يحاول هذا البحث الوصول إلى الإحاطة بالعوامل والمحدِّدات النفسيّة والاجتماعية الداخلة في انحلال الرابطة الزوجية، فالرّهان المطروح في إطار هذا العمل، هو محاولة الكشف عن الأسباب التي تهدّد استقرار وتماسك الأسرة والوصول إلى انفصال الأفراد الممثلين لكيانها وغياب الجو الأُسري وأثر الطلاق على الصحة النفسية للمرأة، حيث تتداخل الأسباب والعوامل المؤدية إلى انحلال الزواج، فمنها ما هو تابع لجوانب نفسـية واجتماعية، ومنها ما هو مرتبط بجوانب اقتصادية وثقافية. إذ تهدف هذه الدراسة إلى استنباط الأسباب وإدراك العلاقة والتداخل الموجود فيما بينها، ووضع التفسيرات السببيّة عن طريق الوصف والتحليل بالإضافة إلى السعي لوضع تفسير نفسي اجتماعي لظاهرة الطلاق والبحث عن الأسباب الحقيقية بطريقة علمية، والتطلع إلى انعكاسات هذه الظاهرة على الصحّة النفسية لدى أفراد الأسر التي تضرّرت من ظاهرة انحلال الرابطة الزوجية، وخاصة الزوجة المطلقة. ومن أجل ذلك قمنا باستخدام تقنيات التحقيق في الميدان، تمثلت في استمارة لجمع المعلومات، طُبّقت على 30 حالة طلاق تم توزيعها على عيّنة من النساء المطلقات في مختلف القرى والمناطق الدرزية وذلك باستخدام المنهج الوصفي التحليلي الذي يعتني بتمحيص الوقائع وإخضاعها لتفسيرات سببية وإلى المقارنات واختبار صحة الفروض ويركز على إيضاح مكونات الظاهرة المدروسة من حيث جوهرها وخصائصها. وتأتي أهمية هذه الدراسة في الكشف عن المُتغيرات الاجتماعية والثقافية وكذلك الاقتصادية التي عملت على رفع نسب الطلاق في المجتمع الدرزي وقد اخترنا قضاء الشوف(1) كإطار جغرافي للبحث. وفي هذا السياق لا بدّ من البحث عن الإجابة للسؤال التالي: هل من علاقة بين المتغيرات الاجتماعية والاقتصادية والثقافية على واقع المرأة الدرزية وازدياد نِسَب الطلاق (قضاء الشوف كنموذج)؟ وعليه فإنّ هناك إمكانية كبيرة أن يكون هناك علاقة مباشرة بين (عمل المرأة ومستواها التعليمي وعدد أولادها والدخل الشهري) وازدياد نسب الطّلاق بشكل ملحوظ في العقد الثاني من القرن الواحد والعشرين على اعتبار أن الطلاق هو مشكلة اجتماعية تطال تأثيراتها السلبية المجتمع عموماً والمرأة المطلقة خصوصاً وهذا ما سيأتي طرحه بالتفصيل خلال هذا البحث.
أولًا: ارتفاع نسب الطلاق، ناقوس خطر يُنذر العائلات الدرزية بالتفكّك في القرن الواحد والعشرين
بدايةً، استطعنا الحصول على بعض البيانات المتعلّقة بحالات الطّلاق(2) من محكمة الأحوال الشخصية – في بعقلين (قضاء الشوف) وأجرينا بعض المقابلات مع بعض الشخصيات للحصول على معلومات عن موضوع الطلاق في الملحق رقم (4) المرفق بالبحث: وبعد الاطلاع على النتائج تبيّن أن عقود الزواج عام 2000 كانت 541 عقداً في حين كانت أحكام الطلاق 77 حكما ليسجل معدل الطلاق نسبة 14% في العام نفسه في المقابل شهد العقد الثاني من القرن الحدي والعشرين (2010 حتى 2018) انخفاضاً ملحوظاً في عقود الزواج خلال السنوات الثلاث الأخيرة لتصل إلى 437 عقداً في عام 2018 في حين ارتفعت أحكام الطلاق في العام نفسه بشكل ملحوظ وسريع لتصل إلى 132 حكماً وهو رقمٌ مرتفعٌ واستثنائيّ لم يشهد مثله القرن الحادي والعشرين لتصل معدّلات الطلاق إلى 30 %(3) وهو أعلى مستوى لها منذ 20 سنة. ولكن إذا أمعنّا النظر ودقّقنا الفحص في هذه المعادلة التي تقيس معدّل الطلاق نسبة إلى عقود الزواج نجد أن ارتفاع نسب الطلاق بين السنوات (2015 حتى 2018) لا يعود إلى ارتفاع أحكام الطلاق فقط بل إلى انخفاض عقود الزواج أيضاً التي ساهمت العديد من العوامل في انخفاضها، منه تأخّر سن زواج المرأة فضلاً عن تدهور الوضع الاقتصادي الذي يؤثر سلباً على عدد الشباب الجديد المقبل على الزواج من جهة ويزيد من حدة الخلافات بين الأزواج بسبب تدهور الوضع المعيشي للأسرة من جهة ثانية. وذلك حسب ما أفادنا به رئيس قلم محكمة بعقلين الشيخ مجدي الحسنيّة استناداً إلى ملفات عقود الزواج والطلاق المسجلة في أرشيف المحكمة. كما أضافت ريما سليم(4) المعاونة القضائية في المحكمة أنَّ عام 2014 شكل نقطة تحوُّل جذرية في سنوات العقد الثاني من القرن الحادي والعشرين إذ ارتفع معدل الطلاق بوتيرة سريعة وغير مسبوقة من 19% في هذا العام ليبلغ ذروته ويسجل 30% في عام 2018 أي ازدادت معدلات الطلاق بنسبة 11% ما بين عامي 2014 و2018. إذ تشير المعطيات كذلك إلى أنه من بين 10 حالات زواج تُسَجّل رسمياً في المحكمة المذهبية الدرزية في بعقلين، تُسَجَّل 3 حالات طلاق وهي نسبة عالية تثير التساؤل وتدعونا للبحث عن أسبابها وهذا ما سنأتي على تفصيله في هذا البحث.
ثانيًا: خصائص أفراد العينة (النساء المطلقات): حسب المعيار (العمر – الفترة التي استمر بها الزواج الوضع المهني – المستوى التعليمي – عدد الأولاد).
تبين من الجدول رقم (15)(5) أنّ معظم المطلقات تقع أعمارهن بين 20 وال 25 سنة بنسبة مئوية قدرها50% استناداً إلى نتائج الإحصاءات التي توصلنا لها في الاستمارة(6) التي تم توزيعها على عينة من النساء المطلقات ثم تليها الفترة العمرية التي تقع بين 25 و 35 سنة بنسبة مئوية قدرها 40% بينما تناقصت النسبة المئوية للمطلقات التي تتراوح أعمارهن أكثر من 35 سنة بنسبة مئوية قدرها 10% ويعني ذلك أن أغلب المطلقات من فئة الشابات التي تفتقر إلى النضج العاطفي ونتيجة لضعف تدريب وتحسين وتوعية المقبلين على الزواج من جانب الأسر التي لا تهتم بواجبات وأعباء الزواج. في هذه الحالة لا يقوم الزواج على أسس واضحة تسمح باستمرار العلاقة الزوجية وغالبا ما يكون الدافع للزواج مبني على أَسس هشّة وغير سليمة وتقاطع في المصالح وينتهي بانتهاء المصلحة، أو إخلال أحد الطرفين بالشروط المتفق عليها قبل الزواج وتشير أيضا هذه النتائج إلى أن الطلاق غالبا ما يحدث بعد وقت قصير من الزواج إذ إنّ 60 % من المطلقات اللواتي شملهن استطلاع الرأي حصلن على الطلاق بعد سنتين من الزواج، بينما لم تتعدَّ الفترة التي استمر خلاها الزواج مدة الخمس سنوات نسبة 20% من النساء المطلّقات في المقابل انحصرت نسبة النساء اللواتي استمر زواجهن أكثر من خمس سنوات بنسبة مقدارها 10% فقط. وذلك يرجع بالدرجة الأولى إلى تقصير الأسرة في تدريب أبنائها على الاستقلالية وتحمل المسؤولية وتقبل الاختلاف في الطرف الآخر وإلى ضرورة التعاطي العاقل والواعي مع المشاكل والصبر والتروِّي في اتخاذ القرارات وأهمها قرار الزواج أوّلاً لأن الاختيار الصائب للشريك الذي يقوم على أسس متينة وواضحة كفيل ببناء أسرة متماسكة على عكس ما يحدث في يومنا هذا من التعارف السريع على مواقع التوصل الاجتماعي وبناء علاقات وهمية تنتهي بالزواج الفاشل. خلاصة القول إنَّ معظم حالات الطلاق تحدث بسبب ضعف تأهيل الشاب والشابّة إلى مرحلة الزواج وهذا الضعف تعود أسبابه بحسب ما ذكرت لنا المعاونة القضائية في المحكمة إلى أنَّ حالة الزواج في السنوات الأولى تكون معرّضة للفشل بنسبة كبيرة لأدنى ولأتفه الأسباب، ويعود ذلك لقلة خبرة الزوجين أو أحدهما بهذه المرحلة.
يبين الجدول رقم (16)(7) أن معظم المطلقات يقع مستواهن التعليمي بين المستوى الثانوي والجامعي بنسبة 80% فيما انحصرت نسبة 20% في من هنَّ في الصفوف المتوسطة والجدير بالذكر أنه لم يكن هناك بين النساء المطلقات غير متعلمات من المستوى الابتدائي أو ممّن يقتصر مستواها المعرفي على القراءة والكتابة.
من ناحية أخرى اتضح لنا أن 60% من النساء اللواتي شملهن استطلاع الرأي ليس لديهن أولاد(8). أما 30 % منهن كان لديهن من بين ولد وثلاثة أولاد بينما لم تتعدَّ نسبة النساء اللواتي لديهن أكثر من ثلاث أولاد الـ 10%. وهذا يدل على أنّ النساء التي ليس لديها أولاد أقدر من النساء التي لديها أطفال في طلب الطلاق.
في المقابل تبين لنا أن 70 % من النساء المطلقات موظَّفات(9) أي لديهن استقلالية ماديّة ولا يقتصر عملهن على العمل المنزلي بينما لم تتعدَّ نسبة النساء اللواتي هن ربات البيوت الـ 30%. أمّا بالنسبة للدخل الشهري فقد عبّرت 60% من النساء أن دخل أسرتهن الشهري لم يتجاوز مليون ليرة لبنانية(10) بينما اعترفت 40% منهن أن المدخول تراوح بين المليون و3 مليون ليرة لبنانية في المقابل لم يكن هناك بين النساء ممن يتجاوز دخل أسرتهن الـ 3 مليون ليرة في الاستمارة التي وُزِّعت عليهن. هذا يدل أنَّ معظم النساء واجهن مشكلة انخفاض المداخيل في الأسرة.
ثالثًا: الطلاق حسب قانون الأحوال الشخصية عند الدروز:
الطلاق أو كما يسميه قانون الأحوال الشخصية (المفارقات): «هو إنهاء عقد الزواج ووضع حد فاصل له إذ بعده تترك المرأة البيت الزوجي لتعيش حياة جديدة ومنفصلة ومستقلة عن زوجها بكل ما للكلمة من معنى(11) «هذا هو مفهوم الطلاق عند الدروز، إذ بعد المفارقة لا يعود من الجائز شرعاً أن يلتقي الرجل بمطلقته أو أن يعقد معها زواجا جديداً كما نصت المادة 38 من هذا القانون: «لا تحلُّ للرجل مطلقته أبداً بعد صدور حكم القاضي». فقد أقر قانون الأحوال الشخصية للطائفة الدرزية وأناط صلاحية الحكم به بقاضي المذهب الدرزي الذي له وحده الحكم بالتفريق وفسخ عقد الزواج وإبطاله. وقد نصّت على ذلك أحكام المادة 37 من القانون المذكور.(12)
وبالرغم من صراحة النص فلا يزال البعض يعتقدون بأن الطلاق بيد الرجل وليس للمرأة حق طلب الطلاق من زوجها. غير أن قانون الأحوال الشخصية ساوى بين الرجل والمرأة في حق طلب الطلاق من القاضي وذلك عند توافر بعض الأسباب واستحالة الحياة الزوجية بين الزوجين. وأنه استناداً إلى ما ورد أعلاه وتأكيداً على أن للمرأة الدرزية كما للرجل حق في طلب الطلاق فقد نصت المادة 47 من القانون على ما يلي(13): «إذا وقع نزاع أو شقاق بين الزوجين وراجع أحدهما القاضي يعيّن القاضي حَكَماً من أهل الزوج وحكماً من أهل الزوجة. وإن لم يكن بين أهلهما من توافرت فيه أوصاف الحكم اختار القاضي حكَماً من غير أهلهما». وقد نصت أيضا المادة 48 من القانون نفسه على ما يلي(14): «على الحَكَمين أن يتعرّفا أسباب الشقاق بين الزوجين وأن يجتهدا في إصلاح ذات البين وإن لم يتمكّن من التوفيق بينهما وكان القصور والإصرار من جهة الزوج يفرِّق القاضي بينهما ويحكم للزوجة بكامل المهر المؤجل أو ببعضه. وإذا كان من جهة الزوجة يحكم القاضي بإسقاط المهر المؤجل كُلًّاً أو بعضاً وللقاضي أن يحكم في كلا الحالتين على غير المُحِق من الزوجين بما يستحق الآخر من عطل وضرر» وقد تبين لنا أن 90% من النساء المطلقات أخذن المبادرة بالطلاق استناداً إلى النتائج الإحصائية(15) التي توصلنا إليها بعد توزيعنا استمارات على 30 امرأة مطلقة من مختلف القرى والمناطق الدرزية.
وقد أكد لنا رئيس قلم محكمة بعقلين أنه بالإجراءات القانونية ليس هناك فرق بين الرجل والمرأة عند التقدم بطلب تفريق في المحكمة وطبعاً لا ينحل عقد الزواج إلّا بحكم قاضي المذهب. ممّا يثبت أن لا وجود لما يُعرف بالعصمة. إذ لا يمكن للرجل التحكّم بمصير المرأة حتى لو رفضَ دعوى الطلاق كل ما يمكنه هو المماطلة في الإمضاء على ورقة الطلاق، وعدم حضور جلسات المحكمة ولكن ضمن فترة زمنية أقصاها سنتين تُعطى كمهلة قانونية له للمثول أمام القضاء ومحاولة حل الأمور بين الطرفين عن طريق التراضي هذا في حال أخذ الطلاق منحى النزاع. أمّا في حال كان الطلاق رضائياً فالمسار القانوني للدعوى يستغرق أربعة أشهر من حين تقدم الطرفين بدعوى الطلاق بحسب ما أفادنا به رئيس القلم في المحكمة عند سؤالنا له عن الفترة الزمنية التي تستغرقها دعوى الطلاق.
وفي هذا الإطار أفادنا رئيس قلم محكمة بعقلين أن 90 % من دعاوى الطلاق في محكمة بعقلين تنحلّ رضائياً بين الأزواج والدليل أنّ عام 2018 سجّل 124 حكما للطلاق عن طريق التراضي(16) مقابل 22 حكما للطلاق عبر النزاع. ولكن المفارقة الغريبة زيادة عدد دعاوى النزاع في السنوات الثلاث الأخيرة (2016 حتى 2018) مقارنة بالأعوام الماضية فقد كانت دعاوى النزاع 4 أحكام فقط عام 2014 في المقابل ارتفعت في عام 2018 لتسجل 22 دعوى طلاق بالنزاع.
أما بالنسبة لموضوع ارتفاع عدد دعاوى النزاع في السنوات الأخيرة على الرغم من غلبة أحكام الطلاق بالتراضي فذلك يعود بحسب ما ذكر رئيس قلم المحكمة لعدد من الأسباب أبرزها رغبة كل فريق بتحصيل مكاسب مادية إضافية كالمطالبة بعطل وضرر أو اعتبار المرأة ناشزاً(17) وكذلك سعي البعض إلى تحقيق مكسب معنوي أمام الرأي العام في مجتمعة. هذا بالإضافة إلى أن هنالك عوامل أخرى كالخلاف على حضانة الأولاد ومحاولة كل فريق إثبات عدم أهلية الفريق الآخر في الاهتمام بالأطفال وتربيتهم على أسس سليمة وصحيحة. وفي هذا الإطار أكّدت 40% من النساء التي وُزِّعت عليهن الاستمارة أنهن تنازلن عن مهرهن المؤجل للتحرر من قيد الزواج(18) في المقابل أكدت 56.6% من النساء أنهن لم يتنازلن عن شيء مقابل الحصول على الطلاق بينما اضطرت امرأة واحدة فقط غير عاملة إلى التنازل عن حضانة أطفالها وذلك راجع إلى 3 أسباب إما لعدم قدرة المرأة على تحمل مسؤولية تأمين معيشة لائقة بهم من كافة النواحي الطبية والتعليمية وغيرها خصوصاً إذا كانت نفقة الزوج لا تغطي كافة متطلبات الأولاد من رفاهية الحياة بالإضافة إلى الضغط الذي تتحمله المرأة من أهلها الذين يرفضون رجوعها إلى منزلهم مع أولادها خصوصاً إذا لم يكن للمرأة منزل خاص ملكاً لها يمكنها الإقامة فيه بالإضافة إلى عامل آخر لا يمكننا إغفاله وهو رغبة بعض النساء في الزواج مرة أخرى ما يدفعها إلى التنازل عن أولادها مع الاكتفاء بحق مشاهدتهم في أوقات معينة وذلك من أجل تمكنها من البدء بحياة جديدة مع الزوج الجديد الذي لا يتقبل أن يتزوج غالباً من امرأة لديها أطفال. ولا يمكننا إغفال حقيقة أنّ هذه العوامل التي ذكرناها تنطبق حُكماً على الأحكام المستأنفة مع وجود عامل إضافي هو محاولة كسب وقت أطول والسعي إلى المماطلة في فسخ عقد الزواج. وفي هذا السياق عبرت 20% فقط من النساء عن حدوث مشاكل مع أزواجهن أثناء الإجراءات القانونية لإتمام عملية الطلاق(19) خصوصاً في موضوع خلافهن حول حقوقهن المادية في المقابل أكدت 10% من النساء أنهن واجهن مشاكل مع أزواجهن في موضوع حضانة الأطفال بينما لم تواجه أي من النساء مشاكل قانونية متعلقة برفض الزوج للطلاق. من ناحية أخرى أكدت غالبية النساء أي 70% منهنّ أنهن لم يواجهن أي من المشاكل السابق ذكرها. وهذا راجع لكون غالبية النساء أي (80%) من النساء اللواتي شملهن استطلاع الرأي تم طلاقهن بالتراضي(20) مع الزوج أي لم يحدث مشاكل قانونية بين الزوجين تعيق المسار القانوني لدعوى الطلاق بينما لم تتجاوز نسبة النساء اللواتي حصلن على الطلاق بالنزاع نسبة الـ 20%..
ولا بد لنا أن ننوّه في هذا الصدد أنّ هناك ما يقارب 80% من دعاوى النزاع التي تعود وتنحل بالتراضي والدليل أنه من بين 22 دعوى طلاق بالنزاع تم تسجيل 20 حالة مصالحة بين الأزواج عام 2018 استناداً إلى إحصاءات دعاوى الطلاق بين عامي 2014 و 2018 في محكمة بعقلين(21). وذلك راجع بحسب ما ذكرت لنا المعاونة القضائية في المحكمة إلى السعي الدائم لفضيلة قاضي المذهب الشيخ فؤاد البعيني في تقريب وجهات النظر بين الأزواج المتخاصمين بالإضافة إلى الدور الفعال للمرشدة الاجتماعية في المحكمة وأحيانا دور بعض المحامين في حال توصلهم لتسوية ترضي الطرفين بموضوع الحقوق الزوجية.
وعند سؤالنا فضيلة القاضي الشيخ فؤاد يونس عن أبرز المواضيع التي تبين إنصاف قانون الأحوال الشخصية عند الطائفة الدرزية للمرأة الدرزية في موضوع المفارقات. فإنّه أكد لنا أن هذا القانون هو الأكثر إنصافا بحق المرأة اللبنانية مقارنة بغيره من قوانين الأحوال الشخصية عند الطوائف الأخرى أولاً: من جهة إعطاء الحق للمرأة بتقديم طلب الطلاق(التفريق). وثانياً بحصر موضوع عقد الزواج بيد قاضي المذهب ممّا يعني أن الرجل لا يستطيع أن يطلّق زوجته ساعة يشاء ومتى يريد وأن يتحكّم بمصير عقد الزواج. ومن ناحية ثانية هو يعطي المرأة الحق في حضانة أولادها لحين بلوغ الصبي 12 سنة والفتاة 14 سنة مع إلزام الزوج بدفع نفقتهم ومصاريفهم كافة. وفي حال تزوجت المطلقة بغير محرم تنتقل الحضانة بداية إلى والدتها أي لجهة الأم ومن بعدها الجدة لجهة الأب ثم المحارم الأقرب بالأقرب وفي كل الأحوال لا يسقط حق المشاهدة. وحتى أنّ المحاكم المذهبية لم تحرم المرأة الزانية من حق مشاهدة أولادها ولو لبضع ساعات وهذا يُعتبر خطوة متقدمة جداً في مجال حقوق المرأة. ومن ناحية أخرى يعطي القانون المرأة أيضاً الحق في حضانة أولادها والوصاية عليهم مع جدهم أو عمهم أو منفردة في حال تنازلهم لها عند وفاة الوالد – الولي بطبيعة الحال على أولاده.
رابعًا: أسباب الطلاق عند الدروز في القرن الحادي والعشرين
الطلاق مشكلة اجتماعية تنبع من المجتمع وتنجم عن فشل الزوجين في الانسجام والتفاهم، وإمكانية التعايش تحت سقف واحد يضمها ضمن مسمّى الأسرة. ويترتب عليها أمور عدّة أهمها تحطيم الزواج والأسرة والروابط الأساسية للمجتمع وهو ثمن للزواج غير المرغوب فيه ويعدّ النقيض التعيس للزواج(22).والطلاق يتم عادة بعد فترة لا بأس بها من الزمن، أيَ بعد محاولة التعايش بطرق وأساليب متعددة، عسى أنْ يتم التوصل لحل هذه الخلافات وتجاوزها، وإلّا فالانفصال هو الحل. أمَّا اليوم في المجتمع الدرزي فقد بتنا نرى ونسمع عن حالات مستعجلة ومبكرة من الطلاق بعد زواج لم يتجاوز الأشهر أو حتى أياماً معدودة، وهذه ظاهرة جديدة ومخيفة طرأت على زيجات الدروز عموماً لأنَّها تعّبر عن خللٍ ما في نظرة الشباب من الجنسين لبعضهما، ولطبيعة العلاقة الواهية التي يقوم على أساسها هذا الارتباط المُسمى الزواج.
الطلاق لا يحدث نتيجة عامل واحد وإنّما هناك عدة عوامل متداخلة تؤدي إلـى حـدوث الطلاق فمنها النفسية والاجتماعية والاقتصادية ومنها فتور الحياة العاطفية ممّا يؤدي إلى صراع في الأسرة، عدم توفر الموارد الاقتصادية الكافية للأسرة، وعدم وجود تعاون بين الزوجين فـي النواحي الحياتية وغيرها من الأسباب سنأتي على تفصيلها في هذا البحث إلخ….
كان الشبان والشابات في المجتمع الدرزي قديماً يتريثون قبل الإقدام على الطلاق تجنباً للمشاكل السلبية التي تنبثق عنه، أمّا حديثاً، فإننا نجد تحوّل قِيَمي واجتماعي كبير من حيث تبدل للعادات والتقاليد تجاه هذه المسألة، ونجد سهولة وقوع الطلاق لأسباب مباشرة وغير مباشرة والدليل أن 80 % من النساء اللواتي وُزعت الاستمارة عليهن اعتبرن الطلاق الحل الأمثل لحل المشكلات الزوجية(23). هذا يدل أن المرأة في أيامنا هذه لا تتردّد كثيراً في اتخاذ قرار الانفصال عن زوجها خصوصاً إذا كانت تعاني من جو أسري غير مريح لها وأن معظم النساء متعلّمات ويعلمن جيداً مصلحتهن، خصوصاً بعد تطوير التشريع القانوني المتعلق بإباحة حق طلب الطلاق للزوجة طالما أنها لا تستطيع الاستمرار في حياتها الزوجية وغيرها من القوانين المعدّلة في قانون الأحوال الشخصية والتي تعطي المرأة الكثير من الحقوق والتي سبق وتطرقنا لها في مستهل بحثنا.
اسباب الطلاق في العقد الثاني من القرن الحادي والعشرين (2010 حتّى 2018)
وقد تبين من خلال النتائج الإحصائية التي توصّلنا إليها في الجدول الإحصائي رقم (1)(24) اختلاف اختيار العينات لأسباب الطلاق ومنهم من اختار أكثر من سبب وكانت أكثر الأسباب اختياراً مُحتَسَبة بالنسب المئوية على التوالي (استقلال المرأة المادي 40% – الاستعمال الخاطئ لوسائل التواصل الاجتماعي 20% – الدخل المنخفض للزوج 13.3%). بينما اعتبرت 6.6% من النساء أنّ تدخّل الأهل في الحياة الزوجية كان سبباً رئيسياً في طلاقهن في حين تساوت النسب المئوية بين كل من العوامل التالية: (اختلاف المستوى التعليمي والثقافي بين الزوجين – الاختيار الخاطئ للشريك – سن الزواج المبكر للمرأة – الخيانة الزوجية – تعرض الزوجة للعنف الجسدي واللفظي) بنسبة قدرها 3.3%.
عمل المرأة واستقلالها اقتصادياً السبب الرئيسي في حدوث الطلاق في العقد الثاني من القرن الواحد والعشرين
في أيامنا هذه لم يعد العمل مجرد مسألة حاجة مادية بل أصبح من أولويات حياة المرأة، خاصة بعد التخرج من الجامعة. وخلال زيارتنا للمحكمة وأثناء لقائنا المعاونة القضائية هناك أشارت أنه بالاستناد إلى ملفات أحكام الطلاق فإن نسبة 50 % من حالات الطلاق المدونة في أرشيف المحكمة يشكل عمل المرأة سبباً أساسياً ومباشراً في حدوثها. وذلك حين تعطي بعض الزوجات لعملهن الاهتمام الأكبر على حساب علاقتهن بأزواجهن وأبنائهن، وهذا أمرٌ يستدعي في أحيان كثيرة أنْ يلجأ الزوج لطلب الطلاق.وبغض النظر عن المستوى التعليمي أو الثقافي أو الاجتماعي للمرأة، إلّا أنَّ الاستقلال الاقتصادي يُعد العامل الحاسم في قرار الانفصال عن الزوج وتعدّ استقلالية المرأة المادية واحدة من أسباب الطلاق في مجتمعنا الدرزي بحسب الاستمارة التي تم توزيعها على عدد من النساء المطلقات في مختلف المناطق الدرزية لمعرفة الأسباب الرئيسة لطلاقهن فقد تبين لنا من خلال النتائج الإحصائية التي توصّلنا لها أن 70% من النساء هنّ موظفات بينما نسبة ربات البيوت قُدرت بنحو 30% فقط(25). بناء عليه يمكننا القول إن المرأة العاملة التي تعتمد على نفسها أقدر من غيرها على طلب الطلاق فهي لا تضطر إلى الصبر على زوج يؤذيها ويهينها. لذا فقد ازدادت ظاهرة الطلاق بعد خروج المرأة الدرزية إلى العمل خارج المنزل وأجابت 20 امرأة مطلقة في استطلاع الرأي الذي أجريناه معهن أن عملهن خارجاً واستقلالهن الاقتصادي كان عاملاً أساسيّاً في طلاقهن أي ما يعادل نسبة 40% من النساء اللواتي شملهن الاستطلاع وأضفن أن هذا يعود إلى عدم تقبل الرجل الشرقي خروج المرأة للعمل بسبب العادات والتقاليد هذا الأمر قد يصل إلى تعقد الحياة وعدم استمرارها وبالتالي حصول الطلاق. بناء عليه يمكننا أن نستدرك أن نسب الطلاق ترتفع بين المتعلمات مقارنة بغير المتعلمات والدليل أن 70% ممن شملهن استطلاع الرأي هن من حمَلة الشهادة الثانوية والجامعية بالتالي يكون لديهن القدرة على إدراك مصلحتهن بشكل أفضل.
وفي هذا الإطار عبّرت لنا المعاونة القضائية عن رأيها بالقول: «كانت المرأة المتزوجة قديماً تتحمل المنغصات، لكن كثيراً من النساء المستقلّات اقتصادياً يقرّرْن الآن الانفصال حين لا يكنَّ سعيدات، ولم يعد الطلاق من المحظورات، كما أن الزواج لم يعد أولوية لخريجات الجامعات، لأنهن قادرات على إيجاد فرص عمل، وإن تزوجن فإنَّ الطلاق سيكون أيسر إذا واجهن مشاكل في زيجاتهن كما يمكنهن الاعتماد على أنفسهن مالياً بسهولة. لذا فقد سجلت السنوات الأخيرة من القرن الحادي والعشرين (2015 حتى 2018) معدلات مرتفعة من حالات الطلاق سنوياً، بسبب وعي المرأة بحقوقها وقضاياها، وهذا شجّع المتضررات من زواج فاشل للإقدام على خطوة الطلاق».
يمكننا أن نستخلص أنّ عمل المرأة وزيادة نسبة تحصيلها العلمي سيف ذو حدين ففي حال اجتهدت المرأة على خلق توازن بين عملها ومنزلها سوف تحقق نجاحات في الجهتين وهذا سينعكس إيجاباً على عائلتها ومستقبل أولادها لأن الأولاد سيكون لديهم حافز أكبر على كسب العلم والتطلّع لتحقيق ذاتهم ومستقبلهم العلمي والمهني والاجتماعي. ولكن لضمان نجاح المرأة بهذه الطريقة لا بدّ من تفهّم ومساعدة الرجل فالمسؤولية تقع على عاتق الزوجين عندما يكون التفاهم سيد الموقف بين الزوجين يتحقق التناغم والتكافل بينهما وينتج عن كل هذا نجاح المرأة في الفصل بين حياتها المهنية وحياتها العائلية وتحقيق النجاح المطلوب. والعكس صحيح إذا حاربها الزوج لسببين العقلية الذكورية، والغَيرة فإنها بالتأكيد سوف تفشل في خلق التوازن المطلوب. بالإضافة إلى أنه في بعض الحالات يكون الرجل اتّكالياً ويتهرب من تحمل المسؤولية ويرى عمل المرأة خارجا متنفساً له ليلقي على عاتقها كافة متطلبات المنزل واحتياجات الأبناء ما يفوق قدرة المرأة على التحمل ويخلق مشاكل كثيرة مع شريكها وتكون نهايتها الحتمية الانفصال، وعليه يمكننا القول أن معيار تعليم المرأة وعملها خارج المنزل يؤثر على الحياة الزوجية سلباً أو إيجاباً حسب ذهنية الزوج وطريقة مقاربته للأمور وللحياة الزوجية ونظرته تجاه المرأة بشكل عام فإما أن يعتبرها شريكاً له في كافة الأمور وصاحبة شخصية مستقلة وقرار أو اعتبارها كائناً غير مستقل وتابع له وغير مؤهلة لأخذ القرار أو المساهمة فيه وحصر دورها في العمل المنزلي، وتلبية رغبات الزوج ومتطلباته والتفرغ دائما لخدمته. من ناحية أخرى لا يمكننا تجاهل أسلوب المرأة المنتجة في التعامل مع زوجها. هل تستمر بمعاملته كشريك أم تحاول في بعض الأحيان فرض سيطرتها عليه ومصادرة دوره؟! الوعي الاجتماعي لدى الفريقين وحده الكفيل بحسم الأمور.
خامساً: الآثار الاجتماعية والنفسية للطلاق على المرأة المطلقة
-أ- الآثار الاجتماعية:
-1- الضغوطات الاجتماعية المرتبطة بالعادات والتقاليد في المجتمع
يُنظر إلى المرأة المطلقة من الناحية الاجتماعية نظرة فيها ريبٌ وشك في سلوكها وتصرفاتها مما تشعر معه بالذنب والفشل العاطفي وخيبة الأمل والإحباط، مما يزيدها تعقيداً ويؤخر تكيفها مع واقعها الحالي بحسب رأي الأخصائية الاجتماعية «رِوَى أبو الحسن»(26) التي تحدّثت عند سؤالنا إياها عن نظرة المجتمع نحو المرأة المطلقة. وأضافت: «المرأة المطلقة تعود لبيت أهلها وهي تحمل معها جراحها وآلامها ودموعها كونها الجنس الأضـعف فـي مجتمعنـا التقليدي، فهي وبحكم التنشئة الاجتماعية واقتناعها بأن الزواج لا بد منه مرتبطا بمعنى «السترة» فإنه بهذا الطلاق تفقد هذا الغطاء الواقي لها لتصـبح عرضـة لأطمـاع الناس واتهامهم لها بالانحراف الأخلاقي» والدليل أن 60% من النساء اللواتي وُزِّعت عليهن الاستمارة أجبن أنَّ الإشاعات وكثرة الأسئلة عن أسباب طلاقهن واتهامهن بالضياع الأخلاقي كانت من أكثر المشكلات الاجتماعية التي تعرضن لها بعد الطلاق(27). فالمرأة المطلقة قد تعاني العديد من الصعوبات والمشكلات الاجتماعية المرتبطة بنظرة أسرتها إليها بعد الطلاق ثم نظرة المجتمع ككل على اعتبار أنهـا هـي المسؤول الأول والرئيسي في أغلب الأحيان عن وقوع مشكلة الطلاق. فالمطلقة تعاني من الشعور بالتشاؤم والانهزامية نتيجة فقدانها للمركز الاجتماعي التي حصلت عليه من خلال الزواج، وتحوُّل دورها إلى دور هامشي وجـانبي، بمهاجمة العادات والتقاليد المجتمعية لها، والنبذ والإهانة اللتين تتعرض لهما من عائلتها أي إنّ الزواج في مجتمعنا عبارة عن حماية أو غطاء يمنع تعرّض المرأة على وجه الخصوص للكثيـر مـن الأزمـات والصراعات. والدليل الواضح على كل ما ورد ذكره أن 70% من النساء المطلقات اللواتي وُزِّعت عليهن الاستمارات أشرن أنَّ أكثر المخاوف التي كانت تمنعهن من اتخاذ قرار الطلاق هو خوفهن من عدم تقبل المجتمع الشرقي فكرة طلاقهن(28). في حين أجابت 20% من النساء أنهن ترددن في اتّخاذ قرار الطلاق خوفاً على الأولاد من الضياع والتفكك الأسري بينما لم يشكل الخوف من عدم وجود مورد مادي أو وجود معيل في حياة المرأة سوى على نسبة 10% من النساء المطلقات وهي نسبة ضئيلة جداً وذلك لأن معظم النساء اللواتي شملهن استطلاع الرأي متعلِّمات ولديهن وظيفة.
-2- قلة الفرص المتوفرة لدى المرأة في الزواج مرّة ثانية:
مرّة أخرى لاعتبارات اجتماعية متوارثة من جيل إلى آخر، حيث تكون فرصتها الوحيدة في الزواج من رجل أرمل أو مطلّق أو مسنّ، وبناءً عليه، فإن مستقبلها غير واضح. هذا ما أكدته لنا 33.3% من النساء المطلقات بعد سؤالهن في الاستمارة التي وُزعت عليهن عن أكثر المشاكل الاجتماعية التي اضطررن إلى مواجهتها بعد الطلاق ولقد احتلت هذه المشكلة من وجهة نظرهن المرتبة الثانية من حيث أهميتها بعد مشكلة الإشاعات وكثرة الأسئلة عن طلاقهن فيما لم تواجه النساء المطلقات مشكلة إيجاد فرص عمل لأنه كما ذكرنا سابقاً فإن معظمهن موظفات وقد اعترفت 83.3% منهن أنهن أمَّنَّ الاكتفاء المادي لهن ولأولادهن من خلال العمل خارج المنزل بينما لم تتعدَّ نسبة النساء اللواتي حصلن على الدعم المادي من الأهل الـ 10% في حين اقتصرت نسبة النساء اللواتي حصلن على النفقة المنتظمة من أزواجهن الـ 6.6% وهذا يدل أن عمل المرأة خارج المنزل يؤمِّن لها العيش بكرامة لها ولأولادها ويجنبها الحاجة والعوز وتحميل عبء معيشتها لأهلها خصوصا إذا كان لديها أولاد.
-1-الشعور بالإحباط والاكتئاب والوحدة والانطواء على الذات:
يُعدُّ الطلاق تجربة قاسية جداً على المرأة إذ يحدث تغيراً جوهرياً في حياتها نتيجة رفع الطلاق لغطاء التقدير والاحترام والمكانة الاجتماعية، هذا الأمر الذي قـد يجعلهـا عرضة للشفقة أو التشفي من طرف الآخرين إضافة إلى أنه لحظة شعورها بالفشل فإن تقديرها لذاتها ينخفض وتهتـز ثقتها بنفسها وتصبح أكثر عرضة للاكتئاب بحسب ما أكدته المعالجة النفسية الدكتورة «رودينا المهتار» أثناء المقابلة التي جريناها معها وسؤالنا عن أكثر المشاكل النفسية التي تواجهها المرأة بعد الطلاق.
واضافت قائلة: «إن المطلقة تعاني بشكل كبير من الناحية النفسية من الطلاق انطلاقاً من النظرة السلبية للمجتمـع إليها، ممّا ينتج عنه شرخ كبير في نفسيتها وما يصاحبه من مشاعر الحزن، والإحباط، والخـوف، كمـا تسـيطر علـى تفكيرها الأفكار السوداوية والأوهام، مما يُشعرها بعدم الاطمئنان والاستقرار العاطفي والاضطراب النفسـي، والفشـل وعدم القدرة على تحمُّل المسؤولية». وفي هذا الإطار عبّرت 40% من النساء المطلقات في الاستمارة التي وزعت عليهن عن شعورهن بالتعاسة والاكتئاب(29) واللافت أنّ هذه النتيجة تساوت مع نسبة النساء اللواتي شعرن بالوحدة والنبذ الاجتماعي بينما لم تتجاوز نسبة النساء اللواتي شعرن بالرضى والراحة النفسية بعد طلاقهن سوى 20%. وهذا يدل على الانعكاسات السلبية للطلاق في أغلب الأحيان على الصحة النفسية للمرأة المطلقة في مجتمعنا. واستناداً إلى ما تقدم ذكره يمكننا القول إن تجربة الطلاق هي أمر يشكل حاجزاً بين المرأة المطلقة وإحساسها وشعورها بأهميتها وقيمتها ورضـاها عن نفسها وعن كل ما تنجزه، وأن ذلك إنما يبدأ انطلاقا -كما أشير سابقا- من خوفها مما سوف يقوله الآخرون عنهـا بعد فشل تجربتها الزواجية، وأنه حتى بالرغم من التزايد الكبير في نسب الطلاق في المجتمع الدرزي، لا تزال المـرأة محـلّ الشك والريبة والنظرة السلبية من طرف أفراد المجتمع، وحتى من أسرتها أحياناً لأنها ومن وجهة نظرهم هي من عليها المحافظة على أسرتها واستمرارها وبقاء زواجها بدليل أنّ 50% من النساء اللواتي شملهن استطلاع الرأي عبَّرن عن رفض أهلهنَّ موضوع الطلاق(30) وإلقاء الملامة عليهن بينما لم تتخطَّ نسبة النساء اللواتي تعاطف أهلهن معهن عندما قررن الانفصال عن أزواجهن الـ 33.3%. في حين لم يستحوذ خيار توسط الأهل بين النساء وأزواجهن لتقريب وجهات النظر بينهم سوى على نسبة 5% وهي نسبة ضئيلة جداً تدل على غياب دور الأهل الحكيم والأساسي في حياة أبنائهم في أيامنا هذه وتقلُّص دورهم الاجتماعي الذي كان سائداً قديما في لعب دور الوساطة وحل النزاع بين الأزواج المتخاصمين.
-2- تشويه صورة الذات والجسد وانعدام الثقة بالنفس:
لقد شددت الدكتورة «رودينا» على النظرة المشوهة التي تكوّنها المرأة عن نفسها وعن صورة جسدها بعد الطلاق معبرة عن ذلك بقولها: «قلّما نجد مطلقة تنظر لنفسها نظرة قوية وتمدح نفسها فلا تعطي لنفسها فرصة للاهتمام بأنوثتها مرّة أخرى للدرجة التي قد تدفع بعض المطلقات إلى النظر لأنفسهن في المرآة وهن يشعرن بالقبح على الرغم من جمالهن». وفي هذا السياق أكدت أن المرأة المطلقة تنظر إلى نفسها نظرة قاسية جداً وكأنها امرأة ينقصها شيء أصبحت تحمل هذا اللقب مما يقلل من درجة ثقتها بنفسها.
-3- تشويه الصورة التي تأخذها المرأة المطلقة عن الرجل بشكل عام:
هذا مـا أكدتـه لنا أيضا الأخصائية في علم النفس والعلاقات الأسرية الدكتورة «رودينا» أثناء سؤالنا لها عن المعاناة النفسية التي تعيشها المرأة المطلقة فأشارت إلى أن المرأة المطلقة تُستبعد من عائلتها ومجتمعها لأنها وحسب معتقـداتهم قامـت بأمر مخالف وبالتالي فهي غير مسموح لها بالبقاء معهم وبالتالي عزلها. مما يخلق لهـا مشـاعر الكراهيـة والحرمـان والإحساس بالوحدة والاكتئاب والانطواء والعزلة وكراهية الجنس الآخر «الرجل» لأنه هو من جعلها في هذه الحالة، فتعمم تجربتها على أن كل الرجال لا يقدرون المرأة، وتحرم نفسها من أن تعيش حياتها مثل باقي النساء خوفاً من الوقوع مرّة أخرى في تجربة فاشلة. هذه المشاعر والأحاسيس التي تتولد لدى المرأة عقب الطلاق والتي تسهم بدرجة ما في إعادة تقييمهـا لحياتهـا وإدراكها بشكل عام للموقف الراهن الذي وجدت نفسها فيه، أكدته كذلك الدكتورة رودينا موضحة أن المـرأة المطلقة تعاني من عدة تأثيرات بعد الطلاق أبرزها القلق، والاكتئاب، والضغط النفسي، وعدم التوازن العـاطفي والمـزاج السَّيِّئ.
من هنا يتضح أنّ لبِّ المعاناة النفسـية التـي تتخـذ شـتى المظاهر، هي انعدام وقلة الاعتبار من الآخرين وأن هذا من أهم عوامل التمتع بالصحة النفسية. بالتالي فإنَّ ضمان تمتع المرأة في المجتمع الدرزي بالصحة النفسية بأوسع معانيها إنما يكون برد الاعتبار لها عبر تغير جـذري فـي نظرة المجتمع لها ونظرة الرجل وحتى نظرتها لنفسها. لأن تقييم المرأة لذاتها إنما ينطلق من نظرة وتقييم الآخرين لها، وربما هذا ما يزيد الأمـر تعقيـدا وتأزّمـاً بالنسبة للمرأة في حال الطلاق ممّا قد يغير الكثير في تصوراتها وإدراكها لحياتها، ومدى تحقيقها من عدمه لسـعادتها ورفاهيتها، والتي كانت ترتبط بالنسبة لها بوجود شخص تتقاسم معه تفاصيل الحياة بكل ما فيها والدليل أن 66.6% من النساء التي وزعت عليهن الاستمارة اعترفن أن الشعور بالانتماء العائلي هو بالتحديد ما تفتقده المرأة بعد الطلاق(31) بينما عبرت 33.3% فقط من النساء عن افتقادهن للأمان العاطفي والملفت أنه لم تفتقد أي من النساء الشعور بالاستقلالية بعد الطلاق وذلك راجع لكون معظمهن موظفات أي فاعلات اجتماعياً ولهن حياتهن الخاصة. وبالتـالي فـإن مشـكلة الطلاق تخلق للمرأة المطلقة أزمة حقيقية لأنها تحرمها من حاجات نفسية أساسية. وعليه فإننا نستنتج أن الطلاق تجربة قاسية جداً على المرأة بدليل أن أكثرية النساء المطلقات (66.6%) من النساء اللواتي شملهن استطلاع الرأي اعتبرن الطلاق تجربة فاشلة فيما صرحت 33.3% منهن فقط أن الطلاق درس لحياة أفضل(32). فالطلاق إذاً مشكلة اجتماعية تتحكم بها ثلاثة عوامل: قوة الشخصية، وإرادة المرأة، ومساندة المجتمع المحيط لها. وفي هذا الإطار أضافت النساء المطلقات أنهن لم يستطعن تخطي مشاكلهن النفسية بمفردهن(33) بدليل أنهن احتجن إلى مساعدة أطراف مختلفة في المجتمع وقد تباينت الآراء بين أفراد العينة ولكن معظمهن طلبن مساعدة أصدقائهن بنسبة 50% بينما اعترفت 33.3% منهن أنهن لجأن إلى أخصائي نفسي ولا بد أن ننوه هنا بجرأة النساء اللواتي اعترفن بهذا الأمر خصوصا في مجتمع تكثر فيه الأقاويل والأفكار المغلوطة حول مفهوم العلاج النفسي. في حين لم تتجاوز نسبة النساء اللواتي ساعدهن أقربائهن في تخطي مشاكلهن النفسية نسبة 16.6% وهذا أكبر دليل أن أكثرية النساء المطلقات لا تتلقّى الدعم الكافي من أقربائها وأهلها لذا فهي تلجأ إلى الأخصائي النفسي وأصدقائها لتتمكن من الخروج أزمتها النفسية.
سادسًا: التدخل الاجتماعي خطوة متقدمة لتقليص ظاهرة الطلاق:
بحسب ما أفادتنا به الأخصائية الاجتماعية في محكمة عالية «روى أبو الحسن» في المقابلة التي أجريناها معها وسؤالنا إياها عن الدور الذي يلعبه الأخصائي الاجتماعي في المحكمة، فعبّرت بقولها: «إنه المُحكَّم في أمور الطلاق أو إصلاح ذات البين.»(34) وأضافت: إنه يقوم بتقديم المساعدة لكلا الزوجين أثناء وقوع الاختلاف الأسري وذلك من خلال تقصي أسباب المشكلة وجوانبها ودفعهما إلى معالجة المشاكل بينهما، عبر رؤية العلاقات والتفاعلات الأسرية الذي يعيشها الطرفان ضمن أسرتهما، وتقصّي جذور المشكلة وتبعيتها وخلفيتها الأساسية ثم تدوين إجابتهم ورفعها إلى فضيلة القاضي في تقرير مفصل عن الحالة وبناءً على نتائج التقرير يأخذ القاضي القرار المناسب الذي يخدم مصلحة الطرفين وفي هذا الإطار أضافت رِوى بسبب دور الأخصائي الاجتماعي الفعال في هذا الميدان فقد طالبت نقابة الأخصائيين الاجتماعيين الحكومة اللبنانية في مستهل عام 2019 بوضع قانون ينص على إلزامية وجود أخصائي اجتماعي في المحاكم المذهبية ولا بد أن ننوّه بأن الطائفة الدرزية هي الطائفة الوحيدة من بين كل الطوائف في لبنان التي لبت النداء وطبقت هذا القانون وهذا يدل على وعي وتحضر وقوننة الأمور المتعلقة بقانون الأحوال الشخصية في موضوع المفارقات.
سابعًا: التوصيات
1- إدخال مُقرَّر دراسي في المدارس الثانوية يشمل موضوع أصول الحياة الأسرية للطلبة والطالبات يتضمن توضيح أسس الحياة الزوجية وتكوين الأسرة منذ اختيار شريك الحياة والخطوبة وانتهاءً بالواجبات والحقوق الزوجية حتى تكون لهما فكرة واضحة عن الزواج تساعدهم على بناء أُسر سليمة.
2- العمل على عقد الندوات والمؤتمرات من خلال المؤسسات الإعلامية والدينية واللجنة الاجتماعية للمجلس المذهبي وذلك من خلال تخصيص دورة للمُقبلين على الزواج تُعنى بالثقافة الزوجية، والحقوق والواجبات، والتأهيل الأسري وتعاليم الشرع في الأحوال الشخصية، وسُبُل الحياة الزوجية والمجتمعية، وآليات الاتصال والتواصل بين الزوجين، وكيفية مواجهة التحديات والصعوبات والمشاكل الأسرية، وكيفية مواجهتها بالصبر والحكمة والتروِّي.
3- ضرورة إقامة وحدات للإرشاد الأسري في مراكز الأحياء التي تُعنى بالشؤون الأسرية، يعمل بها اختصاصيون أكفّاء، ويكون من أهم واجباتها دراسة المشكلات الزوجية، وحالات الرغبة في الطلاق قبل وقوعها وقبل وصولها إلى المحاكم.
4- العمل على دمج المطلقات في المجتمع بتشجيعهنَّ على إكمال دراستهنَّ وممارسة حياتهنَّ بشكل طبيعي وتوفير العمل للراغبات فيه، والانخراط في المجتمع من جديد ما يساعدهن في تخطي أزمتهن النفسية.
ثامنًا: الاستنتاجات
كشفت الدراسة مُعطيات عدَّة إذ يلاحظ من خلال النتائج التي توصلنا إليها ما يلي:
– هناك ضغط نفسي أكبر بالنسبة للمرأة التي لها أولاد مقارنة بالمرأة التي طُلِّقت من دون أولاد، وهذا بسبب المسؤولية التي في غالب الأحيان تتحملها لوحدها فالمرأة التي ليس لديها أطفال لا تتردد في طلب الطلاق مقارنة بالمرأة التي لديها أطفال.
– إن معظم حالات الطلاق سُجِّلت في الخمس سنوات الأولى للزواج، بحيث يظهر عدم التوافق، ويكون الانفصال، وفي الحالات التي عرضناها، هناك 20 حالة كان الطلاق في الخمس سنوات الأولى من الزواج.
– هناك علاقة عكسية بين مستوى الدخل الأسري وازدياد نسب الطلاق فكلما انخفض الدخل ازدادت نسب الطلاق والعكس صحيح – يُلاحظ أن أعلى نسبة للنساء المطلقات مقارنة مع الدخل الشهري كانت للنساء ذوات الدخل المحدود أقل من (مليون ليرة لبنانية).
– ارتفاع نسب الطلاق في الفئات العمرية الفتية (21-25) سنة.
– إن أهم المشكلات التي تواجه المرأة الدرزية بعد الطلاق افتقادها لاحتضان وتقبل المجتمع لها، وبخاصة على صعيد إعادة اندماجها فيه مرة أخرى، فهو يرفض زواج الشباب الذين لم يسبق لهم الزواج منها، وذلك يعمق شعورها بالوحدة.
– هناك علاقة إيجابية بين المستوى التعليمي وحالات الطلاق إذ يلاحَظ من خلال التركيب التعليمي أن أغلب المطلقات من حملة الشهادة الثانوية والجامعية.
– إن استقلالية المرأة اقتصاديا وعملها خارج المنزل هو من أهم أسباب حدوث ظاهرة الطلاق في المجتمع الدرزي في العقد الثاني من القرن الحادي والعشرين. فالاستقلال الاقتصادي الذي تعيشه المرأة منحها الحصانة، حيث ما عاد يربكها الانفصال والطلاق، إذ باتت على قناعة بأنها يمكنها أن تتدبر أمورها واحتياجاتها بدون زوج وأب للأولاد. ولكن في المقابل فإنّ عملها أمّن لها الاكتفاء المادي وأبعد عنها الحاجة ومنحها الشعور بالاستقلالية.
– إن الطلاق هو مشكلة اجتماعية وليس حلَّاً صائباً للمشاكل الزوجية لما له من آثار سلبية على المرأة لأن المجتمع يحملها مسئولية أكثر من الرجل في الطلاق، كما أنّ الطلاق يحدُّ مـن تفاعلهـا الاجتمـاعي ويجعلها تميل إلى العزلة والوحدة، والخوف من تكرار تجربة الزواج مرة أُخرى. كما أنها تعـاني مـن مكانة اجتماعية أقل من غيرها ما يؤدي إلى إصابتها بالاكتئاب والحـزن والقلـق وضعف الثقة بنفسها وبالآخرين.
-إن مختلف الأسباب المؤدية إلى الطلاق متداخلة وتكمّل بعضها البعض وإنَّ حصر الأسباب بموضوع واحد وتعميم النتائج على كل حالات الطلاق في المجتمع الدرزي غير دقيق لأن دراسة ظاهرة الطلاق التي تنتمي إلى العلوم الاجتماعية تخضع معاييرها إلى ما يسمى بالعلوم الإنسانية التي لا يمكن تقييم نتائجها إلّا من خلال النسبية، وعليه فكل حالة طلاق تختلف عن حالات أُخرى في المجتمع باختلاف أسبابها.
– أن الطلاق في حد ذاته عامل كاف لإحداث القلق والاكتئاب والشعور بالوحدة والتعاسة عند المرأة بغض النظر عن أي متغيرات أخرى.
وفي الأخير يمكن القول إن فرضيات الدراسة قد تحققت، إذ تخضع ظاهرة فك الرابطة الزوجية إلى عوامل متداخلة في جوانب نفسية اجتماعية واقتصادية وثقافية، إضافة إلى التأثير السلبي للظاهرة على مستوى الصحة لنفسية لدى المرأة المطلقة.
«إنّ الشراكة الزوجية ما عادت مبنية على المرجعية والشريعة الدينية أو العادات والتقاليد التي كان من خلالها يتم احتواء المشاكل وحلّها، بل إن المرجعية الآن أضحت المنطلقات الشخصية للزوج أو الزوجة مع جهل بالحقوق والواجبات لكل طرف منهما يتمسك بمواقفه ولا يعرف أن يقدم تنازلات هذا ما قاله القاضي «فؤاد يونس» عندما سألناه عن رأيه في الأسباب المؤدية إلى ارتفاع نسب الطلاق في السنوات الأخيرة من القرن الحادي والعشربن. وختم بالقول إن قضايا الأحوال الشخصية عند الدروز تواجه الكثير من التحديات في ظل غياب التربية للقيم العائلية والمجتمعية، فإلى جانب التعاليم الدينية والشرعية التي يجب تنميتها لدى أفراد المجتمع بكل ما يتعلق بالنكاح ومكافحة الطلاق، لا بدّ أيضا من مواكبة المتغيرات والبيئة المحيطة بدمج علوم الاجتماع والسلوك لتأهيل الأزواج وتمكينهم من مواجهة الصعوبات الحياتية وتغييب خيار الطلاق عن الحياة الزوجية لأن الإسلام منع الطلاق وحرمه وفي الأحاديث النبوية الشريفة خير بينة على ذلك ومن بينها: «وما أحل الله شيئا أبغض إليه من الطلاق» – «تزوجوا ولا تطلِّقوا فإن الطلاق يهتز له عرش الرحمن».(35)
وأكدت على هذا الأمر المعاونة القضائية في محكمة بعقلين بأن المجتمع الدرزي يعاني في يومنا هذا من اضطرابات وخللٍ في مكوناته البنيوية وفي العلاقات والتواصل داخله، ويعاني من غياب تقاسم الأدوار بين الأب والأم وحتى الأولاد، وعدم استعداد أي طرف للتحمل والمعاناة والصبر وتقديم التنازلات من أجل الحفاظ على استمرارية العائلة، إذ يُلاحَظ اتساع ظاهرة الطلاق حتى لدى العائلات التي تضم أولاداً.
وأضافت: «لقد بات السائد في العلاقات الأسرية تفضيل الفردانية والمصلحة الشخصية على المصلحة الأسرية العامة، كما يلاحَظ تعزيز الأنانية لدى الفرد، سواء الزوج أو الزوجة، وتفضيل تحقيق الذاتية والمصلحة الخاصة حتى لو كان ذلك على حساب مصلحة الأسرة عامة والأولاد، ويُلاحظ عدم التفاني أو الاستعداد للتضحية في سبيل الاستقرار وتجاوز الخلافات من أجل الحفاظ على إطار العائلة».
بناء عليه يمكننا اعتبار الطلاق من أخطر المشاكل التي تهدد كيان الأسرة وما يثيره من مشاكل واضطرابات عاطفية لدى أفراد الأسرة جميعا ً، ولعل تعديل الخلفية الثقافية الاجتماعية للبيئة تجاه النظرة للمطلقة هو الدور الأهم والبالغ الصعوبة؛ إلا أننا نختم هنا، بحتمية استعادة التكامل الأسري، للمجتمع الدرزي بتدخل دور الأهل في التقليل والتخفيف من وطأة هذه المعاناة القاسية، من خلال مساندة المطلّقة معنوياً ومادياً،، مع ضرورة احتوائها نفسياً وعاطفياً بالتفاهم والحنان والحب حتى تتمكن من إعادة ترتيب أوراقها، وهو الأساس الذي تحتاجه لتنهض من جديد أشد قوة وأمضى عزماً، إضافةً إلى ضرورة تفهُّم الوالدين والأسرة لابنتهم المطلقة، ومعاونتها لتعيد صياغة حياتها من خلال الدراسة أو العمل مباشرة في حياة أبنائهم عند وقوع أي خلاف أسري، يمكن أن يتسبب بحدوث الطلاق، كون مهما كان الطلاق حلاً جذرياً، فإن المشاكل تبقى هي الأصعب لكلا الطرفين، من هنا فإن التشتت والضياع يشكل حالة إنسانية يصعب تجاوزها، ولا سيما على الأبناء في حال وجودهم .وننوِّه بالاختيار الجاد القائم على العقل والقلب في آن ٍ معاً، قبل إقدام الشاب أو الشابة على الزواج، إذ إنَّ الاختيار الصحيح هو أول حجرة أساس لبناء أسرة متماسكة، لما يساهم بالتفاهم والحوار والاحترام بين الطرفين، وهذه المبادئ تشكل عوامل هامة لاستمرارية الزواج رغم الخلافات الزوجية التي لا بد من حدوثها بشتى الوسائل.
المراجع:
1- هو أحد أقضية محافظة جبل لبنان الستّة، يشكل مجرى نهر الدامور حدوده الشمالية، ومجرى نهر الأوّلي
حدوده الجنوبية.2- حنانيا المنير، الدُّر المرصوف في تاريخ الشوف، دار الرائد اللبناني، بيروت، 1984، ص
30.
2- أنظر الملحق رقم (1): تابع ملخص بعقود الزواج والطلاق منذ 7/11/ 1967لغاية 31/12/2018.
3- معدل الطلاق بالنسبة للزواج = عدد حالات الطلاق في سنة ما / عدد حالات الزواج في نفس السنة × 100.
4- موظفة في أمانة سر المحكمة في بعقلين.
5- أنظر الملحق رقم (3).
6- أنظر الملحق رقم (2) الاستمارة.
7- أنظر الملحق (3).
8- انظر الملحق (3) الجدول رقم (19).
9- نظر الملحق (3) الجدول رقم (17).
10- أنظر الملحق (3) الجدول رقم (18).
11- قانون أحوال شخصية الجامعة اللبنانية، التشريعات – شوهد بتاريخ 29-6-2019. موقع مركز الأبحاث والدراسات في المعلوماتية القانونية على الرابط: http://www.legallaw.ul.edu.lb/Law.aspx?lawId=258196
12- المصدر نفسه قانون الأحوال الشخصية.
13- أنظر سجيع الأعور- الاحوال الشخصية الإسلامية والمسيحية د.ط الجزء1أيار 2016 ص 144.
14- أنظر سجيع الأعور مرجع سابق ص 144.
15- أنظر الملحق (3): الجدول رقم (2).
16- أنظر الملحق رقم (3) الجدول رقم(14).
17- النشوز: لفظ يعبَّر عنه شرعاً عن امتناع الزوجة عن القيام بحق زوجها وطاعته في غير معصية الله
كأن تخرج من بيت زوجها دون إذنه لإسقاط حقها بالمهر المؤجل…).
18- أنظر الملحق (3) الجدول رقم (13).
19- أنظر الملحق (3) الجدول رقم: 12.
20- أنظر الملحق (3) الجدول رقم : 7.
21- أنظر الملحق (3) الجدول الإحصائي رقم (14) قرارات الطلاق بين 2014 و2018 في محكمة بعقلين.
22- – د. أميرة أحمد حسن قرشي / د. محمّد أمين أحمد الأمين. الطلاق وآثاره النفسية والاجتماعية على الرابط: شوهد بتاريخ 1-7-2019 على الرابط: tasil.uofq.edu.sd/wp-content/uploads/2017/…/الطلاق-وآثاره-النفسية-والاجتماعية.pdf
23- أنظر الملحق (3): الجدول رقم (10).
24- أنظر الملحق (3) الجدول رقم (1).
25- أنظر الملحق (3) الجدول رقم (17).
26- مرشدة إجتماعية في المحكمة المذهبية في عاليه.
27- أنظر الملحق 3 الجدول رقم( 5).
28- أنظر الملحق (3): الجدول رقم( 4).
29- أنظر الملحق (3): الجدول رقم (8).
30- أنظر الملحق (3): الجدول رقم (6).
31- أنظر الملحق (3) الجدول رقم (9).
32- أنظر الملحق (3) الجدول رقم (3).
33- أنظر الملحق (3) الجدول رقم (11).
34- البيِّن: شرعاً: الخطأ.
35- سجيع الأعور مرجع سابق ص 142.