كتاب هو عبارة عن بحث معمّق يتناول فيه مؤلفه الدكتور حاتم علامة، مسألة المعرفة في تحديداتها، ومدلولاتها، في أن تكون تارة نعمةً للأفراد والمجتمعات، بسلوكيات معينة، ومفهوم إيجابي، شريطة ترجمة مدلولاتها إلى وقائع عمل فعلي، في ضوء مستوىً رشيدٍ من الوعي، يُتَقَيَّدُ به ضماناً لإدراك الأهداف الحسنة المتوخاة منه، والمُعَبَّرُ عنها بـ «النعمة» أي بالارتقاء معنوياً ومادياً إلى حالة من السعادة العامة، يتمنَّاها ويسعى إليها كُل إنسانٍ بحَسَب معطياته العقلية، ومدركاته العلمية، وذلك بنسبية ما، حيث أن المعرفة، ولا سيما إذا كانت كليةً، فوق مقدورات البشر ومقدراتهم، لأنها عندها تماثل قوانين الطبيعة غير المدركة منهم، ولكن بحسب تحديدات المؤلف علامة، وإلماحاته، فإن للمعرفة وجهاً آخر غير وجهها الإيجابي، ويمكن أن ينحو نحو السلبية بالمعنى المطلق، ويصير من شدته «لعنة» أي وبالاً على المجتمعات والأفراد، كما هو صائر اليوم في العالم بمعظمه. وربما يريد المؤلف في كتابه أن يقول: إن للمعرفة وجهين، سلبي وإيجابي، وهذا يتوقف على حسن استعمالها… إنه تعليل منطقي، في ضوء ما يحصل على كوكبنا من نزاعات وحروب وجرائم، وعنف، واضطهاد غير مبررة بمقاييس الحرية، وحقوق الإنسان، ناهيك بالعدالة التي لو اعتمدت حقيقةً، لوفرت على البشرية عذاباتها ومآسيها ووطدت السلام. الدكتور علامة في كتابه القيِّم هذا يرى أن أزمة العصر بوجوهها المعقدة، وربما أزمات كل العصور السابقة التي لم يُتَوَصَّل إلى حلها حتى اليوم، هي مرجحة للاستمرار، بغياب الوعي التام واستفحال الأنانية، سواءٌ أكانت فرديةً أو جماعية.
إذن المسألة هي مسألة وعي لا غير، وكيف نأتي بالوعي الجماعي بعيداً من المعرفة، ومن ثم العلم، الذي مصدرُهُ العقل والعقلانية وهذا «أرسطو» الفليسوف اليوناني العظيم، نقلاً عنه، يورد المؤلف مقولة أن «الجاهل يؤكد، والعالم يشك، والعاقل يتروى».
وبمثل ذلك يتحدث «نيتشه» الفيلسوف الألماني، عن المعرفة فيرى مثلاً أنّ القناعات الراسخة أكثر خطورةً على الحقيقة من الأكاذيب» فالجزم بالحقيقة من أيٍّ كان يجب أن يُتَحفَّظ عليه في ضوء المعرفة التي تنمو وتتكاثر، وتتحول من حال إلى حال، أو من اقتناع إلى ضدّه. هذا الكتاب المهم الذي يبلغ عدد صفحاته قرابة 170 صفحة، جعله الدكتور علامة من ثلاثة فصول، وخاتمة.
ضمَّنَ الفصل الأول، بحثاً في «الكورونا»، قسَّمَهُ إلى أربعة مقالات اجتهادية فكرية، رأى في الأولى أن مع الكورونا، الحدث العالمي المفاجئ ينبغي كتابة تاريخ جديد. وفي الثانية ضرورة وضع معيارية كونية جديدة، ويتساءل في الثالثة، العالم إلى أين؟ وفي المقالة الرابعة، لا يتردد في الجزم في أن الكورونا فاتحة قيامة شاملة. وفي الفصل الثاني يتطرق إلى موضوع أساسي في حياة البشرية قاطبةً، وهو الأخلاق، والثقافة. والمعنى بين المحمول المعرفي وتشفير اللعنة. فيجعل السؤال الأخلاقي بين بصمة التميز، والترانسفير المعرفي، وثانياً الأخلاقي – الديني بين احتكار النجاة والسمو المعرفي، وثالثاً: أسئلة المعنى في منظومة قيمية متهاوية. ورابعاً المعرفة بين المركب الثقافي والأنتروبولوجيا الثقافية، وفي الفصل الثالث: يناقش النظام المعرفي بين صناعة العصر، ومشاكسة اللعنة، فيتبين مستنتجاً المعرفة بين فلسفة الحقيقة، وعقلنة الوعي، وبين معرفة المعرفة، وعقلنة الوعي. والعلم والمعرفة، الفكر والتفكير النقدي، إلى أن يصل بالاستنتاج إلى التحدي المعرفي بين لعنة المعرفة، والمعرفة المحرمة.
إنْ هذا إلا عجالة منا لكتاب يشكل إضافة ثقافية وعلمية يحتمل الكثير من التبسط والتوسع في عميق معانيه الذاهبة مذهب الإنقاذ والإصلاح في زمن التصحر الفكري أو قُلْ في زمن المعرفة اللعنة…
مع المؤلف نقول: «لا أفكار قبلية لحقيقة عاصفة، واستحضار لفكر نقدي عبر التاريخ، نتشاركُهُ مع العقول النيرة، والوعي المتوهج، عصفاً بيقينات بالية، وأوهام وخرافات.