﴿وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُواۚ وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنتُمْ عَلَىٰ شَفَا حُفْرَةٍ مِّنَ النَّارِ فَأَنقَذَكُم مِّنْهَا ۗ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ﴾ (آل عمران، 103)
آن لمن لا يعرف، والجميع يعرفون كما اعتقد، أن في الاتحادِ والوحدةِ والتعاضدِ والتضامنِ القوةَ والمنعةَ والسؤددَ، والخيرَ كلُ الخير؛ أما في الشقاقِ والافتراقِ فالشرُّ كلّ الشرّ، وما يصحبُ ذلك من التنابذ، والاختصام، والفتنة، والضعف، والعجز في المحصلة عن إدراك الحقوق البديهية المشروعة لأبنائنا، كما لسائر المواطنين، في وطنهم.
من يطلب برهاناً اجتماعياً أو سياسياً أو واقعياً على ما نقول فله ألفُ برهانٍ. فالخير المتأتي عن الاتحاد والوحدة والتسامح والتفاهم هو أضعافُ أضعاف ما «يؤملُ» تحصيله من التصعيد والافتراق والتنابذ والتناحر؛ ويبقى كلام الله في الآية الكريمة أعلاه خاتمة كل قول.
لا للافتراق والاختصام والتنابذ، «نعم» للتنوع في الاجتهاد والرأي، والتنافس في أفضل ما يخدم الوطن والمواطنين.
الاختلاف في الرأي داخل البيت الواحد والوطن الواحد أمرٌ شرعي، بل هو صحّيٌ وضروري. فهو يُظهر على المدى البعيد أفضلَ ما لدى الجماعة أو الأمة من مضمون وإمكانات – وهو معنى الديمقراطية وتفوقها على كل ما عداها. والاختلافُ في الرأي يعزز التنوعَ في مناهج التفكير وزوايا النظر في جملة المسائل التي تدخل في ما نسمّيه «الشأن العام»، الذي يخصّ الجميع من دون استثناء. وبهذا المعنى جرى القول المأثور، الصحيح، المتناقل منذ زمن طويل (الخلافُ في الرأي لا يفسدُ في الودّ قضية). ولكن هل ما يجري على المستوى المحلي هو فعلاً في باب الخلاف الصحّي ومن النوع المطلوب بل الضروري وجوده؟ مع الأسف، لا.
وعليه، فمن واجبنا الوطني والأخلاقي – والمهني – أن نقول على الورق، ما يقوله المواطنون علانية بمئة طريقة، وبينهم أكثرية الموحدين الدروز.
وهو أيضاً، ومن باب أولى، أبسط الواجب في أن نُخْلِص الخطاب، وكما تفعل دائما، حيال الآلاف من جمهور قرّائها ومريديها.
من باب الواجب الوطني والأخلاقي، إذاً، وبالصراحة تلك، القول إن القضايا الحقيقية التي تعني الشباب المعروفي – العاطل عن العمل، المهمّش، المُبعد عن دائرة القرار الإداري والاقتصادي – ليست تلك التي نصطرع عليها، وينشر البعض مع الأسف غسيلها على كل سطح – كما حدث في الأشهر القليلة الماضية.
المسائل الجزئية والفرعية، وغير الحقيقية في نهاية المطاف، ومهمّا زيّن في أهميتها المصطادون في الماء العكر، والمتربصون بالموحدين الدروز شرّاً، لا تستحق شيئاً مما أعطيناها من اهتمام وضجة وصراخ، أحياناً، ومن على بعض المنابر، عمداً أو عفو الخاطر في الغالب.
هي لا تستحق – وهنا بيت القصيد – أن تكون وبكل المعايير سبباً لشقاقٍ داخل البيت الوطني الواحد، أو لنزاعٍ أو فرقةٍ في جمهورنا، ولا لكلمات غير مناسبة – بل معيبة – تصدر عن مُعتدٍّ مُحتدٍّ متسرّعٍ لا علاقة لها بالسياسة ولا بلغة السياسة. التنافس بين القيادات السياسية والاجتماعية في الخدمة العامة مطلوب، والاختلاف في المواقف والأراء ضروري، ولكن أين؟ في أي ساح؟ ولأية غاية؟
مطلوبٌ أن تتنافس القيادات والمعنيون بالشأن العام في استعادة الحقوق السياسية والاقتصادية والوظيفية للمستضعفين في هذا الوطن والتي جرى اقتناصها، تدريجاً ومن دون خجل، وإلى الحد الذي بات معه «أهل الصبي» لا يعرفونه، ولا يخصّهم بشيء.
مطلوبٌ أن تكون لمواطنينا المهاجرين، بل المهجّرين ظلماً واستبعاداً وإكراهاً ويأساً، حقوق لهم مساوية لسواهم في خيرات الوطن وفرص العمل والترقي فيه.
مطلوبٌ أن تكون للمهمّشين منّا – ومن سوانا – في أطراف الوطن، مستشفيات وثانويات وفروع جامعية ووزارات ومصالح ومكاتب ودوائر نفوس ومراكز ميكانيك تُبقي أهلنا في قراهم فلا يجبرون على هجرة داخلية لا قِبل لهم بها، أو لنسيان حقوقهم، أو استجدائها عندما يسدّ كل طريقٍ آخر.
مطلوبٌ أن ينال شبابنا المتعلم والكفوء فرصاً مساوية لسواه في الدخول إلى «جنّة» الإدارة العامة: إلى مصرف لبنان، ووزارة المال، وشركة الكهرباء، والإحصاء المركزي، ومجلس الإنماء والإعمار، والجامعة اللبنانية، والأوجيرو، والهيئات الناظمة، والمواقع الحساسة الأخرى في كل الوزارات والمجالس والصناديق والمصالح (التي تفرّخ يومياً فلا نسمع بحاجتها إلى الموظفين إلا بعد سنة من امتلاء كادراتها!).
مطلوبٌ أن نكون موجودين في الوفود والبعثات الديبلوماسية حين تُرسل إلى الخارج، إسوة بمكوّنات الوطن الأخرى، وأن تكون لمناطقنا ومجتمعاتنا الفقيرة والمهمّشة حصتها العادلة من تقديمات المؤسسات والصناديق العربية والدولية.
المطلوبٌ أخيراً، وأكثر من ذلك بكثير، أن نرفع الصوت، وربما العرائض، لنقول للجاهلين الناسين أوالمتناسين، وللناكرين والجاحدين في آن: أنْ مَهلاً يا قوم … فليقف من ضحّى أكثر منّا في سبيل قيام الوطن، وحفظه، لنتعرّف عليه…لأننا بالفعل لا نعرفه. ليقف من دفع من دمه وجيبه وعرقه وتعبه أكثر من سلطان باشا ومحمد أبو شقرا وكمال جنبلاط ومجيد أرسلان … لتكون لنا بلدان مستقلة وأوطان شامخة لنتعرف عليه حقاً – من دون أن يعني ذلك أبداً أننا وحدنا من أقام البلدان وحفظها، إلا أننا كنا وبشهادة التاريخ في الصف الأمامي في كل ساح تطلّب إقداماً وتضحية بالغالي والنفيس!
المطلوب كثيرٌ جداً، إذاً، لمن يحتاج عناوين لمعاركه ولعمله السياسي. أما أن ننساق في حملات تجريح وافتراء وتزييف داخلية، فهذا ظلم لأنفسنا قبل الآخرين، نندم عليه بعد حين، ساعة نستفيق من ضغط اللحظة ونكشح غشاوة الأوهام عن أعيننا. وباب مؤسسات الطائفة مفتوح على مصراعيه للجميع، ودون استثناء، لمن يرغب بالعمل العام، والتضحية والبذل والعطاء: ولم يحدث قط أن وُضِع قيدٌ أو شرطٌ واحد، في أية لحظة، ومن أي نوع، على راغبٍ بالإسهام والعمل في واحدة من مؤسسات الطائفة الشرعية، بل إن المؤسسات نفسها هي من تبحث في غالب الأحيان عمّن يرغب ويستطيع أن يكون جزءاً من العمل الوطني والاجتماعي العام لطائفتنا المعروفية، وفي ظل القوانين والأنظمة المرعية الإجراء.
وبعد، فمطلوبٌ، وعلى المستوى الداخلي، أن نجتهد حتى درجة الاختلاف في المواقف والأراء، ومن وجهة إيجابية، في كل ما يخدم أكثر وطننا، ومجتمعنا، وشبابنا، ولكن، كفى تضييعاً للطاقات التي نحتاج لكل قطرة منها، وأكثر. كفى تناقضات لا ترضي رب العالمين ولا تتصل أو تخدم مجتمعنا وأهلنا في شيء. ألا «اعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرّقوا»….وأنتم قادرون بالحكمة التي أوتيتم إياها على حلّ ما أشْكَلَ من إشكاليات وما استعصى من صعوبات. والقادة السياسيون والروحيون بيننا أهلٌ لتولّي مناط كل الأزمات وإدارتها على النحو الهادئ والصحيح وصولاً الى خواتيمها السعيدة.
لقد دلّ سماحة شيخ عقل طائفة الموحدين الدروز القاضي الشيخ نعيم حسن إلى الطريق الصحيح للخلاص من كل الإرباكات الصغيرة التي بتنا نتسربلُ بها منذ بضعة أشهر بأن دعا الجميع إلى «كلمة سواء» واحدة، نجتمعُ حولها فننجح، فيصيبُ من ثمة سهمُنا… إذا خلُصت النوايا. فالأعمال بالنيّات.
هوذا مضمونُ رسائل شيخ العقل المتكررة، من خلال منبر ، وفي مناسبات دينية واجتماعية كثيرة، دعوةٌ يجب أن تشكل القاعدة لالتفاف واسع حول الموقف الوطني التوحيدي الجامع، والعمل من ثمة في هَدْيه، فيستقيمُ أمرُنا أمام مجتمعنا، وضمائرنا، وأمام رب العالمين قبل كل شيء.
والله وليّ التوفيق.