السبت, نيسان 27, 2024

اشترك معنا للاطلاع والحصول على أحدث المقالات والأعداد

السبت, نيسان 27, 2024

اشترك معنا للاطلاع والحصول على أحدث المقالات والأعداد

بحث ..

  • الكاتب

  • الموضوع

  • العدد

الأرضُ تعطـي وَجهَهـا شَهــــــــادَة وتَذكِـــــــرة

في هذه الشهادة الرقيقة والقويَّة يتحدَّث الكاتب عن صديق له اختار محبَّة الأرض وبنى حياته وعقيدته وسلوكه وغبطته الداخلية على العيش في كنفها والتعرّف على أسرارها وأسرار الرزق والرزَّاق وغيب الطبيعة وأحوالها. إنَّها قصة حياة غابت أو غيَّبناها وتذكرة في زمن الغفلة لأُولي الألباب، أو قُلّ لذوي الحظوظ الذين «قالوا ربنا الله ثمَّ استقاموا» فانفتحت لهم أبواب النِعمة وباتوا من الذين «لا خوف عليهم ولا هم يحزنون».
يقول الحق جلَّ وعلا: «أنا جليس من ذكرني» وجليسُ الأرض ذاكر للحقِّ في حلّه وترحاله لأنَّه خادم لأعظم مظاهر إبداع الحياة وعبد للنعمة وشاكر لها وراض بالعطاء، صابر على المنع.

1 –
هذه المقالة الشهادة هي عن صديق لي لن أذكر اسمه الحقيقي بل سأكتفي بتسميته “صديق الأرض”، وأعلم أنه هو ربَّما الاسم الذي يحبّ أن يُكنَّى به والذي ينطبق على الطريقة التي صاغ فيها حياته والتي بها يعيشها منذ زمن غير قصير.
كان يتحدَّث عن صفقة العمر التي اتَّخذ القرار بشأنها خلال عشر دقائق. لم يكن على استعداد، لكنَّ الأمر كان أشبه بثمرة ناضجة

تغريه بقطافِها. علَّمتْه الأرضُ نفسها أن لا يؤخر القطاف. كان يتحدَّث بفرح وانطلاق عن قطعة الأرض التي أضافها مؤخراً إلى ممتلكاته الزراعية المتواضعة؛ فهو ليس ملاَّكاً كبيراً، لكن الأرض مهما صغرت كبيرة في عقله وأحاسيسه ووجدانه. عندما قرَّر شراء الأرض لم يكن القرار تجارياً، ولم ينخرط عقلَهُ بالتالي في حساباتِ عقاريَّةٍ، لكنه علم من ظاهر الأمر أنَّ ثمنها يناهز الـ150 ألف دولار، وكان عليه بالتالي أن يجد وسيلة لتوفير هذا المهر الغالي. كان قلبُهُ جاهزاً كأنَّه تواطأ مع البستان عينه قبل الدخول في أيّ حديث. وهو لشدَّةِ رسوخ قناعته وشوقه كانت كلُّ كلمةٍ يقولُها للمالك الذي يوشكُ أن يصير مالكاً سابقاً في دقائق معدودة، بمثابة صكّ لا يحتاج إلى ورق. ربّما رتَّب مسألةَ سياق الدّفع في طريقه إلى المكان، ولمّا كان الرَّجُل يستشعر نظيرَهُ في ثوانٍ، طُوي الجدَل، وانتهَى الأمرُ من غير بنود وشرائط قانونية كثيرة، إنّما بالتراضي ثمَّ بالتوقيع “لأنَّ الدُّنيا فيها موت وحياة”.
أُضِيفَت الأرضُ المغرُوسة بالأشجار المُثمِرة إلى أراضٍ كان صديق الأرض قد تملّكها بكدِّه وعرقِ جبِينه خلال مراحل الكفاح الأولى من حياته، والتي بدأها ولم يكن قد تجاوز الخامسة والعشرين. إنَّها نتيجة باهرة وفتح حقيقي لإنسانٍ أدار وجهَه نحو الأرض في وقت يتفرَّق الناس عنها ويتركونها نهباً للشوك والغبار وحر الشمس، أو يلقون بها إلى وحش الإسمنت.
طلبتُ من صديقي، صديق الأرض، أن نمضي في بعض أرضِه تِمشاءً نتبادلُ الأسئلة الموجَزة من قِبلي، والإجابات الحرّة والعفوية من قِبلِه، ليكونَ سرُّه والأرض في نور الشَّمس. والحقيقة، كلّ أسرار الرَّجُل منضوية في عبارة ردَّدها تكراراً كاللازِمَةِ أو كالعروة الوثقى بينَ عقله وقلبه: “كلُّه مِن فضل ربِّي”.

2 –
الفقرُ الماديّ أقعَدني عن متابعة الدراسة. إنَّ أوّل ما يقفز إلى ذهني عن أيّام المدرسة هو صورة الثياب المرقّعة، وعدم القُدرة على شراء كتب التّعليم، وخصوصاً الخجل الشديد عندما أُدعى للوقوف أمام اللوح من أجل الإجابةِ على سؤال وفي قدميّ مَداس (شحّاطة) البلاستيك. هكذا، واجهتُ الحياةُ في الثالثةِ والعِشرين منعمري بلا عِلم، وكان البلدٍ ينوء تحت وطأة اجتياحٍ إسرائيليّ غاشِم. كانَ السّائدُ لدى أبناء جيلي هاجسُ السّفَر. داعبتني الفِكرةِ، وأنجزتُ الخطوةَ الأولى في هذا الدّرب، وهي الحصول على جواز سفر. كنتُ واضحاً مع نفسي: أريد أن أجمعَ مالاً، أن أخرج من دائرة العوز الذي كنت فيه. استطلعتُ أخبارَ مَن سبقَنا في خوض هذا الغِمار. وجاءت المعلومات مثيرة للقلق. الفردُ في بلادٍ غريبة ضعيف، لا يمكنه أن يختار وفق هواه بل عليه التقاط أيّ فرصة عمل سواء أكانت الخِدمة في مطعم، أو في محطّة وقود، أو البيع بالمفرّق كما فعل أصحاب “الكشّة” قديماً. سرعان ما التقطتُ الإشارة، فالأمرُ بحاجةٍ إلى بذل الذات وإفراغ الجهد، وإلى تعَبٍ وكدْحٍ لا هوادة فيهما كي يحقِّقَ المرءُ ما يوازي ما سيصرفه مِن عُمر وسنوات عزيزة. وجدتُني في نهاية المطاف اقتنع تماماً بأنَّ المكانَ الَّذي وُلِدتُ فيه أقدر على أن يمنحني الفرصة، لكن يجب أولاً أن ينعقدَ عزمي على الكِفاحِ والعمَل الدؤوب بالطاقة ذاتها التي ستتطلّبها منّي ظروفُ الغُربة. غيَّرتُ رأيي من دون تردّد. وباتَ حلمُ يقظةِ السفر بسرعة ذكرى من الماضي.

3 –
اقترضتُ من أحد أفراد عائلتي أربع أونصات ذهب، واشتريتُ بها قطعةَ أرضٍ على الفور. نويتُ البيع وتحقيق الرِّبح. كانَ هدفي العيشَ مستوراً. بِعتُ واشتريتُ ثاني وثالث. تابعتُ في هذا السّياق بوتيرةٍ متسارِعة. خلال ستين يوماً حقَّقتُ ثلاثة آلاف دولار ريعاً من هذه التِّجارة. ثمّ صرت أُخرِجُ الأرضَ التي تناسبني منَ العروض. بِعتُ منها الكثير، واحتفظت بالأكثر. لم أتعاطَ الفائدة. لم أتعامل مع المصارف. أخاف منها. هي عندي خط أحمر. طلبتُ منَ الدّنيا فأُعطِيت منها، لكن كانت تتردّد في بالي حِكمةٌ سمعتُها مراراً عنِ الأسلاف: ماذا يفيد المرء أن يربح الكَونَ ويخسَر نفسَه؟

 

الأرضُ غيورة، تعرف أنك قدمت إليها. كلّ هذا
في دائرة “من فضل ربِّي”، وليس “الأنا”

تأهّلتُ، وكانَ يوم العُرس وَفق خاطر المشايخ. شاهدتُ بعد أيّام صورةً للجَمع العائد بابنةِ العمّ يتقدّمُهُم الشيوخُ بمهابةِ كَنفٍ عائليّ وقور. تحرَّك أمرٌ ما في قلبي وفي أعماق نفسي من أثر تصوّري للمشهد. قلتُ هذا ما أريدُه، هذا مَداري. قمتُ بعد مدَّةٍ بزيارةِ شكرٍ للأفاضِل، وكانَ ثمّة ضيوف أجواد من نظائرهم في الحِلم وغايةِ الأدب. أبصرتُ آنذاك خِياري في الحياة، وعدتُ معاهِداً روحي سرعة المبادرة إلى تقواها. وفي خِلال أيّام معدودة، بتُّ ملتزماً مسلكَ القوم.
تأصّلتْ فكرةُ العملِ مع الأرض أيضاً عبر سماعي الكثير من أخبار أعيانٍ في الفضيلةِ، جاهدوا في كسب الحلال ووسّعوا الرّزق، استصلحوا الوعرَ ولم يقطفوا الثّمار إلاّ بعد سنواتٍ طوال من الكدّ والتّعب والمُثابرة. تركوا إرثاً امتزج بالتراب والهواء، وكانوا في الأعرافِ الدّينيَّةِ قُدوة في الشّرف والطّاعة.

4 –
مَضت ثلاث سنوات في التّجارة قبل أن أبدأ العمَلَ بالغَرس. غرستُ كلَّ قطعةِ أرضٍ أبقيتُها وَفق بيئتها الملائمَة، فالدافئة تريد الزّيتون، والعالية التي يأتيها الجليدُ تريدُ التّفاح. كانت الجذورُ بدورِها تمتدّ في طبيعةِ علاقتي بالأرض. تراكمَتْ الخِبرةُ لديّ بعد تكبّدي خسارات في التّجارب. أنصب ثمّ أقتلِع. هذه الأرض لا يؤاتيها شجرُ الجَوز، فالصّقيعُ أدّى إلى يباسِها. وتلك لا يوافقُها الكرز، فأُبدِّل النَّوع بما يروق لها. ليس لديّ مهندِسٌ زراعيّ. اكتشفتُ أصول الزراعة ومعظم قواعدها من تجربتي الشخصيَّة. لم أتعلَّم مِن أحد بطريقة منهجيَّة، ولكن لا يخلو الأمرُ من سماعِ فائدة كبرى كتلك التي سمعتُها مِن أحدِهم في قرية عُرنة الشام، قال إنَّ الملِك في شجرةِ التّفاح (يعني الطَّربون الأعلى) يجذبُ النَّسغَ إليه، فيأخذ الجنى كلّه، فإذا تمّت إزالته، تدخُل الشّمسُ إلى قلبِ الشّجرة ويتوزَّعُ الخير في أرجائها. كانت ملاحظته مُحِقّة. وهذه ما اكتشفتُها من ذاتي، بل تعلّمتها.
ليس الحبُّ ما يقودني بل الشّغَف. أغنَتني الأرضُ عنِ السّوق. المازوت لا يدخل بيتي لأنّ الأرض أعطتني. الفاكهة لا أشتريها. “الصحرا” (أي الخضار البعل التي لا تحتاج إلى نظام رِيّ) تعطي العديد من أنواع الخضروات. وثمّة خيرات كثيرة تصلِح أعلافاً للمواشي وللطيور الدّاجنة التي تعلّقتُ بتربيتها أيضاً من دون اعتبارها مشروعاً بذاته. وجودها حافزٌ لي إلى زيارةِ الأرضِ يوميّاً، فضلاً عن الاستفادة من لحومها وألبانها، فإن أُطعِمتُ منها وأَطعَمت أكُن عارفاً بطِيبِ الغِذاء ونقائه بعيداً عن أيّ سموم أو مواد مضرّة أو مصنَّعة.
لا أفضِّلُ زراعةً على أُخرى. كلُّ ثمرةٍ هي الأحبّ في وقتها. أغالي في كلِّ صنف، لأنَّ الثِّمارَ لا تُقبِل سويّة. إن أتى الكرز لا يأتي الجوز. وإن أتى الزّيتون لا يأتي اللوز. إن لم يُعطِ التّفاح في هذا الموسم، يعطي غيرُه. وعند القطاف أغالي في الحبَّة الواحدة. أتكدّر إذا ما بقيت الغلَّة على الرّزق وأكلها الطَّير. بطيبة خاطري لا أقبل ذلك. هذا حلال “بَهدلتُ فيه”. قبل الشّتوة أحرثُ الأرض، أفلحها. بحيث تنام استعداداً للشتاء مشقوقة. لا أدعها بُوراً. فإذا قدم الشتاء، دخلها ماؤه. الآلة سهّلت هذا العمل. لولاها لما اقتنيت أرضاً. ستون يوماً من الفلاحة اليدويَّة اختصرتهُم الآلةُ بأيّام. أمّا المياه، فالطبيعةُ تخبِّئ لنا آباراً جوفيّة. ولديّ خزّان في كلِّ قطعة أرض. وجود المياه استمرار للحياة. الأرضُ مدرستي. وظيفتي. قيل لي دع عنك العناية ببعض الأنواع، “خلّيك متل جدودك”. أجبتُ: لديكُم وظائفكم. أنتم تجهّزون أوراقاً مطلوبة لعملِكم. أنا ما استعملتُ يوماً ورقة ليُقبَل طلبي في العمل مع الأرض. هذه الأنواع تدرّ مالاً. كسولٌ من يسعى إلى ورقة، ولا يغامر في الأرض ويضحِّي من أجلها.

5 –
الأرض تعطي، وأخالف كلّ قائل بغير ذلك. ثمّة سلف صالِح استصلحوا الوعر، وثابروا وقاسوا الشِّدَّة سنوات كي يأكلوا خيراً. باتَ رزقُهم مضرب مثَل. ردَّدوا كثيراً هذا القول: “معكن مصاري حطّوها بالأرض، تستغنوا”. كلّما ابتعتُ أرضاًَ أتخيّلهُم قُبالة عيني. أشعر أنّني أتابع المسيرة. الأرض يعني كرامة. أتشبّثُ بالبقاء هنا، “مش دغري بفلّ”. وُلِدتُ هنا، وهنا أموت كما يبدو لي. عطتني الأرضُ وجهَها من فضلِ ربِّي. أسمعُ من بعض النّاس: “الأرض دايرة وجهها”، يقصدون ضعف المواسم. لكنّني تيقّنتُ أنَّ الأرضَ لا تفعل ذلك، بل الإنسان هو الّذي يُدير وجهَه عنها. الأرضُ موجودة، فإذا ضحكتَ عليها ضحكت منك. بقدر ما تعطيها تعطيك. بقدر النزول فيها تنزل معك. الأرضُ تتكلَّمُ كثيراً، ومَن له أذنان سامعتان فليسمع. النَّصبَة تعرف أنّك أتيت، لأنها تعطش وتجوع، تريد المياه والسّماد الطبيعيّ. تريد أن يُقلَّمَ منها مَا يعوِّقُ غايتها. أعرف من لون ورقة الشّجرة مبلغ اكتفائها من كلِّ شيء. هذه تُبشِّرني بالعطاء، وتقول لي من ذاتها: “لستُ بحاجةٍ لشيء، تستطيع الغياب عنِّي شهراً، فليهدأ بالك. إذهب لغيري”. و”خِلف” الزيتون هذا يقول لي: “الأرض استقبلتني”. انظر نضارة لون الورق فيه، هذه النضارة للورد، وليست للزيتون، ليست للشجر. الأرضُ غيورة، تعرف أنك قدمت إليها. كلّ هذا في دائرة “من فضل ربِّي”، وليس “الأنا”.
ثمّة أسباب لِمن يُعامِل الأرضَ ولا يكون مُنتجاً. المُشكلةُ ليست في الأرض بل في إدارتِه، وضعف تدبيره، وعدم قبول النّصيحة الصادقة، والتكاسُل من حينٍ لآخَر. لديّ أشجار زيتون عمرها ثماني سنوات، ولدى غيري منها ما يناهز عمره ربع قرن، والغلَّة عندي أكثر. ليس الفارق في أيّ شيءٍ آخَر سوى في حُسن معاملتها. إذا غطَّى الثلجُ سطح الأرض، لا أقضِّي الوقت كلّه قرب الوُجاق، بل أذهب إلى “أرضاتي” لأخفِّف الحِمل الأبيض عن الأغصان الأقلّ متانة. ولا أمضي يوم الانتخابات في قيل وقال، بل إلى “الأرضات” أذهب وأسايِر حاجاتها. أصابني همٌّ وضِيق، فألوذ بالأرض التي تنسيني كلّ كربة. ورعيُ “الطّرش” عندي أحيانًا هو حُجّة لكي أتجنَّب حضور بعض المناسبات الحاشِدة.
مرَّت ظروف صعبة ومخيفة في أزمان الحروب، لا أذكر أنّني بوَّرتُ قطعة أرضٍ واحدة في كلّ تلك الفترات العاصفة. لديّ إصرار على المحافظة على الرّزق على الرغم من أنّ مواسم نُهِبَت آنذاك. بقي لديّ التصميم والمثابرة على الدّوام. احتجتُ في بعض الأزمات أن أنام في البريَّة أسابيع. هذا الأمر زوّدني بعلاقةٍ حميميَّة مع الأرض، بل مع الأفاضل من السَّلف الصّالح، إذ أشعر، كلّما حقَّقتُ نجاحاً في هذه الحقول، بأنّني أضيف لَبِنة فوق الأساس الصلب الَّذي وضعوه. أغتبطُ في جوّانيَّة روحي مثل فردٍ في مسيرتهم الشريفة.

أغنَتني الأرضُ عنِ السّوق، وإن أُطعِمتُ منها وأَطعَمت أكُن عارفًا بطِيبِ الغِذاء ونقائه بعيداً عن أيّ سموم أو مواد مضرَّة أو مصنَّعة

تقهقـــر الاقتصــاد الزراعــي فــي الجبــل مؤشــرات مقلقــة ونــداء للعمــل

في إطار الملف الخاص حول الموحدين الدروز والارض، ننشر هنا مع بعض التصرف فصولاً من دراسة مهمة وحديثة أعدها مجلس الإنماء والإعمار حول الوضع الاقتصادي والتنموي في مناطق الشوف وعاليه، وقد بنيت الدراسة على عمل ميداني واستبيان إحصائي دقيق وشامل استهدف تكوين صورة مفصلة عن الواقع الديموغرافي والاقتصادي والزراعي ومصادر دخل الافراد وحجم الهجرة الداخلية أو الخارجية وطبيعة المشكلات التي تواجه تلك المناطق والحاجات الملحة التي ينبغي التركيز عليها في سياق أي خطة لتنمية وإنهاض القرى الجبلية.
وعلى الرغم من أن الدراسة استهدفت تقييم الوضع الإنمائي بوجه عام، فإن النتائج والبيانات التي خرحت بها تسلّط الضوء لأول مرة على حجم التقهقر الذي تعرض له القطاع الزراعي في الجبل وعمق التحول الذي طرأ على نمط عيش السكان ومصادر دخلهم، وبالتالي طبيعة علاقتهم بالارض وبالمكان. وأبرز ما كشفت عنه الدراسة هو التالي:
إن سكان الجبل الذين كانوا حتى أربعين عاماً مضت يعتمدون على الزراعة والأرض بصورة رئيسية قد تحولوا في معظمهم إلى موظفين في القطاعين العام والخاص أو إلى مغتربين في الخارج، بينما انتقل القسم الباقي منهم إلى قطاع التجارة والخدمات، ولم يبقَ منهم سوى نسبة بسيطة تعتمد في عيشها على الأرض والإنتاج الزراعي أو الحيواني أو تصنيع المنتجات الزراعية في حالات قليلة. وبصورة عامة أظهرت الدراسة أن ما يترواح بين 10 و20 في المئة من السكان المقيمين باتوا يعملون في القطاع الزراعي، لكن الدراسة أظهرت أيضاً أن نسبة كبيرة من هؤلاء يعتمدون على الزراعة كمصدر إضافي للدخل وليس كمصدر رئيسي، كما أن الغالبية الكبرى منهم غالباً ما تستهدف من العمل في الزراعة سد حاجاتها الخاصة من دون القدرة على تحقيق فائض تجاري ذي شأن يمكن بيعه في السوق والحصول منه على دخل رئيسي.

إن التحول الكبير والحاسم في نمط عيش أهل الجبل من الزراعة إلى الوظيفة الخاصة أو العامة أو الهجرة أو التجارة والخدمات يمكن أن يفسر في حد ذاته الانقلاب الصادم الذي نشهده اليوم في نظرة الموحدين الدروز وأهل الجبل عموماً إلى الأرض، وهو انقلاب يجب أن يكون سبباً لقلق عميق ويحمل في طياته أسئلة كبيرة عن المستقبل.
إذ ما الذي يعنيه أن يتحول 80 في المئة من أهل الجبل أو أكثر من منتجين حقيقيين إلى موظفين أو مغتربين أو أصحاب دكاكين ومحلات تجارية؟ فضلاً عن المغازي الكبيرة لتحول أهل الجبل إلى مستهلكين وزبائن للسوبرماركت أو لمحال بيروت وغيرها، ما هو الأثر المحتمل لهذا النوع من التبدل الحياتي على مفاهيمنا الاجتماعية وعلاقاتنا داخل القرية وروابطنا بل وعلى سلوكنا وقيمنا الفردية أو الجماعية؟
ما هو أثر هذا التحول الذي يترافق مع بطالة واسعة ظاهرة أو مقنعة على شبابنا وشاباتنا؟ ما هو تأثيره على لياقتنا البدنية وقوتنا الجسدية وقد قيل دوماً إن العقل السليم في الجسم السليم؟
ما هو تأثير ذلك على تراجع القدرات الذاتية وزيادة الارتهان بالعوامل الخارجية التجارية والسياسية والظروف الطارئة وغير المحسوبة؟
أسئلة وأسئلة نتركها بين أيدي الموحدين وأهلنا في الجبل للتفكير فيها وبأبعادها. هذه الأسئلة ليست نهاية المطاف بل هي على العكس ويجب أن تكون منطلقاً حقيقياً لمواجهة واقعنا المتردي بجدية وروح تضامن واندفاع للعمل والمبادرة. إذ لا يكفي البكاء على الواقع الحالي، بل ينبغى أن نجد الشجاعة والصدق لكي نبدأ العمل معاً من أجل وقف التقهقر أولاً، ثم السعي بدأب لإعادة بناء واقعنا ومرتكزات وجودنا ومستقبل أبنائنا وأجيالنا القادمة.

الدراسة الاجتماعية – الاقتصادية للتجمعات الزراعية في الشوف وعاليه
مجلس الإنماء والإعمار والبنك الدولي

في إطار البرنامج المناطقي ضمن مشروع التنمية الاجتماعية الممول من البنك الدولي، والذي يديره مجلس الإنماء والإعمار، جرى مسح في مناطق في الشوف الأعلى والأوسط ووادي جسر القاضي والشحار الغربي وجرد عاليه.
واستهدف المسح إجراء دراسة ميدانية للتجمعات وتحليل الواقع وتحديد المشاكل والأولويات، لاسيما في القطاع الزراعي، تمهيداً للاستفادة منها في مشروع التنمية الاجتماعية من أجل تمويل مشاريع تستهدف معالجة بعض هذه المشاكل ضمن مؤشرات محددة. واستندت الدراسة إلى تقييم الميزات الجغرافية للمنطقة المستهدفة ومواردها الاقتصادي وواقعها الديموغرافي وثرواتها الطبيعية ومصادر دخلها ونسبة الهجرة الداخلية والخارجية في كل قرية، فضلاً عن تعيين المشكلات التي تواجه تلك المناطق والقرى. وقسمت الدراسة المناطق المستهدفة إلى خمس:

1.الشوف الأعلى

2.المناصف

3.وادي جسر القاضي

4.الشحار الغربي

5.جرد عاليه

وبالنظر لاهتمام المجلة بتظهير الواقع الزراعي في المناطق المشمولة بالدراسة، فقد بدأنا باختيار جوانب الدراسة التي تناولت الزراعة أو المعطيات والعوامل التي تؤثر فيها وفي آفاق نموها، وذلك على أمل أن نعود فننشر في أعداد لاحقة الفصول المتعلقة بالجوانب الأخرى التي لا تقل أهمية.

 المنطقة الجغرافية

استهدف المسح تجمعات في قضائي الشوف وعاليه في الجزء الجنوبي من محافظة جبل لبنان تضم المناطق نحو 55 ألف مواطن بشكل دائم. وتتفاوت نسبة المقيمين الموسميين والمهاجرين بين منطقة وأخرى، ويمثل المقيمون في القرى المدروسة نسبة 81 في المئة من المقيمين في التجمعات. وقد ضمت هذه المحاور المناطق والقرى الواردة في الجدول أدناه الذي يفصل الخصائص الأساسية للمناطق المستهدفة:

الخصائص الجغرافية والسكانية لقرى الشوف وعاليه المشمولة بالدراسة
المساحة (هكتار) السكان المقيمون القرى التي يشملها المحور القضاء اسم المحور
5175 8050 مرستي، الخريبة، بعذران، معاصر الشوف، جباع، وبطمة الشوف الشوف الأعلى
1342 8645 دير بابا، كفرفاقود، كفرقطرة، بشتفين، ديركوشة، الكنيسة، وعميق الشوف المناصف
1866 5368 الغابون، كفرعميه، مرج شرتون، سلفايا، بوزريدة، جسر القاضي، دفون، ومجدليا عاليه وادي جسر القاضي
3062 8750 عبيه، كفرمتى، البنيه، عين كسور، بعورته، دقون، وعين درافيل عاليه الشحار الغربي
2818 11870 بدغان، شارون، أغميد، مجدلبعنا، الرملية، مزرعة النهر، ومعصريتي عاليه عاليه الجرد

وقد جرى العمل على عينة من قرى كل تجمع تضم العدد الأكبر من المقيمين وفق الجدول التالي:

السكان ونسبة المواطنين المقيمين في القرى
النسبة من التجمع % المقيمون في القرى القرى المقيمون
في المحور
المحور
92 7450 مرستي، الخريبة، بعذران، معاصر الشوف، وبطمة 8050 الشوف الأعلى
41 3500 كفرقطرة، ديركوشة، وبشتفين 8645 الشوف الأوسط
90 4813 الغابون، ومجدليا 5368 وادي جسر القاضي
96 8400 عبيه، كفرمتى، البنيه، وعين كسور 8750 الشحار الغربي
69 8200 الرملية، المشرفة، شارون ومجدلبعنا 11870 عاليه الجرد

ولكن بنسب ضئيلة كما يظهرها الجدول أدناه. كما أن العدد الأكبر لليد العاملة موجود في بلدة معاصر الشوف.
يلاحظ ومن تحليل هرم الأعمار في منطقة الشوف الأعلى الطبيعة الفتية للسكان، إذ تمثل فئة ما دون العشرين عاماً نحو 35 في المئة من السكان، ويشير ذلك إلى نسبة كبيرة من الأفراد الين ينتظرون إنهاء دراستهم والمباشرة في العمل، وبالتالي إلى أهمية الاهتمام بالجانب التنموي وخصوصاً الإنتاج الزراعي لتوفير فرص العمل ومواجهة مخاطر تفاقم بطالة الشباب في الجبل مع ما يمكن أن تجر إليه من مشكلات اجتماعية ونفسية وشخصية. يلاحظ أيضا الأهمية الكبيرة للفئتين التاليتين من الأعمار (بين 20 و59 عاماً)، والتي تبلغ نحو 53.4 في المئة، وهذه الفئة تمثل الفوة العاملة الرئيسية وتشير أيضاً إلى حجم الطلب على فرص العمل بين السكان.
كذلك، يظهر الجدول التالي أن نسبة العاملين داخل القرى عالية جداً، مما يشير إلى وجود فرص للعمل داخلية:
وعند دراسة نسبة الدخل الاقتصادي لمختلف قطاعات الانتاج، نجد أن النسبة الأكبر من الدخل تأتي من السكان الموسميين الذين ينتقلون خلال فصل الشتاء إلى المدن أو إلى الخارج طلباً للعمل والذين يمضون العطل وفصل الصيف في القرى. الأمر الذي يحرك العجلة الاقتصادية. فكما يشير الرسم البياني المرفق إن نسبة  الدخل من الهجرة الداخلية (الوظائف) تصل إلى 47 في المئة، وأن الهجرة الموسمية تصل نسبتها إلى 18,8 في المئة، كما يلاحظ أن نسبة العاملين في القطاعات غير الزراعية والتي تشمل الموظفين والمغتربين والعاملين في التجارة والبناء والنقل وغيرها تقارب الـ 82 في المئة، بينما يمثل قطاعي الصناعة والبناء نحو 7.4 في المئة، وهذا ما يبين بوضوح تراجع الزراعة والإنتاج الزراعي، وبالتالي تراجع القطاعات الإقتصادية المحلية كافة.

الإنتاج الزراعي

يتجلى النشاط الزراعي في منطقة الشوق الأعلى بصورة خاصة في المنتجات البيتية (المونة) التي لطالما إشتهرت بها منطقة الشوف. لكن هذا القطاع يحتاج الى الدعم عبر تدريب سيدات المنازل والمزارعين على الإنتاج الصحيح والتعليب والتسويق بالمواصفات العالمية. يشار هنا إلى مشروع التنمية الريفية الذي تنفذه جمعية أرز الشوف بالتعاون مع البلديات، والذي أصبح ينتج ما يزيد على 70 منتجاً من المقطرات والمربيات والنباتات الطبية والعطرية والمأكولات، وكذلك دعم العسل كمنتج حرجي غير حطبي.

 الزراعة

تعاني من قلة مياه الري، وبالتالي قلة الإنتاج وعدم القدرة على المنافسة في الأسواق المحلية، علماً أن المساحة الزراعية الكبيرة التي يمكن إستصلاحها خصوصاً في بلدتي بعذران والخريبة (في حال توافر المياه) يمكن أن تغيّر الواقع الموجود بشكل كبير، بناءً على تجربة البرك الجبلية في بلدة مرستي.

تراجع أهمية الزراعة في الشوف الأعلى
نسبة العاملين في الزراعة (% من الإجمالي) عدد العاملين في الزراعة عدد العاملين الإجمالي القرية
19,2 100 520 مرستي
2,4 20 820 الخريبة
3 30 910 بعذران
3 50 1640 معاصر الشوف
4,8 25 522 بطمة
5,1 225 4412 المجموع
معظم سكان قرى الشوف الأعلى يقيمون في قراهم
نسبة العاملين خارج البلدة نسبة العاملين داخل البلدة عدد العاملين النشاط الاقتصادي
10% 90% 225 الزراعة
20% 80% 2.5 الصناعة
2% 98% 2982 وظائف، تجارة. إلخ.
4412 المجموع

 

 

 

 

 

 

 

 الشوف – المناصف: نصيب أفضل للزراعة والصناعة على حساب الوظائف

لمحة جغرافية

– يقع التجمع المؤلف من سبع قرى في منطقة المناصف، قضاء الشوف.
– جرت الدراسة في ثلاث قرى هي كفرقطرا، بشتفين وديركوشة. وهي تشكل 40 في المئة من السكان المقيمين في كل التجمع.
– الارتفاع الوسطي للتجمع 566م عن سطح البحر.
– تبلغ مساحة التجمع 1343 هكتاراً.
– تحول التجمع من مجتمع خليط بين زراعي وصناعي إلى مجتمع يعتمد أكثر على الوظيفة والصناعات الخفيفة.

 الثروات الطبيعية

تشكل المساحة الخضراء نحو 64 في المئة من مساحة التجمع. ويقع التجمع على منحدر يصل الى 60 درجة مئوية. وتتميز المنطقة بوجود إرث طبيعي وثقافي غني بغابات الصنوبر المثمر والبري، السنديان والملول، لكن الثروة الطبيعية تعاني من الاهمال وسوء الإدارة.

 الوضع الاقتصادي

 يبلغ عدد العاملين العام التقريبي في قرى التجمع الثلاثة نحو 1385 ،أي نسبة 25.64 في المئة من عدد السكان المقيمين الدائمين والموسميين.
19 في المئة من اليد العاملة تعمل في القطاع العام و81 في المئة في القطاع الخاص
تتنوع المداخيل الاقتصادية للأهالي وفق القطاعات الانتاجية، حيث يشكل المدخول من الهجرة الداخلية (الوظائف) النسبة الأعلى، تليه مداخيل الهجرة الموسمية والصناعة والتجارة ثم قطاع البناء والزراعة كما يظهر في الجدول المرفق.
تبلغ نسبة العاملين في قطاع الزراعة 5،77في المئة والصناعة 13،3 في المئة، بينما الخدمات والتي تشمل الموظفين والقطاع السياحي والتجارة والمحال التجارية وغيرها فهي تبلغ نحو 70،2 في المئة. وفي ما يلي جدول يوضح توزع اليد العاملة على قطاعات الإنتاج وأهم أنواع المنتجات، بالإضافة إلى الأسواق المعتمدة لتصريف الإنتاج المحلي والمدخول الاقتصادي من كل قطاع

وادي جسر القاضي: هجرة إلى الوظيفة وبلاد الاغتراب

الوضع الجغرافي

يقع التجمع المؤلف من 12 قرية في قضاء عاليه، في القسم الوسطي منه، على إرتفاع يصل إلى 550م عن سطح البحر.وقد جرت الدراسة على 4 قرى تشكل 90 في المئة من عدد السكان المقيمين في كل قرى التجمع. يبلغ عدد سكان قرى الدراسة 16045 نسمة يتوزعون على 1369 أسرة بمعدل 5 أفراد في الأسرة.

 الثروات الطبيعية

تشكل المساحات الخضراء في التجمع 65 في المئة، لكن أحراج الصنوبر تعاني من عمليات القطع والحرائق لا سيّما في الفترات التي تسبق فصل الشتاء. ويمر في هذه القرى رافد نهر الغابون الذي ترتفع فيه نسبة التلوّث الناتجة عن رمي النفايات فيه وإستخدام المبيدات على حوضه.

 الوضع الاقتصادي

يبلغ عدد العاملين التقريبي في التجمع 1390 عاملاً، أي نسبة 20 في المئة من عدد السكان المقيمين (دائمون وموسميون).ويعمل 40 في المئة من العمال في وظائف القطاعين العام والخاص وتبلغ نسبة العاملين في قطاع الزراعة والتصنيع الزراعي.

 المشاكل

من أهم المشكلات في هذه المنطقة تلوث البيئة والمياه بسبب عدم وجود شبكة صرف صحّي، بالإضافة الى التلوث في الأراضي الزراعية وإتلاف الثروات الطبيعية

الوضع الإقتصادي

إن قطاع الزراعة في كل من الغابون ومجدليا هو قطاع أساسي ومورد رزق مهم لأهالي المنطقة بشكل عام.
مثلا، يعمل في الغابون 210 أشخاص في هذا القطاع، وتشكل الزراعة نحو 40 في المئة من الدخل الأساسي في البلدة.
أما في مجدليا، فيعمل نحو 200 شخص في هذا القطاع، ويؤمن هذا القطاع نحو 15 في المئة من الدخل الأساسي في القرية.

أما لجهة تقييم الوضع الاقتصادي في المنطقة، ففي الغابون مثلاً يشكل قطاع الزراعة المصدر الرئيسي للدخل في القرية، بينما يختلف الوضع في مجدليا. إذ إن الوظائف هي التي تشكل مصدر الدخل الأساسي.

الشحار الغربي: التهجير فاقم تدهور البنية الزراعية

جرت الدراسة على 4 قرى هي البنيه، عبيه، كفرمتّى، وعين كسور، والتي تشكل 96 % من عدد السكان الإجمالي المقيمين في كل التجمع

الوضع الجغرافي

– تقع هذه القرى في قضاء عاليه، في القسم الجنوبي الغربي منه، على إرتفاع وسطي يصل إلى 712م عن سطح البحر.
– تحولت خلال خمسين سنة مضت من مجتمع زراعي إلى مجتمع خدماتي.

الوضع الديمغرافي

– يبلغ عدد سكان قرى الدراسة 14200 نسمة يتوزعون على 1900 أسرة بمعدل 5 أفراد في الأسرة الواحدة.
– 51.9 في المئة مقيمون دائمون و7.8 في المئة مقيمون موسميون.
– 13.5 في المئة مهاجرون ونحو 31.5 في المئة نازحون.
بالإضافة الى السكان الدروز، يشكل السكان المسيحيون 30 في المئة من السكان الأصليين،
54 في المئة من العاملين فيها يعتمدون على القطاع الوظيفي.

الثروات الطبيعية

تكثر في التجمع المساحات الخضراء وأحراج الصنوبر والأرز التي تصل مساحتها الى 65 في المئة من المساحة الإجمالية للمنطقة.
تتوفر المياه في التجمع بشكل عام، حيث يمر رافد نهر الغابون في كل من كفرمتى والبنيه وتتوفر الينابيع بكثرة في بلدة كفرمتى، ولكن لا تتم الاستفادة من هذه الثروات بشكل عام.

الوضع الاقتصادي

يغلب على المنطقة الطابع الزراعي، حيث تصل نسبة الاراضي الصالحة للزراعة إلى 34 في المئة، بينما لا يتم زراعة أكثر من 10 في المئة منها، وذلك ضمن الزراعات البعلية (زيتون).
إن تدهور القطاع الزراعي في لبنان بشكل عام وعدم وجود سياسات زراعية يؤديان الى تشجيع هذا القطاع ما ترك آثاراً كبيرة على الوضع الزراعي في التجمع، مما دفع بالسكان للبحث عن بدائل لذلك.
تغلب الوظائف العامة على القطاعات الاقتصادية، وذلك بعد تراجع الزراعة وهي تشكل النسبة الأكبر من الدخل في كل البلدات. يذكر أن معظم أصحاب المصالح والتجار والمهن الحرة لا ينشئون عملهم داخل بلداتهم، بل يسعون إلى المراكز التجارية والاقتصادية في البلدات القريبة (قبر شمون بشكل خاص ومدينة عاليه) لإقامة مصالحهم فيها، وذلك نظراً لموقعها الجغرافي المميز وازدهار الحركة التجارية والعمرانية فيها.
يطهر الرسم البياني أعلاه تشابهاً في حجم الخلل في البنية الاقتصادية لهذه المنطقة، إذ تفتقد الى التنوع وإلى قطاع خاص نشط واقتصاد زراعي منتج وفعّال قادر على خلق فرص عمل جديدة للشباب الذين يعمدون إلى ترك المنطقة أو الهجرة بسبب غياب فرص العمل المناسبة والمجزية..
ويلاحظ أن الدخل المتأتي من الوظائف يمثل 52 في المئة من الدخل الكلي للمنطقة، كما يظهر تدنّي دخل القطاع الزراعي (6.75في المئة).

 أبرز المشاكل الاقتصادية

عتبر نسبة النشاط الزراعي قليلة جداً مقارنة مع حجم الأراضي الزراعية. ويعتبر تصريف الإنتاج وارتفاع التكلفة ومضاربة السلع الأجنبية من أهم أسباب تراجع هذا القطاع. وتشكل البطالة مشكلة حقيقية بالنسبة للشباب الذين تتراوح اعمارهم بين 25 و35 سنة.
تشكل قلة مردود الإنتاج الزراعي وكلفة الإنتاج المرتفعة وعدم القدرة على تصريفه والمنافسة للإنتاج المحلي (للزيتون خاصة) وعدم وجود سياسة زراعية

مركزية وغياب الإرشاد الزراعي، الأسباب الرئيسية في تراجع هذا القطاع.
هذا بالإضافة إلى التهجير الذي تسبب بإهمال الأراضي مما أدى إلى تعرضها للتعديات الكثيرة عبر قطع الأشجار وانتشار الحرائق وتدهور التربة الزراعية (على سبيل المثال 400 هكتار من 850 هكتاراً مهملة في بلدة كفرمتى وحدها في حين كانت تنتج 70 في المئة من إنتاج المنطقة من الزيت والزيتون).

جرد عاليه: أهل الجرد لا يحبون الوظيفة لكنّ الكثيرين هاجروا

 المنطقة

– 8 قرى في قضاء عاليه هي: الرملية، أغميد، شارون، مجدلبعنا، المشرفة، معصريتي، مزرعة النهر وبدغان.
– جرت الدراسة في 5 قرى هي: الرملية، أغميد، شارون، مجدلبعنا والمشرفة. ويمثل سكانها 69 في المئة من مجمل السكان المقيمين في التجمع.
– يتراوح ارتفاع القرى قيد البحث بين 600 إلى 1200م عن سطح البحر، وتبلغ المساحة الإجمالية لكل من قرى الدراسة بين 3 ملايين و9 ملايين متر مربع.

 الوضع الديموغرافي

– عدد السكان الإجمالي حسب القيود 18،840 الف نسمة، منهم 10،650 مقيمون ويرتقع العدد في موسم الصيف إلى 22،850 الفاً، وتبلغ نسبة الهجرة  الداخلية 55 في المئة، والهجرة الخارجية 30 في المئة (إلى دول الخليج). وتتألف كل القرى من الدروز باستثناء الرملية التي تضم مسيحيين ودروزاً.

الثروات الطبيعية

– تعتبر القرى الخمس في هذا التجمع مناطق زراعية بالدرجة الأولى، إلا أن جزءاً كبيراً من الأراضي الزراعية أصبح مهملاً خصوصاً في شارون ومجدلبعنا بسبب الشح في الموارد المائية، غير أن المصطبات الزراعية ما زالت موجودة.
– تغطي أحراج السنديان والصنوبر المثمر مساحات واسعة في الرملية وأغميد، إلا أن الغطاء الحرجي مهدد بنسبة 30 في المئة نتيجة حرائق الغابات التي تقضي أيضاً على الأشجار المثمرة، نظراً إلى تداخل الأراضي الزراعية والأحراج في هذه القرى.
– يعتبر انجراف التربة من المشاكل الأساسية المترتبة عن انحسار الغطاء النباتي بسبب الحرائق وقطع الاشجار غير المنظم.

الوضع الاقتصادي

– شكلت اليد العاملة في القرى الخمس 33 في المئة من مجمل السكان المقيمين.
– مصادر الدخل الأساسية للسكان تأتي من القطاع الزراعي والمهاجرين بنسبة 20 في المئة، وبنسبة أقل 15 في المئة من الهجرة الموسمية والتجارة، و 30 في المئة من اليد العاملة تعمل في قطاع الزراعة.
– قلة المستثمرين بسبب سوء وضع البنى التحتية والخدمات.
– عدم وجود أسواق كافية لتصريف المنتجات الزراعية.
– عدم وجود الكفاءات من أجل تطوير مشاريع محلية صغيرة.

المشكلات الأساسية

– القطع الجائر غير المنظم للأحراج وحرائق الغابات.
– إنجراف التربة.
– قلة مياه الري والشرب.
– ضعف القطاعات الانتاجية وعدم تنوعها.

الحاجات حسب الأولويات

– حماية الموارد الحرجية من الاعتداءات وتطوير هذا القطاع وقطاع السياحة.
– تأمين مياه للري للمزارعين بالإضافة إلى مياه الشرب.
– دعم قطاع الزراعة من خلال استصلاح الأراضي الزراعية

والجدير بالذكر هنا بأن المناطق الحرجية في هذه المنطقة مهددة بنسبة 30 في المئة نتيجة حرائق الغابات، وذلك وفق الدراسة الوطنية التي أعدتها جمعية حماية وتنمية الثروة الحرجية في هذا الخصوص خلال العام 2005، وأن خسارة الموارد الحرجية تؤدي إلى خسارة اقتصادية من جراء خسارة الموارد الحطبية التي تعود بالفائدة على المزارع أو صاحب الملك من خلال بيعها، والموارد الحرجية غير الحطبية كالنباتات العطرية والطبية التي تستغل في الاستخدام المنزلي أو لأغراض تجارية، وخسارة المنظر العام الذي يجذب السيّاح البيئيين. كذلك تتميز هذه القرى بكثرة الاعشاب الطبية والعطرية التي تستغل من قبل المحليين للاستخدام المحلي أو لأغراض تجارية. أيضاً، تكثر الينابيع والمياه الجوفية في هذه المنطقة. ففي الرملية مثلا يوجد نحو 12  نبعاً و26 بئراً إرتوازياً، وفي شارون 3 أنهر و50 بئراً إرتوازياً.  إن اهمال الأراضي الزراعية في عدد من القرى وخاصة في مجدلبعنا وشارون يعود الى مشكلة عدم توفر المياه، الأمر الذي يساعد أيضا على زيادة الأثر السلبي لحرائق الغابات وانتشارها على مساحات أوسع بسبب تكاثر الأعشاب في الأراضي الزراعية وتداخلها مع الأحراج.
كما أن تلوّث الأراضي الزراعية والوديان والأنهر والمياه الجوفية سببه عدم وجود شبكات للصرف الصحي أو محطات للمعالجة والتكرير.

 الوضع الاقتصادي

أظهرت الدراسة الميدانية بأن النسبة الأعلى من السكان تعتمد لتأمين الدخل الاقتصادي على قطاع الزراعة والمهاجرين بنسبة 20 في المئة، وقطاع التجارة بنسبة 15في المئة. أما أبرز المشاكل الاقتصادية في التجمع فيمكن تلخيصها على النحو التالي:
– نقص في تأمين الأسواق لتصريف المنتجات الزراعية، إضافة إلى تدني أسعارها وغياب الدعم للمنتجات المحلية وتشجيع الإستيراد من الخارج في ذروة المواسم، مما يؤدي إلى إهمال الأراضي من قبل المزاراعين لعدم جدواها الاقتصادية.

 المشاكل

-القطع الجائر لأحراج الصنوبر والسنديان وانتشار حرائق الغابات الذي يقضي على مورد حرجي ذات مردود اقتصادي مهم وخاصة في أحراج الصنوبر المثمر والسنديان في الرملية وأغميد.
-إنجراف التربة على الطرقات الرئيسية والطرقات الفرعية في الأراضي المحروقة والتي تقطع منها الأشجار، الأمر الذي يشكل خطراً على السلامة العامة ويؤدي إلي خسارة تدريجية لتربة السطح التي تصلح للزراعة.
– ضعف القطاعات الانتاجية الاقتصادية خاصة الزراعية والتجارية.

أولويات التجمع

– حماية الموارد الحرجية من الاعتداءات وتطوير هذا القطاع.
– تأمين مياه للري للمزارعين بالإضافة إلى مياه الشرب.
– دعم قطاع الزراعة من خلال استصلاح الأراضي الزراعية

توزع الأراضي الزراعية والأحراج – الجرد
أراض زراعية أحراج سنديان أحراج صنوبر اسم البلدة
35% 26% معصريتي
39% 2% 3% المشرفة
43% 5% 1% بدغان
28% 8% شارون
42% 8% مجدلبعنا
37% 39% أغميد
43% 15% 18% الرملية

بذور الموســــم الواحــــد وخطــر انقـــراض الأجنــــاس البلــــدية

إحدى الظواهر الملفتة في الزراعة الجبلية هي النمو المستمر عاماً بعد عام لقطاع البذور المهجنة، التي يتم استخدامها غالباً باعتبارها بذوراً محسنة ويجري بيعها بأسعار مرتفعة. معظم هذه البذور من إنتاج الشركات الأجنبية مثل «مونسانتو» و»دوبون» اللتين اتجهتا في العقد الأخير لزيادة الأبحاث في تطوير بذور زراعية معدلة وراثياً وبيعها باعتبارها نوعيات محسنة وأفضل من البذور التقليدية التي كان المزارعون يحتفظون بها من عام إلى عام عبر تجفيف الخضار التي تنتج عنها. وقد كان تجفيف الخضار بغية استخراج البذور المفيدة لزرعها في الموسم التالي كان عادة متوارثة بل كان المصدر الأهم تقريباً للبذور المستخدمة من المزارعين.

يذكر أن هذه البذور كانت تستخرج من المنتجات المحلية الموروثة من مئات السنين مما يمكن أن يوصف اليوم بالمنتجات البلدية، وعلى الرغم من أن بعض هذه البذور أو الأنواع استقدم أحياناً من الدول المجاورة أو غيرها إلا أن المهم هو أنها كانت في مجموعها منتجات طبيعية وبنت بيئتها ولم يدخل عليها أي تعديل عبر السنين.
لكن منذ مطلع التسعينات، ومع تقدم علم التعديل الوراثي للنباتات وتطور وسائل السيطرة على الجينات الوراثية، بدأت الشركات الأجنبية في أميركا وكندا وأوروبا تجرب أبحاثاً مكثفة على بذور جديدة قيل يومها أنها تساعد على مقاومة العوامل المناخية والجفاف أو مقاومة الأمراض والآفات التي تصيب المواسم، وتمّ في غضون سنوات قليلة تطوير بذور زعم أنها تمتلك تلك الصفات وأنها إضافة إلى ذلك تعطي محصولاً أفضل من البذور التقليدية. لكن من أجل حماية حقوقها التجارية قامت تلك الشركات بتعديل البذور الجديدة بحيث لا يمكن استخدامها إلا لموسم واحد، وبحيث يترتب على المزارع شراؤها كل سنة من تلك الشركات. كيف قامت الشركات بذلك؟ استخدمت علم التعديل الوراثي والتلاعب بالجينات لتحقن تلك البذور وغالباً عن طريق تعريضها مادة التتراسيكلين (وهي مضاد حيوي قوي)، بحيث تنتج ثمرة لا يمكن الاستفادة من بذورها أو تنتج بذوراً (في حالة القمح مثلاً) يمكن طحنها واستهلاكها لكن لا يمكن استخدامها كبذور لأنها عملياً عقيمة ولا يمكن أن تنبت محصولاً جديداً. هذه البذور أطلق عليها أسماء مثل البذور المحكومة بالموت أو البذور الذاتية التدمير.

ماذا وراء هذه التقنيات الجديدة؟

يعتقد الكثيرون أن شركات عملاقة، مثل مونسانتو ودوبون وغيرهما، تسعى عن طريق هذه البذور للسيطرة على القطاع الزراعي وارتهان المزارعين في العالم، لأن شيوع استخدام تلك البور يعني أن المزارعين (خصوصاً في الدول الفقيرة) سيحتاجون في كل عام لشراء البذور المهجنة من تلك الشركات لأن المحصول الذي يجمعونه كل عام لا يمكن استخدامه مجدداً كبذور، لكن مخاطر هذه التقنية على العالم الثالث لا تتوقف عند هذا الحد بل تمتد إلى النواحي المصيرية التالية:
إن البذور المهجنة معدلة وراثياً. وقد نشأت مخاوف حقيقية من أن تؤدي عملية التلاقح بين البذور المعدلة وراثياً وبين النباتات التقليدية التي قد تكون مزروعة في جوارها إلى انتقال خاصية العقم إلى النباتات المحلية، الأمر الذي قد يؤدي إلى انحسار النباتات الوطنية الأصلية، وبالتالي التسبب بكوارث بيئية لا أحد يعرف مداها. وقد شبه الكثيرون من معارضي البذور المعدلة وراثياً بأسلحة الدمار الشامل واتهموا الشركات الغربية والحكومات التي تدعم تلك الشركات في الولايات المتحدة وكندا بأنها تستخدم وسائل أقرب إلى الأسلحة البيولوجية للسيطرة على العالم من خلال السيطرة على مصدر عيش الناس وخصوصاً المزارعين والفلاحين.

أوروبا وعدد كبير من البلدان تحرّم استخدام البذور المعدلة وراثياً بسبب أثرها في تلويث البيئة الزراعية وتهديد الأجناس المحلية

إن نشر البذور المهجنة والمعدلة وراثياً يمكن أن يؤدي إلى إدخال محاصيل منمطة تقضي على التنوع الزراعي والبيئي. وعلى سبيل المثال، فقد سعت شركة مونسانتو الأميركية لإدخال ثمرة الباذنجان الهندي المعدلة وراثياً، ووجهت بانتفاضة شاملة من قبل المزارعين والحكومات المحلية، الأمر الذي اضطر الحكومة الهندية في العام الماضي إلى تجميد المشروع. وقد لفت أحد الخبراء الهنود يومها إلى أن الهند تحتوي على أكثر من 300 نوع من الباذنجان الجيدة النوعية، الأمر الذي يجعل من المستغرب محاولة إدخال نوع جديد لا يعلم أبداً الأثر الذي يمكن أن يحثه على الزراعة الهندية. 

يذكر أن الأمم المتحدة كانت قد صوتت بمنع استخدام البذور المعدلة وراثياً وراثياً وذاتية التدمير Seeds with terminator genes ، وقد وعدت الشركات الأميركية يومها بتأجيل طرح هذا النوع من الحبوب في السوق. لكن الوقائع أثبتت في ما بعد أن الشركات مستمرة وبالتعاون مع الحكومة الأميركية في محاولة إدخال هذا النوع من البذور على شكل “مساعدات إنسانية” للمزارعين خصوصاً على أثر تعرض بلد معين لكوارث طبيعية. وهذا ما حدث في هايتي مؤخراً التي تعرضت إلى زلزال مدمر سارعت على أثره الحكومة الأميركية للدفع بمساعدات كبيرة كان من بينها مئات الأطنان من القمح المعدل وراثياً ولا يمكن استخدامه إلا لإنتاج محصول واحد. والملفت أن المزارعين المنكوبين في هاتي رفضوا استلام هذا القمح وهددوا بحرق الشاحنات في حال شحنها إلى بلادهم، هذا الأمر نفسه حدث مع باكستان ومع دول أفريقية فقيرة وقد رفضت كل هذه الدول إدخال هذا النوع من الحبوب الذي صوتت الأمم المتحدة على منعه، كما أن كافة الدول الأوروبية تحرم استخدامه أو استيراده إلى أراضيها.

ما الذي يعنينا في الجبل من هذا الموضوع؟

إن الضجة القائمة في العالم حول التلاعب بالجينات الوراثية للنباتات مهمة جداً لنا، لأن الشركات المهيمنة على هذا المجال تسعى لدخول كافة الأسواق لبيع منتجاتها وجعل المزارعين مضطرين لشراء بذورها سنة بعد سنة وبأسعار باهظة تبررها هذه الشركات بكون المحصول الذي توفره تلك البذور أعلى من حيث النوعية والإنتاجية من البذور التقليدية. وما ينطبق على الهند أو بلدان أفريقيا أو غيرها ينطبق أيضاً على لبنان وبلدان العرب التي تعتبر سوقاً كبيرة للبذور.
إن المحاذير التي كانت في أساس تحريم البذور المعدلة وراثياً في أوروبا وعدد كبير من البلدان ما زالت قائمة، وهي تطاول ليس فقط بذوراً إستراتيجية مثل القمح والأرز والذرة وغيرها، بل تمتد لتشمل كل ما هو معدل وراثياً من البذور بما في ذلك بذور الخضار التي باتت دائرتها تتسع عندنا سنة بعد سنة، لأن تلك النباتات تزرع أحياناً إلى جانب نباتات محلية متوارثة ولا أحد يعلم ما هو نوع التأثير التبادل عن طريق التلقيح وتطاير الخصائص الجينية لتلك المنتجات عبر الهواء إلى حقول أخرى قريبة أو بعيدة.
إن لبنان والجبل كان يحتوي على أنواع عديدة ومجربة من الخضار المحلية أو “البلدية” التي وصلت إلينا من أسلافنا وقد نعمنا بإنتاج تلك البذور من الخضار والفاكهة جيلاً بعد جيل، وكان الفلاحون يستخرجون كل عام بذوراً طبيعية ومن إبداع الله الرزاق ويخزنونها للعام التالي. أما الآن فإن البذور المهجنة أو المعدلة وراثياً بدأت تتسلل إلى الجبل سنة بعد سنة، بحيث بات من الصعب في بعض الحالات إيجاد بذور الأجناس التاريخية والبلدية التي تشكل ثروتنا الزراعية والطبيعية. وهنا يظهر الخطر الأساسي للبذور المهجنة وهي أننا وعبر تعميم استعمالها على الجميع سنة بعد سنة وقبولها كأمر واقع قد تنتهي بنا إلى اختفاء سلالات بكاملها من الخضار البلدية والمنتجات التي تعتبر في أصل الثروة الطبيعية لبلادنا، فضلاً عن ذلك فإن هذا الواقع سيعني في المستقبل بأنه ما لم نتمكن من استيراد البذور المهجنة من الشركات الأجنبية في عام معين فإننا لن نجد في الجبل بكامله بذوراً من السلالات البلدية يمكن استخدامها عند الحاجة.
إن المحاذير التي ذكرناها تتعلق بالأمن الغذائي لمنطقة الجبل، كما تتعلق بالأمن الغذائي لكافة المناطق في لبنان أو سورية أو غيرها من البلدان النامية، ولا بد بالتالي من طرحها كموضوع ملح على المختصين والتداول في محاذيرها والإجراءات الاحتياطية الضرورية لاحتواء تلك المخاطر. ولا يعتقدن أحد أن خطر انقراض سلالات وأجناس نباتية محلية بكاملها أمر افتراضي، لأن هذا الأمر سيحصل إلى حد كبير في حال استمر نمو استخدام البذور المهجنة على المنوال الحالي.
الأمر المهم هنا هو أن غذاءنا يصبح يوماً بعد يوم مرتهناً ليس بإرادتنا نحن وبعطاء الطبيعة التي أكرمتنا وتعهدت حاجاتنا عبر السنين بل بشركات أجنبية لا يعرف الإنسان ما الذي يمكن أن يحصل لها أو لسياساتها في المستقبل. وقد تختفي تلك الشركات أو يفرض عليها قيود أو سياسات جديدة تمنعها من توريد منتجاتها، أو قد يحصل من الظروف ما قد يحول دون وصل تلك البذور المهجنة إلينا فكيف سيكون حالنا في مثل تلك الظروف القاهرة؟

وما العمل في تلك الحال؟

إن الخطوة الأولى والأهم هي قيام مبادرة لإنشاء بنك لبذور المنتجات البلدية غير المهجنة، وهي التي يمكن استخراجها من المحصول وخزنها لاستخدامها ثانية في الموسم التالي. كما أنها الوسيلة الأنسب للحفاظ على ثروتنا النباتية الأجناس البلدية المتوارثة، والتي لم تعبث بها أيدي المختبرات السوداء في الشركات التي تخطط ليل نهار لجعل المزارعين رهائن لإنتاجها ومصدراً لزيادة أرباحها.
إن الخطوة التالية هي إقناع المزارعين بالتخلي عن استخدام البذور المهجنة لأن مخاطرها على مستقبلنا الزراعي حقيقية في وقت ليس واضحاً ما هي الفوائد التي تقدمها أو ما هي مصداقية الميزات العديدة التي تنسبها الشركات لها. وكلنا يذكر أن إنتاجنا البلدي كان يتميز بالقوة والخضرة والطعم اللذيذ ولم يكن هناك من الأساس أي حاجة لاستبداله بهذه البذور الممسوخة التي لا تسمن ولا تغني من جوع.
إننا نهيب أيضاً بالتجار والمتعاملين بالبذور أن ينضموا إلى هذا الجهد، وأن يدركوا أنهم معنيون به فلا يسعون بالتالي إلى الترويج القوي لهذا النوع من البذور بل أن يكون لديهم على الأقل البذور التقليدية إلى جانب المهجنة بحيث يكون الخيار متاحاً أمام المزارع لاستخدام أي منها.

أهمية وجود مطمر تخمير الأعشاب في بساتين الجبل وحدائق المنازل

في هذا العدد تفتتح مجلة “الضُحى” باباً خاصاً يتعلَّق بالثقافة الزراعية وثقافة البيئة، وتبدأه هذه الحلقة الخاصة عن كيفية صُنع مطمر تخمير الحشائش وتحويلها إلى تورب Compost والإفادة منه في الزراعة الجبلية.

كثير من الناس سيفوته مغزى هذا النداء، إذ بات الجميع ينظرون إلى الحشائش على اعتبارها عبئاً وإزعاجات ينبغي التفكير بكيفية التخلّص منه، وبالنظر الى تراجع ثقافة الزراعة والحدائق وانشغال أكثر المالكين في أمور كثيرة وبالنظر الى ارتفاع تكلفة العمالة الزراعية، فقد اتجه الناس في اتجاه خاطئ لتخلّص من تلك الثروة الخضراء وفاتهم أنَّ هناك العديد من الوسائل لتحويل الحشائش إلى ثروة حقيقية عن طريق تخميرها وتحويلها إلى تورب زراعي بدل رشِّها بالمبيدات أو حرقها، كما يتمّ في حالات كثيرة.
في سابق الأيام كانت للأعشاب وظيفة اقتصادية مهمة، بحيث كان يتمّ للتخلّص منها يدوياً بهدف تقديمها كعلفٍ للماشية التي كانت أغلب البيوت تحتوي على واحد أو أكثر منها على الأقل، مثل: البقر، والماعز، والحمير؛ وفي حالات أخرى كان يتمّ ترك الماشية لترعى تلك الحشائش تحت رقابة المالك. كان ذلك ما يمكن اعتباره عهد السلسلة الزراعية المتكاملة، بحيث لم يكن هناك شيء تعطيه الأرض يذهب أو يتلف من دون الإفادة منه.

لكن مع انحسار الاهتمام بالماشية المنزلية فقدت الحاجة إلى استغلال الحشائش، وتسلَّلت من ذلك الباب المبيدات العشبية، ثمَّ ظهرت الآلات المحمولة لقطع الحشيش والتي تتميَّز بفعالية كبيرة لكنها مرتفعة الثمن وتستخدم العمالة والوقود المكلف أيضاً.
يجب الإقرار أولاً بأنَّ استخدام الحشائش كعلف للماشية لم يعدّ كافياً للتخلّص من الكميات الكبيرة التي تنتجه الطبيعة منه في كلِّ ربيع وأحياناً مرتين في العام. وذلك عائد لواقع أنّ الناس انقطعوا عن اقتناء الماشية والإفادة من خيرها، غالباً بسبب هيمنة نظرة الاستعلاء على أسلوب الحياة التقليدي للمزارع وحلول السوبر ماركت كبديل سهل لتأمين احتياجات الغذاء اليوميَّة.
لكن إذا كان استخدام أطنان الحشائش كعلفٍ لم يعدّ عملياً، فإنَّ رشِّها بالمبيدات ليس حلاً لأنَّ الاستخدام الواسع لها له محاذيره الكثيرة لأنَّه مبيدات جهازية، ولأنَّها تلوِّث البيئة ومجاري المياه الجوفية، ولأنَّها قد تؤدِّي إلى خلق حشائش مقاومة للمبيدات ولا يمكن التخلّص منها بتلك الطريقة في المستقبل.
من هنا يطرح الحلّ الأمثل لإعادة استخدام الحشائش في الجبل، وهو تخميرها وتحويلها إلى تورب زراعي مفيد جداً لتخصيب الأرض وتحسين نوعية التربية وزيادة البكتيريا المفيدة فيها، وهو ما يؤدِّي إلى خصوبة عالية وإلى محاصيل ممتازة للفاكهة أو الخضار.

نذكر هنا أنَّ تخمير أوراق الأشجار اليابسة والحشائش البريَّة يعتبر أمراً طبيعياً في حياة المزارعين في شتَّى أنحاء العالم، وهو منتشر في الخارج أولاً لأنَّ له فوائده الكبيرة، وثانياً لأنَّه غير مكلف البتة، كما أنه سهل التطبيق ولا يحتاج إلى خُبرات أو تقنيات خاصة.

أولاً: ما هو تخمير الأعشاب والمواد العضوية؟
تتحوّل بقايا النباتات إلى تورب Compost، عندما تتحلَّل تلك هي وغيرها من المواد العضوية، وتتحوّل بعد مُدَّة من الزمن إلى ما نعرفه بـ “التورب” الزراعي، وهي مادة بنية داكنة أشبه بالتراب، لكنَّها أخفّ بكثير منه وتتميّز أيضاً بأنها غنية بالبكتيريا المفيدة للتخصيب وبموادٍ آزوتية وتساعد على تهوئة التربة والاحتفاظ بالرطوبة لفترة أطول نسبياً. إنَّ استثمار بقايا النبات في صُنع التورب فضلاً عن فوائده العظيمة للتربة وللموسم الزراعي، ينسجم مع اتجاه الناس في كلِّ مكان لإعادة استخدام المواد النباتية العضوية في وجه يُسبِّب الفوائد الجَمَّة للأرض وللمزارعين. ولن نتحدَّث هنا عن تدوير النفايات المنزلية، فهذا موضوع آخر قد نتطرق اليه في المستقبل ويختلف عن تخمير البقايا النباتية للطبيعة.

متى نبدأ عملية التخمير؟
أهمُّ فترة لعملية تخمير النباتات الطبيعية هو فصل تكاثر الحشائش في الربيع لكن قبل أن تبلغ النبات البريَّة مرحلة البلوغ، وبالتالي تكوين البذور لأنَّها في تلك الحال ستحمل الكثير من بذور الحشائش البريَّة إلى مطمر التورب، وهذا يعني أنَّه من الأفضل البدء بتكوين كومة التورب باكراً وأنَّ على المزارع أن يراقب مراحل نموّ الحشائش.
يدخل في كومة التورب أيضاً ما يكون قد جمع في فصل الخريف من أوراق الأشجار المتساقطة، خصوصاً الكرمة والفاكهة وغيرهما من الأشجار، وكذلك ما قد يتجمَّع تحت أحراش السنديان والملول من طبقات من الأوراق اليابسة والتي تكون عملياً في طور التحلُّل بصورة طبيعية. لكن الكمِّية الأكبر التي سيتمّ الحصول عليها هي، ولا شكَّ في الربيع، حيث يمكن حصد الأطنان من تلك الحشائش من الحقل وجمعها بهدف تخميرها. ولا ننسى بقايا شتول الخضار في آخر الصيف وما ينتج عن قلع موسم البطاطا، أو ما قد يتمّ جمعه من الدكان من خضار تالفة.
المهم ألا يضاف إلى كومة التورب الأغصان اليابسة والقاسية لأن تحلّلها يطول سنوات، كما أنَّ وجودها يفقد التورب نعومته ويعرقل “حصاده”، عندما يحين الوقت لذلك، وهو غالباً ربيع العام التالي. ويحذر من إضافة المواد الحيوانية والشحوم والنباتات المصابة أو المريضة أو الضارة، مثل: النجيل، وغيره .

عناصر نجاح كومة التورب

يعتمد نجاح عملية تخمير النباتات وتحويلها على إيجاد البيئة المناسبة داخل كومة التورب، وخصوصاً الرطوبة و”الخميرة” المناسبة والهواء أو الأوكسجين، لأنَّ تحويل التورب يتم بواسطة ملايين وربما مليارات البكتيريا النافعة والكائنات المجهرية التي تبدأ على الفور بالتغذي على النبات وتحويله إلى المادة التوربية الخفيفة وداكنة اللون. وغالباً ما يؤدِّي العمل الهائل لهذه البكتيريات إلى ارتفاع حرارة كومة التورب إلى 70 درجة مئوية، وهذه الحرارة كافية لقتل ما يكون قد تسرَّب من بذور أعشاب ونباتات إلى الكومة، لكن الحرارة العالية موجودة في وسط الكومة وليس على أطرافها، وهذا هو أحد الأسباب التي تدعو المزارع إلى تقليب الكومة من حين إلى آخر، بحيث يدفع بالمواد الموجودة في الغلاف الخارجي للكومة إلى الداخل.
ويتمُّ الحصول على بيئة مناسبة داخل كومة التورب أو المطمر، عن طريق الحفاظ على توازن جيِّد بين العناصر الأربعة الرئيسية المكوِّنة لعملية التخمير؛ وهي:
– المواد الكربونية: وتأتي من الحشائش اليابسة.
– المواد الآزوتية: وتأتي بالدرجة الأولى من الأعشاب الخضراء والسماد العضوي.
– الرطوبة: ويتم توفيرها عبر رش المياه قليلاً على الكومة، إذا كانت مائلة إلى الجفاف، أو إضافة نسبة كافية من النباتات الخضراء.
– أخيراً هناك الهواء أو الأوكسجين الضروري لمدِّ البكتيريا العاملة على تحليل النباتات بالطاقة الحيوية لعملية التحليل.
التوازن يعني أنَّه من الأفضل أن لا تكون الرطوبة عالية (عبر الريّ الكثيف بالمياه)، لأنَّ ذلك قد يفسد التورب فيجعله لزجاً، كما أنه يقلِّل الهواء والأوكسجين اللازم للبكتيريا، كما أنَّ النيتروجين مصدر مهم للبروتين الذي تستخدمه البكتيريا وهو يأتي من النباتات الخضراء ومن السماد العضوي، لكن كثرة النيتروجين على حساب الكربون، قد تُفسد عملية التخمير.

يعتمد نجاح عملية تخمير النباتات وتحويلها على إيجاد البيئة المناسبة داخل كومة التورب، وخصوصاً الرطوبة و«الخميرة» المناسبة والهواء أو الأوكسجين

مواقع بناء كومة التورب

أفضل أنواع التخمير تلك التي تتمّ ضمن “خندق” طبيعي، أو يتمّ حفره وعند وجود حقول مترامية الأطراف، يجب على المزارع أولاً تعيين الأماكن المناسبة لإنشاء أكوام التورب ومن الأفضل اختيارها، بحيث يمكن تغطية الأرض وتخفيف عبء نقل الأعشاب من مكان إلى آخر.. وقد تقدم طبيعة الأرض نفسها تجاويف طبيعية يمكن استخدامها لجمع النباتات المراد تخميرها، لكن يمكن للمزارع ببساطة جمع التورب في أكوام أو “تلال” لكن فعالية عملية التخمير لن تكون نفسها.

بناء كومة التورب

يجب على المزارع بناء كومة التورب على شكل طبقات بسماكة 30 أو 40 سم لكل طبقة، وأن يفلش فوق كل طبقة خميرة التورب التي يمكن أن تكون مزيجاً من السماد العضوي، مثل: سماد الدجاج المنزلي (لا تستخدم سماد الدجاج الآتي من المزارع)، أو سماد الماعز أو البقر، الذي يضاف إليه التراب (مقدار تنكة أو أكثر حسب حجم الكومة)، ويفضل سماد الدجاج لأنه السماد العضوي الوحيد الذي يحتوي على نسبة عالية من الفوسفور (نحو 7 في المئة)، وكلَّما تمَّ جمع طبقة من الحشائش والنباتات بهذه والنباتات بهذه الصورة يجب ريّها بالمياه لإعطاء المزيج الرطوبة اللازمة لتحلُّل الخميرة وازدهار البيئة البكتيرية داخل الكومة وتكاثرها. ثم يبدأ بجمع الطبقة التالية من الحشائش والعناصر العضوية إلى أن يتمّ استهلاك الحشائش كلها، عندها يمكن أن تغطى الكومة بستار (شادر) بهدف زيادة الحرارة في الداخل وإطلاق عملية التحلُّل وتخفيف عملية تبخُّر الرطوبة، الأمر الذي قد يخل بالتوازن داخل الكومة لأنّ جفاف كومة الحشائش يؤخِّر عمل البكتيريا ويضعف تكاثرها. 

من المهم هنا أن تكون كومة التورب محتوية على مزيج من الحشائش والنباتات اليابسة والخضراء، وذلك بهدف الإبقاء على توازن الكومة لأنَّ النباتات الخضراء تحتوي على نسب عالية من النيتروجين، كما أنَّها تُسهم بتوفير الرطوبة للكومة ولعمل البكتيريا.
من المهم أيضاً اختيار موقع كومة التورب في مكان ظليل واجتناب المواقع التي تتعرّض للشمس معظم النهار.
العمل الأهم في تحليل كومة الأعشاب والنباتات تقوم به ملايين البكتيريا في المرحلة الأولى، وهذه يمكنها تحمُّل الحرارة العالية التي قد تصل في وسط الكومة إلى 70 درجة. لكن مع تقدُّم عملية التحلُّل تبدأ كومة التورب بخسارة حرارتها العالية، فتدخل في عملية التخمير عندها أنواع عديدة من الطحالب والفطريات والكائنات المجهرية. وفي المرحلة الأخيرة من التحلُّل والتخمُّر سنجدّ في كومة التورب حشرات مختلفة ودود الأرض وخنافس وغيرها، وهذه تأتي في المرحلة الأخيرة لتُسهم في عملية التفكيك والتحليل العضوي للكومة.

طريقتان للتخمير

هناك طريقتان معروفتان لتخمير التورب:
-1 التخمير البارد: حيث لا يحتاج المزارع إلى قلب الكومة في مرحلة التخمر أو تهويتها، وفي هذه الحال فإنَّ نضج التورب وحصاده يحتاجان إلى ما بين 6 أشهر أو سنتين.
-2 التخمير الحار: الذي يستخدم فيه قلب الكومة وتهوِئتها، وأحياناً إضافة بعض الرطوبة إليها يسرع في عملية تحليل المواد العضوية بحيث أن كومة التورب قد تصبح جاهزة في 6 أو 8 أسابيع.
إنَّ اختيار الطريقة المُثلى يتوقَّف على المزارع. إذا كانت الأرض تنتح  كمِّيات كبيرة من الحشائش، فإنَّ المزارع قد يختار تجميعها في أكوام أو خنادق عديدة ويصبر عاماً واحداً لحصاد الموسم الأول من التورب . وفي هذه الحال فإنَّ الحصاد قد يحصل في الربيع، بحيث يتمّ جمع التورب في أماكن مُخصَّصة له (من الأفضل جمعه في “كاراج” أو تخشيبة كبيرة في الحديقة)، وبحيث يتمُّ إخلاء الخنادق أو أماكن التخمير لتستقبل الأكوام الجديدة من الأعشاب والحشائش. وهنا فإنَّه من الأفضل الإبقاء على كمِّية من التورب وخلطها مع الأعشاب الجديدة لأنَّ ذلك يسرِّع في انطلاقة عملية التخمير.

متى يمكن “حصاد” التورب؟
يصبح التورب جاهزاً لاستخدامه في تحسين التربة عندما تتحلَّل الأعشاب والمواد العضوية تحلُّلاً تاماً، ويصبح التورب مثل التراب الخفيف وبلون البني الداكن أو المسوّد. ويُستدلُّ على نُضج التورب أيضاً من تراجع الحرارة في داخله، ممَّا يعني أنَّ عملية التخمير والإنضاج قد بلغت منتهاها.
ومن المهم عدم استخدام التورب غير الناضج في التربة لأنَّ البكتيريا التي لا تزال حيَّة في التورب غير المكتمل، ستدخل في تنافس مع البكتيريا المتواجدة في التربة، الأمر الذي قد يؤدِّي إلى مظاهر نقص في تغذية النبات.

كيف يستخدم التورب؟
إذا كانت الأرض تنتج كمِّيات كبيرة من التورب، فبإمكان المزارع فلشه على التربة بسماكة 4-8 سم ثم حرثه بحيث يختلط بالتربة مشكِّلاً طبقة من التراب الخفيف الذي يحفظ الرطوبة ويمرِّر الهواء، هذا فضلاً عن كونه مقوّى بعناصر التغذية والخصوبة التي يحتاجها النبات. مثل هذا التراب ينتج محاصيل متفوِّقة وممتازة من حيث النشاط والنموّ وقوَّة الثِمار. وأكثر ما يفيد هذا الأسلوب في الأرض الفقيرة أو الدلغانية التي تحتاج إلى تحسين تركيبتها العضوية وخصائصها البيولوجية. وفي هذه الحالات فإنَّه من المفيد إضافة السماد العضوي إلى التورب قبل حرث التربة، والحصول تالياً على مزيج متوازن وغني للزرع. تجدر الإشارة إلى أنَّ الاستخدام المُتكرِّر للتورب في تخصيب وتعديل تركيبة التربة يؤدِّي مع الزمن إلى تربة سوداء ناعمة وغنية وسهلة المعاملة، وهو ما سيشكِّل أفضل مكافأة للمزارع الصبور والمثابر.
في الحالات التي يكون فيها إنتاج التورب محدوداً يمكن للمزارع تركيز

مـن أيــن نـبدأ هل جفــــــــاء الموحِّــدين للأرض قدر محتوم، أو مسار يمكن تبديله؟

السؤال مطروح وبجدية: هل هجر الموحِّدون الدروز أرضهم؟ وما هي الأسباب الرئيسية وراء هذه الخسارة؟ وهل الجفاء الذي قام مع أرض الأجداد لا علاج عملياً أو واقعياً له؟ هل أصبحنا أُمَّة موظَّفين ودكَّاكين وخدمات وجُباة للريع العقاري؟ هل علينا أن نضع وراءنا تاريخ القرون والدهور من تراث الأرض وحياة القرية ونقبل بأننا أصبحنا شيئاً آخر، جنساً آخر من الناس يشبه كلَّ شيء إلاَّ ما كُنَّا نعتقد أنَّه نحن وأنَّه حقيقتنا الأصلية؟

وإذا كان تطوّر الاقتصاد اللبناني والاقتصاد العربي حولنا عامل أساسي لا يمكن تبديله، وقد نالنا نصيب من آثاره على المجتمعات الريفية في كل مكان في العالم العربي.
وإذا كانت ثورة الاتصالات والعولمة وصناعة الإعلان والغواية قد أصابتنا بموجها، فهل يعني ذلك أنه لم تعد هناك طاقة لنا على التفكير واسترداد حقّ القرار؟ هل يعني ذلك أنَّه من غير الممكن الرد على هذا التفتت عبر خيارات واقعية؟
نشير هنا إلى أنَّ أكثر البلدان تقدُّماً في أوروبا، مثل ألمانيا أو هولندا أو سويسرا أو الولايات المتحدة أو اليابان، تشهد نهضة زراعية وتنوّعاً كبيراً في المُنتجات الزراعية المُتخصِّصة، والتي يمكن إنتاجها بصورة اقتصادية ومربحة وفي حالات عديدة بهدف التصدير. ولن نفصل في هذا المجال، لكن الهدف من هذا المثال هو التأكيد على الزراعة الحديثة والمربحة التي يمكنها أن تعيش جنباً إلى جنب مع التطوّر المجتمعي وتبدُّل العادات؛ كما أنه يشير إلى أنَّ هجرة الموحِّدين للأرض قد لا يكون سببها الأول عدم الرغبة في العمل في الأرض، بل عدم وجود البدائل والخيارات الزراعية التي تجعل من الأرض رأس مال اقتصادياً (عينياً) مُنتجاً ومُربحاً.
وفي هذا المجال، نودُّ التذكير بأنَّ الجبل يشهد حالات فَقر وبطالة صريحة أو مُقنَّعة، وبالتالي فإنَّ مناطقنا تحتوي على فائض عمالة قد يكون جاهزاً للانخراط في نشاطات زراعية مدروسة وحديثة، من حيث أساليبها وتنظيمها وقابليتها على الازدهار والربح، وربَّما التوسّع.

وفي هذه الحال، من أين نبدأ؟

نقطة البداية هي في إعادة تفكير علمية في النمط الاقتصادي للجبل، ويجب أن تنطلق من تحليل حجم التراجع في الاقتصاد الزراعي في الجبل وأسبابه. وفي هذا المجال، يجب طرح السؤال عن تأثير المُلكيَّات الصغيرة مثلاً أو الطبيعة الجبلية أو النقص النسبي للمياه في موسم الصيف أو نوعية الزراعات الموروثة وملاءمتها لاقتصاد تبادلي، أو الطبيعة الفردية للمزارع الجبلي أو أساليب الزراعة غير الملائمة أو الاستخدام المفرط وغير المراقب للأسمدة والمبيدات، وبالتالي الإيذاء المنهجي للبيئة الزراعية الطبيعية.  يجب أن نتذكَّر هنا أنَّ الزراعة التي ورثناها لم تكن زراعة تبادلية، أيّ زراعة تستهدف إنتاج فائض سِلَعي كبير يتمّ تبادله من أجل النقود. صحيح أنَّ بعض كبار الملاَّكين كانوا يمثِّلون حجماً مهماً في الإنتاج وكانوا يبادلون إنتاجهم بالتالي في السوق، لكن أكثر المزارعين في الجبل كان إنتاجهم بهدف الاستخدام المنزلي حتى إذا حقَّق المُزارع فائضاً في بعض السنوات فإنَّه كان يلجأ إلى مبادلته في السوق المحلية بالنقود أو بأغراض عينية. وبهذا المعنى، فإنَّ نمط الزراعة الذي نراه اليوم كان ملائماً أكثر لاقتصاد اكتفائي وليس لاقتصاد تبادلي.
على العكس من ذلك، إنَّ ما نسميه اليوم أزمة الإنتاج الزراعي يُقصد به أنَّ المحصول الزراعي لم يعد كافياً لسدِّ حاجات المواطن الجبلي. وقد شهد هذا المواطن تضخُّماً مطرداً في الحاجات وفي مستلزمات العيش وتربية وإعالة الأُسرة، في وقت كانت إنتاجية الأرض تشهد تراجعاً حثيثاً سنة بعد سنة. إنَّ أزمة القطاع الزراعي تكمن إذاً في تبدُّل نمط الاستهلاك وحاجات الأُسرة والتي كانت في الماضي حاجات بسيطة، ويمكن سدّها عبر زراعة الكفاف أو الاكتفاء النسبي.
لكن السؤال المطروح هنا هو هل يمكن للزراعات التي كانت مناسبة لاقتصاد الكفاف أن تبقى مناسبة لاقتصاد تبادلي يحتاج فيه المزارع لأنَّ يبادل جزءاً من محصوله على الأقل مقابل نقد يُنفقه على حاجاته الأخرى التي وَلَّدها تضخّم الاقتصاد الاستهلاكي؟ علماً أنَّ الاقتصاد الزراعي التبادلي يتطلَّب الآن الالتزام بمواصفات مُعيَّنة، كما يفترض تحقيق إنتاجية عالية وخبرة في الطلب وفي الأسواق وخلق علامات تجارية وخبرات تسويق وترويج، وغير ذلك من المهارات الأساسية التي وعلى الأرجح نفتقدها إلى حدٍّ كبير.

على العكس من ذلك، فإنَّ المزارع الجبلي ما زال على العموم يزرع ما كان يزرعه الأجداد مع استثناءات قليلة تمّ فيها اختبار بدائل مُعيَّنة، كما حصل في “فورة التفاح” في الخمسينات ومطلع الستينات من القرن الماضي. وعلى الرغم من التطوّر الهائل على جبهة الطلب وتبدُّل أذواق المُستهلكين وتفضيلهم، فإنه لم تجرِ في الجبل حتى الآن أية دراسة شاملة لأحوال الزراعة تستهدف وضع مخطط توجيهي Master plan يساعد على تعيين الميِّزات التفاضلية للجبل (لجهة الدورة الزراعية والعامل الموسمي والقيمة المضافة وسُبل تدوير الفائض عبر عمليات المعالجة أو التصنيع، وغير ذلك من العوامل)، ولم يتمّ بالتالي وبصورة علمية تعيين الزراعات البديلة أو الرديفة ونوعية المنتجات ذات القيمة المضافة ومنهج الزرع وإدارة الأرض والتربة والبيئة؛ كما لم يتمّ تعيين حاجات التأهيل البشري والمهني واستكمال بُنية القطاع عبر مستوياتها أو حلقاتها كافة.
العامل الأهم المفقود هو استراتيجية الترويج واكتساب الزراعات الجبلية قوَّة العلامة التجارية القادرة على الانتشار في العالم. والمقصود هنا ليس فقط خلق العلامة التجارية لك، سلعة أو منتجاً لشركة أو تعاونية، بل خلق العلامة التجارية أو الهوية التجارية لزراعة الجبل بكاملها، بحيث يصبح الجبل مشهوراً بمجموعة من الزراعات أو المنتجات التي تجعل منه مقصداً لشبكات التجزئة أو المُصدِّرين أو المُستهلكين الذين قد يتوجَّهون مباشرة للتسوُّق في مراكزه التجارية المُتخصِّصة.
إنَّ النجاح الكبير لتجربة “جمعية أرز الشوف” قام على الإنجاز الأهم الذي تمثَّل في خلق العلامة التجارية، وكذلك خلق القيمة المضافة المرتبطة بالقيمة الغذائية للعديد من تلك المنتجات التي يتبع في إنتاجها أسلوب الزراعة العضوية. وقد أثبتت تجربة المحميَّة أنَّ هناك طلباً كامناً هائلاً على المنتجات العضوية، هو طلب  يتجاوز لبنان في الحقيقة إلى كلِّ بلدان العالم، وهو ما يمثِّل الآن قطاعاً ناشئاً وسريع النموّ لم يتمّ البحث في كيفية البناء عليه في إعادة توجيه الزراعات الشوفية أو زراعات الجبل بصورة عامة.

علينا لذلك أن نفتِّش بإخلاص عن أسباب تراجع مكانة الأرض وأن نواجه واقعنا الحالي بأمانة وجرأة، لأنه على هذا النوع من المواجهة الشجاعة والعلمية يتوقّف الكثير من مستقبل الموحِّدين ومكانتهم، بل وأمنهم ومناعة وجودهم للأخطار التي لم تدع لهم عبر التاريخ فرصاً طويلة للاسترخاء أو الاستقرار الوجودي.
نوّد التأكيد على أننا نطرح ملف الأرض بصيغة واقعية وعلمية تأخذ في الاعتبار التطوّر الذي طرأ على نمط اقتصاد الجبل بالذات، وعلى مصادر عيش الناس التي ابتعدت في معظم الحالات عن الزراعة ومتفرِّعاتها. وواقع الأمر هو أنَّ الجبل تغيّر وبصورة كبيرة في غضون العقود الثلاثة الماضية، أي منذ ما قبل اندلاع الحرب الأهلية. وهو تغيّر نتيجة لجملة من العوامل المُعقَّدة، منها انعكاسات فورة النفط في الخليج على مداخيل أهل الجبل الذين هاجر العديد منهم للعمل في تلك البلدان، ومنها تبدّل نمط الاقتصاد اللبناني باتجاه المزيد من السيطرة على اقتصاد الخدمات، وضعف التزام الدولة اللبنانية بالقطاع الزراعي غير الممثَّل أصلاً لا في مجلس النوَّاب ولا في المستوى الحكومي، ومنها فورة العقار التي رفعت أثمان الأراضي بحيث بات من غير المجدي، إلاَّ في حالات قليلة، تملّكها للأغراض الزراعية. تبدّل الجبل حتى كادت النشاطات الجديدة، مثل: الوظائف العسكرية والحكومية، أو العمل في قطاعات البناء والتجارة والتجزئة والمصارف وغيرها، تتحوّل إلى المصدر الرئيسي لعيش المواطنين، بينما تراجعت باستمرار حصة القطاع الزراعي من اقتصاد الجبل، وتراجعت بصورة كبيرة نسبة السكَّان الذين يعتمدون على عيشهم جزئياً أو كُلِّياً على نشاطات الزراعة التي جعلت الأرض المهملة أو المُعدّة وحدها لا تبدّل مجرى الأمور، بل يبدّلها فهم المشكلات فهماً صحيحاً ثمَّ العمل على بلورة البدائل والحلول، وتوفير السُبل لوضع تلك الحلول موضع التنفيذ.

في ندوة لرؤساء تعاونيات وخبراء زراعيين “الضحى” تسأل: لماذا تتعثَّر التعاونيات الزراعية في الشوف؟

ما هو واقع التعاونيات الزراعية في الجبل، ولماذا لم تتمكَّن معظم تلك الهيئات من تحقيق الغايات التي أُنشئت لأجلها؟ هل السبب هو في ضعف القاعدة الزراعية وتراجع المساحات والمصالح الزراعية التي تستند إليها تلك التعاونيات؟ هل هو في صِغر المُلكيَّات وعدم وجود فوائض تجارية كبيرة؟ هل هو في تأخُّر الزراعة نفسها وتراجع القدرة التنافسية للإنتاج الزراعي؟ هل هو في الفردية المفرطة وضعف روح التعاون والفريق بين الأعضاء المنتسبين، أم هو في ضعف الإدارة

نفسها وانشغالها عن التعاونية بشؤون أخرى، أم أنَّ المشكلة هي في الحقيقة مزيج من كلِّ تلك العوامل؟

الزراعي في الجبل، نظّمت «مجلة الضحى» ندوة في المكتبة الوطنية العامة في بعقلين تحت عنوان: “التعاونيات الزراعية في قضاء الشوف، المشاكل واقتراحات الحلول”، واستهدفت الندوة تعيين المشكلات التي تواجه عمل التعاونيات واستشراف وسائل المعالجة الممكنة. شاركت في الندوة السيدة جومانة كرامي، رئيسة مصلحة التعليم والإرشاد في وزارة الزراعة، والخبيرة الدكتورة فريال أبو حمدان، وممثِّلا تعاونية كفرنبرخ رياض جابر وحسن أبو عجرم، ورئيس التعاونية الزراعية في عمَّاطور محمود أبو شقرا، ورئيس التعاونية الزراعية في الباروك توفيق أبو علوان، ورئيس التعاونية الزراعية في كفرفاقود فؤاد نصر، ورئيس التعاونية الزراعية في بريح عبَّاس العلي، وممثِّل تعاونية الورهانية عفيف غانم، والناشط البيئي والخبير في الزراعات العضوية رائد زيدان.

السيدة كرامي: غياب المؤسسات يفوِّت فرصة الإفادة من المعونات الدولية

ستهلَّت السيدة جمانة كرامي مداخلتها بالحديث عن تركيز وزارة الزراعة الدائم على تشجيع المزارعين على الانضمام الى التعاونيات الزراعية القائمة من جهة، وانشائها في البلدات التي تفتقد الى مثل تلك التعاونيات؛ معتبرة أنَّ منافع التعاونيات لا تقتصر على الفوائد المادية للمزارع، بل قد تتعدَّاها إلى المساعدة في تسويق المنتجات الزراعية. ولفتت إلى أنَّ في إمكان التعاونية أن تعمل كمؤسسة تستهدف تحقيق الربح لأعضائها وهذا إذا ما أحسنت إدارتها، وقد أجاز القانون لها ذلك.
وإذ لفتت إلى أنَّ إقدام المزارعين الشوفيين على الانضمام الى التعاونيات الزراعية لا يزال خجولاً قياساً إلى أقضية أخرى، أعادت السبب إلى افتقاد التوجيه “السياسي” للمزارع للانضواء في عمل مؤسساتي هو بأمسِّ الحاجة اليه لتطوير انتاجه، وبالتالي المساعدة على تصريفه، خاصة اذا ما علمنا، أضافت السيدة كرامي، أنَّ الهبات والمساهمات الدولية التي تخصِّصها الدول أو المُنظَّمات غير الحكومية للقطاع الزراعي في لبنان وتوزّعها الوزارة على المناطق، لا توجِّهها إلى الأفراد بل إلى مؤسسات ذات إطار قانوني. إذاً، المزارع غير المنتمي إلى مثل تلك التعاونيات لن يستفيد من تلك التقديمات. مشكلة أخرى تعاني منها التعاونيات الزراعية في الشوف أضاءت عليها السيدة كرامي، وهي ضعف التسويق، مُحمِّلة إيَّاها المسؤولية لتخلُّفِها عن اللجوء إلى دراسة حاجات السوق وتوجيه المزارع إلى المنتجات المطلوبة، لأنَّه من المفترض أن ندرس ماذا تريد السوق ثمَّ نزرع ونبيع لها، وليس العكس. ولفتت السيدة كرامي في هذا المجال إلى النشرة التوجيهية التي أصدرتها وزارة الزراعة “GLOBAL GAP” لإدارة نوعية الإنتاج الزراعي بمواصفات عالمية، استفادت منها تعاونيات زراعية عديدة في مناطق لبنانية مختلفة، فضلاً عن نشرات يومية ودورية تصدرها الوزارة عبر غرف التجارة والزراعة والصناعة بالأسعار والمواصفات التصديرية والأصناف الزراعية المطلوبة التي تُرشد المزارع والتعاونيات الزراعية.

إلى ذلك، كشفت السيدة كرامي أنَّ تعاونيات الشوف تفتقد أيضاً إلى مفهوم العمل الجماعي، لتقتصر المهام على رئيسها وعضو آخر فيها فقط أحياناً؛ مع العلم أنَّ أنظمة إنشائها راعت تحديد الأدوار وتوزيعها على مجالس الادارة وهيئات الرقابة بشكل مُنصف. لكن المشكلة تبدأ عندما تتداخل الصلاحيات بسبب محاولات مصادرة الأدوار، وفي أحسن الأحوال نتيجة سوء الإدارة. وهنا يأتي الدور التوجيهي لوزارة الزراعة التي كانت لها تجربة ناجحة في هذا السياق مع التعاونية الزراعية في عمَّاطور. كذلك تحدَّثت السيدة كرامي عن تجربة ناجحة أخرى مع التعاونية الزراعية في بعقلين التي أنشأت معملاً حديثاً لإنتاج الصابون بمواصفات تصديرية.

بعض التعاونيات تحوّل إلى “كونتوار” خاسر بسبب تهرُّب المزارعين من تسديد القروض

أبو شقرا: تجربةٌ ناجحة في مجال عصر الزيتون

في مداخلته، ذكر رئيس التعاونية الزراعية في عمَّاطور محمود أبو شقرا الدور التوجيهي الذي تحدَّثت عنه السيدة كرامي، والذي أثمر عن إنشاء معصرة حديثة لزيت الزيتون في البلدة بمبادرة من التعاونية، حيث أنَّ عمَّاطور تعتمد إنتاجياً على زراعة الزيتون، ومعاصرها أصبحت قديمة العهد تعود إلى الستينات ولا تلبِّي الكمِّيَّات المُنتَجة، وبالتالي حاجة السوق المحلية. لكن أبو شقرا لفت إلى أنَّ هذه التجربة الناجحة لم ترتقِ بعد إلى مستوى تسويق الإنتاج إلى خارج البلدة، كما عبّر عن مصاعب كثيرة لا تزال تعترض التعاونية الزراعية في عمَّاطور، أهمها تقاعس المزارعين المنتمين إليها عن القيام بالمسؤوليات الملقاة على عاتقهم.

أبو علوان: افتقاد الرساميل يشلُّ عمل التعاونيات

اعتبر رئيس التعاونية الزراعية في الباروك توفيق أبو علوان أنَّ افتقاد الرساميل أو كيفية استخدامها إن وجدت، هو العائق الرئيسي في شلِّ عمل التعاونيات الزراعية في الشوف؛ كما أنَّ افتقارها إلى آلية لتحصيل ديونها من المزارعين، من العوامل المهمة في عرقلة عملها. كاشفاً في هذا الإطار عن ديون لتعاونية الباروك تبلغ أربعة عشر مليون ليرة، لم تستطع تحصيلها منذ ثلاث سنوات. ومع غياب أي صلاحية قانونية تخوِّلها استرداد ديونها، رأى أنَّ التعاونية تحوَّلت إلى دائن من دون جباية. إلاَّ أنَّ واقع الحال هذا، يضيف أبو علوان، لم يمنع التعاونية الزراعية في الباروك من المبادرة إلى إنشاء معمل تصنيع زراعي بتمويل ذاتي ومن مُتبرِّعين آخرين. وينتج هذا المعمل عصير البندورة، ودبس العنب، ومُكثَّف عصير التفاح. لكنه لفت إلى أنَّ المشكلة التي يواجهها هذا المعمل، تكمن في التصريف خارج البلدة، “إلاَّ أننا باشرنا الإعداد لدراسة تهدف إلى التحوُّل نحو الزراعات البديلة كالأعشاب الطبِّية”.

نصر: أين مشروع “مصرف التسليف والإنماء الزراعي”؟

وقال رئيس التعاونية الزراعية في كفرفاقود فؤاد نصر إنَّ الأولوية يجب أن تكون تفعيل ودعم التعاونيات الزراعية القائمة، وذلك قبل البحث في إنشاء التعاونيات المُتخصِّصة وفق التحوُّل نحو الزراعات البديلة كـ: الزراعة العضوية وغيرها. وتحدَّث في مداخلته عن أزمة تمويل تعانيها التعاونيات القائمة، تُشكِّل ثغرةً أساسية في تطوير دورها، مقترحاً في هذا السياق انشاء اتِّحاد تعاونيات زراعية للتكاتف والدعم المتبادل في الانتاج والتسويق، من دون اغفال الاستمرار في التفتيش عن مصادر تمويل، والدفع لتحقيق “مشروع مصرف التسليف والإنماء الزراعي” الذي اتُّخذ القرار بإنشائه، لكنه لا يلقى المتابعة الرسمية الكافية كي يبصر النور بحجَّة عدم توافر مصادر تمويله، بحسب رأي نصر.

زيدان: هيئات دولية دعمت مُبادرة لـ “جمعية أرز الشوف”

وقال الخبير الناشط في حقل الزراعات العضوية والبيئة رائد زيدان إنَّ الهيئات الدولية أظهرت استعدادها لتوفير الدعم المالي للمُبادرات الزراعية المحلية، خصوصاً في مجال الزراعات البديلة كـ: الزراعات العشبية، أو الصناعة الغذائية القروية التي تستخدم فائض المنتجات المحلية، وأعطى مثالاً على ذلك تجربة مرستي، حيث قام “البنك الدولي” وهيئتا التنمية الفرنسية والإيطالية بتمويل مشروع تقدمت به “جمعية أرز الشوف” لتأهيل وتجهيز مشغل لمربِّي النحل والسيدات اللواتي يعملن في تصنيع المنتجات الغذائية القروية وفق مواصفات الجودة الغذائية المعتمدة عالمياً، ومن ضمنها المُربيات والمُقطرات ومُكثَّفات العنب والبندورة والتفَّاح والمُجفَّفات. وأضاف زيدان إنَّ هذه التجربة تدلُّ على أنَّ التعاونيات في حدِّ ذاتها ليست حلاً ما لم تتمّ إعادة النظر في الخيارات الزراعية الحالية باتجاه مواكبة الحاجات الجديدة في السوق.

أبو عجرم: التعاون ليس من ثقافتنا

وأشار الخبير الزراعي حسن أبو عجرم إلى أنَّ المشكلة الأساسية في تجربة التعاونيات هي أنها لا تتعاون، لافتاً إلى وجود نقص في ثقافة العمل التعاوني الزراعي لدى المزارع الشوفي، وهذا على الرغم من اقتناع هذا المزارع بأنَّ التعاونيات الزراعية هي الملاذ الوحيد له، إن لم يكن الأخير، في ظلِّ غياب الدعم والارشاد الزراعيين الرسميين.

جابر: الفسادُ تسلَّل إلى بيئة التعاونيات

وافق الخبير الزراعي رياض جابر على أنَّ إخفاق التعاونيات الزراعية بشكل عام في الشوف، سببه غلبة المصلحة الفردية على روحية التعاون. ويعود ذلك، بحسب رأيه، الى انتقال عدوى الفساد من الطبقة السياسية الى المجتمع الزراعي. وروى جابر تجارب له في هذا السياق، خلال توليه سابقاً رئاسة التعاونية الزراعية في كفرنبرخ ورئاسة تعاونية مُربِّي الدواجن في الشوف. مشدِّداً على ضرورة ايجاد آلية للتسويق الزراعي مستقلَّة لكنها مكمّلة لمهمة التعاونية الزراعية، ومقترحاً في هذا الإطار، إمَّا إنشاء مؤسسات مُتخصِّصة بالتسويق الزراعي، او أسواق لتصريف الانتاج الزراعي تحمي المزارع من المضاربات غير المشروعة واستغلال الوسطاء.

العلي: تقهقر الزراعة انعكس بتراجع العضوية

رئيس التعاونية الزراعية في بريح عبَّاس العلي سلّط الضوء على مؤشر مهم يؤكِّد تراجع التعاونيات الزراعية وتقلُّص تأثيرها على المزارعين، وأعطى مثالاً على ذلك، ظاهرة التسرُّب الذي تشهده تعاونية بريح، والتي تقلَّص عدد المنتسبين إليها من ثمانية وستين مزارعاً الى أقل من خمسة وعشرين. وكشف أنَّ العديد من الذين تخلُّوا عن عضوية التعاونية فعلوا ذلك بسبب تخليهم عن نشاطهم الزراعي الأساسي وتحوُّلهم إلى قطاعات إنتاجية أكثر ربحية، الأمر الذي يطرح مجدداً إشكالية تصريف الإنتاج الزراعي في الجبل.

تفتُّت المُلكيَّات وضعف التنافسيَّة والنزعة الفرديَّة، من بين أهمِّ الأسباب التي أعاقت انطلاقة التعاونيات

 

 

بيئة و إرشاد زراعي

في هذا العدد تفتتح مجلة “الضُحى” باباً خاصاً يتعلَّق بالثقافة الزراعية وثقافة البيئة، وتبدأه هذه الحلقة الخاصة عن كيفية صُنع مطمر تخمير …

السؤال مطروح وبجدية: هل هجر الموحِّدون الدروز أرضهم؟ وما هي الأسباب الرئيسية وراء هذه الخسارة؟ وهل الجفاء الذي قام مع أرض الأجداد …

ما هو واقع التعاونيات الزراعية في الجبل، ولماذا لم تتمكَّن معظم تلك الهيئات من تحقيق الغايات التي أُنشئت لأجلها؟ هل السبب هو …