الأربعاء, نيسان 24, 2024

اشترك معنا للاطلاع والحصول على أحدث المقالات والأعداد

الأربعاء, نيسان 24, 2024

اشترك معنا للاطلاع والحصول على أحدث المقالات والأعداد

بحث ..

  • الكاتب

  • الموضوع

  • العدد

بَكّا حاضرةُ المجدِ القَديم

بَكّا حاضرةُ المجدِ القَديمآثارٌ نبطيّةٌ ويونانيّةٌ ورومانيّةٌ وإسلاميّةٌ
تجعلُ لها مكاناً على خارطة السّياحة الثّقافيّة

السّابقون نَشَدوا الأمانَ في منازلَ بعيدة عن الطّريق العامّ
وأهل الزّمان تنافسوا لمدّ بيوتهم حولها لمسافة 3 كلم

في بكّا خيول لا زالت تُستخدُم لحراثة الحدائق
بسبب نفور البعض من أضرار الفِلاحة المكيانيكيّة

الرّحّالة السويسري بركهارت
الدّروز اشتُهروا بشجاعتهم الشّخصيّة وعُنفوانهم.

مقام-منسوب-للنبي-سبلان-في-ابلدة-القديمة
مقام-منسوب-للنبي-سبلان-في-ابلدة-القديمة

تقع بلدة بكّا في الجانب الجنوبي الغربيّ من محافظة السّويداء على ارتفاع 1035 فوق مستوى سطح البحر، في منطقة وسط بين السّفوح الجبليّة الوعرة إلى الشّرق منها وبين سهل حوران إلى غربها. ومنذ أن عَرفت بكّا العمران في العصر النّبطي فقد ارتبطت بطريق يصلها بالمدينتين النبطيّتين الهامّتين بُصرى إلى الغرب منها على مسافة نحو 4 كلم، وصلخد إلى الشرق منها بنحو 16 كلم. وتبعد بكّا جنوباً عن مدينة السويداء مركز المحافظة نحو 25 كلم. وقد زحف عمرانها من مرتفع التلّة الأثرية النبطية، الرومانيّة، العربيّة الإسلامية؛ التي كانت بعيدة نسبياً إلى الغرب من الطريق العام الذي يربط بين السّويداء وسائر قرى المقرن القبلي من الجبل بحيث امتدت البلدة بطول 3 كلم شمالاً وجنوباً، وعرض نحو 2 كلم شرقاً وغرباً. وتتبع بكّا ناحية ذيبين، منطقة صلخد في محافظة السويداء.
يبلغ عدد سكان البلدة 4,700 نسمة، ويعني اسمها في لغة الأنباط، الدّير أو القريبة من القمر وفق ما كتب توفيق الصفدي في كتابه “جنوب الشام”. ويلفت النّظر التّشابه بين اسم بكّا (وتكتب أحياناً “بكّة”) وبكّة وهو اسم قرآني لمكّة المكرّمة ممّا يدلّ على قِدَم الاسم.

الشّواهد الأثريّة في بكّا
ترك الأنباط في بكّا آثاراً منها مازال قائماً إلى يومنا هذا كجدار السّور الشّمالي الغربي الذي يتميّز بحجارته الكبيرة، والعنابر ذات القناطر العالية داخل البلدة بالإضافة إلى أبواب حجريّة ومقابر تتضمّن كتابات إغريقية وأبراجاً بيزنطيّة وبقايا كنيسة حُوّلت إلى جامع بعد الفتح العربي الإسلامي، ومقبرة ترجع إلى القرن الثاني الميلادي. وقد وُجدت في دار تركي أبو بكر بئر عميقة وقربها مغارة ضمّت عظاماً وتوابيت حجرية ترجع للعصر الرّومانيّ، وبئراً أُخرى في مشاع البلدة.
ومن آثار بكّا أربع برك كانت تصلها مياه الشّتاء من وادٍ يتّصل بأعالي قمم الجبل، اثنتان منها تقعان شمال شرق البلدة القديمة وفي إحداها نبع ماء غير سيّال لا يجفّ، وبركة في جنوب القرية القديمة تمّ ردمها وأنشئت مكانها مدرسة، وبركة أخرى تقع غرب القرية. كما سكن الغساسنة بكّا قديماً، وقد دانوا بالمسيحية في ظلّ حكم امبراطورية الرّوم البيزنطيّين بعد حلولهم في البلاد محل دولة الأنباط.
ومن الأوابد الأثريّة في بكّا مقام يُزار هو “مقام النّبيّ سَبَلان” المُعاد ترميمه، وآثار جامع قديم منسوب لعهد الخليفة عمر بن الخطّاب، وبابان منحوتان من الحجر البازلتي (حَلَس)، يعتَقد أنّهما جزء من بناء لكنيسة قديمة وقربهما قناطر أثريّة. وآثار في الدّار القديمة للمجاهد صيّاح الأطرش رفيق سلطان في جهاده ودار جدّه سلامة المشهور بـ “سمّ الموت” وهي دار مبنيّة على طبقات مُتراصفة فوق بعضها لآثار تبرز منها أعمدة وتيجان حجريّة وزخارف وكتابات تعود لعصر الأنباط والعصر الرّوماني والمسيحي البيزنطي.
وتظهر بكّا للرّائي من بعيد على شكل تلّة تشبه تلال القرى الأثرية في الجزيرة السّورية وبلاد ما بين النّهرين، وذلك لتعاقب العمران على أرضها في عصور سالفة تعود لأكثر من ألفي عام.

الشيخ-أبو-علم-الدين-جميل-بدرية-يحضر-القهوة-للضيوف
الشيخ-أبو-علم-الدين-جميل-بدرية-يحضر-القهوة-للضيوف

لمحة تاريخيّة
يذكر بركهاردت الرّحالة السويسريّ المكلّف من قبل بريطانيا باستطلاع بلاد العرب وهو الذي زار جنوب سوريا عام 1811 أنّ بكّا كانت خَرِبة خالية من السّكان،( ورد ذلك في ترجمة لسلامة عبيد عن كتاب “جبل حوران في القرن التّاسع عشر…”، وهكذا فإنّ الفضل في إحياء العمران الثّابت والمستقرّ في سائر قرى جبل حوران يعود لدور بني معروف الموحّدين، ذلك أنّ البدو الذين توارثوا تقاليد الغزو عبر التاريخ وبخاصة قبيلة عَنًزًة التي كانت ترتاد البلاد أواخر فصل الرّبيع من كلّ عام قادمة من بوادي شبه الجزيرة العربية (الرّوَلة ومن يتّصل بهم)، كانت تُرْهِبُ فلاّحيّ البلاد، وبَدْوَها، وحتى أولئك البدو الذين يقطنون في وعور اللّجاة شمال غرب الجبل، وكلّهم كانوا رعاة يأنفون التّحضّر والعمل في الزّراعة ويترحّلون طلباً لمراعٍ لماشيتهم إذ كانوا يرعون في براري الجبل في موسمي الرّبيع والصّيف، وفي ذلك يقول بركهاردت في مُتَرجَم سلامة عبيد ص 37 “كان بدو اللّجاة يخافون من تخطّي حدود وعرهم بسبب حالة القتال المستمرّة بينهم وبين قبيلة عَنَزة القويّة من جانب، وبينهم وبين حكومة دمشق (العثمانية) من جانب آخر، بينما تتحاشى عَنَزة الاقتراب كثيراً من اللّجاة خوفاً من السّطو على مواشيها أثناء اللّيل وخوفاً من بنادق البدو الذين يسكنونه ويحتمون في كهوف ووعور موحشة تجهلها قبيلة عنَزة الصّحراويّة.
“أما العمّال في مصانع البارود (في القرى الخَرِبة المحاذية لِلّجاة إلى الشرق منها)، فقد كانوا من الدروز الذين اشتهروا بشجاعتهم الشّخصيّة وعنفوانهم… وهذا ما كان يحدو بالبدو تحاشي الاقتراب منهم”. إنّ هذه الشهادة العيان من الرّحّالة بركهاردت تؤكّد للباحث بأنَّ إقامة حياة حضرية راسخة في بكّا وفي سائر حواضر جبل حوران وقعت على كاهل بني معروف الموحّدين وما بذلوه من تضحيات لتثبيت حياة زراعيّة مستقرّة في الجبل.

بنو معروف يرسِّخون عمران بكّا
مع توطّن عشيرة آل الأطرش المعروفيّة في القريّا المجاورة لِـ “بَكّا” اكتسب التحضّر وضعاً أكثر رسوخاً في القسم الجنوبي لجبل حوران، وهكذا فقد نزل آل الحمّود وهم فرع من العشيرة الأطرشيّة في بكّا، ومن المرجّح أن يكون ذلك قد حصل نحو أواسط القرن التّاسع عشر أو قبله بقليل، إذ استقرّ فيها سلامة الحمّود الملقّب بـ “ سلامة سمّ الموت” لشدّته في مجابهة المتعدّين على الحياة الحضريّة وقِيَمها، تلك القِيَم التي فَرضها الموحّدون في ديار أفرغتها من السكّان عوامل الخراب وفي طليعتها الغزوات البدويّة وانعدام الأمن لغياب سلطة الدّولة عن الأرياف البعيدة عن دمشق عاصمة الولاية، فضلاً عن الجفاف الذي يضرب المنطقة بين عام وآخر (ولم يزل)، وموجات الجراد.
لم يكن أمام بني معروف إلا الاستقرار في هذا الجبل المنيع بعد أن اضطُرّوا لعوامل مختلفة إلى الهجرة إليه تاركين موطنهم السابق في جبل لبنان (وكان يدعى “جبل الدروز” ) وقد كانت العوامل الأهمّ هي الصّراعات السياسية في جبل لبنان وانعكاساتها منذ معركة عين دارة ثم جاء الاضطهاد الشهابي في ظلّ حكم بشير الشّهابي الثّاني ثم الحرب الأهليّة عام 1860وما تبعها من تدخّلات فرنسية أوروبّيّة ضدّ الدّروز في أوضاع جبل لبنان حتى الاحتلال الفرنسي عام 1919. لكن أضيفت في ما بعد عوامل الهجرة الطّوعية لأسباب اقتصاديّة واجتماعيّة وعائليّة أو لغيرها من الأسباب، وقد يسّر ذلك أنّ لبنان وسوريا كانا لفترة طويلة وحتى ما بعد الاستقلال يمارسان سياسة الحدود المفتوحة لمواطنيهما الأمر الذي جعل انتقال الأشخاص والأسر ممكناً من دون عوائق.

وسط-البلدة-ويبدو-مبنى-المجلس-البلدي
وسط-البلدة-ويبدو-مبنى-المجلس-البلدي

الأسر في بكّا
من العائلات المعروفيّة التي توطّنت في بكّا إلى جانب آل الحمّود الأطارشة أقاربهم آل المعّاز وعويضة وأبو دقّة وإلى جانبهم توافدت عائلات عديدة كآل الباسط (أصلاً أبو خزام من كفرحيم في جبل لبنان)وأل عطا الله، وآل مراد وأبو محمود وينتمون لآل مراد وآل أبو حجيلي والجاسر وآل الحرفوش وحديفة وآل مهنّا وأبو أحمد وآل بدريّة وأبو بكر وآل نفّاع وآل السلمان طربيه، وآل بلّان والنّجم وعمّار ورزق والظلّي، وآل الحكيم والمؤيّد (في الأصل آل صعب) وآل غبرة (أصلاً: أبو الحسن) وآل فرح، وكلّها أُسر تنتمي إلى بني معروف.

صياح الأطرش، شيخ بكّا وهم: مزيد أبو بكر وفارس أبو محمود مراد وجدعان المعّاز…

صياح الأطرش، شيخ بكّا وهم: مزيد أبو بكر وفارس أبو محمود مراد وجدعان المعّاز...
صياح الأطرش، شيخ بكّا وهم: مزيد أبو بكر وفارس أبو محمود مراد وجدعان المعّاز…

بلدة أثرية

تحتوي بكّا على ثروة كبيرة من الآثار التي تعود إلى عصر الأنباط لأكثر من ألفي عام في البلدة وتتابعها في العصر الرّوماني والبيزنطي ــ الغسّاني والعربي الإسلامي، الأمر الذي يؤهّلها لأخذ مكانها على الخارطة السّياحيّة السّوريّة فيما لو أُخذ هذا الأمر بالجدّيّة اللازمة من قبل مواطنيها ومن قبل الجهات الحكوميّة المختصة. ويشير عالم الآثار الدكتور علي أبو عسّاف في ص 16 من كتابه “الآثار في جبل حوران” إلى أنّه في قرية صماد الحورانيّة على مسافة 3 كلم إلى الغرب منها وجدت آثار أدوات استخدمها الإنسان القديم تعود للعصور الحجرية التي تمتد بين 12000 و 4000 سنة قبل الميلاد.

بلدة الشهداء
بالاستناد إلى سجلّ محفوظ في بلديّة بكّا تبيّن لنا أسماء 16 شهيداً قضوا في المواجهات خلال العهد العثمانيّ بينما سقط للقرية في مواجهة الاحتلال الفرنسيّ خمسة وعشرون شهيداً قال فيهم الشّاعر الشّعبي للثّورة السّورية الكبرى الشّاعر صالح عمار أبو الحسن:
رجال بـكّـــــــا بيِغِلْبوا ومـــــــــا يُغْلَبـــوا فرسان من صَوْت المدافع يطربوا
قيدومهم صيّاح في يوم الوغى يَوْمِ اِن على ظَهر السّلايل يركبوا
ويسمّي الدّكتور عبدي صيّاح الأطرش مجاهدين من بكّا “واصلوا جهادهم في المنفى”، إلى جانب قادة الثورة ورفيقهم صياح الأطرش، شيخ بكّا وهم: مزيد أبو بكر وفارس أبو محمود مراد وجدعان المعّاز…

اقتصاد البلدة
تبلغ مساحة الأراضي المزروعة في بلدة بكّا نحو 14,000 دونم تُزرع بالقمح والشّعير والحمّص والعدس والفول. ومن أهمّ الأشجار المزروعة في بكّا الزّيتون، يليه اللّوزيات والكرمة والتّين وغيرها من الأشجار كالفستق الحلبي والتّوت والجوز والرّمّان والإجّاص ومعظم هذه الأشجار تُزرع في الحدائق المنزليّة حيث يتوفّر لها الماء من شبكة مياه الشّرب.
وهناك 18,350 دونم مصنفة كأراضٍ وعرة وتُعتبر من أملاك الدّولة، ولكنّ هذا حرم أهالي القرية من استصلاحها والإفادة منها لأنّ التكنولوجيا الحديثة يمكن لها أن تستصلحها وتُدْخلها في مجال الإنتاج الزراعي. وتهتمّ العديد من الأسر في القرية بتربية الماشية سواء لحاجة المنزل أو بهدف تحقيق دخل إضافي من ذلك تربية الأبقار المحسّنة وتُرَبّى الأغنام والماعز بالمشاركة مع رعاة من البدو وهذا بالإضافة إلى تربية الطيور الدّاجنة. ومن مصادر الدّخل الإضافية التي تدعم معيشة الأسر في الظّروف الحاليّة العمل في دوائر الدّولة أوفي القطاع الخاصّ وكذلك تحويلات العاملين في الخارج من أبناء البلدة إلى ذويهم وهذه تشكّل مصدرا هامّا من مصادر الدّخل الأسريّ..

تربية الرّاماج
الرّاماج نوع من العصافير الجميلة المتنوّعة الألوان التي تتراوح من الأخضر إلى الأزرق والأصفر والنّيلي والأحمر. والماوردي منه والمشجّر (روز) هما الأغلى ثمناً فزوج الصّيصان منهما يبلغ سعره نحو 15000ل.س، وهو طائر شرس لدرجة أنّه يفرم بمنقاره شبك منخل السّلك غير المُفولذ ويفتح ثغرة فيه ليهرب من خلالها لذا لا يؤمَن لضربات منقاره، فنَقْرَة منه تُدمي وتؤلم لفترة من الوقت، ويشكّل الرّاماج دَخْلاً إضافياً للأسرة في بكّا التي أعدّت في منازلها مئات الغرف التي خصّصت لتربية عصافير الرّاماج.
ويربّى الراماج في غرف خاصّة واسعة نسبيا ومزودة بنوافذ للتهوئة، وتتّسع الغرفة الواحدة إلى 10 ــ 20 زوجاً من الرّاماج، وكلّ زوج يعطي 4 إل 6 صيصان كلّ شهرين ونصف الشّهر تقريباً، والعدد المثاليّ 4 صيصان. ويعطي الصّوص أفراخاً بعد 7 شهور من نقفه البيضة. وزوج الرّاماج يُعتبر بالغاً في عمر 5 إلى 7 شهور، ويدعى “مخلوف” وسعره من 7000 إلى 8000 ل.س، أمّا الزّوج الأكثر بلوغاً فيُدعى بـ “العتقي” سعره فوق 10000 ل.س ويكون عمره أكثر من سنة. وعموماً فإنّ الزّوج الواحد يعطي بالسّنة 4 أفواج. ويُباع الرّاماج لتجّار متخصّصين يأتي أكثرهم من حلب، ويبلغ متوسّط إنتاج الغرفة الواحدة ما يعادل 100$ أمريكي شهرياً. ولكنّ الأحداث في حلب تسبّبت بهبوط أسعار الرّاماج عن مستواها المألوف. وقد كان يتمّ تصديره منها إلى تركيّا لشركة “راماج” حيث يستفاد منه في صناعة مستحضرات التّجميل بالدرجة الأولى.
ويفيد السيّد جهاد الزاقوت أبو الحسن وهو أحد مربّي الرّاماج، بربحيّة تربية هذا النّوع من الطّيور ولكنّ الأمر يحتاج للدّراية الكافية تجنّباً للخسارة، فالرّاماج يتعرّض لتعفّن الأعشاش بسبب كثرة الأفراخ، كذلك يُصاب بالطّفيليات ومنها النَّمَس وهي حشرات بالغة الصّغر (تظهر بوضوحٍ بالضّوء) وهي تقتل الأفراخ الصّغيرة، ويتمّ تعفيرها بالمبيدات الحشرية.
ويتغذّى الرّاماج على حبوب الدُّخُن والقمح المبلول من يوم لآخر لأكثر (خوفاً من التعفّن)، وبزر دوّار الشّمس والذّرة الصّفراء المبلولة وعلى بيض الدّجاج غير البلديّ.

تربية-طيور-الراماج-أوجدت-مصدر-دخل-إضافي-للأسر-في-بكّا
تربية-طيور-الراماج-أوجدت-مصدر-دخل-إضافي-للأسر-في-بكّا

خيول .. في عصر التّكنولوجبا
وعلى الرّغم من التّطوّر التّقني في الزّراعة التي أصبحت تعتمد الآلات الحديثة فلم تزل في بكّا أربعة خيول لحراثة الحدائق والمساحات المحدودة بواسطة المحراث الرّوماني القديم، ويَعْتَبرُ زبائن هذا النّمط من الحرث بحكم تجربتهم العمليّة أنّه أكثر جدوى من الحراثة الآليّة التي ترصّ التّربة وتعيق تهويتها ممّا يضعف إنتاجيّتها. كما أنّ الآليّات الزّراعيّة الخفيفة كالفرّامة لا تنزل عميقاً في التّربة وذلك بخلاف سكّة المحراث الرّوماني القديم التي تشقّ التّربة وتحافظ على رطوبتها ولا ترصّها، لأن رصّ التّربة بتأثير دواليب الجرّار يجعل القسم الواقع تحت التّربة المحروثة من الأرض كالبلاطة التي تمنع التُّربة من امتصاص الماء والرّطوبة الجوّيّة، كما تعيق حركة الجذور فيها لتصلّبها!.

توسّع البلدة
بنيت منازل القرية القديمة على مسافة مئات الأمتار من الطّريق العام، الذي يصل بين قرى المقرن القبلي من الجبل والسّويداء مركز المحافظة، لأنَّ النّاس لم يكونوا يرغبون في الماضي بمرور القوافل والقوات العسكريّة بين بيوتهم، ولكن بعد الاستقلال عام 1945 أخذ العمران يقترب تدريجيّاً من الطّريق العامّ وتجاوزه باتجاه الشّرق باتّجاه قرية حوط. ولكنّ امتداد عمران القرية الحديث اللّافت للنّظر هو امتدادها الطّولي لنحو ثلاثة كيلومترات بمحاذاة الطّريق العام الذي يصلها ببلدة ذيبين جنوباً وإلى جهة الشّمال حيث تقاطع طريق بصرى غرباً وصلخد شرقاً. وتكتسي القرية الحديثة باللّون الأخضر لوفرة الحدائق المنزليّة وفائض المياه التي تُسْتَجرّ من الآبار الارتوازية التي توفّرها الدّولة للمواطنين. ولكنّ المُقلق هو هجرة الأيدي العاملة والهجرة الدّائمة وخاصّة خلال الأحداث الدّامية التي ألمّت بسورية بعد عام 2011 وما تلاه إذ يندر أن تجد بيتاً ليس منه مهاجر أو نازح أو مغترب.

علي عبيد

المُجاهد والشّاعر عَلي عبيد
ابن عاليَه وأمين سرّ الثّورة السّورية

“ما رأيتُه ورأيتُ نضرة الجهاد في صباحة وجهه، وجمال الصّبر ورزانة العقل إلّا حَسِبْتَي أمام صحابيّ من أولي العَزم الذين أنبتتهم الجزيرة وتتلمذوا لأبي القاسم (ص) وجعل منهم الإيمان عباقرةَ رجولة وبطولة”.
(المجاهد الفلسطينيّ أكرم زعيتر)
يعتز آل عبيد بانتمائهم العروبيّ العريق، فهم يعودون أصلاً إلى عشيرة عربيّة يمنيّة، وإلى ذلك يشير يحيى عمّار صاحب كتاب الأصول والأنساب إذ يذكر أنّ من أسلاف آل عبيد الأحنف بن قيس الذي قال فيه معاوية بن أبي سفيان إنّه: “إذا غضب غضب لغضبته مائة ألف سيف من بني تميم ولا يدرون لماذا غضب”..ومنهم عاصم الشّاعر المعروف بالفرزدق المشهور بمحبّته لآل البيت وعلى منهجه اعتنقت جماعة منهم الإسماعيليّة الفاطمية ثمّ … الحاكميّة فيما بعد”.

أسرة عربية عريقة
كانت الجماعة التي استجابت لدعوة التّوحيد من آل عبيد تُقيم في شماليِّ سورية أيام هجمة الفرنجة على الشّرق الإسلامي في ما سمي “الحروب الصّليبيّة، وهناك قاتلوا إلى جانب الأمراء المعنيّين ضدّ الفرنجة عام 1110م. لكن بسبب غياب الوحدة بين صفوف المدافعين لتنازع سلاطينهم وملوكهم آنذاك فقد كانت الغَلَبة للفرنجة في تلك الحملة، فذهب آل عبيد مع المعنيّين إلى طغتكين السّلجوقيّ حاكم دمشق الذي بعث بهم إلى ثغور السّاحل الشّاميّ في لبنان، ونزلوا أخيراً في بلدة حمّانا، وفيما بعد انتقلوا إلى بلدة عاليه بعد نزاع مع المقدّمين من آل مزهر. وقد انتشرت فروع منهم إلى جهات عديدة، ورجع بعضهم إلى مذهب السنّة كآل عبيد الذين سكنوا في غوطة دمشق في جهات المعظّمية، أمّا آل عبيد الذين سكنوا في أشرفيّة صحنايا فلم يزالوا على مذهب التّوحيد.
كما نزح آخرون منهم إلى مدينة بيروت واستقرّوا في حارة ساقية الجنزير ومنهم اليوم آل الضّاروب، ويذكر حنّا أبو راشد أنّه في عام 1870 بعد الحملة الفرنسية على جبل لبنان، نزح علي عبيد مع ولديه حسين واسماعيل إلى جبل حوران ونزلوا في مدينة السويداء ولم تزل ذرّيّتهم فيها إلى يومنا هذا.

“كان علي عبيد أحد المجاهدين الذين دخلوا دمشق بقيادة سلطان باشا الأطرش في 30 أيلول عام 1918 ورفعـوا العلم العربي فوق ســراي المدينة”

شخصيّة صلبة
ولد علي بن حسين عبيد عام 1865 في بلدة عاليه الواقعة في قلب جبل لبنان، وفيها تعلّم القراءة والكتابة، وكانت تلك فترة صعبة على بني معروف بسبب الحملة الفرنسيّة الظالمة على جبل لبنان بحجة حماية المسيحيين، وقد ترافق دخول القوات الفرنسية بقيادة الجنرال بوفور بحملات تنكيل بالسّكان الدروز، وشهدت تلك الفترة موجات نزوح كبيرة من جبل لبنان ووادي التّيم إلى جبال حوران التي بدأ الدروز بالهجرة إليها قبل أكثر من قرن ونصف من ذلك التاريخ. وكان والد الطفل علي من الذين قرروا في تلك الظّروف النّزوح إلى السّويداء في “جبل الدّروز” كما أصبح يُدعى آنذاك. ولمّا كان الوالد حسين عبيد متمكّناً من القراءة والكتابة فقد تسلّم رئاسة بلديّة السويداء عام 1890، أمّا ولده عليّ الذي حمل اسم جدّه فقد كان في عام 1910 يعمل كموظّف جباية في ماليّة السّويداء وذلك حسب محمّد جابر في كتابه “أركان الثّورة السّورية الكبرى 1925 ــ 1927”.

علي-عبيد
علي-عبيد

شارك عليّ في الحرب الدامية ضدّ حملة سامي باشا الفاروقيّ على الجبل، وفي معركة الكفر ضد العثمانيّين اتّهم بقتل قائد الحملة العثمانيّة التي توجّهت إليها وهو ابن أخت سامي باشا ففرّ متخفّياً إلى لبنان بإيعاز من رشيد طليع الذي كان يشغل آنذاك وظيفة متصرّف (قائمّقام) درعا، وعلى أثر ذلك توثّقت عُرى الصداقة بين الرجلين المجاهدين.
وبعد تراجع الحملة العثمانيّة عن الجبل بـتأثير نُذُر الحرب العالميّة الأولى التي كان الأتراك يستعدون للانخراط فيها كحلفاء لألمانيا خفّت وطأة الحكم التّركي على بني معروف، فرجع عليّ إلى الجبل حيث أتيح له أن يشهد بوادر الثّورة العربيّة على الحكم العثماني وأن ينخرط في صفوف المناضلين في سبيل تحقيق حلم الدّولة العربية بقيادة الملك فيصل الأول، وكان المجاهد الشّاب على عبيد أحد أفراد مجموعة المجاهدين الذين دخلوا دمشق بقيادة سلطان باشا الأطرش في 30 أيلول عام 1918 ورفعوا العلم العربيّ فوق سراي المدينة قبل وصول القوّات البريطانيّة إليها.
بعد استتباب الأمر للقوات الفرنسية بدأ التوتر يتصاعد بينها وبين الوطنيين السّوريين وخصوصا في جبل العرب وتحول تفكير هؤلاء إلى كيفية تنظيم المقاومة ضدّ الاحتلال الفرنسي، ومن أجل ذلك أقام رشيد طليع ومساعده نبيه العظمة عام 1920 نحو أربعة أشهر في منزل علي عبيد في السّويداء الذي تحول إلى مقرّ نشط لرفض دخول الفرنسيّين إلى سوريا. وكان رشيد طليع، بحكم مقدرته التّنظيميّة، يطلب مِمَّن يوافقه الرّأي أن يقسم يمين الإخلاص للوطن وأن يتعهّد بتقديم كلّ ما يملك من أجل طرد المستعمرين من البلاد والعمل على استقلال الوطن السّوري.
وكان الفرنسيّون يدفعون أموالاً جزيلة لكسب أنصار لهم ممّن كانوا في الصّف الوطنيّ إلى جانب سلطان باشا والنّخبة من الوطنيّين ممن التفّوا حوله، ولما كان علي عبيد شاعراً فارساً وسياسيّاً وطنيّاً فقد أغاظه تقلّب بعض الوجهاء الذين حَنثوا بيمينهم، فتناولهم بقصيدة لاذعة توثّق الموقف السّياسي في تلك الفترة العصيبة من تاريخ الجبل، إذ قال فيهم:
قلت آه ثـــمّ اَوّاه عـــقلي أنــــــــــــــــا ويـــــن
عقلي حسب لي الناس فيهم أمانه
عقلي حسب لي الناس في عندهم دين
ثــــــــاريه بعض النـــــــــــــــــاس ما لْهم ديــــــــــانه
يــــــــاحيف يـــــــــا دروز الجبــــــــــل كيــــف خِبْليـن
خــافــــــــــوا ونامـــــــــوا وسلّمـــــــوا للإهـــــــانـــه
البعـــــــض من أجـــــل الدّراهم مْطيعيــــن
البعض خافوا خوف ذلّ وجبانـــــــه
والبـــعـض لابـــــــــــــــــــــح لَقْعـــــود الدّواويـــــــــــــــن
لاجــــــــل الوظـيفـــــــــــــــــة مِعتمـــــــل للخـيــــــــانه1
الــعــــــــزّ مطلـــوب النّــــــــــداوي الشّهيمــــــــــين
والمـوت أهـون مــــــــــــن شماتة عِدانــــــــــــــا2
الــــذّل حـايــــــــــــق بـــــــــــــالــــرّجـــــــــال الــرّديـيـــــــــــن
مثـل الـهتيــمي ملــــــــــــــوبــداً في مكانــــــــــــــه3
كان علي عبيد ورفاقه إلى جانب سلطان، فريقاً من بني معروف ذوي ميول عروبيّة خالصة، هالهم ما جرى في ميسلون وعملوا صفّاً متراصّاً بهدف طرد الفرنسيين من سوريا وتحقيق استقلالها في إطار دولة مدنيّة عنوانها “ الدّين لله والوطن للجميع”، ومن هنا كانت وفادة علي عبيد من قبل سلطان باشا إلى الأردنّ وهناك قابل الضابط حسيب ذبيان الذي كان قد طلب حضور المجاهد علي إليه في السّلط كونه قائد منطقة السّلط هناك، ومن ثمّ التقى علي برشيد طليع، كان الرّجلان حسيب ورشيد، من مجموعة “الضبّاط العرب الذين اشتركوا في معركة ميسلون وواصلو نضالهم في تأسيس إمارة شرق الأردنّ باعتبارها ميداناً للثّورة العربيّة الكبرى “حسب تيسير ذبيان في كتابه:”حسيب ذبيان في ذاكرة الثّورة العربيّة، ص 86”.

علي عبيد يتوقّع اندلاعَ الثّورة
كان علي عبيد قد ردّ على رسالة هلال عزّ الدّين بقصيدة تحمل طابعاً نبوئيّا ينذر بنشوب حرب ــ ثورة في سوريا وذلك قبل نشوب الثّورة وصيرورتها أمراً واقعاً بمدة من الزّمن، إذ كان علي عبيد بحسّه الوطني يستشفّ ما تحمله آنذاك الأيام الحبالى بإرهاصات الثّورة القادمة لكون الفرنسيّين مزّقوا البلاد السّوريّة إلى دويلات ضدّ إرادة شعبها، وهو لا يرى خَيْراً بما اصطنعوه من دولة أسمَوْها “دولة جبل الدّروز” ومن هنا يتّضح لنا عمق رؤية الرّجل من خلال رَدّه على شكوى صديقه هلال عزّ الدّين الحلبي وعلى تساؤله وقلقه على المصير الوطني العام… وممّا جاء في قصيدته تلك:
أنــــــــــــا بعينـــــي شـــــايــــــــــف الكــــــــــلّ نســــــــــــــوان
وهـــذي الزّمرة فـــــرّق الله شظاها
بــأوراق ســـوري تشتري كل إنســـــــــان
لـــو كان خاتــم كتب الله وْقَراهــــا
إن طعتني اصبر لْيا ما بعــد نيســـان
لْيــا مـــا يبيّــن صيفها من شتاهـــــــــــــا
آني أشـــــوف بمنظـــــــــــر العقــل يــــا فـــلان
لابــــــدّ مـــــــــــــن يــــــــــــــــــومٍ يــــــــلعلـــــــــــع حِـــــــــــداها
ثم يطلب منه أن يَتَروّى وأن يوثّق علاقاته برفاقه والذين يثق بهم، ويعرف حالتهم وتذمّرهم مما آلت إليه الأمور ليكونوا مستعدّين للقيام بالثورة.
وإلى جانب نشاطه التّحضيري السّرّي للثّورة المرجوّة كان علي عبيد يقوم بوظيفة رئيس كتّاب في الحكومة التي رأسها الأمير سليم الأطرش وبعد وفاة الأمير سليم شغل وظيفة رئيس محكمة صلح السّويداء بين 1920 و 1922 في حكومة دولة جبل الدّروز التي رأسها الكابتن كاربييه. وبحكم أعماله الوظيفيّة تلك كان يطّلع عن كثب على دقائق سياسة كاربييه الذي كان يلقب نفسه غروراً بـ “امبراطور جبل الدّروز”.
يقول علي عبيد في معرض توصيفه لوضع الجبل المنذر بنشوب الثّورة مبيّناً لهم حقيقة المعاناة باختصار وتكثيف شديدين:
ربّك حَكَم بــــالدّور لَاهل السـّــفــــــــــــــالـــــــــي
دورٍ قَصيـــــــــــر وبفتــكـــــــر زَرعـهم قاس4
ربّك كــــريم ومــطّلـــــع عــــــا كـــــــــلّ حالــــــــي
وبعد الحصيدة يـــــــــا فتى مَوسم دراس5
خلّيـــــك فــــــــــــــــــــرز ومحتــــــــــرص عَ الخْيــــالــــــــــي
ولابــــدْ يومــــــــــــاً ينتصــــــــــب فيه بَرْجاس6
حــــالــــــــــة جبلنــــــــــا اليـــــــــوم كلّــــــــــه خَـــجـالــــــــــــــــــــــــي
أكبــــــــر رجــــالــــــــــه للــطّـــــــرق عاد كـنّــــاس7
اللّـــــــــي يعـــــــــزّ النّفــــــــــــس يـْــــــــــــــــــذلّ الامـــــــوالِ
ونشـــر الكتابــــــــــة عَ الملا وسائـــــــــر النّـاس8
ويفيدنا على عبيد أنّ كاربييه الذي كان يقدّم نفسه حاكماً محرّراً لجبل الدّروز كان في حقيقة أمره لِصّاً. حيث يقول: “مؤخّراً حصل الكابتن كاربييه على إجازة مدّة ثلاثة شهور وذلك على أثر استحواذه على ثمانية آلاف ليرة أخذها من صندوق الحكومة مدّعياً أنّه سيضعها في البنك الزّراعي فاستبدل خمسة آلاف ليرة منها بورق سوري وضعه في البنك المذكور وثلاثة آلاف ليرة ألفان ضمّها بالجيبة وألف ليرة اشترى فيها سجّاد قدّمها لحضرة الجنرال ساراي من أجل أن يبقيه حاكماً على جبل الدّروز”.
كان الفرنسيّون قد نَفَوْا إلى مدينة الحسكة في أقصى الشمال السّوري، مجموعة من الشّخصيات الذين كانوا يرَوْن أنّهم يحرّكون الرأي العام في الجبل ضدّ مظالمهم، وكان علي عبيد واحداً منهم وهناك

احتضنهم زعماء العشائر العربيّة بدافع من حسّهم العروبي والوطني السوري.

مجاهدون-يرقصون-رقصة-الحرب-ويطالبون-باستقلال-سوريا-عشبة-الثورة-عام-1925
مجاهدون-يرقصون-رقصة-الحرب-ويطالبون-باستقلال-سوريا-عشبة-الثورة-عام-1925

 

“مضافات الجبل تحوّلت قبل الثّورة إلى مقرّات لتشكيل الرّأي العام تزعــــــج الفرنسيّيــــــن فاتّخذ الكابتن كاربييــه قراراً بمنع الزّيارات إليـــها”

زعماء عشيرة الجبور يكرمون الثوار
يصف علي عبيد تلك الواقعة بالقول :”نزلنا ضيوفاً على القائمّقام عارف بك الدّعيجي وصباح اليوم الثّاني دخل علينا رجل مهيب الطّلعة جسيم في الجسم مرتدياً عباءة وكوفيّة وعقال، اختيار (أي طاعن في السّن) ذو لحية بيضاء وعلى جنبه سيفاً قرابه من الفضّة البيضاء الصّافية فسلّم علينا سلام محبّ صادق وبعد تناول القهوة وتعريف القائمّقام له علينا ولنا عليه بأنه مِسْلط باشا شيخ عشيرة الجبور قال :”يا حضرة القائمّقام أنا عرفت بقدوم هؤلاء الذّوات وأنا لا أعرفهم شخصيّاً ولكن أعلم من تاريخ حياتهم أنّهم أمراء وحكّام جبل الدروز الذي هو حياة سوريا ورافع شارب العرب ولا من عشيرة أو طائفة قدرت تقاوم الأتراك إلاّ هم، فَعَلَيْه أنا عندي من فضل الله أربعة عَشَرَ ولداً مْقَدمْهم لك منهم ستّة بدلاً عن هؤلاء الستّة رجال وهم في ضيافتي ولو خمسة سنين إلى أن الحكومة ترضى عليهم ويلزم أنْ تحيط علماً بأنّنا لانقبل عليهم أيّة إهانة أو مغدوريّة قطعياً ونعدّهم ضيوفاً أعزّاء على جزيرة العرب. ( كانت الجزيرة السّوريّة آنذاك عربيّة خالصة قبل أن تغض فرنسا النّظر عن توافد الأكراد من تركيّا والآشوريين من العراق)وإذا كان فكر الحكومة في شيء يمسّهم فليكن معلوماً عندها عدم رضانا البتّة ولو حصل مهما حصل. وبعد ساعة تقريباً حضر رجل أسمر اللون مربوع القامة جسيم في الرّجال ذو هيبة ووقار مرتدياً عباءة وكوفيّة وعقال وعلى جنبه سيفاً من الذّهب الإبريز وبعد السلام عرّفنا عليه القائمّقام أنّه مشعل باشا الجربا بن فارس باشا الجربا أمير عشيرة شمّر الجزيرة فالرّجل حذا حذو زميله مسلط باشا في التلطّف معنا وأفهمنا أنّنا نحن وهم عشيرة واحدة وأنه لا يقبل علينا ضيم قطعيّاً. وعزمنا تلك اللّيلة في العشاء وعزم بها مأموري الحكومة من عسكريّين وملكيّين وكانت ليلة حافلة…”.
في فترة النّفي تلك حدثت في الجبل معركتان هُزمت فيهما فرنسا هزيمة مُدوّية، هما الكفر والمزرعة، فاضطُرّ الفرنسيون للإفراج عن المنفيين وإعادتهم إلى الجبل مقابل أن يتكفّلوا “مسألة الصّلح بين الحكومة وأهالي الجبل.
في تلك الفترة كانت مضافات الجبل قد أصبحت مقرّات لتشكيل الرّأي العام تزعج الفرنسيّين كثيراً خاصّة مضافات الوجهاء كعبد الغفار الأطرش، لذا اتّخذ كاربييه قراراً بمنع الزّيارات إليها يقول علي عبيد “وكان من جملة من اضطهدوه عبد الغفار باشا الأطرش لأنهم منعوا أهالي السويداء والبلاد من لاجتماع به والدخول لبيته وكلّ من عرفوا أنّه قابله أم دخل بيته غرّموه خمسة ليرات عثمانيّة (ذهباً)”.
أمّا عنه (أي علي عبيد) فيقول :”إنّ الكابتن كاربييه وضع جاسوساً من نفس مأموريّ الحكومة كلّ يوم يعطيه تقريراً عن كلّ ما يحدث وعن من يقابلني من الزّعماء والأهلين ولمّا ضاق صدري من هذه الحالة جادت قريحتي بهذه الأبيات (نقتطف منها هذا البيت):
قلت آه من عُظْم البَلا والمصابـــــي ومن رِفْقة المنحـــــوس قلبـــــــــــي تــــــرى ذاب

“الجركس وعربان اللجاة قدموا خدمة كبيرة لفرنسا لأنهم عرقلوا محاولات الثّوار الامتداد لقرى ومنــاطق جبل الشّيخ والغوطة لمدة أربعة شــــهور”

أحد مؤسسي الثّورة
يُعْتَبر علي عبيد من المؤسّسين للثّورة السّورية الكبرى إلى جانب قائدها العام سلطان باشا الأطرش، ومنذ عودته من المنفى في الحسكة كان من المساهمين في حشد الرّأي العام في الجبل لتوسيع دائرة انتشارها ومدّ ميدان فعاليّتها إلى دمشق باعتبارها العاصمة التي تتمركز فيها سلطة الانتداب، وهكذا فقد شارك في معظم معاركها بعد عودته من المنفى الأوّل في الحسكة، كمعركة العادليّة جنوب دمشق عندما عزم الثّوار على تحرير العاصمة، بتاريخ 24 آب 1925، تلك المعركة التي كانت أوّل معركة خسر فيها الثّوار بعد نصرهم المؤزّر في معركتيّ الكفر والمزرعة.
وفي العام نفسه في مطلع شهر أيلول انعقد في قرية ريمة اللّحف مؤتمر لقادة الثّورة واختير علي عبيد واحداً من أركان الثّورة، وكان أحد أركان الاتّحاد الدّرزي وقاضي الثّورة ( ابوراشد ص 76)

سيناريو معركة المسيفرة
إن وصف علي عبيد لتلك المعركة يصلح ليكون أساساً لفيلم سينمائي يوثّق تلك الموقعة التي لم يُتَح لها الخروج إلى دائرة النّور بعد.
في السّابع عشر من أيلول من العام ذاته اشترك علي عبيد في الهجوم على الحملة الفرنسيّة في قرية المسيفرة، وكان في طليعة أولئك الفرسان الذين اخترقوا التّحصينات الفرنسيّة، وفي مذكّراته يتطرّق إلى ذلك بالحديث عن مآثر غيره دون أن يتحدث عن نفسه لشدّة ترفعّه وتواضعه، يقول :”حان دُنوّ الأجل وعَزَمت الدّروز على مهاجمة المسيفرة وكانت ليلة مظلمة فَضَلّ قسم من البيارق بسبب عدم الاهتداء إلى الطريق، وعند وصولنا إلى جوار البلد دخل بيرق السّويداء وبيرق صلخد وقسم من بيارق الدّروز مقدار سبعة بيارق من الجهة الشّمالية. انتبه العسكر فوجد شبّان الدّروز وصلت إلى وجه الأسلاك فأصلاهم ناراً حامية سقط منهم أكثر من ماية قتيل وجريح دفعة واحدة… وجرت مهاجمة على النّقطة من بيرق ملح وعرمان وتصوّب حاملي البيارق وأنقذ البيارق سليم المقت وهو صويب في رجليه. ولكنّ قسماً وافراً دخل القرية واستولى على العسكر السّواري وخيوله ومعدّاته واستولوا على الذّخيرة من جبخاناته ومؤنته. ولم يخطر على بال العسكر أنّ الدروز يخرقون هذه البواغيز (يقصد المتاريس والممرّات الضيّقة المحصنة عسكريّاً).
ثم يصف حجم القتال الدّامي والخسائر الفادحة في الأرواح فيقول :”وكنت ترى قتلى ومجاريح الدّروز أمام عينيك بين متاريس الدّروز ومتاريس العسكر ولكن لا أحد يقدر من الوصول إلى أخيه أم أبيه. وكانت خسارة العسكر 975 رجل والدروز 185 رجلا معظمهم من الشّبّان النّشيطين”
كما شارك علي عبيد في معركة محاولة السّيطرة على قلعة السّويداء التي كان قد جهّزها الفرنسيون بقوّات عسكرية متفوقة. لكن الثّوار لم يتركوا للفرنسيّين أن يستقرّوا في القلعة فحاصروهم من الجهات الأربعة وقاتلوهم قتالاً عنيفا بحيث خسر العسكر (الفرنسيّ) بتلك الليلة ما يقارب الخمسمائة جنديّ ولكون الماء مفقود من القلعة وبسبب ذلك الضغط انسحبوا من القلعة إلى درعا، “ومن ثم ذهب زيد بك عامر ومعه قسماً من الدّروز مع نسيب بك البكري ودخلوا الشّام من جهة الشّاغور والميدان، واشتعلت الثّورة في جوانب سوريا …

المجاهد-محمد-باشا-عز-الدين
المجاهد-محمد-باشا-عز-الدين

تأثير الانقسامات على الثّورة
يرى علي عبيد الذي شارك بفعاليّه في معظم معارك الثّورة عدا معركتي الكفر والمزرعة (إذ كان منفيّاً إلى الحسكة في أقصى الشّمال السّوري) أنّه كان بإمكان الثّورة أن تصل لأهدافها في طرد الفرنسيّين من سوريا لو توفّرت الوحدة للمجتمع المنقسم إلى طوائف وفئات اجتماعيّة غير متلاحمة، وهو يشير في ص 19 من مذكّراته إلى أن ثوّار الجبل فضلاً عن مقاومتهم للدّولة الفرنسيّة وكثرة عددها وعِدتها كانوا يواجهون “عشيرة الجركس بأجمعها” إذ تجنّد هؤلاء “عند الحكومة (يقصد الإدارة الفرنسيّة) والفلّاح منهم عدوّ لدود وعربان اللّجاة خدمت الحكومة الإفرنسيّة خدمة تعادل خدمة الجركس وأظن أنهم أفادوها فائدة عظمى”
وهو يرى أن هؤلاء عرقلوا محاولات الثّوار وسعيهم لتوسيع مجال نشاطهم إلى قرى ومناطق جبل الشّيخ والغوطة وأشغلوا الجبل بحركاتهم ضدّ الثّورة مدة أربعة شهور كان الثّوار فيها يسيطرون” على قراهم ويحافظون لهم على زروعهم ومع ذلك فقد ذبحوا من الثّوار ابراهيم بك نصر والمرحوم فارس عزّي وعلي نايف القنطار وأكثر من عشرين رجلاً” وقد ساعدت هذه العرقلة لتحرّكات الثّوار الفرنسيّين الذين استغلوا انشغال قسم كبير من الثّوار في اللّجاة فضيّقوا الخناق على ثوّار الغوطة الذين أبرزوا شجاعة وإقداما في قتال الفرنسيّين.

تصرّفات أضعفت الثورة
لكن علي عبيد ينتقد من جانب آخر فساد بعض زعماء ثوّار الغوطة الذين قام بعضهم بإرهاق الأهلين ومصادرة خيولهم وأثاثهم وتغريمهم دراهم ممّا جعل القسم الأوفر يتنصّل من الثّورة وكان قد مضى على الفرنسيّين سنة ونصف وهم محصورون في دمشق لكنّهم لم يقدروا الوصول إلى حيّ الميدان الذي كان متعاوناً مع الثّوار. لكن تململ النّاس وتفرّقهم سهّل على الفرنسيّين كما يرى المجاهد علي عبيد ملاحقة مجموعات الثّوار في جبال القلمون والنّبك والغوطة، وإرسال قوّاتهم لاحتلال حاصبيّا ومناطق جبل الشّيخ الثائرة. وكانت ملاحظاته تلك ملاحظات شاهد عيان لكونه كان من كبار الفرسان الذين قاتلوا الفرنسيّين في معارك الغوطة قبل انتقاله للقتال في إقليم البلّان (سفوح جبل الشّيخ ممّا يلي الجولان) كما أشار إلى ذلك سلطان باشا الأطرش في مذكراته.

قوات فرنسية في الجبل أثناء القورة السورية الكبرى
قوات فرنسية في الجبل أثناء القورة السورية الكبرى

في الإقليم قاتل علي عبيد في معركة ميمس وفي تلك المعركة ينتقد الأداء غير اللّائق للثوّار الأمر الذي حال دون تحقيق النّصر الذي كان ممكناً، مُسَجِّلاً نقده بقصيدة طريفة من الشّعر العامي. غير أنّه يشير إلى أنّهم بَقَوْا في مجدل شمس محصورين بالمطر والثّلج لكنّهم خاضوا موقعتين هامّتين مع العسكر الفرنسيّ في موقع دورين قبالة قرية حرفا التي يشيد ببطولة مختارها الذي جرح في القتال وفي كلتا الموقعتين وُفِّق الثوّار لكسر القوّة العسكريّة الفرنسيّة…
وقد اضطُرّت العائلات الموالية للثّورة في مناطق اقليم جبل الشّيخ للنّزوح جماعيّا من قراهم نحو جبل الدّروز.

مهمات صعبة
في عام 1929 وبتأثير من التّنازع الهاشميّ السّعودي على شبه الجزيرة العربيّة فقد ضيّق الملك على المجاهدين ووضعهم أمام خيارات صعبة أو يخرجهم من مملكته. وعلى هذا أرسل سلطان أخاه زيد وعلي عبيد إلى القدس وعمّان للاتصال بأعضاء حزبَيّ الشّعب والاستقلال وأعضاء المؤتمر السّوريّ الفلسطينيّ من أجل حلّ الأزمة القائمة وقد نجحت المساعي من قبل شكري القُوَّتلي الذي سافر إلى الحجاز وقابل الملك عبد العزيز والتمس منه العودة عن قراره فوفّق في ذلك. وممّا ساهم في تسهيل مهمّته الحملة الإعلاميّة التي قامت بها الصّحف العربيّة لمصلحة المجاهدين والبرقيّات التي أرسلها المسؤولون العرب إلى الملك عبد العزيز ومنها برقيّة هاشم الأتاسيّ التي يطلب فيها معاملة حسنة لسلطان ورفاقه المجاهدين”.

دعم الجهاد في فلسطين
في كانون الأول من عام 1931 أرسل سلطان باشا المجاهد علي عبيد بصحبة المجاهد قاسم أبو خير لتمثيل الثّوار في المؤتمر الإسلاميّ المنعقد في القدس للتّضامن مع الفلسطينيّين، وقد تكلّم علي عبيد في ذلك المؤتمر قائلاً إنّ المجاهدين في الصّحراء ليس لديهم ما يفتدون به فلسطين المهدّدة بالضَّياع سوى الأرواح ووقّع على ميثاق من ثلاثة بنود وافق عليها رجالات العرب في اجتماعهم في 13 كانون الأول 1931 ترمي إلى الوحدة ومقاومة التّجزئة ورفض الاستعمار بجميع أشكاله.
ولما كان الفرنسيّون يناورون لإنهاء أنشطة الثّورة السّياسية منها بعد انكفاء الثّوار في المنفى عن العمل العسكريّ المباشر فقد أصدر المفوّض السّامي الفرنسيّ هنري بونسو قراراً بالعفو عن كافة الثّوار من سوريا ولبنان وكان علي عبيد من بين المستثنين منهم إلى جانب القائد العام سلطان باشا… ولكن سائر المجاهدين رفضوا ذلك العفو وعاهدوا الله على طلب الحقّ بالاستقلال إلى أن تصل الأمّة إليه.
عاد المجاهد علي عبيد من المنفى في 19أيار 1937إلى جانب القائد العامّ للثّورة ورفاقهم المجاهدين فاستقبلوا في دمشق استقبال المحرّرين للوطن، واجتمع في دمشق يومها 500 ألف مواطن لتكريم الثّوار من السّوريّين واللّبنانيّين وقائدهم، وكان عدد سكّان سورية حينها أقلّ من ثلاثة ملايين، وتمّ فرش السجّاد من محطّة القطار في القدم إلى قلب دمشق ودوت الهتافات وألقيت الخطب الحماسية والقصائد، كان يوم جمعة، وأدّى سلطان والثّوار فريضة الصّلاة في الجامع الأمويّ مع رئيس الجمهوريّة هاشم الأتاسيّ وأركان الدّولة ووجهاء المدينة.

“أكثر من نصف مليون سوري استقبلوا سلطان ورفاقه العائدين من المنفى وتمّ فرش السجّاد من محطّة القطار في القــــدم إلى قلب دمشق ودوت الهتافــــات وألقيت الخـــطب”

أدوار مرحلة الاستقلال
بعد تلك العَودة الظّافرة من المنفى شَغَل علي عبيد وظائف حكوميّة مرموقة بحكم أهليّته إذ عمل في مصلحة المِيرة، وقد سعى الفرنسيّون لكسب ولائه لسياساتهم، فأبى ذلك وهو الثائر الذي يستند إلى تراثه الكفاحيّ العريض، فأقالوه من الوظيفة ونفَوه إلى مدينة النبك السورية، وعاد بعد نحو سنة من النّفي فأُسند إليه منصب مدير الزّراعة في السّويداء ثم كُلّف برئاسة مصلحة الاقتصاد الوطنيّ في السّويداء قبل إحالته على التّقاعد.
الجدير ذكره أنّ حكومة الاستقلال السّورية نظّمت عام 1946 احتفالاً وطنيّاً بالجلاء في العاصمة دمشق لكنها لم تدعُ إلى ذلك الاحتفال القائد العامّ للثّورة سلطان باشا الأطرش ومجاهديّ الجبل، وهم الذين كانوا رأس الحربة في النضال الاستقلالي، الأمر الذي أثار تساؤلات الكثيرين ودفع سلطان باشا ورفاقه المجاهدين لإقامة مهرجانات استقلال في السّويداء وصلخد وشهبا.
كان لعلي عبيد رأي خاص في التّركيبة السياسية التي كان يتزعمها آل الأطرش، وهو برغم صداقاته لسلطان باشا فقد ناصر الحركة الشّعبيّة التي استهدفت تقليص امتيازات الزّعامة التقليديّة في الجبل، ولكن تلك الحركة حادت عن سبيلها القويم باللّجوء إلى العنف، والوقوع في مكائد بعض كبار رجال الحكومة السّوريّة آنذاك الذين كانوا يسعَوْن للانتقاص من الدّور التّاريخيّ الذي اضطلع به سلطان باشا وبعض كبار المناضلين من الطرشان وسائر بني معروف من سورية ولبنان في الثّورة السوريّة الكبرى، كما كان الهدف ضرب وحدة الجبل وإثارة الفتنة بين أبنائه وحرمانهم من زعامة قوية تمثّلهم وتصون حقوقهم.
توفّي علي عبيد، المجاهد الكبير في سبيل الاستقلال والتّحرّر الاجتماعيّ في 5 أيلول 1959 فقيراً، ودفن في مدينة السّويداء، وفي مأتمه شهد سلطان باشا الأطرش قائلاً :”رحم الله أبا نايف فقد كان أمين سرّ الثّورة”.

الإعلان عن رابطة أصدقاء الضحى

تطوّرٌ يعكس اتّساع دائرة التّقدير للمجلّة ودورها

رابطة أصدقاء «الضّحى»

قاعدة الدّعم الواسع للمجلّة في العالم

بعد ستّة أعوام من إعادة إصدارها أصبحت مجلة “الضحى” مَعْلَماً فكريّاً مرموقاً في لبنان وفي جبل العرب في سوريا، وقد تحوّلت إلى المرجعيّة الفكريّة الأولى لبني معروف الموحّدين يحرص أفراد النّخبة على متابعتها كما يتّسع كلّ يوم نادي الكتّاب والمساهمين الذين اتّسعت بفضلهم آفاقها وتنوّعت مواضيعها وتمّ في الوقت ذاته تطوير الموقع الشّبكي للمجلّة على الإنترنت ويتوقّع أن يوفّر هذا الموقع قريباً للقرّاء في لبنان والعالم العربيّ وللمغتربين حول العالم فرصة متابعة النّسخة الرّقميّة للمجلّة والاطّلاع في الوقت نفسه على كافّة المواضيع التي نُشرت في المجلّة منذ صدورها مجدّداً بصيغتها الحاليّة في صيف العام 2010.
في تطوّر لافت ومن أجل دعم نهضة المجلّة وتعزيز قدراتها تداعى عدد من مثقّفي الموحّدين الدّروز في لبنان والمغتربات إلى تأسيس “رابطة أصدقاء الضّحى” بهدف توفير قاعدة دعم واسعة للمجلّة في المُغتربات واستكمال الجهود الخيّرة لمجلس الأمناء وكذلك استكمال الهيكل المؤسّسي للمجلّة التي شهدت في العام الماضي تطوّرات عدّة على مستوى التّطوير الإداري والتّسويقيّ. وقد لاقت الدّعوة إلى تأسيس الرّابطة دعماً فوريّاً من مثقفي الطائفة وعدد من المغتربين العاملين في الخليج وفي الولايات المتّحدة الأميركيّة، وبلغ عدد الأصدقاء الذين أعلنوا التزامهم بتوفير الدّعم السّنويّ للمجلّة أكثر من 10 أعضاء في أقل من أسبوع مساهماً. وتتواصل الاتّصالات بين الأعضاء المؤسّسين من أجل تعريف قاعدة أوسع من المغتربين بالرّابطة وأهدافها والتّشجيع على تأسيس فروع للرّابطة في عدد من المُغتربات المهمة، وفي ضوء التّجاوب الممتاز الذي لاقته الفكرة يُتَوَقّع أن تجمع الرّابطة ما بين 30 إلى40 من الأصدقاء قبل نهاية العام الحاليّ.
أحد الأعضاء المؤسّسين قال لـ “الضحى” في شرح أهداف الفكرة: “المجلّة إنجاز ثقافيّ مهمٌّ ونحن قرّرنا أن نتبنّى قضية تطويرها وتوسيع دورها من خلال إنشاء هذه الرّابطة” وأضاف القول: “ نتيجة لتشكيل الرّابطة أصبحنا كأشخاص داعمين لقضية تقدّم الطّائفة نتواصل بصورة أفضل في ما بيننا فدعم المجلّة أصبح يجمعنا”.
تمّ تأسيس “رابطة أصدقاء الضّحى” على الأسس التّالية:
1. يصبح عضواً مؤسّساً في الرّابطة كلّ رجل أو سيّدة يتبرّع أو تتبرّع بمبلغ ألف دولار سنويّاً لصندوق المجلّة وتكون صفة المتبرّع أو المتبرعة : “عضو مساهم”.
2. إنّ الهدف هو أن تتأسّس الرّابطة بمساهمة 15 عضواً مساهماً على الأقلّ.
3. تنسّق “رابطة أصدقاء الضّحى” أعمالها وجهودها مع رئيس التّحرير ومع سماحة شيخ عقل الطائفة.
4. يكون رئيس “رابطة أصدقاء الضّحى” حُكماً عضواً في مجلس أمناء المجلّة ممثلاً للرابطة.
5. يقوم رئيس “رابطة أصدقاء الضحى” ولجنتها الإدارية بالعمل على تشكيل فروع إقليمية للرّابطة في بلدان الاغتراب، وتكون مهمّة الفرع الإقليمي توفير الدّعم الماليّ للمجلّة في بلده والتّشجيع على ضمّ أعضاء جُدد إلى الرّابطة وتنفيذ حملات التبرّع بالتّنسيق مع إدارة الرّابطة ومع رئاسة التّحرير.
6. يُخَصّص في مجلّة “الضّحى” وفي الموقع الشّبكي للمجلّة على الإنترنت عمود خاصّ يتضمّن ذكر أهداف الرّابطة ولائحة بأعضائها المساهمين، وبهيئة الإدارة وبمسؤولي الفروع الإقليميّة وأعضائها والمعلومات الضّرورية لتسهيل انضمام أشخاص جُدد إليها ودعم مبادراتها.
7. تنظّم “رابطة أصدقاء الضّحى” مؤتمراً سنويّاَ يُعقد في لبنان ليوم واحد يُختتم بعشاء خيريّ كبير. كما يمكن عقد مؤتمرات إقليميّة لدعم المجلّة في بلدان الاغتراب.
يُذكَر أخيراً أنّه وإلى حين تشكيل أوّل لجنة إدارية للرّابطة فإنّ الشّيخ مثقال عطا الله المقيم حاليا في دُبي – دولة الإمارات العربيّة يتولّى بصورة مؤقّتة مسؤوليّة تنسيق الاتّصالات الهادفة لتأسيس الرّابطة وتسجيل المُنتسبين والإشراف على انتخاب أوّل لجنة إدارية. ويمكن الاتصال به على أرقام الهاتف التالية:
لبنان : 03 882 844 دولة الإمارات : + 971 55 2335544

6 سنوات من « الضّحى »

الإنجـــازُ فــي سُطــور

“الضّحى” هي المجلّة المرجعيّة الأولى في الحقول التّالية:

1. تاريخ الموحّدين الدّروز وأمرائهم وكبرائهم وحروبهم والمحطّات المفصليّة التي أثّرت على مسارهم وتطورهم.
2. التّصوّف الإسلاميّ عبر أشهر شيوخه وأعلامه وشعرائه.
3. عقيدة ومسالك التّوحيد المبسّطة للعموم.
4. أقطاب الزّهد والحكمة والشّعر الصّوفيّ في الثّقافات العالميّة.
5. تاريخ جبل العرب الجهاديّ في القرنين الأخيرين.
6. سِيَر الصّالحين والأولياء من أهلِ التّوحيد.
7. أعلام المُوحِّدين ولاسيّما المعاصرين في جميع الحقول.
8. التّوحيد في الفلسفات الحِكَميّة القديمة المصرية والإغريقيّة والصّينيّة والهندوسيّة وغيرها.
9. تاريخ الإسلام ورسالته والفتوحات وإسهام الإسلام في الحضارة الإنسانية.
10. محاورات أفلاطون مُبسَّطة ومشروحة من منظور التّوحيد.
11. تحقيقات تستهدف تعريف الموحّدين في لبنان بقرى سورية وعائلاتها وتراثها وكذلك تعريف الموحّدين في سورية بقرى وبلدات الموحّدين في لبنان وعائلاتهم وتقاليدهم.
12. الصِّحَّة والطّبّ البديل وسبُل الوقاية من خلال التّغذية وأسلوب الحياة.
13. علوم الأرض والزّراعة التي تحترم صحّة الإنسان والبيئة والطّبيعة
14. شؤون الثّقافة والفكر واللّغة العربيّة والفولكلور في البيئة التّوحيديّة في لبنان وسورية.1

تاريخ آل الحمدان

الحي الذي ضم مشايخ آل حمدان في باتر وأمامه الميدان في الحارة الفوقا في باتر

الشيخ سعيد بن سعد الدين حمدان

بعض الأبنية التاريخية التي تعود إلى آل الحمدان في الحارة الفوقا

بوابة الحمدان في حارة جندل شاهد على استقرار الأسرة فيها قبل انتقالها إلى باتر

جسر القاضي الذي قام الشيخ سعيد بن سعد الدين حمدان بترميمه سنة 1884 تقدمة منه للمتصرف واصا باشا

دار عادل بك حمدان في باتر ويشغلها نجله الشيخ نبيل حمدان

لوحة بريشه الرسام عمر فروخ للشيخ ملحم حمدان

معمل لحل شرانق الحرير من أملاك آل حمدان لا يزال موجودا على الطريق من ديركوشه إلى جسر القاضي

آل حمدان

فـي تاريـخ جبـل لبنـان

آل حمدان هم من مشايخ جبل لبنان منذ العهد المعني، وأقرباؤهم، المعروفون في جبل حوران (جبل العرب) بآل الحمدان، هم شيوخ هذا الجبل في القرنين: الثامن عشر والتاسع عشر للميلاد، وروَّاد الموحَّدين (الدروز) النازحين إليه من جميع المناطق المأهولة بهم في بلاد الشام، والنواة التي استقطبت جموعهم، حيث تكاثروا فيه فحمل اسمهم “جبل الدروز” أسوة بجبل لبنان الجنوبي الذي حمل الاسم نفسه وللسبب نفسه. وإضافة إلى ذلك فإن للحمدانيين تاريخًا عريقًا في الموصل والجزيرة الفراتية وحلب ودمشق، حيث كانوا الحكَّام في هذه المناطق في النصف الثاني من القرن العاشر الميلادي.
بالنظر لاتساع الموضوع وللمعلومات التاريخية التي يتضمنها فإنه سينشر في هذه المجلة على حلقتين، الحلقة الأولى تتناول تاريخ آل الحمدان في لبنان، بينما ستركز الحلقة التالية التي ستنشر في العدد 18 المقبل على تاريخ آل الحمدان في سوريا.

باستثناء التعريف بأعلام آل حمدان في باتر، لم يسبق لأحد أن تكلَّم عن آل حمدان في جبل لبنان إلا بإشارات مختصرة أثناء الحديث عن نهاية اليمنية على يد القيسية في بداية عهد الإمارة الشهابية. لذا سنتكلَّم عنهم في ضوء ما توافر لنا من معلومات، وما توصَّلنا إليه من إستنتاجات.

الأصل والنسب
إن نسب آل حمدان في لبنان وفي جبل حوران(جبل العرب)، والربط بينهم وبين الحمدانيين حكام حلب والموصل، من النقاط التاريخية الغامضة. وأول من تكلَّم عن نسب آل حمدان في لبنان وجبل حوران هو المؤرِّخ عبد الله النَّجَّار في كتابه “بنو معروف في جبل حوران”، الصادر سنة 1924، وكان مديرًا لمعارف حكومة جبل الدروز التي أنشأها الفرنسيون في الجبل سنة 1921 كأحدى دول سورية، في إطار سياستهم الإستعمارية التقسيمية. وقد ذكر أن آل الحمدان هم من الحمدانيين حكام حلب في القرن العاشر للميلاد، انتقلوا إلى لبنان ومنه انتقلوا إلى جبل حوران.
نحتفظ بصورة عن كتاب عبد الله النَّجَّار، الذي إطّلعنا عليه في مكتبة الجامعة الأميركية في بيروت في الثمانينيات من القرن العشرين. وهو يتضمَّن تعليقات وتصويبات عدة على جانب الصفحات بخط المؤرِّخ سليمان أبو عز الدين المتوفَّى سنة 1933، الذي كان من الأوائل الذين كتبوا عن نزوح الموحِّدين (الدروز) إلى جبل حوران، بعد زيارته للجبل سنة ،1897 وهو لم يسجِّل أية ملاحظة أو أي تصحيح لما كتبه عبد الله النَّجَّار عن أن آل حمدان في جبل لبنان وجبل حوران يعودون في النسب إلى الحمدانيين، منهيًا كلامه بالآتي: “لا يذكر التاريخ ما آل إليه أمرهم بعد سقوطهم، ولكنه يذكر لنا وجود أحدهم، أبي عبد الله بن ناصر الدولة، قائدًا عند الفاطميين في الثلث الأول من القرن الحادي عشر للميلاد، ويبدو لنا أنهم لبّوا دعوة الحاكم مع من لبَّاها في حلب والشام، وإنتقلوا من حلب على أثر تقلُّص ظل الفاطميين عنها وتعرّضهم للإضطهاد وقطنوا لبنان”1.
إذن إن أصل آل حمدان في جبل لبنان، وجبل حوران، هو، في رأي عبد الله النجّار، من الحمدانيين حكام حلب، ولم يظهر اي رأي مخالف له. والحمدانيون بطن من قبيلة تغلب بن وائل العدنانية التي قيل فيها: “لو تأخر الإسلام قليلاً لأكلت تغلب العرب”. وتعود بدايات شهرة الحمدانيين إلى الأمير ناصر بن حمدان الذي إستأثر بالموصل والجزيرة الفراتية في عهد الخليفة العباسي المتقي بالله، وحين قضى في شهر رجب سنة 330هـ (آذار 942م) على محمد بن رائق الذي عصى على الخليفة المذكور وتسلَّم الشام، أكرمه الخليفة ولقَّبه ناصر الدولة، ولقَّب شقيقه علي سيف الدولة.

دار عادل بك حمدان في باتر ويشغلها نجله الشيخ نبيل حمدان
دار عادل بك حمدان في باتر ويشغلها نجله الشيخ نبيل حمدان

آل حمدان حكام حلب
فيما استقر ناصر الدولة في الموصل والجزيرة، طمع أخوه سيف الدولة بأخذ حلب من الكلابيين، فسار إليها وأخذها سنة 333هـ (944/945م) فخلع عليه الخليفة العباسي المستكفي. وبعد ذلك سار إلى حمص حيث تغلَّب على الجيش المرسل من الإخشيد (حاكم مصر)، ثم احتلّ دمشق فصار ملك الشام وحلب والجزيرة. لكنه انهزم في سنة 335هـ أمام جيش الإخشيد المرسل لإستعادة الشام، فتراجع عن دمشق، وإكتفى بشمال سورية، وأصبح هناك الدرع العربية الإسلامية في مواجهة الروم البيزنطيين الذين واجههم في أربعين غزوة، وسجَّل الإنتصارات الباهرة عليهم في العديد منها. ومنعهم من احتلال بلاد الشّام والتقدّم فيها أثناء ضعف الدولة العبّاسية.
توفي سيف الدولة سنة 356هـ (966م) فخلفه ابنه أبو المعالي سعد الدولة، لكنه لم يكن له أهميته ونفوذه، ولا صموده أمام الروم البيزنطيين الذين غزا امبراطورهم نقفور بلاد الشام ووصل في زحفه إلى طرابلس. كما أن حلب لم تنعم في عهد سعد الدولة بالإزدهار الذي نعمت به في عهد والده. ثم إن غلمانه ملَّكوا إبنه أبا الفضل سعيد مكانه سنة 381ه (991م) ولقَّبوه بسعيد الدولة، وصار الأمير أبو محمد لؤلؤ الكبير السيفي مدبِّرًا له وصاحب جيشه.
كانت الدولة الفاطمية قد قامت آنذاك في مصر، واحتلت دمشق، فأرسل الخليفة الفاطمي العزيز جيشًا بقيادة بنجوتكين لاحتلال حلب، مستصغرًا شأن سعيد الدولة. لكن الأخير استطاع أن يحافظ على نفوذه بالتحالف مع باسيل، ملك الروم البيزنطيين، وبعد وفاته في أواسط صفر من سنة 392هـ (كانون الثاني 1002م) آل الحكم إلى ولديه أبي الحسن علي وأبي المعالي شريف اللذين كانا حاكمين بالإسم، لأن لؤلؤ الكبير السيفي إستقلَّ به، الأمر الذي اضطرَّ أبو المعالي إلى اللجوء للخليفة الفاطمي الحاكم بأمر الله في مصر حيث مات فيها، كما اضطر أبو الهيجاء بن سعد الدولة بن سيف الدولة، أن يلجأ إلى باسيل ملك الروم البيزنطيين بعد أن ضيَّق لؤلؤ الكبير السيفي عليه، حيث مات في القسطنطينية2 .
انتهت الدولة الحمدانية، وتشتَّت الحمدانيون في شمال سورية، وبقيت أخبار الإنتصارات التي حقَّقها سيف الدولة مخلَّدة في قصائد الشاعر أبي الطيب المتنبِّي، وأخبار تشجيعه للعلم وعطاءاته للشعراء والعلماء والأدباء والفلاسفة، وما شاده في حلب من قصور وأسوار وأبراج، ماثلة في بطون التاريخ3. وبقي من الحمدانيين إسم شاعرهم الكبير أبي فراس الحمداني، كما بقي منهم آل حمدان الذين هم موضوع بحثنا، والذين انتقلوا من الجبل الأعلى أو جبل السُّمَّاق، الواقع في شمال سورية، إلى جبل لبنان، ثم انتقلوا منه إلى جبل حوران. وفي حال صِحّة نسب هؤلاء إلى حمدانيي شمال سورية، فإنهم قد يكونون من نسل الأمراء الذين ورد ذكرهم أو من نسل غيرهم من بطن حمدان التغلبي.

“أصل آل حمدان في جبل لبنان وجبل حوران من الحمدانيين حكام حلب، ومن قبيلة تغلب القيســـــية”

النزوح إلى جبل لبنان
أول من ذكر آل حمدان بين النازحين من جهات حلب إلى جبل لبنان هو مؤرِّخ مجهول ترك لنا كتابًا اسمه “قواعد الآداب حفظ الأنساب”، ألَّفه في القرن الرابع عشر للميلاد بعد سنة 1385م، وتناول فيه نزوح إثنتي عشرة طائفة، أي عشيرة، من جهات الجبل الأعلى إلى لبنان في شهر محرَّم سنة 205هـ (حزيران 820م) بسبب اعتداء مشدَّ المغل على بعض نسائهم.
إن كتاب “قواعد الآداب حفظ الأنساب” تحدَّث عن عشائر كثيرة تفرَّعت من الإثنتي عشرة طائفة، وتحدَّث أيضًا عن غيرها من الطوائف أو العشائر. وتبعًا لذلك، ولتضمّنه إسم الأمير معن الذي جاء مع عشيرته إلى لبنان في سنة 1120م، لا يمكن تحديد تاريخ نزوح آل حمدان بسنة 820م، إذ لا يعقل أن يحصل نزوحهم من جهات حلب قبل تأسيس دولتهم هناك في سنة 942م، وإنما يمكن القول إنهم نزحوا إلى جبل لبنان بعد إنتهاء دولتهم في أوائل القرن الحادي عشر للميلاد، وإنهم إعتنقوا في حلب، أو في جهات الجبل الأعلى، مذهب التوحيد الذي أُعلن عنه في سنة 1017م، وأُقفل باب الدعوة إليه في سنة 1043م. وقد يكون مجيئهم بناءً على ذلك، وعلى كونهم قيسيين، مع المعنيين القيسيين.

في ديركوشه
حقَّق الدكتور إلياس القطَّار مخطوط كتاب “قواعد الآداب حفظ الأنساب” إعتمادًا على إحدى نسخه، وجاء فيه عن آل حمدان ما يلي: “وفي العمّيق أيضًا طايفة تُعرف بني حمدان وأصلهم في ديرلوشِه”4. إن العمّيق هي قرية عمّيق، وإن ديرلوشا هي ديركوشا التي تُكتب وتُلفظ حاليًّا: ديركوشِه. وكلاهما في مقاطعة المناصف من قضاء الشوف. والدليل على أن المقصود بـ “ديرلوشا”: ديركوشِه ليس مجاورتها لعمّيق فقط، بل لأنها وردت أيضًا ديركوشا في نسخة أخرى من مخطوط كتاب “قواعد الآداب حفظ الأنساب” حقَّقها الأستاذان سليمان تقي الدين ونائل أبو شقرا باسم “الأسر في جبل الشوف”5.
إن اسم ديركوشه السرياني يدلُّ على قدمها، وهي تقع في القسم الشرقي من مقاطعة المناصف،على الطريق التي كانت تربط بين ساحل الشوف والبقاع عبر شمال المناصف وعبر العرقوب، وعلى الطريق التي تربط الشوف بمقاطعة “الغرب” مرورًا بجسر القاضي الواقع إلى الشمال من ديركوشه، ويسلكها المارَّة من وإلى بلدات دير القمر وبعقلين والجاهلية وبيت الدين، وغيرها، ويشير إليها مطلع أغنية شعبية هو:
طلعنـــــــــــــــا بـــــــــــــطلعـــــــــــــة وادي الديـــــــــــــر نـــــــــــــزلنـــــــــــــا بنـــــــــــــزلـــــــــــــة ديـــــــــــــركــــــــــــــــــوشــــــــــــــــــــــــــه
إن المعلومات عن آل حمدان في ديركوشه قليلة بالرغم من أنهم أقاموا فيها بضعة قرون، وكانوا شيوخها، ولهم أملاكها التي عمل فيها أهل القرية كشركاء لهم، إضافة إلى ملكيات واسعة في جوارها. وبما أنها وقرية عمّيق مكانا نزولهم الأول عند قدومهم إلى لبنان، من المرجَّح انتقال بعضهم إلى قرية كفرا (الغرب) غير البعيدة.
لقد نزح القسم الأكبر من آل حمدان من ديركوشه لسبب مجهول، وبقي فيها بعضهم إلى أن تركوها مؤخرا، فيما نزح أنسباؤهم من كفرا (الغرب) لسبب معلوم هو تأييدهم لليمنيين، بالرغم من أنهم قيسيون في الأساس، مما كان وراء مهاجمة آل تلحوق القيسيين لهم وإحراق كفرا (الغرب)، الأمر الذي أدى إلى ترك آل حمدان لها. ونظرًا لتزامن ذلك مع نزوح آل حمدان من ديركوشه فإنه يمكن القول إن سبب نزوحهم منها هو تأييدهم لليمينين، او وقوفهم كالأمراء الأرسلانيين على الحياد في المرحلة الأخيرة من الصّراع القيسي اليمني، مما جعل الأمراء الشهابيين، الذين خلفوا الأمراء المعنيين وأقاموا في دير القمر القريبة من ديركوشه، يضيّقون على آل حمدان فيها فيضطرُّ هؤلاء للابتعاد عن المنطقة في وقت كان الأمير حيدر الشهابي يعيد توزيع الإقطاع ويعطي المناصف لآل نكد بعد انتصاره على اليمنيين في معركة عين داره سنة 1711م.
كان آخر النازحين من ديركوشه هو القاضي سعيد حمدان الذي وُلد فيها سنة 1840، وقضى السنوات التسع الأولى من حياته فيها قبل إنتقاله إلى باتر والسكن مع أقربائه الذين سبقوه إليها. وقد بقي قسم من أملاكه بيد ورثته: ابنه القاضي ملحم، وابن ملحم:عادل، وابن عادل: نبيل الذي باع معظم الأملاك مؤخرًا بحيث لم يبق منها إلا مساحات قليلة، ومن أثار آل حمدان الباقية حتى اليوم في ديركوشه، بالإضافة إلى الذكر الطيِّب، ما يلي:
• تربة (مدفن) وعلى البلاطة التي تعلو بابها كتابة دارسة وغير واضحة مما يدل على أنها قديمة.
• معمل قديم لحل شرانق الحرير (كرخانة) كان آل حمدان يملكون عند بيعه 75% من أسهمه، وقد هدم الشاري هذا المبنى التاريخي منذ نحو سبع سنوات وباع حجارته.
• معمل آخر لحل شرانق الحرير (كرخانة) لا يزال بناؤه قائما إلى اليوم على طريق ديركوشه-جسر القاضي، هو للشيخ عبد الحميد حمدان.
• فاخورة (معمل للأواني الفخارية) اسمها “العملية”.
• مجلس (مسجد) وقد قدّمه آل حمدان لديركوشه يتبعه أربع عقارات سجلت، مع عقاره، وقفاً لديركوشه، منه 21 قيراطا (من أصل 24) من آل حمدان و3 قراريط من ملك الشيخ التقي أبي علي محمّد ضو الذي أقيم له ضريح في المجلس، وهو كان وكيلاً على أملاك آل حمدان، وانتقلت بعده هذه الوكالة إلى أبنائه، وهي حاليا بيد أحد أحفاده الشيخ نسيب.
• عدة بيوت متجاورة اسمها “القاعة” كانت ملكاً لآل حمدان وبيعت لأهل ديركوشه.

الحي-الذي-ضم-مشايخ-آل-حمدان-في-باتر--وأمامه--الميدان---في-الحارة-الفوقا-في-باتر
الحي-الذي-ضم-مشايخ-آل-حمدان-في-باتر–وأمامه–الميدان—في-الحارة-الفوقا-في-باتر

في كفرا (الغرب)
أول من ذكر وجود آل حمدان في كفرا (الغرب)، هو المؤرِّخ حيدر الشهابي الذي أنهى تاريخه سنة 1835. لكن ليس هناك مستندات خطية تشير إلى الصلة بينهم وبين آل حمدان في ديركوشه، وإنما هناك روايات متوارثة وأقوال متواترة تقول بأن ما يجمع بين هؤلاء، ليس الاسم فقط، وإنما الأصل الواحد، إضافة إلى أن هناك إستنتاجات تعزِّز مقولة الأصل الواحد، منها الإستنتاج المبني على أن آل حمدان في ديركوشه وآل حمدان في كفرا (الغرب) هم من جهات الجبل الأعلى، وأنهم سكنوا في مكانين متجاورين، يقع أحدهما على الضفة اليسرى لمجرى نهر الصفا، والآخر على ضفته وضفة رافده نهر الغابون اليمني، مما يرجح أن يكون بعض آل حمدان في ديركوشه قد انتقلوا منها إلى كفرا (الغرب).
كفرا إسم سرياني، الأمر الذي يعني قدم كل مكان يحمله، وقدم كل مكان يبدأ اسمه المركّب به، مثل كفرفاقود، وكفرحيم، وكفرحمّل، وكفرقطرا، وكفرنبرخ، وجميعها قرى قريبة من كفرا، اضافة الى أسماء قرى كثيرة في لبنان. وكفرا التي نتحدَّث عنها قرية دارسة في منطقة “الغرب” من قضاء عاليه، في خراج بيصور، تُكتب وتُلفظ كفرا (الغرب) تمييزًا لها عن كفرا (الشوف) الدارسة أيضًا، والواقعة إلى الجنوب من قرية عين زحلتا، على يمين الطريق الذاهبة إليها من بلدة الباروك. أما موقع كفرا (الغرب)، فهو إلى الجنوب من عيناب، والى الغرب من بيصور على مسافة قصيرة من بداية الطريق اليها من مستديرة قبر شمون.
ذُكرت كفرا (الشوف) في كتاب “قواعد الآداب حفظ الأنساب”، ولم تُذكر كفرا (الغرب) فيه، كما لم تُذكر أيضًا بين القرى والمزارع الواردة في تاريخ صالح بن يحيى المتوفَّى سنة 1453، بالرغم من ورود أسماء قرى ومزارع محيطة بها. لكن إبن سباط الذي توقَّف عن الكتابة في سنة 1520 ذكر وفاة شيخ قرية كفرا (الغرب) الشيخ أبي عبد القادر علي في سنة 900هـ= 1494/1495م، وذكر وفاة شيخ آخر لها هو الشيخ أبو حمزة شهاب الدين سنة 913هـ= 1507/1508م، وكان من تلاميذ الأمير السيد عبد الله (ق)6 الذي ذكره في وصيته.
مما ورد نستنتج أن كفرا (الغرب) كانت موجودة زمن صالح بن يحيى، لكنه لم يذكرها لأنها، في رأينا، لم تكن من إقطاعات أقربائه الأمراء التنوخيين، بل كانت مقطعة لغيرهم، بدليل أنه كان لها في سنة 1495م شيخ، وفي سنة 1508م شيخ آخر. ثم ظهرت في النصف الأول من القرن السادس عشر للميلاد قرية عدد رجالها 45 عازبًا ومتزوِّجًا كلهم من الموحِّدين (الدروز)، وعليها ضرائب مجموعها 7331 أقجة، مع الإشارة إلى أن كل 45 إلى 60 أقجة تساوي قطعة ذهب واحدة7.
وهنا يصح التساؤل: إلى أية أسرة ينتمي شيخا كفرا (الغرب)، اللذان ورد ذكرهما، كما يجوز القول إن آل حمدان، إذا لم يكونوا شيوخ كفرا في القرن الخامس عشر والقرن السادس عشر، فإنهم من أهلها إعتماداً على أنهم كانوا شيوخها في أواخر القرن السابع عشر أو أوائل القرن الثامن عشر عندما هاجمها آل تلحوق وأحرقوها فاضطر آل حمدان للنزوح منها، ومنهم حمدان الحمدان الذي نزح إلى جبل حوران.

المشيخة الحمدانية
بالعودة إلى كتاب “قواعد الآداب حفظ الأنساب” نجد أنه يذكر أصول وأنساب وصفات أسر عديدة، ولا يذكر عن أسرة حمدان سوى إسمها، ونزولها في قريتي ديركوشه وعمّيق، لذا لا نعرف ما إذا كان آل حمدان، الذين تأمَّروا في جهات حلب وحمص وأنطاكية، ثم زالت إمارتهم، وإنتقلوا إلى الجبل الأعلى، حملوا من هذا الجبل، عند إنتقالهم إلى لبنان، شيئًا من الجاه والنفوذ، أم أنهم اكتسبوا في لبنان هذين الأمرين المجسَّدَين بالمشيخة التي حملوا لقبها.
وبالإضافة إلى ما ذكرناه عن كفرا (الغرب) نقول إنه لو لم تكن مركزًا لمشيخةٍ مؤيِّدة للحزب اليمني الذي كان على رأسه الأمراء من آل علم الدين، لما هاجمها آل تلحوق القيسيون وأحرقوها.
لم يتكلَّم المؤرِّخ طنّوس الشدياق، المتوفَّى سنة 1861، في كتابه “أخبار الأعيان في جبل لبنان” عن نسبة مشايخ آل حمدان وأخبارهم أسوةً بمن تكلَّم عنهم من أمراء جبل لبنان ومقدَّميه وشيوخه، المقاطعجيين، الذين كان لهم يد في تولية الأمراء الشهابيين وعزلهم، لكن القس حنانيّا المنيّر (1756-1823)، الذي كتب قبل الشدياق، ذكر إحدى عشرة أسرة تأتي بعد الأمراء والمقدَّمين والمشايخ الكبار، منها أسرة آل حمدان في باتر، وقال عن شيوخ هذه الأسر: “وهؤلاء ليس لهم يد في شيء من ذلك [تولية الأمراء الشهابيين وعزلهم] ولا في أيديهم مقاطعات ورجال مثل أولئك”8.
ذكر المؤرِّخ شاكر الخوري في كتابه “مجمع المسرَّات” الذي طُبع لأول مرَّة في سنة 1908، “إن مقاطعة المناصف كانت أولا لبيت حمدان ثم أخذتها النكدية”9. وهذا كلام يتطلب المناقشة والتصويب، ذلك أن المناصف كانت في أوائل العهد العثماني داخلة في إقطاع الأمراء المعنيين، وفي ما سمِّي في جداول الضرائب العثمانية “شوف ابن معن”. وهي تشمل دير القمر، ولم تنفصل عن الشوف المعني وتصبح مقاطعة إلا في العهد الشهابي الذي جرى فيه إعطاؤها لآل نكد، باستثناء ديركوشه التي ظلت لآل حمدان والكنَيْسة التي أعطيت لآل شهاب، وذلك في سياق إعادة توزيع الأمير حيدر الشهابي للأقطاع بعد موقعة عين داره سنة 1711. وبناءً على ذلك فإن القول بوجود مشيخة لآل حمدان في منطقة لهم في المناصف، او في المناصف كلها، أمر لا تؤيّده الحقائق التاريخية إلا فيما يتعلق بديركوشه التي كانوا شيوخها، مع الإشارة إلى أنهم كانوا يملكون عقارات عدة في قرى المناصف وفي سواها من قرى الشوف، وهو أمر تظهره وقفية أحدهم التي سنتكلّم عنها لاحقًا، والتي تدلُّ على أن هناك سعة لهم في تملك الأراضي لا بد وأن تكون ملازمة لحيّز من النفوذ.
ونحن كما خالفنا قول المؤرّخ شاكر الخوري إن المناصف كانت لآل حمدان قبل إعطائها لآل نكد فإننا نخالف أيضا القول بأن آل حمدان “فلاحون أغنياء” في إطار الإقطاع النّكدي في المناصف. إلا أن إقطاع آل حمدان كان مختلفا عن إقطاع آل نكد من حيث الممارسات مع الفلاحين. فلقد كان الفلاحون في المناصف يقومون بشتى أنواع الفرائض وأعمال السخرة حيث تنعدم نوعا ما حريتهم الشخصية، بحيث كان يستحيل عليهم مغادرة الأرض وعصيان أوامر المقاطعجية النّكدية فكانوا لذلك يرزحون تحت ضروب من القيود الاجتماعية ومنها أنه لا يحق للفلاح الشريك أن يتزوّج إلا بإذن المقاطعجي النّكدي. ومن مظاهر تسلّط المقاطعجي تدخّل الزعيم النّكدي في كل شاردة وواردة من حياة الفلاحين وفي مجمل أحوالهم الشخصية والاجتماعية كالزواج والطلاق والإرث .. ومن دلائل التعسُّف في العلاقات الاجتماعية القائمة بين النّكديين والفلّاحين ما يتعرض له هؤلاء من حالات ضرب وإهانة في الساحة العامّة للقرية وخاصة في دير القمر وكفرحيم وديربابا وكفرفاقود وعبيه على مرأى العديد من الفلاحين ليكون “المذنب” عبرة لمن يعتبر، حسبما يذكر المؤرخ عاطف بوعماد في كتابه عن الأسرة النكدية (ص82-84).
إن ما سبق ذكره عن ممارسات النكديين لم يكن منه شيء في ممارسات مشايخ آل حمدان في ديركوشه، فعلاقات الفلاحين معهم كانت مختلفة، لذا يذكرهم أهل البلدة بالخير ويعترفون بأفضالهم، ولعلّ أدق توضيح لعلاقاتهم بمشايخ آل حمدان وعلاقات أهالي سائر قرى المناصف، ومنها بشتفين، بمشايخ آل نكد قول رجل من ديربابا لرجل من بشتفين: “إننا نتعاطى مع أغنام” مشيرا بذلك إلى سهولة التعامل مع آل حمدان، وجواب إبن بشتفين له بالقول: “إننا نتعاطى مع أسود” وفي ذلك إشارة إلى القسوة والعنف في تصرف النّكديّين.
ومما يجدر ذكره هو أن آل حمدان الذين كانوا شيوخًا في منطقتي “الغرب” والمناصف حملوا من كفرا (الغرب) لقب المشيخة إلى جبل حوران، وغدوا شيوخه منذ أوائل القرن الثامن عشر، وحملوا من ديركوشه لقب المشيخة إلى باتر، ولا يزالون فيها يحملون هذا اللقب إلى اليوم، وقد حملوه على تذاكر الهوية. وفيما انفسح لهم مجال البروز واسعًا في جبل حوران حيثُ أسَّسوا المشيخة الدرزية فيه، وغدا أكابرهم شيوخ مشايخه، وحيث ساهموا في صنع الأحداث، ظلَّ دورهم في جبل لبنان محدودًا، شأنهم في ذلك شأن سائر شيوخ الصف الثاني الذين يلون في المرتبة شيوخ الصف الأول، وهم آل جنبلاط وآل العماد وآل نكد وآل تلحوق وآل عبد الملك.

الشيخ سعيد بن سعد الدين حمدان
الشيخ سعيد بن سعد الدين حمدان

وقفيّة الشيخ ناصر الدين حمدان
إن وقفيّة الشيخ ناصر الدين حمدان هي –على حد علمنا- أقدم مستند يضيء عليهم بعد كتاب “قواعد الآداب حفظ الأنساب”. إنها محرَّرة على رق غزال بتاريخ العشر الأوسط من شهر جمادى الأولى من سنة 983هـ (آب 1575م) والرق لا يزال محفوظًا عند الشيخ نبيل عادل ملحم سعيد حمدان. وقد نُقل نصُّها حرفيًّا عند تسجيلها في سجل مضابط محكمة قضاء الشوف في غرَّة جمادى أول من سنة 1286هـ (آب 1869م)10، وصدّق على صحّة الوقفية مفتي مدينة بيروت آنذاك محمّد الحلواني بعد العبارة التالية: “إن الوقف صحيحٌ شرعيٌّ لا يحتاج لزومه إلى حكم حاكم شرعيّ لأن القول الأرجح المُفتى به عند أيمتنا الحنفيّة رحمهم الله أن الوقف لازم بدون حكم القاضي. “ولهذه الوقفية أهمية تاريخية تظهر في النواحي التالية:
1. إنها تذكر الواقف بأنه “الصدر الأجلُّ المحترم الناصري الشيخ ناصر الدين محمد إبن المرحوم الشيخ بدر الدين حسن الشهير نسبه الكريم بإبن حمدان من أهل قرية ديركوشه من الشوف المعني”. ووصفُ الشيخ ناصر الدين حمدان بـ “الصدر الأجل” دلالة على علو منزلته الدينية، إذ إن هذا الوصف يُعطى للرؤساء الروحيين ولشيوخ العقل ولكبار شيوخ الدين وتقاتهم عند الموحِّدين (الدروز).
2. إن الوقفيّة أحد نماذج الوقفيّات القديمة التي وصلت إلينا بدءًا بوقفية الأمير السيد عبد الله التنوخي (ق). وفيها تحديد لنوعية الوقف الذي تتضمّنه، ولشروط الواقف، فهو وقف ذرّي مؤبّد، معرّف به في الحقوق الواجبة الشرعية “وقفًا صحيحا شرعيًّا سرمدًا أبدًا وحبسًا دائمًا مخلدًا وصدقة دائمة على توالي الليالي والأيام وممر الشهور والأعوام لا يُباع أصل ذلك ولا بعضه ولا شيء منه ولا يملّك ولا يستملك ولا يوهب ولا يستوهب ولا ينتقل إلى ملك أحد من خلق الله تعالى”.
3. والوقف المذكور يجري على ثلاث طبقات، الطبقة الأولى هي الواقف نفسه في حياته ثم ولده سيف الدين أبو بكر وأولاده وأولاد أولاده الذكور دون الإناث اللواتي يحق لهن فقط شيء من الغلال يكفيهن طالما هن عازبات. والطبقة الثانية هي –في حال إنقراض الطبقة الأولى- الفقراء والمساكين المسلمين من أهل الدين والتقوى القارئين كتاب الله تعالى من أمة سيدنا ومولانا محمد صلى الله عليه وسلّم، الناهيين عن الفحشاء والشرور وشرب الخمور ببلاد الشوف والغرب والجرد والمتن، ويكون الناظر على الوقف عين الأعيان ببلاد الشوف. والطبقة الثالثة هي –في حال إنقراض الطبقة الثانية- الحرمان الشريفان: مكة المشرَّفة والمدينة الشريفة.
4. في الوقفيّة أسماء أعلام وأماكن يستفاد منها في الأبحاث. ومن الأسماء المذكورة فيها، وفي تصديقها في سجلاَّت قائمّقامية الشوف سنة 1869، أسماء أشخاص من آل حمدان، كما فيها إسما أميرين هما الأمير قرقماس والد الأمير فخر الدين المعني الثاني، وكان شريك الشيخ ناصر الدين حمدان في المطحنة القائمة على نهر الصفا في قرية بريح، وفي المطحنة القائمة على “نهر الجديدة”. والمقصود بهذا النهر هو نهر الباروك الذي يُعرف قرب قرية جديدة الشوف ب “نهر الجديدة”. أما الأمير الثاني الذي هو أيضًا شريك الواقف، فهو الأمير بهاء الدين، يضاف إليهما اسم أحد الشهود وهو محمّد يوسف سليم عماد من دير القمر.

5. كثرة أملاك الواقف، الشيخ ناصر الدين حمدان، فهي بالإضافة إلى أملاكه في خراج ديركوشه، أراضٍ أو مطاحن في القرى التالية: عمّيق- كفرحيم- دير القمر (البلدة والخراج)- بشتفين- دميت- بريح- الفريديس- جديدة الشوف- نيحا- مزرعة بيروت. وهذه الأملاك الكثيرة بالإضافة إلى أملاك لآل حمدان في جهات الجرد واقعة على الضفة اليمنى لنهر الصفا، سنتكلم عنها، تدلُّ على إتساع أملاك هذه الأسرة.
6.
النزاع القضائي بين اَل حمدان واَل الخوري
باع شيوخ آل حمدان: نصر وكليب وعسَّاف ومنصور وعبد السلام بعض أملاكهم إلى الشيخ غندور الخوري وفارس الدّهّان والخوري مخايل أبو عرَّاج رئيس دير مار الياس رشميًّا، ثم عادوا وإعترضوا على البيع وتقدَّموا بشكوى ضد الشارين مبنية على حجتين هما:
• إن البيع جرى “قهرًا وغصبًا وغدراً من الحاكم بسبب طلب دراهم منهم”.
• إن في الأملاك المباعة ما هو داخل في الوقف الذرّي الذي وردت الإشارة إليه.
وما ورد في الحجّة الأولى يدلُّ على مضايقة الأمراء الشهابين لآل حمدان، ومنهم الأمير يوسف الشهابي الذي جرى البيع في زمنه، وفي هذا إستمرار لسياسة الأمراء الشهابيين، التي حملت اَل حمدان سابقاً على الإنتقال من ديركوشه إلى حارة جندل وباتر. لكن النزاع القضائي بينهم وبين آل الخوري في رشميا إنتهى باتفاقية بتاريخ ربيع أول من سنة 1217ه (تموز سنة 1802م)11 تنصُّ على أن يكون للشيخ حبيب ما بيع لوالده الشيخ غندور الخوري في رِشميّا وعين تراز ومزرعة عطايا والمغار الفوقاني، على ان يظل الرزق الذي في طليع، إضافة إلى نصف مراحات بيروت والأملاك الموجودة في الخريبة وجل المصري وأحد عشر قيراطًا في طاحونة البلاَنة، عدا ما يخص رهبان دير مار الياس، في تصرّف اَل حمدان الذين قدّموا الشّكاوى ضد حبيب الخوري، والذين سيشترون للوقف املاكاً بديلةً عما بيع منه. ومعظم هذه الأملاك واقعة على الضفة اليمنى لنهر الصفا فيما ديركوشه واقعة على الضفة اليسرى للنهر في القاطع المقابل.
كان من الموقِّعين على الإتفاقية الأمير بشير الشهابي الثاني، والأمير حسين الشهابي، والشيخ بشير قاسم جنبلاط، والشيخ بشير نجم جنبلاط، والشيخ نجم العقيلي. وكان من موقِّعي آل حمدان الأشخاص الواردة أسماؤهم أعلاه عدا عبد السلام المتوفَّى، بعد البيع وقبل إجراء الإتفاقية المذكورة. ومن الموقِّعين إثنان لهما ختمان هما سرحال حمدان ومنصور حمدان. وهنا تجدر الإشارة إلى أن أحد شيوخ آل حمدان الذي كان شاهدًا على حجَّة بتاريخ جماد الأول 1165هـ (آذار/ نيسان 1752م) كان ختمه يتضمَّن العبارة التالية: يا حنّان يا منّان ارحم محمود حمدان. وهذا الشيخ قد يكون من شيوخ آل حمدان في حارة جندل أو باتر. وفي إعتماد أشخاص من آل حمدان للأختام منذ القرن الثامن عشر دليل على وجاهتهم.
وهناك نزاع آخر شبيه بنزاع آل حمدان مع آل الخوري الذين أقطعهم الأمير حيدر الشهابي رشميّا، هو نزاع آل القاضي في بيصور مع الشيخ حبيب الخوري على أملاك باعوها في رِشميّا وعين تراز والمغار. وهذان النزاعان يظهران من ناحية توسّع ملكية النصارى في مناطق الجرد بالشراء وبأساليب أخرى على حساب الإقطاعيين الدروز الذين كانوا يملكون هذه المنطقة، كما يظهران من ناحية أخرى اعتراض هؤلاء الإقطاعيين على بعض عقود البيع.

في حارة جندل
حملت قرية حارة جندل إسمها هذا نسبةً إلى الجنادلة أمراء وادي التيم، الذين أقام أميرهم الضحَّاك إمارة في جنوب الشوف، قاعدتها حارة جندل، وذلك في النصف الأول من القرن الثاني عشر الميلادي، إبّان حروب الفرنجة (الصليبيين).
بعد توطّن آل حمدان لديركوشه بضعة قرون إنتقلوا إلى حارة جندل وباتر. وقد جانب المؤرِّخ عيسى اسكندر المعلوف (1869- 1956) الحقيقة في أمرين بقوله: “أما بنو حمدان في باتر الشوف، فهم من أعيان دروز لبنان، جاء جدّهم من الجبل الأعلى قرب حلب منذ قرنين وسكن بحارة جندل في الشوف ثم إنتقل إلى ديركوشه فباتر”12. والأمر الأول المجانب للحقيقة هو تحديد تاريخ قدوم آل حمدان من الجبل الأعلى إلى لبنان بالقرن الثامن عشر فيما هو قبل ذلك بعدة قرون. والأمر الثاني هو تحديد نزولهم في حارة جندل أولاً وانتقالهم منها إلى ديركوشه فيما العكس هو الصحيح.

جسر القاضي الذي قام الشيخ سعيد بن سعد الدين حمدان بترميمه سنة 1884 تقدمة منه للمتصرف واصا باشا
جسر القاضي الذي قام الشيخ سعيد بن سعد الدين حمدان بترميمه سنة 1884 تقدمة منه للمتصرف واصا باشا

ومما يعزِّز القول بنزول آل حمدان في ديركوشه أولاً هو ذكر مؤلّف كتاب “قواعد الآداب حفظ الأنساب” لذلك، وعدم ذكره إسمي حارة جندل وباتر على الإطلاق، وذكره إسم عماطور التي كانت حارة جندل تشكِّل إحدى حاراتها الثلاث، دون الإشارة إلى نزول آل حمدان فيها. ثم إن المؤرِّخ يحيى حسين عمَّار، الذي يذكر أن آل حمدان نزلوا أولاً في كفرا (الغرب)، ومنها إنتقلوا إلى ديركوشه، يذكر أيضًا أن جمهورهم توزَّع من كفرا (الغرب) ومن ديركوشه، وراحت فصائل منهم إلى حارة جندل. وهو يربط بين رحيل آل حمدان من حارة جندل إلى باتر وبين نزاعٍ يقول إنه جرى في حارة جندل بين أسرتي ملاَّك وجودية وأسرتي آل العسراوي وآل خويص، هزمت فيه الأسرتان الأوليان الأسرتين الأخيرتين اللتين ناصرهما آل حمدان، فأتى آل أمين الدين وأخذوا آل العسراوي وآل خويص إلى عبيه حيث جاء آل عبد الملك وأخذوهم منها إلى بتاتر، وإرتحل آل حمدان إلى باتر13 أما نزول اَل حمدان في لبنان فهو في ديركوشه أولاً لا في كفرا (الغرب) حسبما ذكر المؤرّخ يحيى حسين عمّار.
إن الثقات من حارة جندل يؤكِّدون نقلاً عن السلف وجود آل عسراوي قديمًا في حارة جندل، كما لا يزال حقل في خراج حارة جندل يذكِّر بهم لنسبته إليهم: “حقل العسراوي” أو “جل العسراوي”. ويؤكِّد هؤلاء الثقات أيضًا حصول الموقعة بين آل ملاّك وآل عسراوي فقط، وأن موقعها هو عند عين أبو لبن القريبة من حارة جندل، والواقعة إلى الجنوب الغربي منها، لكنهم لا يعرفون أي دور لآل حمدان في هذا النزاع، كما أنهم لا يذكرون اسم أسرة آل خويص بين الأسر الثلاثة عشرة التي مرَّت في حارة جندل أو أقامت فيها14.
بالإضافة إلى ما ورد ذكره عن آل حمدان في حارة جندل، هناك أدلَّة أخرى تؤكِّد وجودهم فيها، وهي:
1. بيت قديم قرب ساحة حارة جندل يُعرف بـ “بيت الحمدان”، لا يزال جانب من جدار مدخله قائمًا إلى اليوم، ويُعرف باسم “بوَّابة الحمدان”. كما لا تزال بقربه آثار قبو قديم، حجارته ضخمة، في جداره مرابط حجرية للخيل، الأمر الذي يدل على الغنى والنفوذ.
2. عقد (حجَّة) في بعذران المجاورة لحارة جندل، يرد فيها إسما محمود حمدان وولده منصور، وهما بائعان أرضًا في بعذران لأبي حسين علي باز من بعذران، تاريخها 1194هـ (1780م).
3. حجَّة مؤرَّخة في شوَّال سنة 1172هـ (أيار/ حزيران 1759م) يُذكر فيها أن الشاري هو الشيخ علي جنبلاط المكرَّم والشيخ علم الدين حصن الدين من قرية المختارة، وأن البائع هو “بهاء الدين وأخوه طليع أولاد حمدان من قرية حارة جندل”15.
إن تاريخ الحجَّة المذكورة –وهو 1759م- يؤكّد أن آل حمدان موجودون في حارة جندل قبل هذا التاريخ، ذلك أن الأخوين بهاء الدين وطليع حمدان اللذين باعا الأرض في السنة المذكورة قد يكونان مالكين لها قبل ذلك التاريخ بسنوات عديدة، وقد يكونان وارثين لها عن أبيهما. وفي تاريخ هذه الحجَّة مؤشِّر لتحول حارة جندل إلى قرية منفصلة عن عماطور بعد أن كانت من حاراتها الثلاث: حارة جندل، حارة حريمه، الحارة الوسطى، إذ هناك حجَّة بتاريخ رجب 1135هـ (نيسان 1723م) يرد فيها “أن الشيخ بو نجم قيس ابن زيدان إبن جوديه من قرية عماطور من حارت [حارة] جندل من الشوف الحيطي تابع صيدا المعمورة اشترا [اشترى] من يد الشيخ عبد الله إبن عسَّاف إبن بو شقره من حارت حريمه من الشوف الحيطي16. وهنا لا بد من الإشارة إلى ان عماطور وردت في جداول الضرائب العثمانية في القرن السادس عشر فيما لم ترد حارة جندل.
خلت حارة جندل من آل حمدان الذين باعوا أملاكهم فيها، وانتقلوا إلى باتر القريبة، فلقد كانت بالنسبة لهم محطة مؤقتة.

“آل حمدان تبعوا الغرضية الجنبلاطية وتزاوجوا مع آل جنبلاط ومع أسر وجيهــــة أخرى مثل آل شمس ومزهر وأمـــين الدين”

في باتر
تقع باتر في جنوب الشوف، على الطريق الرئيسة الذاهبة منه إلى جزِّين. وعلى طريق نيحا-النبي أيّوب، والتفسيرات العديدة المعطاة لإسمها تدلُّ على قدمها، وأرجحها، في رأينا، هو أنه سرياني17.بمعنى “القطع”. وهي كانت تمتد بين مجرى الماء الشتوي الواقع إلى شمالها ونبع باتر الواقع إلى جنوبها. وموقعها هذا يعرف اليوم بـ “باتر الضيعة”، ذلك أن البلدة كبرت في القرن العشرين واتسعت شمالاً في محلة “الحَمَاري” إلى أن بلغت موقعها القديم المعروف بـ “الحارة” الواقعة إلى الشمال الغربي واتصلت بمحلة جبليه، واتّسعت جنوباً في منطقة “الدلغان” حتى بلغت محلة “خفيشه “.
قدم آل حمدان من ديركوشه إلى باتر على دفعات، أقامت طلائعهم في جباع الشوف لمدة وجيزة قبل انتقالهم إلى باتر ، ولحق بهم آل حمدان الذين أقاموا في حارة جندل ثم الذين ظلوا في ديركوشه. وأقاموا جميعاً في الحارة الفوقا والحارة التحتا من “باتر الضيعة”. واستطاعوا بما حملوا معهم من الأموال، وما كان يأتيهم من غلال أملاكهم في ديركوشه، وما كان يتراكم لديهم من ثروات أن يشتروا الأراضي من فلاحي باتر الفقراء حتى توصلوا إلى امتلاك 90% من أراضيها، ومنها خفيشه التي اشتروها من آل نصر الدين الذين منهم اليوم آل أبو حسين. وهذا ما جعلهم إقطاعيي باتر وجعل أهلها شركاء عندهم. وقد عرفوا بلقب “المشايخ” وبلقب “البكوات” مؤخراً، وكان لهم، بفضل علومهم، مراتب في الإدارة الحكومية والقضاء وخصوصاً في القضاء المذهبي الدرزي.
من مظاهر إقطاع آل حمدان وغناهم السجن والميدان ومعصرة الزيتون التي تخصّهم وجميعها في الحارة الفوقا، والمطاحن الثلاث التي أنشأوها عند نبع باتر وقناة المياه التي جرّوها إلى مزرعة خفيشه ، ومن المظاهر أيضا جرُّهم مياه “عين التنّور” إلى بيوتهم في الحارة الفوقا ومياه “عين العرايس” إلى بيوتهم في الحارة التحتا.
من الأدلة على أهمية مشايخ آل حمدان ما سنذكره عند الحديث عن علاقتهم بآل جنبلاط، ومنها أنهم من مزاويجهم (مجاويزهم). ومن المزاويج الآخرين لأسرتيهم: آل مزهر وآل شمس وآل أمين الدين. وقد كانوا جميعًا متحالفين تحت لواء الغرضية الجنبلاطية.
إن عدد زيجات آل جنبلاط من آل حمدان هو، بحسب ما أفادنا القاضي فؤاد حمدان، خمس زيجات، منها زواج فؤاد بك جنبلاط من الست صفا حمدان. وعدد زيجات آل حمدان من آل جنبلاط سبع زيجات، منها زواج الشيخ كامل حمدان من الست جوليا، شقيقة فؤاد بك جنبلاط، وزواج القاضي ملحم حمدان من الست خانم جنبلاط التي اُقيم لها مقام في باتر18.
ومن الأدلة على إعتداد آل حمدان بأنفسهم، وحرصهم على موقعهم الإجتماعي، أنهم ما كانوا يمرُّون أثناء ذهابهم من باتر وعودتهم إليها، في بلدة عمَّاطور، لأنه كان من الإمتيازات المعطاة لها، بفضل قوة عصبيتي آل أبو شقرا وآل عبد الصمد، ترجّل الفرسان عن خيولهم وقيادتها حتى تجاوزها19. وهذا كان وراء تجنُّب آل حمدان المرور في عماطور، وسلوكهم الطريق التي تمرُّ تحتها، والتي صارت تُعرف لذلك باسمهم “طريق الحمدانيين”.
جاء في مخطوطة تاريخها سنة 1904 تحديد لعائلات باتر وأفرادها، وفيها يُذكر أفراد هذه العائلات بأسمائهم، باستثناء آل حمدان الذين تُذكر أسماؤهم مسبوقة بلقب “الشيخ”، وهم شيوخ الحارة الفوقا: الشيخ عبد السلام، والشيخ قاسم، والشيخ سعيد (القاضي)، والشيخ داود. وشيوخ الحارة التحتا: الشيخ حمّود، والشيخ قاسم، والشيخ عبّاس، والشيخ ملحم، والشيخ سليم20.
جمع آل حمدان إلى النفوذ المتأتي من المشيخة نفوذًا متأتيًا من المناصب التي شغلها متعلِّموهم ومثقفوهم، فكان منهم أعلام عديدون هم: حسب التسلسل الأبجدي للأسماء:
• حمّود حمدان: وهو شيخ الصلح في باتر في مطلع القرن العشرين.
• سعيد سعد الدين حمدان المتوفَّى سنة 1932: إنه من مواليد ديركوشه كما وردت الإشارة، وهو دون العديد من آل حمدان في الثروة والتملك في باتر. كان رئيس محكمة الشوف، وعضو محكمة التمييز، وقائمقام الشوف لسنة 1892، وقاضي مذهب الدروز الوحيد في جبل لبنان، ثم فيه وفي بيروت بعد إنشاء دولة لبنان الكبير في سنة 1920، وحتى سنة 1928. وهو منشئ “القنا الكبير” لري الأراضي من نبع باتر. ومرمم جسر القاضي سنة 1884 تقدمة للمتصرف واصا باشا.
• سليم عبّاس حمدان المتوفَّى سنة 1968: كان عاملاً في حقل الصحافة، وله ديوان شعر اسمه “الحمدانيات” وديوان آخر اسمه “أطياف” قدَّم له كمال جنبلاط، وكتاب “المدنية والحجاب” وهو ردٌّ على كتاب “السفور والحجاب” لنظيرة زين الدين، وكتاب “الدُّرُّ النظيم في مختارات السليم”.
• عادل ملحم سعيد حمدان المتوفّى سنة 1994: كان مدعيًا عامًّا في جبل لبنان. مارس القضاء لمدة تسع سنوات. وكان من أبرز أصدقاء الرئيس كميل شمعون والمقرَّبين إليه. قدّم نصف عقار كان يملكه واشترى بماله الخاص النصف الآخر من السيدة سعاد حمدان وقدم كامل العقار إلى نادي تيرون في باتر ليتم استخدامه كحديقة للنادي.
• فؤاد بسَّام فؤاد نجيب حمدان: وهو حاليًّا قاضٍ في المحكمة الاستئنافية المذهبية الدرزية العليا.
• ملحم سعيد سعد الدين حمدان المتوفَّى سنة 1950: كان مستشارًا للعدلية، ثم نُدب لرئاسة غرفة الإستئناف، وعُيّن في سنة 1928 قاضي مذهب خلفًا لوالده سعيد عند تردِّي وضعه الصحي. اتفق الزعماء الدروز على إستقبال المفوَّض السامي هنري دو جوفنيل في بيته ببيروت في أواخر سنة 1925، حين أُشكل عليهم في أي مكان يستقبلونه، وذلك عندما رغب في مفاوضتهم بأمر الثورة السورية الكبرى، وقد عزلته السلطة اللبنانية، بضغط من السلطة الفرنسية المنتدبة، من منصبه القضائي، في تشرين الأول 1926، لأنه حضر مأتم المجاهد في الثورة السورية، رشيد طليع، الذي أُقيم بقريته جديدة الشوف. ومن اللافت بقاء جثته دون أن تتفسخ حتى سنة 1987.

لوحة بريشه الرسام عمر فروخ للشيخ ملحم حمدان
لوحة بريشه الرسام عمر فروخ للشيخ ملحم حمدان

تجدر الإشارة أخيرًا إلى أنه ورد في “معجم أعلام الدروز” للدكتور محمد خليل الباشا إسم الملازم حسن خزاعي حسن –وهو من عترين الشوف- بين أعلام آل حمدان. وفي رأينا أن هذا خطأ في النقل، أو في إخراج الكتاب.
ألغت الحداثة، والتطوُّر الاجتماعي والإقتصادي، وترقِّي عامة أهل باتر، الفارق والتمييز بين هؤلاء وبين المشايخ الحمدانيين. وساهم في ذلك تراجع آل حمدان أنفسهم على الصعيد المادي، وبيعهم بعض بيوتهم في الحارة الفوقا ومعظم أملاكهم في باتر، ومنها، على سبيل المثال، مزرعة خفيشه التي باعها الشيخ عادل حمدان والتي ورثها عن أبيه، عن جده سعيد حمدان، وعين الزيتونة ذات المساحة الكبيرة في محلَّة “الحماري” التي باعها الشيخ سليم حمدان، إضافة إلى أملاك خارج باتر، ومنها في ديركوشه كما منها محلة “براك التل” الواقعة على الساحل إلى الجنوب من مدينة صيدا، والبالغ طولها ما يقارب أربعة كيلومترات، وقدباعها الشيخ عادل حمدان. وبعد أن كان أمين بك حمدان يعود من ديركوشه ومعه خرج مليء بالليرات الذهبية هي الغلّة السنوية من المطاحن ومعمل حل شرانق الحرير ومصنع الفخّار، وبعد أن كان يحصل على 30 قنطارا من زيت الزيتون من أراضيه في باتر، عاش آخر أيامه في حالة من الفقر والضنك بعد أن باع الأكثرية الساحقة من أراضية في القريتين.
كما ساهم في تراجع دور آل حمدان في باتر إقامة معظمهم خارجها في بيروت وصيدا وغربتهم عن أهلها وشؤونهم، وقد بلغ ضعفهم حد العجز، في أواخر النصف الأول من القرن العشرين، عن التجديد للمختار الشيخ عارف حمدان الذي كان آخر مختار منهم بعد والده الشيخ نجيب حمدان الذي كان شيخ صلح قبل تسلُّمه المخترة، فاعتبر ذلك عنوانا لتحول حظوظ العائلة وأحد أبرز مظاهر تراجع مكانتها الإقطاعية.

معمل-لحل-شرانق-الحرير-من-أملاك-آل-حمدان-لا-يزال-موجودا-على-الطريق-من-ديركوشه-إلى-جسر-القاضي
معمل-لحل-شرانق-الحرير-من-أملاك-آل-حمدان-لا-يزال-موجودا-على-الطريق-من-ديركوشه-إلى-جسر-القاضي

اَل حمدان من دعائم الفريق الجنبلاطي
ورد سابقاً ان اَل حمدان القيسيين والوا اليمنيين في اَخر مراحل الصراع القيسي اليمني، مما جعل بعض المؤلّفين يعتبرونهم يمنيين. وبعد زوال اليمنية، وخلو الساحة للقيسية، صار اَل حمدان على الغرضية الجنبلاطية عند نشوئها، حين لم يحافظ القيسيون على وحدتهم، وانقسموا مع من تبقى من اليمنيين إلى جنبلاطيين ويزبكيين، فكانت هذه الثنائية الجديدة إمتدادًا للثنائية القديمة على صعيد الاصطفاف الفئوي، وكان آل حمدان من دعائم الفريق الجنبلاطي.
ذكر فرديناند بيريه الذي رافق حملة محمد علي على بلاد الشام (1831- 1840) في كتابه الصادر في باريس سنة 1842، أن “الحزب الجنبلاطي” ينضوي تحت بيرقه بيارق أربع أسر كبيرة، ذات تأثير ونفوذ بفضل ثرواتها وأصولها القديمة، هي:
1. مقدِّمو آل مزهر في حمَّانا.
2. مشايخ آل حمدان (وقد ورد اسمهم Beit Embdan ).
3. مشايخ بيت مان الدين [أمين الدين].
4. مشايخ بيت شمس.
وفي حديثه عن هذه الأسر قال فرديناند بيريه: “إن أسرتي آل مزهر وآل أمين الدين قليلتا العدد، وإن أسرة آل حمدان بإمكانها أن تحشد 260 مقاتلاً تحت بيرقها، ووصف هذا البيرق بأنه مركّز على رمح مزيّن، ينتهي بسنان (حربة) مثلث أسود”. وقال: “إن العديد من أفراد آل حمدان يمتلكون ثروات كبيرة وقرى بكاملها”21.. إن كلام هذا المؤلِّف الأوروبي عن تملّك آل حمدان قرى بكاملها المقصود به، في رأينا، تملّكهم لقريتي باتر وديركوشه وقد كان الكاتب مطّلِعا، وكان يكتب ما يراه في الميدان، وهو دوَّن مشاهداته عن الدروز في فصل كامل، حتى إنه تحدَّث عن جريمة شرف حصلت سنة 1839 في قرية صغيرة مجاورة لباتر، حدَّد موقعها بالقرب من جزين، هي على الأرجح قرية عاري.
إن آل أمين الدين هم أحد فروع آل القاضي الأربعة المتحدِّرة من شيخ العصر عند الموحِّدين (الدروز) الشيخ بدر الدين حسن العنداري، المتحدِّر بدوره من الأمراء المناذرة اللخميين، وإن تقديم فرديناند بيريه لآل حمدان عليهم قد يكون جاء عفوًا، وقد يكون عن قصد بناءً على قوة آل حمدان المتأتية من إمكانية حشد مقاتلين أكثر من اَل أمين الدين.
كان آل حمدان وآل مزهر وآل أمين الدين وآل شمس ممن استهدفهم الأمير بشير الشهابي الثاني في إجراءاته الإنتقامية ومظالمه بعد تغلُّبه على الشيخ بشير جنبلاط في كانون الثاني 1825، ومن ذلك طلبه في رسالته إلى حليفه الشيخ حمُّود النكدي أن يجمع بيت جنبلاط في المختارة “تحت الضغط”، وأن “يدبِّر” بيت حمدان وإبن إبن الشيخ بشير شمس22

بوابة-الحمدان-في-حارة-جندل-شاهد-على-استقرار-الأسرة-فيها-قبل-انتقالها-إلى-باتر
بوابة-الحمدان-في-حارة-جندل-شاهد-على-استقرار-الأسرة-فيها-قبل-انتقالها-إلى-باتر

يذكر طنّوس الشدياق أن بعض النصارى قتلوا في سنة 1844، أثناء الحوادث الطائفية بين الدروز والنصارى، شبلي حمدان أحد أقارب سعيد بك جنبلاط. لكن الشيخ سعيد منع آل حمدان أن يأخذوا بثأره تسكينًا للفتن، في إطار سياسته التي انتهجها من أجل إيجاد التقارب بين الدروز والمسيحيين23. وقد حُكم على أحدهم خليل حمدان بالسجن لمدة 6 سنوات بعد الحوادث الطائفية في سنة 1860.

الأسر المتفرِّعة من آل حمدان
إسم “حمدان” هو إسم الذكور عند المسلمين، وأسرهم التي تحمله كثيرة، منها من تعود إلى الحمدانيين الذين نتحدَّث عنهم، والذين تعود جذورهم إلى الحمدانيين حكام حلب والجزيرة والموصل، ومنها من تتشابه معهم بالاسم وتعود إلى جد أعلى اسمه “حمدان”. وقد ذكرنا من فروع الحمدانيين حمدانيي باتر، وأصلهم من ديركوشه، وحمدانيي جبل حوران، وأصلهم من كفرا (الغرب)، والفريقان يعودان إلى حمدانيي شمال سورية وفقًا للاستنتاجات التي ورد ذكرها.
واللافت أن الروايات لا تذكر من حمدانيي كفرا (الغرب) إلا حمدان الحمدان، وبعضها يذكر ان أخاه، الذي وُجد إلى جانبه في جبل حوران، ليس أخاه من أمه وأبيه، بل هو أخوه بالتعاهد. وهذا يقودنا إلى استبعاد أن يكون السالمون من حمدانيي كفرا (الغرب) شخصًا واحدًا فقط، أو شخصين، كما يقودنا إلى الاعتقاد أن يكون هناك أشخاص غيره لجأوا إلى قرية أو أكثر من قرى لبنان وحملوا اسم “حمدان” أو أسماء غيره هي أسماء الآباء والأجداد.
وبناءً على ذلك، وفي غياب الروايات المؤكَّدة، وتعدُّد الروايات وتناقضها، لا يسعنا الجزم بأي فروع لآل حمدان غير فرعي جبل حوران وباتر اللذين لا يزالان مستمرّي الوجود إلى يومنا هذا. وقد يحسم فحص الحمض النووي المعروف بـ D.N.A مسألة النسب عند اَل حمدان فيؤكّد من هم منهم أقرباء لبعضهم البعض، كما قد يحسمها ظهور وثائق ومعلومات جديدة. وفي غياب هذا لا بد من الإستعراض الموجز لما كُتب، ولما يروى عن فروعٍ لآل حمدان في لبنان.
ذكر المؤلِّف أحمد أبو سعد ما يلي: “وفي بعض قرى لبنان أسر أخرى درزية تحمل هذا الإسم “حمدان”، ولكنها لا تمت بصلة قرابة إلى أسرة حمدان في باتر، منها اَل حمدان في عميق المناصف وهؤلاء اقرباء بنى فوارس كما في “قواعد الاَداب” وأسرة حمدان أو أبو حمدان في ميمس بقضاء حاصبيا التي يُقال إن أصلها من شارون من آل الأحمدية وانتقلت إلى ميمس والكفير منذ مدة طويلة ولها علاقة بآل صبح وحاطوم وبركات، ومنها القاضيمنيف حمدان…وأسرة حمدان في عين عنوب وهي هناك فرعان زين الدين وحمدان وقد نزح من حمدان فرع إلى صوفر والمقول إن أصلها من قبيع”

بعض-الأبنية-التاريخية-التي-تعود-إلى-آل-الحمدان-في-الحارة-الفوقا
بعض-الأبنية-التاريخية-التي-تعود-إلى-آل-الحمدان-في-الحارة-الفوقا

“أهم أسباب تراجع مكانة آل حمدان الإقطاعية بيعهم لمعظم أراضيهم وسكنهم خارج باتر وغربتهم عن مجتمعهـــــا”

ما ورد ذكره يتضمَّن خطأين، أولهما نسبة آل حمدان إلى بني فوارس إعتمادًا على ما جاء في كتاب “قواعد الآداب حفظ الأنساب” وهذا لم يرد في الحديث عن آل حمدان وإنما ورد عن “بني سويقات”. وهو خطأ في الاقتباس، وفي النتائج المبنيّة عليه، لأن آل حمدان من بني تغلب القيسيين، وبني فوارس من المناذرة اللخميين اليمنيين. وثانيهما القول إن آل حمدان في المناصف لا يمتون بصلة إلى آل حمدان في باتر، مع الإشارة إلى أن أصلهما واحد. وفيما يتعلَّق بآل حمدان في عين عنوب، من الضرورة نقل روايتهم عن نسبهم، وهو أنهم يعتبرون أنفسهم من أقرباء الحمدانيين في جبل حوران، وأن منهم حمدانيي صوفر وقبّيع25.
إن المتداول عند آل حمدان في باتر هو أن أسرًا في لبنان تحمل لقب حمدان –ومنها الأسر الشيعية- تلتقي معهم فقط عند الأرومة العليا، أي أنهم متحدِّرون وإياهم من آل حمدان في جهات حلب. والمتداول عندهم أيضًا أنه ليس هناك فروع منهم أو أقرباء لهم إلا حمدانيو جبل حوران، لذا ليس عندهم أية معلومة عن مقولة حديثة بوجود فروع أربعة منهم، كما أنهم لا يجزمون بنفيها وبعدم صحتها، وهذه المقولة هي ترك أربعة أخوة من آل حمدان قريتهم باتر للسبب التالي، وهو أن أحدهم كان يريد الزواج من إبنة عمه، لكن ابن عمهم الثاني خطفها، فساءهم هذا وقتلوا العروسين وفرُّوا من باتر، وهم إسماعيل ومحمود وقرقماز وأحمد، وأقاموا في القرى التالية حيث شكَّلوا فيها أسرًا تحمل شهرة “حمدان”.
1. الكفير في جهات حاصبيا. وقد نزل فيها إسماعيل. ومن أعلام أسرة حمدان فيها: المحامي والقاضي الدكتور منيف حمدان (رئيس محكمة جنايات بيروت)، والعميد الركن إسماعيل حمدان عضو المجلس المذهبي الدرزي.
2. أرنون بالقرب من مدينة النبطية في جنوب لبنان، وقد نزل فيها محمود، ومن أعلام أسرة حمدان هناك الحاج خليل حمدان عضو المكتب السياسي في حركة “أمل”.
3. عسفيا في منطقة الكرمل في شمال فلسطين، حيث نزل قرقماز، لكن التواصل بين أسرة حمدان هناك وسائر الأسر الحمدانية في لبنان وسورية مقطوع منذ سنة 1948 بسبب قيام دولة إسرائيل في فلسطين المحتلة.
4. عين الشعرة في السفح الشرقي لجبل حرمون من سورية، حيث نزل أحمد، وغدت ذريته أسرة انتقل بعض أفرادها إلى مغر المير ودير حينا، كما أن بعض آل حمدان قطنوا قرية دورين قرب القنيطرة حوالى المائة سنة، ثم تركوها منذ حوالى خمسين سنة26.

كلمة السواء

ضجيـــــج بيئـــي

حـــول مشـــروع حيـــوي

يعتبر سد بسري من أكبر سدود المياه المخططة في لبنان بسبب كمية المياه التي سيوفرها وتتجاوز الـ 125 مليون متر مكعب سنويا ، وللمقارنة فقط فإن سد شبروح الذي كلف أموالا طائلة يوفر كميات مياه لا تتجاوز الـ 8 ملايين متر مكعب سنويا. ويأتي تنفيذ سد بسري منسجما مع الدعوة المتزايدة للإفادة من فائض مياه الأمطار في لبنان من خلال خزنها عبر سدود صغيرة أو متوسطة ثم الإفادة من مياهها في فترات الشح في الصيف لتأمين حاجات المياه للسكان وخلق فرص لتطوير زراعات اقتصادية وزيادة المساحات المزروعة والمروية في لبنان.

وتعتبر المياه الفائضة في لبنان التي تتساقط في فصل الشتاء أو عند ذوبان الثلوج ويذهب معظمها إلى البحر احتياطا مائيا استراتيجيا معطلا في بلد يعتبر بين ثلاث بلدان عربية فقط مكتفية ذاتيا بالمياه إضافة إلى العراق الذي يستفيد من نهري دجلة والفرات والسودان الذي يمتلك موارد هائلة من خلال نهر النيل.

يتعين على اللبنانيين تقدير هذه الميزة الطبيعية الكبرى، لأن العصر المقبل سيكون عصر حروب المياه، وسيكون التنافس على مصادر المياه أحد أهم أسباب النزاعات بين الدول في المستقبل القريب. إن فكرة إنشاء سدود مائية في أماكن ملائمة من أودية لبنان ومجاري الأنهر والسيول هي الأنسب لبلد يحتوي على أنهار وينابيع كثيرة لكنه لا يستفيد كثيرا من مياهها. بالطبع لا بد في هذه المشاريع أن تتم الموازنة بين العائد الاقتصادي وما يمكن اعتباره “التكلفة البيئية”، وهناك مخاوف مشروعة لدى كثيرين من الثمن البيئي للسدود لكنها مخاوف مبالغ بها وهي تنبع من نظرة وحيدة الجانب تركز على الثمن البيئي للسد لكنها لا تريد النظر إلى الثمن البيئي للعطش وشراء المياه ونقص الموارد اللازمة لإحياء الزراعة والغذاء للبنانيين. ولا يوجد شيء من لاشيء ولا يمكن بناء سد مياه من دون خسارة وادٍ ولا شق طريق سريع أو تطوير مشروع عقاري أو أي نشاط حضري من دون أن نذهب أثناء العملية بجزء من الطبيعية أو البيئة التي نحبها. هذه هي الحقيقة مهما كانت مؤلمة، وقد تغيير لبنان كثيرا عما كان عليه قبل 50 أو 100 سنة بسبب العمران وما أتى عليه من الطبيعة وجمالها.

سد بسري بالتحديد يحلّ مشكلة نقص مزمن في مياه بيروت أدّت إلى انتشار حفر الآبار الارتوازية بصورة عشوائية، مما أدى إلى تسرب مياه البحر إلى الطبقة الجيولوجية التي تستقر فوقها العاصمة بفعل عملية الامتصاص وإلى تملح معظم آبار العاصمة. ومن منظور بيئي فإن هذه كارثة حقيقية يجب على أنصار البيئة أن يأخذوها في الاعتبار كما يجب أن يأخذوا في الاعتبار أن أكثر سكان بيروت يعانون كثيرا من نقص المياه ويضطرون لدفع مبالغ طائلة شهريا لشراء المياه من مصادر غير معروفة وكذلك شراء المياه المعبأة بالبلاستيك لإرواء عطشهم.

إن بيروت هي لجميع اللبنانيين وتعيش فيها نسبة كبيرة من أهل الجبل وهؤلاء مثل غيرهم يحتاجون مع أطفالهم إلى مياه نظيفة في حنفياتهم وغير ملوثة، والسدّ سيحل لأول مرة هذه المشكلة في مياه العاصمة التي تتغذي حالياً بنحو 250 ألف متر مكعب يوميا بينما سيوفر سد بسري كمية إضافية تبلغ ضعف تموين العاصمة الحالي أي نحو 500 ألف متر مكعب يوميا، وهذه الكمية يمكن أن تحل لمدة طويلة مشكلة شح المياه في بيروت. يبقى القول أن القرى المحيطة بالمشروع تتحمل أمانة الحفاظ على البحيرة ونوعية المياه التي ستنساب منها إلى المواطنين في بيروت أو غيرها من مدن الساحل، وعلى الناشطين البيئيين أن يتحدوا من أجل الحفاظ في المستقبل القريب على محيط بحيرة بسري وسدها من الاعتداءات وعلى أهلنا أن يجعلوا من أنفسهم قدوة في المواطنية المسؤولة والسلوك البيئي والمدني.

صندوق شبكات الأمان
مشروع خيري يستحق الدعم

قبل 4 سنوات تقريبا أطلقت مجموعة من رجال الأعمال في الطائفة أول صندوق مالي وقفي ذي حضور محلي واغترابي برأسمال أولي بلغ 325,000 دولار وتم جمع المبلغ من 13 مساهما قدم كل منهم مبلغ 25,000 دولار وارتفع رأسمال الصندوق في ما بعد إلى ما يقارب 400,000 دولار.

الهدف الأساسي للصندوق كما أعلن المؤسسون في حينه هو تحسين نوعية الحياة لأصحاب الحاجات من أبناء الطائفة والتشجيع على العمل الخيري، وحددت أهداف الصندوق بتقديم الدعم المالي لطلاب الجامعات والمعاهد المتفوقين والأسر التي فقدت معيلها الأساسي والمسنّين المعوزين والمرضى في جزء من تكلفة الاستشفاء.

وأعلن الصندوق أنه يعتزم الإنفاق على المعونات من العائد على استثمار الأصول المالية وليس من الأصول نفسها، والتي يفترض أن تستمر في النمو سنة بعد سنة، وحصل الصندوق الوقفي على ترخيص رسمي من الحكومة اللبنانية كما تم تسجيله في الولايات المتحدة الأميركية بموجب القوانين المرعية الإجراء، الأمر الذي يسمح له باستقطاب التبرعات من المغتربين وفق نظام الجمعيات الخيرية التي تعتبر التبرعات إليها معفاة من الضرائب.

الصندوق الوقفي حقق في الفترة الأخيرة إنجازا مهما من خلال اتفاق مع الجمعية الدرزية الأميركية أصبح ممكنا بموجبه لأي مغترب التبرع لصندوق شبكة الأمان بواسطة الجمعية الدرزية الأميركية ADS وقد تلقى الصندوق بالفعل أول شيك تبرعي من الجمعية قبل صدور هذا العدد من “الضحى”، وهذا التطور يعطي لهذه المؤسسة ميزة كبيرة في بلد يضم عشرات الألوف من المغتربين الراغبين في المساهمة في العمل الخيري.
ويجب القول أن صندوق شبكة الأمان يعتبر قفزة نوعية في العمل الخيري لطائفة الموحدين الدروز لأسباب عدة أهمها:
1. أنه أدخل مفهوم الوقف المالي (بدل الوقف العيني) إلى العمل الخيري بحيث يتم الإنفاق على أهدافه من العائد على الاستثمار وهذا يسمح لتلك لأمواله أن تنمو باطّراد.
2. إنه تأسس كمؤسسة ذات قاعدة واسعة من المتبرعين وقواعد عمل شفافة تعزز الثقة بإدارته وبكفاءة القائمين عليه، ويساعد ذلك على تعزيز الثقة بالعمل الخيري والتي تأثرت بسبب أسلوب إدارة كثير من الجمعيات التي قد يهيمن عليها أشخاص أو قد لا يتمتع عملها بالشفافية المالية.
3. المرونة الكبيرة في أسلوب التبرع إذ يتيح الصندوق لأي كان التبرع بمبلغ كبير أو صغير ربما لا يتجاوز الـ 100 دولار وذلك حسب قدرة أو رغبة كل متبرع، والعبرة هنا هي أن المطر يتألف من قطرات وأن التبرع بالمال ولو بمبلغ صغير أمر مهم لأنه إن حصل على نطاق واسع فإنه يحدث فرقا كبيرا . والنصيحة هنا هي أن لا يستقل أي منا أهمية التبرعات الصغيرة لكن التي تأتي من عدد كبير من أهل الخير.
4. إن صندوق شبكات الأمان تأسس على أسس حديثة تجعل التبرع ممكنا عن طريق الإنترنت بواسطة بطاقات الاعتماد وهو أسلوب سهل جدا وآمن إلى أقصى الحدود لأن عملية الدفع محمية تماما بأحدث أنظمة الأمان الشبكي.
5. إننا نحثّ إخواننا في كل مكان على المساهمة في صندوق شبكات الأمان، المقتدر حسب اقتداره وذو الدخل المحدود حسب أريحيته وغيرته، واعلموا أنه كلما دعمنا هذه المؤسسة واعتدنا التبرع لها كلما ساهمنا بتنمية مواردها وقربنا الوقت الذي يصبح في إمكان أي منا أن يلجأ إليها في حال الضيق. والله في عون العبد ماكان العبد في عون أخيه.
للمهتمين يمكن زيارة موقع صندوق شبكات الأمان على الموقع التالي: www.TheSafetyNets.org

الالتزام بحقِّ الكلمة ومعناها

رسالة سماحة شيخ عقل طائفة الموحدين الدروز
الشيخ نعيم حسن
الالتزام بحقِّ الكلمة ومعناها

المُعجَم، في المفهوم الحديث لعِلم الدَّلالة، هو فُسحة لغويَّة “تمُوج بالحياة والحركة” في حال النَظر فيها بعين التَّدقيق المُعمَّق، ذلك أنَّ مدلولَ الكلمة يبقى قابلًا لمحمولات متجدِّدة في المعنى. سنكتفي هنا بإيراد نبذةٍ من سيرة الشيخ الفاضل1 حين قال له شيخُه أبو عبادة زاكي الَّذي رعاه في البداية (وكان فتًى في حداثته): “إنْ قُلنا لكَ يا محمَّد، نرى ذلك قليلًا عليك. وإنْ قُلنا لك يا شيْخ محمَّد نرى ذلك كبيرًا عليْك. فنقولُ لكَ يا أبا فُلانٍ بكُنْيته المشهورة.”
لقد كان مدلولُ الكلمة كما بدا واضحاً انه مرتبط بالنُّضْج الَّذي يحقِّـقُه المرءُ في سلُوكِه وديانتِه ومعرفته بحيْث يكونُ الإدراكُ مستويًا في سجايا الخيْر، لا سيّما منها حضُور العقل في الحركاتِ والسكَنات، وغَلبَة الحِلم، أي الرزانة والأناة والتبصُّر، على نوازع النَّفس وانفعالاتها وعواطفها. وأيضًا، استقرار جَنَان السالك، أي قلبه وداخله، في هدْأة التَّواضُعِ، بنُور المعرفة. ثمَّ الثَّبات عليه، فلا تُـقلقِلُ سكينتَهُ في الفضيلة تلك أيُّ حادثةٍ من حوادث الأيَّامِ العابرة في الزَّمن، لأنَّ الاطمئنان الرُّوحيّ يعلو عليه بلطافته وقيمتِه وجوهريّته.
كذلك في هذه المناداة محافظة على سداد المعنى، من غير إفراط في استخدامه، ويعني هذا إخلاصه في التَّوحيد، لأنَّ التَّوحيدَ لا يصِحُّ في الحقيقةِ دون ثباتِ المعنى في المقاصدِ السَّديدة لهُ مهما عصفَت بها عوارضُ الأزمان. والعقلُ يستدركُ تصعيد المعنى دون أن يخونه. ويُحيطُ بتنوِّعات دلالاته من دون ضلالٍ عن جذوره الأصيلة. وهذا مبحثٌ له حديث وأبحاث تطُول.
هذا مثالٌ على كثير من المصطلحات الجوهريَّة التي لا يمكنُ لأيِّ مُوحِّدٍ أن يكتفي منها بظواهر الشَّكل والكُلْفة، بل من الواجب اللازم أن يحقِّقَ مقاصدها في سلوكه، ولا يحدث هذا إلَّا باتِّحادِ معناها في خلجَاتِ نفسه، وتأثُّرها به وجدانيًّا وامتثالًا في العملِ، كي يحقّقَ معنى التَّوحيد وفق قدْرته واستطاعته بعد بذل الجهد مخلصًا ومتشوِّقًا إلى الارتقاء به على الدَّوام. بهذا نبتعد عن الاعتباطية التي يبني البعض عليها الآراء ويتخذها منظاراً نحو الآخرين فتجمح عواطفه وتجعله يعيش في مجتمع مضلل مخدوع.
علينا أن نتطلَّع، بشجاعةٍ، في مرآة الحق بحثًا عن مكاننا من المفاهيم الأصيلةِ لكثيرٍ من المصطلحات، ومنها: التَّواضع، الحياء، النّزاهة، الإيثار، الأخُوَّة، العفاف، القناعة، الطِّيبة، الاعتدال، الإنصاف، المَيْز، الحِلْم، الصَّبْر، التوكُّل، الإخلاص، الرِّضى، الخشُوع، الإصغاء، المروءة، الوفاء، وبالإجمال الكثير من الآداب والأخلاق اللائقة بمعنى التَّوحيد. وفي كلِّ حال، فإنَّ كلَّ القيَم المذكورة هي برسم كافَّة شرائح المجتمع المتطلِّع إلى نهوضٍ لائقٍ بمعنى الحضارة. فالأخلاق الحميدة سمات إنسانيَّة نبيلة، بها تكون الأسرةُ نواةً قويَّة صالحة، وأساسًا متينًا لكلِّ بناءٍ حضاريّ لائقٍ بمعنى المَدَنيَّة الرَّفيع.
قال تعالى في كتابه الكريم﴿ اللهُ وليُّ الَّذين آمَنُوا يُخرجُهُم منَ الظُّلُمات إلى النُّور ﴾(البقرة 257)، أي أنَّ الله تعالى ينصرُ المُصَدِّقين بحقائق دعوته وتوحيده، ويوفّقهُم في سعيهِم المخلِص وصولًا إلى نور الحقّ والهداية والاستقامة. والتَّصديقُ السَّليمُ هو لبُّ صحَّة الدّيانات. ولو امتثل المرءُ معنى التَّصديق بحقيقته لَتَبدَّى ذلك واضحًا في عملِه وسلوكه مع خاصَّة نفسه، وبالطّبع مع نظرائه في الخَلق في بيئته ومجتمعه.
إنَّ التشوُّهات التي تظهرُ هنا وهناك، في العديد من التصرُّفات والممارسات، لدى بعض من التَبَست عليهم حقائق الأمور، مردُّها إلى انفكاك النَّفس في سرائرها عن حقائق المعاني، وهذا استدراجٌ إلى غضبِ الله. ولا نعرفُ في تراثنا العريق عن الأفاضل الكبار، وأصائل الرّجال إلَّا أنَّهُم كانوا يقدِّرون حقَّ الكلمة، ويضعونها في ميزانها العدْل. لذلك كانت نواياهُم في ألفاظهم، وكلامُهُم في غاية الانسجام مع أفعالهم، وهيبتُهم من صدقهم وإخلاصهم وصفاء ضمائرهم. ولنا أن نقتدي، وأن نحفظَ هذه الرُّوح قبل كلّ شيء، بعقولنا ونفوسنا ومسالكنا وتصرّفاتنا وأعمالنا، لا بعواطفنا وانفعالاتنا، ولا يغِيبنَّ عن بالِنا﴿ إنَّ اللهَ بما تعملُون بَصِير﴾ (البقرة 110).
أيّها الشباب والشابات
حذار ان تتحكم فيكم عواطفكم، فهي كالجواد الجامح إذا ما اندفع وانطلق يعدو لا يرى امامه، فالعواطف لا تبني ولا سيما إذا كانت مطاياها الألسن والآذان.
“طوبى لمن جعل العقل عقال العواطف. وجعل الصدق مسلكاً وشعاراً”

هذا العدد

توسيعُ مجلسِ الأُمناء
…وتطوّراتٌ أخرى سارّة

في الوثيقة التّأسيسيّة لمجلّة “الضّحى” الصّادرة بتاريخ نيسان 2010 حدّدت “الضّحى” مبرّر وجودها بالتّعبير التالي:

“إنّ الفراغَ الإعلاميَّ والثّقافيَّ ثغرةٌ وجوديّةٌ بكلّ معنى الكلمة لأنّه لا يبقى فراغا بل يُملأ على الفور من موج الأفكار والمؤثّرات المحيطة سواء عبر الإعلام المتنوّع والمفتوح على شتّى التّيّارات أو عبر التّقليد الأعمى أو عبر التّشوّش القِيَميّ والاجتماعيّ”

وبناء على ذلك حدّدت المجلّة جوهر رسالتها بالتّعبير التّالي:
“إنّ المجلّة ستكون في أحد أدوارها وسيلة لتعريف الموحّدين الدّروز ولاسيّما الشّباب والنّاشئة بتاريخهم الغنيّ وثقافتهم وبأَعلَامهم وأبطالهم وسِيَرِ الصّالحين ممّن سبقوهم لأنّ من لا تاريخ له لا هويّة له ولأنّ من لا يعرف ماضيه لا يمكن أن يفهم حاضره وما يفرضه من مسؤوليّات وما يفتحه من خيارات وفرص”.

إنّ الأعداد الـ 17 التي أصدرتها “الضّحى” منذ ذلك الإعلانِ تقدّم دليلاً واضحاً على أننا تمكنّا بعون الله من وضع أهمّ بنود الرّؤية موضع التّنفيذ، لكنّ هذا الإنجاز – كما سبق وقلنا في مناسبة أخرى- ليس ملكاً لأحد بل هو ملك للطّائفة وعلى الطّائفة ونخبتها وقادتها تقع مسؤوليّة الحفاظ عليه وصونه وتطويره. هذه هي قناعتنا، ولحسن الحظّ فإنّها قناعة يشاركنا فيها كثيرون من الغيورين من شخصيّات الطّائفة الذين تنادى عدد منهم إلى العمل من أجل هذه الغاية وقرّروا تلبية الدّعوة لتوسيع مجلس الأمناء وأعلنوا التزامهم بتوفير الدّعم للمجلّة، وعلى هذا فإنّ لائحة أعضاء مجلس الأمناء أصبحت في هذا العدد طويلة وربّما تطول أكثر في العدد المقبل، ونحن نرحّب بالإخوة الأمناء الجُدد أجمل ترحيب ونعوِّل كثيراً ليس فقط على دعمهم الماليّ بل أيضاً على مشاركتهم المأمولة في تعزيز قاعدة الدّعم للمجلّة وتوفير المَشورة لها والمساعدة في الانتقال بها إلى مرحلة المؤسّسة.

في السياق نفسه قرّر عدد من أفراد النّخبة في الطّائفة ممّن يتواجدون الآن في مُغتربات مُتباعدة إنشاء “رابطة أصدقاء الضّحى” لتكون بمثابة قاعدة دعم واسعة تكمّل دور مجلس الأمناء، وهذا أيضاً تطوّر مفصليّ يُتَوقّع أن يؤدّي إلى تمتين قاعدة الدّعم للمجلّة واستمرارها في المدى الطّويل، ونحن نحَيِّي أيضاً هذه المبادرة ونرى فيها دليلاً على التّقدير المتزايد الذي تحظى به المجلة، وهو يمنحنا الأمل ويشجّعنا على أن نطمح للمزيد.

إنّها أيضاً مناسبة نُعرب فيها عن أملنا بأن تدرك قياداتنا الأهمّيّة الكبيرة للاستثمار في الوعي وفي الثّقافة لأنّه استثمار في البشر لا يقل في درجة الأولويّة والأهمّيّة عن الاستثمار في الحجر وهذا دون أيّ انتقاص لأهمّيّة تعزيز مؤسّسات الطّائفة على اختلافها وتكامُلها في الخدمة في جوٍّ من التّضامن والإخلاص لأنّ هذه المؤسّسات تقوّي بعضها البعض.

نشير أخيراً إلى أنّ العدد الأخير من مجلّة “الضّحى” وُزِّع في جبل العرب في سوريا على أكمل وجه على الرّغم من سعي عناصر فردية لعرقلة ذلك، ونحن مدينون في تسهيل إيصال العدد الأخير وتوزيعه إلى الوقفة التي ظهرت من شخصيات الجبل وأصحاب السماحة مشايخ العقل والعديد من الفعاليّات الذين عبّروا عن تضامنهم مع المجلّة ولفتوا السّلطات المعنيّة إلى طبيعتها غير السّياسيّة وتركيزها على الشأن الثّقافي، وبالتالي حرصهم على تأمين تداولها في الجبل دون عوائق. ونحن من هذا الموقع نتقدّم بشكرنا إلى جميع الذين تحرّكوا وسعَوْا في الموضوع ولاسيّما العميد المتقاعد نايف العاقل الذي كانت له جهود مشكورة في متابعة الموقف.

“الضّحى” في الجبل باتت محور الاهتمام ويتمّ تداولها بحماس من يد ليد بسبب نقص الكمّيّات، لكنّنا سنعمل بإذن الله إلى زيادة الكمّيّة المخصّصة للجبل. أخيراً فإنّ “الضّحى” ستكون أيضاً وبعون الله على الإنترنت ووسائل التّواصل الاجتماعيّ قبل صدور العدد المقبل، وسيتيحُ ذلك لقرّائنا وأصدقائنا في لبنان وفي الجبل الاطّلاع على موادّ المجلّة ومحتوياتها المتنوّعة ومحتويات الأعداد السّابقة على شبكة الإنترنت فضلاً عن جعلها في متناول جميع المغتربين والأصدقاء والمهتمّين في كافة البلدان والأمصار.

والله وليّ التّوفيق

شجرة الخوخ كريمة ومنتجة

دليلٌ لزراعة أنواع الخَوخ والعناية بها على مدار العام

شجرةُ الخَوْخ عروسةُ البُستان

ثمارٌ وفيرةٌ وشهيّةٌ لكنْ كيف نحميها من الآفات؟

يجب قطف الخَوخِ في بداية مرحلة النّضج قبل أنْ يلين
ومن الضّروريّ لخوخٍ جيّدٍ أنْ تُجْمَع الثّمار مع أعناقها

أصبحت زراعة أشجار الخوخ من الزّراعات الهامّة خاصّة بعد إدخال بعض الأصناف الاقتصادية المرغوبة من المستهلكين، كما أُدخلت بشكل واسع في الصّناعات الغذائيّة والمجفّفات، وهي من الأشجار المثمرة التي تنمو على ارتفاعات متعدّدة عن سطح البحر لكنّها الأكثر إنتاجاً ومردودا اقتصاديا في المناطق الوسطى والتي يتراوح ارتفاعها بين 500 و1000 متر.
يتميّز الخوخ بقيمته الغذائيّة والعلاجيّة ومذاقه اللّذيذ ويُعتَبر في الوقت نفسه من الأشجار المُزَيِّنة للحدائق. والخوخ شجرة معطاءٌ، وتنتج الكثير من الثّمار سنويّاً، وهناك نوع منها أحمر الأوراق لا يُثمر ويُستخدم للزّينة.
وتُعتبَر الصّين الدّولة الأولى من حيث إنتاج الخوخ، ثم تليها دولة صغيرة هي صربيا التي تنتج أكثر من الولايات المتّحدة الأميركيّة، أمّا العالم العربيّ فهناك دولتان بارزتان في هذه الزّراعة: الجزائر التي تحتلّ المرتبة 18 في العالم من حيث حجم الإنتاج والمغرب التي تأتي في الترتيب الـ 20. عدا ذلك فإنّ الدّول العربيّة شرقاً وغرباً معروفة بزراعة الخوخ على نطاق تجاريّ ومنها لبنان.

تصنيف الخوخ
شجرة الخوخ متوسّطة الارتفاع كثيرة الإزهار، ممّا يعطيها منظراً رائعاً في الرّبيع، وتنتمي أشجارها إلى مجموعة الأشجار المتساقطة الأوراق، أوراقها رمحيّة الشكل ومسنّنة الحوافّ، وثمارها كثيرة الأشكال والألوان وبعضها له رائحة عطريّة كما في أوراقه إذا ما تمّ فركها بين الكفّين. ويتبع الخوخ العائلة الورديّة (باللّاتينية Prunus). وأهمّ أنواعه: الخوخ الإيطاليّ، خوخ بواسييه، الخوخ الشّوكي، الخوخ صغير الثّمار، الخوخ العربيّ، الخوخ الفضّيّ، الخوخ الكرزيّ، خوخ كورشنسكي والخوخ الملوّن..
وتختلف الثّمار، من حيث الحجم واللّون والشّكل، حسب الأصناف. فمنها ما هو كرويّ، ومنها ما هو بيضاويّ الشّكل و منها ما هو كبير أو صغير الحجم وله عدّة الوان: أسود، أحمر، زهريّ، أصفر، أخضر.. ولبّ الثّمار طعمه حلوٌ ولذيذٌ و عِطري في بعض الأصناف، وقشرة ثمرة الخوخ رقيقةٌ ملساء مغطّاة بطبقة من الغبار الدّقيق الذي يزول في مكان لمس الثّمرة باليد. نواة الثّمار صلبة نوعاً ما لوزيّة الشّكل مختلفة الأحجام منها مُرّة الطّعم وأخرى تشبه مذاق اللّوز.

أكبر 10 دول منتجة للخوخ في العالم

الانتاج(الباطن) الدولة الترتيب
5372899 الصين 1
662631 صربيا 2
561366 الولايات المتحدة 3
533691 رومنيا 4
296000 تشيلي 5
245782 تركيا 6
243746 فرنسا 7
227800 اسبانيا 8
196900 الهند 9
194100 ايطاليا 10
المصدر: منظمة الأغذية والزراعة-الفاو

خصائص الخوخ الطّبيعيّة
تظهر البراعم الزّهريّة قبل ظهور الأوراق وتتفتّح خلال شهريّ اذار ونيسان حسب أصنافها وارتفاعها عن سطح البحر. وتعيش البراعم الزّهريّة من سنة إلى أربع سنوات بحسب الصّنف. وتبدأ أشجار الخوخ بالحمل بعمر سنتين وما فوق. وتعطي إنتاجاً وفيراً وبشكل منتظم في المناطق التي لا تتعرّض للصّقيع وهذا إذا تمّت العناية الجيّدة بها من تقليم وتغذية وتسميد…

المتطلبّات البيئيّة والمُناخيّة:
1. الحرارة: تنمو اشجار الخوخ في المناطق الوسطى التي يتراوح إرتفاعها بين 500 – 1000 متر ويمكن زراعة بعض الأنواع في المناطق الجبليّة والتي تتحمل الصّقيع مثل الأصناف الأوروبيّة.
2. الضّوء: إنّ للضّوء أثرٌ إيجابيّ كبير على أشجار الخوخ، إذ يساعدها على نموّها وحملها الوفير، لذا من الضّروري زراعة بساتين الخوخ بشكل هندسيّ منظّم مع الحفاظ على مساحة جيّدة بين الأشجار لدخول الشّمس والضّوء بين الأشجار.
3. التّربة: أشجار الخوخ مُحبّة للأراضي الخفيفة لكنّها تنمو في جميع أنواع التّربة بشكل عام، خاصّة الأراضي التي تتّصف بعمقها وصلاحيّتها للزّرع وصرفها للماء الزّائد بشكل جيّد والخالية من الأملاح الضارّة.
4. الماء: تنمو جذور الخوخ أفقيّاً تحت سطح التربة بنحو 25 سم وبشكل مظلّة مفتوحة لذا فإنّها تتطلّب عدّة خدمات حقليّة منها الرّي، ويفضّل أن يتوفّر في المنطقة السّطحيّة للتّربة موادّ غذائيّة ورطوبة كافية.
إكثار الخوخ
يتكاثر الخوخ بطريقتين: التّكاثر الجنسيّ (البذريّ) والتّكاثر اللّا جنسي (الخُضَريّ)

مربّى-وكمبوت-الخوخ-لذيذ-على-السفرة
مربّى-وكمبوت-الخوخ-لذيذ-على-السفرة

التّكاثر الجنسيّ أو البذريّ
وهو يحتاج لعدة شروط، أهمّها:
• يجب أن تؤخذ البذور من ثمار في مرحلة النّضج النّهائيّ عن الشّجرة (مستوية على الشّجرة).
• تُغسَل البذور وتُنظّف من لبّ الثّّمار بواسطة الرّمل والماء ثم تجفّف في الظّلّ تجنّباً لتعفّنها ثمّ تعقّم بمحلول نُحاسيّ (جنزارة) وتعبّأ في أكياس خاصّة لتُخْزَنَ إلى موسم الزّرع. يُفضّل زراعة البذور في الموسم المقبل مباشرة لزيادة نسبة الانبات.
• عند موعد الزّرع خلال شهريّ كانون الأوّل والثّاني، تُنقع البُذور لمدّة أسبوع أو أسبوعين قبل زرعها في التّربة وتُزرع في المشاتل بشكل خطوط تُبعَد عن بعضها البعض نحو 50 سم وتكون المسافة بين البِذرة والأخرى 25 سم. وعندما تصبح سماكة جذع النّبتة نحو نصف سم، يجري تطعيمها بالعين خلال شهر حزيران وفي العام الثّاني تُقلَع لتزرع في الأرض الدّائمة أو تباع للمزارعين.
• يفضّل ألّا تُترك النّصوب أو الشّتول أكثر من عامين في المشتل.

“جذور الخوخ تنمو أفقيّاً تحت سطح التّربة بنحو 25 سم لذا فهي تتطلّب خدمات حقليّة مثل االتّغذية العضويّة والرّي”

رسم-بالأسلوب-الياباني-لأزهار-الخوخ
رسم-بالأسلوب-الياباني-لأزهار-الخوخ

التّكاثر اللّا جنسي
يتكاثر الخوخ خضريّاً بعدّة طرق أهمّها:
• العُقلة: تؤخذ العُقَل من فروع الأشجار النّاضجة بعمر سنة واحدة وبطول نحو 25 سم، خالية من الأمراض وبيوض الحشرات. وبعد تساقط الأوراق عنها، تُجمع العُقَل بشكل حِزَم ثم يُغطَّس الجزء السّفليّ للعُقَل بطول 2 سم بمحلول هورمونيّ مشجّع لانبات الجذور لمدّة لا تزيد عن 7 ثوانٍ. ثم تُزرع في مستوعَبات خاصّة (أكياس، فازات، قوارات) في خلطة ترابيّة من تراب بيتموس أو دوبال أو سماد عضويّ مخمّر على أن تكون النّسبة 50% تراب و 50% أحد العناصر الثلاثة. وذلك لتسهيل عمليّة مرور الجذور بين حُبيبات الخلطة. تزرع العُقَل في الأواني المعبّأة من الخلطة خلال شهريّ كانون الثّاني وشباط، على أن يُترك بُرعُمة أو اثنتان فوق سطح مستوعب الزّرع ويُطمر القسم الأكبر منها (نحو الثلثين)
• الفسائل: تنمو الفسائل على كعب الأشجار وينمو لها بعض الجذور. تُفصَل عن الشّجرة الأمّ بعد تساقط أوراقها في نهاية فصل الخريف وتُزرع في الارض الدّائمة بعد تهيئة الأرض لهذه الغاية.
• التّطعيم: وهو من أهمّ أنواع التّكاثر الخُضَريّ، إذ تُطعّم الأشجار التي لا تعطي إنتاجاً وفيراً وغير المرغوبة تجاريّاً بالإضافة إلى الأشجار التي لا تقاوم الأمراض والآفات. ويُطعّم الخوخ بعدّة طرق: القلم (شقّ تاجيّ انجليزيّ) والرّقعة التي هي أنجح طريقة للتّطعيم خاصّة عند اللّوزيّات بشكل عام والخوخ بشكل خاص. أمّا موعد التّطعيم بالقلم، فيكون في أوائل الرّبيع وعند بدء سريان العُصارة النّباتيّة في أشجار الخوخ (عند بدء انتفاخ البرعمة)، والتّطعيم بالرّقعة أو العَين يتمَ خلال شهر حزيران، وتؤخذ البراعم من الطّرود الجانبيّة للشّجرة والمعرّضة للشّمس لفترة طويلة من النّهار. ويجب أن تكون البرعمة القشريّة والبرعمة الخشبيّة ناضجة.

إنشاء بستان الخوخ
• تحتاج أشجار الخوخ إلى تربة متوسّطة العمق، غنيّة بالموادّ الغذائيّة، جيّدة الصّرف.
• تنقب الأرض على عمق 70 سم تقريبا ويتمّ خلطها جيدا.
• تنظّف التربة من الحجارة وبقايا جذور وأغصان الأشجار والشُّجيرات البرية.
• تحرث الأرض حراثة عميقة حوالي 40 سم بواسطة جرار سكك.
• تحرث بعد ذلك سطحياً بواسطة الفرّامة بهدف تسوية سطح التربة.

• يجري تخطيط الأرض وتحديد أماكن الزّرع مع تحديد المسافة بين الشّجرة والشّجرة وبين الخط والخط حسب الأصناف المراد زرعها بدءا من 3,5×3,5 للأصناف متوسطة الحجم وحتى 5×5 لأصناف الخوخ الكبيرة الحجم، وحسب طبيعة الأرض والصّنف والأصل.
• يتمُ حفر الجُور المخصّصة لزراعة الخوخ على عمق 60 سم وعرض 50 سم ويوضع بداخلها حوالي كلغ واحد من السماد العضويّ المخمّر ويُخلط مع تراب قاعها.
• يتمّ اختيار الأصناف حسب ملاءمتها للمُناخ والتّربة والموعد المرغوب لنضج الثّمار ومدى مناسبته مع الطّلب عليه لتسويقه، وكذلك وفق حاجة البستان إلى النّصوب من الصّنف المعين.
• تُغرس أشجار الخوخ في الحفر المُهَيّأة مُسبقا على أن تكون مستقيمة ويجب أن تكون منطقة الاتّصال بين الأصل والطّعم على مستوى سطح التّربة حتى نمنع حدوث إنبات فروع من الأصل إذا ما كان مرتفعاً عن سطح التّربة، وعدم السّماح للطُّعم من إنبات الجذور إذا ما طُمرت منطقة الطّعم تحت سطح التّربة، الأمر الذي يؤدّي إلى عدم مقاومتها للأمراض والجفاف وعدم قدرتها على تكوين مجموع جذري كبير.

أشجار-الخوخ-في-مرحلة-الإزهار-منظر-رائع-للناظرين
أشجار-الخوخ-في-مرحلة-الإزهار-منظر-رائع-للناظرين

همّ الأعمال الحقليّة
التّقليم: إنّ تقليم أشجار الخوخ من أهمّ الأعمال الحقليّة في الزّراعة وخاصّة التّقليم التّكوينيّ الذي يجب تنفيذه في السّنوات الثّلاث الأولى على الشّكل الكأسيّ لدخول الضّوء إليها وإدخال الأشجار في الإنتاج وبشكل متوازن، أي حسب قدرة الشّجرة على الحمل وتناسب كمية الثّمار على الأغصان وخاصّة المتقابلة. أمّا عمليّة التّقليم في السّنوات التي تلي السّنوات الثّلاث الأولى فتقتصر على إزالة الفروع والأغصان المتزاحمة والمتشابكة والمريضة والتي تنمو في مكان غير مرغوب فيه من قبل المُزارع.
الحراثة: تلعب الحراثة في بساتين الأشجار المثمرة دورا مهماًّ ولها فوائد عديدة أهمّها:
• تهوية التّربة والمساعدة على وصول الأوكسيجين إلى الجذور وعدم اختناقها خاصة إذا كانت التّربة لا تسمح بتصريف المياه الزائدة، وتسمح الحراثة أيضاً بتمدّد الجذور الشّعرية بتغلغلها بين حُبيبات التّربة بحثاً عن الرّطوبة والغذاء لامتصاصهما.
• تعيد الحراثة للتّربة السّطحيّة حيويّتها خاصة إذا كانت مسمّدة بالأسمدة العضويّة فتنشرها وتخلطها مع مساحة أكبر من التّربة وتساعد على تنشيط وتكاثر الكائنات الحيّة الدّقيقة في التّربة خاصّة بعد السّماح لحرارة الشّمس باختراق الطّبقة السّطحية للتّربة، كما يقول المثل الزّراعيّ القديم “خير الأرض على وجهها” أي المنطقة التي تخترقها حرارة وضوء الشّمس.
• تساعد الحراثة الخريفيّة او الكانونيّة تربة البستان على امتصاص أكبر كميّة ممكنة من مياه الأمطار.
• إنّ الحراثة الرّبيعيّة تقدّم للمزارع مكافحة ميكانيكيّة وليس كيميائيّة إذ ترفع إلى سطح التّربة الكثير من خادرات (شرانق) الحشرات الضارّة لتموت هذه من حرارة الشّمس أو تلتهمها بعض الطّيور والحشرات والحيوانات الصّغيرة مثل القوارض والسّحالي بالإضافة إلى قتل الأعشاب الضارّة.
• تحافظ الحراثة على رطوبة الأرض وعدم تشقّقها وهي تحمي المجموعة الجذريّة السّطحيّة للأشجار وهذه المجموعة هي الأكثر إسهاما في امتصاص الموادّ الغذائيّة.
التّسميد: أشجار الخوخ تستجيب بشكل جيّد للتّسميد وخاصّة التّسميد العضويّ المخمّر الذي له أثر جيّد على تحسين نمو وإنتاج الخوخ وإعطائه مواصفات عالية إضافة إلى تحسين خواصّ التّربة التي تصبح مفكّكة نوعاً ما وتسمح بنموّ الجذور. وتحتاج الشّجرة بعمر 10 سنوات لنحو 10 كلغ من السّماد الحيوانيّ المخمّر سنويّاً.
الرّي: تحتاج أشجار الخوخ إلى الرّي لكي تنمو بشكل جيّد وتعطي إنتاجاً وفيراً وجَوْدة عالية، لكن يجب الانتباه إلى التقليل قدر الإمكان من تسميد الأشجار بالأسمدة الكيميائيّة لأنّها تزيد من نسبة ملوحة التّربة، فيقلّ الإنتاج ولا تأتي الثّمار بالحجم المرغوب للتّسويق. لذا يُستَحسن أن تُروى أشجار الخوخ بمياه حلوة أي من الينابيع أو مياه الأمطار المتجمّعة. إنّ الرّيَّ هامٌّ جدّاً لتكوين البراعم الزّهريّة للعام المقبل خاصّة خلال شهريّ تموز وآب وعدم إهمالها بالرّي خاصّة بعد قطافها لأنّ بعض مزارعيّ الخوخ يهملون الأشجار بعد جني المحصول. أمّا كميّة المياه وعدد الرّيّات التي تحتاجها أشجار الخوخ فتتوقّف على طبيعة الأرض ونوع التّربة بالنّسبة لتصريفها للمياه وقدرتها على الامتصاص والاحتفاظ بالرّطوبة، إضافة إلى المنطقة الموجودة بها بساتين الخوخ ومعدّلات الحرارة فيها. ويفضل ريّ أشجار الخوخ في الصّباح الباكر أو في المساء تجنّبا لتضرّر الجذور بالحرارة لأنّ جذور الخوخ تنمو في المنطقة السّطحيّة للتّربة والتي تخترق من حرارة الشّمس، وتجنّباً أيضاً لانتشار الأمراض التي تنمو على الجذور وفي ظروف مساعدة من حرارة ورطوبة زائدة، لذا من المفضّل إعطاء الأشجار مياه الرّي حسب حاجتها، أي إشباع التّربة المشغولة بالجذور الماصّة بسهولة وتجنّب تراكم مياه الرّيّ بصورة غير طبيعيّة وهو من أكثر العوامل التي تساعد على تدهور مَزارع الخوخ، فيظهر عليها التّصمّغ الناتج عن الخلل الفيزيولوجيّ، والذى يصاحبه اصفرار الأوراق وجفافها ثم تساقطها، مع خروج إفرازات صمغيّة على الأفرع والسّوق وينتهي الأمر بتعفّن الجذور ثم موت الأشجار.
ولأشجار الخوخ ميزة هامّة في قدرتها على النّموّ والإنتاج بشكل جيّد دون ريّ خاصّة إذا كانت مُطعّمة على شُجيرات خوخ الدّب (خوخ برّي أو البرقوق).

“الخوخ يستجيب جيّداً للتّسميد العضويّ أمّا التّسميد الكيماويّ فيزيد ملوحة التّربة ويعطي ثماراً صغيرة غير جذّابة للسـّـوق”

شجرة-الخوخ-كريمة-ومنتجة
شجرة-الخوخ-كريمة-ومنتجة

آفات الخَوخ
تستهدف أشجار الخَوخ عدّة حشرات تؤثّر على نموّها وانتاجها وجَودة وكمية ونوعية الثّمار نذكر أهمّها:
• المنُّ الأخضر الذي يمتصّ العُصارة النّباتية للأشجار فيضعفها وتصبح أوراقها مُجَعّدة وفروعها ملتوية، وينساب بُراز حشرات المنّ على أوراق وفروع وأغصان الأشجار الأمر الذي يغلق مسامها التّنفسية.
• الحشرات القشريّة (بسيلا) تتحصّن هذه الحشرات بتغليف نفسها بطبقة صلبة مثل السّلحفاة إلى حدّ ما لتحمي نفسها من الأعداء الطّبيعيّين وتعمل على امتصاص العُصارة النّباتيّة كما المنّ محدثةً ثقوباً في قشرة الشّجرة وبرازها يصبح سائلاً (النّدوة العسليّة).
• حفّار السّاق وجذور الخوخ، وهي الحشرة الكاملة الخُنفساء ذات القرون الطّويلة (الكابنودس). وهذه من أخطر الآفات على أشجار الخَوخ، واللّوزيّات عموماً، وقد خصّصنا لها موضوعاً إلى جانب هذا الكلام.
• ذبابة البحر المتوسّط تصيب الثّمار عند بداية نضجها وتضع داخلها عدداً كبيراً من البيوض (20 الى 30 بيضة) وبعد فقس البيوض، تتغذّى اليرقات على لبّ الثّمار وتؤدّي إلى تَلَفها.

أمراض الخوخ وعلاجاتها
المرض: تصمّغ اللّوزيات: أسبابه طبيعيّة مثل الرّطوبة الزّائدة في التّربة، ووجود طبقة صلبة في التّربة بحيث لا تتمكّن الجذور من اختراقها، جرح الأشجار، قصّ الأغصان عشوائيّاً وفي أوقات وظروف غير ملائمة، والإصابة بالأمراض الفطرية.
المكافحة: يكافح تصمّغ اللّوزيّات بالوسائل التّالية:
• زراعة أصول مقاومة للتّصمغ والرّطوبة.
• عدم زراعة أشجار الخوخ في تربة غير عميقة.
• عدم جرح الأشجار بالآلات الحادّة مثل المحراث، معدات النّكش، وأدوات التّقليم والتّطعيم.
• تجنّب قطع الأغصان في الأوقات غير المناسبة، أي خلال مرحلة النّمو، وعدم استخدام المعدّات غير المخصّصة للقطع مثل الفأس والمنجل.
المرض: المونيليا ويسبّبه فطر يصيب البراعم الخضريّة الزّهريّة عند تفتّحها والأفرع الفتيّة ويؤدّي إلى يباس الأزهار والفروع والبراعم وتبقى معلّقة على الشّجرة. يقضي هذا المرض فصل الشّتاء على البراعم المُصابة المعلّقة لينتشر بواسطة الأمطار في فصل الرّبيع القادم.
المكافحة: أفضل المبيدات لمكافحة المونيليا هي المركّبات النّحاسيّة مثل الجنزارة والكبريت الميكروني (الغرَوي)، على أن تتمّ المكافحة في بداية مرحلة النّموّ، أي عند بدء العصارة النباتيّة بالسّريان وبدء انتفاخ البراعم، في هذه المرحلة تكون الأمراض الفطرية تتهيّأ للتّكاثر فتُرشّ بالمبيد الطّبيعيّ فتحترق.

جنيُ ثمار الخَوخ
هناك مؤشّرات طبيعيّة على أنّ ثمار الخوخ قد دخلت مرحلة النّضج وباتت تُعتَبر صالحة للتّسويق أهمّها:
• عندما تأخذ اللّون الطّبيعي لقشرتها ولبّها.
• عندما تصبح الثّمرة سهلة الفصل عن الشّجرة الأمّ.
• عندما تصبح كاملة التّكوين وتبلغ حجمها الطّبيعيّ.
• عندما يصبح من السّهل فصل اللّبّ عن البذرة.
• عندما يصبح طعم الثّمرة حلو المذاق وسكّرياً.
إنّ هذه الدلائل تساعد على احتفاظ الخوخ لعدّة أيام بكامل صفاته المرغوبة من قبل المستهلك، وبحيث يصل إليه بحالة جيّدة.
ملاحظة: يجب أنْ تكون جميع دلائل النّضج مجتمعة عند القطاف ولا يكفي أن يوجد بعضها.
إنّ لقطاف ثمار الخوخ طريقة خاصّة تجنّباً لتلفها مباشرة، فهي مثلاً يجب ألّا تُقطف إلّا في بداية مرحلة النّضج وقبل أن تصبح ليّنة ومن الضّروري جدّاً أن تُجمع الثّمار مع أعناقها لأنّها الضّمانة لبقاء الثّمار جيّدة لعدّة أيّام.

فوائد الخوخ
الخوخ غنيٌّ بالألياف والفيتامينات والبروتين ويحتوي على سكّر الفاكهة والأحماض العضويّة. وهو يساعد في الوقاية من الأمراض وخاصّة أمراض الجهاز الهضميّ وعسر الهضم. كما يساعد عصير الخوخ على علاج الصّداع الذي يرافق حالات التوتّر النّفسيّ وينشّط المرارة ويقلّل من الإصابة بأمراض الكبد والكلى والمثانة. ويحتوي الخوخ على نسبة جيّدة من الحديد وفيتامين سي، فهو يساعد على تقليل الإصابة بفَقر الدّم أو الأنيميا وتقوية جهاز المناعة. ويساعد على تخفيف الوزن الزّائد حيث يحوي نسبة عالية جدّاً من المياه. ويرطّب البَشرة ويحميها من الجفاف. ويحتوي الخوخ على مادّة البورون التي تساعد على امتصاص الكالسيوم لعظام قوية.
تستعمل ثمار الخوخ لصنع المربّيات مثل طريقة مربّى المشمش والدرّاق أو يمكن تجفيفه بطريقة سهلة جدا وبدون جهد كبير. يتم اختيار الثّمار ذات الصّفات الجيّدة والخالية من الحشرات والأمراض ويجب ألّا تكون ليّنة، تُغسَل جيّداً ثم تشقّ وتفصَل عنها البذرة. توضع في الشمس لمدة لا تقلّ عن أسبوع مع تقليبها لتصبح نصف جافّة، ثم تُنقل إلى مكان مظلّل تجنّباً من تغيير لون الثّمار وفقدانها الكثير من الفيتامينات والمعدن، على أن يكون المكان الظّليل معرّضا لتيّارات هوائيّة بما يساعد على تجفيف الثّمرة ورفع الرّطوبة الزائدة.
كما يمكن تحضير عصير الخوخ، بواسطة الآلات الكهربائيّة لكن يجب تناول العصير مباشرة لانّ لونه يتغيّر ويميل إلى الاسوداد. إنّ هذا العصير غنيٌّ بفيتامين سي ومفيد للمراهقين وممارسيّ الرّياضة.

صيدلية الطبيعة

أقراص مُستَخْلص الصّفصاف أفضل من «منقوع اللّحاء» ويجب دومـــاً الانتباه لعدم تجاوز الجُـــرعات المُقَــــــرّرة

• دار البلدة: أنشأها المغفور له سماحة الشيخ محمد أبو شقرا لتكون مقرّاً جامعا للمناسبات والاحتفالات في البلدة.
• النّادي الاجتماعي الرّياضي (عُدِّل الاسم فأصبح: “النّادي الثّقافي الرّياضي”).
• رابطة سيّدات عمّاطور.
• الاتحاد النّسائي التّقدّمي.

لُحاءُ شَجَرِ الصّفْصاف

أسبرينُ طبيعيٌّ ومضادٌّ للالتهاب
لكنْ من دونِ الأعراض الجانبية

استُخدمَ لُحاء شجرِ الصّفصاف (ساليكس ألبا) منذ ألفي سنة في الصّين كعلاج طبيعيّ يمكنه أن يخفّف الألم ويعالج الالتهابات ويخفض الحرارة، كما أنّ المستوطنين الأوائل للقارّة الأميركية وجدوا أنّ سكان البلاد الأصليّين من الهنود الحمر يجمعون لُحاء أشجار الصّفصاف المحلّيّة للغرض ذاته
إنّ العنصر الفعال في لحاء شجرة الصّفصاف هو الساليسين Salicin والذي يقوم الجسم بتحويله إلى حامض السّاليسيليك. وقد صُنع العلاج المعروف وهو الأسبرين في البدء من مصدر عشبيّ مشابه للحاء الصّفصاف وكان في البدء يحتوي على حامض السّاليسيليك أي ذات مادّة لُحاء الصّفصاف، لكن تمّ تعديله في ما بعد كيماويّاً ليصبح حامض الأستيل ساليسيليك. ولأنّ لحاء شجر الصّفصاف يعمل بالطّريقة نفسها التي يعمل بها حامض السّاليسيليك، فقد سُمِّي باسم “الأسبرين العشبيّ” أو أسبرين الطبيعة، لكن مع فارق أنّ الأسبرين الذي يباع في الأسواق الآن لم يعد يُصْنع من مصدر عشبيّ بل من مركّبات كيماويّة وهو يتسبّب بأعراض جانبيّة وبمحاذير لا يتسبّب بها لحاء شجر الصّفصاف.

أنواعه
رغم أنّ النّوع الشّائع من الصّفصاف هو النّوع الأبيض أو الفضّيّ فإنّ هناك أنواعاً أخرى يمتلك لُحاؤها الخصائص الطّبّيّة ذاتها ومن هذه الأنواع الصّفصاف المتشقّق والصّفصاف البنفسجيّ والصّفصاف القُرمُزيّ وكلّ هذه الأنواع تُباع في صيدليّات الأعشاب تحت اسم لحاء الصّفصاف، نفسها وهي عمليّاً تبيع مستخلص اللُّحاء وهي مادّة السّاليسين.

الخصائص العلاجيّة
يؤدّي حامض السّاليسيليك إلى خفض مستويات البروستاغلاندين في الجّسد وهو مادّة شبه هرمونية يمكنها أن تتسبّب بالآلام وبحالات الالتهاب. ولهذا فإنّه عنصر مهمٌّ في خفض مستويات الألم الجسديّ الذي قد ينجم عن أعراض كثيرة.
لكنّ الفارق الأساسيّ هنا هو أنّ لحاء الصّفصاف قد يأخذ وقتا أطول ليحقّق مفعوله لكنّ ذلك المفعول يمتدّ لفترة أطول بكثير من الفترة التي يعمل فيها الأسبرين. أمّا الفارق الثّاني والأهمّ فهو أنّ لُحاء الصّفصاف لا يتسبّب بالأعراض الجانبيّة الخطرة التي قد يتسبب بها الأسبرين وقد تزايدت في السنوات الأخيرة الدّراسات التي تسلّط الضّوء على مخاطر استخدام الأسبرين سواء كمسكّن للألم أم للوقاية من أمراض القلب والذّبحات الصّدرية.
أهمّ الحالات التي يمكن للحاء الصّفصاف أن يساعد في علاجها هي التّالية:
• تسكين الآلام المبرحة المزمنة بما في ذلك صداع الرأس وآلام الرّقبة والظّهر والعضلات.
• آلام الدّورة الشّهريّة.
• التهاب المفاصل: أثبتت الأبحاث والاختبارات قدرة لحاء الصّفصاف على تسكين أوجاع مرض التهاب المفاصل Arthritis وفي الوقت نفسه خفض الالتهاب، وقد حقّق مصابون بهذا المرض نتائج مُلفتة نتيجة التّداوي بلحاء الصّفصاف كان من بينها تراجع تورّم المفاصل والتهابها وبالتّالي تحسّن قدرتهم على تحريك الرّكبتين والحوض والظّهر وغير ذلك من المفاصل.

لحاء-الصفصاف-يمكن-تناوله-كشاي-بدل-الأسبرين-لكن-يجب-الانتباه-إلى-الجرعات
لحاء-الصفصاف-يمكن-تناوله-كشاي-بدل-الأسبرين-لكن-يجب-الانتباه-إلى-الجرعات

التّداوي بلُحاء الصّفصاف
يتوافر لُحاء الصّفصاف بأشكال مختلفة مثل الصّباغ tincture أو كمسحوق (برشامات) أو كأقراص.
يمكن من حيث المبدأ استخدام اللّحاء المجفّف لصُنع منقوع (شاي) يتمّ تناوله بهدف تسكين الآلام لكن “شاي” الصّفصاف يتوقّف تأثيره على استخدام الكمّية المناسبة وهو أمر غير متيسِّر لأنّ اللّحاء لا يحتوي بشكله الخام إلّا على نسبة بسيطة من السّاليسين. أضِف إلى ذلك أنّ من الصّعب تقدير جرعة السّاليسين في الشّاي فقد تكون أقلّ من المطلوب أو في حال استخدام كمّيّة أكبر من اللّحاء قد تزيد عن المطلوب وتتسبّب بضرر. لذلك فإنّ الأفضل هو شراء مُستخلص لُحاء الصّفصاف على شكل أقراص يحتوي الواحد على 40-50 ميلّيغرام من السّاليسين وتناول ما بين قرصين وثلاثة أقراص يوميّاً (أو نحو 120-150 ميليغرام) لتسكين الألم، ومن مزايا الأقراص أيضاً أنّها تغطّي الطّعم المر لمادّة السّاليسين الموجودة في لُحاء الصّفصاف.

الأعراض الجانبيّة والاحتياطات
القاعدة الأهمّ في تناول (مُستخلص) لُحاء الصّفصاف هو عدم استخدامه مع الأسبرين المتوافر في الصيدليّات ولا مع أي من أدوية الالتهاب المسكِّنة غير الستيرويدية NSAIDs مثل الأندوسيد والبروفنيد وغيرها لأنّ الجمع بين الاثنين يزيد احتمال الإصابة بأعراض جانبيّة مثل نزيف المَعِدة.
عدا ذلك فإنّه وعلى عكس الأسبرين الصّناعي فإنّ مُستخلص لُحاء الصّفصاف يمكن تناوله دون محاذير لمدّة طويلة مع التزام الجُرعة المحدّدة، فإنْ تمّ تجاوز الجرعة ربّما طمعاً في الحصول على تسكين أفضل للألم فإنّ المريض قد يشعر بأعراض جانبيّة مثل الغثيان وتلبُّك عمل المَعِدة أو طنين الأذن فإنْ شعرتَ بأيٍّ من هذه الأعراض فعليك بالتوقّف عن تناول لحاء الصّفصاف وإنْ كان ذلك ناجماً عن تجاوز الجُرعة الطبّيّة فعليك الالتزام مجدّداً بها.
هناك أيضا احتياطات يجب الأخذ بها، إذا كان للمريض حساسيّة لمادّة الأسبرين أو كان يشكو من قُرحة المَعِدة أو أيّ اضطرابات معوية أو كان يشكو من طنين في الأذن أو أنْ يكون مُعالَجا بأدوية ترقيق الدّم أو أنْ يكون لديه مشاكل في الكُلى. فيجب عندها عدم تناول مُستخلص لُحاء الصّفصاف كما يجب بالنّسبة للنّساء استشارة وبالطّبع كما في حال الأسبرين يجب عدم إعطاء مُستخلص لُحاء الصّفصاف للأطفال أو للأولاد تحت سنّ الـ 16 عاماً الذين يشكون من نزلة البرد أو الإنفلونزا أو الحصبة. ورغم أنّ من المستبعد جدّاً أن يثير مُستخلص الصّفصاف ردّ الفعل (المُميت أحياناً) الذي قد يُحدِثه الأسبرين والمسمّى Reye’s syndrome (إذ إنّ طريقة تحضير لُحاء الصّفصاف مختلفة عن تحضير الأسبرين) فإنّ من المفضّل التزام جانب الحذر في هذه الحال.

الجُرعات
التهاب المفاصل وآلام الظّهر: تناول قرص واحد ثلاث مرّات يوميّاً من مُستخلص لُحاء الصّفصاف يحتوي على 40-50 ميلّيغرام من السّاليسين أو نصف مِلْعقة طعام من المُستخلص بشكله السّائل.
الآلام المبرحة والمزْمنّة: تناول قرص واحد عيار 50-100 ميلّيغرام من السّاليسين أو ما بين نصف مِلعقة ومِلعقة طعام من المُستخلص بشكله السّائل ثلاث مرّات يوميّاً.
آلام العضل والأوجاع العامّة: قرص عيار 50 ميلّيغرام أو نصف مِلعقة من المحلول السّائل 3 إلى 4 مرات يوميّاً.

فوائد السمسم

رسم علمي لنبتة السمسم وأجزائها

زيت السمسم أفضله غير المكرر والمعصور على البارد

بـــــذورُ السّمســـم

غذاءُ القوّةِ والنّشاط والنّضارة

التّناول المنتظم للسّمسم يساعد في تنظيم السّكري
وضغط الدّم وصحّة القلب والجهاز الهضميّ والعظام

50 غرام فقط من السمسم تزود الجسم بـ 47% من حاجته اليومية من الكالسيوم و41% من الحديد و44% من المغنيزيوم
و 102% من النحاس و62% من المنغانير و32% من الفوسفور

إذا كنتَ مهتمّا بالحفاظ على نشاطك الجَسديّ وحيويّتك فإنّ كلّ ما تحتاجه هو مِلعقتين من السّمسم الكامل أي غير المقشور يوميّاً. إذ في هاتين الملعقتين ما يمكن أن يزودك بالنّسبة الأكبر من حاجتك اليوميّة إلى بعض أهم المعادن والفيتامينات والأنزيمات ومضادّات الأكسدة، ومن المفضل بالتّأكيد تناول السمسم النّيّئ والمنتج عضويّاً أي من دون استخدام الأسمدة الكيماوية والمبيدات وهذا النوع متوافر في السّوق، لكن إذا كنت تفضل السّمسم محمصا بسبب طعمه اللّذيذ فإنّ ذلك لن ينقص من قيمته الغذائية بصورة ملموسة.
بسبب فوائده الهائلة ازداد اهتمام العالم في العقود الأخيرة بالسّمسم وامتد الاهتمام إلى الطّحينة التي تُصنع من عصر السّمسم بعد تحميصه والتي نتناولها بكثرة في بلادنا بسبب المتبّلات والصلصات التي نحرص على تناولها مع الطّعام الشرقيّ.
فماذا نعرف عن هذا الغذاء الأساسيّ وعن اللائحة الطّويلة لفوائده الغذائيّة والصّحيّة؟

السمسم-غير-المقشور-أفضل-غذائيا-لاحتوائه-على-الألياف-وعناصر-غذائية-إضافية
السمسم-غير-المقشور-أفضل-غذائيا-لاحتوائه-على-الألياف-وعناصر-غذائية-إضافية

يُعتَبرُ السّمسم من المحاصيل الأساسيّة في عدد من البلدان الأسيويّة والأفريقية ويظهر من الدّول أن دولة صغيرة نسبيّاً هي ميانمار (بورما) تُعتبَر المنتجَ الأوّل لهذا الغذاء في العالم تليها الهند والصّين ويحتلّ بلد عربي هو السّودان المرتبة الخامسة بين أكبر منتجي السّمسم في العالم. ويُعتبر النّوع السّوداني من أجود أنواع السّمسم لاحتوائه على نسبة عالية من الزّيوت وهو يباع في لبنان بسعر يبلغ ضعف سعر السّمسم الهنديّ الذي لونه أبيض شاحب ويعتبر ذا جَوْدَةٍ أقلّ بسبب عدم احتوائه على نسبة زيوت عالية.
العناصر الغذائية والأملاح المعدنيّة
إنّ 50 غراما من السمسم توفّر للمرء النّسب التّالية من حاجته اليومية إلى المعادن والبروتينات الأساسية :
الكالسيوم : 47% – الحديد 41% – المغنيزيوم 44% – النّحاس 102% – المنغانيز 62% – الزّنك 26% – الفوسفور 32% – البوتاسيوم 7% – السيلينيوم 4%
كما يحتوي 50 غرام من السّمسم على 24% من حاجة الجسم اليوميّة إلى الألياف وعلى 280 وحدة حرارية وعلى 25 غرام من الدّهون الصّحيّة المتمثّلة بصورة خاصّة بزيت السّمسم
والسّمسم مصدرٌ غنيٌّ جدّاً بالبروتين إذ يمثّل نحو 20 في المائة من وزنه الإجماليّ، وهو يحتوي على أصنافٍ عديدة من البروتينات مثل “البرولين”، و”السّيرين”، و”حمض الأسبارتيك”، و”السيستين”، و”التيروزين”، و”الغليسين”، وغيرها. كما أنّ السّمسم غنيٌّ بالكالسيوم النّباتي ويفوق في ذلك العديد من النّباتات. كما أنّ من المُلفت احتواءه على نسبة كبيرة من الحديد ممّا يجعله من أهمّ الأغذية الضّروريّة في أيّ نظام غذائيّ لزيادة قوّة الدّم وجهاز المناعة.
وتُعْتبر حبوب السُّمسُم غنيّة بالأحماض الدُّهنيّة ولاسيما “أوميغا 3”، و”أوميغا 6”، و”الفالين”، و”الأرغنين”، كما يحتوي على نسبة عالية من الفيتامينات خصوصاً مجموعة فيتامينات B complex والتي تشمل B1 وB2 و B6 وكذلك تحتوي على نسبة جيّدة من “حمض الفوليك” (Folic Acid).

الفوائد العلاجيّة لبذور السّمسم
بالاستناد إلى الأبحاث العلميّة التي تركّزت على دراسة خصائص السّمسم العلاجيّة بات من المتّفق عليه أنّ السّمسم مفيدٌ جدّاً في الحالات المرضيّة التّالية:
1. داء السّكريّ
يؤدّي تناول السّمسم بكميّات علاجيّة (نحو 50 غرام يوميا) إلى المساعدة في خفض وضبط نسبة السّكّر في الدم، كما يزيد من فعاليّة أدوية السّكّر في الجسم، ممّا يجعلها ذات فعاليّة في علاج مرض السّكّري. وأظهرت دراسة نُشرت العام 2011 في “مجلّة التّغذية السّريريّة” (Clinical Journal of Nutrition) أنّ زيت بذور السمسم حسَّن من فعالية دواء السكّري “غليبنكلاميد” (Glibenclamide) في مرضى داء السُّكَّري “النوع 2” (Type 2). وكانت دراسة أخرى نُشرت العام 2006 في “مجلّة الأطعمة الطِّبيّة” (Journal of Medicinal Foods) أظهرت أنّ اعتماد زيت بذور السّمسم بدلاً من الزّيوت الأخرى في الطّعام يُخفّض السكّري وضغط الدم لدى مرضى السكّري.
2. ضغط الدّم العالي
يؤدّي السّمسم إلى خفض ضغط الدّم المرتفع، وتخفيف الشّعور بالإجهاد العامّ والتّعب المُزمن. وبيّنت دراسة نُشرت العام 2006 في “مجلّة جامعة يايل للطّب الأحيائيّ” (Yale Journal of Biological Medicine) أنّ زيت بذور السّمسم له تأثيرٌ نافع في مرضى الضغط العالي وضبطه وتعديله.
3. صحّة القلب وتصلُّب الشّرايين
ثبُتَ مخبريّاً أنّ “الليغنان” الموجود في بذور السّمس والمعروف علميّاً بتسمية “سيسامول” (Sesamol)، المضادّ للأكسدة والمضادّ للالتهاب، يتمتّع بخاصّية مضادّة لتصلُّب الشرايين (Atherosclerosis)، وبالتالي يُسهِم في حماية القلب والشّرايين وتحسين صِحّتها. كما أنّ بذور السّمسم تعمل على تخفيض مستوى الكوليسترول السّيّئ في الدّم بسبب احتوائها على مركّبات “الفايتوسيترولات”، وهو ما يقلّل أيضاً من مخاطر الإصابة بأمراض القلب وتصلّب الشّرايين.
4. الجهاز المناعي وفقر الدم
يؤدّي التّناول المنتظم للسّمسم إلى تعزيز الجهاز المناعيّ وتنشيطه بما يزيد من قدرة الجسم على مقاومة الأمراض المختلفة ومحاربتها بفعاليّة، كما وتعالج بذور السّمسم فقر الدّم “الأنيميا” لغناها بعنصر الحديد.
5. الوقاية من السرطان
يحتوي السّمسم على “ليغنين” ذائب في الدهون له خصائص “فيتو إستروجينية” (phytoestrogenic) يُعرَف بتسمية “سيسامين” (Sesamin)، وقد أثبتت الدّراسات أنّه يكبح انتشار مجموعة واسعة من الخلايا السّرطانيّة.
6. صِحّة الأسنان
استُخدِم زيت بذور السّمسم لآلاف السّنين في الطّب الهنديّ التّقليديّ “الأيورفيدا” (Ayurveda)، لغرض صِحّة الفم ومنع تسوّس الأسنان ونزيف اللثة، وقد أثبتت الأبحاث الـسّريريّة الحديثة فائدة السّمسم في التهاب اللّثّة المتسبّب عن تراكم الجير.
7. صِحّة العظام
يساعد السمسم في تحسين صحّة العظام وزيادة كثافتها ووقايتها من الإصابة بهشاشة العظام ولينها وذلك بسبب غنى بذور السّمسم بعنصريّ الكالسيوم والفوسفور.
8. تصلُّب الشرايين
أثبتت الأبحاث أنّ زيت بذور السّمسم يحمي الفئران المخبريّة من الإصابة بمرض تصلّب الشّرايين (Multiple Sclerosis) عبر خفضه لإفراز مادة IFN-gamma، وهي عامل رئيسيٌّ في التّسبُّب بهذا المرض المناعيّ الذي يُصيب الجهاز العصبيّ.
9. الجهاز الهضمي
يساعد السّمسم في تحسين عمل الجهاز الهضميّ وتطهيره وطرد السّموم منه، كما يُسرّع عمليّة الهضم ويُليّن الأمعاء ويكافح الإمساك.
10. الأذن والدّوخة
يساعد السّمسم على التّخلّص من طنين الأذن ودُوار الرّأس أو “الدّوخة”.
11. الرّضاعة
يزيد السّمسم إدرار الحليب لدى الأمّ المُرضِعة.
12. صِحّة البشرة والتئام الجروح
يفيد السّمسم في تأخير تجاعيد البَشَرة لاحتواء زيته على مضادّات الأكسدة فيزيد من نضارة البَشرة ورطوبتها ويُعزّز إنتاج “الكولاجين” فيها، كما يعمل على تسريع شفاء الجروح والتئامها بسبب كميّة الزّنك الموجودة فيه.

قصص الامثال

قصص الأمثال

فرحة فتنة

يضرب هذا المثل لمن يفرح لبؤسه وشقائه معتقداً أنه في حالة فرح حقيقي، وربما أخذ المثل بعداً سياسياً حينما يتندرون بفرح العامة من الناس، ومدحهم السلطان المستبد بالرغم مما يلحق بهم من ظلم وحيف.
و الحكاية أن فتنة زوجة أحد المرابعين، والمرابع مسؤول أمام صاحب الأرض عن حراثة الأرض وزرعها وعن الحصاد والبيدر وغير ذلك من الأعمال، كما أنه مسؤول عن علف الحيوانات والاعتناء بها، باعتبارها الوسيلة الأساسية في الإنتاج .
ومن الطبيعي ألا يستطيع المرابع وحده القيام بكل هذه الأعمال، إذ كانت زوجته تقف إلى جانبه في كثير من هذه الأعمال . وعليه فقد دخلت فتنة هذه إلى التبّان1، وأخذت تكربل2، لتهيِّئ وجبة تبن ناعمة للبقرات التي تستخدم في الحرث”.
وأرادت إحدى النساء معابثتها، فدخلت خلفها فلم تكد تراها من غبار التبن فقالت لها :
ـ “يا مشحَّرة يا فتنة! انت عبتكربلي هون والغبرة فوقك، وجوزك قاعد مع فلانة، وقال بدو يطلقك وياخذها”.
فوضعت فتنة الكربال أرضاً، وأمسكت رأسها بيديها الاثنتين وقالت:
ـ يا ربي عفوك ! أنا قلت هالنعمة مش راح تدوم لك يا فتنة3

الصايع ببلاده صايع ببلاد برا

الصايع ببلاده صايع ببلاد بره
الصايع ببلاده صايع ببلاد بره

مثل يضرب في الرجل الخامل الذي لا تتحسن أحواله مهما تبدلت الظروف. والحكاية أن ولداً اسمه عصام كان يعيش عيشة دلال، ونشأ دون أن يتعود على تحمل المسؤولية. وحين كبر أخذ والده يحثه على العمل والاعتماد على الذات.
ـ يا ولدي أنا لست مُخلِّداً، غداً سأموت، وسوف تتحمل أنت مسؤولية الأسرة، عليك أن تبحث عن عمل ما.
وكان عصام يهز برأسه عند سماع نصح والده لكن دون مبالاة، وكان غالبا ما يدعي أنه لم يجد بعد العمل الذي يليق به. وبفعل إلحاح والده عليه، جاء إلى والده يوماً يحمل مشروعاً:
ـ أريد أن أسافر
ـ إلى أين ؟
ـ إلى فنزويلا.
ـ يا ولدي السفر ليس لعبة، والغربة تحتاج إلى رجال . أليس من الأفضل أن تبحث عن عمل هنا، حتى تتعود، وأنت حتى الآن لم تجرب حظك هنا في بلدك؟
ـ يا أبي هذه البلاد لا تطعم خبزاً، ولا تبني مستقبلاً..ولم يعد أمامي خيار سوى السفر، لعلني بذلك أنقذكم وأنقذ نفسي من هذه الحال.
بسبب إصرار ابنه الطموح باع أبو عصام قطعة أرض وأعطى عصام تكاليف السفر. وتيسَّر عصام إلى فنزويلا بإذن الله.
مرت الأيام، والشهور، سنة..سنتان..ثلاث..ولا علم عن عصام ولا خبر . وأبو عصام يقول : ربما تغير الولد، الغربة تغيِّر الرجال، وأم عصام لا حيلة لها إلا البكاء والدّعاء، ولوم أبي عصام: كيف تخلى عن فلذة كبده، وجعله يطير إلى بلاد غريبة وبعيدة.
إلى أن كان يوم، حمل لهم البريد إشعاراً برسالة مسجَّلة. أبو عصام ليس له أحد في الغربة إلا عصام، وهذه الرسالة من عصام ولا شك، لأنها رسالة مسجلة، ولا تكون الرسالة مسجلة إلا إذا كان فيها “شيك محرز”…وأخذ أبو عصام يحسب، لا يعقل أن يرسل من فنزويلا مبلغاً زهيداً، ثم إنها ثلاث سنوات غربة، لا بد أنه مبلغ سيحل لنا مشاكل كثيرة.
في اليوم التالي، ومن صباح الله الباكر توجه أبو عصام إلى البريد في مركز الناحية وهناك سلًمه الموظف الرسالة بعد أن وقَّع على الاستلام . كل هذه الإجراءات عززت لدى أبي عصام الثقة بأن الرسالة دسمة . لم يشأ أن يفتح الرسالة في مكتب البريد، أراد أن يتمتع بمفرده بالمبلغ الذي حوّله له عصام. وما أن خرج من حدود البلدة متجهاً إلى الضيعة، حتى بادر إلى الرسالة ففضها ليقرأ :
“ والدي العزيز ! أنا بخير وبصحة جيدة .
لا تظن يا والدي ان عصام تغيّر، “ عصام على حطة إيدك . الغربة ما غيرت فيه شي . والّي صايع ببلاده صايع ببلاد بره . ابعث لي نيلون4 الطريق “.

1 التبان : مستودع التبن .
2 الكربلة : فصل القصل عن التبن بالكربال . هون : هنا . مكيّف : مسرور، مرتاح البال
3 بدو : يريد . ياخذها : يتزوجها .

شو هالنطّة الحلوي!!؟

شو هالنطّة الحلوي
شو هالنطّة الحلوي

يضرب هذا المثل في الرأي غير الصائب الذي يعود على من اتبعه بأوخم العواقب . وحكاية هذا المثل أرويها من الذاكرة البعيدة، إذ كثيراً ما تسرد هذه الحكاية للتنديد برأي عاد بنتائج سيئة على من اتبعه
والحكاية أن لصوصاً أرادوا سرقة أحد بيوت المياسير، وكانوا يسيرون بخفة على سطح البيت فأحست بهم المرأة وأيقظت زوجها . لكن الزوج أجاب زوجته بصوت يسمعه اللصوص : نامي يا امرأة ! هؤلاء ليسوا لصوصاً، فاستغربت المرأة رد فعل زوجها وقالت له : وما أدراك ؟ ! . فقال لها : لو كانوا لصوصاً بحق لما ساروا في وسط السطح، فاللصوص لا يسيرون إلا على حافة السطح كيلا يشعر بهم أحد .
فاعتقد اللصوص أن كلام الرجل حقيقة، وأخذوا يسيرون على حافة السطح . ولما كان الظلام دامساً لم يتبينوا مواقع أقدامهم، فزلوا ووقعوا على أرض الدار. فخرج الرجل صاحب الدار وقال لهم: “ شو هالنطّة الحلوي ! “
فأجابه كبيرهم:
“هذي من راياتك يلي بتهوّي5 “
ووردت حكاية مشابهة لهذا المثل في كتاب كليلة ودمنة لابن المقفّع بعنوان حكاية “المصدق المخدوع “ ؛ وهي تحكي عن لصوص أردوا سرقة أحد البيوت فعلوا السطح، فاستيقظ صاحب البيت وأحس بهم، فنبه زوجته، وقال لها : رويدكِ إني لأحس باللصوص قد علوا ظهر بيتنا، فإني متناوم لك، فأيقظيني بصوت يسمعه مَن فوق البيت . ثم قولي : يا صاحب البيت ! ألا أخبرتني عن أموالك هذه الكثيرة، وكنوزك من أين جمعتها ؟! . فإذا أبيت عليك فألحي في السؤال؟ ففعلت المرأة ذلك، وسألته كما أمرها : فقال الرجل بصوت يسمعه اللصوص : أيتها المرأة قد ساقك القدر إلى رزق كثير فتنعَّمي واسكتي.. ولا تسألي عمّا لو أخبرتك به لم آمن أن يسمعه سامع، فيكون في ذلك ما أكره وتكرهين . فألحّت المرأة عليه فقال لها: جمعته من السرقة . فقالت له كيف كان ذلك؟ فقال لها : كنت أعلو ظهر البيت، وانتهي إلى الكوة التي يدخل منها ضوء القمر، فأرقي بهذه الرقية: “ شولم شولم” سبع مرات، ثم أهبط على عمود الضوء إلى داخل المنزل دون أن يراني أحد . فأجمع من الكنوز ما أستطيع جمعه، ثم أرقي بالرقية نفسها، وأعتلي عمود الضوء، فإذا أنا خارج المنزل.
ولما سمع اللصوص ذلك الكلام فعلوا كما سمعوا، فوقعوا في شر أعمالهم6.

4 نيلون : ناولون، أجرة السفينة، مصروف الطريق مع أجرة الركوب .
5 ـ الفزة : القفزة . راياتك : آراؤك . بتحزي : بتخري

كرمال عين تكرم مرجعيون

مثل يضرب في الرجل ؛ تكرمه لا لشخصه، وإنما إكراماُ لعزيز أوصى به . والمثل معروف في أنحاء الجبل، غير أني لم أقع له على حكاية إلا عند سلام الراسي، الذي أورد حكايته على النحو التالي :
قبل نهاية القرن الماضي اشترى البارون اليهودي روثتشايلد قرية المطلة، إحدى قرى منطقة مرجعيون في ذلك الزمان، من مالكها جبور بك رزق الله من صيدا، وذلك في نطاق المخططات اليهودية لجعل قرية المطلة قرية يهودية، ومد حدود أرض الميعاد إلى ما وراءها .
وكان زعيم المطلة الشيخ علي الحجار، من زعماء الدروز المعروفين، ومن أصحاب المكانة عندهم، إذ سبق له أن قاد إحدى معارك العصيان المسلح ضد الدولة العثمانية، وبطش بإحدى حملاتها، فقتل بعض أفرادها وشتت شمل من تبقى منها .
واضطرت الدولة يومئذِ إلى توسيط الوجيه المرجعيوني ملحم راشد بينها وبين الحجار، ولكن بدون جدوى، وعرف أنه استسلم فيما بعد بواسطة نسيب باشا جنبلاط وعفي عنه .
وفي أحد الأيام استدعاه القائمقام رفعت بابان بك إلى جديدة مرجعيون، لغاية ما، وعند المساء توجه عائداً إلى قريته، إلا أن فرسه وصلت صباح اليوم التالي إلى المطلة بدون فارسها . فهب رجاله يبحثون عنه، حتى عثروا عليه مقتولاً، ومطروحاً قرب نبع الحمام في مرجعيون .
وقيل إن القائمقام كان وراء مصرعه، كما أشيع أن أحد زعماء المنطقة كان يترصد خطواته . إلا أن مقتل الحجار ما زال حتى الآن سراً مغلقاً لم يستطع أحد أن يكشف عن حقيقته . وقد يجوز التكهن بالنسبة لتسلسل الأحداث بان إزالة الحجار من الطريق سهلت عملية اقتلاع الدروز من قرية المطلة وتسليمها لليهود قبل نهاية القرن التاسع عشر .
الذي يهمنا الآن هو أن جماعة الحجار اتهموا أهالي جديدة مرجعيون بقتله، فذبحوا عساف الصغير على الفور قرب جسر الخردلي، وأخذوا يجيشون للهجوم على الجديدة . وبنو معروف لا يبيتون على ثأر، ولا ينامون على ضيم، فكيف إذا كان قتيلهم من عيار الشيخ علي الحجار .
هذا مع العلم إن الهجوم على جديدة مرجعيون مغر وهين : بيوتها عامرة، وأهلها مسالمون، يتنافسون على اقتناء النفائس، ولكنهم لا يخبئون البنادق في مخادعهم .
لذلك لجأ أهالي الجديدة إلى المراجع المسؤولة، وتوجه بعض وجهائهم إلى بيروت حيث قابلوا رضا بك الصلح، وطلبوا مساعدته، فأبى وقال لهم : “ اقلعوا شوككم بأيديكم “ .
وذكر رضا بك أهالي الجديدة بحادثة خان الزهارية عندما فك صاحب الخان حماراً لرجل من صيدا، وربط مكانه فرساً لرجل من الجديدة، فنشأ عن ذلك خلاف بين الرجلين، وتألب الصيادنة على الجدادنة وأهانوهم، فقدم هؤولاء شكاوى قاسية اللهجة إلى مقام والي بيروت .
كان رضا بك الصلح يومئذٍ يشغل وظيفة حساسة في مركز ولاية بيروت، وأراد بحكم وظيفته أن يتوسط بين الصيادنة والجدادنة، فرفض هؤلاء وساطته قائلين “ ابن صيدا ما بينعطى ريق حلو “
وبلغت هذه العبارة مسامع رضا بك لذلك رفض فيما بعد أن يتوسط لأهالي الجديدة في قضية مقتل الحجار .
في ذلك الوقت كانت عليا فرنسيس قد شقت طريقها لتصبح من أسياد المواقف في المنطقة، وشعرت أن الجو قد اكفهر بسرعة، وأن ملابسات جريمة مقتل الحجار قد تتطور إلى فتنة طائفية، فانتخبت وفداً من وجهاء المسيحيين في المنطقة، وهبطت إلى بيروت، وقصدت رضا بك الصلح بالذات .
فرحب رضا بك بعليا فرنسيس أجمل ترحيب، وطيب خاطرها، وخواطر صحبها وقال في معرض الكلام : “ كرمال عين تكرم مرجعيون “، وذهب بنفسه للتحقيق في مقتل الحجار وإنهاء الأزمة7 .

6 ـ كليلة ودمنة : ص38

7 ـ سلام الراسي . في الزوايا خبايا : ص494

كلب المير مير

يضرب هذا المثل للنيل ممن يستظل بظل أحد الكبار، فيجعل لنفسه شأنا لا يستحقه وقد يحتمي الرجل بأمير ليمارس التعدي أو “يتمرجل” على الناس لا لرجولة منه بل لكونه “مدعوم” بنفوذ الأمير ال مما يجعل الناس يتحاشونه إكراما للأمير وخوفا من إغضابه. وقد يتخذ هذا المثل طابعاً سياسيا حينما يتعلق الأمر بأذناب السلطة، وعندئذٍ فالمثل من الأمثال التي تتهكم على الاستبداد والعسف.
وحكاية المثل كما يرويها سلام الراسي عن جورجي ميستو برواية “ كلب المير مير “إن أحد أمراء لبنان خرج إلى الصيد، ومعه كلب عريق، وحدث أن عبر الأمير وكلبه أمام حظيرة معّاز، فخرج المعاز مرحباً بالأمير، وخرج كلب المعاز من الحظيرة وأطبق على خناق كلب الأمير ودعكه، ومرَّغه، وشرم أذنه، وجلف إحدى عينيه .
وكان المعّاز يعرف أمير البلاد، فانحنى له لاثماً الأرض بين قدميه . لكن كلب المعاز كان غشيماً في قضايا البروتوكول، فكان منه ما كان . وانكسر خاطر الأمير وهو يشاهد كلبه ممروغاً بين يدي كلب المعاز، وهو يعوي عواء المغلوب على أمره، فأمر بقتل الكلاب كافة في المنطقة انتقاماً لشرف كلبه المهان. فقيل يومئذٍ: “كلب المير مير “ تدليلا على إيقاع الأمير العقاب بكلاب لا ناقة لها ولا جمل في ما حدث لكلبه، كما يعاقب فيها السلطان الناس في قرية أو منطقة وقع فيها قتل لموظف كبير أو معاون من معاونيه، وجرى القول مجرى المثل إلى يومنا هذا8

إذا كان الكلام من فضة فالسكوت من ذهب

إذا كان الكلام من فضّة فالسكوت من ذهب
إذا كان الكلام من فضّة فالسكوت من ذهب

يروى أن رجلاً أصيب بالفالج فبات مقعدا، وصار دائم الضجر كثير التذمر والشكوى، ملحاحاً في طلب ما يحتاجه، وما لا يحتاجه . فابتكر أولاده طريقة لتسليته، وتخفيف طلباته التي لا نهاية لها . وكان في القرية رجل معروف بذلاقة لسانه، وقدرته على سرد الحكايات، وابتكارها، فاستأجروه ليسلّي الوالد لقاء مجيدة (وهي عملة عثمانية آنذاك) في كل يوم، واستمر الرجل في مهمته، يسرد الحكايات للوالد المريض، ويتقاضى أجره، حتى أخذ الله وديعته .
وحدث أن وقع رجل آخر بالمرض نفسه، لكنه كان مختلفاً عن صاحبه الأول بأنه كان مهذاراً، لا يعرف لسانه الراحة، يريد أن يتحدث، ويفضي بما في نفسه. ولما لم يكن عند أولاده القدرة، ولا الوقت للجلوس أمام الوالد المريض، والاستماع إلى أحاديثه المتواصلة، فقد تذكروا الرجل الذي أستأجره قبلهم أولاد المفلوج الأول، فذهبوا إليه يستأجرونه قائلين : كنت تتعب نفسك في الكلام، وسرد الحكايات للرجل الذي مات منذ مدة، أما نحن فنريدك في مهمة أسهل وهي أن تجلس وتستمع إلى والدنا دون أن تبدي أي عناء في اختراع الحكايات وسردها . ولك منا كل يوم ليرة عصملية (ذهبية) لقاء صمتك وإصغائك
ففرح الرجل، وقام بمهمته خير قيام، وكان يقبض عن كل يوم ليرة عصملية بدلاً من المجيدة التي كان يتقاضاها من قبل، حتى أخذ الله وديعته، فتجمع للرجل رزق وفير، وعرف الناس الحكاية واعتبروا من ذلك الوقت فقالوا: “إذا كان الكلام من فضة فالسكوت من ذهب “

8 ـ سلام الراسي . “ثمانون”: المجلد الخامس : ص94

مآثر وعبر

مآثـــر وعبـــر

حكاياتٌ عن العِلاقةِ المُمَيّزَة
بين جبلِ عاملٍ ووادي التّيم

مبارزةُ خيلٍ تتحوّلُ إلى جَفاء
ووفدُ مشايخٍ يعيدُ المياهَ إلى مجاريها

كان سوق الخان (والسهل المحيط) به مركز تلاقٍ وتواصل بين وجهاء وزعماء منطقتي جبل عامل ووادي التّيم، والسّبب الوجيه لذلك أن السّوق كان الحدّ الفاصل بين ولايتيّ صيدا ودمشق حسب التقسيم الإداري السائد أيام الحكم العثمانيّ وقد بقي كذلك أيام الانتداب الفرنسيّ.
في يوم التقى في سوق الخان الزّعيم كامل بك الأسعد والوجيه الحاصبانيّ سامي بك شمس، وبعد انفضاض الاجتماع ما كان من الوجيه الحاصبانيّ إلّا أن دعا الزّعيم الوائليّ إلى المبارزة خيلاً في عرض ذلك السّهل وطوله.
وكامل بك الأسعد وهو بالمناسبة جدّ كامل الأسعد الأخير لوالدته وقد كان على قامة سمقاء ورشاقة ومهابة تفوق التصوّر، وإذا اعتلى صهوة جواده لا يبارزه سوى القلّة، ومن كان له باعٌ في مضمار الفروسية. منذ بدء المبارزة بدا واضحاً أن الوجيه الحاصبانيّ لم يُوفَّق إذ بدا تفوق غريمه واضحاً وفاضحاً، وهذا الأمر أحرجه أمام أتباعه مما أثار غضبه وجعله يتفوّه بكلام قاسٍ وشتائم مهينة لغريمه. أمّا الزّعيم الوائليّ، فرغم أنّ الدم غلى في عروقه إلا أنّه أطلق العنان لفرسه بعد أن تبعه مرافقاه مقدّماً أمثولة في ضبط النفس وتغليب الحكمة على النّزق والانفعال.
لكن ما إن عاد الزّعيم الحاصبانيّ إلى منزله في حاصبيّا حتى انتبه إلى الخطأ الجسيم الذي ارتكبه بحقّ زعيم الجنوب وكما يقول المثل العاميّ “ راحت السّكرة وأتت الفكرة”، وكان يخاطب نفسه بكثير من التأنيب: ماذا فعلت؟ وكيف تصرّفت؟ وبأيّ حق تفوهت بما تفوّهت به تجاه رجل كريم؟ النّدم، النّدم.. لكن ما نفع الندم؟ في تلك اللّيلة لم تغمض عينا الوجيه الحاصبانيّ بل تسمّر جسده فوق مقعده وهو محتار من أمره وكيف سيعيد المياه إلى مجاريها، والصّداقة الأولى إلى سابق عهدها. وفكّر أخيراً أنْ ليس لي سوى الأفاضل من المشايخ الأكارم أصحاب العمائم ومقرّبي الخواطر: “إذهب يا أبو علي النّاطور إلى الشّيخ أبوفايز علم الدّين بدوي وقلْ له كي يحضر إذ إنّني قد وقعت في مأزق كبير وليس حلّه باليسير”.
حضر الشيخ أبو فايز علم الدين بدوي وكان في ريعان الشّباب ولكنّه كان في الحكمة والدّراية شيخ من أشياخ الزّمان، ومن مشايخ البياضة المتنوّرين بالمعرفة ومحبّة الخير وتقريب الخواطر وفضّ النّزاعات، كما أنه كان صاحب البيت المشهور والكرم الحاتمي المعهود. لكن بعد اطلاعه على ما حدث وما أقرّ به الزّعيم الحاصبانيّ من تسرّعه وسوء تصرّفه دُهش واستغرب ما حدث، ثم تفكر في ذاته محتاراً من أمره فالموضوع مع زعيم كبير وغلطة لا تُغتفر، وكيف سيقرّب الأمور ومن أين سيبدأ الحلّ.

حاصبيا في عشرينيات القرن الماضي
حاصبيا في عشرينيات القرن الماضي

لهذا قرّر التصرّف بسرعة فعمد إلى تشكيل وفدٍ كبير من أهل الحل والعقد من الوجهاء الذين عرفوا بنبل مساعيهم وقد قبلوا أن يرافقوا الشّيخ أبو فايز في صباح اليوم التالي إلى بلدة الطّيبة، والتي يلزمها ستّ ساعات سيراً على الأقدام.
وصل الوفد في الوقت المحدّد لدار الطّيبة، لكنّ استقبالهم كان استقبالاً فاتراً، ومع هذا لم يدبّ الوهن في عزيمتهم، وكان التّفويض بالكلام لصاحب المقام الشيخ أبو فايز. بعد الجلوس وشرب القهوة وقف الشّيخ أبو فايز وسط القاعة ثم ابتدأ بالكلام تحية واحتراماً قائلاً: دار الطيبة اسم لمُسمّى وأشمل وأغنى من أي معنىً ورحابه صدرها للأنام عندها مسرّة، لذا أتينا من حاصبيّا، قاعدة وادي التيم، للاعتذار وتقديم الإجلال والاحترام للزّعيم الكبير آملين أن نُسلِّم عليه.
أجاب المسؤول: إنّ البيك خارج القصر. عندها قال الشّيخ أبو فايز: مسيرتنا لأكثر من ستّ ساعات ويلزمنا وقت مماثل في طريق العودة، لذا فإننا لن نبرح هذا المكان إلا بعد مقابلة صاحبه وتقديم الاعتذار كما أُمِرنا، ومهما تكن النفوس متباعدة فلا شيء يمنع من تقاربها والخلاف يحصل بين الإخوة والأقارب وزعيمنا الوائلي رائد محبة وتقارب وأملنا أن لا يعيدنا خائبين.
كبير المسؤولين في دار الطّيبة، وكان على دراية وبعد نظر، هزّه هذا القول مقتنعاً ومتّعظاً ومقدّراً كلام الشّيخ ومجيء الوفد، لذا انسلّ خارجاً ثم ذهب إلى مكان تواجد الزعيم فأخبره بما سمع وبأنّ عليه أن يقابل وفد المشايخ مهما تكن الخلفيّات خصوصاً وأنهم من أهل الكرامة والاقتدار ويكفي تحمّلهم عناء القدوم من مكان بعيد لكي يرفعوا إلى مقامكم اعتذار زعيم حاصبيّا وأسفه لما حصل.

كامل الأسعد
كامل الأسعد

الزّعيم الوائلي، وبعد سماعه كلام مرافقه، عاد إلى ضيوفه هاشّاً باشّاً وخاطبهم بالقول: أهلاً وسهلاً، وشكراً بما أشدتم وتكرّمتم لكن بالنّسبة للسّيد سامي بك فإنّني لن أحادثه مطلقاً وأرجو أن لا يقع نظري على نظره، وحتى حاصبيّا مُحرّمة عليّ.
الشّيخ أبو فايز تبسّم ثم تقدم من الزّعيم الوائلي مصافحاً إيّاه بحرارة وكذلك فعل بقية أعضاء الوفد، ثم جلس الجميع. غير أنّ الشيخ أبو فايز ظلّ واقفاً وابتدأ بالحديث قائلاً: يا كامل بك ، الأخوة تتخاصم، لكنّ الكبار الكبار أمثالكم لا يوجد للحقد أو الكراهية مكان في نفوسهم، فالصّفح شيمتهم، وقد كان قدومنا إلى هنا بطلب من زعيمنا شخصياً، ونحن نزيد على ذلك أن لعن الله الخمرة وما تسبّبه، وليس بالكثير إذا كانت عند أهل التوحيد منكرة ومحرمة. ولهذا عند عودته إلى منزله في حاصبيا كان الوعي والرّشد قد عادا إلى مخيّلته فاستدعانا على عجل وطلب إلينا الإسراع بالقدوم إلى دياركم لتقديم اعتذاره الصّادق.
انتظر الشيخ أبو فايز ليرى وقع كلامه على الزّعيم الجنوبي فلاحظ أنه بقي على عبوسه، عندها أكمل القول: هل تسمح لي بأن أسألكم سؤالا بسيطا؟ قال اسأل
قال الشيخ أبو فايز: ما هذا الذي يُغطي رأسكم؟
شقّل الزّعيم الوائلي حاجبيه وقال: ماذا تقصد يا شيخ بسؤالك؟ ألا ترى العقال والحطّة؟
تبسم الشّيخ وقال : هذا مقصدي بالضّبط، أليس يكفي أن يُجلّل رأسكم العقال، وكم هي بليغة وعميقة هذه الكلمة، وخاصة إذا كانت تكلّل هامات الرّجال العقلاء أمثالكم؟
كامل بك هزّه هذا القول فانفرجت أساريره وقال للشّيخ أبو فايز: حقّاً وصدقاً، أمثالكم قليلون أيّها الشيخ الجليل، لذلك ومهما كان غضبنا لما حصل، وتقديراً وتكريماً لخاطركم الكريم، قل لسامي بك إنني ذاهب إلى حاصبيا، وقريباً تشاهدوننا في دياركم.
وهكذا وفى الزّعيم الوائليّ بوعده فأتى برفقة سبعين خيّالاً إلى دار آل شمس، وكأنّ شيئاً لم يكن. وبعد الاستقبال والعناق كان التّكريم والحداء والرّصاص يملأ الآفاق وزِد على ذلك فقد أمر الزّعيم الحاصبانيّ بذبح سبعين خروفاً على عدد الزّائرين وبقي الجميع ثلاث ليال مكرّمين معززين.

أنعم وأكرم بأبناء العم

وندعــو كريمــاً مـــــــــــــــن يـــــــــــــجـود بمالــــــــه
ومن يبذل النَّفس النّفيســة أكـــرمُ
إن الكــرام إذا ما أيسـروا ذكــروا
من كان يألفهــم في المنزل الخشنِ
(شاعر قديم)

مالت الشّمس خلف جبل القاطع، وأذن الوقت بالعودة نحو المبيت. لهذا اعتلى الشيخ أبو فايز علم الدّين بدوي ظهر دابّته واتّجه عائداً نحو بلدته، بعد جهدٍ وتعبٍ مُضْنِيَين، من غرسٍ للبذور والشتول، وسقاية ورش ونكشٍ للعشب والجذور. فالوقت ربيع، وأيام العمل في البساتين تبدأ مع الفجر ولا تنتهي إلاّ مع الغروب، خصوصاً وأنه اقتنى بستاناً كبيراً من تعب اليد وعرق الجبين.
كالمعتاد يوميّاً، يرافقه في طريق العودة جاره في العمل الشّيخ علي، والقول المتّبع عند الفلّاحين الرّفيق قبل الطّريق.
قبيل وصولهم إلى بلدتهم، بعد هبوط العتمة إذ برهط من المكاريّة خارجين لتوّهم من البلدة، وكان زِيّهم يدلّ على أنهم غرباء مساكين وقد بدا الوجَل على وجوههم. اهتمّ الشّيخ أبو فايز للأمر فاستوقفهم قائلاً:
إلى أين أنتم قاصدين؟
نحو بلادنا.
وأين هي بلادكم؟
نحن من بلدة حولا في جبل عامل.
أنعم وأكرم بأهل حولا أبناء العم الكرام.
كان هذا النوع من السّلام دارجا بين دروز المنطقة وشيعتها بالنّظر لكون الموحدين الدروز كانوا معاً من ذات القبائل التي دانت بالمذهب الشّيعيّ الفاطميّ، لذا فهم من أرومة واحدة ويربطهم تاريخ من الصّداقات والعيش المُشترك وأدب الجيرة.
بعد السلام نزل الشّيخ عن ظهر دابته ثم تقدّم نحوهم فدعاهم وأصرّ عليهم أن يقبلوا المبيت عنده على اعتبار أنّ الوقت ليلٌ والطّريق طويلة وبعيدة نحو حولا، و..”شرّ الصّباح ولا خير المسا”!
ولما وجدهم متردّدين أجار عليهم بالقول المأثور “أجير الله وأنبياءه عليكم أن تقبلوا دعوتي”.
بعد سماع هذه الدّعوة الصّادقة، ما كان من المكاريّة إلّا أن قبلوا الدّعوة وعادوا معه شاكرين حامدين.
رفيق الشّيخ أبو فايز نظر نحو الموكب وهو عائد ثم هزّ برأسه وقال في ذاته: “ما أكثر غلبة عمّي أبو فايز، كيف يستضيف هذا العدد من الرّجال مع العشاء والمنامة، وفوق هذا دوابهم وجمالهم وخيولهم، وكيف ستقابلهم زوجته وهم في وضع مادّي غير ميسور؟! ثمّ تقدّم من الشّيخ وصارحه هامساً: “لقد جلبت العنت لك ولعائلتك وكان الأفضل تركهم وشأنهم، خصوصاً وأنّهم من بلاد بعيدة ولا تعرفهم؟”
هزّ الشيخ أبو فايز برأسه وأجاب رفيقه وابتسامة رضا تزين وجهه:”اسمع يا صاحبي، النّاس للنّاس والرّزق من الخالق الرّزّاق، قِسْ على نفسك إذا حلّ بهم مكروه في هذا اللّيل، والطّريق غير آمنة ومعرّضة للكثير من الأخطار، سواء كان من قطاع الطرق أو اللّصوص، ولا يغرب عن بالك أنّهم سيمرّون قرب الحدود مع اليهود، فلربّما اعتبروهم مهرّبي أسلحة أو مجاهدين فلسطينيّين وأطلقوا عليهم النّار وهم عُزّل مساكين. ومع هذا ماذا سيكلّفوننا؟..العشاء واحد، وأختك أمّ فايز، مثل كلّ غانمة، تعمل حسابها عند طبخ العشاء تحسّباً لضيف مساء أو عابر سبيل، والمثل يقول زاد واحد يقري اثنين وزاد خمسة يقري عشَرة والله يبارك لنا وللجميع، وبعملنا هذا ربّما ننقذ أرواحاً أو نكسب أصحاباً أو نطعم جوعاناً أو نروي عطشانا”
عند سماع ذلك سكت رفيق درب الشّيخ، لكنّه في قرارة نفسه لم يقتنع بما سمعه بل إنه عد سلوكه من قبيل الوجاهة وليس الكرم.
لكنّ مبدأ الشّيخ في الحقيقة كان ينبع من الكَرَم ومَدّ يد العون لعابر السّبيل وعمل الخير للجميع. فمنزله طوال حياته كان مضافة عامرة، و”محكمة أهليّة” لفضّ المشاكل وتقريب الخواطر وإغاثة الملهوف، وقدوم الضّيوف عليه وعلى عياله كان أمراَ مألوفا.

الشيخ أبو فايز علم الدين بدوي
الشيخ أبو فايز علم الدين بدوي

سهرة ممتعة قضاها الشّيخ أبو فايز مع ضيوفه من سمرٍ ومسامرة وتبادل أفكار واكتساب معرفة عن بلاد بعيدة وعادات جميلة.
عند مغادرة الضّيوف صباحاً منزله، وقف كبيرهم قبيل توديعه قائلاً: “ أقسم بالله وبالنّبي والإمام عليّ، وقد تجاوزت الخمسين من عمري، لم أصادف رجلاً في حياتي كلّها وأنا تاجر متجوّل من بلدة إلى بلدة، ومن بيت إلى بيت، كما لمسنا وشاهدنا من كرمكم وأفضالكم وترحيبكم وطراوة أحاديثكم يفوق ما يتصوّره أيّ إنسان. ويكفي أنّكم كنتم المبادرين لدعوتنا قبل أن نطرق بابكم، وهنا تظهر أريَحيّتكم وشهامتكم. فهنيئاً لكم ولبلدتكم ولطائفتكم بأمثالكم، وعسى الله تعالى يقدّرنا على الوفاء، وردّ الجميل”.
دارت الأيام… ومواسم الحاصبانيّ من السّفرجل والرّمان والملفوف والباذنجان لا يصحّ تركها بعد نضجها، والخريف آن، وحان وقت القطاف والتّسويق.
لهذا، حمّل الشيخ عليّ جار الشّيخ أبو فايز أحمالاً عدّة مع رفاق له، واتّجهوا جنوباً نحو قرى جبل عامل لبيعها. ثمّ بادروا للتنقّل من قرية إلى قرية إلى أن غربت الشمس عنهم في خدرها وهم بعيدون عن ديارهم والعودة ليلاً محفوفة بالأخطار، ومع هذا لم تنفذ البضاعة ويجب تصريفها وإلا كانت عرضة للأضرار.
ما العمل، قال الشّيخ علي لرفاقه، وكيف العودة والطريق نجهلها، والغريب أعمى ولو كان بصيراً، فكيف إذا كان الوقت ليلاً وليس بيننا دليل؟!
إذ ذاك ما بقي أمامهم سوى طرق باب أحد المنازل قصد الضيافة. وهكذا حدث من قِبل أحدهم.
استقبله صاحب المنزل قائلاً: “ أهلاً وسهلاً، ماذا تريد يا أخي؟”
أجاب الطارق: “إنني ورفاق لي من بلاد بعيدة، وليس بالإمكان العودة ليلاً، فهل تسمح باستضافتنا منامة وليس أكثر؟”
“تفضلوا يا أخي، على الرّحب والسعة”.
بعد الدخول والاسترخاء من قبل الضيوف، تفرّس المضيف بهم، ثم بادرهم القول: “عسى أن تكونوا من بلاد حاصبيّا؟”
تبسّم الضّيوف، إذ وجدوا بهذه الكلمة نوعاً من التّرحيب وراحة النّفس قائلين: “نعم..”.
“إذاً من بلدة الشّيخ أبو فايز علم الدين بدوي!”
“ نعم نعم من بلدته وجيرانه، والبعض منّا من أقاربه”.
“ يا أمّ حسين” نادى صاحب المنزل على زوجته، “ تعي أنتِ والأولاد ..لأعرّفكم على أقارب وأصحاب وجيران أجلّ وأشرف رجل عرفته، وكم حدثتكم عنه وعن كرمه وأصالته وسعة محله.”
“ألا يكفي أن أرجعنا عن الطريق إلى بيته بعد أن تصدّى لنا وأجار الله وأنبياءه علينا كي نقبل دعوته؟ لقد كرّمنا بأكثر من مقامنا وأتحفنا بكرم الخلق وأدب الضّيافة، وأفادنا بأمثال وحكم بليغة من علومه وتراث عشيرته”.
لم تمضِ فترة من الوقت، حتّى مُدَّت سُفرة من الطّعام الشهي للضّيوف، والبيت بأكمله يعمّه الفرح والسرور.
الشيخ علي كان يأكل ويهزّ برأسه من وقت لآخر، ثم يوشْوِش رفاقه قائلاً: “أطال الله بعمرك يا عمّي أبو فايز وبيّض وجهك وثناك في الدّنيا والآخرة كما بيّضت وجهنا ونحن حقيقة نأكل الآن على جاهك ونغرف من معجنك”
عند عودته إلى بلدته، كان الخجل يعلو وجه رفيق الشيخ أبو فايز وهو يخبره عمّا لاقَوْه من كرمٍ وترحيب فاقَ ما يتصورونه في بلدة حولا الجنوبيّة. وكلّ ذلك عائد لفضلكم وكرمكم وبُعد نظركم. ثم أكمل حديثه قائلاً: “إنّ أصدق قول يناسب مقامكم يا شيخنا ما كنت تردده أمامنا هو: من جاد ساد، ومن بخل رُذِل، وأجود النّاس من جاد من قلّة وصانَ وجه السائل من المذلة، وأجمل المحاسن كلّها الكرم.

العدد 17