السبت, تشرين الثاني 23, 2024

اشترك معنا للاطلاع والحصول على أحدث المقالات والأعداد

السبت, تشرين الثاني 23, 2024

اشترك معنا للاطلاع والحصول على أحدث المقالات والأعداد

بحث ..

  • الكاتب

  • الموضوع

  • العدد

مـن أيــن نـبدأ هل جفــــــــاء الموحِّــدين للأرض قدر محتوم، أو مسار يمكن تبديله؟

السؤال مطروح وبجدية: هل هجر الموحِّدون الدروز أرضهم؟ وما هي الأسباب الرئيسية وراء هذه الخسارة؟ وهل الجفاء الذي قام مع أرض الأجداد لا علاج عملياً أو واقعياً له؟ هل أصبحنا أُمَّة موظَّفين ودكَّاكين وخدمات وجُباة للريع العقاري؟ هل علينا أن نضع وراءنا تاريخ القرون والدهور من تراث الأرض وحياة القرية ونقبل بأننا أصبحنا شيئاً آخر، جنساً آخر من الناس يشبه كلَّ شيء إلاَّ ما كُنَّا نعتقد أنَّه نحن وأنَّه حقيقتنا الأصلية؟

وإذا كان تطوّر الاقتصاد اللبناني والاقتصاد العربي حولنا عامل أساسي لا يمكن تبديله، وقد نالنا نصيب من آثاره على المجتمعات الريفية في كل مكان في العالم العربي.
وإذا كانت ثورة الاتصالات والعولمة وصناعة الإعلان والغواية قد أصابتنا بموجها، فهل يعني ذلك أنه لم تعد هناك طاقة لنا على التفكير واسترداد حقّ القرار؟ هل يعني ذلك أنَّه من غير الممكن الرد على هذا التفتت عبر خيارات واقعية؟
نشير هنا إلى أنَّ أكثر البلدان تقدُّماً في أوروبا، مثل ألمانيا أو هولندا أو سويسرا أو الولايات المتحدة أو اليابان، تشهد نهضة زراعية وتنوّعاً كبيراً في المُنتجات الزراعية المُتخصِّصة، والتي يمكن إنتاجها بصورة اقتصادية ومربحة وفي حالات عديدة بهدف التصدير. ولن نفصل في هذا المجال، لكن الهدف من هذا المثال هو التأكيد على الزراعة الحديثة والمربحة التي يمكنها أن تعيش جنباً إلى جنب مع التطوّر المجتمعي وتبدُّل العادات؛ كما أنه يشير إلى أنَّ هجرة الموحِّدين للأرض قد لا يكون سببها الأول عدم الرغبة في العمل في الأرض، بل عدم وجود البدائل والخيارات الزراعية التي تجعل من الأرض رأس مال اقتصادياً (عينياً) مُنتجاً ومُربحاً.
وفي هذا المجال، نودُّ التذكير بأنَّ الجبل يشهد حالات فَقر وبطالة صريحة أو مُقنَّعة، وبالتالي فإنَّ مناطقنا تحتوي على فائض عمالة قد يكون جاهزاً للانخراط في نشاطات زراعية مدروسة وحديثة، من حيث أساليبها وتنظيمها وقابليتها على الازدهار والربح، وربَّما التوسّع.

وفي هذه الحال، من أين نبدأ؟

نقطة البداية هي في إعادة تفكير علمية في النمط الاقتصادي للجبل، ويجب أن تنطلق من تحليل حجم التراجع في الاقتصاد الزراعي في الجبل وأسبابه. وفي هذا المجال، يجب طرح السؤال عن تأثير المُلكيَّات الصغيرة مثلاً أو الطبيعة الجبلية أو النقص النسبي للمياه في موسم الصيف أو نوعية الزراعات الموروثة وملاءمتها لاقتصاد تبادلي، أو الطبيعة الفردية للمزارع الجبلي أو أساليب الزراعة غير الملائمة أو الاستخدام المفرط وغير المراقب للأسمدة والمبيدات، وبالتالي الإيذاء المنهجي للبيئة الزراعية الطبيعية.  يجب أن نتذكَّر هنا أنَّ الزراعة التي ورثناها لم تكن زراعة تبادلية، أيّ زراعة تستهدف إنتاج فائض سِلَعي كبير يتمّ تبادله من أجل النقود. صحيح أنَّ بعض كبار الملاَّكين كانوا يمثِّلون حجماً مهماً في الإنتاج وكانوا يبادلون إنتاجهم بالتالي في السوق، لكن أكثر المزارعين في الجبل كان إنتاجهم بهدف الاستخدام المنزلي حتى إذا حقَّق المُزارع فائضاً في بعض السنوات فإنَّه كان يلجأ إلى مبادلته في السوق المحلية بالنقود أو بأغراض عينية. وبهذا المعنى، فإنَّ نمط الزراعة الذي نراه اليوم كان ملائماً أكثر لاقتصاد اكتفائي وليس لاقتصاد تبادلي.
على العكس من ذلك، إنَّ ما نسميه اليوم أزمة الإنتاج الزراعي يُقصد به أنَّ المحصول الزراعي لم يعد كافياً لسدِّ حاجات المواطن الجبلي. وقد شهد هذا المواطن تضخُّماً مطرداً في الحاجات وفي مستلزمات العيش وتربية وإعالة الأُسرة، في وقت كانت إنتاجية الأرض تشهد تراجعاً حثيثاً سنة بعد سنة. إنَّ أزمة القطاع الزراعي تكمن إذاً في تبدُّل نمط الاستهلاك وحاجات الأُسرة والتي كانت في الماضي حاجات بسيطة، ويمكن سدّها عبر زراعة الكفاف أو الاكتفاء النسبي.
لكن السؤال المطروح هنا هو هل يمكن للزراعات التي كانت مناسبة لاقتصاد الكفاف أن تبقى مناسبة لاقتصاد تبادلي يحتاج فيه المزارع لأنَّ يبادل جزءاً من محصوله على الأقل مقابل نقد يُنفقه على حاجاته الأخرى التي وَلَّدها تضخّم الاقتصاد الاستهلاكي؟ علماً أنَّ الاقتصاد الزراعي التبادلي يتطلَّب الآن الالتزام بمواصفات مُعيَّنة، كما يفترض تحقيق إنتاجية عالية وخبرة في الطلب وفي الأسواق وخلق علامات تجارية وخبرات تسويق وترويج، وغير ذلك من المهارات الأساسية التي وعلى الأرجح نفتقدها إلى حدٍّ كبير.

على العكس من ذلك، فإنَّ المزارع الجبلي ما زال على العموم يزرع ما كان يزرعه الأجداد مع استثناءات قليلة تمّ فيها اختبار بدائل مُعيَّنة، كما حصل في “فورة التفاح” في الخمسينات ومطلع الستينات من القرن الماضي. وعلى الرغم من التطوّر الهائل على جبهة الطلب وتبدُّل أذواق المُستهلكين وتفضيلهم، فإنه لم تجرِ في الجبل حتى الآن أية دراسة شاملة لأحوال الزراعة تستهدف وضع مخطط توجيهي Master plan يساعد على تعيين الميِّزات التفاضلية للجبل (لجهة الدورة الزراعية والعامل الموسمي والقيمة المضافة وسُبل تدوير الفائض عبر عمليات المعالجة أو التصنيع، وغير ذلك من العوامل)، ولم يتمّ بالتالي وبصورة علمية تعيين الزراعات البديلة أو الرديفة ونوعية المنتجات ذات القيمة المضافة ومنهج الزرع وإدارة الأرض والتربة والبيئة؛ كما لم يتمّ تعيين حاجات التأهيل البشري والمهني واستكمال بُنية القطاع عبر مستوياتها أو حلقاتها كافة.
العامل الأهم المفقود هو استراتيجية الترويج واكتساب الزراعات الجبلية قوَّة العلامة التجارية القادرة على الانتشار في العالم. والمقصود هنا ليس فقط خلق العلامة التجارية لك، سلعة أو منتجاً لشركة أو تعاونية، بل خلق العلامة التجارية أو الهوية التجارية لزراعة الجبل بكاملها، بحيث يصبح الجبل مشهوراً بمجموعة من الزراعات أو المنتجات التي تجعل منه مقصداً لشبكات التجزئة أو المُصدِّرين أو المُستهلكين الذين قد يتوجَّهون مباشرة للتسوُّق في مراكزه التجارية المُتخصِّصة.
إنَّ النجاح الكبير لتجربة “جمعية أرز الشوف” قام على الإنجاز الأهم الذي تمثَّل في خلق العلامة التجارية، وكذلك خلق القيمة المضافة المرتبطة بالقيمة الغذائية للعديد من تلك المنتجات التي يتبع في إنتاجها أسلوب الزراعة العضوية. وقد أثبتت تجربة المحميَّة أنَّ هناك طلباً كامناً هائلاً على المنتجات العضوية، هو طلب  يتجاوز لبنان في الحقيقة إلى كلِّ بلدان العالم، وهو ما يمثِّل الآن قطاعاً ناشئاً وسريع النموّ لم يتمّ البحث في كيفية البناء عليه في إعادة توجيه الزراعات الشوفية أو زراعات الجبل بصورة عامة.

علينا لذلك أن نفتِّش بإخلاص عن أسباب تراجع مكانة الأرض وأن نواجه واقعنا الحالي بأمانة وجرأة، لأنه على هذا النوع من المواجهة الشجاعة والعلمية يتوقّف الكثير من مستقبل الموحِّدين ومكانتهم، بل وأمنهم ومناعة وجودهم للأخطار التي لم تدع لهم عبر التاريخ فرصاً طويلة للاسترخاء أو الاستقرار الوجودي.
نوّد التأكيد على أننا نطرح ملف الأرض بصيغة واقعية وعلمية تأخذ في الاعتبار التطوّر الذي طرأ على نمط اقتصاد الجبل بالذات، وعلى مصادر عيش الناس التي ابتعدت في معظم الحالات عن الزراعة ومتفرِّعاتها. وواقع الأمر هو أنَّ الجبل تغيّر وبصورة كبيرة في غضون العقود الثلاثة الماضية، أي منذ ما قبل اندلاع الحرب الأهلية. وهو تغيّر نتيجة لجملة من العوامل المُعقَّدة، منها انعكاسات فورة النفط في الخليج على مداخيل أهل الجبل الذين هاجر العديد منهم للعمل في تلك البلدان، ومنها تبدّل نمط الاقتصاد اللبناني باتجاه المزيد من السيطرة على اقتصاد الخدمات، وضعف التزام الدولة اللبنانية بالقطاع الزراعي غير الممثَّل أصلاً لا في مجلس النوَّاب ولا في المستوى الحكومي، ومنها فورة العقار التي رفعت أثمان الأراضي بحيث بات من غير المجدي، إلاَّ في حالات قليلة، تملّكها للأغراض الزراعية. تبدّل الجبل حتى كادت النشاطات الجديدة، مثل: الوظائف العسكرية والحكومية، أو العمل في قطاعات البناء والتجارة والتجزئة والمصارف وغيرها، تتحوّل إلى المصدر الرئيسي لعيش المواطنين، بينما تراجعت باستمرار حصة القطاع الزراعي من اقتصاد الجبل، وتراجعت بصورة كبيرة نسبة السكَّان الذين يعتمدون على عيشهم جزئياً أو كُلِّياً على نشاطات الزراعة التي جعلت الأرض المهملة أو المُعدّة وحدها لا تبدّل مجرى الأمور، بل يبدّلها فهم المشكلات فهماً صحيحاً ثمَّ العمل على بلورة البدائل والحلول، وتوفير السُبل لوضع تلك الحلول موضع التنفيذ.

في ندوة لرؤساء تعاونيات وخبراء زراعيين “الضحى” تسأل: لماذا تتعثَّر التعاونيات الزراعية في الشوف؟

ما هو واقع التعاونيات الزراعية في الجبل، ولماذا لم تتمكَّن معظم تلك الهيئات من تحقيق الغايات التي أُنشئت لأجلها؟ هل السبب هو في ضعف القاعدة الزراعية وتراجع المساحات والمصالح الزراعية التي تستند إليها تلك التعاونيات؟ هل هو في صِغر المُلكيَّات وعدم وجود فوائض تجارية كبيرة؟ هل هو في تأخُّر الزراعة نفسها وتراجع القدرة التنافسية للإنتاج الزراعي؟ هل هو في الفردية المفرطة وضعف روح التعاون والفريق بين الأعضاء المنتسبين، أم هو في ضعف الإدارة

نفسها وانشغالها عن التعاونية بشؤون أخرى، أم أنَّ المشكلة هي في الحقيقة مزيج من كلِّ تلك العوامل؟

الزراعي في الجبل، نظّمت «مجلة الضحى» ندوة في المكتبة الوطنية العامة في بعقلين تحت عنوان: “التعاونيات الزراعية في قضاء الشوف، المشاكل واقتراحات الحلول”، واستهدفت الندوة تعيين المشكلات التي تواجه عمل التعاونيات واستشراف وسائل المعالجة الممكنة. شاركت في الندوة السيدة جومانة كرامي، رئيسة مصلحة التعليم والإرشاد في وزارة الزراعة، والخبيرة الدكتورة فريال أبو حمدان، وممثِّلا تعاونية كفرنبرخ رياض جابر وحسن أبو عجرم، ورئيس التعاونية الزراعية في عمَّاطور محمود أبو شقرا، ورئيس التعاونية الزراعية في الباروك توفيق أبو علوان، ورئيس التعاونية الزراعية في كفرفاقود فؤاد نصر، ورئيس التعاونية الزراعية في بريح عبَّاس العلي، وممثِّل تعاونية الورهانية عفيف غانم، والناشط البيئي والخبير في الزراعات العضوية رائد زيدان.

السيدة كرامي: غياب المؤسسات يفوِّت فرصة الإفادة من المعونات الدولية

ستهلَّت السيدة جمانة كرامي مداخلتها بالحديث عن تركيز وزارة الزراعة الدائم على تشجيع المزارعين على الانضمام الى التعاونيات الزراعية القائمة من جهة، وانشائها في البلدات التي تفتقد الى مثل تلك التعاونيات؛ معتبرة أنَّ منافع التعاونيات لا تقتصر على الفوائد المادية للمزارع، بل قد تتعدَّاها إلى المساعدة في تسويق المنتجات الزراعية. ولفتت إلى أنَّ في إمكان التعاونية أن تعمل كمؤسسة تستهدف تحقيق الربح لأعضائها وهذا إذا ما أحسنت إدارتها، وقد أجاز القانون لها ذلك.
وإذ لفتت إلى أنَّ إقدام المزارعين الشوفيين على الانضمام الى التعاونيات الزراعية لا يزال خجولاً قياساً إلى أقضية أخرى، أعادت السبب إلى افتقاد التوجيه “السياسي” للمزارع للانضواء في عمل مؤسساتي هو بأمسِّ الحاجة اليه لتطوير انتاجه، وبالتالي المساعدة على تصريفه، خاصة اذا ما علمنا، أضافت السيدة كرامي، أنَّ الهبات والمساهمات الدولية التي تخصِّصها الدول أو المُنظَّمات غير الحكومية للقطاع الزراعي في لبنان وتوزّعها الوزارة على المناطق، لا توجِّهها إلى الأفراد بل إلى مؤسسات ذات إطار قانوني. إذاً، المزارع غير المنتمي إلى مثل تلك التعاونيات لن يستفيد من تلك التقديمات. مشكلة أخرى تعاني منها التعاونيات الزراعية في الشوف أضاءت عليها السيدة كرامي، وهي ضعف التسويق، مُحمِّلة إيَّاها المسؤولية لتخلُّفِها عن اللجوء إلى دراسة حاجات السوق وتوجيه المزارع إلى المنتجات المطلوبة، لأنَّه من المفترض أن ندرس ماذا تريد السوق ثمَّ نزرع ونبيع لها، وليس العكس. ولفتت السيدة كرامي في هذا المجال إلى النشرة التوجيهية التي أصدرتها وزارة الزراعة “GLOBAL GAP” لإدارة نوعية الإنتاج الزراعي بمواصفات عالمية، استفادت منها تعاونيات زراعية عديدة في مناطق لبنانية مختلفة، فضلاً عن نشرات يومية ودورية تصدرها الوزارة عبر غرف التجارة والزراعة والصناعة بالأسعار والمواصفات التصديرية والأصناف الزراعية المطلوبة التي تُرشد المزارع والتعاونيات الزراعية.

إلى ذلك، كشفت السيدة كرامي أنَّ تعاونيات الشوف تفتقد أيضاً إلى مفهوم العمل الجماعي، لتقتصر المهام على رئيسها وعضو آخر فيها فقط أحياناً؛ مع العلم أنَّ أنظمة إنشائها راعت تحديد الأدوار وتوزيعها على مجالس الادارة وهيئات الرقابة بشكل مُنصف. لكن المشكلة تبدأ عندما تتداخل الصلاحيات بسبب محاولات مصادرة الأدوار، وفي أحسن الأحوال نتيجة سوء الإدارة. وهنا يأتي الدور التوجيهي لوزارة الزراعة التي كانت لها تجربة ناجحة في هذا السياق مع التعاونية الزراعية في عمَّاطور. كذلك تحدَّثت السيدة كرامي عن تجربة ناجحة أخرى مع التعاونية الزراعية في بعقلين التي أنشأت معملاً حديثاً لإنتاج الصابون بمواصفات تصديرية.

بعض التعاونيات تحوّل إلى “كونتوار” خاسر بسبب تهرُّب المزارعين من تسديد القروض

أبو شقرا: تجربةٌ ناجحة في مجال عصر الزيتون

في مداخلته، ذكر رئيس التعاونية الزراعية في عمَّاطور محمود أبو شقرا الدور التوجيهي الذي تحدَّثت عنه السيدة كرامي، والذي أثمر عن إنشاء معصرة حديثة لزيت الزيتون في البلدة بمبادرة من التعاونية، حيث أنَّ عمَّاطور تعتمد إنتاجياً على زراعة الزيتون، ومعاصرها أصبحت قديمة العهد تعود إلى الستينات ولا تلبِّي الكمِّيَّات المُنتَجة، وبالتالي حاجة السوق المحلية. لكن أبو شقرا لفت إلى أنَّ هذه التجربة الناجحة لم ترتقِ بعد إلى مستوى تسويق الإنتاج إلى خارج البلدة، كما عبّر عن مصاعب كثيرة لا تزال تعترض التعاونية الزراعية في عمَّاطور، أهمها تقاعس المزارعين المنتمين إليها عن القيام بالمسؤوليات الملقاة على عاتقهم.

أبو علوان: افتقاد الرساميل يشلُّ عمل التعاونيات

اعتبر رئيس التعاونية الزراعية في الباروك توفيق أبو علوان أنَّ افتقاد الرساميل أو كيفية استخدامها إن وجدت، هو العائق الرئيسي في شلِّ عمل التعاونيات الزراعية في الشوف؛ كما أنَّ افتقارها إلى آلية لتحصيل ديونها من المزارعين، من العوامل المهمة في عرقلة عملها. كاشفاً في هذا الإطار عن ديون لتعاونية الباروك تبلغ أربعة عشر مليون ليرة، لم تستطع تحصيلها منذ ثلاث سنوات. ومع غياب أي صلاحية قانونية تخوِّلها استرداد ديونها، رأى أنَّ التعاونية تحوَّلت إلى دائن من دون جباية. إلاَّ أنَّ واقع الحال هذا، يضيف أبو علوان، لم يمنع التعاونية الزراعية في الباروك من المبادرة إلى إنشاء معمل تصنيع زراعي بتمويل ذاتي ومن مُتبرِّعين آخرين. وينتج هذا المعمل عصير البندورة، ودبس العنب، ومُكثَّف عصير التفاح. لكنه لفت إلى أنَّ المشكلة التي يواجهها هذا المعمل، تكمن في التصريف خارج البلدة، “إلاَّ أننا باشرنا الإعداد لدراسة تهدف إلى التحوُّل نحو الزراعات البديلة كالأعشاب الطبِّية”.

نصر: أين مشروع “مصرف التسليف والإنماء الزراعي”؟

وقال رئيس التعاونية الزراعية في كفرفاقود فؤاد نصر إنَّ الأولوية يجب أن تكون تفعيل ودعم التعاونيات الزراعية القائمة، وذلك قبل البحث في إنشاء التعاونيات المُتخصِّصة وفق التحوُّل نحو الزراعات البديلة كـ: الزراعة العضوية وغيرها. وتحدَّث في مداخلته عن أزمة تمويل تعانيها التعاونيات القائمة، تُشكِّل ثغرةً أساسية في تطوير دورها، مقترحاً في هذا السياق انشاء اتِّحاد تعاونيات زراعية للتكاتف والدعم المتبادل في الانتاج والتسويق، من دون اغفال الاستمرار في التفتيش عن مصادر تمويل، والدفع لتحقيق “مشروع مصرف التسليف والإنماء الزراعي” الذي اتُّخذ القرار بإنشائه، لكنه لا يلقى المتابعة الرسمية الكافية كي يبصر النور بحجَّة عدم توافر مصادر تمويله، بحسب رأي نصر.

زيدان: هيئات دولية دعمت مُبادرة لـ “جمعية أرز الشوف”

وقال الخبير الناشط في حقل الزراعات العضوية والبيئة رائد زيدان إنَّ الهيئات الدولية أظهرت استعدادها لتوفير الدعم المالي للمُبادرات الزراعية المحلية، خصوصاً في مجال الزراعات البديلة كـ: الزراعات العشبية، أو الصناعة الغذائية القروية التي تستخدم فائض المنتجات المحلية، وأعطى مثالاً على ذلك تجربة مرستي، حيث قام “البنك الدولي” وهيئتا التنمية الفرنسية والإيطالية بتمويل مشروع تقدمت به “جمعية أرز الشوف” لتأهيل وتجهيز مشغل لمربِّي النحل والسيدات اللواتي يعملن في تصنيع المنتجات الغذائية القروية وفق مواصفات الجودة الغذائية المعتمدة عالمياً، ومن ضمنها المُربيات والمُقطرات ومُكثَّفات العنب والبندورة والتفَّاح والمُجفَّفات. وأضاف زيدان إنَّ هذه التجربة تدلُّ على أنَّ التعاونيات في حدِّ ذاتها ليست حلاً ما لم تتمّ إعادة النظر في الخيارات الزراعية الحالية باتجاه مواكبة الحاجات الجديدة في السوق.

أبو عجرم: التعاون ليس من ثقافتنا

وأشار الخبير الزراعي حسن أبو عجرم إلى أنَّ المشكلة الأساسية في تجربة التعاونيات هي أنها لا تتعاون، لافتاً إلى وجود نقص في ثقافة العمل التعاوني الزراعي لدى المزارع الشوفي، وهذا على الرغم من اقتناع هذا المزارع بأنَّ التعاونيات الزراعية هي الملاذ الوحيد له، إن لم يكن الأخير، في ظلِّ غياب الدعم والارشاد الزراعيين الرسميين.

جابر: الفسادُ تسلَّل إلى بيئة التعاونيات

وافق الخبير الزراعي رياض جابر على أنَّ إخفاق التعاونيات الزراعية بشكل عام في الشوف، سببه غلبة المصلحة الفردية على روحية التعاون. ويعود ذلك، بحسب رأيه، الى انتقال عدوى الفساد من الطبقة السياسية الى المجتمع الزراعي. وروى جابر تجارب له في هذا السياق، خلال توليه سابقاً رئاسة التعاونية الزراعية في كفرنبرخ ورئاسة تعاونية مُربِّي الدواجن في الشوف. مشدِّداً على ضرورة ايجاد آلية للتسويق الزراعي مستقلَّة لكنها مكمّلة لمهمة التعاونية الزراعية، ومقترحاً في هذا الإطار، إمَّا إنشاء مؤسسات مُتخصِّصة بالتسويق الزراعي، او أسواق لتصريف الانتاج الزراعي تحمي المزارع من المضاربات غير المشروعة واستغلال الوسطاء.

العلي: تقهقر الزراعة انعكس بتراجع العضوية

رئيس التعاونية الزراعية في بريح عبَّاس العلي سلّط الضوء على مؤشر مهم يؤكِّد تراجع التعاونيات الزراعية وتقلُّص تأثيرها على المزارعين، وأعطى مثالاً على ذلك، ظاهرة التسرُّب الذي تشهده تعاونية بريح، والتي تقلَّص عدد المنتسبين إليها من ثمانية وستين مزارعاً الى أقل من خمسة وعشرين. وكشف أنَّ العديد من الذين تخلُّوا عن عضوية التعاونية فعلوا ذلك بسبب تخليهم عن نشاطهم الزراعي الأساسي وتحوُّلهم إلى قطاعات إنتاجية أكثر ربحية، الأمر الذي يطرح مجدداً إشكالية تصريف الإنتاج الزراعي في الجبل.

تفتُّت المُلكيَّات وضعف التنافسيَّة والنزعة الفرديَّة، من بين أهمِّ الأسباب التي أعاقت انطلاقة التعاونيات

 

 

كلمة شكر

تعاود مجلة “الضحى” الصدور وعلى أسس جديدة، الهدف منها توفير منبر جامع للطائفة ووسيلة تعبير فعّالة عن قضاياها والتقدم بأوضاعها في الوطن والمغتربات.

من أبرز التغييرات التي وفّرت للمجلة فرصة الانطلاق مجدداً هو الدعم المالي السخي الذي قدمته كوكبة من رجالات الطائفة الغيورين وذلك بهدف توفير نوع من الوقف المالي للمجلة، بحيث يتوافر لها في انطلاقتها الجديدة ما يكفي من الموارد المالية لاستقطاب المساهمات وإجراء الأبحاث والمبادرات ونشاطات النشر. وقد تشكّل من الإخوة الداعمين مجلس أمناء سيضطلع أيضاً بتقديم المشورة وأشكال الدعم التالية للمجلة، بحيث يدعم عمله عمل المجلس المذهبي الذي كان له أيضاً الفضل الكبير في إتخاذ قرار إعادة الصدور، كما تكرّم أعضاؤه الأفاضل بتوفير الدعم غير المشروط للصيغة والتي، إضافة إلى توفير القوة المالية، منحت رئاسة التحرير ثقتها والتفويض اللازم لتأمين إعادة إصدار المجلة وفق مقاييس الجدية والجودة التي تجعل منها منبراً رفيعاً للطائفة وقناة للتواصل والحوار داخل جماعة الموحدين وكذلك بينهم وبين المحيط الأوسع العربي والمشرقي والإسلامي.

إننا نتقدم بأسمى آيات الشكر والامتنان لذوي الغيرة من رجالاتنا الذين هبوا لتبني هذه المبادرة ودعمها بالمال والذين أدركوا الأهمية الكبيرة لسد الفراغ الإعلامي وتوفير محور للحوار والتواصل حول قضايانا الملحة. لقد أعطونا البشارة بأننا بخير والحمد لله وأن دم الأصالة والغيرية يجري في كيان هذه الجماعة الشريفة التي ندعو المولى أن يكلأها بالرعاية ويوفي أهل الخير فيها عظيم الأجر. ونودّ الإشارة إلى أن مجلس الأمناء ما زال في طور التكوين وأن عدداً آخر من رجالات العطاء والغيرة هم في طور إنجاز التزاماتهم تجاه المجلة وأن مجلس الأمناء سيكتمل قريباً بانضمامهم إليه.

نودّ بهذه المناسبة أن نكرر شكرنا لمجلس إدارة المجلس المذهبي للتعاون البنّاء والدعم الذي أظهره لمشروع إعادة إطلاق المجلة، ونخص بالشكر في هذا المجال سماحة شيخ العقل الذي كان له الدور الأهم في دعم صيغة العمل الجديدة والذي وبفضل صبره وحكمته أمكن للمسيرة أن تعاود الانطلاق على أفضل وجه.

جزاكم الله جميعاً خير الجزاء علـــى هذا الإنجاز الذي يكـــتسب أهمية كبـــيرة لأنه يوفّر لجماعة الموحدين الدروز وفي الظرف الدقيق الذين يعيشونه أداة للحماية والدفاع عن وجودهم لا تقل أهمية وفعالية عن غيرها من الوسائل. لأن الساحة الخاوية تستجلب الأطماع وكل أنواع الفكر الدخيل وشتى التأثيرات والمداخلات، ولأن الزمن ليس محايداً بل يعمل دوماً إما معك أو ضدك، فإذا كنا مع الزمن ومسرعين في مجاراته واستيعاب ما يدفعه في وجهنا من تحديات فإننا سنكون بعون الله في مأمن. أما إن بقينا خارج الزمن غافلين عن مجاريه لاهين عما يحاك منهمكين في مصالحنا الذاتية فحسب فإننا قد نفاجأ لا سمح الله، ويومها لا ينفع الندم ولا ينفع كل ما يجمع الإنسان من مال، لأن وجودنا سيكون في الميزان ولأن المرض سيكون عندها قد تفشى وبات عصياً على العلاج.

رسالة “الضحى” الجديدة هي درء محاذير الفراغ والسعي لتبديل أولويات إخواننا وأخواتنا وتبديل وجهة تفكيرهم من سلوك اللامبالاة إلى ذهنية العمل والمبادرة والتطوع. رسالتنا هي تعزيز روابط الأخوة, والوحدة لكن ليس الوحدة الكلامية بل الوحدة في العمل واستنهاض الهمم حتى يكون لكل موحّد وحسب ما يمتلك من إمكانات نصيب في خدمة الجماعة ويتوزّع بذلك الأجر وتتنزل الرحمة والعناية، والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه.

والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته

رشيد حسن

العدد 1