والرسل الكرام، فيستطيعَ العالم الترقّي إلى درجات الكمال، والتقرّب إلى الله ذي الجلال والإكرام. فصدق اللّسان هو رأس الفضائل، هو التصديق بوحدانية الخالق وحده لا شريك له. الصادق يفي بالوعد والعهد، لا يكذب، لا يسرق، لا يشهد بالزور،
ولا يضرّ أحداً. الصدق منجاةٌ ولو تحت شفار السيوف، هو أفضل مكارم الأخلاق، ومن أقدس الواجبات عند الموحدين، لتبقى العبادة خالصة لوجه الله وحده. والعبادة المرتكزة على التربية الدينية الصحيحة، هي شرف للعابد، وأي شرف أغلى من صلة العبد بربّه، ليستقيمَ خلقه إنّها العبادة الحقيقية في الدنيا والآخرة إذا اقترنت بالإيمان. من يعمل على مرضاة خالقه بحسن أخلاقه تتجلَّى فيه الحكمة. إنّ التربية الدينية والوعي الخلاّق هي النّعم الوافرة. أمّا كسب المال الحلال فيكون بتجنّب الطمع والحسد، وهذان أساسا كلّ خطيئة، فتواضعوا يرحمْكُم الله، وابتعدوا عن التكبّر والإعجاب، لتصلوا إلى الرّضا والتّسليم فهما من أُسس التوحيد، والقناعة بالعدل الإلهي، وليُحبَّ كلٌّ منكم لأخيه ما يحبّه لنفسه. الخلق كلّهم عباد الله، فليسلّم المؤمن أمرَهُ لربه، راضياً بأحكامه، صابراً على بلواه بعيداً عن المحرمات، كالكذب والنميمة والطمع والكبرياء والسرقة والقتل وشهادة الزور، وليُمسك لسانه إلاّ عن الحق، وليعلم بأنّ اللّه جلّ وعلا ناصرٌ للحقّ.

«الصّدق في أقوالنا أقوى لنا والكذب في أفعالنا أفعى لنا». وأكبر الجهاد هو جهاد النّفس ومعرفتها: «من عرف نفسه عرف ربّه»، «العزّ في الطاعة والذلّ في المعصية» علينا بمخافة الله جلّ وعلا «رأس الحكمة مخافة الله»، والنبيّ هِرمس (النبي إدريس) دعا الناس إلى دين الله عزّ وجل، والقول بالتوحيد، وعبادة الخالق، وتخليص النفوس من العذاب وأمرهم بالصلوات.

وكذلك كان النبي داود(ع)، «اختار من الكهنة والقضاة، مائتين وثمانيةٍ وثمانين كاهناً، يسبّحون للّـه، ليبقى ذكر الله دائماً». والصّلاة هي من أعظم الشعائر، قال تعالى: ﴿ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً ۚ﴾ (الأعراف 55)، ﴿إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي﴾ (طه 14). يا داود أعرف نفسك تعرفْني، «النفس المطمئنّة هي التي اطمأنت بذكر الله»، يا داود حذّرْ وأنذر قومك من الشهوات، فإنّ القلوب المتعلّقة بشهوات الدنيا عقولها محجوبة عنّي. وعلى المرء ألّا يكون أسير المال والمُلك والموقِع. يقول الشيخ الفاضل(ر): «على المرء أن يسلّم أموره لله، ويتكّل عليه في السرّاء والضرّاء، ليرضَا بقضائه، ويصبر على بلائه ويستغفر ربّه، ويهذّب أخلاقه بالفضائل، وليُقْبل على الرزق الحلال، ويعتمد الصفاء والوفاء… فيكون صادق اللسان، حميد الخصال، حميد الفعال»، فمن جمع هذه الخصال نال عظيم المنال. قالت رابعة العدَويّة(ر): «نعبُده لذاته، ويكفينا نِعَمَه التي لا تُحصى، نخِّر له ساجدين»، ارتفعت رابعة عن درجة العبادة والزّهد إلى درجة الرّضا. كانت في رضاها أروع وأصلب العباد «سُئلت يوماً كيف أرضى بالله؟ أجابت: «يوم تفرح بالنّعمة كما تفرح بالنّقمة لأنّ كليهما من عند الله، وأردفَت: «ثمرة العِلم الرّوحي هي أن تصرف وجهك عن المخلوق كيماتوجهه الى الله الخالق وحده، لأن المعرفة هي معرفة الله». «من عرف خالقه تهذّبت أخلاقه، ومن أستغفر من ذنبه، قَبِل الله وسيلته، ومن بادر إلى التّوبة، لم يَعُد إلى الذنب»، «لا تأنَسْ بغيري إذا ما وجدتني، وستجدني حيث تطلبني، ولا تخشَ سلطاناً ما دام سلطاني».

والأمير السيد(ق) يقول: «لا حول ولا قوّة إلّا بالله، له البقاء والدوام، وله الحمد على ما أعطى ومنع، وعليه الاتّكال وبه المُستعان. قبول أوامره طاعة وصبر، والاتّكال عليه عزٌّ ونصر، فهنيئاً لمن أطاع وصبر». صاحب الخُلُق الرفيع، رزقه حلال، عقله يقوّيه بمقابلة العلوم الحقيقية، ونظره بمقابلة المُنعم ورؤية جماله، مستأنسٌ بالله عزّ وجل، فلا خطايا ولا ذنوب ولا مجال للشرّ، والله العلّيُّ القدير، هو العَوْن والنّصير، ولا يخَفْ أحدكم إلّا ذنبَه ولا يرجُ إلّا ربّه (نايف عبد الخالق) الدّنيا تطيب بذكره والآخرة بعفوه. حَسَنُ الخُلق لا يَغْضبُ، ومن كفّ عَصَبَه، كفّ الله تعالى عنه عذابَه «تواضعوا يرحمْكم الله، واعفوا يعزّكُمُ الله، وتصدّقوا يرحمْكم الله، وابتعِدوا عن التكبّر والإعجاب. أوحى الله سبحانه وتعالى إلى النبي داود(ع): «لا تجالس المُتكبّرين ولا النمّامين، وإنّما الكبرياء لي، وأنا صاحب العزّة والعظمة والجبار الأعلى»، لا تحتقروا الفقير، ولا تسخروا من غيركم، ﴿إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ﴾ (الحجرات 13).

هي التقوى، اتَّقوا الله حتى يُصلحَ لكم أعمالكم، ويغفرَ لكم ذنوبكم. إنّ الله يحبّ المتّقين، ويُنْجي الذين يتَّقون والجنّة خُلقت للمُتّقين، لا تَحاسَدوا ولا تباغَضوا وكونوا عند الله إخواناً. فالموحّد الخَلوق مع إخوانه وجيرانه وقومه رؤوف شفوق، لا يتأخّر عن واجباته في التّعزية والفرح، يُسَرّ لِسرورهم ويحزن لحزنهم ويمدّهم بالعَون المادي والمعنوي، ويتّقي ربّه في السرّ والعلانية فللفرائض قُدسِيّتُها. يُرحّب بالضّيف، فالضّيف عنده ضيف الله، يؤمن بالقدَر وبالعمر المحتوم. الصادق الديّان صاحب الخُلُق الرّفيع، لا يُهمل العلم الرّوحاني ساعةً واحدة لأنّها ثمرة الرّوح وبه حياتها، وهو نور البصيرة وبدونه تستولي الظّلمة على النّفوس. الموحّد الحقيقيّ هو الزّوج العطوف والأبُ الحنون، حريصٌ على الكرامة، ونَيْل الرّزق الحلال، يعمل لتأمين أُسرته ورفع العوز عنها. والموحّدة الحقيقيّة، صفاتها صفات الموحّد، فهي الحانية على أولادها، المُخلصة لعائلتها، المتعاونة مع زوجها، تُتقن وتتمّم واجباتها الدينيّة والدنيويّة وشعارها «الكدُّ أمام العائلة عبادة ثانية». هي مهذّبة كريمة، عفيفة النفس، لا تلهيها بَهرَجةُ الدنيا عن عبادتها والأمير السيّد عبد الله التنوخي(ق) قد أمر بفتح المدارس للفتيات قبل الفتيان. وهو يعلم علم اليقين، أنّهنّ الركن الركين والأُسّ المتين في عملية بناء الأوطان المبنية على التقوى والفضيلة وتنشئة الأولاد والتّربية والتعليم والآداب والأخلاق العالية. فتاتَكم؛ هذّبوا خُلُقَها، ورَقُّوا نُهاها، وارفعوا قدرَها ولا تهملوها، هي بنتٌ لكم وأُختٌ وزوجة وهي أمٌ يطيب فيها بنوها.

إذاً، نستنتج إنّ مسلكيّة الموحّد والموحّدة الخُلُقيّة هي مسلكيّة حضارية، هي احترام للحياة العائلية، لا تفكيراً بالخروج عن الآداب الزّوجية. بيئةُ الموحّدين بيئةٌ نظيفةٌ، فيها عِفَّةٌ وعزّةٌ للنفس وبذلٌ للمعروف وصبرٌ ولينٌ وكرامةٌ وجِدٌّ ورِفقٌ، وصدقٌ مع النّفس ومع الآخرين، والتزامٌ بحسن التّعامل، «عامِلِ الناسَ بالتي هي أحسن، وبمثل ما تحب أن يعاملوك به». ومَن هو المسؤول عن بناء الأسرة وتربية الأطفال؟؟ لا شك أنَّ المسؤولية تقع ليس فقط على أكتاف الأمِّ وحدَها، بل على عاتق الأب والأم، في التأديب والتعليم والمراقبة. الولدُ أمانة عند والديه فإنْ عُوِّدَ الخيرَ نشأ عليه، وإنْ عُوّد الشرَّ نشأ عليه (الامام الغزالي). على الأهل أن يُحْسنوا التربية منذ الصّغر، لتترسّخ فيهم عادات السلوك الشّريفة وإشراق نور العقل وصفاء القلب، وذلك بفضل التربية الخلقية واستشعار هيبة الله، (الله معي، الله ناظري الله شاهدي)، وكذلك يقول الأمير السيّد(ق) «بدء الكلام بذكر الله: بسم الله، الحمد لله»، وأيَّة رسالة أشرف وأنبل وأعظم من رسالة العبادة للّـه.

والعبادة شرفٌ للعابد، هي صلة العبد بربّه ليستقيمَ خُلقه، إنّها السعادة الحقيقيّة في الدّنيا والآخرة إذا اقترنت بالإيمان والدِّين، يعمل على مرضاة خالقه بحسن أخلاقه، فتنجلي فيه الحكمة السامية، فيستطيع العالم الترقّي في درجات الكمال، والتقرّب إليه ذي الجلال والإكرام. إنّها النّعم الوافرة في معرفة علوم الدين التي أمدّنا الله بها عزَّ وجلَّ، لكسب المال الحلال، توصُّلاً إلى تمام النعيم بتجنُّب الموبقات والمعاصي، التي هي أساس كلّ خطيئة «فجنّات النعيم دوماً وأبداً لمن عمل الصّالحات».

إنَّها الثقافة التوحيدية الخلقية التي يجب أن تُعمّم، والصّلة الروحيَّة التي يجب أن تُحتَرم، لتكوِّن الموحِّدَ ذا الخُلق الحَسن:

وإنَّمــــــا الأممُ الأخـــــلاقُ مـــــــا بقيت         فــــــإن همُ ذهبت أخـــــلاقُهم ذهبـــــوا

وإذا أصيب النــــــــاس في أخــــــلاقِهم          فـــــــــأقِمْ عليهم مأتمـــــــــاً وعويـــــــــلاً

والله العليّ القدير هو العَوْن والنّصير، فتقرّبوا إليه بالعِلم والعمل، إنّها البُشرى، إذْ يعلم ويعمل فتحصيلهما هو الكمال الحقيقيّ، وهما مطلبان يقرّبان إلى الرّضا الإلهيّ. فالجهل يُخفِضُ أمّة ويذلُّها والعلم يرفعها أجلّ مقام. العلم فرح وسعادة، ونور، والعلم هو مِن نِعَم الله تعالى، والله سبحانه وتعالى اختار آدم، لِسرِّه المكنون وعلمهِ المخزون، فاعلمي يا نفس أنّك لم تُخلَقي إلّا للعلم والعمل. اقتران العلم بالعمل هو من الثوابت الأساسية في مسلك التّوحيد، وهما متلازمان. ﴿أَنَا الرَّبُّ إِلهُكَ مُعَلِّمُكَ لِتَنْتَفِعَ، وَأُمَشِّيكَ فِي طَرِيق تَسْلُكُ فِيهِ﴾ (سفر إشعياء ١٧:٤٨)، فالسيد المسيح كان يعلّم تلاميذه كلّ يوم في الهيكل. جاء في القرآن الكريم: ﴿وَقُل رَّبِّ زِدْنِي عِلْمًا﴾ (طه 114). فغاية العلم: التّوحيد، الذي هو علم الحقيقة، ويهذّب النفس إلى المعرفة، لتسيرَ في مسالك الارتقاء الرّوحي ولتصلَ إلى مفاهيم التوحيد التي هي العدل والحق والخير. العلم الحقيقي هو المنبثق من أمر الله، هو الغذاء الروحيّ للنفس والعقل وسلّماً للارتقاء من فيض الحكمة الربّانية لنصل إلى الغاية المُثلى التي حضّنا الله عليها. إنّ مسلك المُوَحِّد يوجب عليه العمل الصالح بما يقتضيه التوحيد من واجبات مسلكيّة والتزامات أخلاقيّة. قال تعالى: ﴿وَتُوَفَّىٰ كُلُّ نَفْسٍ مَّا عَمِلَتْ﴾ (النحل 111)، هو البرهان الصّادق على حقيقة نواياه، وتصديق قلبه بالحقّ وإيمانه الرّاسخ بوجود الله.

تلك هي باختصار مسلكيّة الموحّد وأخلاقيته وأُهيب بكم إخواني وأخواتي، احترامها حيث كنتم، فالتوحيد غير محصور بمكان أو زمان أو لُغة. هو نزعةٌ في القلب وتوجُّهٌ في العقل، نحو الارتباط بالعقل الكُلِّي، فهنيئاً لمن يستطيع التألُّق في رحاب عليائه.

علينا أن نقرأ تراثنا، ونحاول بثّ هذه الحقائق بين أفراد مجتمعنا، خاصّة في هذه الأيام التي فُقدت فيها التربية الدّينية والأخلاقية وطغت المادة على الأخلاق والقيم الرفيعة، وأصبح شبابنا وشابّاتنا في ضياع، لأنّهم لا يفقهون شيئاً من علوم الدّين، وأصبح القابض على الدين في هذه الأيام كالقابض بيده على الجمر ذلك موضوع مُهِمّ ولا مجال للتوسّع في البحث فيه الآن. أمّا مسألة استمساك أمّة التوحيد بأخلاق الدّين كما أمر بها الله تعالى فهو أمرٌ شهد لهم فيه القاصي والداني، بأنّهم أعفُّ الخَلق بفضل خَشيتهم لله عزّ وجلَّ ومحبّته الممزوجة بدمائهم إنها خيرُ أمَّة خصّها الله بالمكرُمات.

محكمة الاستئناف، ورئيسها، وباقة من القضاة يكرّمون فضيلة القاضي سليمان غانم بعد 33 عام من العطاء.

جرى في المحكمة الاستئنافية لطائفة الموحدين الدروز في بيروت تكريم فضيلة الشيخ سليمان غانم بعد احالته على التقاعد منهياً خدمة ما يقارب 33 عاماً من العطاء والتفاني في العمل تاركا تاريخا من الإنجازات وإرثاً من المحبّين وأحكاماً ومراجع مهمة. رعى التكريم رئيس محكمة الاستئناف المذهبية الدرزية العليا سماحة الشيخ فيصل ناصر الدين في حفل اقتصر على قضاة المذهب الحاليين والسابقين، ضمّ كلّاً من:
القاضي الرئيس عفيف الحكيم
فضيلة القاضي الشيخ سليم العيسمي
فضيلة القاضي الشيخ غاندي مكارم
فضيلة القاضي الشيخ فؤاد البعيني
فضيلة القاضي الشيخ فؤاد يونس
فضيلة القاضي السابق الشيخ يوسف كمال
القاضي السابق نديم عبد الملك
الرئيس القاضي السابق رياض طليع
فضيلة القاضي الشيخ منير رزق
فضيلة القاضي الشيخ نزيه ابو ابراهيم
فضيلة المستشار السابق الشيخ سجيع الاعور
سماحة القاضي السابق الشيخ مرسل نصر
القاضي السابق غسان رباح.

جرى في المناسبة القاء كلمات بالمحتفى به من قبل رئيس المحكمة الشيخ فيصل ناصر الدين، والقاضي سجيع الأعور. ثم كلمة فضيلة القاضي فؤاد حمدان عن صفات وسيرة فضيلة القاضي غانم واهم انجازاته.

وأخيراً كلمة المكرّم شكر فيها الجميع وأوصاهم بالعدل والمحبة وإكمال مسيرة الوفاق والايثار في العمل، واختتم الحفل بدرع تكريمي لفضيلة القاضي غانم.

 

تكريم المهندس فؤاد أبو حمدان في عمّان

 

كرّم اللقاء المعروفي – الأردن، المهندس فؤاد أبو حمدان في عمّان، المملكة الأردنية الهاشمية. بدأ الحفل بالسلام الملكي الأردني، ثم تعريف من الدكتور عاطف الحلح. تحدث بعده رئيس الجمعية الخيرية العربية (أبو وائل فواز الحجلي)، ثم الأستاذ محمد الحناوي معرّفاً بأهداف اللقاء، ثم وصلة شعرية لعادل عبد الصمد، ثم كلمة حسن سويد معرّفاً بالمحتفى به وعطاءاته، وأخيراً جرى تسليم درع اللقاء المعروفي ولوحة للفنان شادي وهبة إلى اللأستاذ ابو حمدّان الذي تحدث فشكر اللقاء والجمعية الخيرية العربية والحاضرين على مبادرتهم.

لجنة التواصل والعلاقات العامة تقوم بسلسلة لقاءات

قامت «لجنة التواصل والعلاقات العامة» في المجلس المذهبي برئاسة اللواء متقاعد شوقي المصري، وعضوية كل من الشيخ فادي العطار، الشيخ شاهين هاني، الدكتور زهير عمر، الاستاذ علي فايق، الاستاذة دنيا بو خزام، الاستاذ عصام حيدر، الاستاذ رمزي جماز، الاستاذ نادر فخر، طوال الأسابيع الماضية بجولة زيارات شملت المرجعيات الروحية وعدداً من مشايخ الدين الأجلاء في طائفة الموحدين الدروز في أقضية عاليه والشوف والمتن الأعلى لوضعهم في جو عمل المجلس ومشاريعه المستقبلية الهادفة إلى تطوير أنشطة مؤسسات المجلس في خدمة أبناء الطائفة والوطن بعامة. وكانت الزيارات مناسبة لأخذ بركة المراجع والمشايخ الأجلاء والاستماع إلى آرائهم واقتراحاتهم القيّمة في كل مجال، على أن تستكمل الجولة في قضاءي راشيا وحاصبيا في وقت قريب. شملت الجولة (ووفق الترتيب الزمني) المرجعيات والمشايخ الأجلاء التالية أسماؤهم: المرجع الروحي الشيخ أبو يوسف أمين الصايغ، المرجع الروحي الشيخ أبو سليمان حسيب الصايغ، المرجع الروحي الشيخ أبو صالح محمد العنداري، الشيخ أبو سعيد أنور الصايغ، الشيخ أبو محمود سليمان عبد الخالق، الشيخ أبو فارس مروان فياض، الشيخ هاني جابر، الشيخ ريدان شهيب، الشيخ نعيم الفقيه، الشيخ جميل شميط، الشيخ رجا شهيب، الشيخ نسيب شهيب، مدرسة الإشراق حيث التقى رئيس جمعية الإشراق الشيخ أبو علي محسن الجردي وأعضاء الهيئة الادارية للجمعية، خلوات القطالب، الشيخ أبو داوود منير القضماني، الشيخ أبو زين الدين حسن غنام، خلوة المرجع الراحل المرحوم الشيخ أبو محمد جواد ولي الدين في بعقلين، خلوات الزنبقية، الشيخ أبو شوقي مهنا البتديني والشيخ أبو مهدي فؤاد اﻷشقر، مقام المرحوم المرجع الديني الراحل الشيخ أبو حسن عارف حلاوي في بلدة الباروك، الشيخ أبو يوسف أمين العريضي، الشيخ أبو نبيل أديب ملاعب، الشيخ أبو محمود سعيد فرج، كلية اﻷمير السيد عبد الله التنوخي الجامعية للعلوم التوحيدية، الشيخ أبو هاني وفيق حيدر، الشيخ أبو حسن ناصوح حيدر، الشيخ أبو هيثم شوقي الخشن، خلوة العمروسية، الشيخ نزيه صعب، الشيخ أبوطاهر منير بركة، الشيخ أبو حسن عادل النمر، مقام المرحوم الشيخ أبو حسين سعيد ماضي، مقام المرحوم الشيخ حسين ماضي، مجلس بلدة بتخنيه، الشيخ أبو صالح كريم أبو الحسن والشيخ أبو نعيم مهيب أبو الحسن، منزل الشيخ أبو يوسف سلمان منذر في بلدة بزبدين، خلوة المرحوم الشيخ أبو علي يوسف مكارم، فضيلة القاضي الشيخ غاندي مكارم، الشيخ أبو سليمان غالب مكارم، الشيخ أبو حمزة فؤاد صالحة، الشيخ أبو حسين محمود مكارم، الشيخ أبو أنور يوسف صالحة، الشيخ أبو فايز أمين مكارم، الشيخ أبو جهاد سامي القنطار، مقام المرحوم الشيخ الجليل أبوسعيد أمين أبو غنام، الشيخ أبو سلمان فارس أبو غنام، الشيخ ابو فوزي رامز أبو غنام، الشيخ أبو انور كميل أبو غنام، الشيخ أبو نزار نجيب أبو غنام، الشيخ أبو غازي عفيف أبو غنام، منزل الشيخ ابو عفيف رفيق أبو غنام، الشيخ ابو سليمان حسيب أبو غنام، الشيخ أبو أمين فريد المهتار، الشيخ عدنان الحلبي، الشيخ معن يحيى، الشيخ ابو ايوب فوزي دقدوق، مجلس آل الجوهري.

[Best_Wordpress_Gallery id=”15″ gal_title=”لقاءات لجنة التواصل”]

 

ندوة للجنة الثقافية في المجلس المذهبي ومؤسسة أديان حول “وثيقة الأخوَّة الإنسانيّة”

أقامت اللجنة الثقافية في المجلس المذهبي لطائفة الموحدين الدروز ومؤسسة «أديان» ندوة حول «وثيقة الأخوَّة الإنسانيّة» التي وقَّعها البابا فرنسيس وشيخ الأزهر في دولة الإمارات العربية المتّحدة في 4 شباط 2019، في قاعة مكتبة بعقلين الوطنية، حضرها ممثل شيخ العقل الشيخ نعيم حسن الشيخ الدكتور سامي أبي المنى وممثل النائب تيمور جنبلاط الدكتور ناصر زيدان وممثلون لكلٍّ من سفارة الإمارات العربية المتّحدة والسفارة البابوية وسفارة المملكة العربية السعودية في لبنان وحشدٌ من رجال الدين والعلماء والقضاة من مختلف الطوائف، وأعضاء من المجلس المذهبي لطائفة الموحدين الدروز ومن مؤسسة أديان ومؤسسة العرفان التوحيدية ومهتمِّين بشؤون الثقافة والحوار.

الشيخ د. أبي المنى
افتتح الندوة الشيخ الدكتور سامي أبي المنى رئيس اللجنة الثقافية ناقلاً تحيات سماحة شيخ العقل ومباركته للقاء، وشاكراً كلَّ من لبّى الدعوة، معتبراً «أنّ في التلبية دليلاً على الاهتمام بنهج المصالحة والعيش معاً الذي انتهجه أبناءُ الشوف والجبل قيادةً وفاعلياتٍ دينيةً وثقافيةً واجتماعيةً وتربوية ومواطنينَ خُلَصاء خاضوا التجاربَ المرَّة وعادوا إلى كنف المحبة الجبلية والوطنية، مؤمنين بالمصالحة وبرسالة الحوار والعيش المشترك والأخوّةِ الإنسانية».وخاطب إخوانه في المجلس المذهبي لطائفة الموحّدين الدُّروز، قائلاً: «إنّ رسالتنا التوحيدية والوطنية والإنسانية تحملُ في مضمونها رسالةَ الحوار والدعوةَ إلى تعزيز قيم الإيمان الصحيح والأُخوَّة الإنسانية والمواطَنة الصالحة، وإذا كان القدَّاس الذي يُقام اليوم في دير القمر دليلاً إضافياً على طيِّ صفحة الحرب والمآسي التي طويناها نحن من قبلُ صادقين وطواها وليد جنبلاط إلى غير رجعة، مع أمثالِه من القادة الكبار الأقوياء بإرادتهم ومواقفهم وبمن يُمثِّلون، وفي طليعتِهم غبطة البطريرك صفير ومن بعده غبطة البطريرك الراعي، فإنّ اجتماعنا هنا في نفس الوقت حول وثيقة الأخوّة الإنسانية ما هو إلَّا تأكيدٌ على السَّير معاً في نفس المسار والاتِّجاه نحو ترسيخ المصالحة وتجسيدِها ثقافةً وعملاً ونهجَ حياة».

وقال: «إنَّ تنظيمَنا لهذه الندوة حول وثيقة الأخوَّة الإنسانية بالتعاون مع مؤسسة أديان وبمشاركة سفارتَي الإمارات العربية المتَّحدة والفاتيكان لَهو جزءٌ لا يتجزَّأُ من تلك الرسالة التي نحمِلُها معاً ونُناضلُ معاً من أجل نشرها وتعميمِها، وتحويلِها إلى مناهجَ وبرامجَ تربويّةٍ وإعلاميّةٍ واجتماعية….(فهي) تُقدِّم للشرق الأوسط وللعالَم بأسرِه أرقى نموذجٍ للتعايش الكريم الآمن وللحريَّة الدينيَّة والأُخوَّة الإنسانيَّة».
ممثل السفير الإماراتي
ممثِّل السفارة الإماراتية حمدان الهاشمي اعتبر «أنّ اللقاء مختلف وله طابعه الخاص، وأن الحديث عن السلام هو من أسمى الرسائل التي يمكن للإنسان التطرق إليها. إن صناعة السلم في العالم قد لا تتوَّج دائماً بنتائج نهائية لكن الساعي إلى الخير كفاعله، ونحن في هذا المسار سنبذل كلَّ جهد لإعلاء راية السلام والمحبة، ولقاء البابا فرنسيس والإمام الأكبر شيخ الأزهر ما هو إلَّا ترجمة عملية لمساعينا من أجل تعميم ثقافة السلام».وختم بالقول: «لا أشك بأنكم لمستم حرص دولة الإمارات على أن تكون رسالة الأخوّة الإنسانية واضحة المعالم لا يشوبها أي التباس، وقد نصّت الوثيقة على ضرورة أن تتحوّل بنودُها إلى موضع بحث وتأمُّل للخروج بأفكار تطبيقية ومبادرات تتيح تنشئة الأجيال على الخير والسلام».

السفارة البابوية
من جهته رأى السكريتير الأول في السفارة البابوية إيفان سانتوس أنَّ ما حصل في الإمارات يمثِّل «حاجة ملحّة لكل إنسانٍ اليوم لخلق أرضاً مشتركة تمكنه من سماع الآخر وتسمح بالانفتاح على تقديماته»، وتابع: «إن الوثيقة تدعو للحفاظ على ما هو مشترك بين الأديان وهو الكرامة الإنسانية، والحوار لم يعد نوعاً من الجدل والمفاوضات للوصول إلى تفاهم وللبحث عن نقاط تلاقٍ ولا محاولة لإزالة الفروقات، بل إنه الحضور للتكلم وخلق الحرية وتوليد الأمل، وهذا لا يمكن إلَّا بالأخوَّة».وختم مستشهداً بكلام البابا: «لا يوجد بديل، إمَّا أن نبني المستقبل معاً، أو لا مستقبل لنا جميعاً… إن الله مع الذين يبحثون عن السلام، وهو يبارك من عليائه كل خطوة على الأرض في هذا السبيل».
الأب فادي ضو
رئيس مؤسسة أديان الأب فادي ضو تكلَّم عن أهمية الوثيقة وبنودها، مثنياً على دور الإمارات العربية المتَّحدة، ومؤكِّداً على أهمية تجسيد مبادئ الأخوّة الإنسانية واقعاً ملموساً ومناهجَ وبرامجَ عمل، معتبراً أنَّ الوثيقة تعكس روحية هذا الجبل وصورته المبنية على المحبة والأخوَّة والعيش الكريم معاً.
وبعد كلمات الافتتاح كانت هناك ثلاث مداخلات قيِّمة في مضمون الوثيقة للمطران إيلي بشارة الحداد راعي أبرشية صيدا ودير القمر للروم الكاثوليك، والقاضي الشيخ خلدون عريمط رئيس المركز الإسلامي للدراسات والإعلام، والشيخ حسين شحاذة أمين عام ملتقى الأديان والثقافات للتنمية والحوار باسم العلامة السيد علي فضل الله رئيس الملتقى. ثمَّ جرى تقديم الدروع باسم المجلس المذهبي ومؤسسة أديان للمتكلمين ولمدير المكتبة الوطنية غازي صعب، واختتم اللقاء بكوكتيل الضيافة.

حفل اللقاء الإعلامي التكريمي الأول

بدعوة من مكتب الاعلام في “المجلس المذهبي لطائفة الموحدين الدروز”، وبرعاية سماحة شيخ العقل، وحضور أعضاء المجلس المذهبي، انعقد في قاعة استقبالات دار طائفة الموحدين الدرزية في فردان/بيروت، اللقاء الإعلامي التكريمي الأول. حضر اللقاء رؤساء تحرير صحف ومحطات إذاعية وتلفزيونية، وحشد كبير من الإعلاميين والإعلاميات. تحدّث في اللقاء سماحة شيخ العقل عن الوضع العام والظروف الدقيقة التي تمرّ بها البلاد، وضرورة تكاتف الجهود وتقديم مصلحة البلد فوق المصالح الجزئية. كذلك تحدث رئيس لجنة التواصل والإعلام الأستاذ صالح حديفة الذي قدّم عرضاً بأعمال لجنة الإعلام ولجان المجلس الأخرى في قطاعات الصحة والتعليم والسكن والمساعدات الاجتماعية، والمشاريع المنوي تحقيقها في العام الحال 2019. بعد ذلك جرى تقديم ميدالية تذكارية للسيدة نجوى البعيني أرملة المرحوم الأستاذ نجيب البعيني تقديراً لعطاءاته الأدبية والوطنية، كما جرى توزيع العدد 26 من مجلة على المدعوين. وأخيراً دُعي الجميع إلى حفل غداء بالمناسبة.

تلوّث الهواء

يبدو أنّ ما تراه العين يصعب أحياناً أن يُترجَم بمُستندات ووثائق رسميّة تعترف بما نستنشقه من تلوّث ومواد سامة ومُسَرطنة. دخان المولدات والمصانع والسيارات في لبنان وآراء الخبراء والمُختصّين في مجال التلوّث والأمراض الصدريّة والسّرطانية والأبحاث العلميّة التي يقودونها في هذا المجال، كفيلة بنقل صورة عن نوعيّة الهواء في لبنان. عيّنة صغيرة لمنطقة واحدة في بيروت تكشف حقيقة مخيفة عمّا نشهده.

نحن على معرفة تامّة بأنّ التلوّث موجود في لبنان عامة، ولو بنسبة متفاوتة بين منطقة وأخرى، على الرّغم من غياب الأرقام الرسميّة المفروض صدورها من الجهات والوزارات المعنيّة. المبادرات الفردية التي تقوم بها المراكز والجامعات الكبيرة المشهود لها بدقّتها كالجامعة الأميركية في بيروت وجامعة القديس يوسف، تُظهر نوعيّة  الهواء الذي نتنشّقه وربما تفسّر نسبة السرطان المتزايدة في لبنان.

تتعدّد مصادر التلوث، من المصانع لى المولّدات والسيارات وغيرها من الانبعاثات السامّة ومعامل الزُّوق والجيّة وغيرها. وبعدها فقد وصلت نسبة التلوّث في بيروت إلى 3 أضعاف الحد الأقصى المسموح به وفق منظّمة الصحّة العالمية، وقد كشفت منظمة «غرينبيس» في أيلول 2018 نتائج تحليل «غير مسبوقة» لبيانات حديثة صادرة عن الأقمار الصناعية في الفترة المُمتدّة من 1 حزيران إلى 31 آب، عن تصنيف مدينة جونيه في المرتبة الـ 5 عربيّاً والـ 23 عالميّاً من حيث نسبة الغاز الملوّث «ثاني أوكسيد النيتروجين NO2» في الهواء. من جونيه إلى الحمرا، حيث أظهرت الدراسة التي أعدّتها الجامعة الأميركية نسبة الملوّثات المُسَبِّبة للسرطان الصادرة عن المولدات العاملة بالديزل في منطقة الحمرا.

تلوث الهواء في مدينة بيروت

قراءة هذه الوقائع والأرقام كفيلة بنقل واقع التلوّث في لبنان. لم نعد نبحث اليوم عن المسبّبات والعوامل، فكلّها باتت معروفة ومكشوفة بالعين المجرّدة. ما يهمّنا هو إيجاد خطّة عمل واستراتيجيّات للحدّ من هذا التلوث الذي يقتلنا بأمراضه ومواده المسرطنة.

لدى أستاذة مادة الكيمياء في الجامعة الأميركية في بيروت والمتخصّصة في تلوّث الهواء ومديرة مركز حماية الطبيعة، الدكتورة نجاة عون صليبا، الكثير من المُعطيات والأرقام التي تكشف حقيقة واقع التلوث، وهي تعرف جيّداً كيف تُلخّص ذلك. الانطلاقة كانت مع الدراسة العلمية التي أعدّتها الجامعة الأميركية في بيروت حول الملوثات المسببة للسرطان الصادرة عن المولّدات العاملة بالديزل، وذلك بتمويل من الجامعة الأميركية وبالتعاون مع الدكتورين عصام لقّيس وآلان شحاده.

رصدت الدراسة «الملوثات الصادرة عن المولدات العاملة بالديزل في منطقة الحمرا حيث شملت نحو 588 بناية سكنية من ضمنها 50 فندقاً». وأظهرت وجود 469 مولّداً في هذه المنطقة، وهو عدد هائل، مقارنةً بمساحة المنطقة، أي ما يقارب مولّداً واحداً لكلّ مبنيين. إزاء هذا الواقع، وإذا سلّمنا جدلاً بتشغيل هذه المولدات لمدة 3 ساعات يوميّاً في الوقت ذاته، فنحن نستهلك نحو 40 طنّاً من الفيول الذي يُنْتَج منه نحو ١،٥  طن من ثاني أوكسيد النيتروجين NO2 في الهواء.

عدد الجزيئات المنتشرة في الهواء الطّلق في لبنان […] أضعاف ما هو مسموح به وفق منظمة الصحّة العالمية.

وجود هذا العدد الهائل في مساحة صغيرة، يفسّر نسبة الجزيئات الخطيرة المسببة للأمراض والسرطان، حيث تسجّل تقريباً نحو 50 ميكروغراماً في المتر المكعب عند تشغيل هذه المولدات جميعها في التوقيت نفسه لمدة 3 ساعات فقط. إذاً، «تشغيل المولدات العاملة بالديزل في بيروت، يشكّل نسبة نحو 40 بالمئة من كميّة الهيدروكربونات الأروماتية المتعدّدة الحلقات التي يتعرّض لها السكّان في منطقة الحمرا. وإن استعمال المولّدات العاملة بالديزل في بيروت، ثلاث ساعات يوميّاً، يزيد من نسبة التعرّض للمسرطنات نحو 60 بالمئة عن المستويات الطبيعية، وهي أعلى بكثير في المناطق التي تعمل فيها المولّدات 12 ساعة في اليوم».

تشير الدراسة أن «هذه ليست سوى عيّنة صغيرة من واقع أكبر، ففي قراءة تقريبيّة، قمنا بدراسة استنتاجية عن توزيع المولّدات في منطقة بيروت الكبرى استناداً إلى نتائج منطقة الحمرا. وأظهرت النتائج أنّ استهلاك المولّدات يقارب الـ 750 طناً من الفيول وإنتاج نحو 30 طناً من ثاني أوكسيد النيتروجين وطنّاً من الجزيئات. علماً أنّ عدد الجزيئات المنتشرة في الهواء الطّلق في لبنان يراوح بين 30- 25 ميكروغراماً في المتر المكعب، وهو أضعاف ما هو مسموح به وفق منظمة الصحّة العالمية».

مشكلة النفايات في لبنان أحدثت كوارث بيئية خطرة جداً.

تشدّد الدراسة عن تلوّث الهواء على أنّ «مشكلة التلوّث ليست محصورة في مدينة بيروت فقط وإنّما تشمل كل المدن اللبنانيّة، وليست محصورة في المولّدات والانبعاثات الصادرة منها، وإنّما تطال أيضاً مشكلة السيارات القديمة التي تنتج منها انبعاثات سامة أهمّها ثاني أوكسيد الكربون وثاني أوكسيد النيتروجين والجزيئات وغيرها من الانبعاثات التي تؤثر في نوعية الهواء وزيادة السموم والمواد المُسَرطنة فيه». بناء عليه، تكشف دراسة تُعدّها الجامعة الأميركية في بيروت عن وجود نحو مليون و500 سيارة صغيرة بين 2005 و2006 بلغ عمرها 19 عاماً. هذا الواقع يعكس أزمة حقيقية على أرض الواقع، فهذه الانبعاثات الناتجة من السيارات القديمة، تكون سامّة كلّما طال بقاؤها وازداد عمرها. وهي تكون أعلى من السيارات الحديثة المبرمج للسيطرة على هذه الانبعاثات بفضل التكنولوجيا الصناعية. فكلّما كانت السيارة قديمة أنتجت موادَّ سامة.

لا يخفى على أحد أنه يُحكى عن أرقام كثيرة في مسألة التلوث الهوائي، سواء من المولدات والمصانع أو حتى السيارات. وفي الحديث عن حماية نوعية الهواء، أنشأت وزارة البيئة في العام 2013 خمس محطّات لرصد نوعيّة الهواء في لبنان شكّلت قاعدة أساسية وأولوية لهذا البرنامج. وفي العام 2017 الجسيمات، ومختبر قياس واحداً، وثماني محطات مستقلة لرصد الطقس.

إنّ مراقبة نوعية الهواء هي الخطوة الأولى في مكافحة تلوّث الهواء والاتجاه نحو اعتماد استراتيجية لإدارة نوعية الهواء. وعلى الرغم من إقرار مجلس النوّاب في 13/ 4/ 2018 قانون حماية نوعية الهواء رقم 78، إلّا أنّ القانون هذا لم يترافق مع أيّة خطة عمل أو إجراءات للتخفيف من مصادر التلوث. كما لم نسمع أو لم تتمَّ مشاركتنا بأيّة نتائج حول ما أظهرته محطّات رصد تلوث الهواء. وفي انتظار وضع استراتيجيات واقعية يُعمل بها على، استُكملت المرحلة الثانية التي شملت 10 محطات لرصد نوعية الهواء مجهزة بالكامل، وثلاث محطات لرصد رض الواقع. ويكشف تقرير منظمة الصحّة العالمية هول مخاطر التلوث على صحتنا، إذ بيّن أنّ أكثر من 90%  من سكان العالم يتنشّقون هواء مُلوّثاً، أي أنّ هناك تسعة من كلّ 10 أشخاص في العالم يتنشقون هواء يحوي مستويات عالية من الملوثات. وبحسب بيانات المنظمة، يموت نحو سبعة ملايين شخص سنويًّا نتيجة تعرّضهم لجزيئات دقيقة تتسلل عميقاً إلى الرّئتين  وفي النظام القلبي ـ الوعائي، الأمر الذي يؤدي إلى أمراض  مثل الجلطات الدماغية ومشاكل القلب وسرطان الرّئة.

من معمل الجِيّة، إلى مولّدات الكهرباء، فالسيارات… أزمة لبنان البيئية تتفاقم

2019