الجمعة, تشرين الثاني 22, 2024

اشترك معنا للاطلاع والحصول على أحدث المقالات والأعداد

الجمعة, تشرين الثاني 22, 2024

اشترك معنا للاطلاع والحصول على أحدث المقالات والأعداد

بحث ..

  • الكاتب

  • الموضوع

  • العدد

أبرز الأحداث الثقافية

[su_accordion]

[su_spoiler title=” أبرز الأحداث الثقافية ” open=”no” style=”default” icon=”plus” anchor=”” class=””]

هذا باب جديد تفتحه بدءاً من العدد 22.
من نافل القول أن كمجلة فصلية لا تستطيع التغطية اللصيقة بكل الفعاليات والأنشطة الثقافية. إلا أنها لا تستطيع أيضاً، وكمجلة ثقافية، إلا أن تمرّ بأهم المحطات الثقافية التي انعقدت قبيل أسابيع أو أيام من صدور كل عدد جديد. وعليه نختار، ولضيق المساحة، بضعة أحداث ثقافية ، كعينة مما يجري حولنا ثقافياً؛ وفي ما يلي بعض أهم المحطات أو الفعاليات تلك:

انتخاب مدير جديد لمنظمة
الأونيسكو الدولية
لعل أهم حدث ثقافي تابعنا فصوله في الأسابيع الأخيرة وذروته في 15 تشرين ثان 2017 والذي تمثّل بانتخاب المدير العام الجديد لمنظمة الأونيسكو الدولية ومقرها باريس. نعرض للموضوع هذا، ليس لأهميته على مستوى الثقافة في العالم والدور الكبير الذي تلعبه المنظمة في المجالات الثقافية والتربوية، وإنما تحديداً لجهة عجز البلدان العربية مرة أخرى من الفوز بمنصب المدير العام، علماً أنه كان هناك شبه إجماع على أن المنصب هو من حق شخصية عربية، الأمر الذي لم يتحقق. والسبب هذه المرة هو الخلافات العربية العربية. فقد ترشح للمنصب ثلاث شخصيات عربية، اللبنانية فيكي خوري، المصرية مشيرة خطّاب، والقطري وزير سابق للثقافة حمد الكواري، إضافة إلى وزير الثقافة الفرنسية السابقة. وانتقلت الخلافات العربية البينية إلى قاعة المنظمة الثقافية الدولية الأكثر أهمية، وفي الدورة ما قبل الأخيرة انحصر الصراع عربياً بين مصر وقطر. وحالت الخلافات دون وصوا إي منهما، ولتفوز المرشحة الفرنسية أودري أزولاي، وبسبب من الخلافات العربية الحادة.

بين أهم ما أنجزته المنظمة السنة الماضي هو اعترافها بفلسطين عضواً كامل العضوية في المنظمة، بالإضافة إلى اعتبار القدس القديمة، والحرم الإبراهيمي في الخليل ضمن مواقع التراث العالمي المحمية من الأونيسكو، وسط اعتراض الولايات المتحدة وإسرائيل.
جائزة رفيعة لروائية جزائرية شابة
مُنحت جائزة “رونوود” الأدبية الفرنسية للروائية الجزائرية الشابة كوثر عظيمي (31 سنة) عن روايتها “ثرواتنا”. تعرض الرواية سيرة صاحب مكتبة في العاصمة الجزائرية ، إدمون شاكو، أول ناشر لكتب ألبير كامو في الثلاثينات، كما تعرض بأسلوب سردي تحولات العاصمة الجزائرية منذ الاستعمار إلى الاستقلال، والتداخل الجاري بين الفقر والبطالة والضياع بين مدينتي: الجزائر الثلاثينات والجزائر اليوم.

لغة عربية بأحرف لاتينية
بعدما تفاقمت ظاهرة الكتابة العربية على وسائط “السوشيال ميديا” بأحرف لاتينية، وما يحدثه ذلك من تشويه بصري وبلبلة فكرية وخروج على أبسط التقاليد اللغوية، استضافت جامعة الاسكندرية في مصر مؤتمراً بعنوان “اللغة العربية وقضايا التواصل في عصر تكنولوجيا المعلومات والاتصالات”. الغاية من المؤتمر “مقاومة كتابة العربية بحروف لاتينية…وما يؤدي ذلك من كوارث تربوية وقومية على المدى البعيد منها زعزعة أركان ممارسة اللغة العربية وضياعها على المدى البعيد. وانتهى المؤتمر إلى توصيات تمحورت حول جعل العربية مقرراً رئيسياً في جميع الاختصاصات الاكاديمية والمهنية، وشرطاً للتعيين في الوظائف العامة، إسوة بالإنجليزية في القطاع الخاص. كذلك إرشاد الجمهور إلى مخاطر إهمال استخدام اللغة العربية على أدوات التواصل الألكترونية، مع الدعوة في الآن نفسه إلى تبسيط اللغة العربية وتعميمها. فهل يؤدي هذا التحرك وسواه إلى نهضة لغوية جديدة؟ نأمل ذلك.

[/su_spoiler]

[su_spoiler title=”معرض بيروت للكتاب العربي والدولي في دورته 61
وخيرُ جليسٍ في الأنامِ كتابُ  ” open=”no” style=”default” icon=”plus” anchor=”” class=””]

30/11/ 2017 – 13/12/2017
قبل الدخول في تفاصيل معرض بيروت للكتاب العربي والدولي في دورته الواحدة والستين، نتوقف قليلاً قبل ذلك عند معرض آخر:

معرض بيروت للكتاب الفرنكفوني
في دورته الـ 24 / 2 – 12 نوفمبر 2017
بالإضافة إلى ريادتها في احتضان الكتاب العربي، تستمر بيروت مركزاً رئيسياً في المنطقة للكتاب الفرنسي اللغة. فالعاصمة اللبنانية تحتوي عدداً من دور النشر والمكتبات ذات اللغة الفرنسية، والمدعومة بطرائق مختلفة من الوكالة الفرنسية الفرنكفونية. ففي بيروت عشرات ألوف اللبنانيين ممن يعتبرون الفرنسية لغتهم المفضلة، عدا أعداد كبيرة من الفرنسيين المقيمين، ما جعل معرض الكتاب الفرنكفوني تظاهرة للكتاب الفرنسي في لبنان.
افتتحت المعرض وزيرة الثقافة الفرنسية فرانسواز نيسين، التي كان نفسها يوماً ما مديرة لدار نشر باريسية معروفة. تحدثت الوزيرة الفرنسية عن العلاقات الثقافية التاريخية بين فرنسا ولبنان، واعتبارها الفركفونية “جسر انفتاح” لتبادل المصالح والمشاريع بالإضافة إلى المعرفة والأفكار.
وزير الثقافة اللبناني
وزير الثقافة اللبنانية الدكتور غطاس كرم الذي شارك الوزيرة الفرنسية حل افتتاح المعرض الفرنكفوني، رحب بالوزيرة الفرنسية وبالعارضين المحليين والفرنسيين، واعتبر المعرض دليلاً على حيوية المجتمع اللبناني وتنوعه الثقافي. ورأى خوري إلى المعرض كظاهرة تحتضن “عشاق اللغة الفرنسية في لبنان”. والمعرض كرّم أخيراً رمزاً لبنانياً فرنكوفونياً ومناضلاً لبنانياً تاريخياً ضد الطائفية هو المثقف اللبناني الراحل سمير حميد فرنجية.

معرض بيروت للكتاب اللبناني
والعربي والدولي
للعام الواحد والستين يستمر النادي الثقافي العربي في بيروت في تنظيم التظاهرة الثقافية الأولى في لبنان وهي معرض بيروت للكتاب العربي.
افتتح المعرض نهار الخميس في 30 تشرين الثاني 2017. وبعد كلمتين من رئيس النادي الثقافي العربي واتحاد الناشرين اللبنانيين سميرة عاصي، افتتح رئيس الوزراء اللبناني الأسبق فؤاد السنيورة أنشطة المعرض بإسم دولة رئيس مجلس الوزراء سعد الحريري. اعتبر السنيورة في كلمته استمرار المعرض تظاهرة سنوية وجهاً ثقافياً ثابتاً لبيروت ولبنان، ورأى أن وجه لبنان الثقافي لا يتغير وإن تبدلت الظروف السياسية”.
شارك في المعرض 160 دار نشر لبنانية، و60 دار نشر عربية، وحضور إيراني ثقافي لافت.
رافق المعرض عشرات التواقيع والندوات التي تناولت كتباً جديدة صدرت والتي شكلت ظاهرة المعرض اللافتة.
كان للـ لقاءات أبرزها مع رئيس النادي الثقافي العربي، الجهة المنظمة، الاستاذ فادي تميم. الاستاذ تميم رأى أن النجاح في تنظيم الدورة 61 من معرض بيروت للكتاب العربي للدولي رغم الصعوبات الداخلية والخارجية هو نجاح للحياة الثقافية في بيروت ولبنان، ودليل على حيويتها، واستمرارها وتطورها. الاستاذ تميم اعترف أن الأسابيع الأخيرة التي سبقت افتتاح المعرض أثرت سلباً على عدد من المشاركين ات الذين تخلفوا عن الاشتراك في المعرض على غير عادتهم السابقة (إذ لم يشترك عربياً إلا عمان ومصر وسوريا والعراق)، وهو ما أثّر سلباً على التبادلات والعقود التي كان يمكن أن تتم. كما أثرت المخاوف سلباً على حركة الزائرين التي كانت دون التوقعات، بالمقابل كان هناك حضور إيراني واسع جداً، لكن ذلك لم ينعكس في المبيعات أو في العقود والصفقات.
بعض الناشرين الذين التقتهم (الاستاذ سليمان بختي، دار نلسن، الاستاذ عيسى أحوش، مكتبة بيسان، الاستاذ عارف حسن، مكتبة نبيه) وآخرين شكوا أيضاً من تراجع عدد الزائرين والطلب على الكتاب هذا العام، وغياب كلي للصفقات التي كانت تذهب إلى الخليج العربي.

ومع ذلك أمل الجميع أنه مجرد تعثر طفيف أو غيمة وتمرّ ويستعيد المعرض والكتاب ودور النشر عافيتهم، (بتحسن الأوضاع السياسية في العالم العربي)، كما سيتبيّن للقراء ان لا غنى عن الكتاب الورقي المطبوع، وأن الأنترنت هي باب للمعلومات الخفيفة السريعة، كما الصحيفة اليومية، وليست بديلاً عن الكتاب، للطالب، للمدارس، وللباحث على وجه الخصوص.
اختتم المعرض في 13 كانون أول 2017، ونتائجه تظهر تباعاً. لا أرقام دقيقة للمبيعات، ولا حتى التي يعلن عنها النادي الثقافي العربي، الجهة المنظمة. السبب هو الطريقة التقليدية في احتساب عدد الزوّار اعتماداً على ’القسيمة’ التي يحملها من البائع، وتحدث عن الفوضى في ذلك، وعدم الدقة.
هذا النقص يجرّ إلى ثغرات أخرى تحدث عنها العارضون، من مثل انخفاض فاضح في الإضاءة، السجاد القديم جداً، التدخين بكثافة، دخول المطر لأجزاء من القاعة، التعرفة الغالية لمواقف سيارات الزوّار والتي لم تخفّض إلى 3000 ل ل إلا في الأيام الأخيرة من المعرض. ويأخذ البعض على المعرض تحوله إلى مجرد ساحة لبيع الكتب، وللكتّاب للترويج لكتبهم، وعجزه عن القيام بأي دور إضافي: من مثل استضافة كبار الأدباء والعلماء من العالم العربي والعالم الأوسع.
التقديرات الحقيقية لحركة المعرض في دورته 61 تشير إلى انخفاض تدريجي في عدد العارضين، كما في عدد الزوّار، كما في المبيعات؛ وهو مؤشر خطير للأعوام القادمة – مقابل مثلاً أكثر من 3 ملايين زائر لمعرض الشارقة الدولي للكتاب، و600 عارض، و150 مليون كتاب.
نتمنى، رغم كل شيء، استمرار هذه الظاهرة الثقافية التي تحتضنها بيروت عند نهاية كل عام، ولكن من غير المعقول أن لا يلتفت إلى الثغرات وأن يجري تصحيحها، وأن تقوم وزارة الثقافة، وربما سواها من الوزارات بدعم المعرض.

[/su_spoiler]

[su_spoiler title=” ندوات ثقافية ” open=”no” style=”default” icon=”plus” anchor=”” class=””]

أهم الندوات التي جرت في الأسابيع الأخيرة ننقلها لقارئ ، مع الاعتذار سلفاً عن عجزنا، وبسبب من ضيق المكان، عن الترسّل أو التفصيل لتلك الندوات، على أهميتها. ونعد القارئ كما المنتدين الذين أرسلوا غلينا مداخلاتهم أن نقوم في أعداد لاحقة بتقديم ملخصات لها. نوثّق هنا بعض الندوات لا اكثر ومرة ثانية بسبب من الحدود الطباعية المتاحة لنا، وليس للمفاضلة في الأهمية، فكل ندوة أو معرض، أو كتاب، يمتلك خصوصيته وأهميته. وقد لهذا العدد أربع فعاليات متنوعة، لجهة موضوعاتها وتمثيلها.

اليوم الفلسفي العالمي
الذي احتفلت به الجامعة الأردنية في عمّان
في 19 تشرين ثان 2017.
تحدث في الافتتاح جون كراولي، رئيس قسم الفلسفة في منظمة اليونسكو باريس، عن أهمية الفلسفة عبر التاريخ ودورها الثقافي والإنساني والتربوي، وقال أن لها أدواراً أخرى راهنة ومعاصرة يمكن أن تعزز بها الثقافة والترقي الاجتماعي وبخاصة في مواجهة العنف.
وكان لرئيس التحرير (أ. د. محمد شيّا) محاضرة رئيسية بدعوة من قسم الفلسفة في الجامعة الأردنية. كان عنوان المحاضرة: “التربية على ثقافة الفلسفة في مواجهة ثقافة الإرهاب”. ركّزت المحاضرة على تعريف الإرهاب والخلافات المستمرة في الموضوع بين البلدان والمجموعات المختلفة في الأمم المتحدة، ثم عن كلفة الإرهاب الباهضة، اقتصاديا ومالياً واجتماعياً، وقبل ذلك في الإساءات التي جلبتها إلى مجتمعاتنا وما أرتبط منها بأدياننا زوراً وادّعاء، ثم أخيراً كيف يمكن للتربية على الفلسفة أن تسهم في بناء ثقافة عقلانية مدنية متسامحة مضادة للثقافة العنصرية والمتعصبة والمتطرفة، من أية جهت أتت، (وستنشر المحاضرة كاملة في عدد لاحق من ).
تحدّث في المؤتمر أيضاً رئيس قسم الفلسفة في الجامعة الأردنية الدكتور توفيق شومر، رئيس جامعة العلوم الإسلامية الدكتور سلمان البدور، وعضو مجلس أمناء الجامعة الأردنية العميد السابق الدكتور أحمد ماضي.

رئيس التحرير د. محمد شيّا والى يساره د. سلمان البدور رئيس جامعة العلوم الإسلامية في الأردن، د. توفيق شومر رئيس قسم الفلسفة في الجامعة الأردنية ود. أحمد ماضي عميد كلية الآداب السابق في الجامعة الأردنية
رئيس التحرير د. محمد شيّا والى يساره د. سلمان البدور رئيس جامعة العلوم الإسلامية في الأردن، د. توفيق شومر رئيس قسم الفلسفة في الجامعة الأردنية ود. أحمد ماضي عميد كلية الآداب السابق في الجامعة الأردنية

المؤتمر الوطني
من لبنان الكبير 1920
إلى لبنان الرسالة 2020

بدعوة من “مؤسسة أديان”، وبرعاية من فخامة رئيس الجمهورية العماد ميشال عون، “المؤتمر الوطني، من لبنان الكبير 1920، إلى لبنان الرسالة 2020″، الذي انعقد في 28 و29 تشرين الثاني، 2017، بيروت.
بعد جلسة الافتتاح الذي تحدث فيه الأب فادي ضو، رئيس “مؤسسة أديان”، واختتمها فخامة رئيس الجمهورية العماد ميشال عون، بدات أعمال المؤتمر في ست جلسات:
الأولى بموضوع، الأرض الأرض والشعب والمؤسسات، وتحدث فيها: الياس حنّا، طارق متري، نعمة فرام، وناجي ملاعب.
الثانية بموضوع، النظام والمشاركة السياسية، تحدث فيها: وجيه قانصوه، ريان عساف، فاديا كيوان، وحسان الرفاعي.
الثالثة بموضوع، المجتمع المدني، وتحدث فيها: الأميرة حياة أرسلان، ناصر ياسين، زهيدة درويش، أيمن مهنّا، ورنا خوري.
الرابعة بموضوع: التنمية المستدامة، وتحدث فيها: تريز الهاشم، زياد عبد الصمد، فادي حجّار، رائد شرف الدين، وندى غريّب زعرور.
الخامسة بموضوع، لبنان في السياق الإقليمي، تحدث فيها: خليل مكاوي، جهاد الزين، سمير مرقص.
السادسة بموضوع، دور لبنان كمركز لحوار الثقافات والأديان، تحدث فيها: محمّد السمّاك، رباب الصدر، حارث شهاب، سامي أبو المنى، وحسن ناظم.
واختتم المؤتمر ببيان ختامي نورد نصّه كاملاً لأهميته:

المؤتمر الوطني
من لبنان الكبير 1920
إلى لبنان الرسالة 2020

مؤسّسة أديان
28 و 29 تشرين الثاني 2017
البيان الختامي والتوصيات

برعاية فخامة رئيس الجمهورية اللبنانية العماد ميشال عون، نظّمت مؤسّسة أديان المؤتمر الوطني “من لبنان الكبير 1920 نحو لبنان الرسالة 2020” في فندق هيلتون بيروت، في 28و29 تشرين الثاني 2017، بمشاركةحشد من الفاعليَّات السياسيّة والروحيّة والعسكريّة والاجتماعية والأكاديمية، ومن المجتمع المدني والهيئات الديبلوماسيّة.
يأتي هذا المؤتمر على مشارف المئوية الأولى لإعلان دولة لبنان الكبير، وفي سياق المخاض الحضاري الذي تعيشه المنطقة في صراعها مع الإرهاب والتطرُّف والطائفية، وسعيها للوصول إلى دول يكون الإنسان وكرامته محورها، وأمن المجتمع وتنميته المستدامة غايتها. وبناء على التزام مؤسسة “أديان” في الإسهام لعبور لبنان من واقعه الطائفي إلى المواطنة الحاضنة للتنوّع، في إطار دولة حديثة وديموقراطية، هدف المؤتمر إلى الإسهام في تطوير الحوار العلمي والسياسي الجامع حول التجربة اللبنانيّة، منذ إعلان دولة لبنان الكبير حتى يومنا، للاستفادة من دروس الماضي، وتحديد النجاحات المحقّقة، والاستعداد للعمل على التغيير المنشود، وفق رؤية مشتركة للمستقبل، وسياسات عامة تسمح بالانتقال من الوضعيّة الطائفيّة إلى رسالة لبنان الحقيقية في العيش معًا في ظل المواطنة الفاعلة والحاضنة للتنوّع.
توجّه فخامة رئيس الجمهورية العماد ميشال عون إلى المؤتمر بكلمة في الجلسة الافتتاحيّة، عبر ممثّله معالي الوزير بيار رفّول، جاء فيها: “أتوجه بالشكر إلى مؤسسة أديان التي شاءت استقراء العبر والدروس من مسيرة وطننا منذ نشوئه، وخصوصًا في هذه المرحلة الدقيقة التي يتعرّض فيها لبنان لارتدادات الصراعات الإقليميّة والدوليّة التي تهزّ منطقة الشرق الأوسط بأسرها، للوصول إلى رؤية يُستعان بها لإعادة إنتاج دولة لبنان الحديثة.الدولة التي يتوق إليها اللبنانيون الذين كفروا بالتجاذبات المعيقة لأحلامهم وحياتهم الكريمة.” وأكّد فخامة الرئيس على أنّ الطموح الأكبر للكثير من اللبنانيين “هو العبور من دولة الطوائف إلى دولة المواطنة حيث يتساوى جميع اللبنانيين أمام القوانين، ولا تتلطى المصالح الفردية بعباءة الأديان، محوّلة رسالة العيش المشترك إلى ساحة لتقاسم المغانم، والاستقواء بالخارج على شريك الوطن، وحرف لبنان عن سكة السلام والاستقرار”.

وعبّر الفاتيكان عن دعمه لهذه المبادرة عبر رسالة للمؤتمر من قبل رئيس المجلس البابوي لحوار الأديان الكاردينال جان-لوي توران، جاء فيها: “لا يسعني إلّا أن أعبّر عن بالغ سروري بهذه المبادرة، التي تشبه مدرسة حقيقيّة للمواطنة.” ويضيف: “إنّ التربية على المواطنة الفاعلة والحاضنة للتنوّع تشكّل مشروعًا بغاية الأهميّة، يقتضي أن يترافق مع تغيير في الذهنيّات لدى المسؤولين السياسيّين والفاعلين في القطاعات الاجتماعيّة والدينيّة…. فإذا كان “لبنان الكبير” ذكرى، فلبنان اليوم هو رسالة وأيقونة للسلام المنشود”.
شارك أيضًا في افتتاح المؤتمر معالي الأمين العام لجامعة الدول العربية الأستاذ أحمد أبو الغيط ممثّلًا بسعادة السفير عبد الرحمن الصلح. أكّد معاليه إلى أنّه بالرغم من أنّ لبنان كان دومًا أو يكون في عين العاصفة، إلّا أنّه “لقد أثبت للعالم أن التعايش بين الأديان والطوائف ليس مستحيلًا، بل أنّه ضرورة حياة، ويشكّل مصدر قوة وإثراء للمجتمع والدولة، طالما كان يرتكز على الاحترام المتبادل والمساواة في المواطنة وإعلاء المصلحة الوطنية فوق أية اعتبارات أخرى”.

وتحدّثت في الجلسة الافتتاحيّة سعادة النائب بهيَّة الحريري عن المبادرة الوطنية لمئوية لبنان الكبيرالتي أطلقتها في العام 2011، قائلة: “غداة انقضاء العقد الأول من الألفيّة الجديدة، ورغم كلّ ما حمله لنا من آلام وجراح، أيّام كنّا نشيّع الرّموز الكبار، ونرتدي أثواب الحداد على الشّهداء الذين ضحّوا بحياتهم من أجل لبنان، غداة ذلك العقد الشديد الحزن والمرارة، أردنا أن نعزّز ونجدّد الإيمان بالتجربة الوطنية، جاعلين من الدولة المدنيّة الحديثة هدفًا وطنيًّا جامعًا لكلّ اللبنانيين بدون استثناء”. ورأت سعادتها بأن مبادرة “أديان” تتكامل مع المبادرة الوطنية لمئوية لبنان الكبير التي اعتمدت عنوان “لبنان 2020 وطنًا للمعرفة” هدفًا لها.
وافتتح رئيس مؤسسة أديان الأب فادي ضو أعمال المؤتمر مؤكّدًا على أنّ “مئة عام من عمر وطن كلبنان هي أشبه بهنيهات من الزمن. فلا نخطئنّ التقدير. لبنان ليس وليدة 1920 ولا صنيعة قرار من سلطة الانتداب الفرنسي. في 1 أيلول 1920 اعترف، ولم يعلن، المفوّض السامي هنري غورو بحقيقة ضاربة جذورها في التاريخ كجذور الأرزة في جبال لبنان. حين قرّر أهل لبنان أن يُعطوا لوطنهم هذا التحديد الجغرافي الحديث بحدوده التي تضمّ كل حبةٍ من ترابِ وذرّةٍ من هواءِ ال 10452 كلم2، أرادوا أن يعبّروا عن أمانة لوطن، تغنّت به الكتب المقدّسة منذ آلاف السنين، وعبرت على أرضه عشرات الحضارات، وانطلقت منه قبل أكثر من ألفي عام بعثات تجارية وثقافية وعمرانية، ربطت ضفاف البحر المتوسط، بعضها ببعض، وساهمت في تحقيق التلاقح الحضاري والحوار الثقافي بشكل رائد وفريد. لو كان لبنان صنيعة قرار أجنبي، أو نتيجة مطالبة من بعض أعيانه، لما كان قد بذل هذا العدد الكبير من أبنائه هذا الكمّ من التضحيات وقدّموا دماءَهم بشجاعة وسخاء للمقاومة في وجه العدو والمحافظة على كل حبّة من ترابه، وكل نفس من حريّة شعبه.” مضيفًا: “نحن أبناء وطن صغير بمساحته، وهي على صغرها، عرفت كيف تكون بيتًا مشتركًا ووطنًا نهائيًّا لجميع اللبنانيين، وقاعدة لملايين المغتربين منهم للانطلاق نحو بقاع العالم للإسهام في بنيانه وهم يحققون طموحاتهم وأحلامهم”. وأعلن: “ونحن على مشارف المئوية الأولى للبنان الكبير، نجدّد تمسّكنا بكل ذرّة من تراب لبنان ال 10452 كلم2، ونتمسّك برسالتنا التي تجعل أن يكون في هذه المساحة الصغيرة وطنًا كبيرًا بأبنائه وعطاءاتهم”.

شارك في جلسات المؤتمر 28 محاضرًا من لبنان كماومن مصر والعراق والمملكة المتحدة.أسهم المحاضرون مع الحضور على مدى يومين وست جلسات من النقاش والتفكّر بمسائل السيادة والعلاقات الدولية والمواطنة والمجتمع المدني والتربية والتنمية والعدالة الاجتماعية والحوار الثقافي والديني، بتعميق القراءة الصريحة والواضحة للتجربة التاريخيّة للبنان منذ سنة1920، وتحديد الإشكاليّات الراهنة التي تتحدّى قيام دولة المواطنة بكامل أبعادها، ومناقشة سبل العبور نحو هذا الواقع المنشود. وخلص المؤتمر إلى ما يلي:
1- في السيادة
إنَّ لبنان الكبير عانىولا يزال في مئويته الأولى من ارتجاجاتٍ في السِّيادة بسببالعدوان الإسرائيلي والواقع الإقليمي المعقَّد والمضطرب الذي يحيط به، وبسبب ضعف المنظومة الوطنيّة وعجزهاعن تحقيق المواطنة والعدالة الاجتماعية والإنتاجية اللازمة للاستقرار الداخلي.أسهمت هذه الارتجاجات في الإفساح في المجال بين أبنائه لاستقطاب وارتهاناتٍ أضعفت المناعة الوطنية، وأدّت إلى صراعات وحروب أهليّة، وإلى ما سُميّ بحروب الآخرين على أرضنا.فلا الميثاق الوطني القائل “لا للغرب ولا للشرق”، ولا مبدأ “النأي بالنفس” يستطيعان أن يعزلا لبنان بشكل كامل عن التجاذبات الخارجيّة. بل يستدعي الأمر مع ذلك تعزيز المناعة الداخليّة باستمرار، وبناء مفهوم وطني مُوحَّد للسِّيادة وكيفية حمايتها في ظل منطقة مشتعلة، على قاعدة المصلحة الوطنية التي تجمع كافة مكوّنات المجتمع اللبناني.

2- في نظام المواطنة
إنَّ لبنان الكبير في مئويته الأولى ارتكز على دستوره المدني وميثاق العيش معًا، الذي هدف إلى تأمين مشاركة المواطنين في الحياة السياسيّة مع ضمانة تمثيل الطوائف المكوّنة للنسيج الاجتماعي اللبناني.ساهمذلك في توزُّع لمواقع السُّلطة، لكنّه فشل في بناء مؤسساتيَّة الدولة وثقافة المواطنة. فأصبحت السلطة تعيد إنتاج ذاتها على أساس الطائفية، وتراجع دور المواطن الفرد وفعالية مشاركته في الحياة السياسية.يستدعي ذلك إلى مُساءلة الإشكاليّة الطائفية وتفكيكها ليس في النظام وحسب، بل في الثقافة والتكوين الاجتماعي أيضًا، مع العودة إلى تطبيق سليم للدستور وإنهاء شوائب الزبائنية والمحاصصة والفساد والتي جوَّفت الميثاق والدُّستور من مضامينهما، للوصول إلى مواطنة المواطنين الحاضنة لتنوّع المجتمع الثقافي والديني.

3- في المجتمع المدني
إنَّ لبنان الكبير في مئويته الأولى، وبقدر ما شهِد تطوُّرًا للمجتمع المدني فيه، بقِي حراكه محدود التأثير في غالب الأحيان، لاصطدامه حينًا بمنظومة المجتمع الأهلي التقليديّة التي لا تتبنّى أولويّات المجتمع المدنيّ، وحينًا آخر لاصطدامه مع السلطة السياسيّة ذات الطابع الطائفي.على الرغم من ذلك، وبناء على بعض الخبرات الناجحة التي أثبتت نجاح الشراكة بين مؤسسات القطاع العام ومؤسسات المجتمع المدني وخبرائه لتحقيق الإصلاح المنشود، يبقى الأمل معقودًا على المجتمع المدني لتقديم التغيير المرجو في السياسات العامة، بالتزامن معالعمل على تحقيق التغيير في السياسة ذاتها، عبر رفدها بقيادات جديدة تحمل خبرة المجتمع المدني ومنظومته القيميّة.

4- في التنمية المستدامة
والعدالة الاجتماعية
إنَّ لبنان الكبير في مئويته الأولى،وعلى الرغم من محاولات جادّة لتحقيق التنمية وبناء المؤسّسات العامة، بقِي عاجزًا عن اعتماد مقاربة شاملة للتنمية تكون العدالة الاجتماعية محورها. يستدعي ذلك الانتقال من سياسة الخدمات الاجتماعية التي تستغلّها السلطة السياسية لكسب الولاءات على أساس الزبائنية، إلى بناء منظومة الحماية الاجتماعية والأمن الإنساني، عبر إنعاش الحوار الوطني الاجتماعي والاقتصادي والاستثمار الراشد في الرأسمال البشري.

5- في الحوار الثقافي والديني
إنَّ لبنان الكبير في مئويته الأولى، وعبر تاريخه المديد وتكوينه الاجتماعي، يختزن مقوّمات حضارية وثقافية ودينية تؤهله ليكون مركزًا عالميًّا لِحوار الحضارات والأديان، حاملًا رسالته، وفق قول البابا يوحنا بولس الثاني، “رسالة حريّة ونموذج تعدديّة للشرق كما للغرب”. يستدعي ذلك مأسسة مُتكاملة للحوار وتعزيز انتاجيّته المجتمعيّة ودوره في ترسيخ المصالحة والسلم الأهلي، وتطوير منظومته القيميَّة والتربوية والسياسيَّة والثقافية والديبلوماسيَّة، خصوصًا في ظل تنامي الصراعات عالميًّا المرتبطة بمسائل الهويَّات الإثنيّة والدينيّة.
في ختام هذا المؤتمر، تُؤكّد مؤسسة أديان على اعتبار هذا المؤتمر ورشة عمل وطنيّة مفتوحة، للعمل معًا، ليس للاحتفال بمئوية لبنان الكبير في 2020 وحسب، بل للإسهام في تأمين الرؤية الوطنيّة المشتركة لتحقيق التجدّد المطلوب وفق طموح أبنائه وتطلّعات شبابه، والاضطلاع برسالة العيش معًا التي وسمت لبنان وحدّدت دوره العالمي.

ندوة حول اللغة العربية
المكان، فندق الريفييرا، بيروت – الزمان، 15 كانون أول، 2017
من تنظيم مفوضيتي الإعلام والثقافة في الحزب التقدمي الاشتراكي بمناسبة اليوم السنوي للغة العربية.
تضمنت الندون فعاليتين:
الأولى تكريم الجهتان المنظمتان لستة وجوه إعلامية مهمة وهي: مي كحّاله، سمير عطالله، عادل مالك، إميل خوري، الياس الديري، وعزت صافي. وقد منح المكرمون ميدالية كمال جنبلاط، ودرع الجهة المنظمة.
الثانية، الندوة الفكرية وتوزّعت في ثلاث جلسات:
الجلسة الأولى أدارها العميد الدكتور محمد توفيق أبو علي، وكانت بموضوع “اللغة مرآة الفكر والمجتمع”، وحاضر فيها:
د. جنان بلوط، د. هند أديب، د. علي زيتون، د. أنطوان أبو زيد
الجلسة الثانية، أدارها العميد الدكتور محمد شيّا، وكانت حول “الثقافة والفكر والممارسة السياسية”، وحاضر فيها: العميد د. طلال عتريسي، د. محمد العريبي، د. نائلة أبي نادر، د. أديب نعمه،
الجلسة الثالثة أدارها الدكتور وجيه فانوس، وكانت بموضوع “المجتمع العربي بين تحديات التنوع وتحولات العولمة”، حاضر فيها:
د. زهيدة درويش، أمين عام اللجنة الوطنية لليونسكو، د. كمال معوّض، د. نديم نجدة

ندوة حول كتاب «العقل لا الغرائز، الوطن لا الطوائف»
المكان: قاعة مكتبة الأمير شكيب أرسلان الدولية في الشويفات – الزمان: 17 تشرين الثاني، 2017
بدعوة من بلدية مدينة الشويفات، التقى المحاضرون: الرئيس د. غالب غانم، ود. سليم حماده، والأستاذ رامي الريّس حول كتاب الدكتور محمد شيّا “العقل لا الغرائز، الوطن لا الطوائف”، الصادر عن دار “المنشورات الجامعية”، بيروت، وقدّم المحاضرين الأستاذ عدنان حرفوش.
تحدث أولأ عريف الحفل ثم المنتدون عن أهمية الكتاب كخارطة طريق في التخلّص من النظام السياسي الطائفي في لبنان، لأنه فقد صلاحيته وبات عبئاً ثقيلاً على المجتمع اللبناني الحيوي، ومعرقلاً للتلاقي بين اللبنانيين وتطوير حاضرهم وبناء مستقبل يليق بمجتمع فيه نسبة عالية من المتعلمين والمنتجين وعلى مستوى متطلبات الحياة السياسة الحديثة. وأجمع المحاضرون على اعتبار الكتاب “مرجعاً قيّماً” غنياً متوازناً ويصلح في أكثر من مفصل كدليل في كيفية التخلص من آفة الطائفية السياسية المتحكمة بالنظام السياسي اللبناني من دون تعريض العيش المشترك بين الجماعات الروحية اللبنانية لأية مخاطر.

ندوة حول آفة المخدرات
المخدرات بين التخدير والتحذير
المكان، عرمون، قاعة عرمون العامة،
شارك في الندوة، العميد المتقاعد أنور يحي، الشيخ سلمان عودة، وقدمها المحامي د. بسام المهتار، وكانت كلمة افتتاحية من الشيخ زياد بوغنّام.
تحدث المنتدون على خطورة آفة المخدرات، على كل المستويات، وخصوصاً على الشباب، وما يجلبه من آثار مدمّرة على حياة الشاب، والأسرة، والمجتمع.
تحدث المحامي د. بسام المهتار باسم بلدية عرمون، فأشار إلى دور البلديات في “معالجة الأسباب التي قد تؤدي بالشباب إلى الانحراف عبر تحسين شروط الحياة وتوفير سُبل العيش الكريم”. ولخص المحامي المهتار دور البلديات من خلال ثلاثة بنود: “صلاحيات البلدية القانونية في هذا المجال…. ودور بلدية عرمون على أرض الواقع…وأخيراً خطة بلدية عرمون لتطوير دورها ذاتياً على هذا الصعيد”، ودعا إلى “تطبيق مبدأ اللامركزية الادارية لأن البلدية هي الأدرى بمشاكل المواطنين…والأقرب إلى معرفة تطلعات الناس”.
ثم كانت مداخلتان من:
– الشيخ سلمان عودة، عضو اللجنة الدينية في المجلس المذهبي في
طائفة الموحدين الدروز.
– العميد أنور يحي، المدير السابق للشرطة القضائية في المديرية
العامة لقوى الامن الداخلي – في وزارة الداخلية اللبنانية.
ولخطورة آفة المخدرات، وأهمية المداخلتين، ستنشر في أعداد قادمة نصوص المداخلتين كاملة.

[su_spoiler title=”مراجعات كتب   ” open=”no” style=”default” icon=”plus” anchor=”” class=””]

من بلفور إلى ترامب – غازي العريضي
الدار العربية للعلوم ناشرون، بيروت، 2017

تشكّل مناسبة مئوية ’وعد بلفور’، 1917-2017، جزءاً رئيسياً من كتاب غازي العريضي الجديد، (من بلفور إلى ترامب) أما الجزء الآخر فهو الخراب الذي أحدثته سياسات دونالد ترامب منذ وصوله قبل سنة واحدة إلى المكتب البيضاوي في الولايات المتحدة الأمريكية. يهدي المؤلف كتابه إلى كل الذين قاوموا وعد بلفور منذ البدء وإلى اليوم: “إلى شهداء فلسطين والعرب وكل من قاوم ويقاوم الاحتلال منذ وعد بلفور وحتى اليوم، إلى شهداء هذا الجيل بعد مئة عام على الوعد، أهدي هذا الكتاب”. يقع الكتاب في 418 صفحة ويضم مروحة واسعة جداً من المقالات، من السياسي جدا بل اليومي، من مثل “اعتزاز أمريكا وابتزاز إسرائيل”، “العهر الأمريكي”، “أمريكا – إيران مواجهة بالواسطة”، “لننتظر الأسوأ من إدارة ترامب”، طوثيقة حماس ووثيقة أميركا”، “رئيس العزل وعزل الرئيس”، إلى الثقافي أو القريب من الثقافي، من مثل “لنتعلم من تونس”، “مذبحة دينية وحروب مفتوحة”، “ماذا عن الإرهاب اليهودي”، “ألونيسكو: إسرائيل دولة احتلال، شكراً كوبا”، “العالم والعقل العبثي في أميركا”، وسواها.
ميزة خطاب غازي العريضي في الشكل بساطة التعبير فيه واختصار المسافات نحو الهدف أو الغاية. عبارته واضحة، ملأى بالمفردات المباشرة ومن دون كثير تورية أو التفاف حول الفكرة أو تزيين أو تزييف. وهي كذلك ميزة مضامين المقالات كافة تقريباً: موقف المبتعد قليلاً عمّا يجري، كل ما يجري، العارف بل الحكيم، الناصح، ومن دون مواربة أو حاجة لأخذ هذا الجانب أو ذاك. خذ مثلاً مقالته المعنونة: “أو قفوا حرب اليمن”، ص 179. ففيما يجهد البعض إلى اتخاذ مواقف هذا الجانب والبعض الآخر إلى اتخاذ المواقف المقابلة، ومن دون كثير ترو أو حكمة، أو بحث عن مصلحة اليمن والخليج والعرب عموماً، نرى المؤلف يقول بالفم الملآن: “…. هذه المعلومات والوقائع الميدانية فضلاً عن الخراب والدمار والتفكك تضعنا أمام كارثة خطيرة سوف تستنزف طاقات المنطقة كلها إضافة إلى انعكاساتها السياسية على كل المن الإقليمي ووحدة الأراضي في اليمن والجوار، مما يدفع إلى تجديد المطالبة بشجاعة الوقف هذه الحرب. نعم، وقف الحرب والوصول إلى تسوية مشرّفة في تلك البلاد. لن يتمكن أحد من حسم الحرب وتحقيق مكاسب سياسية وأمنية”. وينهي ” آن الآوان لتحكيم العقل والمنطق وامتلاك شجاعة المبادرة لوقف الحرب”(181). تبقى ملاحظة الحنين الذي يتملك خطاب غازي العريضي حين يتكلم على فلسطين أو الفلسطينيين. يقول في يوم الأسير الفلسطيني وقد جعله تحت عنوان (أسرى فلسطين ومارسيل أنشد كلمات شعرائهاخليفة): “في هذا اليوم تحية إلى اسرى فلسطين الأحرار في سجونهم، وإلى أهلهم وإلى وإلى من استشهد منهم، وغلى المناضلين في كل مكان ضد الاحتلال. وتحية إلى كل من شارك في إحياء هذا اليوم على طريقته… وأخص الفنان اللبناني العربي الإنساني مارسيل خليفة الذي غنى فلسطين، وأنشد كلمات شعرائها، وعبّر عن نبض أهلها، وكتب لهم اليوم رسالة مستذكراً تكوين وعيه السياسي مع هذا الشعب النازح المهجّر المتألم المظلوم.(101-102)
غازي العريضي يتشبث بالذاكرة الثقافية لشعبنا، كيلا ننسى، وفي كل الأحوال فسياسات نتنياهو – ترامب تجعل النسيان مستحيلاً.

كمال الصليبي، الحوار الأخير، حول التوراة ولبنان والذكريات – الياس جرجوس
دار نلسن، بيروت، 2017

يتضمن فهرس الكتاب، بعد مقدمة من محمود شريح، الموضوعات التالية:
حوار خاص مع الدكتور كمال الصليبي،
الدكتور كمال الصليبي يعيد التاريخ إلى جغرافيته ويصالح المقدّس معهما،
طائر على سنديانة مذكرات الدكتور كمال الصليبي آخر المؤرخين الحقيقيين،
بيت بمنازل كثيرة، حوار خاص مع الدكتور كمال الصليبي،
تنقيب في خفايا التوراة،
خفايا التوراة…مسألة نوح، البرج الذي لم يكن في بابل.
كمال الصليبي، (المتوفي 31 آب 1911) هو أحد كبار المؤرخين اللبنانيين المعاصرين، أو كما يقول عنه محرر الكتاب “آخر المؤرخين الحقيقيين”. امتاز صليبي بمعرفته الواسعة باللغات، ومعرفة واسعة بما يكفي بعلوم مجاورة أخرى مثل علم الآثار، الأنثربولوجيا، اللاهوت، الجغرافيا، إلى منهجية علمية تأريخية دقيقة، ما سمح له بتقديم مرويات تقوم على سند علمي واسع. وبعض أبحاثه العميقة تناولت على وجه الخصوص مرويات التوراة، والكتاب المقدس، والأساطير الأولى في الفكر المشرقي. نختار من هذا العمل، الذي يجمع بعض الحوارات مع المؤرخ الصليبي، ما يتناول نشأة الكيانين اللبناني والسوري، والمشكلات التي رافقتهما منذ البدء. يقول المؤرخ الصليبي في حوار تناول كتابه ’بيت بمنازل كثيرة’: “قد يقال بحق أن لبنان لم يعد بلداً إلا بالإسم. ومن الغريب، مع ذلك، أن مسلمي لبنان ومسيحييه لم يظهروا في السابق ما يظهرونه اليوم من وعي عميق لهويتهم الوطنية المشتركة، وإن كان ذلك بقدر من الاختلاف في تعريف مقوّمات هذه الهوية. والواقع أن الأمر لم يكن كذلك في العام 1920 عندما تاسس لبنان للمرة الأولى على شكل دولة تحت الانتداب الفرنسي، إذ بالغ المسيحيون في التحمس في قبوله، وبالغ المسلمون في رفضه. ولم يحصل الإجماع حقاً على الهوية اللبنانيةبين الفريقين العام 1943 عندما حصلت الجمهورية اللبنانية على استقلالها على أساس تصور نظري لوحدة وطنية بين مختلف الطوائف…..في 23 آيار 1926 تلقت دولة لبنان كبيراً دستوراً حولها إلى “الجمهورية اللبنانية”، وهكذا برزت الجمهوريتان الشقيقتات، اللبنانية والسورية، إلى الوجود تحت الانتداب الفرنسي، لهما عملة واحدة وخدمات جمركية واحدة، ولكل دولة علمها الخاص، وإدارتها المحلية الخاصة، وإن كان ذلك تحت إشراف المفوّض السامي الفرنسي الذي كان مقامه الدائم في بيروت. ولم تمض سنوات قليلة حتى أصبح لكل من الدولتين الشقيقتين نشيدها الوطني المختلف. لكن البيروقراطيات الإدارية والإعلام والأناشيد الوطنية لا تكفي لتحويل الأراضي والشعوب الني تعيش فيها غلى أوطان وأمم بالمعنى الكامل…..لم تكن عند الموارنة ولا عند غيرهم من المسيحيين المتفقين معهم في الرأي شكوك حول هذه المسألة. أما اللبنانيونفيبقون لبنانيين مهما اختلف الرأي حول طبيعة هويتهم كشعب من الخارج لا تجمع بينهم وبين العرب إلا وحدة اللغة….والخلاصة هي أن الفرنسيين في سوريا أوجدوا الدولة في البلاد لكنهم أخفقوا في في خلق هوية قومية خاصة تلائمها. والأمر نفسه ينطبق بطريقة ما على لبنان، حيث كان مفهوم الهوية القومية اللبنانية، خلافاً للنشيد الوطني، لا يحمل معنى إلا لفئة من أهل البلد دون الآخرين. ولم يكن الأمر مختلفاً في البلدان الأخرى التي خلقها البريطانيون في الأراضي العربية الخاضعة لانتدابهم…” (84-87)
هذه عينة من تأريخ كمال الصليبي لتطور الأحداث في المنطقة منذ أواسط القرن التاسع عشر، ولا يفيد في شيء تلخيصه، لأنه سيأتي مبتوراً وربماً غير دقيق.

حقوق الأقليات في القانون الدولي العميد د. رياض شيّا
دار النهار للنشر

لمّا كانت مسألة الأقليات الإثنية، اللغوية، والدينية واحدة من المسائل التي أرّقت ضمير الإنسانية قروناً طويلة، فقد مثّل ظهور الدولة القومية (الدولة-الأمة) على المسرح العالمي في القرن التاسع عشر، كتنظيم جديد للتجمعات البشرية، محطةً بارزة عرفت معها الأقليات أقسى أشكال التعامل. فمركزية السلطة ووحدة اللغة والثقافة والدين، التي كانت تمثّل قيم الدولة القومية، لم تكن سوى تلك التي تعود لجزء من مواطني الدولة وليس لجميع مواطنيها، ولو كانوا يمثّلون في كثير من الأحيان الأكثرية. يضاف الى ذلك أنّ تمثُّل تلك القيم قد ترافق مع ممارسات فيها الكثير من الاضطهاد وعدم التسامح مع كل من يختلف عن النموذج، والذين بات يُنظر اليهم بأنّهم “الغير”، ولو كانوا مواطنين. ولما كان لكثير من الأقليات علاقات وامتدادات تتعدى النطاق الداخلي للدولة، بحكم ارتباطهم بدولٍ أخرى تماثلهم نفس الصفات الإثنية أو اللغوية أو الدينية، فقد أدى هذا الواقع الى اشتداد النزاعات الدولية وتفاقمها، والتي وصلت غير مرة الى مستوى الحروب الشاملة، كما في الحربين الكونيتين الأولى والثانية. وهكذا بدا لزاماً على القانون الدولي الإحاطة بمسألة الأقليات بوجهها الإنساني من جهة، ونتائجها وتداعياتها على الاستقرار والأمن في العالم من جهة ثانية.
على هذه الخلفية، سيعرض المؤلف الدكتور رياض شـيّا في كتابه هذا لكيفية تطور حقوق الأقليات في القانون الدولي، سواء في تكرسها في نظام عصبة الأمم في أعقاب الحرب العالمية الأولى، أو في أعقاب الحرب العالمية الثانية في التشريعات الصادرة عن الأمم المتحدة الخاصة بحقوق الإنسان وما تضمنته من نصوص تتناول حقوق الأقليات، كالمادة 27 من “العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية” للعام 1966، أو بالمواثيق التي تخص الأقليات فقط ك “إعلان الأمم المتحدة لحقوق الأشخاص المنتمين لأقليات قومية أو إثنية، دينية أو لغوية ” في العام 1992، وغير ذلك من التشريعات. يضاف الى ذلك إلقاء الضوء على النشاط الفعّال الذي لعبته “مجموعة العمل الخاصة بالأقليات” التابعة للأمم المتحدة (التي أصبحت تسمى “منبر قضايا الأقليات” منذ العام 2007 وتتبع لمجلس حقوق الإنسان التابع بدوره للأمم المتحدة).
يسدّ الكتاب ثغرة كبيرة تتمثّل في النقص الهائل في الكتابات والمراجع العربية التي تناولت موضوع الأقليات وحقوقها من الناحية القانونية، وبالأخص موقف القانون الدولي منها. وسيلحظ القارئ هذا النقص في ندرة المصادر الحقوقية العربية مقارنة بالكم الكبير من المصادر الإنكليزية والفرنسية التي استند اليها الكتاب، مما يجعله مرجعاً لموضوع حقوق الأقليات لا بد منه.
الكتاب صادر عن دار النهار للنشر، ويقع في 360 صفحة من القطع الكبير

الخيارات المغلقة – د. يقظان التقي
رياض الريّس للكتب والنشر

يتضمن كتاب د. يقظان التقي مجموعة لقاءات صحافية أجراها المؤلف مع عدد من الشخصيات السياسية والثقافية اللبنانية 22 شخصية لبنانية وسورية وفلسطينية، من اتجاهات فكرية مختلفة. نذكر منهم بالتدريج داوود صايغ، محمد عبد الحميد بيضون، أنطوان مسرّة، رضوان السيّد، خالد زيادة، فاديا كيوان إلى…شارل رزق، عصام خليفة، روجيه ديب، وجوزف أبو خليل.
نختار لهذه المراجعة السريعة بعض محطات اللقاء مع المؤرخ د. عصام خليفة، لارتباط مضمونه بمئوية سايكس بيكو ومئوية الكيان اللبناني.
يخالف المؤرخ خليفة الرأي الشائع لدى البعض من أن الكيان اللبناني كيان مصطنع وولد من رحم معاهدة سايكس – بيكو، فيقول: “لبنان الكبير هو نتيجة كفاح الشعب اللبناني، وليس أمراً مفتعلاً، ووثيقة الميثاق الوطني هي وثيقة علمانية وغير طائفية”.(190). ويضيف: “إذاً مشروع لبنان الكبير ليس مشروعاً مفتعلاً. إنه نتيجة كفاح الشعب اللبناني، في مقابل هذا المشروع كان هناك المشروع الصهيوني الذي دعا منذ مؤتمر ’بال’ وقبله إلى قيام وطن قومي لليهود في فلسطين، وتوسيع إسرائيل شمالاً باتجاه الليطاني. حين تقرأ وثائق الخارجية الفرنسية، تلمس صراعاً واسعاً بين التيّار اللباني والتيّار الصهيوني.”(197). ويتوقف المؤرخ خليفة إلى الاتفاق الذي جرى في منزل يوسف السودافي 18 آذار 1938 حيث تمّ التوصل إلى الميثاق الوطني اللبناني، وهو علماني وليس طائفياً. ….الميثاق مكتوب بخلفية ثقافية غير طائفية، أي بخلفية قيام دولة، وإقامة المساواة والعدل، والكفاءة، لا على أساس الطائفية. الميثاق اتفاق وطني، لا بل علماني. برأيي العروبة في هذا الميثاق هي مشروع حرية للصحافة والجمعيات والأحزاب والإنتاج وحماية الآثار. اؤكد أن لبنان في العشرينات والثلاثينات والأربعينيات كان يتقدّم إلى الأمام…وإلى إنشاء دولة إسرائيل على الحدود…”(198-199). ويختم التقي نقلاً عن المؤرخ خليفة: “كمثقفين مستقلين، لا مستقيلين، خضنا معارك واعتصامات وصدامات، وعرفنا كيفية الربط بين المطالب الثقافية….كما دافعنا عن وحدة لبنان. هذا هو مشروعنا الثقافي…أي ما يحول دون تحوّل لبنان إلى معتقلات طائفية….لا يزال التنوع هو الضامن للتعددية، والتعددية هي دينامية نحو التكامل ونحو علمنة الدولة والمجتمع المدني والتربية الثقافية. لقد واجهنا مشروع التفتيت بالمشروع الثقافي..”(200) وينهي بالقول أن وحدة الشعب اللبناني هي أقوى سلاح يمكن أن يمتلكه لبنان (205).

الإنسان نفس وجسد – شوقي أبو عكر
دار العربية للعلوم ناشرون

صدر كتاب “الإنسان نفس وجسد” من دار العربية للعلوم ناشرون لمؤلفه شوقي أمين أبو عكر في شهر آذار 2017م.
قبل البدء بعرض الفصول التي تضمنها الكتاب سأقدّم الخبر الصحفي Press Release التي أطلقته الدار العربية لكافة وسائل الإعلام، والمكتبات والموقع الإلكتروني neerwafarat.com المتعاون معها في نشر الكتاب Online لمن يريد الاطلاع عليه بواسطة التقنيات الجديدة.

يتضمن الكتاب ستة فصول ومقدمة وخاتمة.
المقدمة تضمنت الأسباب والهواجس التي أدّت الى ولادة هذا الكتاب. وقد جاء في السطور الأولى للمقدمة:
“في صخب هذه الحياة التي نعيشها، وانغماسنا في الحصول على ما طاب لنا من هذه الدنيا: ماذا بعد ذلك؟! الى أين نحن سائرون؟ ما هو الموت الذي يخطف الإنسان في لحظة من الزمن؟ هل تنتهي حياتنا عند هذا الحدّ؟ هذه الأسئلة التي تملكت تفكيري في السنوات الأخيرة، جعلتني أسعى الى ضمّ ما عرفته سابقاً، الى مطالعاتي فيما تضمنّته الكتب الدينية، وما قاله الأنبياء المرسلون، وما أشار إليه أولياء الله الصالحون، وما خطتّه أقلام الفلاسفة وتناولته أقلام الأدباء من نثر وشعر، فكان هذا الكتاب المتواضع”.

لكن هذه المطالعات تؤدّي الى تراكم أفكار وآراء ومقولات لا تخضع لعلم المنطق، ولا لعلم الرياضيات الذي تخصصت به، ولا لنتائج المختبر لمعرفة الحقيقة المطلقة، ولحسم ما هو صواب وما هو خطأ. لكن للفيلسوف العالم أمحتب في رسالته “عزل النفس” شجعني في المضّي قدماً في تأليف هذا الكتاب حين يقول:
“يا نفس إن كنت متحققة بشيء غير ما تدركينه بالحواس الخمس، فقد توجهت الى طريق نجاحك. وإن كنت لم تحققي شيئاً من الأشياء إلا ما تشاهدينه ببصر الجسد وسمعه وذوقه وشمّه ولمسه فأنت يا نفس موقوفة على طريق العطب ومقاساة العذاب في الفصلين الأول والثاني تناول الكتاب عن النفس والجسد في ذات الإنسان الحيّ الناطق. هل تكوينه الشريف من نقف ناطقة حيّة عالمة استوطنت جسداً مدهشاً في وقت من الزمن وبإرادة قوّة قادرة مبدعة لهذا الكون؟ أم مجرّد جسد لا وجود لنفس فيه، إذا انتظمت مكونّاته عند الولادة، تستجّد فيه القدرة على التفكير والتخيّل والإبداع، وعند الموت يتلاشى في التراب وينتهي الأمر.
يقدّم هذا الكتاب آراء وأفكار من تلكموا عن طبيعة الإنسان فيبدأ بقول البروفيسور “سيثوت” في كتابه “حياة الروح” حين يقول: “مسألة حيّرت ألباب العلماء منذ عصور موغلة في القدم. فالإنسان يبدو وكأنه كائنان: كائن مادي وكائن آخر يقابله غير مادي”. ويأتي أيضاً على ما ذكره الشاعر العظيم هوميروس عن تلك الطبيعة في أحد فصول الأوديسة، وما جاء في كتب البراهمة القديمة، وشعر الفيلسوف ابن سينا، وقصيدة المواكب للأديب الشاعر جبران خليل جبران، وكتاب “حيّ بن يقظان” للفيلسوف أبو طفيل، وما تحدثت به الكتب الكريمة للأديان المرسلة، وما جاء في رسالة الخليفة الفاطمي المعزّ لدين الله، وما نطقت به الفلسفة اليونانية وما قاله الدكتور فيليب سالم عن الجسد وغيرهم من المستنيرين.

أما الفصل الثالث فيتحدث عن الموت، القدر المحتوم على الإنسان يذكر ما قاله الكاتب العظيم تولستوي في كتابه الاعتراف: “هكذا أتعلّق أنا بغصن شجرة الحياة، عارفاً أن تنين الموت ينتظرني. لماذا قدّر لي أن أحتمل كل هذه المشتقات وراني ولا شكّ واصل الى ظلمة القبر ولا شيء يقف أمام ذلك المصير”. وتناول الكتاب لجملة من آراء وأفكار لمن سبق ذكرهم عن الموت. بالإضافة الى ما تناوله بعض من الشعراء المبدعين في عصور مختلفة. أخصّ منهم بالذكر المتنبي، أبو العلاء المعرّي، لا مارتين، أبو تمام، طرفة بن العبد، محمود درويش، نزار قباني وغيرهم من الشعراء.
تناول الكتاب في الفصل الرابع مسيرة النفس بعد الموت حيث ورد في القرآن الكريم عدّة آيات تتحدث عن عالم البرزخ. وهو العالم الذي يتوسط بين الدنيا والآخرة حيث تستقر فيه الروح أي النفس قبل يوم الحساب، وعن المطهر في العقيدة المسيحية الكريمة، وعن فكرة التقمّص وعودة الروح بعد الموت في حلّة جسد جديد.
كما تناول الكتاب في الفصل الخامس مفهوم القيامة أو يوم الدينونة، مستعرضاً ما جاء في أغلب الأديان، والمذاهب والطوائف، وكبار المتصوفة، والكوميديا الإلهية ورسالة الغفران.
أما في الفصل السادس فقد تكلم الكتاب عن عملية الاستنساخ على الكائن البشري، والغاية من طرح هذا الموضوع هو الإجابة عن السؤال والذين فيه كثير من الهواجس.
“هل تلك الجوهرة الروحية أي النفس الناطقة الإنسانية ستسكن هذا الجسد المستنسخ من خليّة جذعية وليست جنسية؟.
وفي الخاتمة يتناول الكتاب رأي المؤلف فيما سبق ذكره من طروحات وآراء ومواقف حيث يقول:
“أميل الى الاعتقاد بنظرية التفحص، وأن العالم الروحاني سبق العالم المادي في بداية التكوين، وأن النفس الإنسانية موجودة في بدن جسماني لا تفارقه أبداً. كذلك النفوس الإنسانية ثابتة العدد عند إبداع العالم الروحاني، وأن الجنّة والجحيم هي خاتمة مسار النفس الإنسانية في عبورها من دار الدنيا الى دار الآخرة.

[/su_spoiler]

[su_spoiler title=”الدروز بنو قحطان من عربٍ  ” open=”no” style=”default” icon=”plus” anchor=”” class=””]

إِنَّ الدُّرُوْزَ بَنُوْ قَحْطَانَ، مِنْ عَرَبٍ
تاريخُهُمْ قِيَمٌ، بأسٌ، ومُتَّحدٌ
دَانُوا على وَثَقٍ باللهِ، واحِدِهِمْ
هُمْ مُسْلِمُوْنَ على القُرْآنِ، لا جَدَلٌ
العَقْلُ منهجُهُم، والصَفْحُ عادَتُهُمْ
أَفْعَالُهُمْ صَدَحَتْ، سَامَتْ شجاعَتَهُمْ
هُمْ فِرْقَةٌ دَرَسَتْ إِسْلامَهَا بنُهًى
أَحْيَوا “بفِطنتِهم” للدِيْنِ جَوْهَرَهُ
دينٌ أَتى لجمِيعِ الخَلْقِ قاطِبَةً
أَهْلُ الوَفَاءِ فما خَانُوا ولا نَقَضُوا
سَلْ عَنْهُمُ كُتُبَ التاريخِ مُذْ وُجِدُوا
بَاهَتْ عَشَائِرُهم دَوْمًا بما حَفِظُوا
خاضوا الحُرُوْبَ دِفاعًا عن كَرَامَتِهِمْ
أَفرادُهُمْ سَكَنَتْ فِيهِمْ مُرُوءَتُهُمْ
مَاجَتْ بِهِم كِبَرًا دُنْيَاهُمُ وَرَوَتْ
مَنْ مِثْلُهُمْ جَمَعُوا دِيْنًا وَفَلْسَفَةً
الظُلْمُ لاحَقَهُمْ في رَأْيِهِمْ حِقبًا
كَانَتْ وَمَا بَرَحَتْ تغلي بأُمَّتِنَا
فارْكُنْ كَما رَكَنَتْ أَخْيَارُنا بِصَفًا
قالوا: الدروزُ، وتاهوا في مَغَالِطِهِمْ

أَقْحَاحَ، ما هَجُنُوا نَسْلاً، وقَدْ عَرِقُوا
إِيْمَانُهُمْ صَمَدٌ، يَزْدَانُهُ خُلُقُ
لا غَيْرُهُ هَدَفًا، والفِكْرُ مُؤْتَلِقُ
فَهْوَ الكِتَابُ بِهِ نَالَوْا هُدًى وَرَقوا
بالعَدْلِ إِنْ حَكَمُوا، والصِدْقِ إِنْ نَطَقُوا
فِيْمَا شَجَاعَتُهُمْ ضاقَتْ بِهَا الأُفُقُ
دَرْساً تَمَثَّلَ في نَهْجٍ بِهِ عُمُقُ
بالخير قد شرحوا في الأصل ما حذقوا
للمُسْلِمِينَ خُصُوصًا، والهُدَى طُرُقُ
عَهْدًا لَهُمْ أَبَدًا، يَوْمًا، ولا خَرَقُوا
تُنْبِئْكَ: غَيْرَ رياضِ الخيرِ ما طَرَقُوا
لِلْعُرْبِ من نَسَبٍ سَامٍ، وما رَفِقُوا
مُسْتَبْسِلِينَ، فَما هَانُوا ولا خُرِقُوا
هُمْ هَكَذا دَرَجُوا، لِلْبَذْلِ قد خُلِقُوا
كُبْرَى المنابِرِ ما أَعْلَوا وما غدِقوا
عِلْمًا وَمَعْرِفَةً، ما قد بها سَبَقُوا
لا رأيَ مُحْتَكِمًا للجَهْلِ، فانغلقُوا
رُوْحُ الأَنا، وأَنَا إنْسانِنَا حَمَقُ
لِلْعَقْلِ يَرْدَعُنا عَمَّا بِهِ صَفَقُ
لو أنَّهُمْ عَرَفُوا، كانوا، أَجَلْ، صَدَقُوا
شعر: راجع نعيم

[/su_spoiler]

[/su_accordion]

تقنية زراعة الاشجار المثمرة

تشكّل الأشجار المثمرة الجزء الأهم والأساس من الزراعة وتعتبر ثمارها مصدر غذاء للإنسان كما أنها تعد مواد خام ضرورية للصناعات الزراعية الغذائية.
ولثمار الأشجار المثمرة فوائد طبية عالية وعناصر غذائية مختلفة كالبروتين والفيتامينات والأحماض والدهون…إذ تساعد الإنسان بعد تناولها على الهضم وتليين الجهاز العصبي والألياف وتنظيم الدورة الدموية.
إنّ علم الأشجار المثمرة يهتم بدراسة وتنظيم وتأهيل الأشجار المثمرة وتطوير إنتاجها اقتصادياً ويدرس الأعمال الحقلية من تقليم وري وحراثة وتنظيم أثمار وتسميد (حسب الحاجة) ومكافحة، إذا لزم الأمر، والقطاف للحصول على أفضل انتاج من حيث الجودة والكمية وتطبيق جميع الوسائل الحديثة.
يجب أن يبقى المزارع حراً طليقاً ولا يقيد أو يرتهن لشركات التصدير خاصة المنتجة للنباتات الزراعية؛ لأن الدعاية وطرقها تجعل المزارعين يعتقدون أن هذه الأصناف الجديدة هي المنقذ الوحيد لهم من عبء الغلاء (خاصة المعيشة منها). معظم هذه الأصناف الجديدة هي معروفة منذ القدم ولا زالت عند المزارعين المحترفين والذين يتقيدون ولا يؤمنون بالدعاية خاصة التجارية منها الخاضعة لمؤسسات غير حكومية (الشركات الأجنبية) التي تروجها على أنها أفضل الأصناف مثل التين والزيتون والرمان والكرمة والكرز وغيرها؛ ثم استبدالها ببعض الأصناف المحدثة وراثياً مما أدى ذلك إلى وضع المزارع “بين السندان والمطرقة” ويقف مكتوف الأيدي أمام هذه الحيلة. لذلك، أصبح المزارع مرتبكاً وغير قادر على اتخاذ القرار مما أدى إلى إهماله لأرضه ومزروعاته وبالتالي انخفاض إنتاجه ومزاحمته بالأصناف المعدلة وراثياً.
ونجد أن التراجع الكبير الذي حصل في أواخر القرن الماضي وبداية الحالي يتطلب جهداً لإعادة التوازن بين الانتاج والاستهلاك والتصدير من جهة أخرى.
لذلك تأتي اقتصادية الأشجار المثمرة بعد الأعمال المدروسة التي ينفذها المزارع في أرضه. إن الأرض والرجوع إليها هي الملاذ الأساس في حياتنا لذا يستحسن القيام بدراسة العوامل التالية.

المناخ
دراسة المناخ يتيح لنا معرفة الأصناف التي يجب زرعها والتي تعطي مردوداً اقتصادياً وفيراً وليس كما كان في السابق، فقد أهدرت بعض مساحات الأرض لتجربة أصناف جديدة بلا جدوى لأنها لا تنمو إلا على ارتفاع معيّن وفي تربة خاصة مثل زراعة أشجار المشمش على ارتفاع 1300 متر عن سطح البحر غير مجدية لأنها تحتاج إلى حرارة مرتفعة نسبياً في مرحلة الأزهار.
1- الحرارة: تحتاج الاشجار المثمرة الى حرارة مختلفة باختلاف
اصنافها، فمنها ما يحتاج إلى البرودة ومنها إلى حرارة معتدلة وأخرى إلى معتدلة دافئة شتاء.
2- الامطار: تنجح الاشجار المثمرة في المناطق التي يزيد فيها
معدل الأمطار عن 700 مم سنوياً خاصة في الأراضي البعلية.
3- البرودة: تحتاج بعض اصناف الاشجار المثمرة الى البرودة
خلال فصل الشتاء من اجل مرحلة السكون والراحة التي تمر بها اي ايقافها عن النمو.
4- الارتفاع عن سطح البحر: تزرع الاشجار المثمرة في الاماكن
حسب ما تحتاجه من ارتفاع ملائم لها ومدروس اقتصاديا.

موقع الارض
1- التربة الملائمة: تعتبر التربة من العوامل الهامة لنجاح زراعة
الأشجار المثمرة وإنتاجها وتأتي في الدرجة الثانية بعد عامل المناخ.
2- المسافات الزراعية: تختلف المسافات من صنف لأخر وحسب
حجم وعمر الأشجار وطبيعة التربة وخصوبتها وحسب الأصل الجذري المستخدم.
3- عمق التربة وخصوبتها: تحتاج الاشجار المثمرة الى تربة عميقة،
منها ما يحتاج إلى تربة عميقة لأن جذرها وتدياً ومنها ما يحتاج إلى تربة متوسطة العمق بين (150-200سم) وآخر إلى أقل من ذلك وكذلك حسب أنواع الأشجار وأحجامها.
4- استصلاح الارض: القدرة على استصلاح الارض وتسطيبها
إذا كانت منحدرة على أن لا يزيد انحدارها عن 40%.
5- الطرقات: قرب البساتين من الطريق عامل هام في الزراعة
لتوفير تكاليف وعناء المزارع من توصيل الشتول والمعدات المستعملة للزراعة والأسمدة العضوية وغيرها وكذلك نقل الإنتاج إلى الاسواق.
6- الري: إيجاد مصدر مياه للري لمساعدة الأشجار على اجتياز
الحرارة الشديدة في الصيف كما حصل في هذا العام خاصة في بداية نموها.
في مطلع الأربعينيات، دخلت الأشجار المثمرة المحسنة في بلاد المنشأ إلى لبنان كزراعات مربحة ولاقت شهرة واسعة وبدأت تحتكر من قِبل المتمولين للاتجار بها. أخذ بعض المزارعين بقطع أشجار الزيتون والتفاح والتين والرمان وغيرها واستبدالها بأشجار الدراق والخوخ والمشمش على سبيل المثال.
بعد ذلك، قام أخصائيون في أوروبا وبعض البلدان المتقدمة في مجال الزراعة بالعمل على تأصيل الأشجار المثمرة اقتصادياً. وتمّ استقدام بعضها إلى لبنان لأخذ المطاعيم منها وتطعيمها على الأصول البرية من قِبل تجار حصريين وأصحاب مشاتل وبدأت عملية الإكثار بعدة طرق. فالأشجار المثمرة تبدأ في الإنتاج بعد زراعتها بعدة سنوات. أما في وقتنا الحالي، تبدأ الأشجار بالإنتاج في السنة الثانية خاصة الأصناف المطعمة على أصول جذرية.

وبعد استصلاح الأرض، تنفذ الاعمال التالية:
1. الحراثة:
تحرث الأرض على عمق 40 سم تقريباً على جرار جنزير ثم تحرث حراثة سطحية بواسطة فرامة لتسوية سطح التربة وتكسير الكتل الترابية.

2. تخطيط الأرض:
طرق الغرس كثيرة أفضلها الشكل المثلث والمربع مما يتيح زرع أكبر عدد ممكن من النصوب. يتم تخطيط الأرض لتحديد موقع النصوب وتكون المسافة بين خطين متوازيين 3،5 متر للتفاح و4،5 متر للكرز وبين شجرة وأخرى 3،5 متر للتفاح و4،5 للكرز. كما إن هذه المسافات بين الخطوط تتيح المجال لاستخدام الآلات الزراعية مثل جرار الحراثة وغيرها. 3. حفر الجور:
بعد هطول الأمطار لأول مرة في فصل الخريف (عندما تروي الأرض)، تحفر جور في الأماكن المحددة على عمق 50 سم وعرض 50 سم تقريباً. ويوضع في قاعها حوالي 2 كلغ من السماد العضوي المخمر وخلطها مع التراب في قاع الحفر. تزرع الغراس بعد تساقط أوراقها (أواخر فصل الخريف وأوائل فصل الشتاء) لأن الأوراق تستمر في عملية التبخر خاصة إذا ما ارتفعت الحرارة نسبياً، مما يؤدي إلى جفاف البراعم وبالتالي الغراس.

4. الشتول أو النصوب:
إن حاجة 10 دونم من أشجار التفاح والكرز 500 شجرة، عمرها بين سنة وثلاث سنوات، كي تدخل في الإنتاج بعد عام من زراعتها في الأرض المستدامة. أما مصدرها، فمن المفضل أن يكون من مشاتل موثوقة ومدروسة من حيث النوعية الجيدة والاقتصادية وخلوها من الآفات الزراعية ومرغوبة في السوق المحلي.

5. التسميد:
تحتاج أشجار التفاح والكرز نسب عالية من العناصر المعدنية خاصة عند مرحلة النمو والإثمار. فإن جميع أنواع الأتربة تحتوي على العناصر الضرورية للأشجار بنسب مختلفة وبحسب أنواعها، مثلا: التربة الطميية أغنى أنواع الأتربة والتربة الرملية أفقرها. لذا، يستحسن وضع الأسمدة العضوية البلدية المخمرة كالسماد الحيواني والأسمدة الكيميائية الضرورية وحسب الحاجة.

6. التقليم:
يعتبر التقليم من أهم الأعمال الحقلية للأشجار المثمرة لأنه من الأعمال الأساسية لزيادة الإنتاج وجودة الثمار وزيادة عمر الشجرة اقتصادياً. إن عملية تقليم الأشجار يساعدنا على التحكم بطبيعة نموها. فإن أفضل الأشكال في التقليم هو الشكل الكأسي حيث يكون الإنتاج من الخارج والداخل ويسمح هذا الشكل بدخول الشمس والضوء. تبدأ عملية التقليم بعد الغرس مباشرة على ارتفاع يتراوح بين 50 و70 سم ويفضل أن يكون الساق قصيراً لأنه يتعرض للعوامل الطبيعية من حرارة وصقيع. وبنفس الوقت، يجب الانتباه على أن يسمح بمرور الآلات الزراعية دون تضرر الأغراس. في العام الثاني، يبدأ التقليم التكويني وينتخب ثلاث أو أربعة فروع وتقص الفروع المتبقية. أما الفروع المنتخبة، فيقص نصفها العلوي على أن يراعى بقاء البرعم العلوي نحو خارج الشجرة. في العام الثالث، أيضا يستمر التقليم التكويني مع بدء تقليم تنظيم الأثمار خاصة في هذه الأصناف مبكرة الإنتاج. تقلم بنفس الطريقة على أن تراعى البراعم الثمرية ويكون هذا التقليم خضري وتنظيم إثمار في آن واحد. ومع تقدم عمر الأشجار، تزداد نسبة عملية التقليم لتنظيم الإثمار على التقليم الخضري للمحافظة على عمر الأشجار والحمل السنوي. وكذلك التقليم الإثماري يهدف إلى تنظيم الحمل بين الفروع والأغصان ليكون متساوياً نوعاً ما مع الإبقاء على بعض الفروع الثانوية لتكوين براعم ثمرية جديدة. أفضل توقيت لتقليم أشجار التفاح والكرز، يكون خلال الفترة الممتدة من تشرين الثاني وكانون الثاني أي بعد دخول الأشجار مرحلة الراحة والسكون وتساقط أوراقها.

7. حراثة الأرض:
يجب حراثة الأرض ثلاث مرات سنويا على الأقل خاصة في السنوات التي يقل فيها معدل تساقط الأمطار عن 700 ملم سنويا.

8. الري:
من المفضل توافر مصدر مياه للري لمساعدة الأشجار على اجتياز الحرارة الشديدة في الصيف كما حصل في هذا العام خاصة في بداية نموها وبعد زرعها في الأرض المستدامة لأن عندما تقلع النصوب من المشاتل يبقى قسم لا يستهان به من جذورها الشعرية الماصة في أرض المشتل وأيضاً تقلع قبل سقوط أوراقها وهذان العاملان يؤديان إلى ضعف الشتول وحاجتها إلى الري.

9. جني الانتاج:
تقطف ثمار الأشجار المثمرة قبل نضجها بحوالي الأسبوع كي تتحمل أعمال التوضيب والنقل والاستهلاك والتبريد. لكن لأصناف الفاكهه عدة مراحل للنضج حسب أنواعها؛ منها يتم نضجه خلال شهر آيار مثل الكرز وخلال شهر تشرين الأول مثل بعض أصناف التفاح. تعتبر الثمرة ناضجة عندما تأخذ الحجم واللون الطبيعيين لها وعندما يصبح مذاق الثمار يحتوي على القليل من المادة القابضة (البكتين). أما عند قطاف الثمار، فيجب مراعاة النقاط التالية:
• الانتباه لعدم الضغط على الثمار باليدين لأنه يؤدي إلى تلف الثمار بعد القطاف بوقت قصير.
• عدم جرح الثمار عند القطف.
• يجب قطاف الثمار برفق حيث تنفصل عند نقطة الالتحام بالغصن مع الانتباه إلى البراعم الأخرى التي يُعتمد على إنتاجها السنة القادمة.

مجموعات الأشجار المثمرة التي تنمو في المناطق التي تزيد عن 600 متر
1- التفاحيات: تضم التفاح، الإجاص،
السفرجل والزعرور.
2- اللوزيات: تضم الكرز، الدراق،
المشمش، الخوخ والجنارك.
3- الجوزيات: تضم الجوز، اللوز،
الكستناء، البندق والفستق
الحلبي.
4- الزيتون
5- الكرمة
6- التين
7- الرمان
8- الكيوي

200 دولة تتعهّد وقف تلويث المياه
بمخلفات البلاستيك

وقّعت 200 دولة في نيروبي في 6 كانون أول 2017 على قرار للأمم المتحدة يهدف إلى القضاء على التلوث الناجم عن إلقاء مخلفات البلاستيك في البحار والمحيطات، في خطوة على طريق إبرام اتفاقية دولية بهذا الشأن.
ولبيان خطورة الوضع قال برنامج الأمم المتحدة، الذي نظّم الاجتماع، إنه إذا استمر الحال على ما هو عليه فكمية البلاستيك في البحار ستكون سنة 2050 أكبر من كمية الأسماك، وأضاف أنّ 8 ملايين طن من مخلفات البلاستيك ترمى سنوياً في البحار وتتسبب بقتل كائنات بحرية وتدخل بالتالي في السلسلة الغذائية للإنسان.

درهم وقاية خير من قنطار علاج

تنقسم أمراض الإنسان عموماً الى قسمين:
1- أمراض وراثية تسببها جينات متوارثة من الأهل والأقارب.
2- أمرض مكتسبة خلال نمو جسم الإنسان وتفاعله مع المحيط.
وما يدخل جوفه يصبح جزءاً من تركيبته.
ولكن عموماً، يمكن القول أنه لا مرض من دون مسبب او عدة مسببات، (فيروسات ، بكتيريا)…
وفي العادة، وكجزء من معجزة الخلق، يدافع جهاز المناعة عن الجسم ويتصدى للمسببات. ولكن عندما يضعف هذا الجهاز، لأسباب عدة، يظهر المرض ثم يحاول أن يفتك بالجسم.
بداية يغيّر مسبب المرض (cause) وظيفة الأعضاء المستهدفة، ويغيّر طبيعة الأنسجة حيث تبدأ بعد ذلك عوارض المرض.
لذلك يلجأ الأطباء إلى تشخيص الحالة واقتراح ما يلزم للحد من تفاقمها ثم معالجتها. والأدوية هي بعض طريقة الأطباء في معالجة مسببات المرض أو الأمراض، وهم يصفون من الأدوية ما هو ضروري لمعالجة المسببات تلك.
لذلك تبدو الأدوية، وسواها، أداة معالجة مهمة حين يوصي بها أو يصفها الطبيب المعالج، ولكنها قد تؤدي إلى عكس المطلوب تماماً، أي إلى تفاقم المرض أو إلى ظهور مضاعفات غير مستحبة، حين لا تكون من اقتراح طبيب ولا تحت إشرافه.
فسوء استعمال الأدوية قد يسبب مضاعفات بحد ذاته. مثلاً في فصل الشتاء حيث تكثر أمراض جهاز التنفس والرشح، فقد يكون السبب فيروس وليس بكتيريا، فيأخذ المريض بدون معاينة طبيب أو وصفة منه، مضادات فلا تؤثر في الفيروس، بل تؤثر سلباً على مناعة جسم الإنسان وتجعل الجراثيم محصّنة ضدها حين تكون هناك ضرورة حقيقية لاستخدامها. ويموت سنوياً حوالي 500 ألف مريض بسبب عدم وجود مضادات حيوية مناسبة وفعالة ضد الجراثيم التي تكون قد اكتسبت مناعة.
هناك سباق بين اختراع أدوية جديدة سامة أكثر لتقتل الجراثيم. وبين سرعة الجراثيم في التأقلم مع الأدوية الجديدة لكي لا تؤثر فيها. حسب دراسات أميركية سنويا يسجل حوالي مليون مريض يعانون من التهابات حادة ولا يوجد مضادات حيوية فعالة ضد هذه الجراثيم، وذلك نتيجة سؤ استعمال هذه الأدوية من دون إشراف طبي دقيق ومناسب.
وقبل مرحلة المرض، وتفاقمه، تبقى المرحلة الأكثر أهمية الوقاية من المرض، وقبل حدوثه والحاجة من ثمة إلى علاجه. وقد قيل وبحق: “درهم وقاية خير من قنطار علاج.”
والخطوة الأولى، الطبيعية والمنطقية والضرورية، هي الوقاية من مرض العصر، بل لأكثرها شراً: التلوّث. يجب الوقاية من التلوث، الغذائي والمائي خصوصاً، لكي لا نصل الى مرحلة قابلية التعرض للمرض، ثم المرض. ومطلب الوقاية هذا مسؤولية الجميع: الحكومة ووزاراتها ومؤسساتها، البلديات، القطاع الخاص، وبمساعدة من الهيئات الدولية المختصة، لكنه أيضاً وربما قبل ذلك كله: مسؤولية الفرد نفسه.

التلوث الغذائي والمائي..
الوقاية قبل العلاج
كل ما يدخل جسم الإنسان يصبح من مكوناته.
يجمع الاختصاصيون والباحثون على أنّ تزايد أعداد المرضى في جميع الفئات العمرية في لبنان هو إلى حد كبير نتيجة التلوث الغذائي والمائي والهوائي. وهذا ما يظهر عند الناس حسب الفصول. في الصيف مثلاً تكثر أمراض الجهاز الهضمي والتسمم الغذائي. ومن موقع المسؤولية والحرص، كان وزير الصحة السابق الأستاذ وائل ابو فاعور قد أطلق للمرة الأولى حملة ’سلامة الغذاء’ فأظهرت ما لم يكن بالحسبان أو متوقعاً من تساهل حيال مطابقة ما يقدّم من غذاء أو ماء للمواصفات والمعايير الصحية المعترف بها دولياً.
وفي هذا السياق، تم توقيع اتفاق تعاون بين وزارة الصحة والجامعة اللبنانية حيث تم إنشاء المركز الوطني لجودة الدواء والغذاء والماء والمواد الكيميائية وباشر المركز بفحص العينات الغذائية ولاحقاً الماء ويرسل المركز النتائج الي وزارة الصحة حيث يجري تحديد مدى مطابقتها أو عدم مطابقتها للمعايير العلمية العالمية المعتمدة. وللأسف الشديد فقد أظهر فحص أكثر من سبعة الآف عينة من مختلف المناطق وعلى محتلف الأنواع التي أجريت عليها الفحوصات تبين أن نسبة كبيرة منها ( 55%) ملوثة بنوع أو أكثر من الجراثيم الخطيرة على صحة جسم الإنسان. بل إن نسبة عالية من مياه الشرب، حتى للمدارس، ملوثة بعدة أنواع من الجراثيم. كما بيّنت فحوصات على ألف عينة من اكثر المسابح وعينات من شاطئ البحر وجود أنواع خطرة من الجراثيم، بالإضافة إلى كميات عالية جدا من الكلور في المسابح التي يمتصها جلد الإنسان وتشكل خطراً على الكبد، إلى مشاكل أخرى.

نظام غذائي صحي
ضيافة بعض رجال الدين تراثيا كانت عبارة عن الزبيب والمكسرات الجافة :
الزبيب:
بكافة أنواعه الأصفر الأسود والبني (عنب تم تجفيفه) يحتوي على مخزون عالي من الطاقة والسكريات والبروتين ويخلو تقريباً من الدهون والكثير من المعادن، الكالسيوم، الفوسفور، الصوديوم، الزنك، النحاس، الفلورايد، والسلينيوم والفيتامينات و18 حمضاً امينياً والألياف ومضادات الأكسدة وهو عامل وقاية من أمراض القلب والشرايين وهشاشة العظام وبعض السرطانات (الثدي والبروستات) وعلاج الإمساك ومناسب لمرض السكري النوع الثاني.

المكسرات الجافة على انواعها:
عرض الباحثون من كلية الطب بجامعة هارفارد أكبر وأوسع دراسة طبية تتم حتى الآن حول التأثيرات الصحية الإيجابية لتناول المكسرات على صحة القلب والأوعية الدموية.
من مجلة الكليّة الأميركية لطب القلب journal of the American College of Cardiology شمل الباحثون في دراستهم اكثر من 210 آلاف شخص، تمت متابعتهم لمدة تتجاوز 32 عاماً، وذلك لمعرفة حقيقة العلاقة بين تناول المكسرات وصحة القلب والأوعية الدموية.
وتعتبر أوساط طب القلب هذه الدراسة أنها الأكبر حتى اليوم في بحثها حول تأثيرات وتيرة استهلاك الجوز وغيره من أنواع المكسرات على الإصابة بأمراض القلب والأوعية الدموية.
وأفادت نتائج الدراسة بأن الناس الذين يتناولون المكسرات بانتظام، بما في ذلك الجوز وبقول الفول السوداني والأنواع الأخرى من المكسرات، تنخفض لديهم مخاطر الإصابة بأمراض القلب والأوعية الدمويّة cardiovascular disease، وبالذات أمراض شرايين القلب التاجية coronary heart disease، وذلك مقارنة مع الناس الذين لا يتناولون المكسرات أبداً أو يتناولونها في النادر.
وأفاد الباحثون في الدراسة التي حملت عنوان “تناول المكسرات ومخاطر الإصابة بأمراض القلب والأوعية الدموية” .
ووجد الباحثون في نتائج دراستهم أنّ الذين يتناولون حصة غذائية

مرتين أو أكثر في الأسبوع من أنواع المكسرات الاخرى tree nuts، أي إمّا من اللوز أو من المكسرات البرازيلية أو الكاجو أو الكستناء أو البندق أو مكسرات الماكاداميا أو البقان أو الفستق أو الصنوبر، ينخفض لديهم خطر الاصابة بأمراض القلب والأوعية الدموية بنسبة 15 في الماية، كما ينخفض لديهم خطر الإصابة بأمراض شرايين القلب التاجية بنسبة 23 في الماية، وذلك بالمقارنة مع من لا يتناولونها.
إنّ نتائجنا تدعم التوصيات الموجهة لزيادة تناول مجموعة متنوعة من المكسرات، كجزء من الأنماط الغذائية الصحية، للحد من خطر الإصابة بالأمراض المزمنة لدى عامة الناس.
الواقع إن المكسرات بالعموم تعمل على خفض نسبة الكولسترول في الدم، وعلى حماية الشرايين القلبية والدماغية، عبر أربع آليات:
1 -الآلية الاولى: إن تناول المكسرات يعني منتجاً غذائياً خالياً
من الكولسترول بالأصل. ومعلوم أن الكولسترول لا يوجد على الإطلاق في أي منتج غذائي نباتي المصدر، سواء كان حبوباً او بقولاً أو مكسرات أو زيوتاً نباتية طبيعية بأنواعها المختلفة، وإنما مصدر الكولسترول في الغذاء هو المنتجات الحيوانية، مثل اللحوم والأسماك والبيض ومشتقات الألبان والسمن والحيوانات البحرية وغيرها.
2- الآلية الثانية: إن تناول المكسرات يدخل إلى أجسامنا
دهونا ذات نوعية عالية الجودة من الناحية الصحية. ذلك أن الأونصة الواحدة (28غراماً) من الفستق على سبيل المثال تحتوي على كمية تقارب 13 غراماً من الدهون. و90 في الماية من الدهون الموجودة في الفستق هي من نوع الدهون غير المشبعة. ومن هذه الدهون غير المشبعة، تشكل الدهون الأحادية غير المشبعة نسبة 60 في االماية. كما تشكل الدهون الكثيرة غير المشبعة نسبة 30 في الماية، أي أنه زيت يشبه في تركيبة زيت الزيتون.
3- الآلية الثالثة: تحتوي المكسرات على مواد فايتوستيرول
المساعدة على خفض امتصاص الأمعاء للكولسترول الموجود فيما نتناوله من أطعمة حيوانية المصدر. وحينما يتناول الإنسان هذه المنتجات النباتية فإنه يقدم لأمعائه مادة طبيعية مهمتها العمل على منع امتصاص الكولسترول الذي نتناوله ضمن الأطعمة الحيوانية المصدر.
4- الآلية الرابعة: جميع أنواع المكسرات غنيّة بالألياف
الغذائية الطبيعية، وهي التي تعمل على خفض امتصاص الأمعاء للكولسترول وإبطاء امتصاص الأمعاء للسكريات. ولذا فإن نصائح التغذية الصحية تتضمن النصح بتناول ما بين 30 غراماً للرجال، و25 غراماً للنساء، من الألياف يوميا.

المكسرات غنية بالألياف الغذائية، التي تعمل على خفض امتصاص الأمعاء للكولسترول والسكريات
المكسرات غنية بالألياف الغذائية، التي تعمل على خفض امتصاص الأمعاء للكولسترول والسكريات

أمراض تكثر في فصل الشتاء
نوبات التهاب الجيوب الأنفية: الجيوب الأنفية هي مساحة رطبة من الهواء تقع بين العين والجزء الخلفي للجبهة والأنف والوجنتين. وفي الوضع الطبيعي يتم تصريف المخاط الموجود في الجيوب الأنفية عبر فتحات صغيرة في الأنف.
ويحدث التهاب الجيوب الأنفية المزمن حين يتسبب جهاز المناعة في حدوث التهاب يؤدي بدوره إلى تورم داخل الغشاء المبطن للجيوب الأنفية. يمكن أن يؤثر ذلك على عملية تصريف المخاط مما يؤدي إلى تراكمه، ويصبح التنفس صعباً، ويشعر المصاب بضغط مؤلم في المناطق العليا من الوجه، مثل الجبهة، والوجنتين، والجزء الموجود وراء الأنف، أو الذي يقع بين العينين أو يقع وراءهما.
قد ينتج التهاب الجيوب الأنفية المزمن أيضاً عن انسداد في ممرات التصريف داخل الجيوب الأنفية، بسبب ورم أنفي أو سليلة ورم مخاطي polyp على سبيل المثال تكونت نتيجة التهاب في الانسجة. قد تحدث هذه الحالة أيضاً كثيراً لدى الأشخاص المصابين بالربو، أو التليف الكيسي، أو نقص المناعة. وعادة ما يبدأ إلتهاب الجيوب الأنفية المزمن بنوبات مزعجة تستمر لعدة أيام أو أسبوع، فاذا استمرت الأعراض لمدة أطول من أسبوع، أو ازدادت حدتها، بحيث تضمنت إفراز مخاط كثيف لا لون له، فأنت في هذه الحالة تكون مصاباً بعدوى في الجيوب الأنفية، وهي حالة كثيراً ما تتحسن في غضون أربعة أسابيع سواء تناولت مضادات حيوية أم لا. لكن إذا لم تتحسن الحالة يصبح التهاب الجيوب الأنفية مزمناً.
لا يوجد علاج لالتهاب الجيوب الأنفية المزمن، وبمجرد أن تتكرر الإصابة، فستواجه دائماً خطر حدوث نوبات. ويكون الهدف حينئذ هو السيطرة على الأعراض حين تظهر واتخاذ الخطوات اللازمة للوقاية من الإصابة بالمزيد من النوبات.
تشير أكثر الأدلة إلى أن أفضل طريقة لتخفيف حدة الالتهاب والأعراض هي استخدام بخاخ أنف ستيرويدي يومياً مثل الفلوتيكازون Fluticasone (فلوناز Flonase)، أو تريامسينولون Triamcinolone (نازاكورت ايه كيو Nasacort AQ) رينوكورت اكوا Rhinocort Aqua.
رغم أن تلك البخاخات متاحة دون وصفة طبية، فقد يكون لها آثار جانبية مثل نزيف الأنف، أو قد تتسبب في حدوث ثقب داخل حاجز الأنف، وهو النسيج الفاصل بين الممرين الموجودين في الأنف. ويكون من الضروري أحياناً إجراء جراحة منظار في الجيوب الأنفية من أجل فتح الجيوب الملتهبة وإزالة الانسدادات أو السليلات. بمجرد السيطرة على التهاب الجيوب الأنفية المزمن يمكنك اتخاذ خطوات للمساعدة في منع الإصابة به مرة أخرى: تنظيف ممرات الأنف يومياً بمحلول ملحي، الامتناع عن التدخين وتفادي التدخين السلبي، إجراء إختبار حساسية إذا كنت تعرف الأشياء التي تصيبك بالحساسية، فيمكنك محاولة تفادي تلك المسببات ومحاولة تجنب التعرض لها.

اخبار طبية
متفرقة

◄ من تقرير “هيومن رايتس ووتش”: ينتج لبنان سنوياً 25040 طناً من النفايات الطبية.
5040 طناً منها نفايات معدية و3334 طناً نفايات صناعية خطيرة وبسبب غياب الرقابة تختلط النفايات الطبية والخطيرة مع النفايات المنزلية.
وفي تقرير مشترك لوزارة البيئة في لبنان مع برنامج الأمم المتحدة عام 2010 يلفت أن 2% من المختبرات الطبية الخاصة و33% من المستشفيات الخاصة و20% من المستشفيات الحكومية فقط تعالج نفاياتها والباقي تختلط مع النفايات المنزلية وتزيد المخاطر على الصحة العامة.

◄ أرقام ملفتة: نصف مليون شخص يموتون سنوياً في العالم نتيجة تلوث الهواء الذي يسبب أمراضاً في الجهاز التنفسي والرئتين. في لبنان، نسبة الربو تضاعفت أربعة أضعاف عند الأطفال عمّا كانت عليه قبل 20 عاماً و17% من عينات من اللحوم والبيض والحليب تحتوي ترسبات من المضادات الحيوية التي تعطى للدواجن والحيوانات على أنواعها التي يتم ذبحها.

المدرسة الرسمية هي الحل!

المدرسة الرسمية هي الحل!

تفتح باب “مشكلات اجتماعية”، إيماناً منها أن هناك مشكلات اجتماعية بالفعل، ولا يحتاج الأمر إلى أكثر من ملاحظة مظاهر القلق والاضطراب وعدم الاستقرار التي تسود حياة العائلات اللبنانية، كما المجتمع عموماً. ولأنّ هي مجلة ثقافية ملتزمة أخلاقياً تُلاقي طموحات الناس فهي لا تستطيع تجاهل مظاهر القلق والاضطراب وعدم الاستقرار الاجتماعي.

في الحلقة الأولى من هذا الباب رأينا أن نفي عدداً من المسؤولين التربويين الذين عملوا طويلاً في خدمة المدرسة الرسمية وتلامذتها ومجتمعها ثم أحيلوا إلى التقاعد، بعض ما لهم من حق معنوي على المجتمع. ما نقدّمه من شهادات رمزية من بعض الرسميين السابقين هؤلاء يهدف أيضاً إلى الإفادة من خبراتهم وملاحظاتهم ليتوقف عندها المسؤولون الرسميون اليوم، كما الأهالي، إذ من دون تعاون المسؤولين الرسميين والمجتمع الأهلي لن تستعيد المدرسة الرسمية، وبخاصة في مستواها الابتدائي والمتوسط، السمعة الطيبة التي كانت لها. أما قناعتنا التي نعبّر عنها صراحة فهو أن تغييب المدرسة الرسمية هو في أصل الأزمة الاجتماعية في لبنان، وربما خارج لبنان أيضاً، وأن الحل للكثير من مشاكلنا ربما يبدأ بالمدرسة الواحدة، والمنهاج الواحد، والكتاب المدرسي الواحد.

تجدد تحيتها لهؤلاء الروّاد، وهي ستستكمل الملف بلقاء تربويين آخرين تركوا الخدمة الفعلية أو يزالون في موقع المسؤولية.

[su_accordion]

[su_spoiler title=”مشكلات المدرسة الحالية  رياض اللحام
مسؤول دائرة التربية
في عاليه سابقاً
” open=”no” style=”default” icon=”plus” anchor=”” class=””]

يسعدني أن أقدّم لمجلة ، التي أحترم جداً، توضيحاً لبعض الأفكار حول التعليم بصورة عامة والرسمي منه بصورة خاصة، وهو نتاج فترة طويلة قضيتها في التعليم وفي المسؤولية. منها ما يتصل ببعض الممارسات الخاطئة، ومنها ما يتصل بتربية الأهل لأولادهم تربية صالحة تساعد المدرسة إلى حد بعيد. كل ذلك أحدث تراجعاً وتقهقراً في المدارس وكأننا في مرحلة استرخاء أو ترهل، سمّها ما شئت وهذا القول سيزعج البعض إن لم يكن الكثيرين من العاملين في قطاع التربية هذه الأيام خاصة في التعليم الرسمي. وأنا ما كنت ولن أكون يوماً لأزعج أحداً ولكن طالما سأكتب لابد أن أبدا بالاعتذار ممّن يعنيهم الأمر ولا أعني أحداً منهم بالتحديد بل هي بعض الأفكار والاستنتاجات فقط .

لم يعد المعلم معلماً تقع على عاتقه مهمة تربية الأجيال وتثقيفهم وتوجيهمم وتوعيتهم وزرع روح المحبة فيهم وروح الوطنية الصادقة إضافة إلى أن بعض المعلمين يريدون أن تكون المدرسة على مسافة قريبة من سكنهم أو تكاد تكون ملاصقة له، أنا لا أقول بإبعاد المعلم عن مكان إقامته كثيراً وهذا ما يوفر له وقتاً لانتقاله وكلفة مادية لذلك، بل أريد القول إنّ وجود المعلمين في مناطق بعيدة لحد ما يخلق جواً من الألفة والمحبة والأخوة والوطنية الصادقة بصورة خاصة وحسن التعاطي مع الآخرين، وهذا ما ينطبق أيضاً على توزيع وإلحاق عناصر قوى الأمن سابقاً أيضاً حيث لا تنقطع العلاقة بين المتحابين بل تدوم على مدى الحياة عند أكثرهم (لانزال حتى اليوم نذهب لزيارات زملاء لنا سابقين في مناطق كسروان وبشري وطرابلس وبعض قرى الجنوب وسواها والعكس صحيح بالنسبة إليهم).
ونسي البعض أن المعلم هو المثل الأعلى لتلامذته، أناقة وتربية وحسن تصرف ومرونة مع قسوة ضمن الحدود عند الحاجة .

وهذا الأمر وسواه يجب أن يلقى على عاتق مدير المدرسة حيث هو بالنسبة للمعلمين الأخ الأكبر والمسؤول الأول عن كل ما يحدث في المدرسة بمساعدة ومعاونة ومراقبة التفتيش التربوي، أللهم إذا كان المدير على المستوى المطلوب بمسلكه وشخصيته ونظافة كفّه وأناته وصبره وحُسن تعاونه مع المعلمين والتلامذة والأهل والمجتمع وقدرته على حل جميع المشاكل التي تواجهه مهما كانت.

فالإدارة فن وعلم لا يستغني الواحد منهما عن الآخر، والفن في الإدارة هو اتقان فن التعامل وعدم اللجوء إلى استدعاء التفتيش التربوي لكل شاردة وواردة، فالمدير سيد مدرسته والأعلم بحالها وواقعها ومحيطها (أعطه كل ما تحتاج المدرسة واتركه يعمل وراقبه) والمهم أيضاً أن لا يكون تكليف المدير لأسباب غير تربوية. ثم أن لا ينقل أو يكلف أو يعين أي مسؤول تربوي في الإدارة مديراً لمرحلة معينة أو رئيساً لمنطفة تربوية أو رئيساً لدائرة تربوية دون دراسة ملفه الشخصي ومستواه العلمي واختصاصه الجامعي الذي يتلاءم مع عمله التربوي وإجراء مقابلة شخصية معه من قبل هيئة تربوية متخصّصة ومسؤولة وإخضاعه لدورات تدريبية في معهد الإدارة في مجلس الخدمة المدنية.

وأقترح أن لا تكون مدة تكليف مدير المدرسة لأكثر من خمس سنوات ثم ينقل إلى إدارة مدرسة أخرى كي لا يحرم حقه وكي لا يعتقد أن المدرسة أصبحت ملكاً له وكي يستفاد منه في أكثر من مدرسة بسبب خبرته ونجاحه. وأودّ أن أشير إلى مسألة هامة، كانت مناقلات أفراد الهيئة التعليمية تجري على أسس و قواعد مدروسة حيث كانت لجنة من العاملين الناجحين في مديرية التعليم الابتدائي تجتمع خلال العطلة الصيفية في مدرسة قريبة من مستشفى رزق في الأشرفية لأيام تتجاوز الشهر أحياناً، تدرس خلالها أوضاع كل مدرسة رسمية في لبنان وكل صف من الصفوف في كل مرحلة من المراحل ووضع كل معلم من طالبي النقل واختصاصه والمادة التي يدرس، ثم تتم المناقلات بحسب حاجة كل مدرسة ووضع كل مدرس.

أما عن الدوام وحصص التدريس فالفرق شاسع جداً بين اليوم والأمس، حيث إنّ ساعة الحضور إلى المدرسة كانت تمام السابعة والدقيقة الخمسين تماماً للمعلمين، وبالنسبة للمسؤولين، إدارة ونظار، قبل ذلك بثلاثين دقيقة. وكانت حصة التدريس لا تقل عن خمس وخمسين دقيقة، واستراحة صباحية لمدة عشرين دقيقة بين الحصص الأربعة الأولى ثم استراحة طويلة لمدة ساعتين نعود بعدها للتدريس لحصتين، ولا نترك المدرسة قبل الرابعة عصراً، وكان البعض منا يعود مساءً لمدة لا تقل عن الساعة غالباً لتدريس صفوف الشهادات أو التلامذة غير الناجحين (وذلك دون مقابل مادي طبعاً). أما اليوم فحصص التدريس هي سلفاً، وفي بعض المدارس ذات الدوامين لا تزيد الحصة عن الثلاثين دقيقة وفي ذلك خطأ كبير. هذا وكان المدرس لا يخرج من صفه إلا بعد أن يُنهي واجبه ولو أدى ذلك إلى إزعاج زميله الذي سيدخل بعده إلى الصف، بينما نرى اليوم بعض المدرسين يقف الواحد منهم على باب غرفة التدريس ينتظر قرع الجرس كي يخرج.

إضافة إلى ذلك، هناك نقص في بعص التجهيزات ووسائل الإيضاح والمكتبات وغرف المطالعة والمسرح وقاعة المحاضرات والندوات والمباريات في الإلقاء وما إلى ذلك. والأهم الأهم هو أن بعض المدارس الخاصة كانت تقوم على أكتاف بعض المعلمين الرسميين خاصة في مواد معنية كالرياضيات والعلوم واللغات حيث يسمح للمعلم أن يدرس بعد (أذن مسبق من المراجع المختصة).

أما عن هيئة تقييم أداء المعلم التي كنا وسوانا نقترحها دائماً في كل لقاءاتنا التربوية مع المسؤولين، وبخاصة مع الدكتور ريمون معلوف والأستاذ أميل الرامي، فأين هي كي تسجل هذه الهيئة في ملف المعلم مستواها ومدى إنتاجيته ونسبة نجاحة، فتقترح له ثواباً كمنحه وسام المعلم مثلاً (حيث أننا شهدنا في بعض المراحل السابقة) أوسمة تغدق من هنا وهناك لغير مستحقيها، مما ترك امتعاضاً لدى البعض. وأكتفي هنا بهذا القدر كي لا يفسر كل قارئ هذا الكلام على هواه، مع العلم أن البعض لم يطلب الوسام بل رفضه بغياب هيئة تقييم الأداء حيث يتساوى الناجح مع سواه.

وهنا اسمحوا لي أن أورد مثلاً أعتبره هاماً، مع أني أكره العودة إلى أيام الحرب الأهلية المشؤومة، فلسد غياب الدولة يومها لأسباب معروفة لدى الجميع عملت بعض المؤسسات المهمة في عدة مناطق على استمرار المدراس الرسمية وتقويتها وتأمين جميع مستلزماتها إدارة ومعلمين وتلامذة معتمدة على تغطية النقص في عدد المعلمين والحاجة إلى المواد الأساسية، فنجحت جداً لأسباب أولها وأهمها عدم التدخل سياسياً بأمر المدراس ثم تأمين الكادر الإداري والتفتيشي والمتخصصين في شؤون الإمتحانات، فنجحت وكان لها الفضل الأكبر في استمرار المدراس. ولأنه طُلب مني الاختصار، أكتفي بما كتبت وأعتذر من كلّ مَن لا يوافقني الرأي، فأنا الذي عاش التربية والتعليم والإدارة بكلّ جوراحه وأحاسيسه وقناعاته. أبديت وجهة نظري وأفصحت عن معاناتي، مع أنني أحلت على التقاعد منذ سبعة عشر عاماً.

[/su_spoiler]

[su_spoiler title=” واقع المدرسة الرسمية من ماضٍ مزهرٍ الى حاضرٍ مخيف سلمان نصر مسؤول مكتب المنطقة التربية في الشوف (سابقاً)” open=”no” style=”default” icon=”plus” anchor=”” class=””]

يُروَّجُ حاليًا في المنتديات الدولية، واجتماعات الخبراء والمختصين، بأن نشر التعليم على نطاقٍ واسع، يشكّل المدخل الأساسي للتنمية الاقتصادية والاجتماعية للبلاد والسكان؛ ولا بدَّ من إشاعة دعوة الحكومات الى إيلاء التعليم اهتمامها، وجعله من بين أهدافها المباشرة. وعُقدت في إطار ذلك قممٌ دوليةٌ كثيرة، من بين أهم أهدافها، تعميم التعليم الابتدائي والمتوسط.
أما نحن في لبنان، يجب الاعتراف أننا لم نولِ موضوع التربية الاهتمام اللازم، بعد الأحداث الأليمة، والحرب الأهلية العبثية، التي انفجر قدرها بين اللبنانيين، فكانت البوَّابة السوداء الفاحمة التي دخل الوطن منها الى أزمةٍ دامت مع تردُّداتها أكثر من ثلاثين سنة، طاولت بحريقها كلَّ شيءٍ، وفي مقدِّمها التربية والمدرسة بشكلٍ عام، والرسمية منها بشكلٍ خاص، مع ما رافق هذه الأخيرة من فوضى وخللٍ في النظام، وخروج معظم المعلمين عن احترامهم لقانون المدرسة، والانتظام العام فيها، وانتقال المعلمين قسرياً من مراكز عملهم بالحجة الأمنية، إلى حيث أمنهم وأمانهم وفق الطوائف والمذاهب والمناطق؛ مما رتَّب خللاً كبيراً في المدارس، تأتَّى من فائضً خرَّبَ المدارس التي حلَّ فيها ومن نقصٍ خرَّبها هو الآخر.
رُدَّ على ذلك بحلولٍ استثنائية، وسياسة ترميم لما هُدِّم. فاعتمد المسؤولون التعاقد بالساعة، والتعاقد الداخلي، والإتيان بمعلمين، هم بحاجة إلى تأهيل، وتدريب. زِدْ على ذلك، فوضى الإمتحانات الرسمية والنجاح الوهمي الكاذب، والوصول إلى مراتب علمية ووظيفية وهمية كاذبة، بنيل شهادات الحرب، ثم فوضى الانضباط المسلكي ضمن المدرسة الواحدة، وعمل كل شيء على حساب المدرسة والطالب فيها، كيف فالمدرسة بنت الدولة، وللمعلم الحق بقبض راتبه بعمل وبلا عمل…!! كأن المدرسة شركة ضمان ضد البطالة.
كل هذه الأمور مجتمعةً، بالإضافة إلى أسبابٍ تقنية وفنية، أدَّت إلى فقدان الثقة بالمدرسة الرسمية ومن فيها. والأخطر، أن هذه الثقة، لا زالت شبه مفقودة، أو بالأحرى، بين مدٍ وجزر. مع ثقتي بما أقول، أنه لولا الطلاب السوريين في المدارس الرسمية، لأقفل العدد الكبير منها.
التعليم الرسمي في لبنان، لم يأخذ شكل المؤسسات، وهو متخلِّفٌ زمنياً عن التعليم الخاص، وهو فوق ذلك مُثقلٌ بمشاكل الإدارة، ومصالحِ الطبقة السياسية والحاكمة في الدولة، وتدخُّلها المباشر الذي كان ولا يزال، السبب في عدم استقرار المدرسة الرسمية، كما أنه كان مثقلاً بقضايا مطلبية للمعلمين، بسبب حرمانهم من قبل الدولة.
علينا الاعتراف أن التعليم الرسمي قبل سنة 1975، استقطب 65% من تلامذة لبنان، وكان بمستوًى يضارع فيه التعليم الخاص، لا سيَّما المرحلة الثانوية.
بعد هذا التاريخ، تهاوى التعليم الرسمي، للأسف، لا سيَّما الأساسي منه، وهو لا يزال في ضعفه وتراجعه وهزاله، برغم كل محاولات التصدي لذلك.
ولكن يجب ألا ينتابنا اليأس، بل ضرورة الاستمرار باجتراح الحلول التي تعيد المدرسة إلى بريقها وازدهارها، في ظل ارتفاع كلفة التعليم، والظروف الاقتصادية الاجتماعية الصعبة.
ولذلك، نعود ونؤكد الحلول التي تقاطعت حولها الأفكار التربوية النظرية والعملية من أكثر من جهة؛ والتي توصل المدرسة الرسمية إلى المبتغى وهي باختصارٍ شديد:
1. في ظل سياسة تربوية جدية للدولة، يجب إعادة النظر بهيكلية
وزارة التربية، والإدارات التابعة لها بتطبيق اللامركزية الإدارية الموسعة؛ وإعطاء مدير المدرسة الصلاحيات اللازمة، ومراقبته ومحاسبته عند اللزوم، بعد تأمين حاجيات المدرسة.
2. إعادة النظر جذرياً بقضايا المديرين والمعلمين، إعداداً وتأهيلأ
وصلاحيات وأنظمة ثواب وعقاب، ووضع معايير دقيقة لاختيار المعلمين، وتحديث النظام الداخلي للمدارس بما يتناسب وروح عصر الإنترنت ومشتقاتها.
3. إعطاء المعلم حقوقه كاملة، ومعاملته كما يُعامَل في اليابان
(راتب وزير وحصانة دبلوماسي وجلالة إمبراطور…!!) ومن ثم منعه بقانون ترك مركز عمله، والبقاء إلى جانب تلامذته، لكسب صداقتهم وتبادل المحبة والثقة في ما بينهم.
4. إيلاء موضوع الإنترنت وعالمها من أطفال وتلامذة وشباب من
الجنسين الأهمية الكبرى لإنقاذ الجيل من الوجوه السلبية لهذه الثورة الخطيرة والعظيمة.
5. إحياء مشروع تجمُّع المدارس لأنه تجميعٌ للطاقات التي تسدُّ الحاجات.
6. الحؤول دون تدخُّل السياسيين بقانون في شؤون المدرسة للحفاظ
على استقرارها.
7. خلق جهاز تربوي من حكماء تربويين، ــ وهذا المهم ــ يمثل
بأعضائه كل اللبنانيين، يكون برئاسة وزير التربية، يمنح صلاحيات استثنائية، لتنفيذ خطة تربوية خمسية مبنية على سياسة وطنية، يقرها مجلس الوزراء، ويشرعها مجلس النواب. يتحمل الجهاز المسؤولية كاملة ولا يكون أعضاؤه عُرضةً للتغيير أو الاستبدال لأسبابٍ طائفية وسياسية ومناطقية.
فهذا مع ما سبقه، يعيد الثِّقة للمدرسة الرسمية، ويمكن أن يعيدها إلى سابق عهدها، أي تتقدم، وذلك، برجوعها إلى الزمن الجميل.

[/su_spoiler]

[su_spoiler title=”المدرسة الرسمية هي الحل شفيق يحيى مفتش تربوي متقاعد ” open=”no” style=”default” icon=”plus” anchor=”” class=””]

يكثر الحديث هذه الأيام عن أزمة الأقساط المدرسية وارتفاع كلفة التعليم في لبنان. وتتوالى الاتهامات المتبادلة، فمنهم من يتهم المدارس أو بعضها بالجشع والسعي وراء الربح المادي، ومنهم من يتهم السلطة التربوية بإهمال التعليم الرسمي، وعجزها عن مراقبة المدارس الخاصة ودراسة أقساطها. وبين تطاير الاتهامات والاتهامات المضادة. يتيه المواطن ولا يدري من الحقائق إلا القليل، ولا يعرف كيف ينقذ دخله من استهلاكه في نفقات التعليم، وبالتالي لا يعرف كيف ينقذ أولاده من تعرضهم لعدم الالتحاق بالمدرسة، أو كيف يتخلص من عبء الديون.
إزاء هذا الواقع لا يستطيع المراقب للوضع التربوي أن يتهم فريقاً واحداً بالتقصير أو الإهمال أو اللامبالاة، ولكننا نستطيع أن نعترف بأن المواطن اللبناني مضلل إلى حد ما تربوياً، فلا يؤمن بالمدرسة الرسمية، ولا يستطيع أن يتحمل أقساط المدرسة الخاصة. وإذا نصحه أحد المقربين المطلعين على الشأن التربوي بتعليم أولاده في المدرسة الرسمية، اعتبر هذا المواطن التائه أنّ قريبه أو صديقه غير مخلص في نصيحته وأنه “يحط من قدره”.
وما هذا الاعتبار أو الظن إلا الجهل بحقيقة المدرسة الرسمية والتعليم الرسمي الذي يتجاهله البعض أو يجهل واقعه السليم في مدارس كثيرة ويشير إلى ثغراته بدلاً من أن يشير إلى حسناته ويعمّمها خدمة للحقيقة ولمصلحة المواطن.
فما هو سبب هذا الضياع؟
لا شك أنّ التعليم في المدارس الخاصة أكثر جاذبية للمواطن اللبناني لأكثر من سبب قد يكون اعتقاده أنّ التعليم فيها أكثر تنويعاً وتطبيقاً ونشاطاً وتنظيماً. وقد يكون جهله لحسنات المدرسة الرسمية، وكفاءة مدرّسيها وأساتذتها، ونجاح تلاميذها في الامتحانات الرسمية، وتفوُّق بعضهم فيها وفي امتحانات الدخول إلى الجامعات واستمرار تفوّقهم فيها، ونجاحهم أيضاً في مباريات اختيار موظفين لإدارات الدولة.
ولأننا لا نهدف من موضوعنا هذا إلى تجاهل المدرسة الخاصة واتّهام بعضها بالطمع المادي أو بعدم الأفضلية عن زميلتها في التعليم الرسمي.
وبما أننا نريد أن نشارك في النصح والإرشاد إلى ما يخدم المواطن دون الإساءة إلى أي من الفرقاء يهمنا أن نلفت النظر إلى ما يلي:

أولاً. في حقيقة المدرسة الرسمية
لقد بلغ التعليم الرسمي أوجاً مرتفعاً في السنوات التي سبقت الأحداث الأهلية في الربع الأخير من القرن العشرين، ثم أخذ وضعها يتدهور أسوة بسائر مؤسسات الدولة التي تأثرت سلباً بالحرب الداخلية والاعتداءات الإسرائيلية. لكن تعافي الدولة والوطن عموماً ابتداءً من العقد الأخير من القرن الماضي، شمل المدرسة الرسمية في النواحي التالية:
1- ترميم معظم الأبنية المدرسية التي تهدمت في الحرب وتشييد
أبنية حديثه للمدارس الرسمية.
2- تخرُّج عدد من المدرّسين والمدرّسات من دُور المعلمين، والأساتذة
من كلية التربية.
3- تزويد المدارس الرسمية، بما فيها الثانويات، بالكثير من
المختبرات ووسائل الإيضاح والتكنولوجيا.
4- تكثيف الدورات التدريبية لأفراد الهيئة التعليمية ولمديري
المدارس الرسمية، واتّباع منهج التدريب المستمر.
5- تحقيق الكثير من إنصاف المعلمين والمعلمات بإعطائهم درجات
استثنائية، وتعويض إدارة للمديرين.
6- تحديث برامج التعليم وفق المناهج الجديدة التي أقرت رسمياً
بالمرسوم رقم 10227 تاريخ 8/5/1997، وتنظيم دورات تدريبية لمعرفة تطبيقها بالتعاون بين وزارة التربية والتعليم العالي، والمركز التربوي للبحوث والإنماء والتفتيش التربوي المركزي.
7- إعطاء تعويض نقل لموظفين التعليم، أسوة بسائر الموظفين ممّا
يُخفّف من أعباء الانتقال من قرية إلى قرية أو من المدينة إلى القرية، وبالتالي يسهّل على وزارة التربية إلحاق مدرّسين وأساتذة بمدارس خارج محيط إقامة المدرس والأستاذ.

ثانياً: عدم اكتمال جاذبية التعليم الرسمي
إذاً، طرأت في السنوات الأخيرة، إيجابيات كثيرة في التعليم الرسمي، ولكن هل استعاد هذا التعليم زخمه السابق، أو واكب الإيجابيات الجديدة التي طرأت عليه؟
لا نعتقد أنّ الجواب سيكون كلّه إيجابياً لأنّ سمعة المدرسة الرسمية ما زالت غير جذابة للأسباب التالية:
1- التوجُّه إلى التعاقد بدلاً من تخريج مدرّسين جدد من دور
المعلمين، وأساتذة جدد من كلية التربية.
2- استمرار التأخّر في إجراء المناقلات بين أفراد الهيئة التعليمية،
والتأخّر في إلحاقهم وإلحاق المتعاقدين بالمدارس حيث الحاجة.
3- تراجع دور الرقابة التربوية من قِبل التفتيش التربوي بسبب
ضآلة عدد المفتشين وانشغالهم بالرقابة الإدارية والمالية
4- تقصير الإعلام الخاص والرسمي المسموع والمقروء والمرئي في
تسليط الضوء على المدرسة الرسمية الناجحة واكتفائه بالإشارة إلى ثغرات المدرسة الرسمية المتعثّرة أو تسليط الضوء عليها وتجاهل ما فيها من إيجابيات.
5- عدم مبالاة وزارة التربية والتعليم العالي بدراسة أسباب
تقهقر أي مدرسة رسمية ومعالجتها بدلاً من اللجوء إلى إقفالها أو نقل مديرها ومعلميها إلى مدارس أخرى أو إلى الإدارة دون مساءلة ومحاسبة.
6- عدم التنويه إعلامياً بالمدارس الرسمية بكلّ مراحلها الثلاث
الناجحة والمتفوقة في الإمتحانات الرسمية.
7- التدخل السياسي أو المصلحي أحياناً لصالح مدير غير كفوء أو
لنقل معلم تحتاجه مدرسته إلى مدرسة أخرى ليست بحاجة إليه، خدمة له لا للمدرسة.
8- إبقاء بعض المدارس في أبنية، غير مؤهلة تربوياً علماً أن عدد
الأبنية المهملة قد تقلص في السنوات الأخيرة
9- الإضرابات التي توالت سنوات وسنوات مما أخاف الأهلين من
إلحاق أولادهم بالمدرسة الرسمية، وكلنا أمل في أنّ الإضرابات قد انتهت في المدارس الرسمية، ونأمل أن لا تنتقل إلى المدارس الخاصة.
10- ترهل بعض أفراد الهيئة التعليمية أو مرضهم، دون أن يكون
للمدير ورؤسائه القدرة على حل هذه المشكلة وفقدان الإيمان بالرسالة التربوية التي آمنتا بها الأجيال السابقة من المعلمين.

ثالثاً: في الاقتراح
مما تقدّم، ورغبة في الإصلاح والإنقاذ وليس رغبة في الانتقاد نقترح ما يلي:
1- قيام وسائل الإعلام بتسليط الضوء على المدرسة الرسمية
الناجحة كتابة وتصويراً وعرضاً تلفزيونياً
2- تعميم جميع الإيجابيات التي طرأت على المدرسة الرسمية لا
عادة الثقة بها، وبالتالي إنقاذ الأهل من أعباء المدرسة الخاصة.
3- إعادة افتتاح دور المعلمين وكلية التربية لتخريج معلمين وأساتذة
جدد، وثبيت المتعاقدين والتخلص من بدعة التعاقد تدريجياً إلا في الحالات الضرورية.
4- زيادة عدد المفتشين التربويين ليستطيعوا القيام بدورهم
في الإرشاد التربوي بالإضافة إلى دورهم في الرقابة الإدارية والتحقيقات.
5- مكافأة المديرين والمعلمين والأساتذة المجلين في عملهم معنوياً
ومادياً، وتطبيق مبدأ الثواب والعقاب.
6- تعزيز النشاط اللاصفي الثقافي والفني وإصدار المجلات التي
يحرّرها الطلاب بالتعاون مع معلميهم، علماً أنّ بعض المدارس قد خطت خطوات في هذا المجال.
7- عدم التأخر في دفع مستحقات المدارس الرسمية من وزارة
التربية لتستطيع هذه المدرسة تأمين حاجاتها المتعددة.
8- العمل على جعل تدخل السياسة والسياسيين في شؤون المدرسة
الرسمية لصالح المدرسة وليس لصالح أفراد فيها. والافضل بالطبع إبعاد السياسة عن معالجة شؤون المدرسة وترك ذلك للمراجع المختصة.
9- تزويد المدارس الرسمية بما يلزمها من وسائل التكنولوجيا
الحديثة علماً أنّ معظم هذه المدارس قد توافرت فيها هذه الوسائل.
10- تزويد المدارس الرسمية بالعدد اللازم من مدرّسي الفنون
والرياضة البدنية، ولا يتحقق ذلك إلّا بإعادة تخريج مدرّسين للمواد كافة من دور المعلمين والمعلمات.
11- إقامة لقاءات تربوية بين مديري المدارس ومعلميها لتبادل
الخبرات، وتنشيط العمل التربوي. ولقاءات أخرى دورية وطارئة بين مديري المدارس ومعلميها والأهلين للتعاون على معالجة مشاكل الطلاب وتقويم سلوكهم واجتهادهم الدراسي.
12- الاستمرار في إقامة حفلات التخرّج التي بدأت تتوسّع منذ
سنوات في الثانويات الرسمية والعمل على تعميمها وتعزيزها فنياً وتربوياً لأنّ ذلك يُعزّز جاذبية المدرسة الرسمية ويعمّم على الأهلين أخبار نجاحها ونشاطها.

رابعاً: في الخلاصة
نستنتج مما تقدم أنّ المصلحة التربوية والاقتصادية للمواطن تقضي بوجوب الانصراف إلى الاهتمام بالمدرسة الرسمية لتكون هي الحل بدلاً من التلهي بإلقاء اللوم على المدرسة الخاصة والتذمُّر من الأقساط الرسمية.

[/su_spoiler]

[su_spoiler title=”المدرسة الرسمية بين الواقع والمرتجى سلطان أبو الحسن مسؤول مكتب التربية في المتن الأعلى سابقاً” open=”no” style=”default” icon=”plus” anchor=”” class=””]

بالرغم من الجهود المبذولة، لم تزل المدرسة الرسمية، وخصوصاً المدرسة الرسمية الابتدائية والمتوسطة، تواجه صعوبات ومعوقات، لأنها جزء من النظام التعليمي العام، أي النظام الطائفي، خلافاً لِما نص عليه الدستور. وأكبر مثال على إعاقة الطائفية أي تقدم هو عدم الاتفاق التربوي والسياسي على إصدار كتاب موحد لمادة التاريخ، والأسباب معروفة. الوطن يحتاج الوقوف إلى جانب المدرسة الرسمية لأنها الجامع الوطني غير الطائفي التي تعد مواطنين للوطن وليس لطوائفهم، ولأن هناك على الأقل مراقبة لتطبيق المناهج، لا كما هو الحال في معظم المدارس الخاصة حيث رقابة وزارة التربية تبدو شكلية خصوصاً على المناهج التعليمية التي يجري تنفيذها.

أما بعض المرتجى أو الحل فهو أولاً تطبيق وثيقة الوفاق الوطني، وتطبيق الثوابت الدستورية في المدارس الخاصة لا الاجتهاد في تصميم وتنفيذ مناهج تربوية خاصة بالقطاع الخاص أو بكل مدرسة على حدة. وهذا يقود إلى موضوع التنشئة الوطنية والأخلاقية، فلا تكون مهنة التعليم عرضة للارتزاق، كما يحصل اليوم في التعاقد النفعي لتعليم التلامذة السوريين، وما يرافق هذا الملف من اتهامات بالفساد المالي، فضلاً عن أنه غير ذي معنى تربوياً وعلمياً.

إذا أريد النهوض بالمدرسة الرسمية فالمطلوب كثير، ولكن أوله اعتبار الأهداف الوطنية والإنسانية هي غاية التعليم، وليس الاصطفاف الطائفي أو المنفعة المادية، وكلاهما يكون على حساب الهوية العلمية والوطنية للتعليم.

نحن نرى أن الرقابة التربوية على المدارس الرسمية يجب أن تكون رقابة ميدانية وليست صورية، ودون محسوبيات. في ماضي الأيام كانت المدرسة الرسمية نقية ناصعة لا شوائب بسلوكها المادي، أما الآن فقد نخر السوس المفاصل في معظم المجالات وخصوصاً في التعاقد والمراقبة والمنح والتلزيمات وغيرها. وتلعب المحسوبيات دوراً مسيئاً في تعيينات المديرين، فلا يؤخذ بنتائج المقابلات أحياناً بسبب من ضغط من هنا أو من هناك. كذلك يجب إلغاء المدارس الخاصة المجانية إذ لا لزوم لها تربوياً واجتماعياً بوجود المدرسة الرسمية، إلا إذا كان الهدف التنفيعات أي الفساد. ويجب تحويل الأموال المهدورة في المجاني على المدرسة الرسمية الابتدائية والمتوسطة لتعطي أفضل النتائج، والثانويات الرسمية خير دليل على ما تستطيع المدرسة الرسمية أن تحققه إذا تأمن لها الجهاز التعليمي الجيد والتجهيز المطلوب والتعاون الضروري.

[/su_spoiler]

[su_spoiler title=”بالتربية نبني محمود خضر مدير ثانوية حاصبيا السابق ” open=”no” style=”default” icon=”plus” anchor=”” class=””]

لإيماني المطلق بأننا بالتربية نبني،
فهل ننقذ هذا المجتمع ونصل به إلى أرقى ما نريد دون أن تنصب كل جهود الدولة في العمل التربوي؟

فالاستثمار في التربية هو أنفع وأفضل الاستثمارات
كيف لا وكل الوطن يعتمد على خريجي التربية.
كيف نبني مجتمعاً دون تحديث في التربية؟

أبناؤنا في حالة ضياع لعدم وضوح منهجية تربوية تماشي العصر والتطور بسبب التخبط الحاصل في تعديل المناهج.

حان الوقت أن ننطلق جميعاً لنجعل التربية تبني، وبحق.
عسى أن تتكاتف كل القوى الحكومية والتربوية لإصلاح منشود في التخطيط والتوجيه والتنفيذ كي لا تسبقنا إلى ذلك بعض الدول التي كانت تعتبر متخلّفة.

[/su_spoiler]

[su_spoiler title=”خطوة على طريق الإصلاح التربوي في لبنان د. منصور العنز
باحث تربوي ” open=”no” style=”default” icon=”plus” anchor=”” class=””]

لقد أُطلِقت المناهج التربوية الحديثة في لبنان، تحت عنوان برّاق ومُفرح ألا وهو “بالتربية نبني” فلاقت ارتياحاً وترحيباً في الأوساط التربوية لم يسبق لهما مثيل. ولكن سرعان ما تبيّن أن النتائج ليست على المستوى المتوقّع. وعادت التربية إلى الدوران في برامج المسكنات التي تبقى على المستوى العلاجي دون أن ترتقي إلى مستوى التخطيط الوقائي. لذا أصبح لزاماً علينا تحديد أي تلميذٍ نريد، وإلى أيةِ وظائف نعدّه، وما هي مجالات عمله المستقبلية، ودور المؤسسة التربوية في إعداده وبناء شخصيته، ومستوى المعلم الذي سيعدّه لمهام حياتية جديدة بواسطة منظومة تربوية قديمة بظل واقع اجتماعي متغيّر وتطوّر علمي تقني متسارع مستخدماً مناهج تربوية مأزومة الأهداف بين التربية على القِيم الموروثة أو الإعداد لجيلٍ عنوانه التغير ومماشاة العصرنة بتدريب المعلم وتمكينه من استخدام تقنيات الحاسوب والتواصل الإلكتروني في التعليم لجهة تركيز مؤسسات الإعداد والتدريب على تطوير وتنمية قدرات المعلم التربوية والتقنية، وإلى أي مدى يتم الاعتماد على الكفاءة والجدارة كمعيار أولي في تكليف أو تعيين أو ترقية المدراء والأساتذة والمعلمين الرسميين؟!
وهل ينبغي إعادة النظر بآليات تعيين وإعداد المعلمين بظل الاستعمال الواسع للتقنيات المستجدّة في العملية التربوية، لاسيما الحاسوب وفوائد الإنترنت من خلال توظيفها في الإنتاج التربوي، بواسطة موارد بشرية متمكّنة ومواكبة للتكنولوجيا والتطور التقني المتسارع، من أجل ضمان الاحتياجات الاجتماعية والاقتصادية المعاصرة؟ وهذا ما يفترض إجراء تغييرات هامة على مستوى إدارة هذه المؤسسات وتحديثها، وتطبيق التقنيات الجديدة والأساليب المتطورة، وتأمين الموارد المادية والحوافز المعنوية، للنهوض بالمدرسة الرسمية والمجتمع اللبناني.
ولا يمكن أن نتحدّث عن دور التقنيات التكنولوجية، دون أن نتطرّق لدور الجهاز التربوي المتمكّن من استخدامها على مستوى الإدارة والتعليم في المؤسّسات التربوية الرسمية التي تتحمّل على عاتقها مسؤؤلية نجاح أو فشل العملية التربوية برمتها، إلى جانب الأنظمة والقوانين التي ترعاها، متمثلةً بالسلطات التشريعية، التنفيذية والقضائية التي تنتجها وتتابع تطبيقها، وصولاً إلى مؤهلات أفراد الجهاز التعليمي وآليات تعيينهم وتطويرهم وتحفيزهم، لأن الجهاز التعليمي يمثل القلب النابض والعقل المدبر للمدرسة الرسمية.

فاذا كان جهاز التعليم في المدارس الرسمية يمتلك الكفاءة العالية لجهة المعلومات والمؤهلات، وإذا كانت الآليات المعتمدة في تعيين أفراده مضبوطةً على إيقاع الجدارة والكفاءة العلمية فقط،، وإذا كانت خطوات التطوير والتدريب والإعداد هائلة وجبارة! وإذا كانت أجهزة الرقابة والمتابعة من إرشاد وتوجيه وتفتيش ناشطة وتقوم بدورها بشكلٍ صحيح! وإذا كان المعلم نفسه قادراً على المزيد من العطاء والإنتاجية في المدارس الخاصة مقارنةً بما هوالحال عليه في المدارس الرسمية! فكيف يمكن أن نفهم تلك المفارقة؟! وكيف إذاً يمكن تفسير التراجع شبه المستمر في أداء المدرسة الرسمية؟! ويبقى السؤال المركزي يدور حول مدى تلبية جهازها التعليمي والإداري لمتطلبات التعليم الحديثة المعاصرة؟ ومدى قدرة مشروع التدريب المستمر على تطوير أداء المعلمين ومدى انعكاسه على العملية التربوية؛ لجهة تأهيلهم وإعدادهم بطرق وأساليب تعليم بحثية ناشطة محولةً بذلك المعلم إلى باحثٍ مشرفِ موجهٍ بما يتناسب مع تقنيات التعلم والتعليم المتطوّرة المضبوطة على إيقاع سلّم تقييمي دقيق المعايير شفّاف التطبيق لمبدأي الثواب والعقاب بظل منظومة تشريعات تربوية رشيدة منبثقة من آليات تخطيط تربوية واعية ترصد المشاكل وتضع لها الحلول راسمةً سياسات تربوية استراتيجية واضحة الرؤية والأهداف متجاوزةً كافة الاعتبارات.
ولعلّ أول ما يستوقفنا في واقع التعليم الرسمي في لبنان هو مدى مواكبة أفراده ومناهجه للتطوّرات التقنية المتسارعة إلى جانب متطلبات سوق العمل الذي ينتظر طلابه في المستقبل القريب.

بناءً عليه، لا بد من الإبحار وسبر الأعماق لالتماس بعض الحقائق والأسباب المؤثرة على إنتاجية التعليم الرسمي لا سيما الأساسي في لبنان مقترحين جرعاتٍ علاجية تلامس شؤون وشجون التربية والتعليم الرسمي لجهة آليات تكوينه وإعداد جسمه التعليمي وآليات عمل مؤسساته الناظمة ومدى تأدية دورها الأساسي المسؤولة عنه بظل نظام التدخلات والمحاصصة السياسية القائم في لبنان، وهي المؤتمنة عليه أمام ماضي وحاضر ومستقبل الأجيال وصيرورة بناء الوطن ومواطنيه وفق مناهج تربوية سليمة تُدرّس على أيدي معلّمين يُفترض أنهم أكفّاء منخرطين بمؤسسات تربوية تعليمية تعي جيداً أهدافها وأي مواطن تريد ولأية وظائفٍ تعدّه ليكون المدماك الأول التي تسترشد به الأجيال القادمة لتشيّد على أسسه ورؤاه صروح الوطن المستقبلية.

فكانت البداية بالعودة إلى المستندات والوثائق والمطبوعات والتشريعات التي واكبت منظومة التربية والتعليم في لبنان منذ العهد العثماني حتى كتابة هذه السطور، محدّدين بواسطتها العثرات واصفين بعض الجرعات العلاجية آملين أن تجيب على بعض تساؤلات القلقين على مستقبل التعليم الرسمي في لبنان.

من هنا فإنّ التربية تبدأ بوزارة التربية والمؤسّسات المنضوية تحت لوائها على كافة الأصعدة بدءاً من رأس الهرم مروراً بكافة مؤسساتها المتفرّعة عنها كلٍ بدوره وصولاً للمجتمع المحلي الذي يمثل البيئة الحاضنة والمساندة للمدرسة الرسمية مصوبين على جودة المناهج التربوية والأجهزة التعليمية والإدارية والرقابية التي تتحمّل مسؤولية نجاح أو فشل التربية برمتها.
وبهدف الكشف عن بعض الأسباب الكامنة وراء تراجع التعليم الرسمي في لبنان، نُقدّم بعض الاقتراحات التي قد تُضيء شمعةً على طريق الإصلاح التربوي بدلاً من لعنة الظلام، منطلقين من إشكالية يمكن تلخيصها بالسؤال التالي: كيف يمكن تفسير التراجع شبه المستمر في أداء المدرسة الرسمية؟! وهو سؤال البحث المركزي الذي يدور حول مدى تلبية الجهاز التعليمي والإداري في لبنان لمتطلبات التعليم الحديثة المعاصرة، لجهة تأهيل واعداد المعلمين بطرق وأساليب تعليم بحثية ناشطة بعيدة كل البُعد عن أساليب التلقين التقليدية من أجل تحويل المعلم إلى باحثٍ مشرفِ موجهٍ بما يتناسب مع تقنيات التعلم والتعليم المتطورة المضبوطة على إيقاع سلّم تقييمي دقيق المعايير شفاف التطبيق لمبدأي الثواب والعقاب بظل منظومة تشريعات تربوية رشيدة منبثقة من آليات تخطيط تربوية واعية ترصد المشاكل وتضع لها الحلول راسمةً سياسات تربوية استراتيجية واضحة الرؤية والأهداف متجاوزةً كافة الاعتبارات.
وبناءً عليه يمكن اقتراح بعض الإصلاحات التربوية على الشكل التالي:
1- على الجهاز التعليمي والإداري الرسمي الحالي الهَرِم في
لبنان العمل على تحقيق الأهداف التربوية الكبرى المعاصرة للمدرسة الرسمية من خلال إعادة تاهيل وإعداد وتطوير أفراده بما يتناسب مع مسيرة التسارع التقني التعليمي التعلُّمي المتحكّمة بمفاصل التربية والتعليم الشامل المتكامل بمواصفات كونية عالمية تتخطى حدود التاريخ والجغرافيا وتسمو فوق التقوقع المناطقي والعقائدي والعِرقي والمذهبي.

2- على القيّمين على التعليم الرسمي في لبنان إغنائه بعنصر
التعليم الشاب الفتي القادر على استخدام تقنيات التربية الحديثة والمتمكّن من الاندماج عالمياً مع متغيرات الحداثة والعصرنة التربوية بصفة الفاعل والمؤثر فيها وليس بصفة المتلقي المتأثر بها فقط.

3- على المعلم أن ينزع عن نفسه صفة الملقّن ويستبدلها بصفة
المشرف المنشط الباحث المتمكّن من دفع المتعلم لاكتشاف المعلومة بنفسه بدلاً من تلقيها، وهو ما يعيق عملية اعتبار التلميذ محور عملية التعلم والتعليم مع كل ما ينسحب على ذلك من عدم الانخراط باكتشاف المعلومات بواسطة البحث عنها عبر الإنترنت وبالتالي عدم إنتاج الأبحاث العلمية المرسِّخة للمعلومة وهو ما يُفسَّر تربوياً بتحوّل المتعلّم إلى باحث.

4- على وزارة التربية إجراء عملية إعادة تموضع وتوزيع أفراد
ملاكاتها بحسب مؤهلاتهم وإمكاناتهم لأنّ غالبية المعلمين الرسميين المعيَّنين قبل اعتماد أساليب التعليم الناشط المتطورة هم بحاجة لإعادة إعداد وتأهيل بما يتناسب مع طرق الإدارة ووسائل التعليم الحديثة.

5- على الدولة ردم الهوّة الناتجة عن عملية إسقاط المناهج
التربوية الحديثة والمتطورة على المدارس الرسمية في لبنان دون أن تكون أبنيتها معدّة ومجهزة لاستقبالها ودون أن تمتلك جهازاً بشرياً قادراً على التعامل معها فبقيت المناهج بوادٍ وإمكانية تطبيقها تطبيقاً سليماً بوادٍ آخر فكان للجهاز الإداري والتعليمي شرفيّة امتلاكها دون استعمالها، لأنه أمام تقنيات يتعرّف إليها دون أن يفقه أسرارها وطرق استخدامها تربوياً.

6- إحداث نقلة نوعية بآليات التعيين المعتمدة في اختيار مدراء
المدارس ومتعاقديها من الكفاءات والمؤهلات التقليدية غير المفيدة للتربية الحديثة المعاصرة، ورفض ما كانت تتم عليه من قواعد المحاصصة والطائفية والاستزلام السياسي من خلال اعتماد الكفاءة وجدارة المؤهلات فقط كأولوية للتعيين.

7- وجوب تفعيل آليات الثواب والعقاب في المدارس الرسمية
بظل غياب المكافأة المستندة إلى جودة المؤهلات والكفاءة وحُسن الأداء، وبالمقابل وجوب تفعيل المحاسبة عن تدنّي المؤهلات وضعف الكفاءة وسوء الأداء فاصلين القرار التربوي عن القرار السياسي بشكلٍ نهائي.

8- إعفاء التربية من فوضى التشريعات المسيسة والتجاوزات
والتمريرات وارتجال القرارات المضبوطة على إيقاع المحاصصة السياسية والتوزيع الطائفي واستبدالها بالتخطيط التربوي الاستراتيجي المنتج على الصعيد الوطني العام متجاوزةً بذلك جميع أثاره السلبية بوجه انتظام العمل التربوي الرسمي في لبنان.
لقد هالنا ما رأينا وسمعنا وقرأنا من الاجتهادات والقرارات التربوية، التي تملأ رفوف الخزائن في المدارس الرسمية، وغالبها يناقض بعضه بعضاً، أو لزوم ما لا يلزم وكأننا نخوض الورش التربوية ونرفع التوصيات ونصوغ القرارات ونسنُّ التشريعات المتتالية، لتبقى حبراً على ورق أو لنتذاكرها في جلسات سمرنا التربوية حيث أصبحت القرارات هي غايةً التربية بذاتها، وليست وسيلةً للنهوض بها. هذا إضافةً إلى التدخلات والمحاصصات السياسية التي اجتاحت المحرمات التربوية المقدسة لدرجة أصبح معها يكاد يُسأل التربوي عن انتمائه قبل أن يُسأل عن كفاءته!
بناءً على ما تقدّم تبيّن لنا أنّ واقع منظومة التعليم الرسمي في لبنان والتي كانت ولا تزال تصيب حيناً وتخيب أحيأناً، بظل فلسفة تربوية لا تخدم كثيراً التربية على المواطنة الصحيحة في بلدٍ أحوج ما يكون إلى التفاف أبنائه حول فلسفة تربوىة وطنية تسمو فوق كل الاعتبارات الفئوية الضيقة، معتبرين معاناة المدرسة الرسمية قضيتنا المحورية، محاولين إخراج بعض الثغرات التربوية إلى حيّز النور والعمل على الحدّ من التجاوزات قدر الإمكان عسى أن تجد خلاصات بحثنا هذا الصدى الإيجابي لدى المَعنيين بالشأن التربوي في لبنان!

مبنى وزارة التربية والتعليم العالي
مبنى وزارة التربية والتعليم العالي

على المعلم أن ينزع عن نفسه صفة الملقّن ويستبدلها بصفة
المشرف المنشط الباحث

تأمين البناء المدرسي الملائم من أهم شروط النهوض بالقطاع التعليمي
تأمين البناء المدرسي الملائم من أهم شروط النهوض بالقطاع التعليمي

التربية تبدأ بوزارة التربية والمؤسّسات المنضوية تحت لوائها على كافة الأصعدة بدءاً من رأس الهرم مروراً بكافة مؤسساتها المتفرّعة عنها

وأخيراً لا بدّ من الشروع بتنفيذ بعض الإجراءات الإصلاحية العملية دون انتظار خطط نهوض تربوي شامل قد لا تأتي أبداً، ومنها على سبيل المثال لا الحصر:

1- استحداث وزارة تخطيط والشروع بتنظيم حديث لوزارة
التربية والتعليم العالي لتواكب خطوات التطور السريع في هذا الحقل الوطني المهم في بناء المجتمعات.
2- إجراء عملية إصلاح تشمل معظم مديري المدارس واختيار
المديرين على أساس الأهلية والكفاءة وإعدادهم إعدادا “تربوياً” وإدارياً” دونما الأخذ بالاعتبارات الأخرى.

3- إعداد المعلمين وتنقية الجسم التعليمي من الذين لا يحملون
رسالة التعليم في قلوبهم وعقولهم. والعمل على اختيار المعلمين من النخبة وتعزيزهم مادياً ومعنوياً وتأهيلهم بصورة مستمرة، وتفعيل تطبيق مبدأي الثواب والعقاب.

4- تطوير مناهج التعليم وفق الحاجات الجديدة والتأكد من
مطابقتها لأوضاعنا الاجتماعية وحاجاتنا الاقتصادية والقيام بعملية إحصاء وأبحاث لمعرفة هذه الحاجات. وتوجيه الطلاب إلى الحقل الأكاديمي أوالمِهَني الذي يبدعون فيه ويتخرّجون منه إلى سوق العمل الذي يحتاجهم.

5- تطوير عملية التقويم وبناؤها على معايير سليمة قابلة للقياس
والتصويب للحد من الرسوب في الإمتحانات والقيام بتوجيه التلامذة وإرشادهم وفق قدراتهم لتجنيبهم الشعور بالإحباط وبالتالي لحمايتهم من آفة التسرب المدرسي.

6- تأمين البناء المدرسي الملائم وتجهيزه بأحدث الوسائل، بعد
تحديد المناطق المتخلفة تربوياً، فتُعطى الأولوية للتجهيز وتكثيف الجهود فيها إن لجهة الأساتذة الكفوئين أو لجهة الإدارة والتجهيز. شرط أن يُوازى بين كافة المناطق والقطاعات لا أن تنمو منطقة أو قطاع على حساب الآخر.

7- تطبيق سياسية تربوية واحدة على جميع المؤسسات في لبنان
بعيداً عن التعصب الديني بحيث يأتي التوجيه وطنياً سليماً لا يتنافى مع حرية الرأي والمعتقد.

8- تعزيز دور الإعلام التربوي والثقافي للتمكين من مجاراة
التكنولوجيا الحديثة التي أصبحت وسيلة هامة للتعليم ولنقل المعرفة.

9- إخضاع مَنْ اجتاز بنجاح مباراة التثبيت في التعليم لاختبار
نفسي ومقابلة شفهية قبل تثبيته معلماً أو أستاذاً بملاك وزارة التربية نظراً لأهمية الشخصية والنفسية على نجاح أو فشل المعلم في تأدية وظيفته الرسالية.
10- استبدال تسمية التعليم الرسمي بالتعليم الوطني لأن رسالة
المدرسة الرسمية رسالة جامعة بحكم كونها تجمع تحت عنوانها وبين جدرانها مختلف الطوائف والطبقات الاجتماعية، ونحن وإياكم نُدرك أنّ أهم مصاعب لبنان وأخطر هواجسه تكمن في تعدد الانتماءات الطائفية على حساب الانتماء الوطني. فعلى القيّمين على المدرسة الرسمية أن يُنمّوا الروح الوطنية إلى حد تجاوز الروح الطائفية وأن نتمكّن بفضلها من العيش كشعبٍ واحد لا كشعوب متصارعة على أرض الوطن، ليصبح إيماننا بدور المدرسة الرسمية على الصعيد الوطني أقوى من إيماننا بدورها في تأمين العلم والمعرفة. وإذا كان الإصلاح بحاجة إلى الإيمان فأننا نؤمن أنّ التربية الوطنية قادرة على تحويل لبنان إلى مجتمع متطور مُبدع وسبّاق في المجالات العلمية والثقافية والوطنية.

ولا نذيع سرّاً عندما نتكلم عن نهم مسؤولي المدارس للحصول على نسبة نجاح مئة في المئة في امتحانات الشهادات الرسمية، ويجاريهم في ذلك الأهل والمسؤولون على مستوى المناطق التربوية والإدارة المركزية. إنّ التربويين يتحمّلون المسؤولية الكبرى عن إفراغ التعليم من جوهره بسبب إغداق الأوسمة وإعطاء الأهمية الكبرى لحصول المدارس على نسب نجاح 100 في المئة.

وهنا تكمن المشكلة الكبرى، حيث يصبح شغل المدرسة الشاغل وهدفها الأسمى هو الحصول على هذه النسبة، على حساب باقي الصفوف المدرسية، فتبدأ عملية تصفية الحساب مع التلامذة الذين ينجحون بمعدّل الوسط، حيث يصدر بحقهم قرارٌ دكتاتوريٌ ينصُّ على إبقائهم في الصف الثامن، وذلك تحت طائلة فقدان النسبة المئوية المقدسة! ثم يبدأ العمل على حشوِّ رؤوس التلامذة بالمعلومات التي تؤمّن لهم العلامات في الإمتحانات الرسمية متعهّدين بنسيانها فور الحصول على النتيجة! بالإضافة إلى أنّ بعض المدارس تبدأ بتدريس مواد السنة المنهجية التاسعة في صفي الثامن والسابع! ضاربةً بعرض الحائط مبدأ التراكم العلمي الذي يجعل معلومات التلميذ تتراكم حلزونياً، حيث تضاف معلومات الصف السابق إلى معلومات الصف الحالي وهكذا دواليك حتى نهاية التعليم!. فاصبحنا نعلّم على مبدأ: “احصل على نتيجة 100 في المئة وخُذ ما يُدهِش العالم”! ناهيك عن التوصيات التي يتوسّلها بعض مدراء المدارس من مراقبي ومصحّحي الإمتحانات الرسمية بتلامذتهم! متناسين أنّ الأوسمة تستحق لمَنْ يُربّي ضعيفاً

ويُنشئه تنشئةً صالحة ليوصله إلى درجة النجّاح، وليس لمَن يرشُّح للإمتحانات الرسمية التلامذة المتفوقين أصلاً ليفتخر بنتائجهم! ولمَنْ يجعل التلميذ محلّلاً مستخلصاً مبدعاً وقادراًعلى تخزين المعلومات وترسيخها واسترجاعها عند الحاجة! هذا التلميذ الذي نريد، ولا قيمة للنسب المئوية المفبركة بذاكرة مؤقتة سرعان ما تزول فور صدور النتائج!.

لذا نُحذِّر من خطورة اللّهاث وراء تلك النسب البرّاقة! فنحن بحاجة لتلميذٍ محلّلٍ ولسنا بحاجة لآلة تسجيلٍ بذاكرة مؤقتة!.
واستكمالاً لمبدأ “بالتربية نبني”، نقول: “على مقاعد الدراسة تُبنَى الأوطان”.

[/su_spoiler]

[/su_accordion]

أرسطو الأفلاطونيّ

“تأمَّلْ في السموات الواسعة وسوف تجد أنّ الله واحد” هذا ما استشهد به الفيلسوف أرسطو (باليونانية Ἀριστοτέλης)(1) من أقوال الفيلسوف الإيلي كزينوفان Xenophan، ليؤكّد أنّ الله هو “الحاكم الأوحد للكون”(2)، بعد أن اعتبر “العلم الإلهي” أو “الإلهيات” Theologia (θεολογία) “أشرف العلوم”(3) وأكثر المعارف قدسيّة، ومن ثم ملأ الدنيا وشغل الناس بطبيعياته “وما وراءها” ومنطقه وعلومه، بدءاً من أيام تلامذته وشرّاحه المتحمّسين مروراً بالقرون الأولى للميلاد وحتى القرون الوسطى ليصل إلى عصرنا شخصية تتسِم بنظر البعض بالغموض والتناقض، تلاحقه أطيافٌ مَنْ ألصقوا به صفات تكاد تكون إلحادية، أولئك الذين قرأوه ولم يفهموه ووجدوا في أقواله قِدَماً للعالم من غير خلق وأزلية للهيولى المادية والزمان، وحرموه من أفلاطونيته المثالية، ولو أنّ آخرين، أمثال أبو نصر الفارابي في القرن العاشر، والفيلسوف الألماني فرانز برنتانو Franz Brentano، وباحثين غربيين من الماضي القريب، أمثال الألماني وارنر ييغر Werner Jaeger، قد انبروا ليثبتوا أنّ القول بالتعارض بين أرسطو وأفلاطون (Πλάτων) هو “تحامُل” (بحسب عبارة من سبق ذكره من الباحثين) يكاد يكون من “النقائض المنطقية.
ونقضُ مثل هذه “النقائض” إنّما يتطلّب بحثاً معمّقاً في فلسفتَي هذَين الحكيمَين اللذين ألقيا بظلّهما على كلّ حقل من حقول التفكير العلمي والفلسفي حتى أيامنا هذه، وإلتماس ذلك السلك اللطيف الذي يربط فيما بين الحقائق التي تفتّقت عنها العبقرية الفذّة، والعقلية المتبصّرة والروح التوّاقة إلى الملأ الأعلى لدى كلّ من هذين الركنين المعرفيّين.
لكن ما دفع مثل هؤلاء إلى القول بمعارضة أرسطو لمعلّمه أفلاطون، وإلامَ استندوا في موقفهم هذا؟
لا بدّ من العودة في التاريخ إلى الوراء لاستجلاء الأمر وتمحيص هذه الأقوال حول “المعلّم الأول” (كما يُطلق عليه مؤرّخو الفلسفة). نحن الآن في العام 366 (أو 367) قبل الميلاد، أرسطو شاب دون العشرين من عمره، يصل أثينا قادماً من ستاغيرا Stagira، المدينة اليونانية الشمالية (بعدما أمضى جزءاً من طفولته في البلاط المقدوني بمدينة بيلا Pella حيث كان والده نيقوماخوس طبيباً للملك أمينتاس الثاني جد الإسكندر)، ليدخل أكاديمية الفيلسوف “الإلهي” أفلاطون لتلقّي علومه.
نعم، عبقرية فذّة في طور التفتُّح والتبلّور والصقل تلجأ إلى اكتساب المعارف من عملاق فلسفي بكلّ ما تُرخيه ظلاله “المثالية” من ثقلٍ “روحاني”.
وماذا حدثَ؟ عشرون عاماً ونيف قضاها أرسطو في الأكاديمية ينهل من معين أفلاطون الفيّاض بالعلم الإلهي والمدارك الروحانية، وما برحها حتى وفاة معلّمه!

والسؤال المنطقي على الطريقة الأرسطوطالية البرهانية هو كيف تسنّى لهذا العقل الوثّاب المستقل، المُشبَع بالأفكار الواقعية التجريبية الحسيّة أن يبقى “هاجعاً” في كنف أستاذه الرُّوحاني الذي سما بالحقيقة إلى علياء عالم المُثل الإلهية، طوال عشرين عاماً حتى قارب سن الأربعين (بقي في الأكاديمية حتى سنة 347 ق.م تاريخ وفاة أفلاطون)؟

أين كانت تلك “الحسيّة” الطبيعية طوال تلك المدة من “الملازمة”، وأين كان ذلك التمرّد المتعارض الذي إدّعاه القائلون بالخصومة بين المعلّم المثالي والتلميذ العقلاني الواقعي؟ وهل ظهر هذا التطوُّر الفكري المناهض فجأة بعد وفاة معلّمه، ومن ثم بعد تنقُّله بين زملائه “الأكاديميين” في آسيا الوسطى لينتفض ذلك الانتفاض الغامض ويهاجم مُثلَ افلاطون ونظرته إلى المُبدِع وإحداث العالم؟ هل كان هذا “الفيلسوف الفاضل”، الذي أذهلَ العالم على مدى قرون بمنهجيته العلميّة، يعيش “فُصاماً” بين “الإلهي” و”الطبيعي/الحسيّ” إلى هذه الدرجة من الإنفصام الشديد؟

للإجابة على هذه التساؤلات وجبَ استعراض تلك الأقاويل والوقوف عند مصداقيتها أو هشاشتها والتحرّي، بالحجة والبرهان، ما إذا كان ثمة “تحامُل” في القول بالتعارض.

أرسطو الأكاديمي
أسهبَ بعض المؤرّخين في التحدُّث عن رفض أرسطو “شاعرية” أفلاطون في محاوراته واستعانته مجازاً بالأساطير والأمثال والتشبيهات الرمزية، وكأنّه يأخذ عليه تقيُّده بالشكليات وهو مَنْ ارتقَى بالمعرفة إلى أعلى مدارك المعقولات، وكلّ مَن قرأ أعمال أرسطو يعرف مدى إبداعه هو نفسه في وضع أُسس الشعر وذلك في كتابه “في الشعر” (“بيري بويتيكا” per poetika – Περὶ ποιητικῆς) حيث ترك أثراً كبيراً نجده حتى اليوم لا سيّما في الشعر الفرنسي، كما أنّه اقتفى أثر معلّمه في محاوراته الأولى لدرجة أنّ شيشرون Cicero وصف محاورات أرسطو بأنّها “نهر من ذهب” flumen orationis aureum.
و”الذهب” الذي تحدّث عنه شيشرون هو تلك التعاليم الأفلاطونية التي يمكن تلمّس تأثيراتها في فلسفة أرسطو النظرية، بل حتى العلميّة منها. ومَنْ قال إنّ أفلاطون لم يشارك حتى في وضع تلك الأُسس العلميّة؟
في العلم
فقد اتّبع أرسطو المنحى العلمي الذي وصلت إليه الأكاديمية في آخر أيام أفلاطون، لا سيّما بعد انضمام جهابذة في العلوم السائدة آنذاك كالرياضيات (ثيودوروس Theodorus وثياتيتوس Theætetus الذي أطلق أفلاطون اسمه على إحدى محاوراته) والفلك (إيدوكسوس Eudoxus) والهندسة والجغرافيا وحتى الطب(4).
والمنحى العلمي بدا واضحاً في محاورات أفلاطون الأخيرة، لا سيّما محاورات “برمينيدس” Parmenides و”ثياتيتوس” Theætetus و”النواميس” Νόμοι المُصاغة بموضوعية بحثية تستند إلى الجدل العلمي والوقائع والتصنيف، فالتقط أرسطو آخر الخيط الأفلاطوني وأكمل هذا التبصُّر العلمي في منهجية موسوعية تروي أفهام العامة المتعطّشة للحقائق الحسيّة، مع بقاء “الفلسفة الأولى” للخاصة.
وتبدّى هذا الانسياب المعرفي جلياً في “محاورات أرسطو” أو كتاباته الأولى التي بقيت أجزاء منها في أعمال مؤلفين قدامى، وقد نسجها على منوال المحاورات الأفلاطونية، بل واستعار بعض عناوينها، واستند في وضعها إلى مبادئ أفلاطون الفلسفية الأساسية، من بينها محاورات “أوديموس” Eudemus (حول حُلُم زميله في الأكاديمية) و”في الفلسفة” peri philosophia و”بروتربتيكوس” Protrepticus.
واستأثرت هذه المحاورات لاحقاً بتقدير كبير لدى الفيثاغوريين الجدد والأفلاطونيين المحدثين في مقابل تمسّك المشّائيين اللاحقين (الذين طغى عليهم التفكير المادي) بعد القرن الميلادي الأول بمؤلفات أرسطو “العلميّة” ووضع الشروحات عليها من دون التطرُّق إلى المنحى الأفلاطوني الصافي في محاورات أرسطو، وعلى الأخص الشارح الأكبر إسكندر الأفروديسي Alexander of Aphrodisias ومن بعده ثميستيوس Themistius.
لكن هل من تقسيمٍ لأعمال أرسطو على هذا النحو؟

باطني للخاصة وظاهري للعامة
لقد انتهجَ أرسطو نهجَ فيثاغوراس في إلقائه لتعاليمه، فالحقائق المهمة للخاصة من تلامذته والمُريدين، والتعاليم الرمزية والأمثال والعلوم الطبيعية للعامة من الناس. وثمة تقسيمٌ مشهور بين الشارحين والباحثين يُميّز بين نوعين من أعمال أرسطو(5): “مستورة” و”معمّمة”، فالأولى تتضمّن فلسفته الخاصة وتعاليمه الحقيقية، وهو ما يؤكّده الفيثاغوريون الجدد، والثانية تشمل علوماً عامة تُلقَّن للجميع.
ويُستقى الإثبات على ذلك من أرسطو بحد ذاته الذي ذكر في أكثر من مكانٍ في أعماله اعتماده هذا النهج المتميّز(6)، وهو ما كان يعرفه معظم الباحثين والشارحين في العصور القديمة فضلاً عن واضعي تاريخ الفلسفة.
وفي هذا الخصوص، يورد السير دايفيد روس Sir David Ross في كتابه “أرسطو” Aristotle أنّ “ثمة تقليداً قديماً ساد زمناً يرى أنّ هناك أعمالاً باطنية Esoteric من أعمال أرسطو قد تُعزى إليها حقائق صوفية، مقابل تلك الأعمال الظاهرية Exoteric المخصّصة للعامة”(7)، حيث إنّ المواضيع الأكثر تجريداً، على غرار الفلسفة الأولى أو العلم الإلهي والماورائيات والطبيعيات والمنطق تتطلّب بحثاً معمّقاً وفهماً متطوّراً للنخبة من التلامذة، فيما لا تسترعي المواضيع العامة، مثل التاريخ الطبيعي والعلوم والتاريخ والبلاغة وحتى السياسة، سوى اهتمام الشريحة الشعبية من قاصدي مدرسته “الليسيوم” Lyceum، التي كانت لهذا الغرض تشتمل على متحف للعلوم والتاريخ الطبيعي استعان به أرسطو في شرح محاضراته، وقيل إنّ الإسكندر ساعده على استكمال مجموعته الطبيعية الواردة إليه من جميع أرجاء الإمبراطورية المقدونية المترامية آنذاك.
وربّما لم يتحدث فلاسفة كبار استمدوا من أرسطو، أمثال الفارابي وابن سينا وابن رشد، عن أعمال مستورة لديه لأنّهم لم يطّلعوا على محاوراته ولا على أعماله المفقودة، التي لا ريب ثمة رابط فيما بينها، وقد وصل إلينا عمل أصلي لأرسطو بصياغة مختصرة (باللاتينية) تحت عنوان “في فيضان النيل” On The Rising Of The Nile. وما همّ أرسطو بفيضان النيل؟ وأيّ فيضان يرمي في الحقيقة إليه؟ وقد ساقَ الباحثُ الألماني ستيفان بارتش Stephan Partsch أدلة كافية تُثبت صحة نسب هذا الكتاب إلى أرسطو(8).
وما حقيقة أعماله المفقودة؟ إنّ أعمال أرسطو المتوافرة حالياً قد وصلت مبتورة وناقصة وغير منتظمة، لا سيّما كتاب الماورائيات “الميتافيزيقيا” (τὰ μετὰ τὰ φυσικά)، ولا حاجة للخوض في صحيحها ومنحولها، وفي الفهارس الثلاثة لمؤلفاته التي وضعها الأقدمون وأوردوا فيها أسماء عشرات الكتب المفقودة، فمن المعروف أنّ بعض أعمال أرسطو ليس في شكله الأصلي، وذلك إثر تركيز المشّائيين في وقتٍ متقدّم على العلميّات وإهمال الأفلاطونيات.
فهل كان ما هو ناقصٌ، أو غير مترابط بانتظام، أو مهمل أو منحول في أعمال أرسطو هو وراء تبنّي فكرة الخصومة والتعارض بينه وبين وأفلاطون؟ وإلامَ استندَ أصحاب فكرة التعارض؟ قالوا غادر أرسطو الأكاديمية بُعيد وفاة أفلاطون بسبب “التعارض” المزعوم. في الواقع، ترك أرسطو الأكاديمية بُعيد وفاة معلّمه، وتسلُّم رئاستها العام 347 ق.م من قِبل سبوسيبوس Speusippus، إبن أخت أفلاطون، الذي انتهج المنحَى الرياضيّاتي وأسقطه على المُثل الأفلاطونية، فجعل منها أعداداً حسابية بحتة.
وربّما كان هذا الخلاف “العددي” مع سبوسيبوس وراء مغادرة أرسطو للأكاديمية لا لكونه الأوْلَى والأجدر لخلافة أفلاطون على رأس الأكاديمية (وهو ما أشار إليه وارنر ييغر في كتابه حول الأُسس الأولى لتطوُّر فكر أرسطو: Aristoteles. Grundlegung einer Geschichte seiner Entwicklung الفصل الأول)، حيث يتحدّث التاريخ أنّه لم يكن يحُق لأرسطو بمقتضى القانون الأثيني رئاسة الأكاديمية لأنّه لم يكن مواطناً أثينياً، وهذا ما يُبرِّر اختيار سبوسيبوس. كما أنّه غادر برفقة زميله كزينوقراط Xenocrates مُشبعاً بالروح الأكاديمية إلى آسيا الصغرى حيث كان زميلاه الآخران إراستوس Erastus وكوريسكوس Coriscus تلميذا أفلاطون المخلصان، لدى هيرمياس Hermeias حاكم أترنوس وأسوس، وهو بدوره كان من الزملاء القدامى في الأكاديمية. فاجتمع الشمل الأفلاطوني وانتشرت تعاليم المعلّم الروحاني.
لم يتخلَّ أرسطو عن أفلاطونيته طوال مشواره الفلسفي، سواء بالنهج الاستقرائي inductive أو الاستنباطي deductive، على الرغم ممّا قاله بعض الشارحين بأنّه في خلال مكوثه في آسيا الصغرى وأثناء فترة تعليمه للإسكندر بعد ذلك في البلاط المقدوني لفترة 5 سنوات كان قد كوَّن أفكاره المستقلّة الذي يُعارض فيها أفلاطون في نظرية المُثل، وخلود النفس، والكلّي والجزئي، وفي الواحد، وقِدَم العالم وإحداثه.

في الصورة والهيولى
فأرسطو استندَ إلى المُثل أو الصور الأفلاطونية كعناصر أزلية، لكنّه سعى مكمِّلاً لفلسفة معلّمه، إلى حل مشكلة التحقق الفعلي لتلك الصور في الوجود بأسلوب وسطي يجمع بين المثالية المفرطة والواقعية التفريطية، فحوَّل مُثُل (“إيدوس” eidos – εἶδος) أفلاطون إلى الثنائية المتلازمة للصورة “إيديا” (idea – ἰδέα) والهيولى (hulē – ὕλη) حيث “تتوق” الأخيرة عشقاً للتحقُّق والكمال في الأولى فتنتقل من القوة إلى الفعل. ومع ذلك بقيت الصورة هي الأرقى، لكونها الوجود بالفعل، في حين إنّ الهيولى هي الأدنى لأنّها الوجود بالقوة.

في الكُلّي والجزئي
كان المؤرّخون قد سلّطوا الضوء على معارضة أرسطو لأفلاطون في اعتباره الوجود الحقيقي هو الكُلّي “كاثولو” Katholou إذ إنّ الجزئي “كاثهيكاستون” Kath’hekaston “يجمع الوجود واللاوجود”، ونسبوا إليه، استقاءً من كتبه، تأكيده أنّ الوجود الحقيقي هو للجزئي، المركّب من الصورة والهيولى، المتحقق في الوجود، و”فهموا” منه أنّ الجوهر “أوسيا” Ousia الأول هو الجزئي في حين إنّ الجوهر الثاني الأقل مرتبة هو الكلّي.
لكنّ أرسطو يُشدِّد على المقدّمات الأفلاطونية لنظرية المُثل، أيّ أنّ العلم هو للكلّي الثابت لا علماً بالجزئي المتغيِّر إذ إنّ المتغيِّر ليس موضوع العلم. كما شدّد على أنّ الوجود الحقيقي هو للصورة أيّ الوجود بالفعل، لا للهيولى، أيّ الوجود بالقوة الأدنى بكثير، ونفهم منه بالتالي أنّ الجوهر الأول هو الكلّي كما قال أفلاطون، فكيف يجعل الجزئي المركّب من هيولى وصورة أرقى من الصورة الكلّية أو الفعل المحض؟ ومن أين جاءت هذه التأويلات المُغايرة، أم أنّ أرسطو قد وقع في مثل هذا التناقض الشديد المحيّر؟
ومهما يكن من أمر تلك التأويلات، يُلقي الفارابي، على سبيل المثال، في كتابه “الجمع بين رأي الحكيمَين” الضوءَ في هذه المسألة على الفارق بين “سياق الكلام” في كلّ حالة، إذ يقول إنّ “من مذهب الحكماء والفلاسفة أن يُفرّقوا بين الأقاويل والقضايا في الصناعات المختلفة، فيتكلّمون على الشيء الواحد في صناعة بحسب مقتضى تلك الصناعة، ثم يتكلّمون على ذلك الشيء بعينه، في صناعة أخرى بغير ما تكلموا به أولاً”(9)، حيث يشرح أنّ أرسطو يُقدّم الجزئي على الكلّي في سياق “المنطق” ويُقدِّم الكلّي على الجزئي في سياق “الإلهيات” وما بعد الطبيعة، كشأن معلّمه أفلاطون، أيّ مع اختلاف السياق اختلف القول.
وعلى هذا المنوال ساقَ أرسطو حديثه عن قِدَم العالم “الذي اتُّهِمَ به بالإلحاد لدى بعض مفكّري القرون الوسطى”، وهو قد تطرّق إلى هذ الفكرة أولاً في سياق جدلي، لا ماورائي أو إلهي، وذلك في كتابه “الجدل – طوبيقا” Topics. وبذلك بدا الحكيمان متفقين لا مختلفين من ناحية تقديم الجوهر، أيّ باختصار ما يتناوله أرسطو جدلياً من حيث اعتباره الوجود الجزئي هو الوجود الحقيقي هو غير ما يتناوله في الإلهيات حيث يعتبر الكلّي هو الوجود الحقيقي والماهية أو الجوهر الأول، وهو معتقده الأصلي.

في النفس
الإرباك في فهم أرسطو لحِقَ أيضاً بنظرته إلى النفس Psūchês (Ψυχῆς) والتركيز على قوله إنّ الصورة والهيولى متلازمتان غير منفصلتين ففُهِم أنّ لا وجود للنفس الناطقة من دون الجسد، لكنّ أرسطو في الحقيقة تحدّث (في كتاب “اللام” الفقرة 1070) عن بقاء “الجزء الخالد” من النفس بعد اندثار الجسد المادي الهيولاني، أيّ بقاء “العقل الفعّال” nous poietikos، ذلك الجوهر المفارق الذي يُميِّز النفس الناطقة، وهي لديه “كمال أول”، وهذا الجوهر في مرتبة أرقى من “العقل المنفعل” nous pathetikos المندثر المتصل بالنفس النباتية والأخرى الحيوانية. وهنا يُطرَح السؤال بقوة، أين اختلف أرسطو مع أفلاطون في مسألة النفس؟ ألم يتفقا على أنّ ثمة جزءاً عالياً من النفس خالدٌ وباقٍ بعد فناء الجسد وهو مصدر العلوم العقلية والإلهية؟

تختصر لوحة الرسام العالمي رافاييل التناغم الحكموي بين أفلاطون وأرسطو حيث يشير الأول بيده إلى السماء فيما يشير الأخير إلى الأرض.
تختصر لوحة الرسام العالمي رافاييل التناغم الحكموي بين أفلاطون وأرسطو حيث يشير الأول بيده إلى السماء فيما يشير الأخير إلى الأرض.

في العلم الإلهي
بالنسبة إلى “أشرف العلوم” وأسمى المعقولات، كما أطلق أرسطو بنفسه على “العلم الإلهي” Theologia (θεολογία)، ذلك العلم الأشد يقينيّة، “الفلسفة الأولى” (πρώτης φιλοσοφίας) وعلم “العلل الأُوَل” (αἴτια) aitia، حرص أرسطو، بدءاً من مقالته الأولى “ألفا” من كتابه “الماورائيات” أو “الميتافيزيقا”، المعروف لدى العرب باسم “كتاب الحروف”، على سوق الأدلّة والبراهين العقلية على وجود الله، ووحدانيته، وكماله، وثباته بكونه “محرّكاً لا يتحرّك” “أو كينومينون كيناي” (οὐ κινούμενον κινεῖ).
وأخذ عليه الباحثون تحدُّثه عن قِدَم العالم، لكنّ هذا ينطبق أيضاً على ما قاله الفارابي عن الفارق بين “سياق الكلام” في كل حال “بحسب المقتضى”، وتأكيده أنّ أقاويل أرسطو في العلم الإلهي لا المنطق “لها تأويلات ومعانٍ إذا كُشِفَ عنها ارتفع الشك والحيرة”(10). ويخلص أرسطو أخيراً في كتابه “الجدل – طوبيقا” إلى أنّ “قِدَم العالم مسألة لا تُثبَت بالبرهان”.

أما من ناحية المأخذ الثاني على أرسطو وهو أنّ المحرك الأول “لا يعقل إلا ذاته” وأنّ معرفته بالعالم تُنقِص من كماله، يعمد أرسطو في مكان آخر على انتقاد الفيلسوف إمبدوقليس Empedocles لإقصائه جزءاً من الحقيقة عن معرفة الله، ويعتبر أيضاً في مقالة “اللام” أو “لامبدا” (Λ) من كتاب “الماورائيات” (الفقرة 1076 سطر 4) أنّ الله theos (θεὸς) هو “الحاكم الأوحد للكون” بعدما أكد أنّه “تعتمد عليه السموات والأرض” (الفقرة 1072 سطر 13). فكيف يُفسِّر إذاً ذلك الإنطواء المجرّد؟ هل من قطبة مخفيّة؟
ومن ثم يتحدّث عن الدليل الأكبر ألا وهو “نظام (τάξισ) الكون البديع”(11) ومصدره الله، مشيراً على الرغم مَنْ قال بإلحاديته، إلى أنّ نظام الكون إنّما يدل على تنفيذ “خطة إلهية”، وهذا ما يُعارض مفهوم حصر معرفته في ذاته فحسب. ومع ذلك، لا يجد المنتقدون في مقالة “اللام” سوى هذا المعتقد الضعيف.
وقارن أرسطو في مقالة “اللام” أيضاً بين الواحد وقائدٍ يعود إليه نظام قيادة الجيش، أو كحاكمٍ للناس، وكذلك شبّه الكونَ بمنزل تُوكَلُ فيه المهام إلى جميع الأعضاء من الأرقى إلى الأدنى (الفقرة 1075)، وأشار إلى أنّ الله يحكم “بإرادته” مجرى الكون والزمان. وتظهر مثلُ هذه الأدلة أيضاً في كتب أخرى، وهي دفعت الإسكندر الأفروديسي إلى تأكيد إيمان أرسطو “بالتدبير الإلهي للعالم” بعد اثباته أنّه الصانع المنزّه بالوحدانية والكمال.

ومن ثم حينما يمدح أرسطو الفيلسوفَ أناكساغوراس Anaxagoras لاعتباره العقل (“نوس” ΝΟΥΣ) علّة النظام في الكون يقول في عبارة شهيرة “الله لا يفعل أيّ شيء عبثاً” (ἡ θεὸς οὐδὲν ποιεῖ ἅλματα)، فيؤكد بذلك التدبير الإلهي “برونويا” pronoia (πρόνοια) والنظام العام في الكون(12)، نافياً بذلك ما نُسِبَ إليه من قولٍ بغائيةٍ غامضة تكاد تكون “غائبة عن الوعي”، فكيف يتفق الحُكم والنظام والتدبير والخطة الإلهية مع مثل هذا المعتقد؟

وسعى أرسطو بذلك إلى تنزيه الله عن أيّ فعلٍ مباشر يُناقِض كماله المطلق، لكنّه أبدعَ هذا العالم بأمره وتدبيره من خلال “وسائط” أطلق عليها تسمية “العِلل الأُوَل” (αἴτια)، وهو كما يتبدّى من مقالة “اللام”، متعالٍ في عليائه المجرّد و”مُحايثٌ” أو “متلازمٌ” Immanent في الوجود في آن من خلال إتاحة معرفته لخلقه. ويختم أرسطو مقالة “اللام” بتلميحٍ واضح الدلالة، مقتبساً من “الإلياذة”: “حُكم الكثيرين غير صالحٍ، فليكُن هناك حاكمٌ واحد”. وهل يكون هذا الحاكم الواحد صالحاً ما لم تكن ثمة وسيلة لتواصُله مع رعيته وإتاحة معرفته لهم؟
إنّ الفكر الأرسطوطالي هو أفلاطوني المنحى، فلا خصومة ولا تناقضَ معرفياً بين الفيلسوفَين الكبيرَين إنّما حكمة متصلة مُنسابة تُكمِل النهج(13). ويقول في هذا “التكامل” السير دايفيد روس في كتابه “أرسطو” إنّه أينما تطلّعت في أعمال أرسطو الفلسفية “قلّما تمرّ صفحة لا تحمل روحية أفلاطون وسِماته وتأثيراته”(14)، حتى ولو سلّمنا بأنّ أرسطو كان يُحِب أفلاطون لكنّه كان “يُحِب الحقيقة أكثر”، كما نُقِلَ عنه، فإنّه قد التقط “مشعل المُثُل” من يد أفلاطون ليعدو به تقدّماً في نظرية الصورة والهيولى، والقوة والفعل، ليُسلِّم بدوره المشعل إلى غيره من العقول الوقّادة في مجرى تاريخ الفكر، وصولاً إلى إضاءة “الشُعلة الكبرى”.

وتعمل الأدلّة البحثية والحجج المنطقية والفلسفية على تأكيد هذا الانسياب الحكموي المتكامل. وفي هذا الصدد، كان فورفوريوس الصُّوري Porphyry of Tyre (Πορφύριος) أول من تمكّن في شروحاته من فهم فلسفة أرسطو على ضوء عقائد أفلاطون الفلسفية الأساسية وبتوافقٍ كبير، لا سيّما من ناحية قولهما إنّ هدف وجود الإنسان هو الحصول على السعادة، أو الطمأنينة العقلية، من خلال تحصيل العلم الإلهي.
وفي هذا الخصوص، يقول الأستاذ وولتر ستايس Walter Stace في كتابه “تاريخ الفلسفة اليونانية” إنّ “ما من فهمٍ أصيل لأرسطو يستطيع أن يُعزّز الرأي القائل إنّ مذهبه الفلسفي معارضٌ تماماً لمذهب أفلاطون، بل الأفضل القول إنّ أرسطو كان أعظم الأفلاطونيين لأنّ مذهبه لا يزال مؤسّساً على المُثُل … إنّ مذهبه في الواقع هو تطوُّر للأفلاطونية”(15). وعدم ترابط الأجزاء المختلفة لمذهب أرسطو الفلسفي، فضلاً عن نقص أعماله الواصلة إلينا، إنّما يعود إلى كون تلامذته هم مَن قام بجمعها وترتيبها على هذا النحو.
ولا بدّ من قطبة مخفيّة تربط هذه الأجزاء أو حبكة أخيرة تُوضِح الصورة النهائية. ويبقى عدمُ اكتمال كتاب “الماورائيات” وبقاؤه مبتوراً من دون فصلٍ أخير لغزاً محيِّراً لم يُحل بعد.

هل الخطوط الأساسية لهذا الفصل الماورائي الأخير هي وراء وضع كتاب “أثولوجيا” (معرّبة عن “ثيولوجيا”) أو “الربوبية” الذي نسبه العرب إليه، وهو يُعتبر اليوم منحولاً؟ وهل كانت حركة الترجمة التي أتحفت الفكر الإسلامي بهذه الروائع على هذه الدرجة من السطحيّة لكي تنسب إلى أرسطو كتاباً هو عبارة عن الفصول 4 و 5 و 6 من تاسوعيات أفلوطين Plotinus المعروفة باسم “إيساغوجي”، حسبما رتّبها تلميذه فورفوريوس الصوري؟ أمّا أنّ أفلوطين (بعدما “خلا بنفسه” على طريقة أرسطو) نسَجَ تعاليمه “غير المكتوبة” مرتكزاً على الخطوط الأساسية التي وضعها أرسطو في علم الربوبية، فالتبسَ الأمر فيما بعد على المؤرّخين؟
هل ما هو ناقصٌ أو مفقود من كتاب “الماورائيات” يُمهِّد أرسطو فيه، بالتدرُّج البرهاني، أنّه لا بدّ أن يكون ثمة “وجوبٌ” من نوعٍ ما لوجود “العقل الأول” First Intellect، وأنّ الكثرة والصور والمُثل “كامنة فيه بالقوة”، وبالتالي يكون “العلّة الفاعلة” Efficient Cause للوجود فيحُل بذلك عقدة فلسفية أساسية؟

إنّ مَنْ يتتبَّع الفلسفة اليونانية في ترقّي عبقريتها العقلية بحركة تصاعدية، تتويجاً بأفلاطون وأرسطو، يستشف أنّ الثمرة العقلية الروحية لهذين المعلّمين الكبيرين إنّما تهدف إلى تهيئة العقول وصقل النفوس تمهيداً لاستيعاب معارف أرقى. فالأرسطوطالية هي تطوُّر تكاملي للأفلاطونية، حيث تُكمِّل نظرية المُثُل ولا تُقوِّضها. وقد تابع أرسطو من حيث انتهى معلّمه أفلاطون ليؤكد وجود “الحقيقة” aletheia (ἀλήθεια) في عالمنا لكي لا نقع في العدم. وما قصده هو أنّ النفسَ لا تُدرِك الحقيقة في عالم أخرويّ منفصل، إنّما كمالها في هذا العالم بمعرفتها لوجود الموجود بجوهريتها وهي في آلتها الجسمانية. وتختصر لوحة الرسام العالمي رافاييل Raphael هذا التناغم الحكموي لمعرفة الحقيقة حيث يشير أفلاطون بيده إلى السماء فيما يشير أرسطو إلى الأرض.

ساحة أرسطو في سالونيك في اليونان
ساحة أرسطو في سالونيك في اليونان

كل الجهات… القدس!

لا تستطيع ، ولا أية مطبوعة ثقافية عربية، أن تكون بمنأى عن تحوّلات الحدث الجلل الحزين الذي ألقى بظله الثقيل على الأراضي العربية الفلسطينة أواسط الشهر الأخير من السنة الماضية والذي تمثّل بالقرار الجائر من رئيس الدولة الأولى في العالم اليوم (لجهة الإمكانات والقوة العسكرية والاقتصادية) دونالد ترامب والذي تضمّن الاعتراف بالقدس المحتلة عاصمة للكيان الصهيوني ونقل سفارة بلده بالتالي إليها.
وليس أدلّ على خطورة ما أقدم عليه الرئيس الأميركي ترامب من متابعة الإجماع الفلسطيني، والعربي، والإسلامي المسيحي، بل والدولي ضد خطوته على نحو جعل الولايات المتحدة (بين مشاهد مشابهة أخرى) تقف وحيدة في مجلس الأمن الدولي ضد باقي بلدان العالم الممثل في المجلس (14 صوتاً مقابل صوت الولايات المتحدة وحيداً) في جلسة 18/12/2017، إلى مشاهد مشابهة أخرى بدت فيها الولايات المتحدة مع إسرائيل في مواجهة العالم بأجمعه، فخطوة ترامب تنقض الاجماع الأممي والدولي في رفض أي تغيير للوضعية القانونية والسياسية للقدس في ظل الاحتلال، وفي اعتبارها مدينة فلسطينية محتلة إلى أن تجد حلاً نهائياً عن طريق التفاوض وليس الاحتلال العسكري، أو فرض الحلول بالقوة.
ومع الأسف لتخلي الراعي الدولي الأول عن مسؤولياته حيال ملف القدس، ومن باب تقديرنا مع العالم بأسره لخطورة خطوة ترامب، ليس حاضراً فقط، وإنما مستقبلاً وبالمعنى الشامل، كما عبّر عن ذلك بوضوح البيان الصادر عن سماحة شيخ عقل طائفة الموحدين الدروز بتاريخ….، وتضامناً مع المدينة الفلسطينية العربية، المسيحية الإسلامية بامتياز، فقد جعلنا للقدس ملفاً خاصاً أوّل، في العدد هذا جعلناه تحت عنوان

“كل الجهات… القدس”.
وبالرغم من عامل الوقت الذي يعقّد من متابعة الدوريات الفصلية للحدث المتحرك بسرعة، فقد كان الملف الذي جهّزناه تحت ضغط عامل الوقت أقل ما يجب القيام به إسهاماً ولو بالقليل في فضح بطلان الإجراء الأميركي المتسرع والجائر، وزيف كل المبررات التي استند إليها. مع التسليم ببطلان كل الأسباب والمبررات السياسية والقانونية التي أعطيت للقرار، وإفصاحه بالخط العريض عن وحدة الأهداف بين سياستي الولايات المتحدة وإسرائيل، فإن خلفية تصرف ترامب إنما أظهرت ثقافياً، برأي الكثيرين، إلى الأسباب السياسية الأخرى، حقيقتين اثنتين هما، أولاً تجاهله للحقائق التاريخية، وثانياً، تقديمه المصالح السياسية على حساب الحقائق والقيم. وإذا كان واحد من السببين أعلاه يكفي ليضلّ الحاكم سواء السبيل (رحمة الله على أفلاطون في ’جمهوريته’ وعلى الفارابي في ’مدينته الفاضلة’) فكيف إذا اجتمع السببان معاً.
نؤكد أن القدس فلسطينية عربية منذ ثلاثة ألاف سنة، وأن اليهود لم يسكنوها إلا للحظات، وبالمعنى الحرفي قياساً بزمنها الفلسطيني العربي المشرقي المديد. وبذلك فقد كرر الرئيس الأميركي مأساة وعد بلفور، أي لقد “أعطى من لا يملك” أرضاً لمن “ليس له حق فيها”. إذ وفق أي قانون يتصرف رئيس دولة ما (مطلق دولة، وكائناً ما كانت قوتها) بالحقوق الوطنية والتاريخية الثابتة وفق القانون الدولي (وأولها الأرض) فيقدّمها لجهة لا تملك أي حق له فيها؟

وللتذكير فإن العالم منذ سنة 1947، أي قبل اصطناع دولة إسرائيل، كان حريصاً على تنبيه الجميع إلى أن القدس هي فوق المصالح والسياسات، وأنها إرث روحي يخص العالم بأسره والمؤمنين بأسرهم. والعالم ذاك، ممثلاً بالأمم المتحدة بدأ حرصه على طلب إعلان القدس عاصمة للمؤمنين بأديان الله كافة، وليست لدين واحد، وختم إعلاناته تلك – حتى الآن – بإعلان مجلس الأمن سنة 2016 قراره الأممي رقم 2334 بتاريخ 23/12/2016 الذي نصّ صراحة على عدم اعترافه بأي تغيير في حدود الرابع من حزيران 1967 في ما خص الأراضي، بما فيها القدس، “إلا إذا توصّل الطرفان إلى تسوية في هذا الشأن، وعبر مفاوضات”. وما تصويت مجلس الأمن الدولي ثم الجمعية العامة للأمم المتحدة بما يشبه الإجماع ضد قرار ترامب، غير برهان إضافي على أن ترامب في واد، والعالم بإسره، تقريباً، في واد آخر.
ونؤكد مرة أخرى أن في القدس أقدس مقدسات المسيحيين والمسلمين (عشرات الأمكنة)، ولذلك فقد غدت القدس أولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين، كما أنها تحتفظ بتاريخ روحي مسيحي عريق.

ومع ذلك، فالأكثر خطورة في قرار ترامب هو تداعياته المستقبلية. فلم يتأخر بنيامين نتنياهو رئيس الوزراء الإسرائيلي بربطه أية مفاوضات في المستقبل مع الفلسطينيين باعترافهم أولاً بقرار ترامب اعتبار القدس يهودية وعاصمة ’أبدية’ لإسرائيل.
ولم تتأخر لجنة الاستيطان الصهيوني في استثمار الوضع الناشئ فأعلنت دون إبطاء عن النيّة لبناء أربعة عشر ألف وحدة سكنية جديدة في القدس المحتلة والمستوطنات الصهيونية المحيطة بها.
والتحرك الإسرائيلي السريع والمنسّق لاستثمار التصعيد الأميركي ليس غير جزء من الاستراتيجية الصهيونية المستمرة القائمة على عدم تقديم أية تنازلات – ولو صغيرة – بخصوص الأرض وإجبار الفلسطينيين والعرب بالمقابل على القبول بالأمر الواقع الجديد وقبول ما يبنى عليه. وأكثر الأدلة وضوحاً تصريح نتنياهو الأخير في باريس وما معناه أن الإجراء الأميركي يعجّل في عملية السلام التي تقوم على “اعتراف الفلسطينيين بالأمر الواقع”.

لكن حسابات حقل ترامب – نتنياهو لم تتطابق ومعطيات الحقل الفلسطيني، والعربي، والدولي. فقد أشعلت خطوة ترامب ردود أفعال فلسطينية غاضبة، من القدس المحتلة إلى رام الله وغزّة، وبدا أن الفلسطينيين قد توحّدوا من جديد وأنهم جاهزون للذهاب في التصدي للقرار الأميركي إلى أقصى حد، وإلى حدود ما يقترب من انتفاضة ثالثة بدت نُذُرُها في عدد الشهداء والجرحى والأسرى الذي باتت تحمله أخبار كل صباح من المدن والبلدات الفلسطينية.
عربياً، بدا أيضاً أن قرار ترامب قد أعاد القضية الفلسطينية، ومحورها القدس، إلى صدارة أولويات الشعوب العربية، بعدما نجحت المآرب السياسية الأنية في جعل ’الإرهاب’ هو القضية وعلى حساب القضية الفلسطينية. أعاد القرار الأميركي الأمور إلى نصابها وعادت القضية الفلسطينية في رأس أولويات القضايا العربية وربما العالمية أيضاً.
وانفجرت دولياً في وجه ترامب – نتنياهو مواقف من العالم بأسره، حكومات ومنظمات وشعوباً، في أوروبا وأميركا اللاتينية وإفريقيا وشرق أسيا، رافضة هذا الاستخفاف الأميركي بالحقوق التاريخية الوطنية للشعب الفلسطيني، وبالقرارات الدولية الصريحة في هذا الشأن.
القدس، مدينة السلام، زهرة المدائن، ’خزنة’ أديان التوحيد، وذاكرتها، ومن غير المعقول أن تستمر العربدة الصهيونية فيها أو حولها إلى ما لا نهاية. هي لحظة من الزمن وستمضي في النهاية، كما مضى غيرها، وتعود القدس قِبلة وملتقى لكل الباحثين عن السلام في مدينة السلام، ولبني البشر كافة، يجمعهم اشتراكهم في الجوهر الإنساني، والحقوق الأساسية المشتقة منه، كما يجمعهم إيمانهم، وما يشتق منه – ولا نقول يترتب عليه – من واجبات. وحين تتوازن الواجبات والحقوق، في الأفراد والعلاقات والسياسات، نقترب من تحقيق إنسانيتنا، وعلى قدر ما تسمح به ظروف عيشنا، وعلى أمل أن يكون ذلك خطوة في طريق خلاص أكثر شمولاً – نحو الحق والحقيقة.
تسهم ’الضحى’ في الحملة العربية، والإسلامية المسيحية، والدولية، ضد قرار ترامب بهذا الملف الذي جرى إعداده في وقت قصير، ويتضمن ثلاث فقرات:
– الإعلانات اللبنانية، والعربية، والمسيحية الإسلامية، التي
صدرت ضد القرار،
– بطلان قرار ترامب من وجهة نظر القانون الدولي،
– و”القدس في التاريخ”

كنيسة القيامة
كنيسة
القيامة

ردود الأفعال على خطوة الرئيس الأميركي الجائرة

في هذا الإطار، صدرت عن جهات روحية وزمنية عدة بيانات ووثائق استنكرت الإجراء الأميركي أهمها:
1- عن المجلس المذهبي لطائفة الموحدين الدروز،
2- الوثيقة الصادرة عن القمّة المسيحية الإسلامية في بكركي
3- التوصية الصادرة عن المجلس النيابي اللبناني.
4- القمّة الإسلامية في إسطنبول.
5- فضلاً عن إعلان الاتحاد الأوروبي موقفه الواضح عبر إعلانه
أن القدس الشرقيّة هي عاصمة دولة فلسطين…

◄ ففي بيان المجلس المذهبي لطائفة الموحدين الدروز في اجتماع
مجلس إدارته نهار الثلاثاء في 12/12/2017 برئاسة سماحة شيخ عقل طائفة الموحدين الدروز الشيخ نعيم حسن أكّد فيه «تمسّكه بالقدس كمدينة جامعة لها خصوصيّتها الروحانيّة الخاصّة وصفتها التمثيليّة للديانات السماويّة، رافضاً مصادرتها من أي طرف كان لاسيّما سلطات الاحتلال الإسرائيلي. وحذّر من التداعيات الناجمة عن مثل هذه القرارات. داعياً إلى تحرّك عربي عاجل يكون على مستوى هذا التحدّي الخطير الذي يطال المسلمين والمسيحيين على السواء، باعتبار أن القدس الشريف هي عاصمة دولة فلسطين المستقلّة»(1).

◄ كما أكّدت القمّة الروحيّة المسيحيّة الإسلاميّة التي عقدت في
بكركي نهار الخميس في 14/12/2017، على أن «تهويد القدس هو تحدّ لثلاثة مليارات شخص… وأن قرار الرئيس الأميركي ترامب الاعتراف «بالقدس عاصمة إسرائيل» يسيء إلى ما ترمز إليه مدينة القدس وهو مبني على حسابات سياسيّة… لا سيّما أن القدس تزخر بمواقع تاريخيّة مقدّسة لدى الديانات التوحيديّة وليست مدينة عاديّة كغيرها من مدن العالم لها موقع مميّز في ضمائر مؤمني هذه الديانات…».
وأشار البيان الختامي لقمّة بكركي إلى أنّ «أصحاب القداسة والغبطة والسماحة يرفضون هذا القرار ويطالبون بالرجوع عنه فضلاً عن مخالفته القوانين والمواثيق الدوليّة… وإن القدس الشرقيّة هي عاصمة دولة فلسطين…» (2).

◄ نهار الجمعة في 8/12/2017 انعقد مجلس النواب اللبناني
بدعوة من رئيسه الأستاذ نبيه بري في جلسة خاصة كرست لمناقشة خطورة خطوة الرئيس الأميركي حيال القدس والتداعيات المحتملة للقرار على الصعيد الفلسطيني والعربي والدولي.

كما جاء في البيان الختامي للقمّة الإستثنائيّة لمنظمة التعاون
الإسلامي المنعقدة في إسطنبول نهار الأربعاء 13/12/2017 ما يلي: «نرفض وندين بأشدّ العبارات القرار الأحادي غير القانوني وغير المسؤول للرئيس الأميركي ترامب، ونعتبره لاغياً وباطلاً، واعتداء على الحقوق التاريخيّة والقانونية والطبيعية والوطنية للشعب الفلسطيني، وتقويضاً متعمّداً لجميع الجهود المبذولة لتحقيق السلام، ويصب في مصلحة التطرف والإرهاب ويهدّد السلم والأمن الدوليين». على هذا الأساس، تعلن القمّة الإسلاميّة أن «القدس الشرقية هي عاصمة لدولة فلسطين وتدعو الدول إلى أن تعترف بدولة فلسطين وبالقدس الشرقيّة المحتلّة عاصمة لها، مؤكدين أن على واشنطن أن تنسحب من دورها في عمليّة السلام»(3).

توصية مجلس
النواب اللبناني

إن مجلس النواب اللبناني المجتمع في 8 كانون الأول سنة 2017 لبحث موضوع القرار الأميركي بخصوص القدس الشريف، يعتبر أن القرار المتعلق بنقل السفارة الأميركية والاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل يقود إلى الحروب ويهدد الأمن والسلام الإقليمي والدولي ويشكّل غطاء للاحتلال الإسرائيلي وعدوانيته وعملياته الاستيطانية وكل تجاوزاته على القوانين الدولية والإنسانية. كما أن القرار يشجع النوايا العدوانية الهادفة لأسرلة وتهويد فلسطين، ويهدد الآثار الناجمة عن ذلك بتنفيذ مشاريع التوطين وتذويب الشعب الفلسطيني وشطب القضية الفلسطينية تمهيداً لإعادة صياغة الجغرافيا السياسية في المنطقة العربية.
إنّ مجلس النواب إذ يستنكر ويدين هذا القرار يؤكد أن بناء وصنع السلام العادل والشامل في الشرق الأوسط إنما ينطلق من تأكيد الحقوق والأماني الوطنية للشعب الفلسطيني في العودة وتقرير المصير وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس وفي تنفيذ قرارات مجلس الأمن الدولية المتعلقة بالأراضي العربية.
والمجلس يؤكد على:
1- دعم حق الشعب الفلسطيني في مقاومته ونضاله المشروع
للتخلص من الاحتلال الإسرائيلي لنيل كل حقوقه في العودة وإقامة دولته المستقلة وعاصمتها القدس.
2- الرفض الشديد لموقف الإدارة الأميركية بشأن إقفال مكتب
منظمة التحرير الفلسطينية في واشنطن.
3- إدانة قرار الاحتلال الإسرائيلي الاستمرار في مشاريعها
الاستيطانية الاستعمارية في أراضي دولة فلسطين المحتلة.
4- إخلاء سبيل البرلمانيين الفلسطينيين المختطفين والمعتقلين في
سجون الاحتلال أو الموقوفين إدارياً مما يستوجب موقفاً عقابياً رادعاً من قبل البرلمانات والمنظمات البرلمانية الإقليمية والدولية وعلى رأسها الاتحاد البرلماني الدولي.
5- دعمه للمصالحة الوطنية الفلسطينية من خلال منظمة
التحرير الفلسطينية وتوجيه الطاقات كافة لاستكمال مسيرة الاستقلال الناجز بعودة اللاجئين إلى ديارهم وإقامة الدولة المستقلة كاملة السيادة.
6- توجيه كل الجهود العربية والإقليمية لوضع الإمكانات كافة
في سبيل إيصال الفلسطينيين لحقوقهم وتجنب كل الصراعات الأخرى.
7- إبلاغ هذه التوصية إلى الإدارة الأميركية باسم الشعب اللبناني
والحكومة اللبنانية ولأعضاء مجلس الأمن والجمعية العامة للأمم المتحدة، واعتبارها وثيقة رسمية باسم الشعب اللبناني.
بيروت في: 8/12/2017
رئيس مجلس النواب
نبيه بري

القدس
في التاريخ

د. صالح زهر الدين

في السادس من كانون الأوّل 2017، أعلن الرئيس الأميركي دونالد ترامب في وثيقة أطلق عليها «وثيقة الوعد» الرسميّة الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل بعد توقيعه عليها في البيت الأبيض. معلناً في الوقت نفسه أن القرار تأخّر، فأقدم حيث لم يجرؤ أيّ من أسلافه في البيت الأبيض، وهذه الوثيقة تقضي بنقل السفارة الأميركية من تل أبيب إلى القدس…
وحده بنيامين نتنياهو (رئيس الوزراء الإسرائيلي) هتف قائلاً: «هذا يوم تاريخي»، ثم ألا نستطيع القول، أن هذا الإعلان الترامبي هو «وعد ترامب» الأميركي مثلما هو «وعد بلفور» البريطاني واستكمالاً له؟
أليس هذا الإعلان الأميركي هو بمثابة «القرار الأخطر» في التاريخ الفلسطيني، الذي يعادل قرار «إقامة دولة الاحتلال الصهيوني» على أرض فلسطين العربية؟ أليس هذا «الوعد الترامبي» بخصوص القدس.
في ضوء ذلك نتساءل: لماذا القدس اليوم؟ وما أهميتها في التاريخ ماضياً وحاضراً ومستقبلاً؟ وماذا عن مصيرها ومقدساتها بعد قرار الرئيس الأميركي ترامب بشأنها؟ وما الموقف والاقتراحات إزاء ذلك؟
قال أحد الكتاب: إذا طُلِبَ من إنسان أن يعرّف عن نفسه، فإنه يقدم بطاقة هويته الشخصية أو جواز سفرٍ، أو إخراج قيد، أو ما شابه. وإذا طُلِبَ من أمّة أن تعرّف عن نفسها، فإنها تقدم علماءها ومفكّريها ومؤرّخيها وأطباءها ومهندسيها وفنّانيها وعباقرتها وأبطالها، كبطاقة تعريف لها… لكننا نحن بدورنا نقول إنه إذا طُلب من القدس أن تعرّف عن نفسها، فإنها ستقول بلا شك إسألوا التاريخ، لأن «الـقـدس مدينة التاريخ، وكأنها والتاريخ توأمـان لا ينفصمان»(1).
والجدير بالذكر، أن السيد المسيح عليه السلام دخل القدس راكباً على حمار تحقيقاً لنبوءة زكريا، واستُقبل بسعف النخل دلالة على انتصار كلمة الحق، وشرع في الوعظ ملقيا خطبة إثر أخرى. غير أنه أظهر غضباً كبيراً عندما رأى في ساحة الهيكل الباعة والبضائع وحركة التجارة، فطردهم صارخاً: “بيتي بيت الصلاة يُدعى، وأنتم جعلتموه مغارة لصوص”. بعد ذلك حاور كهنة اليهود ناقضا عليهم جمود الروح، ومرّة أخرى تصبح البقعةُ التي تقوم عليها القدسُ وما حولها اصطفاءً إلهياً لنشر العدالة في الأرض … وأخيراً توّجت أمجادُ الصبغة المقدسة للمدينة، باختيارها من قبل الباري سبحانه وتعالى، كموضع صلة بين السماء والأرض، إذ أسرى بالنبي الكريم إليها، ومنها عرّج إلى السماء، فكان أن اتخذ من المسجد الأقصى قبلة أولى للمسلمين(2)﴿سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَىٰ بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا ۚ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ1﴾ (سورة الإسراء). و«لا تُشَدُّ الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد: المسجد الحرام، ومسجد الرسول صلى الله عليه وسلّم (في المدينة المنوّرة)، والمسجد الأقصى» (رواء مسلم عن أبي هريرة).والـواقع، أن ما يجري الـيـوم مـن «توأمة» مـدن وقرى ومدارس ومستشفيات وغيرها في العالـم لن يصل إلى أهم «توأمة» في التاريخ ولن يشهد التاريخ بعدها «توأمة» بهذه الأهمية. تلك «التوأمة القرآنية» التي جمعت القدس بمكّة المكرّمة.
بعد أن أصدر الرئيس الأميركي (دونالد ترامب) قراره الشهير بشأن القدس، فإننا نستطيع القول أنّه إذا كان الناس في الماضي يستعينون بالنجم القطبي والبوصلة في تنقلاتهم، فإننا اليوم، بالنسبة للقدس والمقدسات، بحاجة إلى «قطب» وإلى بوصلة أيضاً، تدعى «بوصلة القدس»، لا تتجه إبرتها نحو الشمال – كما هو متعارف عليه – بل تتجه إلى هناك. إلى القدس وفلسطين فقط… لأنه لا‎ ‏ يمكن أن يوجد في العالم قضية يجب أن يتفق عليها العرب والمسلمون بحجم قضية القدس، فالقدس هي أرضُ الله ولا يمكن التنازل عن أرض الله مهما كانت النتائج، وإلا لن نكون جديرين بالانتماء الحق لرسالة السيد المسيح عليه السلام ولرسالة النبي محمد صلى الله عليه وسلّم، ولا لمدينة الله ومدينة السلام، التي رأى فيها الشاعر الإيطالي «دانتي» محورَ الكون، وبلغت من السموّ مركزاً قلَّ أن بلغه مكان آخر في العالم(3).
والحقيقة أن شعار «الـيـهـود شـعـب الله الـمختار» وشـعـارَ «الأرض الموعودة» يقول عنهما البابا الأنبا شنوده الثالث: «إن اليهود جاؤوا إلى فلسطين (التي يسمّونها الأرض الموعودة) ليس بوعد من الله، بل بوعد من بلفور»(4). الذي كان «أوّل وثيقة لخلق أوّل وطن قومي يهودي»(5)، ورغم ذلك، ستبقى القدس لؤلؤة العرب والمسلمين وضمير الأمّة، وأرضها من أقدمِ مواطن الإنسان، ولقد اختصّها الله بفضله دون بقاع أرضه فكانت من أقدم بقاع الأرض التي عرفت التوحيد ومهبط الرسالات السماوية ودرج على أرضها رسل كرام.
على هذا ستبقى القدس حاضرة فينا حضور القداسة في مقدساتها، وحضور العدل في ميزان العدل… حاضرة فينا حضور المسيحية في السيد المسيح عليه السلام، وحضور الإسلام في النبي محمد صلّى الله عليه وسلّم… وعندما كان من المستحيل أن تتبرأ المسيحية من مسيحها، وأن يتبرأ الإسلام من نبيّه الكريم، فمن المستحيل أن تغيّب القدسُ عنا، فهل نغيب عنها؟
في معرض ذلك، لا بد من الإشارة إلى بعض ما تطرّق إليه «الأب الروحي» للصهيونية الدكتور تيودور هرتزل، حيث قال: «إذا حصلت يوماً على القدس وكنت ما أزال حياً وقادراً على القيام بأي شيء، فسوف أزيل ما هو غير مقدس لدى اليهود، وسوف أحرق الآثار التي مرت عليها القرون»(6).
أليس ما يجري حالياً – وما جرى – في القدس هو التعبير الحيّ عمّا ذكره هرتزل؟… فلو كان هذا الكلام الهرتزليّ بمثابة ‎«وصيّة»،‏ لما كان اليهود ينفذونه بهذه الدقّة وبهذه الروحية الهرتزلية الصهيونية…
وفي هذا الإطار، قال دافيد بن غوريون أيضاً: «إذا أردنا خلاصاً يهودياً مئة في المئة، فلا بدّ من استيطان عبري مئة في المئة، ومزرعة عبرية مئة في المئة، ومرفأ عبري مئة في المئة..»(7). وبالطبع فإنه يتضمن القدس كحلقةٍ مركزيةٍ في السلسلة اليهودية، لذلك نرى بن غوريون يقول: «لا قيمة لإسرائيل بدون القدس ولا قيمة للقدس بدون الهيكل»(8).
والجدير بالذكر، أن اليهود بارعون صهيونياً بفبركة «مطابخ الأفكار» و«مـصانع الـمـزاعـم والادعاءات» وليس زعـمـهـم وادعاؤهم بـ «يـهـودية» القدس، إلا من هذا القبيل والتي تعود إلى أيام النبيين داوود و سليمان (ع)، في أعقاب احتلال القدس في القرن العاشر ق. م. حيث لم تدم سيطرتهما عليها أكثر من 70 عاماً… بينما تؤكد وثائق التاريخ وآثاره (كما سنرى لاحقاً) أن القدس مدينة عربية كنعانية: وليست يهودية حكمها العرب أكثر من ثلاثة آلاف سنة، بينما حكمها اليهود حوالي 70 سنة فقط… فحقائق التاريخ إذن، أصدق من اليهود ومزاعمهم وأباطيلهم، ولن تغيّر القوّة شيئاً من هذه الحقائق، مهما برعت أيادي التشويه والتحريف والتزوير في هذا الفن… فالقدسُ التي دخلها الملك داوود واحتلها لم تكن مدينة داوود، ولا مدينة اليهود، بل كانت مدينة موجودةً وقائمةً بذاتها، ولم يبنها داوود… وقد أكّدت كل الحفريات التي قامت بها كل البعثات الأجنبية واليهودية أنها لم تقدم حتى الآن أي دليل أو أثر يهودي يعود إلى عصر داوود وسليمان في منطقة القدس، والأقصى تحديداً….
من هذا المنطلق، فقد تعرضت القدس بعد الحربين العالميتين الأولى والثانية، إلى ما يشبه «ضربة السكين» في سنة 1948، فشطرتها إلى قسمين. فبعد أن أعلن قيام دولة الاحتلال الصهيوني في منتصف شهر أيار 1948، ونشبت المعارك العربية – الإسرائيلية على هذا الأثر، تعيّن الخط الفاصل بين الجزء الغربي من القدس، والجزء الشرقي منها بتاريخ 22 تموز 1948، ثم وقّع الأردن مع دولة الاحتلال الصهيوني اتفاقية وقف إطلاق النار على الجبهة الشرقية في 30 تشرين الثاني 1948، وتبعتها اتفاقية هدنة وقّعها الطرفان في 3 آذار 1949… وبتوقيع هذه الاتفاقية تمّ في الواقع تأكيد حقيقة اقتسام مدينةِ القدس بين الطرفين: الجزء الغربي الموجود فيه الجيش الإسرائيلي لإسرائيل، والجزءُ الشرقي الذي كان تحت سيطرة الجيش الأردني للأردن(9). وبعد حرب حزيران 1967، وقعت القدس الشرقية تحت الاحتلال وبدأت إجراءات تهويدها على قدم وساق، ولا تزال منذ ذلك الوقت، والحكومات الإسرائيلية المتعاقبة تعمل تارة بالسرّ وتارة بالعلن على تهويد المدينة المقدسة وتوسيع بؤر الاستيطان، ووضع البرامج المنظمة والمكثفة لبلوغ هذا الهدف. وقد جاء قرار ترامب اليوم تتويجاً لكل هذه الإجراءات المخالفة للقرارات الدوليّة…
ففي 7 حزيران 1967 – مثالاً- بعد أن احتلت القوات الإسرائيلية القدس القديمة، وأحكمت قبضتها على المدينة برمتها، تقدم «موشي دايان» و«شلومو غورن» حاخام الجيش الإسرائيلي في اليوم التالي ليقف على رأس ثلّة من الجيش بالقرب من حائط المبكى -ـ الحائط الغربي للحرم القدسي الشريف – ويقيم الشعائر الدينية اليهودية معلناً في ختامها: «إن حلم الأجيال اليهودية قد تحقق، فالقدس لليهود ولن يتراجعوا عنها وهي عاصمتهم الأبدية»(10)، وكذلك قال دايان: «لا فراق بعد اليوم، ولا عزلة، ولا ابتعاد. سنبقى معاً: الشعب والأرض والحائط».
بعد ذلك التاريخ، وسلطات الاحتلال الصهيوني تواصل حملات وإجراءات التطبيق لمخططات الضم بغية ضمان السيطرة على القدس عسكرياً وجغرافياً وسكانياً ولم يكن ليتسنّى لها ذلك دون أن تحقق السيطرة الاستراتيجية والسيطرة الديموغرافية، وذلك عبر التوجهات التالية:
1- السيطرة الجغرافية على أكبر مساحة مختلفة من الأراضي
المحيطة بالمدينة عن طريق مصادرة الأراضي والاستيطان وإقامة شبكة طرق.
2- عزل التجمع السكاني العـربي في القدس عن التجمعات
السكانية العربية في الضفة الغربية.
3- تطويق القدس بأحزمة استيطانية متصلة قوية، على شكل
تجمعات سكانية تحقق إقامة عازل سكاني يهودي بين القدس وخارجها من جهة، وتحقق سيطرة استراتيجية على التجمّعات العربية داخل القدس من جهة أخرى.
4- تصميم الضواحي الاستيطانية بأساليب بناء فاصلة تخدم
الغرضين: المدني في حالة السلم، والعسكري في حالة الحرب(11).
وبالفعل فقد أقدمت دولة الاحتلال الصهيوني على ضم القدس إدارياً وسياسياً وقضائياً للسيادة الإسرائيلية بتاريخ 28 حزيران 1967، مُقدمة بعد ذلك على سلسلة من الإجراءات على طريق «القضـم والهضـم والضـم» وفق مخطّط «الطرد الصامت والتفريغ الصامت والتهويد الصامت» (والصارخ في الوقت نفسه)، لكامل المدينة. ومن أبرز هذه الإجراءات ما يلي:
1- حل مجلس أمانة القدس العربي ومصادرة سجلاته وأملاكه
المنقولة وغير المنقولة وإلغاء كافة القوانين السائدة واستبدالها بالقوانين الإسرائيلية وإجبار عرب القدس على مراجعة المحاكم الإسرائيلية.
2- مصادرة 131 ألف دونم دفعة واحدة إضافة إلى عشرات
العقارات وأربعة أحياء عربية كاملة وهدم 720 منزلاً ومزرعة داخل أسوار المدينة وإجلاء السكان عنها بالقوة.
3- إحراق المسجد الأقصى بتاريخ 21 آب 1969 وإصدار أمر لليهود
بالصلاة داخل الحرم الشريف إضافة إلى القيام باعتداءات متواصلة على عدد من الكنائس المسيحية، ومنها كنيسة القيامة وممارسة الضغوطات المتواصلة على رجال الدين المسيحي للتنازل عن أملاك أراضي كنائسـهـم، مما أدّى إلى انخفاض عدد رجال الدين المسيحي إلى الثلث والأراضي إلى النصف. ومن المعروف بأن الذي أحرق المسجد الأقصى كان الأسترالي الماسوني «دينيس مايكل روهان» بتكليف من جهاز المخابرات الإسرائيلي (الموساد) وتنسيق منه مع المحفل الماسوني الأسترالي.
4- قامت السلطات الإسرائيلية بإغلاق كل المصارف (البنوك)
العربية ومصادرة أموالها وإجبار عرب القدس على التعامل مع البنوك الإسرائيلية.
5- منعت السلطات الإسرائيلية التعليم العربي وصادرت الكتب
العربية وطردت المعلمين العرب، أو أبعدتهم إلى الخارج.
6- منعت جميع العرب «الغائبين» أثناء القتال عام 1967 من
العودة وصادرت أملاكهم ويقدّر عددهم بعشرات الآلاف.
7- أغلقت – ولم تزل تغلق – المؤسسات الفلسطينية الدينية
والخيرية والطبية.
8- قامت باستبدال أسماء الشوارع والساحات بأسماء إسرائيلية
لطمس المعالم العربية والإسلامية في المدينة.
9- إنشاء أحياء يهودية داخل وخارج السور وإقامة محيط كامل
من المستوطنات والمساكن والمتاجر اليهودية والمصانع والمنشآت الإسرائيلية.
10- فتح النوادي والملاهي الليلية الاستفزازية قرب المساجد كما
حدث قرب مسجد سعيد في البلدة القديمة.
11- مصادرة شركة كهرباء القدس العربية ووضعها تحت تصرف
الحاكم العسكري الإسرائيلي.
12- فتح باب الهجرة أمام اليهود وتشجيعهم على الإقامة في
القدس وتقديم الأراضي مجاناً.
13- نقل الكثير من المؤسسات اليهودية إلى القدس الشرقية وفي
مقدمتها «الوكالة اليهودية» و«المنظمة الصهيونية» وبعض المقرّات الحكومية الإسرائيليّة…
14- تشجيع الدول الأجنبية على نقل سفاراتها من تل أبيب إلى
القدس، وقد وافقت الولايات المتحدة الأميركية على هذه الخطوة الاستفزازية بعد موافقة الكونغرس على شراء أراض وإقامة السفارة الأميركية عليها، على أن يتم نقل السفارة من تل أبيب إلى المبنى الجديد في القدس بحلول عام 1999»(12). مع العلم أن الأساقفة الكاثوليك الأميركيين (الذين يتبعون للفاتيكان)، أعلنوا معارضتهم لنقل السفارة الأميركية من تل أبيب إلى القدس، بلسان الأب «بريان هير Brian Hair ‎» أمين لجنة «العدل والسلام» في الولايات المتحدة(13).
15- متابعة أعمال التنقيب والحفر التي بدأت منذ سنوات طويلة،
رغم أنه لم يتم الكشف عن أي آثار يهودية في المنطقة، وحتى في مدينة سلوان نفسها (التي يطلق عليها بالعبري «مدينة ‏داوود») وتقع جنوب شرقي الحرم الشريف، واكتشف فيها ثلاثة من علماء الآثار ‏اليهود وهم: جدعون أفني، وروني رايخ، ويائير بيكوفيتش، اكتشفوا منذ‎ سنوات قليلة، شارع «ملكي صادق» (اليبوسي الكنعاني العربي)، وقد نشرت‎ جريدة «يديعوت أحرونوت» نتيجة أبحاثهم هذه (التي لم تعجب بالطبع الساسة‎ ‏الإسرائيليين) وقال هؤلاء العلماء بجرأة: «إننا نحني رؤوسنا احتراماً ‏لليبوسييين الكنعانيين الذين خلقوا هذه المدينة والحضارة العظيمة، وقد كانت‎ ‏مدينة القدس اليبوسية هذه ضعف مدينة القدس الحالية(14).‎
‏ومما لا شك فيه، أن اكتشاف هؤلاء العلماء الأثريين اليهود له أهمية‎ ‏بالغة، باعتباره ينسف كل مزاعم اليهود وادعاءاتهم بشأن القدس ومقدساتها.‎ ‏وهذا ما يؤكد بأن القدس (كما أسلفنا) ليست مدينة داوود. بل هي مدينة كانت‎ ‏قائمة، فدخلها داوود ولم يبنها أبداً… إنها كنعانية يبوسية عربية وليست ‏يهودية… حكمها العرب منذ ثلاثة آلاف عام، بينما لم يحكمها اليهود أكثر‎ من 70 سنة فقط أيام داوود وسليمان، أي بنسبة 2% فقط من سنوات الحكم‎ الإجمالي لهذه المدينة… وكما قال ‏عنها المؤرخ عارف العارف «إنها أقدم‎ بقعة ذكرها التاريخ آمنت بالله الواحد لا شريك له يشمل بعنايته جميع الخلق»(15).
بالمقابل أوضح تقرير سرّي أعدّته لجنة خبراء مختصّين إسرائيليين، يقضي بوضع حلول سريعة لفرض السيطرة والسيادة الكاملة على القدس الشرقية، على الشكل التالي:
شكلت الحكومة الإسرائيلية لجنة خاصة لوضع الحلول اللازمة برئاسة وزير الأمن الداخلي «أفيغدور كهلانى» وعضوية أبي بلوشتاين، الدكتور صموئيل برنر، شالوم غولدشتاين مستشار رئيس بلديّة القدس للشؤون العربيّة، ومندوبي الأجهزة الأمنية المختلفة – الشرطة، الموساد – الشاباك (شين بيت) – وبقيت اللجنة تعمل على مدار سبعة أشهر، فعقدت لقاءات عديدة مع كبار المسؤولين في الوزارات، وبلورت خطة عمل منظمة تتضمن تعزيز احتلال القدس الشرقية.
هذا ما صرّح به صموئيل برنر لراديو الجيش الإسرائيلي، والذي أضاف: إذا لم تؤخذ هذه المقترحات بعين الاعتبار، فإن القدس الشرقية ستبقى تحت رحمة الفلسطينيين عشرين عاماً آخر.

وكانت توصيات هذه اللجنة على الشكل التالي:
أولاً: طالبت اللجنة بفرض السيطرة والسيادة على القطاع الصحي بالكامل، حيث لاحظت أن هذا القطاع هو فلسطيني 100%، مع العلم أن السلطات الإسرائيلية منذ 1967، لم تقدم لهذا القطاع شيئاً أبداً… كما طالبت، ليس فقط بتعيين مديرين يهود للمشافي، وأن تشرف الوزارة على توزيع واستيراد الدواء، بل طالبت كذلك حتى بتغيير الأسماء العربية للمشافي.
ثانياً: ذكر التقرير أن كل المعامل والمصانع والمشاغل موجودة في القدس الغربية مما جعل الهواء ملوثاً وغير صحي 100%، عكس القدس الشرقية، حيث لا يزال هواؤها نظيفاً وغير ملوّث. وقد انعكس ذلك على كل المظاهر الحياتية الأخرى، وخاصة السياحة… فطالبت اللجنة بتوصياتها توزيع المعالم بالمناصفة بين القدس الشرقية والقدس الغربية، للتخفيف من حدة التلوّث على الأقل.
ثالثاً: لاحظت اللجنة أن الطابع العربي الشرقي الخالص بات ميزة واضحة في شرقي المدينة حيث أصوات المؤذّنين وانتشار المساجد وصلوات الجمعة والشوارع الضيقة، والأبنية الشرقية، فأوصت اللجنة بإصدار قرار يمنع «مكبرات الصوت» في المساجد التي تثير «الضجة الدائمة» في المدينة، وتشحن نفوس السكان، بالقوّة؛ كما طالبت اللجنة بإصدار أمر فوري بإيقاف بناء المساجد في كل أنحاء المدينة وتوسيع الشوارع وهدم عدد من المساجد بهذه الحجة.
رابعاً: يجب العمل فوراً على منع الباعة المتجوّلين في كل أنحاء المدينة، لأن هؤلاء معروفون على أنهم عيون للمنظمات الفلسطينية كما يقول الناس.
خامساً: يجب التسريع باتخاذ خطوات سريعة جداً في سبيل إقامة وحدات استيطانية وأبنية ذات طابع يهودي خالص لأن الطابع العربي لم يزل مهيمناً تماماً على القدس الشرقية، لذلك يجب تغيير أسماء الشوارع والحارات… وحثّ كافة الوزارات على فتح مكاتب وفروع خدمات ومساكن للموظفين اليهود وإقامة محطات شرطة إسرائيلية بالسرعة الممكنة.
سادساً: لفت التقرير نظر المسؤولين إلى شيء هام جداً وهو خطباء المساجد والمؤذّنين حيث يتبع هؤلاء إلى مكتب الشيخ حسن طهبوب وزير الأديان في السلطة الفلسطينية ورئيس المجلس الإسلامي الأعلى في القدس، والمشرف على النشاطات الدينية والأعياد… والشيخ طهبوب هو المسؤول عن تعيين خطباء المساجد والمؤذنين والإشراف على كتابة خطبة الجمعة في كل المساجد والتي من خلالها يحثّون الناس على عدم التعامل مع «إسرائيل» ويحذّرون من بيع الأراضي أو إسكان اليهود، ويهدرون دم كل شخص يبيع أرضاً لليهود… كما يشرف الشيخ طهبوب على الجمعيات الخيرية التي تقوم بترميم البيوت القديمة المتصدّعة… لذلك أوصت اللجنة في تقريرها بطرد الشيخ حسن طهبوب إلى خارج القدس وإغلاق مكتبه في شرقي القدس، كما أوصت اللجنة بإغلاق المساجد يوم الجمعة والاكتفاء بمسجد واحد فقط، ومصادرة الوقف الإسلامي ووضع لجنة خاصة للإشراف تتبع لوزارة الأديان الإسرائيليّة.
سابعاً: قضى التقرير أيضاً بضرورة إدخال الشرطة الإسرائيلية إلى المدينة وتقاسم العمل مع الشرطة الفلسطينية إلى أن يحين طردها خارج القدس… وكذلك ضرورة الإشراف على المحاكم في القدس الشرقية وعلى المحاكم الدينية إشرافاً مباشراً، وتعيين القضاة، وتنظيم مهنة المحاماة، وإبعاد كل محام غير ملتزم بالقوانين الإسرائيلية إلى أراضي الحكم الذاتي… كما أوصى التقرير بالإشراف التام على المناهج الدراسية ومنع ترديد الأناشيد الفلسطينية(16).
‎ هذا على الصعيد الصهيوني؛ أما على الصعيد الفلسطيني فقد كشف تقرير رسمي فلسطيني(17)، الممارسات الإسرائيلية المتواصلة منذ احتلال الشطر الشرقي من مدينة القدس بهدف تهويدها وطمس معالمها العربية والإسلامية وتحقيق أغلبية سكانية فيها. تطرق التقرير إلى أبرز المستجدات في المخططات الاستيطانية التي تنشط لتنفيذها الجهات الرسمية والحركات الدينية المتطرفة صهيونياً.

الخطط الحكومية
أولاً: خطة المدراء العامين في لجنة شؤون القدس
المشكّلة من عدة وزارات إسرائيلية وتقوم على:
1- بناء 7500 وحدة سكنية في مستعمرة «هارحوماه» في جبل أبو
غنيم؛ وخصوصاً على الأرض التي أعطاها البطريرك الأرثوذكسي في القدس ثيـودوروس إلى بلدية القدس عام 1992 من الأراضي التابعة للكنيسة الأرثوذكسية في مار الياس على المشارف الجنوبية للقدس… إنها أحد أبرز مرتكزات عملية إقامة مستوطنة جبل أبو غنيم، فضلاً عن أنها «مشروع بالغ الخطورة لأنه يشكل آخر حلقة من حلقات الاختناق في سلسلة المستوطنات التي تزنّر (القدس الكبرى)(18). ‏
يضاف إلى الوحدات السكنية في منطقة جبل أبو غنيم هذه، 3500 وحدة سكنية في مستوطنة «بسغات زئيف»، وإضافة 3500 وحدة سكنية في مستوطنة «جفعات همطوس»: وفي بيت صفافا إضافة 2200 وحدة سكنية. هذا إلى جانب إقامة 3500 وحدة سكنية جنوباً، و6000 وحدة سكنية غرباً، وألفي وحدة سكنية في الوسط، وألفي وحدة سكنية شمالاً، إضافة إلى إقامة ألف وحدة سكنية في مناطق ضمّت للقدس عام 1992 من جهة الغرب… إنه العمل على مشروع «القدس الكبرى» الذي سيفقد القدس جمالها ويحوّلها إلى مدينة سكنية بعد أن كانت مدينة دينية سياحية، وقد وصف البروفسور «برونسفى» أحد كبار المهندسين الإيطاليين الأعمال التي تمت في بناء القدس بأنها انتحار جماعي نتيجة الفشل الذريع.(19)
2- تقديم مساعدات للمصانع في مستوطنات القدس بنسبة تزيد
عن 10% عن أعلى نسبة تقدم في مناطق التطوير الأخرى.
3- مساعدة المصانع في مستوطنة «عطروت» قرب قلنديا.
4- يحصل اليهود العاملون في الصناعات المتطورة في القدس على
إعفاءات ضريبية.
5- تخفيض أسعار السكن في المستوطنات بحيث لا يزيد سعر
الشقة عن 7 إلى 10 آلاف دولار.
6- تعبيد الشارع الشرقي ليستكمل طوق الشوارع المحيطة بالقدس
من الشرق والشمال والجنوب، ويوصف هذا الشارع بأنه «ذو أهمية أمنية وسياسية كبرى…».

ثانياً: خطة بلدية القدس الغربية:
لقد أعد مهندس إسرائيلي يدعى «يورام بوغل» خطة للبلدية تشمل بناء مساكن ومحلات تجارية ومنتزهات ومناطق صناعية وقد بدأ بتنفيذ المرحلة الأولى من المشروع قبل فترة وجيزة ويشمل:
1- إقامة مركز تسوّق على مساحة 50 ألف م2 وبرج بارتفاع
30 طابقاً، وحديقة تكنولوجية من 8 طوابق ومكاتب وكاراجات ومواقف سيارات.
2- إقامة ثلاثة جسور تشكل امتداداً بين التلة الفرنسية ومستوطنة
«بسغات زئيف».
3- توسيع الشوارع وبناء خط قطار ومركز تعليمي وآخر طبي،
وجسر يربط بين شقيّ مستوطنة «بسغات زئيف) بطول 250م وارتفاع 30م فوق الوادي.

ثالثاً: مشروع وزارة الإسكان الإسرائيلية وتتضمن: بناء 28949 وحدة سكنية في المستوطنات القائمة في محيط الخط الأخضر والقدس الكبرى، على أن يتم إنجاز 15 ألف وحدة سكنية منها مع نهاية عام 1998.

رابعاً: توسيع مستعمرة افرات: بناء 708 وحدات سكنية على التلّة المحاذية لمستوطنة افرات، وتعبيد شارع التفافي من منطقة «هيروديون» يلتف حول بيت ساحور وزعترة وينتهي في جبل أبو غنيم.

أما الخطط غير الحكومية: تتمثل بمواصلة أنشطة الجمعيات الاستيطانية بدعم حكومي في الاستيلاء على الأراضي والعقارات الفلسطينية، بهدف إنشاء أحياء استيطانية أفقية على شكل فيلات من طابق واحد لإسكان المتطرفين، ومن بين هذه المنظمات الاستيطانية جمعية «عطيرات كوهانيم» و«أمناء جبل الهيكل» وجمعية «ليوشناه» وغيرها، ومعظم هذه العقارات تقع في الحي الإسلامي وخصوصاً في المنطقة المحيطة بالمسجد الأقصى المبارك… وكذلك الاستيطان في بلدة سلوان (التي يطلق عليها بالعبري «مدينة داوود»).. وأكثر عمليات الاستيلاء هذه تتم عن طريق تزوير وثائق وعقود ملكية، تقوم بها جمعية تدعى «ألعاد»، عبر ملفات الضريبة والطابو التي تحولها للمستوطنين.
يرافق هذه العمليات التي تأخذ طابع «حمّى الاستيطان»، تضييقات ضد المواطنين العرب ممنهجة ومكثفة وأكثر ما تتعلق بالأطفال المقدسيّين الذين ترفض سلطات الاحتلال تسجيلهم في هويات ذويهم، وبالتالي عدم الاعتراف القانوني بوجودهم وحرمانهـم من السكن والإقامة في القدس. وقد سحبت ‎هويات 470 عائلة مقدسية. إلى جانب 1425 عائلة يعتبرها الاحتلال الإسرائيلي في عداد فاقدي حق الإقامة. إضافة إلى مئات الطلاب المقدسيين الذين كانوا يدرسون في الخارج تلقّوا إخطارات بسحب هوياتهم… إنه مشروع خطير جداً يقضي بالاقتلاع من الجذور المقدسية والمستقبل المقدسي… لكن صمود ومقاومة عرب القدس وإرادتهم في الدفاع عن مدينتهم تتحدى كل الإجراءات، مما يتوجب علينا مساعدتهم ودعمهم بكل ما نستطيع انطلاقاً من واجبنا الوطني والقومي والديني والإنساني…
في هذا الإطار، نرى لزاماً علينا أن نشير إلى بعض العينات كنماذج صمود (ذكوري وأنثوي) في التعلق بالأرض والمقدسات والكرامة… ولعلّ نموذج «الحاج موسى الخالص» والسيدة «هناء أبو هيكل»، خير تعبير عن هذا الواقع. وهما من الذين رفضوا بيع ممتلكاتهم لليهود رغم الإغراءات الهائلة التي قدّمت إليهما…»(20). ‏

في ضوء هذا الواقع نستطيع تسجيل النقاط التالية:
أولاً: إن سياسة التهويد الإسرائيلية هي سياسة تقطيع الأوصال، واستئصال الجذور… لأن التهويد يعني محو كل ما هو غير يهودي (كما قال هرتزل) وجعل كل ما في المدينة المقدّسة ومن فيها من الحجر والبشر والشجر، يهودياً… إنها عملية شطب الماضي التاريخي والجغرافي والديموغرافي والحضاري من خارطة الوجود الإنساني للقدس – وفلسطين – واستبدالها بوجود لا صلة له ولا علاقة بهذه الأرض والتاريخ والحضارة، بمعنى استئصال الأصيل وزرع الدخيل… ذلك لأن القدس وفلسطين والشرق، مهد الأديان السماوية ومهد الحضارات الإنسانية.
ثانياً: هناك مجسّم للقدس، ومـجـسـّم آخر للهيكل، أعدّهما يهود الولايات المتحدة الأميركية، ويعملون على تنفيذه في الفرصة المناسبة، بينما ينتظر العرب والمسلمون لكي يهدم المسجد الأقصى ليتحركوا؟ وكم من المرات انتهك الصهاينة حرمته ودنسوا مقدساته، ولم يُواجهوا إلا بالشجب والاستنكار؟
ثالثاً: إن تهويد القدس يعني صرف الاهتمام الإسلامي والمسيحي بمصير المدينة المقدسة… وإن الهدف الصهيوني من تهويد القدس هو محو طابع القداسة والتقديس عنها، بمعنى تهويد القداسة، وإفراغها من قدسيّتها…
رابعاً: إن احتفالات اليهود بالذكرى الألفية الثالثة للقدس معناها: «ليس الجانب التاريخي فقط، وإنما الظهور أمام العالم بمظهر أنهم أصحاب الحق بالمدينة، وإن علاقتهم بها تفوق علاقة أي شعب آخر… وبالتالي دفع العالم للاعتراف بالقدس «كعاصمة أبدية لإسرائيل» من خلال فرض الأمر الواقع»(21).
خامساً: يقول البعض إنه لو قرأ المسؤولون الغربيون كتاب «كفاحي» لأدولف هتلر قبل نشوب الحرب العالمية الثانية عام 1939، لكانوا قد جنّبوا ‎العالم معظم كوارث هذه الحرب ومآسيها، ونحن بدورنا نقول أنه لو قرأ المسؤولون العرب كتاب بنيامين نتنياهو «مكان تحت الشمس.. إسرائيل والعالم»، قبل وصوله إلى الحكم (وبعده) لوفّروا على أنفسهم كثيراً من عمليات: الاستهجان والاستغراب لسياسة نتنياهو هذا، باعتباره ينفذ «برنامجه الاستراتيجي» المعلن…
سادساً: إن دينيس مايكل روهان (الذي أحرق المسجد الأقصى عام 1969) وباروخ غولدشتاين (الذي نفذ مجزرة الحرم الإبراهيمي) وتاتيانا سوسكانيد (التي رسمت شكلاً للنبي الكريم ينمّ عن حقدها ووقاحتها وبعدها النيل من السيدة العذراء) ليسوا سوى «الصنف النموذجي النقي» الذي سيشكل «دولة اليهود» في فلسطين المستقبل… التي ستسمى «دولة إسرائيل».
سابعاً: إن إيماننا بعروبة القدس وإسلاميتها هو إيمان واحد وثابت لا يقبل الخلل ولا الزعزعة ولا التجزيء، لأن القدس واحدة ولا تقبل التجزيء أيضاً… وإن مخطط الاقتلاع والتهويد لا يقتصر على المقدسيين فقط، بل يطالنا جميعاً كعرب ومسلمين في الصميم أينما كنا… والفرق كبير جداً بين التاريخ العربي للقدس، والتاريخ العبري العابر فيها…
ثامناً: إذا كان «وعد بلفور» في القرن العشرين منذ 100 سنة، يضم 67 كلمة / قد غيّر تاريخ المنطقة، فإنّ «وعد ترامب» بخصوص القدس، يحتوي 1200 كلمة في 13 دقيقة، يكرّس وعد بلفور ويعطيه الشرعيّة الدولية في القرن الحادي والعشرين…
فأيّة تداعيات سيحملها «وعد ترامب» تجاه القدس خصوصاً، وتجاه فلسطين والعرب بشكل عام في ظل «استراتيجيّة» الشجب والاستنكار اللفظي والبيانات الورقيّة التي تمحو السنين والأيام حبرها.
وإذا لم ينتقل العرب والمسلمون من حالة «ردّة الفعل» إلى حالة «الفعل» للمواجهة والتحدّي، فإن الأمور سائرة نحو الانهيار الكارثي المأساوي… وليس بغير الوحدة العربية وتوحيد قواها يمكن أن يكون الرد على وعدي بلفور وترامب معاً…

► الصورة المقابلة:
المسجد الأقصى الذي حاول الإعلام الصهيوني محو صورته من أذهان العرب والعالم.

شريط الانتفاضات والهبّات والثورات المقدسيّة ضدّ الاحتلال
اعداد د. صالح زهر الدين

انتفاضة موسم النبي موسى (1920)
كانت أولى الانتفاضات الشعبية الفلسطينية بعـد الاحتلال البريطاني انطلقت مـن باب الخليل غربي البلدة القديمة، بعـد اعتداء مستوطن علـى بيرق (رايـة) أهـل الخليل. استشهد فيها أربعـة مـن الفلسطينيين وقتل خمسـة مـن اليهـود، كانت هـذه المعركة ضربة البدايــة لثورة استمرت خمسـة أيام فـي القدس قتل فيها تسعة مـن اليهود.

ثورة البراق (1929)
هي أول ثورة تشتعل في فلسطين ضد الاحتلال البريطاني، اندلعت عقب تنظيم حركة «بيتار الصهيونية لمظاهرة ضخمة يوم 15 آب/ أغسطس 1929 في شوارع القدس إحياء لما قالت إنها ذكرى تدمير «هيكل سليمان» وأدت إلى تصاعد المواجهات التي اندلعت بداية قرب حائط البراق في المسجد الأقصى، ومن ثم عمّت أرجاء الأراضي الفلسطينية.

الثورة الفلسطينيّة الكبرى (1936)
انطلقت في 20 نيسان/ أبريل 1936 بعد إضراب دام ستة أشهر وترافقت مع عمليات نوعية للثوار في القدس، تُعدّ من أضخم الثورات الشعبية التي قام بها الشعب الفلسطيني ضد المستعمرين الإنجليز واليهود المهاجرين إلى فلسطين، واستمرت ثلاث سنوات متواصلة.

هبة النفق (1996)
انطلقت فـي 25 مـن أيلول/ سبتمبر 1996، على أثر فتح سلطات الاحتلال لباب النفــق الغربـي أسـفل المسـجد الأقصى. وذلك فـي فترة حكــم بنيامين نتنياهو الذي كلف رئيــس بلديـة الاحتلال آنذاك إيهـود أولمرت بافتتاحــه. ودارت مواجهــات مـع الفلسطينيين فـي مختلف أنحاء فلسطين المحتلة على مـدار ثلاثة أيام.

انتفاضة الأقصى الثانية (2000)
انطلقت عقب اقتحام زعيم المعارضة الإسرائيلية آنذاك «أريئيـل شـارون» لباحـات المسجد الأقصى، تحت حماية نحو ألفين مـن الجنـود والقوات الخاصة، ما أدى لاستشهاد 7 فلسطينيين وإصابة 250 برصاص الاحتلال خلال ساعة الاقتحام وارتقى خلال الانتفاضة التـي امتدت لـ 5 سنوات آلاف الشهداء إضافـة إلـى 48 ألفاً و322 جريحاً.

انتفاضة القدس (2015)
شكلت إجراءات الاحتلال وإصـرار المستوطنين اليهود علـى اقتحام باحات الأقصى ومحاولة فرض تقسيم زماني ومكاني للمسجد، والاعتداء على المقدسيات، أسـباباً رئيسية لاندلاع انتفاضـة القـدس: أوائل تشـرين أول/أكتوبـر 2015. وتميزت انتفاضـة القدس بطابع العمل الفردي، عبـر عمليات طعـن ودهـس لجنـود إسرائيليين ومسـتوطنين بالضفـة الغربية والداخل المحتـل والقدس.

هبة باب الأسباط (2017)
شهدت مدينة القدس وضواحيها انتفاضة شعبية واسعة، نتيجة لمنع قوات الاحتلال المصلين مــن دخــول المسجد الأقصى، وفرض تدابيـــر مشددة مـن بوابــات إلكترونيـة وكاميـرات عقـب عملية فدائيــة لثلاثـة شبان مــن عائلة الجباريــن. انتصـر الفلسـطينيون بإصرارهـم ووعيهـم ووحدتهــم أمــام صلـف المحتـل وجبروتـه.

وأخيراً فالسلام مرهونٌ بـ «مدينة السلام»… وإذا لم تعرف السلام مدينة السلام… فستبقى أرض فلسطين والمنطقة أرضاً للتوتر والحروب لا للسلام.

د. رامي أديب عز الدين

قرار «ترامب»:
نقل السفارة الأميركية إلى القدس
من وجهة نظر القانون الدولي

بتاريخ 6 كانون الأول / ديسمبر 2017، أعلن رئيس الولايات المتحدة رسمياً اعتراف إدارته بالقدس (المحتلة) عاصمة لإسرائيل. وصرّح بأنه سينقل السفارة الأميركية من تل ابيب إلى القدس، في خطوة سبقتها وتلتها إدانات وانتقادات وتحركات شعبية واسعة، عربياً ودولياً، إلاّ عند الإسرائيليين حيث صرح نتنياهو بعد ساعات قليلة من صدور القرار ان تاريخ إسرائيل (المجيد) كان يُختصر بثلاثة محطات وأصبح يختصر بأربعة:
– وعد بلفور 1916
– إعلان دولة إسرائيل 1949
– السيطرة على القدس 1967
– وحديثاً الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل 2017
ونظراً لخطورة هذه الخطوة “الترامبيّة” وهذا القرار غير المسؤول آثرنا معالجة الموضوع قانونياً استناداً إلى مبادىء القانون الدولي وممارساته (سواء القواعد العرفية أو المعاهدات او قرارات هيئة الأمم المتحدة…) ومعالجته سياسياً أيضاً في ظل الأوضاع الإقليمية والدولية الراهنة لما له من تأثيرات ومفاعيل. ولكن قبل ذلك سؤال يطرح نفسه:
على ماذا اعتمد ترامب في قراره بشأن القدس؟
الواقع أن ترامب إستند الى قرار عمره 27 سنة ، صادر عن مجلس الشيوخ الأميركي بتاريخ 23 تشرين الاول / أكتوبر 1995، ويقضي بنقل السفارة الأميركية الى القدس واعتبر هذا القرار يومها اعترافاً من الولايات المتحدة باحتلال إسرائيل للقدس كاملة بهدف الاعتراف بها لاحقاً عاصمة لإسرائيل وهذا ما حدث في عهد “ترامب “.

أولاً في القانون:
الواقع أن القرار الأميركي قرار خاطىء ويتعارض مع أحكام وقواعد القانون الدولي واجتهاداته خاصة وأن جميع المؤسسات الرسمية الدولية (الأمم المتحدة، مجلس الأمن، محكمة العدل الدولية…) تعتبر “القدس” أرضاً محتلة وكل التدابير الإسرائيلية التي قامت بعد عام 1967 اي بعد عملية ضم القدس باطلة ولاغية من الناحية القانونية لمخالفتها أحكام القانون الدولي، أهمها مخالفة اتفاقية جنيف الرابعة لعام 1949 والتي يُستنتج منها أن كل الاجراءات في القدس المتخذة من قبل إسرائيل كدولة محتلة تعتبر باطلة، ولا تترتب عليها أية آثار قانونية وان الاحتلال الإسرائيلي لا يمكن ان يرتب أية حقوق أو آثار على حق السيادة الاصلي للشعب الفلسطيني لأن الاحتلال لا يخوّل نقل السيادة على القدس إلى الدولة المحتلة وكونه مؤقت ومحدود. وسوف نورد مجموعة من القرارات الصادرة عن مجلس الأمن والتي تؤكد ما نقول:
1- قرار رقم /242/ تاريخ 22 تشرين الثاني / نوفمبر 1967 والذي
يدعو فيه مجلس الأمن إسرائيل للانسحاب إلى حدود ما قبل حرب 1967.
2- قرار رقم /253/ تاريخ 21 أيار/ مايو1968 ويدعو فيه مجلس
الأمن إسرائيل الى إلغاء جميع إجراءاتها التعسفية لتغيير وضع المدينة، وقبله القرار رقم /465/ عام 1980 وقرار رقم /476/ تاريخ 30 حزيران / يونيو 1980 لجهة بطلان تغيير طابع القدس.
3- قرار رقم /271/ تاريخ 15 نيسان / أبريل 1969 والذي يدين
قيام إسرائيل بحرق المسجد الاقصى يوم 21 آب/ أغسطس من العام ذاته، ويدعو فيه إلى إلغاء جميع الإجراءات التي من شأنها تغيير وضع القدس.
4- قرار رقم /478/ تاريخ 29 آب / أغسطس 1980 ويتضمن
عدم الاعتراف بالقانون الإسرائيلي بشأن القدس ودعوة الدول إلى سحب بعثاتها الدبلوماسية من المدينة.
5- القرار رقم /2334/ تاريخ 23 كانون الأول/ ديسمبر
2016 الذي يؤكد أنّ إنشاء إسرائيل للمستوطنات في الأراضي الفلسطينية المحتلة منذ عام 1967 بما فيها القدس الشرقية، ليس له أي شرعية قانونية. ويطالب إسرائيل بوقف فوري لجميع الأنشطة الاستيطانية وعدم الاعتراف بأي تغيرات في حدود الرابع من حزيران / يونيو 1967.

ومن قرارات الجمعية العامة للأمم المتحدة:
– قرار رقم /181/ تاريخ 29 تشرين الثاني / نوفمبر 1947 والذي
أقر تقسيم الأرض الفلسطينية إلى دولة عربية ودولة يهودية مع وضع القدس وبيت لحم والأراضي المجاورة تحت وصاية دولية.
– قرار رقم /2253/ تاريخ 4 تموز / يوليو 1967 وفيه تأسف
الجمعية العامة لقرار إسرائيل تطبيق القانون الإسرائيلي على القدس الشرقية وترى ذلك غير شرعي.
كل هذا فضلاً عن القرارات الدولية الخاصة بتشييد الجدال العازل العنصري في الأراضي الفلسطينية والتي تثبت عدم شرعيته من وجهة نظر القانون الدولي العام والقانون الدولي الإنساني. مثل قرار رقم (14/10)، وقرارات اليونيسكو التي تؤكد أهمية القدس القديمية بتراثها العالمي وتشجب كل محاولة لتغيير وتدمير هذا التراث، مثل قرار رقم /150/ تاريخ 27 تشرين الثاني / نوفمبر 1996 وقرار رقم /184/ تاريخ 2 نيسان /أبريل 2010.
بالإضافة الى قرارات هيئة الأمم المتحدة وقرارات مجلس الأمن الدولي ومنظمة اليونسكو التي تثبت ان القدس لها وضع خاص ويمنع تغيير طابعها والمساس بها كونها تحت الوصاية الدولية لا بد من الإشارة قانونياً إلى ما يعرف ” بالاعتراف” في القانون الدولي.
وفي التعريف فإن الاعتراف في القانون الدولي تعبير أحادي الجانب عن إرادة دولة ما بالاعتراف بأن واقعاً أو وضعاً قانونياً محدداً له صحة تجاهها، وعليه فهو عمل تقر دولة ما بواسطته بأن كياناً ممدداً آخر يجمع الشروط الضرورية لحيازة الشخصية القانونية الكاملة في النظام الدولي.

فكيف يرى القانون الدولي خطوة ترامب بالاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل؟
لابد في البداية من القول أنّ الاعتراف بالدول شيء والاعتراف بالحكومات شيء آخر، وهذا ليس مجال بحثنا، ولكن هل الاعتراف بمدينة معينة على أنها عاصمة لدولة ما، تنطبق عليه قواعد الاعتراف الأساسية في القانون الدولي؟
الإجابة نعم، لأن الاعتراف بالعاصمة معناه التسليم بواقع جديد ووضع قانوني محدد وبالتالي هو إقرار بكيان جديد له شروط قانونية واعتبارية.
من هنا يمكننا القول أنّ الاعتراف الأميركي بالقدس عاصمة لدولة إسرائيل اعتراف باطل وغير شرعي كون القدس مدينة محتلة باستعمال القوة المسلحة تاريخياً وحاضراً وكون الاعتراف يجب أن يخضع لاحترام دولة القانون وللديمقراطية ولحقوق الانسان والأقليات كما ينص القانون الدولي. والغريب والمثير للسخرية إن الولايات المتحدة رفضت عام 1931 الاعتراف بضم مدينة ” مندشوكو” اليابانية معتبرة أن ضمها جاء بشكل مناقض للتعهدات الموقع عليها في ميثاق برياند- كللوج لعام 1928 (المتعلّق بوضع الحرب خارج القانون).

ماهي اذن الانتهاكات التي سبّبها قرار ترامب لقواعد القانون الدولي؟
الانتهاك الأول: إن القرار الأميركي يُعتبر اعترافاً بالقدس عاصمة لإسرائيل وهذا ما يخالف القرارات الدولية ويكرس القانون الإسرائيلي القائل بأن القدس بشطريها الشرقي والغربي عاصمة أبدية لإسرائيل.

الانتهاك الثاني: القرار الأميركي يخالف ميثاق الأمم المتحدة والقانون الدولي الذي يحرّم احتلال أراضي الغير بالقوة، ويحرّم مجرد التهديد باستخدامها في العلاقات الدولية.

الانتهاك الثالث: القرار الأميركي يخالف بنود اتفاقية أوسلو والمعاهدات العربية- الإسرائلية.

الانتهاك الرابع: القرار يخالف رأي محكمة العدل الدولية الاستشاري والذي أكّد بمناسبة ” تشييد الجدار” على انطباق اتفاقية جنيف الرابعة على الأراضي الفلسطينية المحتلة بما فيها القدس الشرقية.

الانتهاك الخامس: إنّ القرار الأميركي يشرّع من ناحية قانونية ما أقامته إسرائيل من استعمار استيطاني في القدس.

ثانياً في السياسية:
لا شك أن الاعتراف الأميركي بالقدس عاصمة لإسرائيل يعتبر تأكيداً لوجود حقيقة ما رغم علم الجميع أنها وهمية ويأمل الأميركيون والإسرائيليون أن تصبح حقيقة واقعية في حال استدرجوا المجتمع الدولي لتبنّي هذا الاعتراف. كما أن هذا الاعتراف يحول دون تمكّن الشعب الفلسطيني من حق تقرير مصيره بإقامة دولة مستقلة عاصمتها القدس وكأنه جاء مكافأة لإسرائيل على انتهاكها لحقوق الإنسان في فلسطين بدل محاسبتها.
بالإضافة الى أن القرار “الترامبي” جاء ليؤكد ما أعلنته إسرائيل منذ عام 1949 بأن القدس عاصمتها، وبالتالي فهو قرار سياسي مناقض كل نهج المجتمع الدولي الذي لم يعترف حتى الساعة بذلك. وهنا تطرح جملة أسئلة فد تختصر الإجابة عليها كل التساؤلات:
– هل من تغطية عربية لقرار ترامب أو علم مسبق بذلك؟
– هل ستقدّم دعوى أمام محكمة العدل الدولية والمحكمة الجنائية الدولية ضد إسرائيل التي بدأت بالعمل لاعتماد العاصمة الجديدة؟
– ما هو الدور أو الرد العربي على هذه الخطوة؟
– هل سينجر المجتمع الدولي ويفعل ما فعله ترامب؟
– هل الضعف والانبطاح العربي أمام أميركا وإسرائيل والتطبيع مع الأخيرة (العلني والسري) سيكون مدخلاً لتصفية القضية الفلسطينية؟

كلها أسئلة، الزمن كفيل بالإجابة عليها.
في النهاية وتعليقاً عما طرحه وزير الخارجية اللبنانية في مجلس الوزراء لانشاء سفارة لبنانية في القدس الشرقية عبر تقديم قطعة أرض من السلطة الفلسطينية للبنان ومبادلة العكس، يهمنا الاشارة الى النقاط التالية:
1- إن مدينة القدس حتى الساعة محتلة من قبل إسرائيل وفتح
سفارة لبنانية فيها يعتبر اعترافاً بها كدولة فهل أصبحنا على استعداد للاعتراف بهذا الكيان الغاصب؟
2- إن القيام بمثل هذه الخطوة التي تلفّها المحاذير والعواقب تعتبر
مخالفة لأحكام اتفاقية جنيف الرابعة لعام 1949 (المذكورة) والتي وافق عليها لبنان عام 1951.
3- بما أن القدس مدينة محتلة فإن فتح سفارة فيها أمر مخالف
لقواعد القانون الدولي لمخالفته احكام القرار /181/ تاريخ 29 تشرين الثاني / نوفمبر 1947 (المذكور) والذي يقر وضع القدس تحت وصاية دولية وأحكام القرارين /476/ و/478/ لعام 1980 (المذكورين) واللذين يبطلان كل تغيير لطابع القدس. ويدعوان الدول إلى سحب البعثات الدبلوماسية منها. فهل نحن على استعداد لمخالفة بعض القرارات الدولية والتي هي في الأساس لصالح القدس وفلسطين في مواجهة إسرائيل؟

عارف أبو شقرا

عارف أبو شقرا
التربوي، الشاعر، والمناضل

في كثير من المناسبات نتذكر الأستاذ الذي علمنا التاريخ الحقيقي واللغة العريقة والأخلاق الحميدة، عنينا به شاعر العروبة والمقاصد وأستاذ العربية والتاريخ في مدارسها المعلم عارف أبو شقرا الهوزاني العماطوري.

الأصل والمولد والمسكن.
يقول عارف أبو شقرا في كتابه “الحركات في لبنان الى عهد المتصرفية” أن أصل أسرته من هوزان نزلت عماطور في زمن غير محدد.
وهوزان على ما يقول النسابة، هو هوزان بن منصور بن عكرمة، من قيس عيلان من العرب العدنانيين. كانت منازلهم من غور تهامة الى بيشة والسراة والطائف. وقد كثرة بطونهم وقبائلهم مثل بنو سعد (منهم حليمة السعدية مرضعة النبيّ) وثقيف وفروعها، وعامر وعقيل وخفاجة وهلال بن عامر.
وأخبار هوزان كثيرة في الجاهلية والإسلام، وهم من أكبر قبائل العرب وأشهرهم فروسية وشجاعة وقوة شكيمة، كانت لهم في أيام العرب ومعاركهم صولات وجولات مشهودة.
وعماطور أو “عي ماطور” بلدة قديمة جاء ذكرها في منشور صدر سنة 1256 باسم سعد الدين البحتري. وكان لها الحق بأن تحمي من يلجأ اليها مدة سنة، وكان المارة بها يمتنعون عن رفع أصواتهم بغناء او إنشاد. كما كان يفك وثاق المقيد والمكتوف أثناء مروره بها، بينما كان الفرسان يترجلون ويقودون أفراسهم حتى يجاوزوا البلدة.
من هذه الأرومة العربية، وفي هذه المدينة العريقة وفي بيت علم وأدب وشعر ولد عارف أبو شقرا. والده يوسف تخرج متقناً العربية على يد عبدالله البستاني درس الفقه وزاول المحاماة والصحافة وله نثر وشعر في ديوان صغير.
وسار الابن على هدي أبيه فأتقن العربية وأصدر مجلة “الأماني” وضمّته المقاصد الإسلامية إلى أساتذتها فبدأ عهده منذ الثلاثينات مدرساً للعربية في مدرسة أبي بكر الصديق. انتقل بعدها الى كلية المقاصد الحرج أستاذاً للعربية فثانوية علي بن ابي طالب مدرساً للعربية والتاريخ ومرشداً وطنياً واجتماعياً.

القائد جمال عبد الناصر، المعلم كمال جنبلاط، المؤرخ والشاعر والأديب عارف أبو شقرا (في المقدمة)، في قصر الضيافة في دمشق، يوم إعلان الوحدة بين مصر وسورية في 28 نيسان / 1958.
القائد جمال عبد الناصر، المعلم كمال جنبلاط، المؤرخ والشاعر والأديب عارف أبو شقرا (في المقدمة)، في قصر الضيافة في دمشق، يوم إعلان الوحدة بين مصر وسورية في 28 نيسان / 1958.

دروس في الإلقاء والكرامة
ومباراة في الخطابة.
ما يزال تلامذة عارف أبو شقرا في مدرسة ابي بكر الصديق – ومنهم العميد مختار عيتاني – يذكرون المباريات الخطابية التي كان ينظمها في ختام السنة المدرسية لتنمية ملكة الإلقاء والخطابة عبر التلامذة وكان منهم في تلك الحقبة الدكتور حسن صعب.
فيحفِّظهم قصائد من نظمه. جاء في قصيدة من تلك القصائد التي أراد بها أن يبرز موقفاً سياسياً وليد ظرف سياسي بين أنصار الاستقلال ومسايري الانتداب:

قل للذي اتخذ الزعـامة إرثه
الناس في الأديان أمة واحـدة
والعز والشرف المؤثل لم يكن
إن الذي شرع الشرائع في الورى
ومضى زمان عبـادة الأسياد

ما الخلق ملك أبيك كالأنعام
والمجد مستبق لكل همام
وقفـاً على أحد من الأقـوام
جعل المُرأَّس أصـغر الخُدام
والزعماء والأزلام والأصنام

يذكر انه في تلك الفترة سنة 1933 كانت عمليات المسح الإجباري قد افتتحت في بيروت. وقد حصل خلاف في حينه حول حدود قطعة الأرض المتاخمة لمجلس القنطاري (دار الطائفة الدرزية اليوم) مع ورثة أنطوان سيور حول ما اذا كانت القطعة المذكورة من ضمن أرض الوقف المذكور أم لا. وعلم تلامذة عارف أبو شقرا من أهالي المحلة بهذا الأمر فتوجهوا الى المنطقة وأخذوا يهزجون مع الموجودين هناك تحية لسلطان باشا الأطرش، وكان أستاذنا معجباً بسلطان باشا وعلق صورته في بيته:

يا سلطان السـوريين
رجال بني معروف

يا حامي الوطن والدين
للحرب مستعدِّين

الصورة مأخوذة عام 1935 في مدرسة أبي بكر الصديق - المقاصد. الأستاذ عارف أبو شقرا الخامس من اليمين.
الصورة مأخوذة عام 1935 في مدرسة أبي بكر الصديق – المقاصد.
الأستاذ عارف أبو شقرا الخامس من اليمين.

العروبة والوطن لا قيس ولا يمن
بعد المفاوضات التي واكبت إنشاء الجامعة العربية، تنادى العرب الى جمع كلمتهم ووحدة بلادهم ومقاصدهم. وقد أوحت هذه المناسبة الى أستاذنا عارف أبو شقرا فنظم سنة 1946 نشيد الوحدة العربية الذي لحنه الأخوان فليفل وأنشد في كثير من المناسبات وكان له أطيب الواقع في نفوس المستمعين، وأحيل الى دائرة الثقافة في الجامعة العربية ليكون في عداد أناشيدها الوطنية. وفيه يقول:

المـعـالي لنا وطـن
ليس في عزمنا وهن
نمشي على صرف النوب

نحن أكرومة الزمن
نحن لا قيس ولا يمـن
نحن الألى نحن العرب

يا رئيس البلاد: عدل المنهاجا
كان عارف أبو شقرا يدرس أنواع الحكمة التي تتهذب بها النفوس وتتوفر بها مكارم الأخلاق، فيدل بذلك على وفور فضله ورجاحة عقله وحسن خلقه. وكان يحث التلامذة على المطالعة ويحدثهم عن الزعماء والأبطال والحركات الوطنية في العالم العربي.
ولم يكن بعيداً عما يحصل في مجتمعه وبلده، وقد رأى أواخر عهد الرئيس بشارة الخوري ما وقع في البلد من اختلال لإهمال بعض الرعاة مصالح الرعية واستطالتهم على الفقير ومد أيديهم الى أموال الناس بالباطل وخروجهم عن دائرة العدل وعدم الالتفاف الى حاجات المستحقين ومصالحهم، وتولت المناصب غير أهلها بحيث وقع الاختلال والفساد، فنهض في أحد المهرجانات الخطابية ورفع عقيرته بقصيدة عصماء يذكر الظلم الاجتماعي ويشير الى جنوح سفينة الحكم والسلطة وينبه الحاكم فيقول فيها:

ويختمها ببيتين خاتمة الثاني منهما عنوان القصيدة “عدل المنهاجا” وهما:

وقيل يومها إن رجال السلطة حاولوا اعتقاله على اثر انتهائه من إلقاء قصيدته، ولكنهم خافوا عاقبة الأمر والاجتماع الشعبي الحاشد.
الفاء والنون وما بينهما.
لم يكن عارف أبو شقرا استاذاً للغة والتاريخ فحسب، يحبس عطاءه فيما يلقيه من دروس وأمثال وعبر، لم يكن استاذاً من حبر وورق، بل كان ينبوع فكر ومثير طاقات ومحرك همم وحافظ تراث. وما كان له ان يتجاهل ما حل بفلسطين وبالعرب بها من نكبة فنظم قصيدة من روائع ما نظم، ما زلنا نحفظ منها بيتاً يذكر فيه حق العرب في فلسطين (الفاء أولها والنون آخرها) وكل ما بين الفاء والنون من فنون الأدب والشعر والفروسية والحكمة، وهو البيت القائل:

وهذا الاعتزاز بتاريخ العرب وأمجادهم تراه في العديد من قصائد الأستاذ المعلم عارف أبو شقرا. تجلى في نشيد الوحدة العربية السابق ذكره، كما تجلى في نشيد المقاصد الذي ردده شباب المقاصد ولا يزالون ينشدونه بلحن الأخوين فليفل بادئاً بقوله:

عهدنا بالمقاصد
ناديك منـزلاً
دمت للحق وال

في ظلال المعاهد
ومباديك منهلاً
علا خير قائد

قد نمتنا عزة في يعرب
حسبنا إنا على هدي
في جوار الصنوبر
يا رفاقـاً على الزمـن

وتـراث خالـد في الأدب
النبـيّ في المحـامد
ضَمَّنـا خير معشـر
اشتروا المجد بالثمن

وعلى نصـرة الوطن
بالجنان واللسان والقلم
والحديد والعديد والهمم

فلنجـاهدِ فلنجاهدِ
والشباب المستنير بالحكم
والسواعد والسـواعد

اذا كان عارف أبو شقرا قد أشار في هذا النشيد الى “معشر ضّمَّنا وإياه في جوار الصنوبر – كان علم المقاصد يضم في زاويته العليا صورة لصنوبرة شعاراً – فلم يمنع ذلك معلمنا من التغني بأرز لبنان الخالد، ممجداً له واضعاً إياه في مصاف خوالد الدهر وأعاجيبه، فيهتف معتزاً مفتخراً في قصيدة بقي في الذاكرة منها:

أرز لبنان حرمة وتحيـة
زانـك اللـه بالجـلال
ياخدين الأهرام والهيكل

طبت دوحاً في أرضنا الشامية
فأمليت على كل بقعة أملية
الفخم وصهر الجنائن البابلية

ولم يغفل أستاذنا ومعلمنا عارف أبو شقرا دور المرأة عامة والممرضات خاصة اللواتي يبلسمن آلام المرضى وينعشن أمانيهم. فنظم لهن سنة 1951 نشيد الممرضات الذي لحنه الأخوان فليفل وأخذ به في مدرسة التمريض التي كان يديرها المرحوم الدكتور مصطفى خالد فأنشد في حفلاتها وانتقل الى مختلف مدارس التمريض.
وقد أحسن الشاعر باختيار مفردات من العربية تتوافق مع دور الممرضة وعملها مثل: الوفاء، الألم، الشفاء، الحان، الصبر، الرجاء والأمل الخ… فقال مخاطباً الممرضة:

اسمعي صدى الضمير
أنـت للسقم أنـت
نـادى الاشفيا

هاتفاً للوفا يا فتاة للوفـا
للألـم أن تعسفا
أنعشـي الأمـانيـا

واحملي الشفا
يا رسالة الرجاء والأمل
مهدي الوساد، هيئي

وانشـري الأمـان
تنعش النفوس تطرد العلل
الضماد، غالبي الوجل

وبعد،
اذا كانت حضارة الأمم والشعور تقاس بمقياس نتاج أبنائها وتكريم عطاءاتهم ومساهمتهم في تقدم شعوبهم والتعبير عن آلام أمتهم وآمالها، فإن واجب الأمة يكمن في تكريم اعلامها ونشر تراثهم.
واننا نتوجه الى أصدقاء معلمنا وتلامذته وأهله واخوانه والمسؤولين عن الثقافة والتربية لإخراج كنوزه من زوايا النسيان ونشرها على اللبنانيين والعرب إنصافاً لأستاذ علم الأجيال العلم والوطنية والأخلاق والرجولة.

بلدية حاصبيا حارسة التاريخ العريق والمستقبل الواعد

لمحة أوّلية، سريعة
نقول لمحة (أوّلية، سريعة) لا أكثر، لأننا في إطار تحضير ملف كامل شامل عن (حاصبيا: التاريخ العريق والمستقبل الواعد). لكن نجاحات بلدية حاصبيا المنتخبة سنة 2016 في أكثر من مجال عمراني وإنمائي، ونجاحها في حل أزمة الكهرباء، وتحويلها حاصبيا إلى ورشة إنماء واسعة، جعلتنا في “الضحى” نسلّط الضوء على الإنجازات تلك، كما على المشاريع المستقبلية، معتذرين سلفاً عن قصور هذه اللمحة عن الإحاطة بكامل ملف حاصبيا التاريخي الضخم، والذي سنعود إليه في تحقيق شامل لاحق إن شاء الله.
ومع ذلك لا نستطيع إلا أن نمر ولو سريعاً بحاصبيا الماضي، حاصبيا التاريخ، نعبر منه إلى الحاضر والمستقبل. وقبل ذلك، كيف نعرّف بحاصبيا؟
التعريف بحاصبيا:
لم نجد في الواقع مقدمة تعرّف بحاصبيا أفضل مما وجدناه في مجلة “الجيش” اللبناني، عدد 289، سنة 2009، والمنشور على موقع الجيش الآلكتروني (في إطار تحقيق سياحي/وطني من إعداد العميد أنطوان نجيم وجاندارك أبي ياغي). تقول مقدّمة التحقيق:
“حاص حوّلها التاريخ، فبيّاه الله، وابتدعته، فاجترحها مقدسة، على ضفاف نهر استسمى الخلود، واستدركه، فتسمّى بها، وسط أصقاع خصيبة طبّقت شهرتها الآفاق، كجورة الذهب (الحولة) والجليل وجبل عامل وسهل مرجعيون جنوباً، وهضاب وادي التيم وتخوم البقاع شمالاً.
خالدة إلى جوار جبل حرمون، أقدس الجبال في التاريخ،
حاضنة مزار ’رأوبين’ أحد أخوة يوسف الصدّيق أبناء يعقوب، محجّ لعبادة بعل جاد، إله الحظ عند الشعوب القديمة، قبلة الموحدين الدروز في خلوات البيّاضة،
ترتاح وادعة حاصبيا التي هي مع التاريخ في جدلية، ومع القداسة هي على دروب اللقاء، ومع الجمال والكرم في تماهٍ.
حاصبيا المترفعة، المتعالية، الباسطة ذراعيها تنتظر أبناءها وقاصديها…”
ها هي بعض ملامح صورة حاصبيا المدهشة: نعم المدهشة؛ إذ يندر أن تجمع بلدة واحدة ما اجتمع في حاصبيا من تاريخ (يكاد يختصر تاريخ منطقة الشرق الأدنى لكثرة ما مرّ غزاة على الزاوية اللبنانية الجنوبية الشرقية تلك) ومن دين (إذ بدأ انتشار دعوة التوحيد فيها أو في محيطها من بلدات وادي التيم، ولاحتوائها منذ سنة 1650 على واحد من أقدس مقدسات الموحدين الدروز ألا وهو “خلوات البيّاضة”، المركز الروحي والتعليمي الرفيع).

حاصبيا دخلها الأجنبي محتلاً
فخرج منها منهزماً
مدينة السلام والزيتون تقبع وادعة ً بين أحضان الطبيعة الساحرة وعلى أكتاف تلال تعانق حرمون تُطالعك حاصبيا بجمالها الآخاذ بفتون ٍسرمدي تجلبب بقلعة ٍتاريخية وبنهر معطاء متدفق طالما روى ظمأ الأرض العطشى، وبتفاعلٍ تاريخي ثقافي قل نظيره حيث كانت مثالاً للعيش المشترك.
إذاً، هذه البلدة العتيقة التي غزلت على منوال الزيتون شالاً أخضراً سرمدياً استمدّت من جبل الشيخ الأشيب روعة التسامي ومن ترنّم الحاصباني معنى العطاء ليتوّجها المرجع الديني الأول لطائفة الموحدين الدروز، خلوات البياضة.
حاصبيا التي سكن القدّيسون والأولياء الصالحون جنبات وهادها فمنحوها بركتهم، فكانت ذخراً لأهاليها الميامين في مقاومة غزوات المحتلين، من الصليبيين، إلى المغول، إلى الإسرائيلي – لبضع سنوات أواخر القرن الماضي. قاومت حاصبيا الغزاة أولئك في معارك باسلة، فخرج الصليبي، ثم المغولي، والعثماني، والفرنسي، وأخيراً الإسرائيلي. وكان طبيعياً أن تدفع الثمن غالياً لقاء حريتها، فأحرقها الغزاة غير مرّة، بل أحرق جزءاً منها الفرنسيون تأديباً لها لوقوفها مع ثورة جبل الدروز سنة 1925، وكذلك حاصرها الإسرائيلي في ثمانينات القرن الماضي لوقوفها سدّاً في وجه أطماعه.

لكنّ حاصبيا كانت تخرج من كلّ امتحان أقوى مما كانت قبله، فتقدّم للوطن اللبناني والعربي خيرة رجالات الحكم، كما تقدّم لبلدان الاغتراب أفضل الطاقات الاغترابية. وثروة حاصبيا الكبرى اليوم هي اللحمة الوطنية التي تشدّ بين أواصر بنيها، يتسابقون لخدمتها وإعمارها، على الصعيد الوطني والاجتماعي والمادي.

صورة قديمة لحاصبيا
صورة قديمة لحاصبيا

حاصبيا اليوم
حاصبيا عاصمة وادي التيم الجنوبي، مركز قضاءٍ يتبع إدارياً محافظة النبطية، يضم 22 قرية وبلدة كما تضم جميع الدوائر الرسمية في القضاء.
تصل إليها، إما من الجنوب: النبطية، الخيام، مرجعيون، حاصبيا؛ أو من الشمال: شتورا، راشيا، فحاصبيا. يناهز ارتفاعها 800 متر حيث تفترش هذه المدينة مساحة 2565 هكتارا ًومعظم مساحاتها خضراء تُظلّل القسم الأكبر منها غابات الزيتون.
يقارب عدد سكانها 16000 نسمة بين مقيم ومغترب (كان عدد سكانها سنة 1905، 5000 نسمة، وهو رقم عال نسبياً ما يدل على عمرانها البشري القديم).
أكسبها موقعها الجغرافي بين لبنان وسوريا وفلسطين أهمية كبرى عبر التاريخ، ممّا جعلها محط أنظار الغزاة، من الصليبيين حتى الإسرائيليين.
تُعتبر حاصبيا شأنها شأن معظم القرى والبلدات اللبنانية مصدراً ثرياً للاغتراب حيث جاب أبناؤها معظم بلدان العالم فأغنوا هذه المغتربات من خلال ما قدّموه إلى البلدان تلك، كما عادوا بالفائدة المادية على مدينتهم من خلال الأموال التي كانت ترسل إلى ذويهم أو من خلال الأموال التي تمّ استثمارها في مجالي السياحة والبناء، ناهيك بالصيت الذي منحوه لحاصبيا، كموئل للعلم والأعمال وقبل ذلك للوطنية.

أبرز ما يميّز البلدة
الخلوات الدينية التي خرّجت أجيالاً من المشايخ الأجلاء.
سرايا حاصبيا، رمز التاريخ العريق، ومقر الأمراء الشهابيين سابقاً.
العيش الواحد، الخلوة، الجامع، والكنيسة.
عدد كبير من الأسماء اللامعة التي خرجت من حاصبيا، في
السياسة والأدب والاقتصاد والاغتراب، والأندية والجمعيات تشد أواصر المجتمع المدني.
منتزهات الحاصباني التي تُعتبر مرجعاً سياحياً مهما ً تشكّل
مصدراً للدخل لا يُستهان به لأبناء البلدة.
الحمّر … ثروة لبنان الضائعة، حيث تُعتبر حاصبيا غنية بهذه
المادة على الرغم من توقّف استخراجها منذ زمن بعيد.
التعليم والتربية حيث تتوزّع المؤسّسات التربوية بين رسمية
وخاصة ومعاهد فنية تقدّم خدمات تربوية مميزة.
صناعة الصابون البلدي الذي يُعتبر من الصناعات التاريخية
التي ما زالت تحافظ عليها.
زراعة الخضار والفواكه حيث يتم استغلال مياه الحاصباني
لتنشيط الحركة الزراعية.
بالإضافة إلى تميُّز هذه البلدة بزراعة الزيتون بحيث جعل منها
إمارة خضراء تدرّ ذهباً سائلاً من خلال معاصر الزيت التي تُنتج زيتاً هو الأجود في لبنان.
وتبقى الروح الوطنية الجامعة، والروابط الاجتماعية الوثيقة
بين عائلات البلدة الروحية والاجتماعية هي ثروة حاصبيا الكبرى والتي تصلح مثالاً للوطن.
تمتاز بلدة حاصبيا بأنها مركز للقضاء، وتوجد فيها دائرة
نفوس تخدم سكان 15 بلدة.
تشتهر حاصبيا بزراعة الزيتون، واستخراج الزيت وصناعة
الصابون يُشكّلان 80% من إنتاجها، وتعتمد أيضاً تربية النحل، كما استحدثت فيها زراعة الليمون والرمان في العديد من المناطق.
مبنى البلدية في حاصبيا هو اليوم إدارة رسمية يقصدها
المواطنون في جميع المجالات، وهي دار صلح ووفاق، وهي المرجعية الرسمية والقانونية في بلدة عرفت العيش المشترك والتمدُّن والإسهام الإيجابي منذ تكوين فكرة لبنان. وفي حاصبيا أحزاب عدّة من اتجاهات متعدّدة يجمعهم مطلب خدمة أبناء حاصبيا وتقدُّم الوطن.

خلوات البياضة
خلوات البياضة

شخصيات بارزة من حاصبيا
قدّمت حاصبيا إلى الوطن وإلى العالم العربي، كما للمغتربات، عدداً من الشخصيات السياسية والروحية والأدبية والمِهَنية والاغترابية والنسائية، فيما يلي بعضهم فقط (على أن تقوم في وقتٍ لاحق بنشر ثبت كامل بهذه الشخصيات يكون جزءاً من تحقيقٍ شامل عن بلدة حاصبيا وجوارها):
فارس الخوري: رئيس وزراء سوريا، 1944-1945، ثم 1954-1958.
الرئيس خالد شهاب: رئيس الحكومة الأولى في عهد الرئيس
كميل شمعون.
الوزير والنائب أنور الخليل: نائب عن المقعد الدرزي في دائرة
حاصبيا مرجعيون منذ العام 1991
الشيخ سليم خير الدين: رجل أعمال، ورئيس “مؤسّسة التراث
الدرزي” في لندن.
الوزير السابق مروان خير الدين: وزير سابق في حكومة الرئيس
نجيب ميقاتي الثانية، وهو قيادي في “الحزب الديمقراطي اللبناني”، ورئيس مجلس إدارة “بنك الموارد”.
الدكتور أسعد قطيط : رئيس سابق لمنظمة الطيران المدني العالمية.
الدكتور مايكل دبغي: أشهر طبيب قلب في العالم، بل رائد
جراحة القلب.
الأمير طارق شهاب: رئيس “المؤتمر الوطني لدعم الجنوب”،
ونائب رئيس “الحزب التقدمي الاشتراكي” لفترة طويلة، وسامي شمس، وحسين قيس، وإسكندر غبريل، ونسيب غبريل.
فارس نمر باشا: مؤسّس جريدتَي “المقتطف” و”المقطم” في
مصر مع يعقوب الصروف.
لور مغيزل: المحامية والأديبة الناشطة في حقوق المرأة، وزوجة
المحامي الدستوري اللامع المرحوم جوزيف مغيزل.
الأميرة زينة خير الدين إرسلان: زوجة عطوفة النائب الأمير
طلال إرسلان، رئيس الحزب الديمقراطي اللبناني.
أم علي نايفة جنبلاط: والدة سليم شمس وجدّة نجيب شمس،
كان لها أواسط القرن التاسع عشر حضور سياسي فاعل، وكانت واسطة اجتماع ووحدة حين نجح التركي والغربي في تمزيق وحدة النسيج اللبناني.
وإلى رئيس المجلس البلدي وأعضائه الخمسة عشر، في حاصبيا ثمانية مخاتير هم: شريف الحمرا، وسيم جبر، نعيم اللحام، أمين زويهد، جمال بوصالح، وهيب أبو حمد، حاتم خير، سامي ملي.

ومن الناحية الدينية، في حاصبيا خلوات البياضة، المركز الروحي المهم لدى طائفة الموحدين الدروز، والذي عاش فيه أو تخرّج منه بعض أبرز علمائهم وشخصياتهم الروحية المميّزة التي تركت أجمل وأطيب سِيَر الصالحين لدى طائفة الموحدين الدروز.

أبرز الجمعيات في حاصبيا
جمعية حاصبيا الخيرية: التي سعت مؤخراً من أجل بناء بيت
حاصبيا الذي أصبح على طريق الإنجاز بفضل الخيِّرين من أهالي حاصبيا.
نادي الجبل الرياضي: النادي الرياضي المميّز في منطقة
حاصبيا والقلب النابض بالنشاطات.
مكتب الأستاذ النائب أنور الخليل للخدمات والرعاية والدعم:
وفيه نشاط بارز في منطقة حاصبيا.
مركز الرعاية الصحية: الذي أُقيم من قِبل بلدية حاصبيا
بالتعاون مع وزارة الصحة والشؤون الاجتماعية.
مركز الصليب الأحمر المركزي في حاصبيا: الذي يغطّي
بخدماته معظم المنطقة، أكثر من 15 بلدة.
جمعيات كشفية وبيئية وجمعيات خيرية تنشط في بلدة حاصبيا
والجوار.

نهر الحاصباني: معنى العطاء
نهر الحاصباني: معنى العطاء

أهم المعالم السياحية
سرايا حاصبيا الشهابي الأثري: يرتبط وثيقاً بتاريخ المنطقة
ولبنان وكان مركزاً للأمراء الشهابيين واستخدمه السلطان صلاح الدين الأيوبي كقلعة له ومحطة على الطريق إلى القدس وأخيراً الأمير بشير الشهابي الثاني.
نهر الحاصباني: الذي اشتهر بعذوبته وغزارته واصطفاف
عدد من المطاعم والمنتزهات حوله ما سمح بكثير من النشاط السياحي، وبعض أهم النشاطات واللقاءات والاحتفالات.
دار حاصبيا الجديد: الذي أقيم على أرض حاصبيا برعاية
الأستاذ أنور الخليل والذي يمتاز بفخامته وتجهيزاته واستخدامه في العديد من اللقاءات والمناسبات.
تُعتبر بلدة حاصبيا بلدة جامعة وتجسّد العيش الواحد لجميع الطوائف اللبنانية داخل أحيائها ومؤسّساتها وأنشطتها، وتمتاز بالتبادل الاجتماعي الدائم.
سوق الخان: السوق الشعبي التاريخي، بُني عام 1467، وفيه
قُتل الأمير على ابن فخرالدين الثاني في معركة مع القوات العثمانية، وهو مركز للتجارة والتبادل ومركز للسكن والاستراحة منذ أكثر من 500 سنة. هو سوق الخان المميز الذي يقام به كلّ أسبوع سوق شعبي للخضار والفواكه والملابس وسائر أشكال التجارة الشعبية، ويُقام فيه أيضاً “ماراثون حرمون السنوي الكبير”، وعدد من الاحتفالات الشعبية التي تنعش شوارع حاصبيا وتجارتها. وفي معركة سوق الخان مع القوات العثمانية، قتل الأمير علي إبن فخر الدين الثاني، حاكم جبل لبنان نهاية القرن السادس عشر ومطلع القرن السابع عشر.
جامع تاريخي، سبع كنائس للطوائف المسيحية، وكنيس يهودي
أثري قديم.
منطقة رأس النبع: متنزّه مميّز ملك البلدية، وهو مقصد سكان
حاصبيا والجوار للترفيه عن النفس.
المكتبة العامة: الذي يجري تطويرها بدعم من البلدية وفتح
أبوابها للمواطنين من جديد.

دار حاصبيا الجديد يمتاز بفخامته وتجهيزاته واستخدامه في العديد من اللقاءات والمناسبات.
دار حاصبيا الجديد
يمتاز بفخامته وتجهيزاته واستخدامه في العديد من اللقاءات والمناسبات.
يندر أن تجمع بلدة واحدة ما اجتمع في حاصبيا من تاريخ
يندر أن تجمع بلدة واحدة ما اجتمع في حاصبيا من تاريخ
ماراثون حرمون السنوي الكبير ينطلق من سوق الخان
ماراثون حرمون السنوي الكبير
ينطلق من سوق الخان

بلدية حاصبيا
حارسة المكان
وعين على المستقبل

من مقابلة مع رئيس بلدية حاصبيا الأستاذ لبيب محمود الحمرا، ومسؤول الإعلام في البلدية عضو البلدية الشيخ شوقي بو ترابي، أمكننا الإضاءة على بعض من تاريخ البلدية وإنجازاتها البادية للعيان، وبعضها باختصار:

تأسّست بلدية حاصبيا سنة 1870، أيام الدولة العثمانية، وهي
تعتبر ثاني بلدية في تاريخ لبنان.
مساحة حاصبيا 22 كيلومتراً مربعاً. عدد سكانها ما يقارب 16
ألف نسمة. يضم مجلسها البلدي 15 عضواً، وفيها ثمانية مخاتير.
تمكّنت بلدية حاصبيا، رغم عمرها القصير من تحقيق إنجازات
في الكثير من المجالات الخدماتية، بحيث تبدو حاصبيا اليوم ورشة عمل دائمة. وتمكنت من تأمين الكهرباء 24\24 ساعة، وهو هاجس اللبنانيين الأسوأ في معظم المناطق. كما تبدأ قريباً أعمال محطة تكرير للصرف الصحي من تنفيذ مجلس المشاريع الكبرى.
مبنى البلدية في حاصبيا هو اليوم إدارة رسمية يقصدها
المواطنون في جميع المجالات، وهي دار صلح ووفاق، وهي المرجعية الرسمية والقانونية في بلدة عرفت العيش المشترك والتمدُّن والإسهام الإيجابي منذ تكوين فكرة لبنان. وفي حاصبيا أحزاب عدّة من اتجاهات متعدّدة يجمعهم مطلب خدمة أبناء حاصبيا وتقدُّم الوطن.
وللبلدية مشروع مكتبة عامة للبلدة والجوار، تخدم طلاب
العلم في مدارس البلدة ومعاهدها كما لمحبّي المطالعة والثقافة في المنطقة بأسرها.
ولأنّ حاصبيا تفتقر اليوم إلى مبنى سرايا حكومي جامع، فقد
وضع حجر الأساس لمركز البلدية الجديد العصري والمميّز في 21/10/2017، والذي يضم مركز البلدية ومكتبة عامة ومركزاً للشرطة، ويؤمل أن يعزز من الخدمات البلدية في حاصبيا.

السراي الشهابية
السراي الشهابية

مميزات بلدية حاصبيا
تمتاز بلدية حاصبيا الحديثة بالمكننة والتعاون المباشر مع
الأهالي، حيث تقوم بالتواصل مع الأهالي عبر لقاءات دورية ومنفردة بين الأحياء من أجل تكوين فكرة شاملة عن مخطّط العمل للبلدية وتأمين إنماء متوازن وحاجات الأهالي ومطاليبهم.
إنشاء موقع إلكتروني خاص بالبلدية يعرض نشاطاتها
وإنجازاتها ويتواصل مع المواطنين بشفافية وانفتاح وكذلك من أجل التواصل مع المغترب الحصباني.
إنارة الشوارع على مدار الساعة بفضل جهود بلدية حاصبيا
وجوارها، وذلك من خلال تنفيذ مشروع “إنارة حاصبيا 24/24” الذي تجاوزت كلفته المليون ونصف المليون دولار أميركي حيث قامت البلدية باستدانة المبلغ وتنفيذ المشروع على عاتقها الخاص.
تقديم أكثر من 150 مساعدة للعائلات المحتاجة بشكلٍ دوري
وعلى مدار السنة.
توظيف أكثر من 65 موظفاً داخل مركز البلدية إضافة إلى
توظيف 10 اشخاص في جهاز الشرطة والحرس.

أهداف مستقبلية لبلدية حاصبيا
بناء مدينة حِرَفية بالتعاون مع “برنامج الأمم المتحدة للتنمية”
(يو.أن.دي.بي) من أجل بناء منطقة حِرفية تستجيب لمطالب الناس وتدخل في إطار تنمية حاصبيا.
إقامة حديقة عامة كبيرة ومميزة، وخاصة بعد حملة التشجير
التي وصلت إلى حدود خمسة وستين ألف متر من شجر الصنوبر المثمر بالتعاون مع كلية الزراعة في الجامعة اللبنانية.
بالتعاون مع مدير مجلس الإنماء والإعمار سيتم إقامة
شبكة صرف صحي للبلدة وجوارها، وشق طريق جديدة بعيدة عن الطريق الرئيسية التي ستصبح طريق عام سريعة تُخفّف من معانات المواطنين.
معمل فرز النفايات، مشروع مقدم وقيد الدرس مع اتحاد
بلديات الحصباني (ثماني بلدات، حاصبيا، شويا، عين قنيا، الخلوات، ميمس، الكفير، كوكبا، مرج الزهور).

وأخيراً، نغادر حاصبيا التاريخ والحاضر، ونتطلّع إلى المستقبل بثقة بوجود أناس مخلصين لحاصبيا وللوطن، من أمثال رئيس بلدية حاصبيا، الأستاذ لبيب الحمرا، وزملائه في المجلس البلدي، وسيكون لنا لاحقاً تحقيق موسّع عن حاصبيا، ومن حاصبيا، بمعيّة الذين كتبوا عن تاريخ حاصبيا الغني، وحاضرها النشط، ومستقبلها الواعد؛ علماً أن كانت قد أعدت ونشرت ملفاً خاصاً بـ ’خلوات البيّاضة’، والدور الروحي والعلمي الجليل الذي قام به مشايخها وعلماؤها في ترسيخ مكانة العلم والدين والأخلاق، كما العيش الواحد الذي تحياه حاصبيا والجوار، والذي يصلح أن يكون نموذجاً للوطن. تحية لحاصبيا وأطيب التمنيات.

خلوات البياضة
خلوات البياضة

في الذكرى الحادية والسبعين لوفاة الأمير شكيب أرسلان

في الذكرى الحادية والسبعين لوفاة الأمير شكيب أرسلان
«كلّ نهضة لا يكون ظهيرها العلم، ما هي إلا لحظة وتضمحل»

تمهيد
لم أجد تعريفاً بالأمير شكيب أفضل مما ذكره أديب مقدسي كتب في جريدة الشورى المصرية، عدد 6 آب، 1926، ونقله الأستاذ أحمد الشرباصي في كتابه “شكيب أرسلان، داعية العروبة والإسلام”، الصادر سنة 1963، عن وزارة الثقافة والإرشاد القومي في مصر، قال:
“[كان طه حسين قد كتب] ….من الأدباء مَن يسبق الحوادث، ومنهم مَن يعيش معها، ومنهم مَن يجيء بعدها، وشكيب يجمع بين الأحوال الثلاث.” (الشرباصي، شكيب أرسلان، ص 297-298)
هذا نزر بسيط جداً من بحر ما قيل في شكيب، إطراء ومديحاً يستحق كل حرف منهما، لكني اخترت البدء بهذا النص لأظهر معايشة شكيب لأحداث أمته في عصره، ولتداعيات الأحداث تلك، ولتحوله من ثمة إلى عارف متبصر بأحوال أمته، بأمراضها وعللها، أولاً، وبأدوائها وسبل مداواة الأمراض تلك ثانياً. فماذا عساه يقول في حاجة أمته إلى النهضة، وفي ماهية النهضة، وفي مستلزماتها وشروطها أولاً وأخيراً؟ وهذه بعض مرتكزات تفكير الأمير شكيب في هذه المسألة:

1- قدرة العرب والمسلمين على التقدُّم
هو الأصل والقاعدة
أفاض الأمير شكيب في عشرات المؤلفات والمقالات والنصوص في تبيان الغنى الثقافي والروحي اللذين بعثهما الإسلام في ماضي الأمتين العربية والإسلامية. كما أحصى على وجه الخصوص مظاهر التقدم العلمي والتقني والحضاري الذي تحقق للعرب في ذروة تقدُّمهم، في مشرقهم ومغربهم، وبخاصة في الأندلس الذي كان بوابة لنهضة أوروبا بعد ذلك. (راجع على وجه الخصوص المقالة الرائعة الموثّقة “الحضارة الإسلامية ورقي العرب الفكري في القرون الوسطى”في حاضر العالم الإسلامي، ج1، ص 106-117). والمقالة “المدنية العربية” المرجع نفسه، ص 128-136، وأيضاً “الحركة العلمية في الحضارة العربية…”، ص 137-155، وهي لشكيب أو مما علّق عليه فأفاض وزاد عن الأصل.
وقد أحصى الأمير مظاهر الريادة والإضافة التي كان للعرب فضل السبق فيها، من مثل نقل تراث اليونان وحفظه وإيصاله من ثمة ومن طريقهم إلى بواكير النهضة الأوروبية. وكان الأمير كذلك محققاً علمياً دقيقاً حين أشار إلى الدور الذي لعبته مدرسة الإسكندرية على وجه الخصوص، وليس اليونان فقط، في نهضة العرب وأوروبا بالتالي. كذلك التجديد البارز الذي كان لهم في الكثير من المجالات العلمية والتقنية، وقد لفتني إظهاره التجديد العربي الأصيل في موضوع العلوم التجريبية – ناهيك عن عشرات المجالات الأخرى – فلنقرأ في “حاضر العالم الإسلامي”:
“وأما تفوقهم في العلوم فقد كان بالطريقة التي تلقوها عن يونان الإسكندرية، وذلك أنهم أدركوا أن مجرد التأمل بعيد عن أن يبلغ بالإنسان الغاية المقصودة، وأن هذه الغاية لا تنال إلا بمراقبة الأمور واختبار الأشياء أي بالطريقة التجريبية. وكانوا يرون الجبر والرياضيات آلات للمنطق، ويلحظ من تآليفهم الكثيرة في جر الأثقال (الميكانيك) وعلم موازين السوائل (الهيدروستاتيك) وعلم البصريات، وأن حلهم للمسائل العلمية كان دائماً بطريقة الاختبار المباشر أو بالمراقبة الآلية. وهذا هو السبب في وضع العرب لعلم الكيمياء، واختراعهم عدة آلات للتقطير والتصعيد والتذويب والتصفية. كذلك هو السبب في استعمالهم في مراقبة الفلك الآلات المدرّجة كالربوع المجيّبة والاسطرلابات. وقد استخدموا في الكيمياء الميزان الذي اتقنوا معرفة قاعدته وأنشأوا جداول للثقل النوعي. ولهم الزيجات الفلكية الشهيرة مثل زيجات بغداد، وقرطبة، وسمرقند، وكان ذلك من أعظم وسائل نجاحهم في الهندسة والمثلثات وتوصلهم إلى ابتكار علم الجبر واتخاذ طريقة الرقم الهندي، وذلك كله نتيجة اتباع العرب مذهب أرسطو في الفلسفة دون مذهب أفلاطون لأن الأول تفصيلي والثاني إجمالي…”
مدهشة معرفة شكيب التي ظهرت في هذا النص من حاضر العالم الإسلامي والذي أضاف إليه ما أضاف، وقد اخترته من نصوص كثيرة مباشرة أظهرت شكيباً مؤرخ العلوم الواثق الدقيق المتقن، وفيلسوف العلوم المدرك دقائق الأمور وأسبابها، وإلى ذلك كالبحر يفاجئك في كل لحظة بما تعرفه وبالكثير مما لا تعرفه.

2- لكن تأخُّر العرب والمسلمين
هو الواقع منذ حين
مع ذلك، لا يختلف اثنان في أن البلاد العربية والإسلامية هي (في زمن شكيب، وفي أيامنا أيضاً وإلى حد كبير) أقرب إلى التأخر منها إلى التقدُّم، وإلى الضعف منها إلى القوة والمنعة، وبمعايير التقدم العلمي والمادي. هذا ما يسجله الأمير شكيب أرسلان، بادئ ذي بدء، في مطلع كتابه “لماذا تأخر المسلمون ولماذا تقدّم غيرهم؟” – رسالته الجوابية في الأصل لنخب “جاوة” في أندونيسيا سنة 1925 الذين سألوه عن سبب تأخر المسلمين قياساً بتقدم اليابان والفرنجة. يبدأ الأمير شكيب رسالته الجوابية بتسجيل حال التأخر ذاك قائلاً:
“إنّ الانحطاط والضعف اللذين عليهما المسلمون شيء عام لهم في المشارق والمغارب، لم ينحصر في جاوة وملايو، ولا في مكان آخر، وإنما هو متفاوت في درجاته، فمنه ما هو شديد العمق، ومنه ما هو قريب الغور، ومنه ما هو عظيم الخطر، ومنه ما هو أقل خطراً. وبالإجمال، حالة المسلمين الحاضرة، لا سيما مسلمي القرن القرن الرابع عشر للهجرة أو العشرين للمسيح، لا ترضي أشد الناس تحمساً بالإسلام وفرحاً به، فضلاً عن غير الأحمسي من أهله. إن حالتهم الحاضرة لا ترضي لا من جهة الدين ولا من جهة الدنيا، لا من جهة المادة ولا من المعنى. وإنك لتجد المسلمين في البلاد التي يساكنون فيها غيرهم متأخرين عن هؤلاء الأغيار، ولم أعلم من المسلمين من ساكنهم أمم أخرى في هذا العصر ولم يكونوا متأخرين عنهم إلاّ …”. (لماذا تأخر المسلمون..، ص 43-44) (التشديد من الباحث وليس من المؤلف)
ويعيد الأمير تأكيد صحة هذه الملاحظة – المقدمة في أعمال أخرى لاحقة، وبخاصة في بعض مقالات مجلدي “حاضر العالم الإسلامي”. بيّن شكيب في مقالاته تلك حال العالم العربي والإسلامي بالتفصيل في المناحي العلمية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية، وبعض مظاهر التقدم أو التمدّن، أو حتى الحضاري إلى حد ما.
ورغم ترسّخ فكرة أن “الإسلام راق بنفسه” وفق تعبير الأمير، إلا أن الغنى الروحي والثقافي اللذين بعثهما الإسلام ليسا كافيين في ظروف المسلمين التي استجدت إما لتبدل في المكان أو لتقدم في الزمان، فهو إذاً، وعلى غير منهج معظم السلفيين، لا يقف عند ذلك و لا يكتفي به. وهولا يعتقد تحديداً أن في وسع الشعوب العربية والإسلامية أن تجاري المتقدّمين، وأن تباريهم في مناحي الحضارة كافة، إن لم تأخذ بأسباب تقدّم الأمم التي سبقتنا، وبأسباب قوتها، في المجالات السياسية والاقتصادية والحضارية عموماً، وبخاصة في ميدان تقدم العلوم – ومن دون أن نقطع الصلة بماضينا الروحي والثقافي والديني تحديداً. ولعلي لا أجانب الحقيقة إذا لاحظت مع سواي أن ما كتبه شكيب أو أضافه في التاريخ الوضعي، والشرط السياسي، والشرط الاقتصادي، والتقدم الحضاري (بل المادي) للشعوب الإسلامية (وبخاصة العربية) يفوق حجماً ما كتبه في الموضوعات العقائدية أو الكلامية أو الفقهية. وفي ذلك دليل واضح على أولوية مسألة التقدم العلمي والمادي والحضاري في فكر الأمير. أكثر من ذلك، فإن شكيباً لم يكن يقصد بالإسلام في حقيقة الأمر الجانب الديني أو الكلامي أو الفقهي فيه حصراً، بل الجانب السياسي والثقافي، ومما لا شك فيه أنه كان يعني بالإسلام الشرقيين المستعمرين والمستضعفين عموماً، على ما سنفصّل الأمر بعد قليل.

3- الشرط السياسي للنهوض والتقدم
شكّل العامل السياسي والوعي بذلك الشرط أحد المعالم السباقة الرائدة في فكر شكيب. وهو تجاوز واضح لمقولة شكيب الإسلامي التقليدي حصراً. وأحد المظاهر البارزة في فكر شكيب أرسلان النهضوي، هو اعتباره أن السمة الرئيسية لمعظم بلاد المسلمين هي أنها محتلة، وأن الاحتلال ذاك هو أحد أكبر عوامل تأخرها. وأن المسلمين هم الشرقيون المستضعفون، مسلمين وغير مسلمين، هم موضوع احتلال المستعمر ونهبه واستهدافاته السياسية والاقتصادية والثقافية. وهل من إشارة أقوى من تلك التي ترد في حاضر العالم الإسلامي في قوله:
“فليست إذاً الرابطة الإسلامية وحدها هي التي تجمع قلوب الجزائريين والتوانسة والمراكشة وغيرهم إلى قلوب أهالي الأناضول، بل هناك رابطة المستضعفين بعضهم مع بعض، ورابطة الأخ الذي هو تحت نير العبودية مع أخيه الذي تمكن من رفع ذلك النير عن عنقه.” (حاضر العالم الإسلامي، ج1، ص 329-330)
وقد دعا أكثر من ذلك إلى وحدة المسلمين وغير المسلمين، وبخاصة الهندوس في الهند، لرد غائلة دسائس المستعمر وتمتين الوحدة الداخلية في مواجهته. وهو في مواضع كثيرة لم يميّز على الإطلاق بين نضالات الأعراق والأديان المختلفة، مسلمين وغير مسلمين، في مواجهة الاحتلالات والدسائس الغربية. فلنقرأ من شكيب هذا النص، يقول:
” يموت المغربي حتى تنتصر فرنسا على ألمانيا مثلاً، ويموت الهندي حتى تتغلب إنجلترا على عدو لها، ويموت التتري في سبيل ظفر الروسيا، والحال أنه بانتصار فرنسا على أعدائها تزداد في المغرب غطرسة وظلماً وابتزازاً لأملاك المسلمين وهدراً لحقوقهم.” (لماذا تأخر المسلمون…، ص 37)
تلك إشارة فقط إلى أولوية السياسي، لا الديني، في فكر الأمير شكيب. ووعيه لحال التأخر في أمته، كما وعيه للتقدم الجاري في الغرب أو اليابان في الشرق الأقصى، وعي سياسي بالدرجة الأولى.

4- الشرط الاقتصادي – الاجتماعي
للنهوض والتقدم
وإلى هذا الشرط السياسي، هناك شرط آخر لا يقل أهمية، هو الشرط الاقتصادي لكل تقدّم. وقد أفاض شكيب في مباحث “حاضر العالم الإسلامي”، كتابة أو تعليقاً، كما في كتب ومقالات ورسائل أخرى، في تفصيل الأوضاع الاقتصادية لكل قطر عربي وإسلامي، مبيّنا بالأرقام النهب الاقتصادي للثروات والموارد الطبيعية الذي تمارسه البلدان الغربية وشركاتها في البلدان الإسلامية المستعمرة. واقترح شكيب من ثمة ضرورة وجود “جامعة إسلامية اقتصادية” تعزز الجامعة الإسلامية السياسية (ومعناها استقلال البلدان العربية والإسلامية واتحادها)، وننقل من حاضر العالم الإسلامي:
“فما هي غاية الجامعة الإسلامية الاقتصادية؟ إنما هي ثروة المسلمين للمسلمين، وثمرات التجارة والصناعة في جميع المعمور الإسلامي هي لهم يتنعمون بها…. وليست للغرب… وهي [كذلك] نفض اليد من رؤوس الأموال الغربية والاستعاضة عنها برؤوس مال إسلامية. وفوق ذلك تحطيم نواجذ أوروبا، تلك النواجذ العاضة على موارد الثروة الطبيعية في بلاد المسلمين، وذلك بعدم تجديد الامتيازات في الأرضين والمعادن والغابات وقطر الحديد والجمارك، العقود التي ما دامت خارجة من أيدي العالم الإسلامي فهو يظل عالة على الغرب.” (حاضر العالم الإسلامي، ج1، ص 328)
ومن المرجع نفسه أيضاً:
“الثروة في الشرق [وبعد تفصيل حال البلدان الإسلامية لحظة وصول الفتح الغربي، يكمل].. زد على هذا أن التزاحم الغربي جاء فانتشر فزلزل الحياة الاقتصادية الشرقية زلزالاً هائلاً، إذ إنّ فتح أوروبا للعالم الإسلامي الفتح السياسي كان يماشيه الفتح الاقتصادي جنباً إلى جنب، وربما كان هذا الأخير أتمّ نظاماً وأكمل عدة، فبات كل صقع شرقي في طوف من البضاعات والحاج البخسة الأثمان، المنقولة من أوروبة، ووراء ذلك رؤوس الأموال الغربية متدفقة لا تحصى، تتسرب في البلاد وتنتشر بأخدع الصور، وأملق الأساليب، كالقروض، والامتيازات التي من شأنها ما عقدت أن تكون تمهيداً لاستقرار السيطرة السياسية الغربية.” (نفسه، ص 326).

الاستقلال الاقتصادي إذاً هو المدخل للاستقلال السياسي وللتقدم الحضاري عموماً للبلدان الإسلامية. وفي وسعنا أن نلحظ تحديداً إشارته إلى رؤوس الأموال الغربية وضرورة استبدالها برأس مال إسلامي طريقاً للتقدم. وهي مسألة لا تزال إلى الآن مطروحة وبكثير من الأولوية.
تلك هي بعض ريادة فكر الأمير شكيب أرسلان وراهنيته في آن معاً.
مباحث الأمير شكيب أو مشاركاته في الموضوع الاجتماعي، وخطورته، وأولويته لدى كل باحث عن أسباب الاضطراب السياسي والاقتصادي مدهشة في حداثتها حتى الآن، من موضوع تحديد النسل، إلى الأسر “الزراعية” إلى وجهات نظر الغربيين والشرقيين والدين في كل ذلك، وهي تستحق دراسات تحليلية لاستكناه ما فيها من عمق وحكمة لم تذهب بهما السنوات المئة ألا قليلاً التي انقضت على تحبيرها وكتابتها، وبما تفوق به من بلاغة واختصار واقتصاد في القول.
لا تسمح المناسبة بأكثر من هذه الإشارات البليغة والرائدة، وفي وسع من يرغب، وبخاصة من الباحثين الشباب، العودة إلى نصوص الأمير شكيب والتوسع فيها.

الأمير شكيب ارسلان في أوائل كهولته
الأمير شكيب ارسلان في أوائل كهولته

5- الشرط العلمي والتربوي
كل التفصيل اللاحق في السبل والمسالك التي يجب أن تتخذها النهضة العربية والإسلامية، إنما استند إلى الاعتراف إذاً بواقع التأخر القائم، عربياً وإسلامياً في لحظة شكيب. ولا يفيد في شيء التنكّر له. أما الزعم أن امتلاكنا الغنى الديني أو الروحي أو الصوفي أو ما تقادم إلينا من بضعة عقود من الازدهار الحضاري عاشته الأمة في حقب معينة من تاريخها، وتكرار ذلك في كل مناسبة، فلم يعد فيه من نفع أو فائدة تذكر. يعترف شكيب إذاً، وبخلاف”الجامدين”، كما أسماهم في رسالته “لماذا تأخر المسلمون..” أننا قد تأخرنا كثيراً في الميزان المادي والعلمي والحضاري عموماً، وأن علينا الابتكار وإيجاد السبُل الصحيحة للالتحاق بركب المتقدمين، وبخاصة الغربيين.
أما أول السبُل أو المسالك، بعد الاعتراف بحقيقة التأخر كما رأينا، فهو الأخذ بناصية العلم، العلم الوضعي والتجريبي والتقني، وحتى بالمعنى الغربي للكلمة. وقد رأينا قوله الفصل بل القانون الذي أرساه لكل تقدّم منشود عندنا، من لا يتخذ العلم ظهيراً مصيره الزوال، قال: “كل نهضة لا يكون ظهيرها العلم، فما هي إلا ساعة وتضمحلّ.” (النهضة العربية، ص 24)
والسبيل الثاني المتصل بالأول، هو التربية والتعليم. وقد أولى شكيب في محاضراته ومقالاته أهمية خاصة للتعليم النظامي الحديث، وعدم الاكتفاء بالكتّاب أو الزوايا أو المسجد أو المنزل، بيئة للتعليم الحديث، بل رأيناه عملياً يحث ملوك العرب على ضرورة فتح المدارس في بلدانهم، وكان ذلك جلياً في بلاد نجد والحجاز وعُمان واليمن، إذ ربما كان شكيب أول من حدّث إمامها بضرورة الانفتاح وتأسيس المدارس. والقارئ لمحاضرته المعنونة “النهضة العربية” سيجد ما يقرب العد للمؤسسات التربوية المبشّرة ببواكير نهضوية في كل قطر عربي.
وفي مقالاته الكثيرة في غير مجلة وجريدة والتي تعود إلى عشرينات القرن العشرين (الشورى، الفتح، الأهرام، مجلة المجمع العلمي، وسواها) رأى شكيب النهضة العلمية شرطاً لازباً لكل نهوض وتقدم. يقول من على صفحات مجلة المجمع العلمي العربي:
“لا نهضة للأمم سوى النهضة العلمية، فإذا وجدت هذه جاءت سائر النهضات من سياسية وعسكرية واجتماعية واقتصادية إلخ، آخذاً بعضها برقاب بعض.” (مجلد 15، ص 416)
وكان شكيب من الوعي العلمي والتاريخي بحيث نصح العرب والمسلمين أن يأخذوا من علوم الغرب ما وسعهم، وأن لا يخشوا منها شراً يطال هوياتهم وشخصياته. لقد كان دفاعاً مستنيراً عن العلم والتقدم العلمي والتقني وإبعاداً لهما عن أية مضامين أو أبعاد أيديولوجية أو عرقية. يقول:
“أنصح للمغاربة أن يقتبسوا العلوم الأوروبية مع المحافظة على معتقداتهم ومشخصاتهم، وأنا لا اعتقد أن هناك علماً أوروبياً وعلماً شرقياً، فالعلم مشاع بين البشر أجمعين، واليابانيون أخذوا عن الغرب ما نفعهم، وحافظوا على شخصيتهم ودينهم….” ( مجلة الفتح، عدد شهر جمادي الأول، 1349 )
وفي مطلع محاضرته “النهضة العربية في العصر الحاضر” التي ألقاها في المجمع العلمي العربي بدمشق سنة 1937 – في زيارته القصيرة لسوريا يومذاك بعد توقيع الكتلة الوطنية مع فرنسا سنة 1936 والتي لم تدم طويلاً إذ سرعان ما تنكرت فرنسا لها – يضع شكيب ما يصح أن يكون قانوناً تاريخياً للنهضة، كل نهضة، يقول:
“نحن نتكلم الآن عن نهضة العرب العلمية، التي هي في الواقع أساس النهضة السياسية”، (نفسه، ص 23).
ويعمم الأمير شرط النهضة ذاك أكثر ليتجاوز النهضة السياسية إلى كل نهضة على الإطلاق فيقول:
“لا حاجة بنا إلى القول بأن أجلى مجالي هذه النهضة كان في العلم … وعندي أن لا نهضة للأمم سوى النهضة العلمية، فإذا وجدت هذه جاءت سائر النهضات من سياسية وعسكرية واجتماعية واقتصادية…” (نفسه، ص 24)
ويخلص الأمير شكيب من ذلك، ومن سواه، إلى قانون يختصر فيه – وكما كل قانون – أغلب الوقائع إن لم يكن كلها، فيصوغ قانونه الصلب على النحو الذي عرضناه قبل هنيهة:
“كل نهضة لا يكون ظهيرها العلم، فما هي إلا ساعةٌ وتضمحل.” (نفسه، ص 24)
تلك هي إشكالية التأخر والتقدّم عندنا كما تصدى لها شكيب في معظم أعماله: كيفية توفير شروط النهضة والتقدم.
لم يتوان شكيب في الحض والدعوة إلى الأخذ بالعلوم الغربية وطرائق البحث المتصلة بها، كما رأينا، ولم ينظر إليها باعتبارها غربية.
أما في مسألة التربية والتعليم فقد كان أكثر حذراً في موضوع الاقتباس عن الغرب.
هو في المبدأ لا يرى أن التعليم الشرقي التقليدي في العالم الإسلامي قاطبة، على ما انتهى إليه في القرن الثامن عشر وأواسط القرن التاسع عشر، بات نافعاً في شيء. بل هو مظهر من مظاهر تخلف المسلمين، والشرق عموماً (حتى في الهند كما يقول).
مع ذلك فشكيب لا يأمن التربية الغربية كل الأمان، بخلاف رأيه في العلم الغربي. وقد بيّن في غير مكان أن سبب نهضة أوروبا هو أخذها بأسباب العلم والتعليم والتربية. إلا أن ما يريده الغربي من تربيته ليس هو بالضرورة أو تماماً ما يريد الشرقي. فمنظومة قيمنا، الدينية وغير الدينية، ليست هي نفسها منظومة قيم المجتمعات الغربية كما انتهى بها الأمر في العصر الحديث. وليس من سبب يدعونا للتخلي عن النقاط المضيئة في أخلاقنا وتراثنا وثقافتنا. فقيمنا ليست مسؤولة عن التأخر الذي حدث لمجتمعاتنا. ومن الممكن بالتالي المزاوجة بين التعليم الحديث والاحتفاظ بمنظومة قيمنا وما هو جيّد في تراثنا.
التحليل السريع للمسألة، سيكشف أنها مسألة إشكالية من الدرجة الأولى، بل لعلها الأكثر أهمية وإحراجاً، في الماضي كما في الحاضر، وبسبب ما تنطوي عليه مسألة التأخر والتقدّم من علاقة بالتراث المحلي؟ هل التراث ذاك عامل تأخر معيق للنهضة الحضارية ويجب اجتثاثه ليتحقق التقدّم بالتالي؟ أما أن له اعتبارات أخرى ليست بالضرورة مخالفة للتقدم أو مانعة له؟
نكتفي اختصاراً، وفي هذه العجالة، بنص متميز من شكيب، يظهر فيه عقله الجدلي المركّب، إذ يعلن فيه الانتماء كلياً إلى ثقافة العصر ركناً للتقدم المنشود، ولكن من دون شطط أو مبالغة أو أخذ بالمزاعم الغربية في الموضوع على وجه التحديد. يقول الأمير:
“أظنّ أن ثقافة العرب المستقبلة ستكون ثقافة عصرية، آخذة من التجدد بأوفى نصيب، لكن مع الاحتفاظ بالطابع العربي.” (نفسه، ص 39-40)
هذا هو الميزان الذي يضعه شكيب للتقدم والنهوض بالأمة العربية والأمم الإسلامية. ويضيف شكيب أن هذا الجمع بين المعاصرة والأصالة هو ما صنعه بنجاح العرب في حقب ازدهارهم العلمي والمادي والحضاري، ويضيف:
“هذا أشبه بما سبق للثقافة العربية في زمن بني العبّاس، وفي زمن بني أمية بالأندلس، حينما نقل العرب حكمة اليونان إلى لغتهم، واطلعوا على علوم فارس والهند، فجعلوا من هذه الثقافات الثلاث، ومن الثقافة العربية الأصلية، ثقافة جديدة عالية كانت أرقى ثقافة في القرون الوسطى… وهكذا ستكون ثقافة العرب بعد اليوم، لن تكون جامدة على القديم الذي ثبت للعرب المحدثين وجوب التعديل فيه والإضافة إليه، ولن تكون منسلخة من القديم، جاحدة في التبرؤ منه…”
ويخلص شكيب من ذلك إلى القول تفصيلاً وتحديداً في آن:
“ستكون ثقافة جامعة بين القديم والجديد، مختارة من كل شيء أحسنه، مع بقاء الصيغة العربية التامة غير المفارقة للعرب، وذلك على النحو الذي نحاه اليابانيون الذين اقتبسوا جميع علوم الأوروبيين ولم يغب عنهم منها شيء، ولا فاتهم من صناعات أوروبا دقيق ولا جليل، ولبثوا مع ذلك يابانيين أصلاء في لغتهم، وأدبهم، وطربهم، وطعامهم، وشرابهم، وجميع مناحي حياتهم. وحسب العرب قدوة للاقتداء، ومثالاً للاحتذاء، هذه الأمةُ اليابانية العظيمة التي لا يوجد أشد منها رجوعاً إلى قديم، ولا أخذاً منها بحديث. والآمال معقودة بأنه ستكون في الشرق الأدنى نهضة عربية علمية تضاهي النهضة العلمية التي رأيناها في الشرق الأقصى.” (ص 40)
هذا هو القانون الموضوعي الذي يرسمه شكيب للنهضة العربية المنشودة (كانت ولا تزال). لا يصحّ في شروط النهضة التبسيط، ولا أخذ عامل واحد على وجه الإطلاق شرطاً للنهضة والتقدّم. لقد كان عقل شكيب من العمق والتعقيد والموضوعية بالقدر الذي يؤسس لنهضة تكون جديدة تماماً (قول شكيب)، تأخذ بناصية كل جديد ضروري ونافع، ولكنها تكون أيضاً عربية وشرقية كذلك، لجهة اللغة والأدب ومناحي الحياة الشرقية التي أحصاها شكيب (ولاحظ معي مثلاً أنه لم يجعل من الاحتفاظ بالزي أو الملبس القديم شرطاً، وهو أمر يتقدّم فيه شكيب على الكثير من التقليديين في عصره كما اليوم).

6- الشرط النفسي أو الروحي
هو شرط حيوي آخر لم يملّ شكيب من التنبيه إلى خطورته وأهميته في مشروع النهوض والتقدّم. فالنهضة ليست فقط مجموع شروط تجتمع فتحدث النقلة إلى أمام أو التقدّم الحضاري. بل إرادة التقدّم والنهوض هي التي تجعل المشروع النهضوي ممكناً. فالشعب القانع الخانع الكسول لا يرى من حاجة للتقدّم ولا يمتلك الإرادة ليتقدم، بل الروح الوثّابة الطموحة هي التي تدفع دفعاً إلى البحث عن شروط التقدم، وتوفيرها، وتكون ذلك اللبنة الأولى أو الشرط الأول الذي إن لم يتوفر فلا معنى لتوفر الشروط الأخرى. هذا هو الشرط الأساسي الذي امتلكه العرب والمسلمون في أثناء فترات صعود دولتهم وحضارتهم وتقدمهم في الماضي، وهو أيضاً الشرط الذي فاتهم في أعصر انحطاطهم وتراجعهم في ميزان التقدم الحضاري.
في رسالته لأهل جاوة بإندونيسيا، كما في أعمال أخرى، لا يتردّد شكيب في جعل الانحطاط الذي حل بالروح الإسلامية سبباً في الانحطاط المادي والاقتصادي والسياسي اللاحق. فقد حل القعود عن العمل بديلاً للعمل المضني والشاق الذي كان للعرب والمسلمين في أعصر ازدهار دولهم. والقعود عن الجهاد أيضاً وحيث يجب سمح للفتح الغربي أن يحلّ هيناً في معظم حواضر العالم الإسلامي. فلا نزاع بالتالي في أن من أسباب القوة والمنعة، والنهوض بالدرجة الأولى، أن يتسلح المسلمون من جديد بالروح الوثّابة والإصرار والمثابرة على نيل استقلالهم وتحقيق نهضتهم وتقدمهم، وكذلك بالإيمان الحار ولكن من دون غلو أو تطرف أو مبالغة، فالقاعدة التي أرساها شكيب لا تزال صالحة: أعداء الإسلام اثنان، الجامد والجاحد، الأول الذي لا يرى ضرورة التغيير والتطور والنهوض والتقدّم، والثاني الذي لا يرى في الإسلام أية حسنة ولا له أي فضل. يقول شكيب:
“من أكبر عوامل انحطاط المسلمين الجمود على القديم، فكما أن آفة الإسلام هي الفئة التي تريد أن تلغي كل شيء قديم بدون النظر في ما هو ضار منه ونافع، كذلك آفة الإسلام هي الفئة الجامدة التي لا تريد أن تغيّر شيئاً ولا ترضى بإدخال أقل تعديل على أصول التعليم الإسلامي ظنّاً منهم بأن الاقتداء بالكفّار كفر وأن نظام التعليم الحديث من وضع الكفّار.” (لماذا تأخر المسلمون…، ص 77 )

ونكتفي هنا بنص واحد أخير من أعمال شكيب يختصر موقفه ورأيه في مسألة أهمية الشرط المعنوي والروحي، يقول:
“إن الإسلام لم ينتشر إلا بالقرآن وعمارة الصدور به إلى أن بلغ قراؤه من القوة المعنوية الدرجة القصوى التي مكنتهم من نواحي الأمم… فكل ما يقال من أن سبب الفتوحات الإسلامية هو مراس العرب للقتال أو حب البدو للغزو وغرامهم بالغنائم أو ملل الأمم المجاورة من ملكة حكامها، فهذا تضييع للمعنى الحقيقي وزيغ عن شاكلة الرمية. وإنما أمكنت هذه الفتوحات الخارقة للعادة بكلام منزل هو خارق للعادة، وبقوة معنوية أحدثها في النفوس خارقة للعادة أيضاً. ولقد كان العرب أهل حرب من قديم الزمان، وكان الأعراب مغرمين بالنهب والكسب من أيام الجاهلية، فلماذا لم يفتتحوا البلدان إلا بعد بعثة محمد؟” (حاضر العالم الإسلامي، ج2، ص 28)

7- التأخر والتقدم موضوعان
لا علاقة لهما بالدين
أما الموضوع الذي توقف عنده شكيب ملياً فهو ما قيل دائماً في وجه الإسلام والمسلمين من أن الدين الإسلامي حجر عثرة في وجه طموحات التقدم لدى الشعوب العربية والإسلامية، وما يقال بالتالي من اشتراط فصل الدين عن الدولة كشرط للتقدم السياسي والحضاري عموما.ً
بيّن شكيب في الموضوع الأول أن الإسلام لم يكن يوماً دين تأخر بل هو “دين راق بذاته”، وقد كان عاملاً مساعداً للتمدن الإسلامي في ذروة تقدم العرب في المشرق، كما في الأندلس، المكان الآخر الذي أضيئت فيه مشاعل التقدم الفكري والمادي العربي والإسلامي.
مع ذلك، وبخلاف ما يشاع عن فكر شكيب بعامة ومن دون تدقيق، فهو لا يقف موقفاً سلبياً حاداً من مسألة فصل الدين عن الدولة في الشؤون المتعلقة بالحياة الإدارية والتنظيمية العامة، يقول بوضوح:
“أما أن تنفصل الأمور الدينية عن الأمور الدنيوية فذلك ضروري لا نزاع فيه.” (حاضر العالم الإسلامي، ج2، ص 357)
إلا أن الفصل يجب أن لا يتجاوز ذلك، كأن يحاول انتزاع الإيمان الديني من روح المواطنين، كما حاول أن يفعل مصطفى كمال في تركيا الكمالية، وقد انتهت محاولته إلى ازدياد تعلق الأتراك بالدين الإسلامي. لكن شكيباً كان من الوعي التاريخي العميق بحيث جعل المسائل في مواقعها الصحيحة، فالتأخر لا يكون فقط مادياً، وليس الجهل وحده قاطرة الانحطاط، بل إن فساد الأخلاق، بل “فساد أخلاق أمرائهم بنوع خاص.. وظنّ هؤلاء أن الأمة خلقت لهم أن يفعلوا بها ما يشاؤون” (حاضر العالم الإسلامي، ص 268) هو عامل آخر حاسم في جلب اليأس إلى روح الأمة والانحطاط إلى أحوالها المادية وغير المادية.
وفي كل الأحوال، فالتحدي الحقيقي هو كيفية تحقيق النهوض الحضاري والتقدم العلمي والمادي من دون خسارة روحنا الشرقية، العربية والإسلامية. يقول شكيب:
“بقي علينا أن ننظر كيف يكون اتجاه الأمة العربية في المستقبل من جهة الثقافة! أتأخذ بالثقافة الغربية ولوازمها ومتمماتها إلى النهاية، أما تبقى معتصمة بثقافتها الشرقية الأصيلة، لا تبغي بها بدلاً، ولا عنها حولاً؟ أم تأخذ من الثقافتين معاً وتجعل من ذلك ثقافة خاصة لا شرقية ولا غربية؟” (النهضة العربية، ص 39)

نؤكد من جديد، إذاً، ومن خلال فكر الأمير شكيب أرسلان، أن الأخذ بشروط التقدّم والنهضة لا يعني الالتحاق بالغرب؛ لكنه لا يعني في شيء معاداة الدين، كل دين، والإسلام تحديداً رداً على مزاعم بعض المستشرقين والمغرّبين الذين روّجوا، ولا يزالون، أن الإسلام لا يتناسب ومجاري الحضارة الحديثة. لا تناقض بين الأخذ بأركان الإسلام ومستلزماته، والأخذ بأسباب النهضة ومستلزماتها، تلك هي توليفة شكيب أرسلان الحضارية. ويبرز شكيب في معالجته للمسألة جانبين مترابطين، واحد خبيث يروّج له الغرب، وآخر واقعي وعلمي وصحيح وقد مارسته أمم عدة في سياق نهوضها.

8- الاتحاد العربي السياسي والاقتصادي
هو المفتاح الأول لكل تقدم ومنعة
مع أهمية كل عناصر القوة التي ذكرناها، لكن أقواها على الإطلاق هو الاتحاد العربي، بل وحدتهم إذا تمكنوا. ذلك هو مفتاح قوتهم. يقول شكيب:
“وأما أسباب استخفاف الإنجليز بالعرب فيرجع إلى أمور كثيرة يطول شرحها، وإنما نجتزئ منها بذكر ما تراه إنجلترا بين العرب من النزاع الدائم والخصام المستمر، فهي تجد أمة شديدة البأس متوقدة الذكاء، إلا أنها مع كثرة عديدها مفككة الأجزاء مقطعة الأوصال…” (من مقالة له في الشورى المصرية في 20 أغسطس 1925)
ونقتطف من محاضرته عن الوحدة العربية في النادي العربي بدمشق في 20 سبتمبر 1937 قوله:
“لم يعد ممكناً إذاً أن يعيش العرب آمنين في أوطانهم، ما داموا مليوناً في هذا القطر، ومليونين في ذاك القطر، وثلاثة ملايين في ذلك القطر… وكل منهم لا يربطه بالآخر غير النطق بالضاد…لا أمل في ثبات العرب أمام دول كهذه [الدول الأوروبية الاستعمارية] إلا إذا كانوا متحدين جبهة واحدة في وجه الأجنبي الطامح”
ورأى تفصيلاً أنّ وحدة العرب لا تحدث دفعة واحدة، بل تدريجاً؛ وهي لا تتناقض مع الاستقلال الذاتي لكل قطر عربي. بل هو الطريق لمساعدة قويهم ضعيفهم فيستوي العرب اقتصادياً واجتماعياً؛ فما يجعل الشرط الاجتماعي مهماً لنهضة العرب إسوة بالشرط السياسي والاقتصادي، بل فصّل ذلك تفصيلاً في رسالة له إلى أكرم زعيتر. (راجع كتابنا “الأمير شكيب أرسلان، مقدمات الفكر السياسي”)
لذلك عبّر شكيب في غير مقالة ومناسبة عن فرحته بنشأة جامعة الدول العربية ورأى إليها باعتبارها خطوة عقلانية نحو الوحدة. ويرى عدد كبير من الباحثين أن شكيباً ربما كان أول من دعا إلى كيان عربي جامع ومحتفظ بالخصوصيات في الآن نفسه، ومنذ سنة 1923، ثم في أزمنة أخرى لاحقة.
هذا هو، باختصار شديد، بعض إسهام الأمير شكيب أرسلان النظري والفكري والعملي في مسائل النهوض والتقدم وشروطهما ومستلزماتهما، إسهام جعل من شكيب مرجعاً تصبّ إسهامات من سبقه عنده، كما تصبّ الروافد في نهر عظيم، يستوعبها كلها ثم يُخرجها جديدة، في حلة قشيبة لها بيان الأدب حيناً وواقعية العلم وقوة المنطق في كل حين.
أما عن دور الأمير شخصياً في إطلاق نوازع النهضة، والدعوة لها، وفي التدليل على محاسنها، وتبيان شروطها، فلا تسلْ؟ وتكفي جملة واحدة استللتها من محاضرته “النهضة العربية” الذي ألقاها في المجمع العلمي بدمشق قبل نحو من ثمانين عاماً كافية لتختصر عظيم إسهام هذا المفكر المجاهد العالم الأديب الارفع المنقطع النظير لتصف بلباقة وموضوعية الجزء الشخصي من إسهام الأمير، يقول:
“… على أن النهضة الشرقية العربية، وإن كان قد ذرّ قرنها منذ قرن وأكثر، فهي لم تسر السير الحثيث إلا في الخمسين سنة الأخيرة التي شهدها كاتب هذه الأحرف بجميع صفحاتها… فلي الحق بأن أدّعي معرفة تاريخ هذه النهضة، وما دخلت فيه من التطورات، على قدر ما يستطيع خادمٌ أمينٌ للعلم زاول عمله في مكافحة الجهل طوال خمسين سنة دون أن يتخلّف يوماً واحداً!” (ص 12)
لله درّك يا شكيب، أميراً للبيان، وأقرأوا معي مفرداته: “خادم أمين للعلم” (وفي كل مفردة من المفردات الثلاث ما فيها من المعنى الدقيق)، ثم “زاول عمله في مكافحة الجهل” (وفي ذلك ما فيه أيضاً)، وذروة البيان والبلاغة والصدق أخيراً قوله: “دون أن يتخلف يوماً واحداً !” وفيه ما يكفي بياناً ولا يحتاج إلى شرح.

خاتمة
لا أجد ما أختم به مقالتي القصيرة هذه، أفضل ما ختمت به كتابي عن شكيب “الأمير شكيب أرسلان، مقدمات الفكر السياسي” (طبعة أولى، بيروت، 1983، ثم ثانية، 1989، وثالثة، الدار التقدمية، 2008، ثم رابعة، الجزائر، 2013):
“عاش شكيب نصف عمره منفياً، وعاش عمره كله مجاهداً مناضلاً في سبيل ما اعتقده صحيحاً وحقاً مشروعاً… كان على الدوام صادقاً مخلصاً وأميناً…انجلت في أواخر أيامه كل سحابة، فحطّ رحال مسيرته الطويلة، واستقبل النعمى كما أراد بدار السلام، وفق رثاء شاعر القطرين خليل مطران له، في قصيدة طويلة مطلعها:
العـــالمُ العربـــيُ من أطرافـــــه بادي الوجوم منكس الأعلام
يبكي أميـر بيانــه يبكــي فتــى فتيانِه في الكرّ والإقدام
أشكيبُ حسبَ المجد ما بلغّته شرقاً وغرباً من جليلِ مقام
في كلّ قطر للعروبــة خُلّــدت ذكراكَ بالإكبار والإعظام
كانت حياتك دار حرب جزتَها فاستقبل النُعمى بدار سلامِ !

في الذكرى الحادية والسبعين لوفاته، رحم الله شكيباً، وطيّب ثراه، وستبقى ذكراه خالدة ما احتاجت أمتنا إلى رجال من وزنه، وإلى إخلاص في مثل إخلاصه، وإلى إسهامات فكرية وعلمية عميقة وغنية من نوع الإسهامات التي ملأ زمانه بها، فجعلته في العالم العربي والإسلامي، وعلى حد تعبير أمير شرق الأردن يومذاك، الأمير عبدالله، في يافا سنة 1947، “فوق كل فوق”!

الأخلاق التوحيدية الإطار، المرتكزات، والقواعد التطبيقية

الأخلاق التوحيدية
الإطار، المرتكزات، والقواعد التطبيقية

في أهمية الأخلاق
لم يخطء أمير الشعراء، أحمد شوقي، حين قال:
إنما الأممُ الأخلاقُ ما بقيت فإن همُ ذهبت أخلاقهم ذهبوا

الأفراد، كما الجماعات والمجتمعات، إنما تُختصر في أخلاقها. هي أفضلُ الحلي ليتزيّن بها المرء، لا تشترى بمال وإنما بالأعمال الصالحات، وقبل ذلك بالنية الحسنة والقصد الموقوف على عمل الخير. لا يذهب بها فقر أو مرض، ولا يزيدها مال ولا غنى. فالأخلاقُ مع الفقر أو المرض حسنةٌ يُحسبُ لها حساب وأجر، وهي بعض الصبر الذي كان عليه المتقدّمون في الدين والتقوى والنضال الشريف بكل ألوانه. والأخلاق مع المال والغنى مكرمةٌ وخلقٌ وحليةٌ وبخاصة إذا رافقها ما يناسب من التواضع وأدب المعشر وعمل الخير والالتزام بما أمر به الإنسان من معروف وما نُهي عنه من مُنكر.
والحضارات نفسها عبر التاريخ الطويل إنما قويت واشتد عودها وزاد بأسها وعظم قدرها بما توفر لبنيها من أخلاق ولمجتمعاتها من إيمان ولأحكامها من عدالة ولحكّامها من شجاعة وحلم وحكمة، وكلها عناوين أخلاقية. وبالمقابل، فالحضارات التي ذوت واضمحلّت، أو في الطريق لذلك، هي تلك التي ساء حاكمها وفسُد حكمه وفقد رجال حكمه النزاهة والشجاعة والسمعة الحسنة، فتراجع مجتمعها، وتقاعس أفراده، وتنازعوا بدل أن يتراصّوا، فضعفت لذلك شوكتها وباتت ضعيفة أمام كلّ عارض وتحدٍ، وأزفت بالتالي ساعة غروب شمسها.
هوذا ديدنُ حضارات عظمى (وفي مقدّمها الحضارة العربية الإسلامية التي بسطت شمسها وفي فترة قصيرة جداً من أقاصي الشرق إلى أقاصي الغرب المعروف يومذاك) فهي إنما قامت وتوحّدت ونهضت وسادت بالتالي بما توفر في روحها وسلوكها من إيمان وشجاعة وإخلاص، ومن تراصّ بين أبنائها وطبقاتها، ومن تفانٍ واقتدار لدى قادتها وحكامها. وغياب أو فقدان الخصال الأخلاقية تلك هو ما يذهب بالحضارة نفسها أو بسواها، حيث لا يكفي مال أو عدد أو مدد وحده، وما من شيء في وسعه أن يعوّض غياب العنصر الأكثر قوة في بناء الحضارات: الأخلاق.
وحتى في الدين نفسه، فالأخلاق شرط الإيمان، بل هي الوجه الخارجي الملموس للإيمان الداخلي، ولا يعتدّ في زعم من يزعم أن لا صلة راسخة ضرورية بين الإيمان والأخلاق. الأخلاق في كلّ الأديان، وبخاصة في الأديان التوحيدية، ثمرة طيبة من ثمار الإيمان، والمؤمن يُعرفُ بأفعاله قبل أقواله، وبتقواه وسلوكه الحسن وسمعته العطرة كما يُعرفُ بما يعرِف، يحفظ ويذاكر. وقد كان الدين الاسلامي الحنيف حاسماً في ربطه الإيمان بالأخلاق، وأولُ ذلك حين خاطب الله رسوله قائلاً: ﴿…وَإِنَّكَ لَعَلَىٰ خُلُقٍ عَظِيمٍ﴾، أو حين قال الرسول الأكرم في ما يشبه العنوان لبعثته النبوية المشرّفة: “إنما بُعثتُ لأتممَ مكارمَ الأخلاق”، أو في قوله في مكان آخر: “أحبّكم إلي أحسَنكم أخلاقاً”. وحتى على مستوى الأخلاق “التطبيقية”، كان القرآن الكريم حاسماً في ربطه النيّات بالأفعال والإيمان بالأعمال، فلم ينِ يردد في عشرات الأمكنة، وعلى نحو لم يسبقه إليه دين: ﴿إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ…﴾، أي هو جعل عمل الصالحات في مرتبة الإيمان أو تليها مباشرة. وفي ذلك ما يكفي للدلالة على أولوية الأخلاق، لدى الفرد، كما في التاريخ والحضارات، ومن باب أولى في الدين نفسه، وهو ما رفع الفعل الأخلاقي والأخلاق بعامة إلى مرتبة الصدارة فلم تعد فعل اختيار بل فعل ضرورة واضطرار لا يتقدّم عليها منطقياً إلا الإيمان بالله والرسّل، إذ لا نفع في أخلاق، بل لا تقوم أخلاق، إن لم يكن في إس تكوينها الإيمان بالخالق وبواسع حكمته ورحمته وسداد أحكام رسالاته السماوية، وبخاصة مبدأ الثواب والعقاب والحساب واليوم الآخِر.

في الأخلاق عموماً
نبدأ، كما نفعل غالباً، بالتعريف، تعريف الأخلاق. الأخلاق، كمبحث نظري أو ما نسميه بـ “الأخلاق النظرية”، هي العلم الذي نعيّن به الخير، ونميّزه بالتالي عمّا هو شر. أي هو بمعنى ما علم التمييز بين ما هو خير وما هو شر. أما الأخلاق كمجال عملي، أو ما نسميه بـ “الأخلاق التطبيقية” فهي الحثّ على طلب الخير والعمل به وتجنّب الشر ومهاويه.
لكن الأخلاق، وفي كلّ الأحوال، ليست بالأمر المثالي أو المجرد فقط، بل هي في صلب التكوين الفردي (الضمير والعقل)، والاجتماعي (القوانين والشرائع الوضعية) ومسرح تجلّي الحكمة الإلهية الكونية وعلى أحسن صورة متخيّلة. وعليه، فإذا انتبه المرء من غفلته لدقائق، لا أكثر، فسيكتشف أن الإنسان السويّ وحده قد اختصّه الله بمجال “الأخلاق” وأحكامها. وحده الإنسان، لا الملائكة ولا الحيوان، هو موضوع علم الأخلاق، ومحل أحكامه ونواهيه. الملائكة لا تحتاح علم الأخلاق، لأنها عقول/أرواح خالصة، وخير خالص بالتالي؛ والحيوان خارج حقل أحكام الأخلاق لأنه بدن أو جسد محض محكوم بالغريزة الحيوانية، الآلية، وخالٍ (عموماً) من العقل الذي له وحده أن يميّز بين الخير والشر. وكيما يكون إنسان سويٌ ما خارج الأخلاق يتوجب أن يكون: إما آلة ميكانيكية صمّاء، أو ملاكاً (بدون جسد) أو حيواناً (بدون عقل). لكن الإنسان السوي ليس كذلك على الإطلاق: هو ليس آلة ميكانيكية صمّاء، ليس ملاكاً، ولا حيواناً.
هوذا مبعث الإشكالية الكبرى في علم الأخلاق: لماذا الإنسان وحده موضوع علم الأخلاق؟ ويقود السؤال إلى حقيقة أخرى، وهي احتواء الإنسان (وحده) على جوهرين متصلين مترابطين: المادة (أي الجسد)، من جهة، والعقل/الروح (أي النفس) من جهة مقابلة. ما نعرفه عن كيفيات هذه الصلة أو العلاقة قليل جداً، ولكن ما نعرفه بالتأكيد هو أن الإنسان واقع تحت ضغط الجوهرين المتقابلين: حاجات الجسد من جهة ونواهي العقل/الروح من جهة مقابلة. كيف يحدث الاتصال بين الجوهرين؟ وأين؟ سؤالان ليس هناك إجماع على الإجابة عليهما، ولا فائدة من الدخول في نزاع حول من له اليد الطولى أو النفوذ الأعظم في الآخر: الجسد أو العقل. ما نعرفه حقيقة هو أن الجسد والعقل/الروح قائمان بحق، وأنهما يتبادلان التأثر والتأثير، وأن شخصية الإنسان ثم سلوكه هما مسرح الصراع (وأحياناً الوفاق) بين حاجات الجسد وأحكام العقل. يحدث النزاع والصراع بين الجسد والعقل حين تتحوّل حاجات الجسد الطبيعية والمقبولة إلى دوافع عمياء دائمة، فيعود الإنسان القهقرى نحو غريزته وحيوانيته، أو حين تتحوّل حدود العقل/الروح عن فضيلة الاعتدال نحو الغلو والتطرّف.
وعليه، فالتكليف الأخلاقي أعلاه الذي اختص به الإنسان ليس فعل مصادفة، أو بالأمر العارض؛ وإنما لحكمة سامية وكجزء حيوي من النظام الكوني، وليس الاجتماعي فحسب، الذي أراده الله لخلقه. فالمجتمع لا ينتظم، والنظم الكوني لا يستوي، إلا على قاعدة العدل: العدل في التكليف والعدل في الحساب. وفق الآية القرآنية الكريمة: ﴿إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ النَّاسَ شَيْئًا وَلَٰكِنَّ النَّاسَ أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ﴾، أو قوله في آية أخرى: ﴿فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ 7 وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ 8﴾. الله لا يمكن أن يكون ظالماً – ومن صفاته وأسمائه الرحمة والمغفرة والإحسان. لكن الله أيضاً عادل، والعدل مبدأ وأصل. فكيف تتحقق العدالة – وهي الترجمة العملية لمبدأ العدل – ومن دون أن ننزلق إلى الظل، والله ليس ظالماً ولا يحب الظالمين؟ الجواب هو ببساطة، ولحكمة إلهية ومنطقية فإن مبدأ التكليف الأخلاقي القائم (وكيما يكون عادلاً ولا يعتوره شبهة ظلم) فيجب أن يتوفر له مرتكز أساسي: مرتكز المسؤولية، مسؤولية الفرد الواعي والحرّ عن أفعاله الإرادية:﴿فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ 7 وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ 8﴾. الوعي والحرية هما شرطا المسؤولية، والمسؤولية شرط التكليف الأخلاقي للفرد.
حين تتوفر المسؤولية الفردية القائمة بدورها على الوعي (لا الغريزة) والحرية (لا القسر) يتحقق شرط العدالة، ويتحقق جوهر التكليف الأخلاقي والغاية منه، ولكن بمضمون أعلى متسام ومختلف. فبتحقق العدالة القائمة على المسؤولية والحرية يتحوّل التكليف الأخلاقي من إلزام خارجي قسري (كما هو الحال في الشرائع الوضعية) إلى خيار داخلي طوعي، يجري التعبير عنه بالعقل أو بالضمير، وكلاهما واحد في المجال الأخلاقي (كما هو الحال بامتياز في العقائد الدينية وفي بعض الفلسفات، لا جميعها). في العقائد الدينية، الالتزام الأخلاقي الفردي الطوعي (أو الضمير في الفرد) هو نتاج الثقة بالحكمة الإلهية والطاعة لنواهيها بالتالي (مبدأ الرضى والتسليم). وهو في الفلسفات العقلانية والمثالية (وكلها بدأت بفيثاغوراس وأفلاطون) نتاج الثقة بالعقل وبمنطقه وأحكامه، حيث الخير (والفضيلة) نتاج المعرفة العقلانية الصحيحة، بينما الشر (والرذيلة) نتاج الجهل أو غياب المعرفة العقلانية الصحيحة ومضاددة العقل. في الفعل الإنساني الأخلاقي الطوعي يلتقي العقل بالضمير، والدين بالفلسفة، وتغدو الأحكام الأخلاقية موضع قبول، بل وإجماع تقريباً، بضمانة الوحي الإلهي والاعتبار العقلاني في آن. ويزول من ثمة التناقض المفتعل بين العقل والدين، كما يظن بعض ضيّقي التفكير، فإذا الحكمة الإلهية الكونية أفق مشرق لامع جاذب أنّى جئته، أكان من جانب الدين أو من جانب العقل. فهما مستويان في رؤية الحقيقة الواحدة نفسها، ولكن من زاويتين مختلفتين، أو من موقعين مختلفين.

يحدث النزاع والصراع بين الجسد والعقل حين تتحول حاجات الجسد الطبيعية والمقبولة إلى دوافع عمياء دائمة

مبادئ الأخلاق التوحيدية
تُشتقُ مبادئ الأخلاق التوحيدية من الإطار القرآني الواسع والحديث النبوي الشريف، ومن مرتكزات مسلك التوحيد، وأخيراً من أعمال السادة العلماء والمشايخ العارفين ومن السير العطرة للأنبياء والصحابة وكبار المتعبّدين والزهّاد والأتقياء الصالحين؛ وفي مقدّم هؤلاء عند الموحدين الدروز أعمال العالمَين العلَمَين التقيَين الأمير السيّد عبد الله التنوخي والشيخ الفاضل.
ترسي آيات القرآن الكريم، ومعها الحديث النبوي الشريف، المبادئ العامة للأخلاق الإسلامية بعامة، وللأخلاق التوحيدية على وجه الخصوص، موضوع هذه المقالة. فعلى قاعدة أركان الإسلام الخمسة المعروفة، يحضّ القرآن الكريم المؤمن (بين الأمر الصريح حيناً والحث حيناً آخر) على التمسُّك بالفرائض والعبادات والنواهي التي تضمنها الشرع والتي تبدأ مما هو مبدأي وأساسي ومفصلي ولتنتهي بما يتصل بكيفية سلوك المؤمن المتعبد في حياته الدنيا.
وفي الجانب الثاني (وهو موضوع الأخلاق التطبيقية) حضّ القرآن الكريم والحديث الشريف على: 1) ترك غواية الدنيا وإغراءاتها الملتبسة والزائلة، والتمسك بدلاً من ذلك بموجبات اليقين الذي لا يعتوره شك؛ و 2) ترك ما يزول ويموت ويفنى ويفسد من غايات وأغراض، والتمسك بدلاً من ذلك بما لا يفنى ولا يزول ولا يفسد، أي ترك ما هو شر وفساد أو ما هو أقرب إلى الشر والفساد وطلب ما هو خير خالص أو أقرب إلى الخير، في الأفعال كافة، وفي النيّات مع الأفعال أو ربما قبل ذلك. ومنطق هذه القاعدة بسيط ومتين: الدنيا “دار فناء”، فيما المبادئ والقِيم ومن ثمة الآخرة “دار بقاء”، وعليه فالعاقل هو من يسعى إلى دار البقاء، فدار الفناء متبدلة، لهذا السبب أو ذاك، بل وزائلة في النهاية، غداً أو بعد غد، أي في يوم ما. وبالمنطق نفسه، وفي باب الأخلاق التطبيقية، فما نفعله في هذه الدنيا يزول مع هذه الدنيا، إلا الرصيد الإيماني والأخلاقي الذي وفّرناه للحساب الأخير على أبواب دار البقاء. في الحياة الدنيا نحن مجرد آلة نحمل فيها ما هبّ ودبّ، ومعظمه ما لا حاجة لنا إليه، أما القليل الذي نفعله لدار البقاء فكله لنا، بل وأجره ليتضاعف ويزيد لأن الله جلّ جلاله مُحب ورحيم وغفور فيلاقي عبده المتجه إليه في منتصف الطريق، يمدّ له يد العون والرحمة، فيمنحه دفء الإيمان ورضى الواصلين، ما يملأ عقله باليقين التام وقلبه بالفرح الغامر. ولذلك فأنت لترى العارفين الأتقياء الواصلين، أو من اقتربوا من الوصول، أشدّ الناس سعادة وفرحاً وحبّاً، يغمرهم نور في وسع من امتلك بعضه أن يراه بوضوح فتكون له إشارات مشجعة ومطمئنة ودافعة له في طريق التقوى والخلاص.

مرتكزات الأخلاق التوحيدية يمكن تلخيصها بثلاثة:
1- التوحيد التام لله تعالى وترك سائر ما عداه، أي اليقين الثابت
لا يخالطه أو يعتوره شك،
2- الصدق،
3- الرضا والتسليم بما قدّره أو يقدّره الله تعالى.
على هذه المرتكزات تقوم محاور الأخلاق التوحيدية ومطالبها، في أوامرها كما في نواهيها.
مبدأ الأخلاق التوحيدية ومصدرها الأساس التوحيد لله تعالى لا يخالطه شك أو التباس أو شبهة، وتنزيهه عمّا عداه من صفات ولواحق وأسماء وتشبيه. حين يملأ التوحيد عقل المؤمن وقلبه، يتشكّل هذا المؤمن من جديد، ويتشكّل عالمه الخارجي، كما نواياه ومقاصده، من جديد أيضاً. حين نقرع الباب ويملكنا الخالق لا شيء أدنى منه يبقى معه أو يليق أن يسكن معه. حين تقيم مع الله، ويقيم الله معك، حين تملك الحق أو يملكك الحق، فلا مكان بعد ذلك لدنيا زائلة خادعة غير حقيقية. لا مكان ساعتذاك، لا في النوايا ولا في الأعمال، لشيء، لا للمادة وفسادها وطغيانها، ولا للنفس ونوازعها. لا مكان للدنيا الفانية وغرائزها – عدا ما هو ضروري وكاف للعيش واستمرار الحياة. ولا مكان، قبل ذلك كله، لـ “الأنا” وشيطنتها و”أبلستها” في تعبير المرحوم الدكتور سامي مكارم. فالمسافة دون الآخر، ودون الله، إنما تصطنعها “الأنا”. أما حين نتحرّر من الأنا، فالآخر هو أنا، الوجه الخارجي مني، تماماً كما “أنا” هي الوجه الخارجي منه. حين نتحرّر من “الأنا” نتحرر ربما من ثلاثة أرباع مفاسد الدنيا وسقطاتها، إن لم يكن كلها. فالشرور وفي طليعتها الجشع والطمع والغرور والكبر وغيرها كلّها من نتاج “الأنا” الفردية البشعة. وحين نتحرّر من “الأنا” الفردية تسقط الحُجُب التي حجبت الحقيقة عنا، وتنفتح فرصة السفر في الاتجاه الصحيح صوب الحقيقة والحق، الله تعالى. نقول فرصة، إذا لا تسقط الحجب تلقائيا بل يحتاج الوجه السالب الأولي ذاك إلى وجه موجب يستكمله وذلك بالعلم والسعي والبذل والمجاهدة وغيره مما يحتاجه المريد في طريق الخلاص.
والصدق ثاني مرتكزات الأخلاق التوحيدية. الصدق، كما قال العارفون، هو كمال التوحيد. وننقل عن الدكتور سامي مكارم قوله: “من هنا قول مسلك التوحيد: إن مثل الصدق من الدين كمثل الرأس من بقية الجسد، وأن الصدق هو كمال التوحيد، فالمقامات التوحيدية كلها تكون باطلة من دون صدق في السريرة واللسان، وتصديق بالجنان” (العرفان في مسلك التوحيد، 126). بالصدق نفتتح صفحة المعرفة الصحيحة والخير والأعمال الصالحات وكل ما يشتق منها أو يعود إليها. تماماً كما نفتتح بالكذب صفحة نقيضة تماماً، صفحة الشر والوهم والفساد والجهل. بالصدق نفتتح صفحة الحق، تماماً كما نفتتح بالكذب صفحة العدم. وشتّان ما بين الحق والباطل، الخير والشر، الحقيقة والعدم.
والرضى والتسليم ثالث مرتكزات أخلاق التوحيد. إذا كان التوحيد هو بلوغ الحقيقة، والصدق هو كمال العمل بموجبها، فالرضى والتسليم هما كمال ديمومتها، ديمومة التوحيد، أو الحقيقة، التماهي فيهما، وعيشهما في كلّ لحظة من لحظات حياتنا ومندرجاتها؛ في نهارها وليلها، حلوها ومرّها، يسرها وعسرها، بأسها وبؤسها، قوتها وضعفها، غناها وفقرها، إلى سائر ما يعرض لنا أو يصيبنا في حياتنا الدنيا. ومن بلغ التوحيد والحقيقة فماذا ينقصه؟ وإلامَ يحتاج بعد ذلك؟ هذا هو مبدأ الرضى والتسليم. حين نبلغ الحق، ويمتلكنا الحق، وحيث لا شيء فوق الحق، أو قبله، حق للنفس أن ترضى أي أن تطمئن. وهو ما يجعل المؤمن يشعر بطمأنينة عجيبة، راسخ التوحيد رسوخ الجبال، وثابت الجنان ثبات الجلمود، (تنأى الحوادثُ عنه وهو ملمومُ). والمؤمن في ذلك كله عارف ما يفعل، مدركُ مآل رضاه وتسليمه، وهو الرضوان التام الذي ينتظره وفق الآية الكريمة: ﴿يُبَشِّرُهُمْ رَبُّهُم بِرَحْمَةٍ مِّنْهُ وَرِضْوَانٍ وَجَنَّاتٍ لَّهُمْ فِيهَا نَعِيمٌ مُّقِيمٌ﴾ (التوبة 21). أما التسليم فخطوة مكملة على طريق الحقيقة. فإذا كان الرضى هو القبول فالتسليم هو الفعل: لقد أسلمت نفسي وما لي وما أملك للحق والحقيقة، بعدما ارتضيت التوحيد مذهباً، والصدق مسلكاً. التسليم هو الغاية القصوى للمؤمن. بالتسليم يكتمل التوحيد. فنُسلٍم الدنيا إلى مالكها، والأنا إلى باريها، والدار إلى صاحبها، فلا يبقى إلا الحق والحقيقة، أو وفق ما قال كمال جنبلاط في واحدة من قصائده العرفانية “ليس في الدار إلاّ صاحبها”.
يمكن على قاعدة الأسس الأولى أعلاه التقدّم أخيراً لتعيين آداب السلوك والقواعد العملية التفصيلية، أو الأكثر وضوحاً بينها، والتي يحتاج المؤمن معرفتها أولاً والعمل بها ثانياً في مسلكه اليومي.
وفق العالم الجليل الشيخ الفاضل(ر)، فإنّ أهم الآداب والقواعد هي التالية (كما نقلها الصديق الدكتور أسعد البتديني في أطروحته للدكتوراه “فلسفة الأخلاق عند الموحدين الدروز، الشيخ الفاضل نموذجاً”، 2007):

العاقل هو من يسعى إلى دار البقاء، فدار الفناء متبدلة، بل وزائلة في النهاية

أولاً: تقوى الله سرّاً وعلانية. أي معرفة الله، والثقة به، والإخلاص له، في السر والعلانية. وهذه مقدمة أولى ضرورية، إذ لا تقوم أخلاق، من دون تقوى الله، أو خارج الله.

ثانياَ: الاجتهاد في العلم والعمل. المعرفة هي الخير، والمعرفة الصحيحة هي الخير كله. ولكن العلم من دون عمل يبقى ناقصاً، فالعمل الصالح هو كمال العلم الصحيح الخيّر الذي ينتفع به.

ثالثاً: القيام بالفرائض الإلهية والواجبات الدينية. فمن لا يقوم بالأصول، حسب الشيخ الفاضل، لا يعرف الفروع. والفرائض الإلهية هي أصل الدين. والموحّد هو من قام بالواجبات الدينية المعروفة وعلى قاعدة الفرائض الإلهية أعلاه.

رابعاً: حُسنُ المعاملة. حسن المعاملة في كل شيء (في الأخذ والعطاء، في البيع والشراء، في القرض والوفاء، وسواها) هي أيضاً تطبيق مباشر لأصل الدين وفروعه، وقد قال رسول الله: “الدين معاملة، وأحاديث أخرى كثيرة تدعو إلى الحديث اللطيف، والدعوة اللطيفة، وأخذ الناس باللين”.

خامساً: حُسن الأخلاق، وطيبُ الصحبة والمعشر، ونفي الطيش والغلاظة. كما تقول الآية الكريمة: ﴿وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ﴾(آل عمران 159). وإذا كان اللين مطلوباً في الدين نفسه، فكيف في الأسرة، والحياة الاجتماعية؟

سادساَ: ترك الدعاء بالسوء بالكلية، سواء على إنسان أو حيوان. فالدعاء بالسوء إشارة إلى خبث النوايا وسوء المقاصد، وهو ما لا يتوافق وسريرة المؤمن الموحّد الموقوفة للخير الخالص ولرب العالمين.

سابعاً: ترك المباهاة والزهو والخيلاء والريا والزينة لأنها كلها وسائل لطلب الجاه في هذه الدنيا، وكلها بقايا من “أنا” واهمة يجب أن لا يبالغ المؤمن في امتلاكها، أو إظهارها، لأنها منازعة لله تعالى في ملكه، ولله الأرض والسماء والكون وما فيه، فضلاً عن كونها حجاباً يحول بين المرء وبلوغ الحقيقة والخلاص.

ثامناً: ترك الكبر والعجَب. فالكبر وفق الشيخ الفاضل(ر) هو استعظام النفس برؤية قدرها فوق قدر الآخرين. أما العجب فهو أن يعجب المرء بنفسه وعلمه وعمله ورأيه، فلا يرى علم غيره وعمله ورأيه. أي أن يرى نفسه أفضل من غيره، وهو مرة أخرى من فعل “الأنا” النافية للآخر، والمنافية لجوهر التوحيد.

تاسعاً: ترك الحسد. فالحسد جحد للحق، وتعريض بالمحسود، وبعث للضغينة والكراهية، وإشارة إلى الجشع والطمع والعداوة، وقبل كل ذلك تعظيم ما في الدنيا الفانية؛ أو هو في كلمات الشيخ الفاضل(ر)، ظالم في صورة مظلوم.

عاشراً: صون النفس عن حب المجد والجاه وطلب الرئاسة. وحب المجد والجاه مذموم، بحسب الشيخ الفاضل، لأن المرء إذا شُغل بذلك فسيجانب الصدق لصالح الكذب والتودّد والرياء، وهو باب للنفاق والفساد. ومن جديد فذاك مرض من أمراض الأنا المتكبرة التي تنافق في الظاهر بغية تحقيق المآرب. وهو في كل الأحوال هوى في النفس يخرجها عن جادة الإيمان والإخلاص لله تعالى والاستغراق في عبادته.

حادي عشر: ترك الغِيبة، لأنّ الغِيبة كما يقول الشيخ الفاضل من علامات عدم الأمانة، وعدم الأمانة كذب وبهتان. وفي الغيبة، إلى ذلك، ظلم للغائب، والله لا يحب الظالمين.

ثاني عشر: ترك النميمة. في النميمة شيء من الغيبة؛ ولكن فيها إلى ذلك إيغار للصدور، وهي باب للعداوة والبغضاء. والنميمة تذهب بالود بين الناس، وتفرّق بينهم، فيما الآية الكريمة تحث على الوحدة والتعاون على البر والتقوى.
ثالث عشر: مداومة الصلاة. الصلاة فرض عين، لأنها الصلة بين القلوب، وبين المتعبّد والخالق. وهي فرصة لاستذكار الحقيقة، ودوام ذكر الله، والوعد بطاعته، والعمل بموجبات الطاعة تلك.

رابع عشر: الاحتشام في الملبس والمظهر. والاحتشام بحسب الشيخ الفاضل سترة عظيمة ودرع مانع وحصن حصين ووقاية للجسد وجمال ظاهر وكمال في المروءة وشدة في الحياء. والاحتشام باب آخر من أبواب الفضيلة. وهو استشعار وحياء أمام الخالق قبل المخلوق، واحترام أولاً وأخيراً لقدسية الإنسان وتعبير عن الورع والتسامي عن البدن ومتعلقاته. هو تعليق لحضور الجسد كيما تتمكن الروح/العقل من أن تتفرغ لصورها ومُثُلها الكلية والثابتة.

خامس عشر: الحرص على الطهارة. والطهارة نوعان، طهارة الظاهر وطهارة الباطن. والجانبان متلازمان، فبمقدار ما تحمي طهارة الظاهر صحة الجسد وكرامته وجماله، تحمي طهارة الباطن صحة النفس وكرامتها من طغيان “الأنا”. بالطهارة تتحقق الفضيلة، وتكتمل حلقات التوحيد في ترك ما يجب تركه كي تتفرغ النفس للعلم والمعرفة والصلاة والمجاهدة وما تقتضيه رحلة طلب الحقيقة والاستغراق فيها.

مزار الشيخ الفاضل (ر)
مزار الشيخ الفاضل (ر)

خلاصة:
يتضح من القواعد والشروط الخمس عشرة التي فصّلها الشيخ الفاضل (وفق الدكتور أسعد البتديني) أنها بدأت بما بالأصول وانتهت في الفروع، وبدأت بالنظر الذي لا بد منه وانتهت بالعمل التطبيقي في أدق تفاصيل السلوك الذي لا بد للمؤمن والمؤمنة من أن يأخذا به في تجنُّب الدنيا الفانية وإغراءاتها وأفخاخها، (وهو جانب السلب أو النفي)، ليتمكنا بعد ذلك من بناء أخلاق الموحّد العارف المتجّه بكليته ناحية الحقيقة والحق والسعي للتوحد بهما والتخلّق بما يتناسب والمقام ذاك.
أما إذا حللنا القواعد والوصايا أعلاه فسنجد أنها تبدأ بما تتطلّبه الحياة الاجتماعية السوية (ترك النميمة والحسد والغيبة وحُسن المعاملة والاحتشام وسواها)، إلى ما نص عليه الشرع (من مداومة الصلاة وترك المباهاة والجاه) وأخيراً إلى ما ألزم به أهل الزهد والعرفان أنفسهم من موجبات التوحيد الخالص والعبادة التامة وعدم إشراك ما عدا الله في عبادة الله ويتضح ذلك في التقوى والعلم والعمل بوجب الفرائض الإلهية.
وفي الحقيقة، فالقواعد والوصايا تلك هي في صلب الأخلاق الإسلامية كما بلغتنا من سيرة صحابة الرسول عليه السلام، و”أهل الصفاء” إلى جانبه، مروراً بأهل المعرفة والبرهان من حكماء وفلاسفة، (راجع مثلاً المدينة الفاضلة للفارابي)، وصولاً إلى أهل الحقيقة والعرفان، وجميعهم يعودون إلى منظومة القِيم والأخلاق التي جاء بها القرآن الكريم، وإلى سيرة الرسول (الفقير الأمين الزاهد) والأحاديث النبوية الشريفة. بل في وسعي القول بثقة أن وحدة تفكير المسلمين والفرق الإسلامية (على اختلاف اجتهاداتهم) لتتضح، في الغالب، أكثر ما تتضح في باب الأصول والفروع والقِيم والقواعد الأخلاقية والمسلكية التي يتوجب على المسلم المؤمن الأخذ بها، كما تلك التي يتوجب عليه تركها واجتنابها.
ونعود في الخاتمة فنكرّر أنّ الأخلاق ليست فرعاً، بل هي من الأصول، في الدين كما في الدنيا، وأنّ كلّ جسر موّدة نمدّه بالخير بيننا وبين الآخر، إنما هو أيضاً جسرٌ بيننا وبين الله الذي لا يريد بنا إلا يسراً، في داخل ذواتنا، في أسرتنا، مع جيراننا، كما مع الآخر، كلّ آخر، كلّ إنسان: وكل الناس إنسان واحد، فإن أسأت إلى إنسان أسأت إلى كلّ الناس. قال الله في كتابه العزيز:
﴿مَن قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ… فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا﴾ (المائدة، 32).

قصّة نجاح من السويداء مستثمرون وطنيّون أوفياء

البساط الأخضر
مصنع رائد وناجح في مجال الاستثمار الزراعي في محافظة السويداء

في معمعان الأزمة التي تواجهها سورية وفي سنوات الدماء والخراب اللَّذين يعمّان الوطن هناك مستثمرون أوفياء لمجتمعهم أقدموا على وضع أموالهم قيد الاستثمار في سورية، وفي السويداء، ومن هؤلاء الأوفياء الأستاذ منصور حسن الصّفَدي وشريكه الأستاذ غسّان نسيب البريحي يقول الاستاذ الصفدي: “السيد غسان البريحي شريك لي، ومدير عام في مصنع البساط الأخضر وفي مزرعة عرى، وهو رجل جاد وصاحب خبرة لا يجاريه أحد في مجال عمله ويتمتع بخلق وأمانة لا تتوفر إلا في أفاضل الناس”، وانطلاقًا من اهتمامات الضّحى بهؤلاء النّخبة من رجالات بني معروف الذين اختاروا العمل في ميدان النّشاط الإنتاجي كان اللّقاء التالي مع الأستاذ منصور الصّفَدي:
من منصور الصّفدي في عين نفسه؟
أنا هو، منصور الصّفدي، من مواليد بلدة الغارية عام 1956، تخرّجت من الثانوية الفنّية الزراعية في السويداء عام 1975. منذ ذلك العام عرفت الاغتراب مُكْرَهًا خارج الوطن، عملت في ليبيا مدة ثلاثة عشر شهرًا في قطاع البناء. هناك تعلّمت تركيب السيراميك والرخام والصحيّة ونجارة الباطون، انتقلت بعدها إلى الأردنّ، وعملت في مدينة الزرقاء في المجال نفسه مدّة سبعة أشهر، وفي 3/8/ 1977 توجهت إلى دولة الإمارات العربية المتحدة. هناك واجهت صعوبة في التكيّف مع عوامل المناخ كارتفاع درجات الحرارة والرطوبة، وانخفاض مستوى الدخل بشكل لا يكاد يفي بمتطلبات العيش، ولم يكن أمامي بدائل، عملت على تلك الحال أحد عشر عامًا دون الخروج من دولة الإمارات أو العودة إلى سورية ولو يومًا واحدًا، في تلك الظروف عملت على مضض، وشاءت الأقدار أن تؤول إليّ ملكيّة الشركة التي كنت مديرها بسبب سفر مالكها الذي تركها في وضع ماليّ سيّئ … كانت مغامرة فيها مجازفة، وكان يحفزني على الاستمرار فيها قول الشاعر الفلسطيني عبد الرحيم محمود:
فإمّا حياة تسرُّ الصّديق وإمّا ممات يغيض العدى


عملت بمثابرة، ووصلت ليلي بنهاري، فتمكّنت من إنقاذ الشركة والانطلاق بها لتوسيع الأعمال وتأسيس نشاطات جديدة أثمرت نجاحًا يتلوه نجاح، فلديّ حاليًّا شركة لتجارة مواد البناء لها ستّة فروع في دولة الإمارات، منها شركة لأعمال الأصباغ وشركة لكافة أنواع العزل ولي مشاركة في مصنع للبوليسترين (الفلّين الأبيض)، ومشاركة في شركة ديكور وفي شركة صيانة عامّة وفي شركة مقاولات عامة وفي شركة مبان عقاريّة أخرى، ومشاركة في اثنين من المتاجر. ولديّ طموح لتوسعة نشاطنا في إمارات أخرى لم ندخلها بعد.

وعلى الرغم من الظروف الداخلية والخارجية التي تواجه سورية فقد تمكنّا من إنجاز هذا المشروع خلال فترة لا تتجاوز الستّة أشهر

متى توجهتم بنشاطكم للاستثمار في سورية؟
منذ العام 1988 أخذ وضعنا المادي في الإمارات بالتحسّن ومنذئذ بدأنا بالاستثمار في سورية إذ تشكّل لديّ فائض من الدخل فتوجّهت لفتح مصالح في سورية في مجالات زراعية وتجارية وصناعية وعقارية تحت اسم “مجموعة منصور الصّفدي”. كانت رحلة كفاح توَّجَها الجهد والمثابرة للوصول إلى النجاح، فربّ ضارّة نافعة. بدأت بالاستثمار في قطاع النقل على خط دمشق السويداء، اشتريت حافلة ركاب كبيرة (سكانيا) وشاحنة مرسيدس قلّاب لنقل مواد البناء ومعدات أُخرى لم تزل قيد العمل بحمد الله، كما اشتريت:
1- 1500 دونم من الأراضي الزراعية موزّعة بين بساتين ومزارع
ومحاصيل حقلية لزراعة الحبوب.
2- صيدلية زراعية لدعم نشاطنا الزّراعي.
3- أنشأت معمل البساط الأخضر للكونسروة (موضوع بحثنا).
4- محل لبيع حديد التصنيع بالجملة.
5- محل لتسويق إطارات هانكوك (دواليب) للسيارات في المنطقة
الجنوبية من سورية.
6- معمل بيتون لتصنيع أحجار البناء.
7- منشر (معمل) لقص الحجر البازلتي وتسويقه في المنطقة
الصناعية غرب السويداء على طريق بلدة الثعلة.
8- ورشة تصليح غواصات الأبار الجوفية.
9- محل بيع قطع غيار وسيور (قشط) مراوح ومحركات ومكيفات
السيارات أو طرمبة المياه لتبريد المحركات..
10- مشاريع عقارية…
11- محل مخرطة معادن.

المبنى الرئيسي للمعملالمبنى الرئيسي للمعمل

 

فاكيوم إعداد مربى البندورة

فاكيوم إعداد مربى البندورة

وهكذا تناول نشاطنا عدّة مجالات تجارية وصناعية وعقارية، ومازلت أمارس نشاطاتي تلك بنجاح، يساعدني على ذلك نجاحي في مناخ الاستثمار العصري الذي تتمتع به دولة الإمارات حيث يتوفر جوّ الطموح لتحقيق الأفضل في كافة المجالات وهو قرار اتّخذته القيادات المعنيّة في الإمارات وقد التزم به قطاع الأعمال في كافة مجالات العمل. حقًّا إنَّ النجاح عدوى إيجابية.
ما النشاط الاستثماري الذي تقومون به في لبنان؟
في عام 2014 اتّخذتُ قرارا بالاستثمار في لبنان للربط بين أعمالي في الإمارات وأعمالي الكثيرة في سورية في مجال النشاط العقاري. شاركت في الشوف مع رجل أعمال لبنانيّ هو رائد زهير غنّام، بنشاط تجاري يتعلّق بالبناء (عمارة من 9 شقق) والاتجار في مواد بناء وخردوات وكهربائيات وأعمال مقاولات ومعرض لتجارة الحجر، مصادره من الداخل اللبناني ومن سورية ومصر… والعمل الذي نمارسه يبشّر بمستقبل جيد إن شاء الله، وما زالت قصة النّجاح مستمرة يرافقها إصراري على تخرّج كافة أبنائي الثّمانية (ثلاثة أبناء وخمس بنات) بشهادات جامعية، فقد تخرّج منهم أربعة، والأربعة الباقون مازالوا يواصلون الدّراسة دون المرحلة الجامعية. لديّ قاعدة في الحياة تقضي بأنّه على كل شاب وفتاة أن يحصل على شهادة جامعية على أقل تقدير… والحياة لا تعتمد على توفّر المادّة فقط، ولكن مع توفّر العلم والأخلاق فإنّ المادّة تصبح تحصيل حاصل…
ما المبدأ الذي تعملون عليه في نشاطكم الاقتصادي؟
إنني أعتبر أنّ الصدق في عملي هو الأساس الذي أرْتَكزُ عليه في مجال التعامل مع الآخرين، وأُشبّه النشاط الإنتاجي كَكَوْمة من القمح في بيدر؛ بحيث لا يمكنك زيادة ارتفاع كومة القمح دون أن تزيد من اتّساعها في القاعدة، ولئن أصبت خيرا فإنّك لا تستطيع زيادته دون أن تجعله يعمّ على من حولك، والأقربون أولى بالمعروف.

ما الدافع الذي حفزكم للعمل في مجال التّصنيع الزّراعي؟
إنّ مسألة الاستثمار في الزّراعة حاجة ضروريّة في مجتمعنا، إذ يمكننا عبرها تشغيل أعداد من الأيدي العاملة التي لا تحتاج إلى تدريب عالٍ، ثم إنّ المواد الأوّلية؛ من تربة مناسبة وماء وشمس؛ كل ذلك متوفر بحمد الله.

متى أسّستم شركتكم؛ مصنع البساط الأخضر؟
كان ذلك بتاريخ 16/ 12/ 2012 وعلى الرغم من فترة تصاعد المحنة السورية، فقد انطلقنا في عملنا الإنتاجي بشركة تضم الشّريكين؛ أنا، منصور حسن الصفدي، وصديقي غسان نسيب البريحي، وقد تم تأسيس الشّركة بناء على قرار رسمي رقم (312 /م. س)، بسجلّ تجاري رقم 1986، وسجل صناعي رقم 2.
وقد أسّسنا هذه الشركة لتواكب المتطلّبات الاقتصادية انطلاقًا من إيماننا المطلق باستثمار الموارد الطبيعية والبشرية المتاحة لتوظيفها في الوطن ومن أجل خدمة المواطن. وتبلغ مساحة العقار المشاد عليه المعمل 7000م2، أمّا مساحة البناء فتبلغ 3000م. وعلى الرغم من كل الظروف الداخلية والخارجية التي تواجه سورية فقد تمكنّا من إنجاز هذا المشروع بدءًا من رحلة التأسيس والبناء، وحتى مرحلة الإنتاج الفعلي والعمل الإنتاجي خلال فترة زمنية قياسية لا تتجاوز الستّة أشهر.

كيف تحصلون على الخضار والفواكه التي تصنّعونها؟
تمتلك شركتنا بستانًا مساحته 25000م2 من الأرض الزّراعية الخصبة قرب المعمل تروى من بئر جوفي بعمق 260م، بالإضافة إلى مزرعة قريبة من المعمل غرب بلدة (عرى)مساحتها 500 دونم تروى بالتنقيط بواسطة 3 آبار ارتوازية على عمق 500 م. فيها 30000 شجرة درّاق طلياني، ونكتارين ومشمش وخوخ (نوع جوهرة)، ورمّان فرنسي… ويعمل في المزرعة مئة عامل من محافظتيّ الحسكة ودير الزّور يقيمون مع أسرهم في المزرعة، كما نربّي في المزرعة أغنامًا وماعز وطيورًا متنوّعة من دجاج بأنواعه محلّي وفرعوني وبَراهمي وطواويس وإوز وبط وكروان وراماج والعاشق والمعشوق والفرّي والراماج وطيور الجن وحجل وحمام.

ما حجم الرأسمال الذي بدأتم العمل به ؟
بدأت الشركة برأسمال قدره 50 مليون ليرة سورية، أي ما كان يساوي نحو مليون ومئة ألف دولار حينذاك.

ما المجالات التي عمدتم إلى الاستثمار فيها؟
– كان ولم يزل هدفنا الاستثمار في مجال الخيرات الزراعية إذ قام عملنا على إنتاج وتعليب معجون الطّماطم (البندورة) وكافة أنواع الكونسروة من خضار وفواكه، وتعليب الطَّحينة والحلاوة الطّحينية.
ــ تبلغ الطاقة الإنتاجية السنوية لمعجون البندورة 1000طن
ــ كونسروة الخضار (حمّص، فول، بازيلّا) 300 طن
ــ كونسروة الفواكه 300طن
ــ الحلاوة الطحينية 125 طن
ــ الطحينة 50 طن

في المختبر
في المختبر
في المستودع
في المستودع

ما عدد العاملين في شركتكم؟ وهل حققتم الهدف الإنتاجي الذي خططتم له؟
ــ عدد العمال لدينا: 32 عاملًا، يعملون على ثلاث وارديات، الإداريون والمهندسون والفنيون عددهم 15، وفي فترة الذروة من موسم الإنتاج يصل عدد العاملين لدينا إلى 70 عاملًا.
وقد حققت شركتنا الطاقة الإنتاجية المخطّط لها خلال الموسم الثاني من انطلاقتها، ويتم تسويق إنتاجنا سنويَّا، ونعزو هذا لجودته من حيث كونه يتمّ حسب المواصفات السورية الصحّية والمعترف بها دوليًّا ممّا يتسبب بجديّة الطلب عليه.
كما قامت شركتنا بفتح أسواق لها في أكثر من دولة مجاورة، العراق ولبنان والأردن، وقبرص وحدها تستورد (56 طنًّا من المعلّبات)، هذا بالإضافة إلى جميع المحافظات السورية بمنتجات منافسة من حيث الجودة والمواصفات ومن حيث السعر أيضًا ، وهذا يتم في ظروف متقطعة تتأثر بالوضع الأمني للطرقات بسبب الأحداث المأساوية التي تعيشها البلد..
ولم نتوقّف عند هذه الحدود بل هناك العديد من التّصورات والخطط الاستراتيجية المستقبلية فيما يصبّ في مصلحة الشركة والعاملين فيها، ومصلحة الوطن على حد سواء ومن أمثلة ذلك:
1- السعي إلى تحسين خطوط الإنتاج بخطوط إنتاج عالمية
ذات كفاءة عالية تساهم في العملية الإنتاجية من حيث التسريع والاستثمار في الوقت المتاح، وتقليص الوقت الضائع والهدر غير الطبيعي، وتحسين المنتج بمواصفاته الفنية والشكلية.
2- فتح أسواق جديدة ونشر المنتج فيها وفي جميع أرجاء العالم،
وفرض الحالة التنافسية مع المنتجات العالمية المماثلة من حيث:
أ- الوصول إلى أعلى درجات الجودة (أيزو)، والحصول على
الامتيازات والتقديرات العالية.
ب- فتح منافذ تسويق إلكتروني وتحقيق متطلّبات الزبائن.
ج- ابتكار منتجات جديدة ترضي أذواق كافة المستهلكين.
د- إحداث طرق صناعية غير مسبوقة في المنتجات التقليديَّة.

اللجنة الاجتماعية تقيم حفل عشائها الخيري السنوي

اللجنة الاجتماعية
تقيم حفل عشائها الخيري السنوي

أقامت اللجنة الاجتماعية في المجلس المذهبي لطائفة الموحدين الدروز، حفل عشائها الخيري السنوي في فندق فينيسيا بيروت، بحضور ممثل رئيس مجلس النواب نبيه بري، النائب هاني قبيسي، ممثل رئيس مجلس الوزراء سعد الحريري، وزير التربية مروان حمادة، الأستاذ تيمور جنبلاط وعقيلته ديانا، ممثل سماحة شيخ عقل طائفة الموحدين الدروز الشيخ نعيم حسن، رئيس لجنة الاغتراب في المجلس المذهبي الشيخ كميل سري الدين، وزير الشؤون الاجتماعية بيار أبو عاصي، وزير الدولة لشؤون حقوق الإنسان أيمن شقير، ممثل الوزير طلال إرسلان أكرم مشرفية، النائبان، أنطوان سعد، وفؤاد السعد، وممثل للنائب نعمة طعمة، وعدد من النواب السابقين، ورئيس مؤسسة العرفان التوحيدية الشيخ علي زين الدين، وحشد من الفعاليات والمدراء العامين والهيئات النقابية والروحية.

بعد تقديم من الأستاذ ياسر غازي، تحدّثت رئيسة اللجنة الاجتماعية المحامية غادة جنبلاط، فقالت: “عام بعد عام يتجدد اللقاء، ويعود ‘الأمل’ مُترافقاً مع دعواتٍ بأن يُطيلَ الإقامةَ عندنا. لكنّ مجتمعا يزخر بمثل قاماتكم لا بدّ من أن يركُن إلى حاضره ولا يخشى مستقبله”، وتابعت: “ليس من السهل أن يحيا المرء في مثل هذه الظروف، في هذا الوقت بالذات. جراحنا، فاضت عن العام المنصرم، ورقعة التحديات اتسعت. يومياً نُحاط بأخبار الجريمة. يومياً نصاب بمدخولنا الشهري، ونبقى يومياً على أهبة الخسارة، كأننا أحياء بالصدفة، قادمون من حروب متواصلة، ماضون إلى حروب متوقعة. أزماتنا هنا تتعمق. واقعنا الاقتصادي متعثر، الإداري شاغر ومنهك بالفساد، المالي نازف بالمديونية. البطالة مستفحلة والعدالة الاجتماعية شبه مفقودة”.

وقالت جنبلاط: “معَ عدمِ كفاية الدور الرعائي للدولة، شعارنا المُوجّه في اللجنة الاجتماعية: شمعة نضيئها خير من لعنة الظلام، وهدفنا الأسمى احتضان الإنسان اللبناني عبر تأمين مقومات صموده. وكما ظهر في الوثائقي القصير على الشاشة قبل قليل، حاولنا عبر برامجنا الصحية، التربوية، الاجتماعية والتوعوية بلسمة الجراح، والتشبّث بالصمود. وقد بلغ مجموع المساعدات التي قدّمت في البرامج الثلاثة منذ العام 2013 حتى 2016 نحو 10,333 (عشرة آلاف وثلاثماية وثلاثة وثلاثين) مساعدة”.

ثم كلمة سماحة شيخ العقل، ألقاها رئيس لجنة شؤون الاغتراب في المجلس المذهبي الشيخ كميل سري الدين، قال: “اسمحوا لي بدايةً أن أنقلَ إليكم تحيات سماحة شيخ العقل الشيخ نعيم حسن، وقد شرّفني بتمثيله في هذا اللقاء الاجتماعي الخيري الذي يضمَّ وجوهاً كريمة من المجتمع اللبناني الواحد المتنوّع، وعلى الأخص أخوانَنا الموحدين الدروز الذين يقعُ عليهِم جزءٌ كبيرٌ من مسؤولية النهوض بمؤسسات الطائفة ورعاية المحتاجينَ من أبنائها. إنَّ عمل اللجنة الاجتماعية صاحبةِ الدعوة إلى هذا العشاء الخيري، والنابع من توجُّهِ المجلس المذهبي؛ رئاسةً ومجلسَ إدارة وهيئةً عامة، يصبُّ في خدمة أهلِنا وأبناء مجتمعنا الذين يُعانون من الفَقرِ والحاجة، ويتطلعون بأملٍ ورجاءٍ وثقة إلى مؤسسات الخير والعطاء، للوقوف إلى جانبهم ومدّ يد العون لهم، لتمكينهم من مواجهة الصِّعاب وتأمين أبسط الحقوق الإنسانية التي يجب أن تكونَ متوفرةً لهم في الطبابة والتعليم والعيش الكريم”.
وتابع سري الدين: “لقد حاولت اللجنةُ الاجتماعية، بشعورها الإنسانيِّ النبيل، وما زالت تحاول، رئيسةً وأعضاء، ملامسةَ حاجة الناس وشحذَ الهمّة للوقوف إلى جانبهم بمحبةٍ وإخلاص، مُستعينةً بموازنةٍ متواضعة من المجلس المذهبي ومداخيلِ الأوقاف، وبدعمٍ كريمٍ من أهل الجود والكرم أمثالِكم، وحقُّها علينا وعليكم أن لا نبخلَ عليها، وأن نستثمرَ بعضَ ما نملكُ في عمل الخير والإحسان، وهو أفضلُ استثمار لمن أرادَ رضى الله سبحانه وتعالى وراحةَ الضمير. إن المسؤولية تزداد على المجتمع المدني وعلى المؤسسات الأهلية وعلى الخيِّرين، في ظلِّ تقاعسِ الدولة عن تغطية حاجات الناس، وهذا ليس مِنَّةً منّا عليهِم، فهو واجبٌ أصلاً على أهل البيت الواحد والمجتمع الواحد والوطن الواحد، لكي يَشدُّوا أزرَ بعضِهم بعضاً، مقيمينَ ومغتربين، إذ كيف يَصلُحُ المجتمعُ إذا تمتّعَ الغنيُّ بمالِ الفقير، أو إذا نام الإنسانُ مُتخَماً وجارُه جائع. إنها العدالةُ والشجاعةُ والمحبةُ والرحمةُ والإنسانيةُ تقتضي أن نزكِّيَ من أموالنا بقناعةٍ وسخاء، وأن نحدِّثَ بنعمةِ الله، بالفعل لا بالكلام وحسب، ترسيخاً للقاعدة التوحيديةِ في حفظ الإخوان، وتأكيداً لقولِه تعالى: “وأمّا اليتيمَ فلا تَقهَر، وأمّا السائلَ فلا تَنهَر، وأمّا بنعمةِ ربِّك فَحدِّثْ”.
وقال سري الدين: “إننا نعيش معاً في ظلِّ دولة لبنانية يُفترَضُ أن تكونَ عادلةً وقادرة، وفي وطنٍ واحدٍ موحَّد، وقد كنّا في أساس تكوينِه منذ قرون، وما كنّا أبداً إلّا دعاةَ محبةٍ وعيشٍ مشترك وما كنّا إلّا قدوةً في احترام الحقِّ والدستور، وعلى هذا الأساس يجبُ أن نُعامَلَ تقديراً لموقعِنا وتاريخنا ودورِنا الوطني والقومي، وقد حرِصتْ القيادةُ السياسية على الالتزام بهذا الدور المحوري الجامع، ووضعتْ مصلحةَ الوطن وبناءَ الدولةِ فوق كلِّ اعتبار، فهل يُنصِفُ المسؤولونَ في إعطاء الموحّدينَ حقوقَهم أسوةً بغيرِهم، وهم قلبُ الوطن وأساسُ وجودِه؟ أم يكون التعاملُ على أساس أكثريةٍ وأقلية بعيداً عن منطق المساواة والعدالة الاجتماعية؟ وكم من الفرص تضيعُ على الشبابِ في غياب الحريةِ والمساواة، فيفقدون الأملَ بهذا الوطن؟ إننا نتطلَّعُ إلى هذا العهد الميمون لعلَّه يُحقِّقُ أملَ اللبنانيينَ، فيقطعُ دابرَ الفساد المتنقّلِ الذي يَنخرُ جس الْبَلَد ومؤسساته، ويحقِّقُ الإصلاحاتِ المنشودة، ويؤمِّنُ فرصَ العمل والمشاركة للشباب، وكم هي كثيرةٌ تلك الثغراتُ والمساوئُ في الإدارة وفي البيئةِ والطرقات والمرافقِ العامّة وفي فوضى انتشار السلاح والمخدرات؟ لقد آن الأوانُ لأن نُزيلَ العقباتِ المصطنَعة ونُوحِّدَ الجهودَ ونتطلَّعَ إلى المستقبل بوعيٍ ومسؤوليةٍ، من أجل الحفاظ على أبنائنا، وتحقيق طموح شبابِنا وشابّاتِنا، وزرع الأمل في قلوبهم وتأمين حقِّهم في وطنٍ أكثرَ أماناً وعدلاً”.
وختم سري الدين: “إنّنا، إذ نتطلَّعُ إلى غدٍ مشرِقٍ واعد على صعيد الطائفة والوطن، مقِّدرينَ عملَ اللجنة الاجتماعية ولجانِ المجلس المذهبي كافةً، فإننا من موقعنا، في لجنة شؤون الاغتراب، ومن موقعي كرئيسٍ لهذه اللجنة، أشكرُ أخواني المغتربين والميسورين، السبَّاقينَ دائماً للبذل والعطاء، والذين يُدركونَ أنَّ قيمةَ المرءِ ما يُحسنُه لا ما يَجمعُه، وأدعوهم إلى المزيد من الدعم المادي والمعنوي من أجل رعايةِ المجتمع ونهضة المؤسساتِ، وكلُّنا أملٌ بأن يزدادَ العددُ ويتضاعفَ العطاء معَ ازديادِ التحديات وتضاعُفِ الأزمات. أثابكم الله وإلى اللقاء دائماً على دروب الخير والمحبة، عِشتُم أهلاً للخير والمعروفِ وعاش لبنان”.

حفل تكريم
في دار الطائفة

كرّمت مشيخة العقل والمجلس المذهبي لطائفة الموحدين الدروز عدداً من المتبرعين الذين قدّموا مساهمات مادية وعينية لتأهيل مبنى دار الطائفة في بيروت بالإضافة إلى مجلس أمناء مجلة ومساهمات مختلفة لدار الطائفة وتأهيل مقام السيد الأمير(ق) في عبيه؛ وذلك بحضور سماحة شيخ عقل الطائفة الشيخ نعيم حسن؛ ورؤساء اللجان وأعضاء المجلس المذهبي.
كما حضر حفل التكريم في دار الطائفة ممثل الاستاذ تيمور جنبلاط؛ الدكتور ناصر زيدان؛ النائب أنور الخليل؛ الوزير السابق محمود عبد الخالق؛ الوزير السابق عادل حميه؛ ممثل الوزير السابق مروان خير الدين الاستاذ أكرم العربي، أمين السر العام في الحزب التقدمي الاشتراكي ظافر ناصر؛ مدير عام وزارة شؤون المهجرين الأستاذ أحمد محمود؛ مدير عام تعاونية موظفي الدولة الدكتور يحيا خميس؛ مفوض الحكومة في مجلس الإنماء والإعمار الدكتور وليد صافي؛ المراقب المالي العام في مجلس الجنوب ياسر ذبيان؛ قائد الشرطة القضائية العميد ناجي المصري؛ مستشار وزير التربية أنور ضو؛ مفوضو الإعلام والداخلية والشباب في الحزب التقدمي الاشتراكي رامي الريس وهادي بو الحسن وصالح حديفه؛ مدير عام المجلس المذهبي مازن فياض ورؤساء المصالح والمديريات؛ بالإضافة إلى مجلس أمناء مجلة ورئيس تحريرها السابق رشيد حسن؛ وعدد كبير من الشخصيات ورجال الدين وقضاة المذهب الدرزي.
قدّم اللقاء رئيس اللجنة الثقافية في المجلس المذهبي الشيخ سامي أبي المنى؛ حيث قال: “هذا اللقاء التكريميِّ الذي اخترناه محطةَ وفاءٍ وتقديرٍ واحترام، لكوكبةٍ من الرجال الأكارم الذين تكرَّموا بإعادة تأهيل دار طائفة الموحدين الدروز، بمبادرةٍ من رئيس لجنة شؤون الاغتراب الأستاذ كميل سريّ الدين وبمساهمةٍ سخيّةٍ منه ومن نخبةٍ خيِّرة من رجال الأعمال الأفاضل، ولسادةٍ كرامٍ من أهل المروءة والغِيرة والرؤية الثاقبة ممّن شكَّلوا على مدى سنواتٍ مجلسَ أمناءٍ لمجلة الضُّحى الصادرة عن المجلس المذهبي، ولرئيس تحريرها الأستاذ رشيد حسن الذين يستحقُّون منَّا جميعاً جزيلَ الشكر والتقدير، لِما أعطَوه من مثلٍ يُحتذى به في الحميَّة والأريحية وعمل الخير.
لقد رأت لجنة شؤون الاغتراب والمجلس المذهبي مجتمِعاً، برئاسة صاحب السماحة، أنَّ دار الطائفة التي بناها أسلافُنا المعروفيون الأبرار بهمَّةٍ عالية من سماحة شيخ العقل المرحوم الشيخ محمد أبو شقرا ورعايةٍ كريمةٍ من قيادات الطائفة وفعالياتها، والتي افتُتحَت بمشاركة رسميةٍ رفيعة، لم تعُد لائقةً بمركز الطائفة ومشيخة العقل والمجلس المذهبي، ولا بأبناء الطائفة وأصدقائها وزوَّارها، بعد أن استهلكت معظمَها السنون، فانبرت تلك النخبةُ المميَّزة من رجال الأعمال لإعادة تأهيلِها، وأثبتوا مرةً أخرى وبكلِّ جدارةٍ أن الاندفاعَ ما زال موجوداً، وسجيَّةَ العطاءِ ما زالت مِيزةَ الرجال، والانتماءَ الوطني، كما الحسُّ الإنساني، ما زال حيَّاً في مجتمعِنا التوحيدي؛ لعلَّهم بعملِهم هذا يُوقظون من السُّبات بعضَ الغائبينَ عن ساحة العمل الخيري والحضورِ الاجتماعي والوطني، ويُحيونَ تلك الروحَ الأخوية بين الناس وفي المجتمع، ونحن نعرفُ أنَّ هناك الكثيرين ممَّن يبذلونَ في سبيل الفقراء والمرضى والمساكين وطالبي العلم وبناء المؤسسات، ولكنَّ مثلَ هذه المبادرات مطلوبٌ على مستوى الطائفة وعلى مستوى الوطن، إذ فيه نهوضُ المجتمع وتقدُّمُ الوطن وتأكيدُ الانتماء”.
ثم ألقى سماحة شيخ العقل الشيخ نعيم حسن كلمة قال فيها: “ان نفوس الناس كمعادن الارض، وفي ذلك قالوا: “الشيء من معدنه لا يستغرب” اذ انه كما يكتنف التراب فِلْزّات الأرض، ولا يعرف منها المعدن النفيس من المعدن الرخيص، كذلك تبقى معادن النفوس مخبوءة ما بقيت مكتنفة بالجهل. معادن الأرض نفتش عنها، أما معادن النفوس فتبقى في الضمائر لا تُعرف الا بالمعاملة أو إذا قدمها المرء بنفسه”.
وأضاف الشيخ حسن: “أعمال الخير والبر والزكاة والصدقة، كلّها أعمال تنحو للمشاركة مع الآخَرين في كلِّ ما يُعزِّزُ معاني المروءةِ والنخْوة والأصالة والتضامن الاجتماعيّ خدمةً للخير العام. وهذه الأعمال لا تبرز إلّا عن نفوسٍ ومعادن كريمة. مناسبتنا اليوم وان تفرعت فهي فرصة للشهادة على شجاعة الرجال ونبل مزاياهم ورفعة إخلاصهم للأصالة وللقيم التي طالما ميّزت المعروفين عبر التاريخ وهذا ما أعاد لدار الطائفة وجهها المُشّع، بما يليق بحضور الأفاضل والأكارم بعد مُضي أكثر من خمسين عاماً على افتتاح هذه الدار. هذه الدار الوطنية التي بُنِيَت في غيرة وتعاضد ومحبة لتبقى رمزاً من رموز وجود الطائفة في العاصمة وعنواناً بارزاً من عناوينها، وستحافظ هذه الدار بإذنه تَعَالىَ على معلمها لتبقى صرحاً أثرياً للأجيال القادمة، وبمثابة القلب الحاضن لأبنائها”.
وتابع سماحته: “إنَّ الصّيغة التي أنجز بها قانون تنظيم شؤون طائفة الموحِّدين عام 2006 هي صيغة متقدّمة وحيويَّة، وعلى قواعد توزيع المهام والصلاحيات وما تعلمون. ولا بدَّ لي في هذه المناسبة من أن أحيي رمزنا الوطني معالي الأستاذ وليد بك جنبلاط على إنجاز هذا القانون برؤية نهضويَّة لجعله مرتكِزاً على قاعدة الانتخابِ التي تسمح بتمثيل كافَّة شرائح المجتمع. فضلاً عن أنه أعاد تصحيح العديد من مواد القانون السابق وأهمهما مراعاة المفهوم القانوني للشروط الوقفية، كما نحيّيه على دعمه المتواصِل في كافَّة الشؤون، ومنها البذل السخيّ الذي صبَّ في مصلحة الأوقاف وتعزيز أصولها. وتبقى المسيرة مستمرة مع تيمور بك بإذنه تَعَالَى”.
وأكمل الشيخ حسن: “أحيّيه على سياسته الحكيمة التي ترتقي في مستواها الوطني إلى ذروة عليا من المسؤوليَّة حفاظاً على كيان لبنان ووحدة شعبه. وسوف تُسجِّل صفحات التاريخ أنَّ وليد بك جنبلاط بقيَ في أحلك الظروف، وفي أكثر المراحل التاريخية صعوبةً وتعقيداً التي يمرّ بها الوضع اللبناني، بقيَ ثابتاً على إخلاصه للروح الميثاقيَّة الجامعة، وليس له أولويَّة سوى الحفاظ على الوطن وعلى سلامة العيش المشترك فيه، من دون أن يتزحزحَ عن إخلاصِه للقضايا الوطنيَّة الكبرى في العالم العربيّ، ولا عن تمسُّكِه بالمبادئ الإنسانيَّة في زمنٍ يتباهى فيه آخرون بالعنصريَّة والطائفيَّة”. وتابع سماحته: “نعود إلى مهمتنا في مسيرة المجلس المذهبي، وقدرُنا أن نواجهَ امتحانَ إعادة البناء في كثيرٍ من المجالات المتعلِّقة بالغايةِ من تشكيله خصوصاً في الشأن الاجتماعي والأوقاف وفعالية المؤسَّسة الجامعة في طائفتنا الكريمة. ولا يُمكن لنا أن نستسلمَ أمام صعوبة الظروف التي واجهتنا، بل الانطلاق مجدداً باندفاعةٍ قويَّة تمضي بنا وبمجتمعنا قدُمًا إلى الأمام. لقد أحدثنا فرقًا كبيرًا، وبنينا اللّبِنات الأولى على قاعدةٍ راسخة، وحقّقنا الكثير من الأمور الهامَّة التي وضعت سبُل العمل المؤسّساتي على جادةٍ مستقيمة، فلا يجوز لنا أن نراوحَ في المكان إزاء طموحاتنا الكبيرة التي تتخطّى الواقع بأشواط”.
أضاف: “إنَّنا نتطلَّع اليوم إلى المزيد من إنجازات الأوقاف والبدء في مشاريع الاستثمار لتنتج موارد تغذي صندوق اللجنة الاجتماعية وما تتكفّله من مساعدات مرضية وتعليمية للمحتاجين. وإنجاز المشروع الشامل لاستكمال دار الطائفة لتكون في خدمة المعروفيِّين بما يليقُ بهم. وفي هذا اللقاء التكريمي للمتبرعين في إعادة تأهيل دار الطائفة في الوقت نفسه نودّ ان نكرم كوكبة أخرى من الاخوان الذين يساهمون في تأهيل البشر عبر مجلس أمناء مجلة التي اخذت طابعا فكرياً وثقافيا في حلتها الجديدة فإليهم أيضا الشكر والثناء والتشجيع على المضي برسالتهم رسالة التوعية والتوحيد لاطلاع المجتمع بكافة اطيافه على تراث ولا اغنى، ومحطات ولا أثرى، كما التحية والتقدير لرئيس التحرير على ما بذل من جهود”.
كما خص سماحته بالشكر رئيس تحرير رشيد حسن الذي انتهت ولاية مهامه؛ مشيداً بعمله المتفاني في سبيل استمرارية ورفعة المجلة؛ متطلعاً الى استمرار هذا النهج مع الدكتور محمد شيا الذي سيتولى هذه المهمة.
وختم الشيخ حسن: “أردنا هذا اللقاء ليكون مناسبةً نعبِّرُ فيها باسم الهيئة العامَّة للمجلس المذهبيّ، وباسم ما نـمثِّلُه في خدمةِ القيَم الرُّوحيَّة والإنسانيَّة، وباسم طائفتنا العزيزة، عن خالص تقديرِنا ومودَّتنا وشكرنا لأشخاصكِم الكريمة، آملِين أن تكونَ هذه المبادرة إشارة وفاءٍ واحترام للشيَم المعروفيَّة الأصيلة، سائلين الله تعالى أن يوفيَكُم عنَّا وعن كلِّ المعروفيّين جزيل الثواب، وأن يحفظَكُم ويبارك لكُم في كلِّ مساعي الخير، ولا يضيع عند الله تعالى مثقال ذرَّةٍ من العمل الصالح، إنَّه هو الكريمُ الحليم”.
وبعد ذلك سلّم سماحته والى جانبه أمين سر المجلس المحامي نزار البراضعي ورئيس لجنة الأوقاف القاضي عباس الحلبي ورئيس اللجنة الإدارية رامي الريس الميداليات والدروع التقديرية للمكرمين؛ وهم الأستاذ تيمور بك جنبلاط، النائب الأستاذ انور الخليل، رئيس لجنة الاغتراب في المجلس المذهبي الشيخ كميل سري الدين، الاستاذ جمال الجوهري، الأستاذ مروان عساف ممثلاً الأستاذة رندة عساف- الأستاذ وليد عساف- الأستاذ غسان عساف. الوزير السابق مروان خير الدين، الأستاذ ماجد ابو مطر عن نفسه وممثلاً الشيخ أنور الجرمقاني، الشيخ انور ابو الحسن عن والده المرحوم الشيخ اديب أبو الحسن، الأستاذ جهاد هاني، السيد ياسر غرز الدين، الأستاذ عادل مكارم عن نفسه وممثلاً الأستاذ عصام مكارم، السيد أرسطو حاطوم، السيد محمود إبراهيم.
وتغيّب بعذر المتبرعين الكرام: الشيخ وجدي أبو حمزة – الأستاذ غسان العريضي والأستاذ فايز رسامني، الأستاذ شاكر صعب والسيدة وفاء صعب، الأستاذ مروان العريضي، الأستاذ أسامة النجار، الأستاذ زياد خطار وعدد من المساهمين.
كما تمّ تكريم:
الأستاذ عدنان الحلبي (المساهم في تأهيل مقام السيد الأمير في عبيه).
الشيخ فريد صعب (لمساهمته في معهد السيد الأمير في عبيه).
الأستاذ عماد المصري، الأستاذ جناح مكارم، العميد ناجي المصري. (مساهمات قيّمة مختلفة).
المشرفون على اعمال الـتأهيل: الأستاذ بشير ابي عكر- الأستاذ فادي فارس، الأستاذ نديم نمور- الأستاذ سامر الخوند.
الأستاذ عادل القاضي (عن جمعية التضامن الخيري الدرزي سابقاً)، الشيخ حاتم ضو، والأستاذ رئبال ابو غنّام.
وتخلل الحفل تقدير أعضاء مجلس أمناء لمساهمتهم ودعمهم: الأستاذ رافع أبو الحسن، الشيخ علي عبد اللطيف، الأستاذ سليم عابد، الأستاذ توفيق الشعار، الأستاذ سميح ضو، الأستاذ رامي ضو، الأستاذ غازي دمج، ورئيس تحرير مجلة الأستاذ رشيد حسن، والأستاذ مثقال عطا الله من أصدقاء .
وفي الختام، أزيحت الستارة عن اللوحة التذكارية وأقيم حفل كوكتيل بالمناسبة.

بيان
المجلس المذهبي
تاريخ 12/12/2017

ترأس سماحة شيخ عقل طائفة الموحدين الدروز الشيخ نعيم حسن اجتماع مجلس إدارة المجلس المذهبي في دار الطائفة في بيروت، حيث كان عرض وبحث في الأوضاع العامة وشؤون وأعمال المجلس ولجانه، وعقب الاجتماع تلا أمين سر المجلس المحامي نزار البراضعي البيان الصادر عنه، وجاء فيه: ‏

أولاً: يعرب المجلس عن شجبه وإدانته للقرار الأميركي القاضي
بالاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل، مؤكداً تمسكه بالقدس كمدينة جامعة لها خصوصيتها الروحانية الخاصة وصفتها التمثيلية للديانات السماوية، رافضاً مصادرتها من أي طرف كان لاسيما من سلطات الاحتلال الإسرائيلي، ويحذر من التداعيات الناجمة عن مثل هذه القرارات، داعياً إلى تحرك عربي عاجل يكون على مستوى هذا التحدي الخطير الذي يطال المسلمين والمسيحيين على السواء.

ثانياً: يدعو المجلس الشعب الفلسطيني بكل قواه الحية والفاعلة
إلى استعادة زمام المبادرة والتحرك في كلّ المجالات وبكلّ الأطر المشروعة لاكتساب حقوقه وأهمها حق العودة وحق قيام دولة فلسطين المستقلة وعاصمتها القدس الشريف. ويشدد على أهمية الوحدة الوطنية الفلسطينية في هذه اللحظة السياسية الحرجة التي تتطلب التعالي فوق كلّ الخلافات والتجاذبات والانصراف حصراً لمواجهة الاحتلال ومشاريعه الخطيرة.

ثالثاً: يعبّر المجلس عن ارتياحه لعودة الرئيس سعد الحريري عن
استقالته مثمناً دوره على المستوى الوطني والخط الاعتدالي الذي يمثله، ويتطلع إلى تجدد العمل في مختلف المؤسسات الدستورية ضمن إطار تثبيت مبدأ النأي بلبنان عن كل الصراعات المحيطة وترسيخ علاقته التاريخية بالدول العربية؛ وتحصين السلم الأهلي والاستقرار الاجتماعي والاقتصادي ووقف الهدر والمكافحة الفعلية للفساد ومعالجة القضايا الحياتية الملحّة، ومن أبرزها ملفي الكهرباء والنفايات.

رابعاً: يتوجه المجلس من اللبنانيين عموماً، ومن المسيحيين
خصوصاً بالمعايدة والتهنئة بعيدي ميلاد السيد المسيح عليه السلام ورأس السنة الميلادية، راجياً أن تحمل الأعياد نفحة خير للبنان وشعوب المنطقة العربية، وبارقة أمل باستعادة القدس.
بيروت في:12/12/2017.

سماحة شيخ العقل مستقبلاً الأمين العام لمركز الملك عبد الله بن عبد العزيز العالمي للحوار بين أتباع الأديان والثقافات

سماحة شيخ عقل طائفة الموحدين الدروز الشيخ نعيم حسن مستقبلاً في دار الطائفة في بيروت الأمين العام لـ “مركز الملك عبد الله بن عبدالعزيز العالمي للحوار بين أتباع الأديان والثقافات” الأستاذ فيصل بن معمر على رأس وفد من المركز يرافقه أمين عام “لجنة الحوار الإسلامي المسيحي في لبنان” الأستاذ محمد السماك، بحضور رئيس اللجنة الثقافية في المجلس المذهبي الشيخ سامي أبي المنى وقاضي المذهب الدرزي الشيخ غاندي مكارم والمستشار الشيخ غسان الحلبي.

سماحة شيخ العقل مشاركاً في القمة الروحية في بكركي

أكد سماحة شيخ عقل طائفة الموحدين الدروز الشيخ نعيم حسن في القمة الروحية في بكركي أنّ “المكان الذي تستقر فيه القدس هو ضمائر وقلوب المؤمنين”، مؤكِداً أنّ “القوة الغاشمة مهما طغت فليس لها من سلطان على قلب أي مؤمن صادق”. وشدّد على أنّ “فلسطين أرض عربية والقدس روحها بكلّ ما تعنيها في الذاكرة والتاريخ والمستقبل”. وختم قائلاً: “كلمة الحق أنّ الشعب الفلسطيني له الحق في أرضه وفي قدسه ودولته ورسالتنا أن القدس مدينة السلام لا الحروب”.

العدد 22