تحبُّ زيتَ الزّيتونِ؟ اعصرْه بنفسِك!
ماذا فَعلتُمْ بِزَيتِنا؟
زَيتُ الزّيتون (مثل العسل) دخلَ لائحةَ
أكثرِ الأغذيةِ تعرّضاً للغِشِّ في العالم
تجّار لبنانَ أتقنوا كلَّ فنون الغِشِّ المعروفةِ للـــزّيت
لكنَّ جهلّ المستهلك بأساسيّات الزّيت أكبرُ عونٍ لهم
زيتُ الزّيتون!!
يكفي ذكر الكلمة حتى تراودَ المرءَ مشاعر انتعاش وغِبطة قلّما يثيرها ذكر غذاء آخر. فزيت الزّيتون ليس فقط جزء من نمطنا الغذائيّ في لبنانَ وفي البحر الأبيض المتوسّط عموماً بل هو جزء من تاريخنا وثقافتنا كما إنّه جزء من شخصيّتنا الفرديّة وذكريات مائدتنا وسهراتنا العائليّة، ومن يمكنه أن ينسى “عروسة” الزّعتر والزّيت التي كانوا يلحقوننا بها قبل الذهاب إلى المدرسة أو قبل الانطلاق إلى ساحة القرية. وأيّة أسرة كانت تدخل فصل الشّتاء قبل أن تكون “مونة الزّيت” قد أصبحت في الخوابي أو الجرار (لم تكن العادة السّيئة لخزن الزّيت الطيب في غالونات البلاستيك قد عرفت بعد). وقد كان أكثر أهل الجبل يعتبرون امتلاك “كمْ سهم زيتون” الشّرط اللازم لنيل الاعتراف أو الاحترام في البلدة فكان زيتهم من زيتونهم ومن عصر مكابسهم. أمّا الفائض الذي كان يتجمّع لبعض كبار الملّاكين فقد كان يعود إلى سوق القرية أو القرى المجاورة فيشتريه من لم يسعفه الموسم أو من لم يُنْعم الله عليه بكروم زيتون تكفيه مَؤونته.
هذه المقدَّمة الحميمة عن أهمّ غذاء على مائدتنا هي أفضل شيء نبدأ به موضوعنا عن الاندثار التّدريجي لزيت الزّيتون اللّبنانيّ الصافي والأصيل، وهو اندثار تساهم به مجموعة من العوامل أهمّها الطلب المتزايد على زيت الزّيتون في مقابل تراجع المساحات المزروعة وغياب الخِبرة في معاملة الزّيتون وبالتّالي التردّي المستمرّ في إنتاجية الشّجرة عندنا بالمقارنة مع بلدان مثل مصرَ أو تونسَ أو اليونانِ. هذه الفجوة الواسعة بين كثافة الطّلب وقصور المعروض دخلت منها مشاكل لا تحصى يتعلّق معظمها بدخول أنواعٍ متدنّية الجودة أو بكل بساطة أنواع مغشوشة لا تحمل من زيت الزيتون إلا الاسم.
ويمكن القول براحة: إنّ غالبيّة زيت الزّيتون التي تباع في السّوق وعلى رفوف المحلّات وحتى في المخازن الكبرى هي من أصناف “مغشوشة” رغم الأسعار المرتفعة التي تباع بها.
ومشكلة غِشِّ زيت الزّيتون أصبحت مشكلة عالميّة فعلاً بسبب الزّيادة الكبيرة في الطّلب عليه والشهرة التي نالها في العقود الأخيرة كزيت مثاليٍّ للصحِّة الجسديّة وخصوصاً لصحّة القلب. وعلى سبيل المثال، فقد قفزَ استخدام زيت الزّيتون في الولايات المتّحدة عشَرَة أضعافٍ في السّنوات الـ 35 الأخيرة بالغاً 327 ألف طن سنويا في العام 2015 في مقابل 29 ألف طنٍّ سنويّاً فقط في العام 1980. ونشأت في العالم صناعة مزدهرة تقدّر مبيعاتُها السنويّة بأكثرَ من 16 مليار دولار.
لكنّ الشهرة التي نالها زيت الزيتون أفسحت في المجال لعمليّات فساد وغِشّ واسعة النّطاق في العالم وقد صدر في الولايات المتّحدة كتاب للصّحافي لاري أولمستد سلّط فيه الأضواء على العالم التحتيّ لصناعة وتجارة زيت الزّيتون، وقد كشف أولمستد أنّ الغالبيّة الكُبرى من زيت الزّيتون المباع في السوق الأميركيّة مغشوشة من خلال خلطه بزيوت نباتيّة
رخيصة ومؤكسدة مثل زيت دوار الشمس أو زيت الفستق أو زيت الزّيتون غير الصالح للأكل، حتى الزّيت الذي يباع تحت علامة زيت بكر Extra virgin يتمّ تخفيفه غالباً بزيوت رخيصة مثل زيت النّخيل أو البندق أو دوّار الشمس أو زيت بذور العنب أو غيرها. وهذه الزّيوت لا يتمّ ذكرها على القوارير أو المستوعبات التي يباع فيها، بحيث يعتقد المستهلك أنّه اشترى زيت زيتون بكر وصافٍ فعلاً. ونظراً لأنّ أكثر المستهلكين ليست لهم الخبرة في زيت الزّيتون الأصليّ فإنهم لا يستطيعون غالباً تقييم الزّيت الذي يشترونه حتى ولو تذوّقوه.
وقد أقيمت في العام 2014 دعوى احتيال على شركة أميركيّة كانت تبيع تحت إسم “زيت زيتون صاف” زيتاً مُصنَّعاً من مَهَل الزّيتون (الجفت) بعد معالجته بموادَّ ومحاليل كيماوية خطرة ثم خلطه بعد ذلك بزيوت رخيصة. وفي العام 2015 أغلقت الحكومة الإيطاليّة 12 شركة لتصنيع الزّيت في منطقة بوغليا بعد اكتشاف شبكة احتيال واسعة لبيع زيت الزّيتون المغشوش.
بناءً على تلك الحادثة وحوادث أخرى مماثلة، بدأت مصادر الصّناعة تحذر من الاعتقاد الخاطئ بأنّ زيت الزّيتون المستورد من إيطاليا يتمتّع بالميزات المفترضة للزّيت الإيطاليّ. يقول أحد خبراء الزّيت الدّولييّن إنّ زيت الزّيتون الأصليّ الذي تنتجه إيطاليا بالكاد يكفي حاجتها والأنواع الممتازة منه لا تغادر إيطاليا. في المقابل فإنّ إيطاليا هي أكبر مستورد لزيت الزّيتون في العالم وهي تستورده من بلاد المغرب العربيّ ومن سوريا وإسبانيا وتقوم بمزجه وتعليبه ثم تصديره للعالم، لذلك، فإنّك عندما تقرأ على القارورة “مُعلّب في إيطاليا” فالعبارة صحيحة لكنّها لا تعني أن الزيت معصور في إيطاليا كما لا يعني أن الزّيت لم يتمَّ مزجه مع زيوت أخرى.
فحص DNA زيت الزيتون آخر التقنيات
لتحليل كشف الأصناف المغشوشة
موضوع غِشّ زيت الزّيتون أدى إلى المطالبة بإنشاء هيئة لإعطاء شهادات الجَوْدة لأيّ زيت يرغب منتجوه في بيعه في السوق الأوروبية. وقد تعزّزت الآمال بإمكان إيجاد جهات مختصّة بتحليل زيت الزّيتون بعد الكشف العلميّ الذي حقّقه فريق علماء أسبان تمكّنوا فيه من تطوير تقنية لفحص الخصائص الجينيّة DNA للزّيت موضوع الاختبار، وقد أثبتت التّقنية قدرتها على معرفة مصدر الزيت وإذا كانت أنواع أخرى من زيت الزّيتون قد مزجت في المنتج أو إذا كان زيت الزّيتون يحتوي دهوناً من مصادر أخرى مثل زيت دوّار الشّمس أو الفستق أو غيرهما.
وقد لاقى الاكتشاف ردود فعل حماسية من مصادر زراعة الزّيتون في أوروبا خصوصاً والتي باتت تتوقّع أن يؤدّي الاكتشاف إلى تصنيف أفضل لزيت الزّيتون الصّافي وكشف الأصناف المغشوشة واتّخاذ التدابير الصّارمة بحقّ المرتكبين.
“زيت الزيتون (عندما لا يتمّ غشّه) يتعرّض لتدهور نوعيته بسبب أساليب القطاف والتأخّر في العصر وخزن الزّيت في غالونات البلاستيك”
دور المافيا
في مطلع العام الجاري عرض برنامج 60 دقيقة على محطّة CBS الأميركيّة حلقة أظهر فيها كيف تمّ إفساد صناعة زيت الزّيتون في العالم عبر ما سمّاه البرنامج توصّل المافيا للسّيطرة على كلّ قطاع زيت الزّيتون بدءاً بقطاف الزّيتون والعصر وتسعير الزّيت والنّقل والبيع في المحلّات. وقد بلغ من ضخامة عمليّات الاحتيال أنّ نِصفَ كمّيات زيت الزّيتون المباعة في إيطاليا على اعتباره زيت زيتون بكراً وأصلياً Extra virgin هي في الحقيقة زيت زيتون ممزوج بغيره من الزيوت النباتية الرّخيصة، وهذه النّسبة ترتفع في الولايات المتحدة إلى أكثر من 90%، كما إنّ أحد العوامل المؤثّرة في تراجع نوعيّة الزّيت هي شحنه لأسابيع طويلة عبر البحر، ثم خزنه أيضاً ولمدد متفاوتة بعد وصوله إلى السّوق وقبل تعبئته وتوزيعه على المحلّات حيث يمكن أن يبقى في المخازن أو الرّفوف لأشهر أخرى، ممّا يعني أنّ زيت الزّيتون يفقد أكثر مدة صلاحيته وجَوْدته قبل الوصول إلى المستهلك.
تحرّكٌ أوروبيٌّ
لقد أثارت الأنباء المتزايدة عن كشف عمليّات غِشٍّ واسعة في صناعة الزّيت الإيطاليّ وغيره اهتماماً واسعاً في سلطات الاتّحاد الأوروبيّ المهتمّة بالرّقابة على نوعيّة الغذاء وقمع أعمال الغِشِّ والتَّزوير في القارّة. وقد وضع تقرير أخير للبرلمان الأوروبيّ زيتَ الزّيتون في رأس المنتجات الغذائية المعرّضة للتّزوير الى جانب سلع أخرى مثل السّمك والمنتجات العضويّة والعسل وغيرها. لكن عمليات الغِشّ الأكثر تطوّراً لزيت الزّيتون ما زالت أحياناً من الإتقان بحيث يصعب كشفها. لهذا يجري التركيز في القارّة الأوروبيّة على ابتكار أساليب وتقنيات متطوّرة جداً لتحليل الزّيت بهدف كشف خلطه بنوعيّات خارجيّة أو بزيوت رخيصة أو غير ذلك. ويلعب المجلس العالمي للزّيتون وهو الهيئة الدوليّة التي تمثّل صناعة الزيت دوراً بارزاً في محاولة تنظيم المهنة، وقد طرح المجلس مؤخّراً اقتراحاً بإنشاء هيئات لمنح شهادات الجَوْدة والمصادقة للزّيت وجعل الحق في تصديره وبيعه في سوق التّجزئة محصوراً بالماركات الحاصلة على شهادة الثّقة والجَوْدَة.
وبالنّظر لعمليّات الغشّ الواسعة لزيت الزّيتون في الولايات المتّحدة فقد قرّر المجلس العالميّ للزيتون تكليف أحد أبرز المختبرات الأميركيّة والتي تعمل من ولاية كاليفورنيا بأعمال فحص عيّنات زيت الزّيتون المُعدّة للتّسويق في السوق الأميركيّة وإعطاء شهادات الجَوْدة وخلوّ الزيت من أي ترسبات كيماويّة أو غيرها من المواد الغريبة.
“المافيا سيطرت على زيت الزيتون الإيطالي والكثيــر مما يباع منه في الأسواق ليس إيطــــاليّاً.. ومغشــوش أيضاً”
زيت لبنان: غِشٌّ ومشاكل جَوْدَة
يُعتَبر زيت الزّيتون اللبناني من أطيب النّوعيّات في العالم، وبالطّبع فإنّ من يستطيع الحصول على زيته مباشرة من إنتاجه أو من مصادر ثقة فـ “بيته في القلعة” كما يقال لأنّه يحصل على مُنتَج أصبح نادراً أكثر فأكثر في سوق لبنان والمحظوظون وأصحاب الخبرة الواسعة في الزّيت فقط هم الذين يمكنهم تأمين مؤونة الزّيت من أفضل الأنواع.
لكن: ماذا عن بقيّة المواطنين وكيف يتدبّرون زيتهم؟
يتميّز السّوق اللبنانيّ بغياب الرقابة الفعلية على المُنتَجات الغذائيّة وعلى الخبرة الكبيرة للتّجّار في عمليّات الغِشّ وتحقيق الأرباح من بيع المُنتجات المتدنيّة النّوعيّة أو المزوّرة. ومن يقرأ الصّحف اللّبنانيّة في مواسم الزّيتون والزّيت يصطدم فعلاً لكمِّ الأخبار والتحقيقات التي تصف الطّرق المتنوّعة لغِشّ زيت الزّيتون مثل تصنيع الزّيت من مَهَل الزّيتون بعد نقعه بالزّيت النباتيّ لمدّة معيّنة ومعالجته بموادّ كيماويّة أو الغِشّ عن طريق إضافة الزّيت النّباتيّ بكميّة قد تتراوح بين 25% و50% وهناك غِشّ معاصر الزّيتون التي تضع مواسير تحت أرض المعصرة تمزج زيت الزّيتون المعصور بالزيت النباتي بصورة خفيّة وهو ما يمكّن المعصرة من السّطو على كميّة كبيرة من زيت الزّيتون التي تقوم بعصره، وهناك معالجة الزّيوت النباتية الرّخيصة بمركّز الكلوروفيل وبمُضافات معيّنة تُعطي للزّيت النباتيّ المكرّر طعم زيت الزّيتون، وهناك خلط زيتون “الجويل” (أي الذي يتساقط تحت الأشجار بسبب التسوّس أو آثار العواصف) مع زيتون القطاف بهدف زيادة كمّية الزّيت وهذا السلوك فيه غِشٌّ واضح..
لكن في جميع تلك الحالات، فإن التّجّار يستطيعون الغِشّ بسهولة لأنّ القليل من المستهلكين لديهم الخبرة بزيت الزيتون، ولأن الأكثريّة الساحقة منهم (خصوصاً الذين يقيمون في المدن) لا يشترون “مؤنة” الزّيت للسّنة كلّها من مصدر يعرفونه بل هم يشترون ما يحتاجونه من المخازن الكبرى أو السوبر ماركت. وهؤلاء هم الضّحيّة الأهمّ لصناعة الزّيت المغشوش، حتى أولئك المستهلكون الذين استعاضوا عن زيت الزيتون المحلّي بالأجنبيّ وخاصّة الإيطاليّ (بهدف ضمان الجَوْدة) يمكنهم الآن أن يعلموا أنّ الزّيت الإيطاليّ المستورد لا يمتلك دائماً صفات الجَوْدَة التي يتوقعونها وأنّ نسبة كبيرة منه هي مزيج من زيوت رديئة النّوعية لكن مكرّرة ومعلّبة تحت أسماء إيطاليّة طنّانة وهي على الأرجح من مصدر غير إيطاليّ لكنها معبأة في إيطاليا.
لكنّ مشكلة مستهلك الزّيت في لبنان لا تقتصر على الغِشّ الواسع النّطاق بل في الجهل العامّ خاصّة عند المنتجين الصّغار بأساليب قطاف الزّيتون ثم عصره وخزنه وحفظه. فقليل مثلاً من المزارعين يعلم بأهمّيّة ألّا يكون هناك وقت بين القطاف وبين العصر، والوقت الأمثل للعصر هو أن يؤخذ الزّيتون مباشرة إلى المعصرة لأنّه إن بقي لساعات طويلة في الخارج لسبب أو لآخر فإنّه لن يعطي الزّيت بالنّوعيّة المرجوّة بسبب عمليّة التأكسد التي تصيب الزيتون المكدّس. وهذه القاعدة الأساسية غير معمول بها إلّا من قبل بعض التّعاونيّات والشّركات الحديثة لأنّ المزارعين قد يجمعون زيتونهم تدريجيّاً ويتركونه مكشوفاً إلى أن يحين موعد أخذ المحصول إلى المعصرة، وبعض الزيتون قد يُكَدّس فوق بعضه بعضاً لأيّام قبل العصر وهذا خطأ جسيم يخالف ألف باء صناعة زيت الزّيتون الفاخر.
لكن حتى لو رغب المُزارع بأن يتمّ عصر زيتونه فور جلبه إلى المعصرة فقد لا يتسنّى له ذلك لأنّه سيجد أنّ العديد من المزارعين سبقوه إلى المعصرة وهم ينتظرون دورهم، لذلك فقد يُطلب منه أن يبقي على زيتونه في المعصرة إلى أن يأتي دوره وهو ما قد يأخذ يوماً أو أكثر. ويكفي زيارة مكبس زيت لنرى كميّات الأكياس المصفوفة بانتظار أن يُلقى بها في جُرن المعصرة.
وحتى إن تمت مراعاة الشّروط فالأرجح هو أنّ الزّيت لن يُخزن بالصّورة المطلوبة بل سيعبّأ في “غالونات” بلاستيك سعة 16 لتراً وهذه الغالونات قد يأخذها المُشتري إلى البيت ويتركها في مكان ما في القبو إلى أن يحتاجها. ومن المعروف أنّ الزّيت مادّة دهنيّة وهو لذلك ذو قابليّة عالية للتفاعل مع البلاستيك وخصوصاً مادّة
الـ BPA الموجودة فيه وهي مادة لها مضارّ كبيرة على الجسم بما فيها القدرة على تحريض خلايا السّرطان. بالطّبع البلاستيك “عمليّ” بالنسبة للمزارعين وحتى بالنسبة للمستهلكين الذين لا يمتلكون الوعي بخطورة استخدامه لأيّ شيء غذائي.
زيت الزّيتون سريع التّأكسد
بسبب إحتوائه على نسبة عالية من مادة الكلوروفيل فإنّ زيت الزّيتون يعتبر مادة سريعة التأكسد عند تعرضها للضوء أو الأوكسيجين (الهواء)، لكن مع الأسف فالقليل من المستهلكين يدركون هذه الناحية فيشترون الزّيت في قوارير زجاجيّة شفافة تجلس على رفوف المحلات مدة غير محددة. والشركات يهمّها بيع الزيت بقوارير شفافة لأنها تريد أن تظهر لونه الأخضر الذهبيّ الجذاب للمستهلك، علماً أنّ هذا اللون قد يكون في أحيان معيّنة نتيجة إضافة مادة الكلوروفيل الصّناعية إلى زيوت نباتيّة مكرّرة لا لون لها ولا طعم. فالمفترض هو بيع الزّيت في قوارير داكنة لكنّ المستهلك لن يُقبل عليها لأنّه يريد أن يرى اللّون الذهبيّ للزّيت. وبالطّبع وقبل أن يصل الزّيت إلى القارورة فقد تمّ على الأرجح شحنه بالبحر في صهاريج كبيرة لأسابيع ثم أُدخِل في خزّانات الشّركات لأسابيعَ أخرى قبل تعبئته، وهكذا يكون زيت الزّيتون (في حال عدم غِشّه) قد خضع لعمليّة تأكسد طويلة أفقدته أكثر خصائصه الغذائيّة المفيدة وزيت الزّيتون المتأكسد يصبح ضارّاً للصحة بدل أن يفيدها.
إنّ الطّريق الأفضل للتموين بالزّيتون هي شراء خزّان “ستنليس” Stainless مصمّم لهذا الغرض من عند تجار المعدّات الزّراعية (راجع التفاصيل إلى جانب هذا الكلام). بالنّسبة للذين لا يتمونون الزيت بكميات ويفضّلون شراءه بكميّات أقلّ هناك برميل ستنليس سعة 30 لتراً يمكن تزويده بصنبور (حنفيّة) في أسفله لأخذ الزّيت منه عند الحاجة. وهذا الخيار أفضل من غالون البلاستيك لكنه ليس أفضل كثيراً لأن الزّيت سينقص تدريجيّاً من البرميل وتتّسع مساحة احتكاك الزّيت بالهواء (الأوكسيجين)، الأمر الذي سيؤدي إلى تأكسده بصورة متسارعة.
بالنّسبة لهذه الفئة من المستهلكين فإنّ الحلّ الأفضل هو شراء قوارير زجاجية (ألفيّات) سعة ثلاثة لترات أو أقل (ويفضل الزجاج غامق اللون) وملئها بزيت الزّيتون حتى الشفة وإغلاقها بصورة محكمة ووضعها في غرفة معتمة بحيث يتمّ فتح كلّ منها للإستعمال عند الحاجة ويبقى المخزون الباقي محفوظاً بعيداً عن التأكسد.
خزّان زيت الزيتون المانع للتأكسد
يُعتبر خزّان زيت الزّيتون المانع للتأكسد إبتكاراً فريداً يستجيب لحاجة المستهلك للإحتفاظ بزيته طازجاً وفي أعلى مستوى من الجَوْدَة.
الخزّان مصنوع من «الستنليس» العالي الجَوْدة لكنّ الجديد فيه هو تزويده بتقنية فريدة لـ «حبس» الزّيت بصورة دائمة مع قطع أي تماس بين سطحه وبين الهواء المسبّب للأكسدة، ويتمّ ذلك من خلال غطاء ستنليس داخلي يترك لـ «يعوم» على زيت الزّيتون بحيث كلما أخذ المستهلك الزّيت عبر الصّنبور في أسفل البرميل هبط الغطاء العائم مع الزيت وبقي بالتالي ملتصقاً به وهو ما يمنع دخول الأوكسيجين وتأكسد الزّيت، ومن أجل مزيد من الضّبط فإنّ الغطاء نفسه يمكن عند الانتهاء من أخذ الزيت إقفاله بإحكام من خلال إطار مطاطيّ يحيط بالغِطاء ويتم نفخه بمنفاخ صغير بعد الانتهاء من أخذ الزيت، أمّا السّوار المطاطي فيلتصق بإحكام بجوانب الخزان ويقطع الهواء بالكامل عن الزّيت إلى أن يحين وقت أخذ الزّيت مجدّداً من البرميل. ويتّسع برميل الستنليس المنزليّ لكميّة من الزّيت تصل إلى 100 لتر تقريباً وهو ما يعادل “مؤنة” السّنة من الزّيت لعائلة متوسّطة أو أكثر من ذلك.