الجمعة, نيسان 26, 2024

اشترك معنا للاطلاع والحصول على أحدث المقالات والأعداد

الجمعة, نيسان 26, 2024

اشترك معنا للاطلاع والحصول على أحدث المقالات والأعداد

بحث ..

  • الكاتب

  • الموضوع

  • العدد

الإدارة المتكاملة لآفات الزيتون

الآفة

الآفة هي كل كائن حي، يلحق ضرراً مباشراً أو غير مباشر بالإنسان، مثل: الفيروسات – البكتيريا – الفطريات – النباتات الطفيلية العشبية – الديدان الثعبانية – العناكب – الحشرات – بعض الفقاريات.

المبيد

المبيد هو أية مادة كيميائية منفردة أو أي خليط من مجموعة مواد تكون الغاية منها الوقاية من أي آفة أو القضاء عليها أو تخفيض نسبة تواجدها، ناقلات الأمراض للإنسان، أو للحيوان، أو للنبات. إلا أن هذه المبيدات قضت على نسبة عالية جدا من الحشرات والفطريات والبكتيريا النافعة، وفي غياب الرقابة الدقيقة والتقيد بالأسس العلمية الصحية المنظمة لهذا الاستخدام.

عدم المعرفة بطرق وأساليب الاستخدام الأمثل للمبيدات وطرق الوقاية من أضرارها يؤدي الى: تلوث البيئة – الأرض – الثمار – النبات بشكل عام – مياه الينابيع والخزانات الجوفية – الحشرات والحيوانات والطيور النافعة…

المبيدات واخطارها

يقول الدكتور جابر الدهماني، أستاذ أمراض ووقاية النبات في كلية الأغذية والزراعة في جامعة الإمارات: «إن المبيدات الزراعية عبارة عن مادة أو خليط من مواد تستخدم في الزراعة لغرض معالجة الإصابة بالآفات الزراعية لكن جميعها تحتوي على مواد كيميائية سامة.»

وقد قدرت منظمة الصحة العالمية وبرنامج البيئة التابع للأمم المتحدة، أن هناك ثلاثة ملايين عامل زراعي في البلدان النامية يتعرضون سنوياً إلى حالات تسمم شديدة، منهم ثمانية عشر ألفا يلقون حتفهم. كما إن التعرض للمبيدات الزراعية يؤدي إلى تطور الأمراض المرتبطة بالأورام الخبيثة – السرطانات، بالإضافة إلى تهيج الجهاز العصبي، واضطرابات أخرى تؤدي للوفاة، حتى عند المستهلكين الذين قد يتناولون المبيدات الزراعية التي نمت داخل الخضراوات والفواكه.

لمحة تاريخية

في أوائل القرن الماضي، كانت الحكومات تشجع على استعمال المبيدات لأنها اعتبرتها مظهراً من مظاهر الزراعة الحديثة. سنة 1957، اقتُرح مفهوم الادارة المتكاملة للآفات لأول مرة في لبنان.

المفهوم في ذلك الوقت كان «كافح فقط عندما تتجاوز الآفة عتبة الضرر الاقتصادي» لكن لم يكن مفهوم استعمال المبيدات الزراعية السامة متلازما مع مفهوم عتبة الضرر الاقتصادي.

أما في السنوات القليلة الماضية ونتيجة للدورات والمدارس الزراعية، فقد تطورت قليلاً مفاهيم استخدامات الإدارة المتكاملة للآفات الزراعية.

تعريف الإدارة المتكاملة للآفات

هي مقاربة مستدامة لإدارة الآفات الزراعية عبر دمج الوسائل البيولوجية، الزراعية، الفيزيائية والكيميائية بطريقة تخفض المخاطر الاقتصادية، الصحية والبيئية إلى الحد الأدنى.

بحسب منظمة الاغذية والزراعة العالمية، الادارة المتكاملة تكون بالأخذ بعين الاعتبار وبشكل دقيق كل التقنيات المتاحة لمراقبة الآفة والتعديل اللاحق من خلال إدخال طرق مناسبة للحيلولة دون ازدياد معدل وانتشار الآفات الضارة ولإبقاء المعالجة بالمبيدات في مستويات تبرر وتخفف الأخطار المحدقة بالإنسان وبالبيئة.

مراقبة الآفات: الخطوة الأساسية الأولى في الادارة المتكاملة للآفات تكون من خلال معرفة أوقات ظهور الآفة وتكاثرها ومراحل تطورها بالإضافة الى معرفة أطوارها من بيضة حتى حشرة كاملة وما هو الطور الذي يسبب الضرر ومكان سباتها الشتوي.

مقارنة
الإدارة التقليدية في الإقتصاد الإدارة المتكاملة للآفات في الإقتصاد
مزيد من التكاليف. تحسين ادارة المحصول.
مزيد من الترسبات الكيميائية السامة. تخفيض تكاليف الانتاج وزيادة الربح.
مزيد من تلوث البيئة بجميع عناصرها: الهواء، التربة، المياه… بيئة نظيفة نوعا ما من خلال: تقليل استعمال المبيدات وتخفيض نسبة السموم، السماح للأعداء الحيوية بالتكاثر والاستيطان في البساتين.
مزيد من قتل وتخفيض أعداد الأعداء الطبيعية المفيدة التي تتطفل وتأكل الآفات الضارة. العامل الاجتماعي من خلال: التحفيز على العمل التعاوني، بناء المجموعات، شبكة العمل، مهارات الاتصال، التعليم، العوامل الصحية، التوظيف، الخ…).

 

يجب التحوّل من ممارسة تعتمد أكثر على المبيدات الى ممارسة تعتمد أكثر على طرق الزراعة الطبيعية وصولا الى العضوية ….

يجب على المؤسسات الرسمية إرشاد وتحفيز المزارعين على استعمال كل التقنيات المتاحة لإنتاج محصول زراعي ذي ترسبات منخفضة للمبيدات الكيميائية السامة إلى أدنى مستوياتها وضمن المعدل العالمي عن طريق إدارة الآفات على هذا المحصول مع المحافظة على التوازن الموجود في عناصر البيئة المتمثلة بالحشرات – الأمراض المفيدة – الانسان – التربة والمياه….

أهم مضار الآفات على المزروعات:
  • تسبب خسارة كبيرة للمزارع بشكل مباشر وغير مباشر.
  • خسارة بسبب النقص في الإنتاج.
  • خسارة بسبب تدهور النوعية (اي يصبح الإنتاج غير قابل للتسويق)
  • تشكل أحد أسباب ارتفاع كلفة الإنتاج من خلال المكافحة المتواصلة، التعريب والتوضيب والتسويق.
  • المكافحة الخاطئة تسبب أضرراً جسيمة للإنسان وللبيئة بشكل عام بالإضافة الى ارتفاع كلفة الإنتاج.

           ترقّبوا الجزء الثاني من المقال في العدد القادم لمعرفة الأمراض والحشرات               التي تصيب شجر الزيتون، بالإضافة إلى طرق العلاج.

الجلطة

الجلطة عبارة عن تخثُّر الدّم السائل «تجمُّده» بحيث يسدّ مجرى الوريد أو الشريان.

الجلطات نوعان، نوع يصيب الأوردة وهي التي تنقل الدّم من الأطراف إلى الرّئة والقلب. ونوع آخر يصيب الشَّرايين التي تنقل الدّم من القلب إلى جميع أعضاء الجسم.

أعراض كلّ نوع تختلف عن الآخر. الجلطة في الوريد وخاصّة الأطراف السّفلى، من أهم أعراضها التورُّم في الساق مع إحساس بالثِّقل، واحمرار الجلد وأحياناً ألم في الساق وأحياناً. تغيّر لون الجلد. أمّا أعراض جلطة الشّرايين فأهمّها ناتجة عن عدم وصول الدم إلى الأعضاء. وألم في الساق والعضلات على الأخص. برودة الساق والجلد. الخدر والتّنميل في المراحل الأولى. وتغيُّر لون الجلد في المرحلة الأولى إلى الأبيض بعدها إلى اللون الأزرق الغامق. وعدم القدرة على الحركة والمشي.

جلطة الأوردة العميقة «Deep Vein Thrombosis»، عبارة عن تخثّر الدم داخل وريد، عادة ما يتواجد بمكان عميق في أوردة الساق.

أعراض جلطة الأوردة العميقة

تورّم القدم أسفل منطقة الرّكبة، يترافق مع تشنّج وألم في الساق المُصابة، وعادة ما يبدأ الألم في بطّة الرّجل، والشّعور بألم شديد وغير مُبرّر في القدم والكاحل. والشعور بأنّ جزءاً من الجلد يبدو أكثر دفئا من المنطقة المحيطة به، بالإضافة إلى تغيّر لون الجلد في المنطقة المُصابة، بحيث يصبح شاحباً مع احمرار وقد يتحوّل إلى اللون الأزرق، وانتفاخ وزيادة سمك الأوردة الدمويّة في المنطقة المصابة.

كما تصيب الفخذين، وحوض الجسم، وقد تصيب الذراعين، والكبد، والدماغ، والأمعاء، والكُلى. كما في المقابل، من الممكن ألّا تظهر أي من الأعراض على المصاب بتاتا، إلّا أنّ جلطة الساق، أو القدم تكمن في احتماليّة تطوّر المُضاعفات مسبِّبةً انتقالها إلى أماكن أخرى منها الخطر الناتج عن انتقال التخثّر من القدم إلى الرئة والإصابة بالإنصمام الرّئوي، ليقوم بمنع تدفُّق الدّورة الدموية إليها. ممّا يسبّب صعوبة في التنفس وانخفاض ضغط الدم والإغماء وتسارع نبضات القلب وألم في الصدر، إضافة إلى السّعال الممزوج بالدم. وقد يسبّب الوفاة للبعض في حال عدم تلقّي العلاج المطلوب في الوقت المناسب.

أسباب الإصابة بجلطة الأوردة العميقة
جلطة الأوردة العميقة.

عادة ما تنتج جلطة الرِّجل عن أسباب صحيّة تؤدّي إلى الإصابة بجلطة الأوردة العميقة التي تمنع تدفّق الدّم ممّا يؤدّي إلى إصابة دوالي «الفاريز» في الساقين وقد ينتج ذلك عن عملية جراحية، أو إصابة ما، أو خلل مُعيّن في الجهاز المناعي. كذلك إذا كان تدفُّق الدَّم بطيئاً والدم سميك، فيكون الشخص أكثر عرضةً للإصابة بتخثّرات الدّم.

والأشخاص الأكثر عرضة للإصابة بالمرض هم: المصابون بالسرطان حيث من الممكن أن تنتج جلطة الساق في هذه الحالة عن السرطان نفسه أو عن الأدوية التي يتناولها الذين خضعوا لجراحة ما، المجبرون على الراحة بالسرير حيث إنّ عدم تحريك الساقين والعضلات لفترات طويلة يؤدّي إلى عدم قدرة التدفّق بالشكل الطبيعي وبالتالي التجلّط كما هو الحال عند بقاء المُصاب بالمستشفى لفترات طويلة أو عند الإصابة بالشّلل. الكبار بالسن يُعَدّون من أكثر الأشخاص المعرّضين للإصابة بجلطة الدّم لعدم قيامهم بالحركة الكافية لتدفّق الدم. المدخنون، الذين يعانون من الوزن الزائد أو السمنة التي قد تزيد الضغط على الساقين والحوض، الذين يجلسون لساعات طويلة عند قيادة السيارة، أو عند ركوب الطائرة مثلاً. الحوامل بسبب ارتفاع مستويات الأستروجين لديهنّ، كما أنّ الحمل يزيد من الضغط الواقع على الأوردة في منطقة الحوض والساقين، الذين يخضعون للعلاج بالهرمونات البديلة، والذين يخضعون لعمليات جراحة على العظم والمفاصل.

علاج جلطة الأوردة العميقة

الأدوية المُميّعة للدّم
تُعَدُّ هذه الأدوية الأكثر شيوعاً لعلاج الإصابة بخثار الأوردة العميقة. حيث تعمل هذه الأدوية على جعل الدم أقل لزوجة حتى تقلّل من خطر تشكّل خثرات دموية، إلّا أنّها لا تستطيع تحليل الخثرات المتشكّلة أصلا.
الأشخاص الذين يتناولون هذه الأدوية تظهر على أجسامهم بعض الكدمات، ويكونون أكثر عرضة للنّزيف. لذا من الضروري التقيُّد بنظام غذائي خاصّ بهم، وفحص الدَّم بانتظام في المُختبر.

فلتر Vena Cava
جهاز تصفية يتمُّ وضعه في الوريد الأكبر في الجسم. هذا الفلتر يعمل على التقاط الخثرات الدموية التي تنتقل عبر مجرى الدم. وبالتالي يمنع وصولها إلى الرّئتين والقلب. هذا الجهاز لا يعمل على منع تكوّن الخثرات الدموية، إنّما يساهم في التقليل من أضرارها.

الأدوية المُحَلِّلة للخثرة
هذا النوع من الأدوية يعمل على تحليل الخثرة الدموية، إلّا أنه يسبّب نزيفاً حادًّا ومفاجئاً. لذا لا يستخدمه الأطباء إلّا في الحالات الطارئة من أجل تفكيك خثرة دمويّة تهدّد حياة المصاب داخل المستشفى.

ارتداء الجوارب الضاغطة
في حال أوصى الطبيب بذلك تُلبَس هذه الجوارب في الساقين من القدمين وحتى الرّكبتين يوميًّا ولمدة سنتين على الأقل يساعد ارتداؤها على منع تراكم الدم وتخثره بالإضافة إلى منع الأعراض المُصاحبة لجلطة الرّجل كانتفاخ الساق.

ممارسة التمارين الرياضية والحركة
عادة ما يُنصح المُصاب بممارسة التمارين كالمشي، لمنع تطوّر المضاعفات والوقاية من الإصابة بالتّخثر الوريدي العميق.

رفع الساق
يُنصح المصاب عادة برفع الساق المصابة عند الراحة أو وضع وسادة أسفلها وذلك لتجنّب الضّغط وتراكم الدم في بطّة الرجل ولتعزيز تدفّق الدم.

مراجعة الطبيب بانتظام
تجدر الإشارة إلى ضرورة مراجعة الطبيب بشكل دوري إضافة إلى الانتباه تحسّباً لحدوث النّزيف الشديد عند الإصابة بكدمة أو جرح.

جلطة الشرايين

تحدث جلطات الشرايين بآلية مختلفة، بالنسبة للأشخاص الذين يعانون من أمراض تصلُّب الشرايين، بحيث تحدث الترسّبات على جدار الشرايين وتأخذ في التراكم ممّا ينجم عنها الضّيق في هذا الوعاء الدموي. ونجد من مضاعفات هذا المرض الإصابة بالأزمات القلبيّة والسكتة الدماغيّة. ومن الممكن أن تتكوّن الجلطات في القلب أيضاً، عندما يكون الإنسان مصاباً بالرّجفان أو التقلص الأُذيني الليفي، فان الأذين أو الغرفة العلويّة في عضلة القلب لا تخفق بشكل طبيعي، وبدلاً من ذلك تخفق في شكل هزهزة ويصبح الدم حينها ساكنا على الجدار الداخلي للأذين. بمرور الوقت قد يؤدي ذلك إلى تكوّن الجلطات الدمويّة الصغيرة. ومن الممكن أن تتكوّن الجلطات في البُطين، الغرفة السفليّة في القلب، بعد الإصابة بالأزمة القلبيّة حيث يكون هناك جزء من عضلة القلب مصاب وغير قادر على الانقباض بشكل طبيعي، وبما أنّ المنطقة المُصابة لا تنقبض مع باقي عضلة القلب فإنّ الدم يظلّ فيها بلا حراك، وحالة السّكون هذه تؤدي إلى تكوّن الجلطة.

مخاطر الإصابة بجلطات الشرايين شائعة الحدوث مع كافة الأمراض التي تسبّب ضيقاً في الأوعية الدمويّة، ومنها ضغط الدم المرتفع، ومعدّلات الكوليسترول المرتفعة، ومرض السكّر، والتدخين، والتاريخ العائلي من الإصابة بالجلطات الدمويّة.

إنَّ الجلطة الشريانيّة هي جلطة مُزمنة. الأنسجة في اجتياح دائم ومستمر للأوكسجين وعلى نحو فوري، وافتقارها إلى الإمداد الدموي يحفز الأعراض على الظهور بشكل فوري أيضاً. كما أنَّ الفحص الجسدي يساعد الطبيب إذا كان هناك شكٌّ في الإصابة بالجلطة الدمويّة. يجب مراجعة الطبيب فوراً عند الشكّ بحدوث الجلطة من أي نوع كانت لأنَّ الوقت عامل رئيسي في نتيجة الشفاء وعدم حدوث مضاعفات. أسوأ مضاعفات جلطة الوريد صعودها إلى الرِّئة حيث تسبّب قصوراً في التنفّس. وجلطة الشريان تسبّب الغرغرين، أو الذبحة الصدريّة والقلبية، وجلطة شرايين الرّقبة والرأس تسبّب الشلل.

العلاج هو بأنواع مُسيلات الدّم من حبوب وحقن (إبر). وقد يكون جراحيًّا أو بالبالون والرّسور حسب نوع الجلطة ومكانها والشّريان أو الوريد المسدود.

لذلك يُنصح عند حدوث أيٍّ من هذه الأعراض الإسراع إلى الطبيب الذي قد يوصي بفحص لسيلان الدم أو التصوير الصوتي أو السكانر الملوّن أو التمييل. وعلى أساس النتائج يبدأ العلاج الفوري. لأنّ الوقت كما ذكرنا عامل حاسم في نتيجة الشفاء وكلّ تأخير يسبّب مضاعفات للمريض ويؤخّر الشفاء.

 

د. مصطفى أمين أبو عز الدين

مصطفى امين ابو عز الدين، 1878- 14 سبتمبر 1949، طبيب عسكري لبناني. من العبادية في قضاء بعبدا، ينتمي الى عائلة درزية، تخرج من الجامعة اليسوعية دكتورا في الطب سنة 1902. التحق بالجيش المصري الخديوي في العام 1903، ثم جيش السودان الانجليزي المصري.

اهتم بمكافحة الامراض والوقاية منها في السودان حتى التقاعد في 1926. له البحوث العلمية والادبية نشرت في الصحف اللبنانية والمصرية والترجمة في مجال الطب.

سيرته وعمله:

ولد مصطفى بن امين ابن براهيم بن منصور في العبادية سنة 1878. تلقى علومه الثانوية في مدرسة غزير ثم التحق بالجامعة اليسوعية وتخرج فيها دكتورا في الطب سنة 1902.

فسافر الى مصر وعين طبيبا في الجيش المصري 1903. ثم ذهب الى السودان وكان طبيبا للحرس الخديوي. وقبل الحرب العالمية الاولى استقر في السودان، وعمل في معظم المناطق السودانية، واسهم في مكافحة البلهارسيا، وكان من اول من استعمل مادة الانتيمون لمعالجة هذا الداء. وعمل في بلدة مكوار على مكافحة الملاريا في اثناء بناء السد في النيل الازرق في شرق السودان في اوائل العشرينات.

كان اول عربي تكلف رئاسة مستشفى الخرطوم أكبر مستشفيات السودان، وكان هذا المنصب قبلا وفقا على الاطباء البريطانيين. وفي 1926 تقاعد عن العمل برتبة عقيد وسافر الى فرنسا وتخصص في امراض العين، وعاد بعدها نهائيا الى لبنان سنة 1930، ومارس الطب في عيادته الخاصة. وفي اواسط الاربعينات عين عضوا في المجلس الصحي الاعلى للدولة اللبنانية. توفي في العبادية في 14 ايلول 1949.

حياته الشخصية:

أسهم في تأسيس جمعية المعارف الدرزية سنة 1911، وتولى امانة صندوقها، وكان من اركان جمعية اصدقاء الشجرة التي انشئت في بيروت سنة 1935، واشترك في تأسيس جمعية تنشيط السياحة والاصطياف سنة 1936.

له من اخوان محمد وسليمان. وابنته هي نجلاء من مواليد 1907.

مؤلفاته:

له عدد كبير من البحوث العلمية والادبية والعمرانية نشرت في الصحف اللبنانية والمصرية. وترجم الى العربية سنة 1946 كتاب الطب العربي: مقدمة لدرس مساهمة العرب في الطب والعلوم المتصلة به عن الانجليزية لأمين اسعد خير الله.

رائدات من مجتمعنا

اخترنَ الحياة، كافحنَ وقاومنَ شتّى المعوّقات والصعاب، فانسابت أحلامهنّ وآمالهنّ إبداعاتٍ أدبيّة، نثريّة وشعرية، وفنونًا تشكيلية، رسمت جسر العبور إلى حيث النور والأمل. شاعرات وروائيات ورسّامات من طائفة الموحّدين الدروز، اجتمعن حول المعاناة والعذاب، فكانت «انتفاضة الروح» و»خربشات على جدران الواقع». تسلّحن بالإيمان والإرادة، آمنّ بقدراتهنّ ومواهبهنّ، فكان لهنّ «حقُّ التوقيع» وأشعلن نورًا في غياهب الظلام.

من الاعتلال العصبي إلى الشلل الدماغي، فصعوبة النطق وفقدان البصر والسمع، محطات تستعرضها مجلة الضّحى، للوقوف على لمساتٍ مضيئة في تاريخ جبلنا وطائفتنا الكريمة، علّها تفي تلك المناضلات جزءًا من حقّهن، فتجمع معهنّ «حروفًا مبعثرة على أرصفة العمر، يكمّلن بها قصائدهنّ التي لم تكتمل بعد».


سوسن حسن الرمّاح: «من لا يصادق الحزن يهزمه»

«أفتح دفاتر قديمة أهملتُها لزمنٍ، أقرأ عليها بعض ما خطته فتاة مجروحة مهملة، من أفكار لا تدرك مَن هي. هي ككلّ فتاة تحلم يومًا ما أن تحصد الشهادات العليا، أن ينتظرها حبيب على مفترق الطريق، ليهديها وردة حمراء، أن تتزوّج وتنجب، أن تجد عملًا تحقّق فيه ذاتها وطموحها». تمنياتٌ وأحلامٌ بسيطة تطرحها الشاعرة والروائية سوسن حسن الرمّاح في حديثها إلى الضّحى ، متسائلةً: «أين كل هذه الأحلام؟ هل تجرؤ أن تبوح بها، حتى لأقرب الناس إليها؟!».

سوسن التي شاء القدر أن تخسر نطقها السليم، جرّاء خطأ طبي أثناء الولادة، لم تردعها مصاعب الحياة عن تحقيق أهدافها، فاتّخذت الورق صديقًا لها. كافحت منذ ولادتها في العام ١٩٧٧، تمسّكت بإرادة التحدي وآمنت بقدراتها، فكان أن خطّ قلمها كتابين من الشّعر الحر: الأول بعنوان «لكَ حقُّ التوقيع»، الذي غيّر مجرى حياتها، والثاني بعنوان «نساءٌ شرقيّات – الجزء الأوّل»، وهي تُعِدّ رواية بعنوان «ذاكرة الأنا»، لا تزال قيد الطباعة، وستكون بمثابة انتقال إلى عالم آخر.

«من لا يصادق الحزن، يهزمه»، كما تقول الرمّاح، «لقد صادقتُه وانتصرتُ عليه، حيث إنّ بعض الأحلام حققتُها بالتّحدي والإصرار والقوة. أكملتُ دراستي ولم أكترث لكلام البعض ومحاولته إحباط عزيمتي بالقول إنّه لا داعي للتعلّم، لأنّني لن أجد عملًا، كوني لا أجيد الكلام بشكلٍ سليم. فلقد كانت نظراتهم تجرحني، منهم مَن كان يسخر مني حين أبدأ الكلام، ومنهم مَن كانت ترتسم في عينيه نظرة شفقة، عدا التهميش والألفاظ المؤلمة والجارحة التي نعتادها مع مرور الوقت».

إثنان وأربعون عامًا من النضال والطموح، لم تقف سوسن برهة أمام العوائق طيلة هذه الأعوام، إنّما تمكّنت بفضل مثابرتها وجهود الداعمين لها، من أن تتخصّص في مجال الإدارة والتسويق، وأن تنضمّ إلى أسرة الجامعة الحديثة للإدارة والعلوم MUBS، فرع عاليه، حيث أثبتت جدارتها وكفاءتها «لقد استطعتُ بإصراري تحقيق حلمي القديم، وهو الجلوس خلف مكتبٍ»، تقول الرمّاح التي استهوتها الكتابة، فبدأت بخواطر نشرتها عبر صفحات التواصل الاجتماعي، ولفتت بها أنظار الكثيرين، بينهم سيدة من أقربائها، كانت تحادثها عن أحلامها وجراحها، فاقترحتْ عليها جمع خواطرها في كتاب، وهذا ما حصل، فكانت تلك السيدة الداعمة الأولى لمسيرة إبنة بلدة المشرفة في عاليه.

كتبت سوسن وجع الحبّ الجميل، فجعلت من الدمعة كلمة، ومن الجراح فاصلة، ومن الموت عبارة. حاولتْ بعد توقيع كتابها الأول، أن تبحر في ميدان الأمسيات الشعرية، غير أنّ أحد الشعراء رفض انضمامها إلى منتداه، بحجّة أنها لا تملك المقدرة على الإلقاء، ولا على المشاركة في أمسيات بعيدة، غير أنّ صاحبة «صالون بنت الأرز الأدبي»، بادرت إلى التجاوب مع طلب سوسن بالقول: «أهلًا وسهلًا بكِ، أنتِ اكتبي ونحن نلقي عنكِ». هكذا انطلقتْ في قطار الأمسيات، فأحيتْ العديد منها، صانعةً عالمها الخاص.

«الجراح لا تُنسى، لكنّنا نحاول أن نتناسى، وحياتنا نحن نقرّرها مهما كانت الظروف»، تضيف الرمّاح، مبديةً أسفها كون «مجتمعنا يعاني الفشل، يرى الإنسان بالحواس وليس بالفكر، لكن عزائي الوحيد محبة من تعرّف إليّ وجالسني من أهل الأدب والشعر وكلّ مَن صادفته ورمقني بنظرة إعجابٍ تتماهى مع إمكانياتي». وتختم سوسن بالقول: «إنْ لم تجد حقوقك في مجتمعك، انفتِح على العالم». وفي قصيدتها «بالمُختصَر»، تختزل آهاتها بالقول: «أجمعُ حروفي المبعثرة على أرصفة العمر لكي أكمل بها قصائدي التي لم تكتمل…».


غادة جهاد بو فخر الدين: «ما زلتُ في أوّل الطريق»
لم تكن تعلم أنّ شهر نيسان (أبريل) من العام ١٩٩٧، سيكون نقطة التحوّل الجذرية في حياتها، غير أنّها مضت غير آبهة بفقدانها القدرة على المشي إيمانًا منها أنّ «الله يضع أمامنا إشارات لتسهّل علينا الحياة، وأنّ الله عندما يحرم عبدًا من شيء يكافئه بأشياء».
من بلدتها المتنية، قبّيع، وبصحةٍ متقلّبة، أمضت الشاعرة غادة جهاد بو فخر الدين سنوات عمرها تصارع مرضًا مستترًا، لم يلحظه أحد غيرها، إذ عانت من الانطوائية والخجل وتزعزعت ثقتها بنفسها، إلى أن ظهر مرضها وكأنه ظهر ليخفي قلقها النفسي.
وفي حديث إلى مجلة ، تقول غادة: «وُلدتُ في الرابع من آب عام ١٩٧٨، وكان قدري أن أعاني من مرض خلقي وراثي، هو مرض الاعتلال العصبي الطرفي (Peripheral Neuropathy) وأن أفقد القدرة على المشي، وأنا تقريبًا في سن الثامنة عشرة، غير أنّني اعتبرتُ كلّ ما مررتُ به تمهيدًا لما ينتظرني».
وتتابع: «لم أكن متميّزة في المدرسة فحسب، بل كنت مثال الطالبة الخلوقة، حيث كنتُ أخبّئ ضعفي من خلال تصرفاتي اللّبقة.  ثابرتُ على العلم والمعرفة، وشرعتُ في دراسة إدارة الأعمال، قبل أن يأتيني عرض للسفر إلى دولة الإمارات العربية المتحدة، حيث أُتيحت لي فرصة الخضوع لدوراتٍ في السكرتارية والـ Graphic Design. عشقتُ الكتابة والشعر والرّسم، إلى المواضيع الباطنية والأساطير، وبدأت تتبلور لديّ الأفكار، فباشرتُ الكتابة على شكل نثريّات، وتطوّرت قدراتي الأدبية، فلطالما كنتُ إنسانة حالمة، خطّت أناملي نثرًا انساب وكأنّني أحادث صديقًا أو صديقة».
«… يا ملهمتي 
أعيريني صوتك 
لكي أكتب 
وأنثره في الفضاء 
ليزهر ورودًا 
ويفوح عطره 
همسُ أيل ما عاد يلبيني 
صادر شِعرَه وهرب 
حاولت أن أجسّدَه برسمة 
كي أحتفظَ به 
حاولت أن أقيّدَه على الورق 
لكنه هرب 
ما عاد لي إلّاكِ  
لا تتركيني».
ولعلّ وسائل التواصل الاجتماعي فتحت الباب أمام غادة، الشابّة الأربعينية، لتعبّر عن أفكارها، لتشارك وتعلّق وتتفاعل مع شريحة واسعة من الأشخاص، بكلِّ جرأة وثقة، فكان أن طبعت كتابها الأوّل بعنوان «خربشات على جدران الواقع».
«من حظّي الوافر أنّني آتية من بيت زَجَلي عريق» تضيف بو فخر الدين: «حيث أنّ بيت جدي، أهل والدتي، جميعهم «قوّالون»، وأصواتهم رائعة، ما جعلني أتأثَّر بجلساتهم، فوجدتُ نفسي أكتب نوعًا بسيطًا من الزّجل وهو الموشّح، وذلك بتشجيعٍ من أخي، وانطلاقًا من حبّي العميق للفنانة فيروز، لا سيّما قولها موشّح «دار الدّوري عَ الداير… يا ستّ الدار»، الذي دفعني لأكتب على نسقه.  وبعد أن رأيتُ موشّحًا مقلوبًا على لحن «وينك يا جار… شرّفنا عَ الصُّبحية»، بادرتُ أيضًا لكتابة ما يشبهه، وبحكم العادة شرعتُ في كتابة «القرّادي»، وأصبحتُ عضوًا في موقعٍ زجلي، فطبعت كتابي الثاني «انتفاضة روح»، الذي تضمّن تشكيلة من كتاباتي». وتستطرد بالقول:
صار عمري فوق الأربعين
وبقلبي طفلة زغيري
كيف هيكي مضْيِت السنين 
وبغفلة صرت كبيري
تـَ حتّى يرضى قلبي 
وحسّ بأمان
بدي يخلِّدني حبِّي
بْأَرزة لبنان.

وتختم شاعرة المتن بالقول: «كلّ إنسان يملك طريقًا خاصًّا، غير أنّ اتّباع الإشارات التي يرسلها الله له سترشده إلى غايته، وأنا لا زلتُ أحلّل الإشارات، ولا زلتُ في أول الطريق».


جنان اسماعيل سعيد: «نفتقد للثّقافة وهذه بحدِّ ذاتها إعاقة»
«في سَكِينتي دموع صارخة، وفي وجهي ابتسامات قاهرة، وفي جسدي حركات تتمايل متحدّية صامدة» تستهلّ الشاعرة والكاتبة جنان اسماعيل سعيد، كلامها لمجلّة ، لتختصر معاناتها مع الشلل الدماغي الذي أصابها منذ ولادتها عام ١٩٨٩، نتيجة خطأ طبّي، وما رافقه من تداعيات صحيّة ونفسيّة وخيمة، لولا تحلّي جنان بالإصرار والعزيمة.
كان أقصى طموحها أن تجد مدرسة تلبّي احتياجاتها الخاصّة، لكنّها لم تجد مدرسة تستقبلها، ما اضطرّها إلى الالتحاق بمركز «شعاع الأمل» الطبِّي النفسي التربوي الذي يُعنى بذوي الاحتياجات الخاصة في زحلة، والذي خصّصها بِصَفٍّ يراعي حالتها الصحيّة. حملت أحلامها من بلدتها البقاعيّة، «مكسة»، وانطلقت ملؤها الشغف لتلقّي المعرفة والعلوم. تحدّت نفسها وتحدّت المرض، «فأنا إنسانة واقعيّة، أعشق الحياة والعمل والإرادة»، تقول جنان.
الشابّة الثلاثينيّة التي دخلت قلوب مَن حولها وشقّت طريق نجاحها وتألّقها، وُلدت وسط بيئة متميّزة احتضنت أحلامها، فتمكّنت من متابعة دراستها لغاية مرحلة التعليم المتوسط، قبل أن تخضع لدوراتٍ مهنية عديدة في الكمبيوتر واللغة الإنجليزية والـ PowerPoint والـ AutoCAD والـ Adobe والـ Graphic Design. هي مَسِيرة محفوفة بالصِّعاب، واجهتها جنان بطموحٍ وإيمانٍ، إلى أن أصبحت فردًا من أفراد الكادر التعليمي في مدرسة «شعاع الأمل»، نظرًا

لأسلوبها الشيّق وحسن تعاملها مع التلامذة الذين يعانون صعوبات تعلّمية، فانطلقت منذ سبعة أعوام في تعليم الكمبيوتر واللّغة الانجليزية.

«دخلتُ معهد اتحاد المُقعَدين في برِّ الياس، وأصبحتُ اليوم ناشطة حقوقية في اتّحاد المُقعدين اللبنانييّن»، تضيف سعيد، التي تروي رحلتها مع كتابة القصص القصيرة والخواطر «فقد اكتشفتُ موهبتي من خلال ما كنتُ أكتبه من مذكرات، جمعتها في كتابي الأوّل بعنوان «أنوار في الظلام» الذي جرى توقيعه خلال حفلٍ أُقيم برعاية وزير الشؤون الاجتماعية آنذاك سليم الصايغ، وسط حضور حاشد، وكنتُ حينها لا أتجاوز العشرين عامًا.

همسات جنان لم تتوقّف عند حدّ الكتاب الأول، بل بادرت إلى إصدار كتابها الثاني بعنوان «همسات الروح… جنان والأمل»، وهي في سن الرابعة والعشرين. كما أنّها تحضّر حاليًّا لمسرحية حول التحدّيات التي يواجهها أصحاب الاحتياجات الخاصة، قصصهم وصرخاتهم، بالإضافة إلى رواية تعمل على حَبْك تفاصيلها ووقائعها. «طموحي لا ينتهي، لطالما حلمتُ بالتخصّص في مجال الأدب العربي، وسأثابر لتحقيق ذلك الحلم».

وتضيف جنان: «كلّنا نشكو من احتياجات خاصّة، فالكمال لله وحده، والأهمّ أنّنا نفتقد أحيانًا للثقافة، وهذه بحد ذاتها إعاقة. أمّا نحن كحالة خاصة، فإنّنا نفتقد إلى الكلمة «الحلوة»، ولقد كتبتُ مرّة: «نعم هكذا خُلقْت، ليس لشيء سوى أنني مثلك أنت، لكنني الأكثر منك إكرامًا، نعم بهذا نجحتُ، ليس لشيء سوى أنني مثلك أنت، لكنني الأقوى منك إرادة، نعم صرختُ، ليس لشيء سوى أنني مثلك أنت، لكنني تحدّيتُ نخر الجراح في العظام، نعم حلمتُ ورجوتُ، ليس لشيء سوى أنني مثلك أنت، لكنّني الأعند منك حياة…».

وتتابع سعيد: «لعلّ كتاباتي تعبّر عمّا أودّ أن أختم به، حين أقول: شعور شارد تستكين به الدموع، هناك عشق دفين، هناك نظرات مشرقة، هناك أمل يصارع بتحدٍ وتصميم، هناك فرحة لا زالت بعيدة، هناك جرح صارخ، هناك خيبة منتظرة، وهناك شوق عظيم، هناك حزن يختبئ خلف الابتسامة، وهناك نبض يتكلم عن خفايا الروح… في كلّ هذا أسكن أنا، وبين الأنا والأنا هناك أحلام بريئة وإرادة عنيدة وهناك رجاء يؤمن بالله العظيم، وهناك جنان والأمل».

جنان والأمل.

تغريد يوسف ضو: «بين التخاذل والعزلة… اخترتُ الحياة»

«لعلّ من أصعب الأمور أن نكون في الضوء، ونجد أنفسنا فجأة في الظلام الحالك»، بهذه الكلمات تصف الشاعرة تغريد يوسف ضو معاناتها، وتختزل طفولتها القاسية، بدءًا من مأساة الحرب الأهلية وما رافقها من أحداثٍ انتهكت براءتها كما غيرها من أبناء جيلها، وصولًا إلى فقدانها نظرها بشكل كامل.

«وُلدتُ عام ١٩٧٧ في بلدة القريّة، المتن الأعلى، من دون أي مشاكل صحية تُذكر، قبل أن تفاجئني الحياة بالتهابات في شبكية العين، ولم أكن أتجاوز حينها عشرة أعوام، غير أنّني واظبتُ على تحصيلي الأكاديمي، فكنتُ أدرس على السمع، وتمكّنتُ من التفوّق، فحجزتُ مقعدًا بين الأوائل»، تقول تغريد التي تروي معاناتها مع المياه الزرقاء في العين اليسرى، واضطرارها إلى إجراء عملية جراحية وهي في الثالثة عشرة من عمرها، وهنا كانت عتبة الانتقال إلى الظلام الجزئي، حيث فقدت نظرها فورًا بعد العمليّة.

«واصلتُ الحياة بعينٍ واحدة»، بهذه الجملة تسرد تغريد حياتها المرّة، وتقول لمجلة «الضّحى»: «كافحتُ وتابعتُ دراستي، غير أنّ مشاكل عينيّ تطورت وبسبب خضوعي لعمليات متكرّرة ونتيجة ارتفاع ضغط العين، تركتُ الدراسة عند مرحلة الشهادة المتوسطة (البروفيه)، والتزمتُ المنزل لمتابعة علاجي الطويل، إلى أن انتقلت المياه الزرقاء للعين اليمنى، وأنا في الثانية والعشرين من عمري. عندها خضعتُ لعملية جراحية في روسيا، أعادت لي نظري، قبل أن أُصاب بعد نحو عام بنزيفٍ، تكرّر ثلاث مرات، وكان في كل مرة يفقدني نظري لمدة خمسة أيام، إلى أن فقدتُ النّظر بشكلٍ نهائي».

تغريد، الشابة الوحيدة بين إخوتها الأربعة، والتي فقدت والديها، وقفتْ أمام خيارين إمّا الاستسلام أو المقاومة ومواصلة العيش «ففي أوج المعاناة كان لا بدّ من قرار، إمّا التخاذل والعزلة أو المواجهة والحياة، وأنا طبعًا اخترتُ الحياة، واجهتُ معاناتي بالضحك، لأنّ «الزعل» لا فائدة منه»، كما تقول. وتضيف: «لقد وقف الأهل والأصدقاء بجانبي، فكانوا الداعم الرئيسي لمسيرتي، لكنّ الحافز الأكبر هو الإيمان بالله والثِّقة بالنّفس والتمسّك بإرادة الحياة»

.منذ صغرها، عَشقتِ اللّغة العربية وكتابة القصائد، وكان طموحها أن تتخصّص في اللغة العربية وآدابها، لو أنّها وصلت إلى المرحلة الجامعية. وقد دفعها هذا الشغف إلى كتابة مقال عن المعلم الشهيد كمال جنبلاط، ساعدها في نشره الصحافي أنور ضو، الذي شجّعها على تنمية روح الكتابة لديها. انطلقت تغريد من صفحةٍ على الفيسبوك نشرت عبرها خواطر نثرية قصيرة، أو ما يُسمّى «ومضات»، قبل أن تجمعها في كتابٍ صدر مؤخّرًا عن دار «الفارابي» بعنوان «تغريد الروح»، جرى توقيعه خلال حفلٍ أقامته جمعية «الأيادي المُتكاتفة» في بلدة القريّة برعاية وزير الثقافة محمّد داوود داوود، وحضور العديد من الفعاليات الاجتماعية والثقافيّة والفنيّة. كما من المحتمل أن يشهد الكتاب حفل توقيع ثانٍ في معرض الكتاب الدولي في بيروت.

وتقول ضو: «هذا الكتاب هو عُصارة روحي وشهيقي وزفيري، هو جُهد ثلاثة أعوام، أعبّر خلالها ليس فقط عن معاناتي وأوجاعي بصدقٍ وتجرّد، إنّما أيضًا عن الحب والأحاسيس والمشاعر، فكلّ فردٍ منّا هو إنسان عاشق، وأنا من الأشخاص الذين يجمّلون الوجع. لم أكتب مرة عن وجعي بحزنٍ، بل طرحت تساؤلاتٍ من مثال «أيها الضوء، هل من ثأرٍ لكَ عندي؟!»، وكتبتُ كذلك للحب، فقلتُ: «عندي من الشوق ما يحملك إليّ دون سفر». كما كتبتُ عن الأمومة والذّات البشرية، ونهلتُ من أسلوب الشاعر الكبير محمود درويش، الذي عشقتُ كتاباته وقصائده».

تستخدم تغريد تطبيق «قارئ الشاشة الناطق» (voice over) الذي يسعفها في القراءة والكتابة، وهي تحضّر حاليًا لكتابٍ ثانٍ، من المتوقع أن يتضمّن قصصًا قصيرة وخواطر طويلة ومقتطفات من الشعر الحر. وربّما يأتي يوم تكتب فيه قصة حياتها، وفق قولها «حيث أنّ الكثير من الأشخاص بحاجة لأن يقرأوا ويتعلّموا ويقتدوا بتجارب الآخرين وإرادتهم، لأنّنا جميعًا معرّضون».

عتبها على المجتمع أنّه بجزئه الأكبر «ينظر إلى ذوي الاحتياجات الخاصة بعين الشّفقة والعطف، وليس بعين التضامن، وهذه نظرة تذبحنا، غير أنّني ومن خلال كتابي نجحتُ في سحب نظرة الشفقة من عيون الناس»، تقول تغريد، خاتمةً ببضع كلمات: «أتشبّث بما تبقَّى منّي، كي أكمل بين مدِّ الحياة وجزرها حياة. أحمد الله أن في قلبي قلبًا يحبّني، فالحب يمنحني هذا الدافع للتمسّك أكثر بالحياة، لرؤيتها بعينٍ أفضل».


هيفاء سليم معضاد: «قادرون على تحقيق المستحيل»

رسمَتْ بالألوان وجع الحياة، آلامها وآمالها، فاختصرت تسعة وعشرين عامًا من الصراع مع الحياة، بحلوها ومرّها. أعوامٌ ارتأت الفنانة التشكيلية هيفاء سليم معضاد، أن تجسّدها من خلال لوحاتٍ ورسوماتٍ مضيئة، فجعلت من الريشة رفيقة دربٍ ومن الفن أداة للتعبير عن مكنوناتها ومشاعرها، وكانت أن رَوَت حكاية طفلة بريئة لم تنطق حروفها الأولى ولم تُمنح فرصة سماع أصوات ذويها ومحبّيها، ولا حتى صخب الطبيعة بغاباتها وطيورها وجريان مياهها.

من لوحات هيفاء معضاد.

هيفاء، الشابّة المتنية التي لم تتجاوز الثلاثين من عمرها، شاء القدر أن تفقد حاسّتَي السّمع والنطق على عمر صغير، بعد أن تعرّضت لحالاتٍ مُتكررة من مرض «الإنفلونزا» والالتهابات ودرجات الحرارة المرتفعة.

«فقدتُ سمعي على عمر السنة، وبدأتْ منذ ذلك الحين معاناة أهلي ومن ثمّ معاناتي»، تسرد ابنة بلدة بزبدين تفاصيل حياتها لمجلّة «الضّحى»، من خلال الكتابة، فتذكر الصدمة التي أصابتْ أهلها عند اكتشافهم فقدان ابنتهم للسمع، خصوصًا أنّها أولى أبنائهم، حيث حاولوا جاهدًا علاجها، فخضعت لعمليّتين جراحيّتين، وهي في السابعة من عمرها، لكن من دون أي جدوى تُذكر.

وتضيف معضاد: «تعرّضتُ للكثير من المواقف الصعبة، لعلّ أبرزها التنمُّر اللفظي والنفسي، ما دفع بأهلي إلى النهوض ومواجهة القدر والمجتمع بأسره، من منطلق أنّ مستقبل ابنتهم أهمّ من كلام الناس وذرف الدّموع، وأنّ الاستسلام لا يعدو كونه لغة الضعفاء. هكذا، احتضنتني عائلتي الصغيرة، رغم وضعنا المعيشي الصّعب، حيث بادر والداي إلى تسجيلي في «مدرسة رفيق الحريري» – دوحة عرمون، وأنا في الثامنة من عمري».

وتتابع: «تعلمتُ القراءة والكتابة باللّغتين العربية والانكليزية، كما أتقنتُ لغة الإشارات التي أتاحت لي التواصل مع الآخرين، لا سيّما مع أخي وأختي. غير أنّ حكايتي مع الرّسم والفن التشكيلي بدأت قبل ذلك بكثير، فقد برزت موهبتي وأنا في الخامسة من عمري، وتطوّرت على مقاعد الدراسة، حتى باتت وسيلتي الوحيدة للتعبير عمّا يخالجني من مشاعر وأحاسيس ومن آلامٍ رافقتني منذ نعومة أظافري».

لم تكن هيفاء بمنأى عن التنمُّر والمضايقات، حتى بعد عودتها من المدرسة إلى بلدتها، ما أدّى إلى تراجع وضعها النفسي، فما كان من ذويها إلّا أن قصدوا معالجًا نفسيًّا أشرف على حالتها، فكان الداعم والمحفّز لنجاحها وتحوّلها إلى شابّة طموحة تثق بنفسها وبقدراتها، ترسم أحلامها وتستشعر نبض الطبيعة بألوانٍ متناغمة كسرت جدار الصَّمت وقساوة العذاب.

ولعلّ تسلّح معضاد بالإيمان والسلام الدَّاخلي، كان العامل الأساسي لانطلاقها وتفوّقها في مجال الرسم، حيث احتفلت مؤخّرًا بأكثر من مئة لوحة ضمن معرضٍ خاص تضمّن كذلك زاوية للأعمال اليدوية، وهي بصدد إنجاز لوحاتٍ جديدة، تشارك عبرها في معارض للرّسم والفن التشكيلي. كما أنّها تعمل لدى جمعية «حلمنا» للمسنّين، في بلدتها بزبدين، حيث ترسم لكبار السنِّ عبق الحياة والطبيعة، ليضفوا بدورهم لمستهم، معبّرين عن واقعهم ومشاعرهم وأحلامهم من خلال الرّيشة والألوان.

وتختم هيفاء بعبارة خطتها أناملها، لتقول: «ليست الإعاقة أن نكون من أفراد ذوي الاحتياجات الخاصّة، إنّما عندما نستسلم للمصيبة ونخضع للأمر الواقع، مع العلم أنّنا قادرون على تحقيق المستحيل».

من لوحات هيفاء معضاد.

معركة المزرعة

على اللّغة أن تتحرّك مع العصر

اللّغة «قاموسيّاً»: لفظ مشتقّ من «لَغِيَ» بالشيء، أي لهجَ به(١). و«اصطلاحاً»: «هي الكلام المُتّفق عليه بين كلّ قبيلة»، وقيل «هي اللفظ الموضوع للمعنى»(٢). و«علميّاً»: هي حركة لسانية – صوتيّة مقصودة(٣).

ويقول إنستاس الكرملي «لُغة مشتّق من (logo) اليونانيّة(٤)» وأنّى كان مصدر هذه الكلمة واشتقاقها، فإنّي أجد اللّغة أعظم قفزة في تاريخ الحضارة البشريّة، نقلت الإنسان من التّعبير بالإشارة، إلى التّعبير بالنُّطق، وأقامت أداة اللسان، وأرست وسيلة التفاهم بين البشر، فارتسم الفِكر باللّسان، وتنّفس الوجدان، وتولّدت المعرفة، وشاعت الحضارات.

ولن أستغرق في الجانب الأكاديمي القائم على شواهد السّلف وحدهم، باستثناء من سبق منهم عصره، ودعا إلى انفتاح العربيّة، كالشيخ ابراهيم اليازجي وأقياسه. وممّا لا رَيبَ فيه أنّ لغة شعبٍ من الشعوب، هي هُوِّيّته، وانتماؤه، وثوبُ فكره، ومن ذا يشكّ في أنّ (اللغة) وظيفةٌ تأثيريّة، وهِبَة طبيعيّة، خصَّ الله بها الإنسان، وهي حتماً شكلٌ متميّز من أشكال السلوك الإنسانيّ، فتاريخ البشريّة لم يعرف مجتمعاً لم تكن له لغة خاصة تربط أبناءه، وتشير إلى سلوكهم وقِيَمهم، ومواريثهم الاجتماعية، ولن أتوسّع – ها هنا – لأقول على علاقة الفكر بالكلمة، وصيرورة تطوّرها معه، أو لأردّدَ مع المفكّر المعلم كمال جنبلاط: «إنّ اللغة مضمون حياتي، وجوهرٌ من الجواهر التي يقوم عليها محضُ الإنسان»، كذلك فإنّي لا أكتب الآن لأدافع عن اللغة العربية، فأمّ اللغات لا تحتاج إلى من يدافع عنها، لا لأنّها لغة القرآن، ووعاءُ الإيمان فقط، ولا لأنها مخزون علوم العرب، وثقافتهم، وتاريخهم، وخبرتهم الإنسانيّة فحسب، بل لأنّ فيها من جذور التاريخ وأسرار الإبداع ما يغني عن ذلك، كما أنّني لا أرغب في استعمال الألفاظ (المُحنّطة) على شحّ دلالتها وهجانة تراكيبها، فأفوز باصطلاحات هذا العصر التاعس، (كالأقلويّة) و (الإسلامويّة) ومثيلاتها الشائعة عند بعض أهل الصّحافة وأساتذة المدارس والجامعات، ممّن يحرسون قبر اللغة، بإعادتهم المفردات إلى «العهد اللفظي الأوّل».

تتصّل هذه الدراسة بموضوعٍ واحد، أشرنا إلى حاضنته قبل الخياضة فيه، وهو واجب تبسيط اللغة والدعوة إلى انفتاحها وتحركّها مع العصر. ولا يتأتّى لنا ذلك بالتحجّر والانكماش ولا بإهمال اللغات الأجنبيّة، ولا بإحياء الأوابد، ولا بفصل قواعد العربية عن بيانها، كما لا يتأتّى لنا ذلك (بعصرنة) تُسيء إلى كيان اللّغة، كاستعمال جيلنا الطالع بعض (الأرقام) بديلاً من بعض (الحروف)، وهم لا يعلمون أنّ للحروف أسراراً تختلف عن أسرار الأرقام(٥) وأنّ اللغة الحروفية هي التي ترتسم أشباحها في الأذهان لتعبّر عن الأفكار والشعور وليس (اللغة الرقمية) التي لا صلة لها بالوجدان.

وقد سبقت العربية أخواتها الساميّات إلى آفاق العلم، يوم كانت لغة العلوم، والفلسفة، والموسيقى، قبل اللغة الفرنسية، والإنكليزيّة، وقبل كلّ لغةٍ عصريّة أُخرى، وهذا تاريخ الأندلس، وعصرُ الرشيدِ والمأمون، يدلّنا على أنّ العلوم انتشرت – حتّى في أوروبا – بواسطة اللغة العربية، (فالجبرُ) و (الكيمياء) يحملان اسميهما من اللغة العربية، واللّسانُ الذي استطاع أن يَنشُرَ العلوم في القرون الوسطى باستطاعته (اليوم) أن يُحافظَ على كيانها، إذا ما أرادَ أهلُ هذا اللّسان ذلك.
وبعد، يواجه التعبيرُ اللغوي اليوم، صعوباتٍ جمّة، تتطلّبُ إعادةَ النظر في كثيرٍ من اللغة الوضعيّة التي لا يحتاج المعاصرون إلى استعمالها… بناءً على ذلك، ووقوفاً على مسؤوليتنا، ينبغي علينا أن نتيح للغتنا أسباب التوثّب والانطلاق، لتواكب العصر بمقدار ما يمليه التطوّر والحاجة، ولتتكامل وتوفّر أداة التعبير عن طلبات الحياة.

ولا رَيْب، في أنّ نِتاج التقدّم العلمي والتقني والثقافي الهائل، الذي ولّد مئات الاصطلاحات الجديدة، هو أحد أبرز الضّرورات اللغويّة التي ينبغي مجاراتها لكي تعيش اللغة وتستمرّ.. وقد سبقَنا الشيخ ابراهيم اليازجي، حين كتب سلسلة من المقالات بعنوان (اللغة والعصر)، وممّا قاله في مقدَّمة مقالته الأولى(٦): «لم يبقَ في أرباب الأقلام، من لم يشعر بما صارت إليه اللغة لعهدنا الحاضر من التقصير بخدمة أهلها (…) واللغة لا تزداد إلّا ضيقاً باتّساع مذاهب الحضارة، وتشعّب طرق التفنُّن في المُخترَعات والمُستحدثات».

ونعم، فاللغة التي لا تتسّع لحاجات عصرها ومُقتضيات التطوّر، مآلها الزوال، وللتطوّر أحكامه في مضمار اللغة، ما يجعلها وافيةً بحاجات عصرها، وفي بُرهةٍ رهيبة كالتي نعيشها، لا تكاد لغة – مهما تحصّنت ضدّ التغيير – أن تكون في نجوةٍ منه.

واعلم أنَّ اللغةُ تتّسع وتضيق على قدر المُعطى الحضاري (السياسي، والاقتصادي، والثّقافي، والاجتماعي)، رغم أنّها بطبيعتها لا تسير بسرعة التطوّر اللّاحق بالمجتمعات(٧)، فالحضارة إذن تفرضُ حاجاتها اللغوية فتدفعُ باللغة إلى النّمو والاتساع لكي تفي بهذه الحاجات، وما علينا نحن إلاّ أن نرفع من أمامها عقبات الطريق، وتسألون كيف يكون لنا ذلك؟ يكون لنا ذلك في النظر إلى(الموروث) و (الراهن) معاً… فنأتي جديداً ولا نتنكّر للقديم، أي أننا نحقّق دلالاتها القديمة، ثمّ نأخذ بفروع المعرفة الحديثة، بحيث تتناغم لغتنا المعاصرة مع مطالب الحضارة الحديثة. «وحبّذا من يأخذ اعتبارات المدرسة القديمة، على أنها اعتبارات فقط، لا على أنّها اللغة نفسها، أو قانون عملها الثابت»(٨) ولغتنا العربية – «لا يحيط بها إلّا نبيّ» فهي أوسع اللغات الحيّة وقد أحصى (الخليل بن أحمد) صاحب (كتاب العين) عدد كلمات اللغة المستعمل منه والمُهمل، فبلغَ 12،302،912 كلمة(٩) وهذا يفسّر قول (آرنست رينان) «العربيّة أمُّ اللغات، ساميّات وآريّات».

وإني لأعجب – بعد هذا – من بعض رجال اللغة، يتوهّمون ضيق الأصول العربية عن الإتيان بالتعابير على اختلافِ مراميها، ولو أنّهم دقّقوا في الصِّيغ الأجنبيّة التي بُنيت عليها ألفاظُ الأوروبيين للدلالةِ على المعاني، لاتّضح لهم أنّ هذه الصِّيَغ أضيَق بما لا يُقاس من الأصول العربيّة، فكلمة (service) مثلاً، في الفرنسية، تعني (الخدمة) (إسماً لفعل)، ولكنّ الفرنسييّن يضمّنونها معنى (الإدارة) التي تقومُ بهذه الخِدمة، ومعنى (المكان) أيضاً… وقِس على هذه الكلمة أُلوفاً من الكلمات التي قادَ الغربُ لغتهَم فيها إلى مرونةٍ فرضَها العصر، وأقرّها التساهُل، وأخذَ بها الإجماع.

ونحن اليوم في حاجةٍ الى أكثرْ من ذلك، فالفُصحى لا تعجز عن وضعِ تسمياتٍ لكلِّ ما يطرأ من ألفاظٍ (تكنولوجية) لأنّ في لُغتنا من الطواعية(10)، والثروة اللفظيّة، والتوليد والقياس، والاشتقاق.. وفيها من الموازين، أي من تنوّع حروفيّة الأفعال وتوقيع الأصوات، ما يضمن لها ذلك ويجعلها قابلة للاستمرار، بيد أنّ بعضها يأتي ابتكاراً بعيداً من قواعد التعريب ولا أساس له في العربيّة، ككلمة (تلفاز) التي لا تعبّر بتاتاً عن وظيفة هذا الجهاز في الحيّز العملي، فضلاً عن أنّ فعل (تلفز) لا وجود له في لغة العرب… ويأتي بعضها الآخر غريباً لا يفهمه الكُهول، (وشبابنا الطالع بنوعٍ خاص)… فقبل أن يُسمّى (التلفون) بالهاتف، أسمَوهُ (إرزيزاً)! وأراكم تعرفون أنّ وظيفة اللغة أصلاً، هي التواصل والتفهيم، فما يمنعُنا، إذا عزَّ التوليد، من استعمال اللفظ (التكنولوجي) كما هو، بحروفٍ عربية، مثل: (الكومبيوتر) و (الانترنت) و (التلفزيون) و (التّلفون) وسواها، مثلما سمّاها مخترعوها الغربيون، وما يمنعنا من القول: (تلفن، يتلفن، سيتلفن) ما دام كل ما قيس على كلام العرب فهو من كلامهم، كما قال (المازني) في كتابه (الاقتراح).

إنّ التسميات التي وضعَتها وتضعها المجامع اللغوية والعلمية، غير كافية للدلالة على المعنى الوضعي والمعنى الاستعمالي للأجهزة التقنية، ما لم نشتقّ من الاسم السّهل اللّفظ – أفعالاً تراعي الدقّة العلمية والدلالة العملانيّة للوظيفة التي تقوم بها هذه الأجهزة في حيّز الاستعمال، فاللغة كما نعلم، هي كائن حيّ يولد ويموت، وقَدَرها أن تأخذ وتعطي، وتتلاقح مع سائر اللغات الحيّة، لأنّه لا يمكنها أن تتقدم إلاّ إذا كانت لغةً حيّة تعبّر بوضوح عن ثقافة الأحياء وشعورهم وأغراضهم، ولكي تكون كذلك، علينا أن نقنع المتحّمسين لها – على غير هداية – بأنّ اللّفظ الدخيل ليس عدوّاً لنا، بل هو صديق، يقول الأستاذ الأكبر شيخ الجامع الأزهر(١١): «اللُغة العربية أوسع اللغات مذهباً(١٢)، وهي واسعة الصدر للدخيل، ما أن تراه حتى تخلع عليه ثوباً من ثيابها، وتردّه إلى أوزانها، وتتّخذه ولداً من أولادها، تعامله معاملتها فتنشقّ منه وتنصرف فيه».

فلندعُ إلى التساهل والمُلاينة، ضمن حدود، لكي تبقى العربية ماثلةً ومشّعة، «فغلبةُ اللغة – كما يقول ابن خلدون – بغلبة أهلها، ومنزلتها بين اللغات، صورة لمنزلة دولتها بين الأمم».

إنّنا – يعلم الله – نحبُّ هذه اللغة العريقة حبّاً جَمّا، ونغار عليها غَيرة بصيرة، ولقد أحرقنا رؤوسنا في دراستها والتعمّق في علومها، سحابة نصف قرن، غير أنّنا نُحبّها بموضوعية وانفتاح، لا بعصبيةٍ وانغلاق، ونريد لها أن تتوسع في رحاب العصر، وأن تفي بمتطلبات العلم. وما يحتاج إليه ذلك من تحقيق وتصحيح، لأننا نريد أن نحافظ على لغتنا، بوعي مسؤول، وأن نحرسها بعقولنا، خلافاً عن الذين يتوهّمون أنّ المحافظة عليها، تكون في وضعها داخل صندوق مغلق، تحرُسه غابةٌ من الرماح. إنّنا على مذهب الشيخ عبد الله العلايلي، ونحن مع شعاره القائل: «ليس محافظةً التقليد مع الخطأ، وليس خروجاً التصحيح الذي يحقّق المعرفة».

وإليك – أيها القارئ – طائفةٌ من الأسماء (الجامدة السهلة) التي وضَعَها علماء اللغة (اللبنانيون) في عصر النهضة والانبعاث، والتي لم يزل العرب يستعملونها في شتّى ديارهم منذ (مائة) عامٍ ويزيد.

وضع اللبناني أحمد فارس الشدياق:

  • الموصِل البرقي        للتلغراف
  • الحافلة                  للأُتوبيس
  • المنطاد                 للبالون

ووضعَ الشيخ ابراهيم اليازجي:

  • الحاكي                 للفونوغراف
  • الطّلاء                  للفرنيش
  • المجلّة                  للجورنال

ووضع الدكتور يعقوب صرّوف:

  • الصُّلْب                 للفولاذ

ووضع سعيد الشرتوني:

  • العاديات               للمصائب الكُبرى
  • القِطار                 لترام السكة لحديد

ووضع بشارة زلزل:

  • لبونة                   (للحيوانات الولودة) التي تغّذي صغارها بلبنها

ووضع الشيخ عبد الله البستاني:

  • «عقيلة»               مُقابل «مدام»

ولم ينشد أحد من هؤلاء العلماء، استعمال الألفاظ الوحشيّة الجافية، فالمشكلة عندنا في المتفاصحين الجُدُد، لا في القدماء. واقرأ معي – أخيراً – ألفاظاً ليس فيها لفظ عربي واحد، وقد استمرأتها الألسن وألِفَتها الآذان وغدت، لانسيابها، في صلب لغتنا:

ألفاظ آراميّة: قمح – غدير – صَنَم – كمين – نبراس – منارة – ملاك – بيدَر – سفينة – سكّين – سُلطان – سِوار – سيف.

ألفاظ لاتينية: منديل – إسطبل – بترول – صقر – قُرصان – قِنديل – فُرن.

ألفاظ إيطالية: برميل – كمبيالة – بُرتُقان.

ألفاظ فارسية: بُستان – مِيدان – وزير – فُنجان – إبريق – بلّور – دستور – صندوق – زهور – طراز – ديباج.

ألفاظ يونانيّة: لجنة – نَرجِس – قِرميد – قِرط – مرهَم – إقليم – سفير – بُرج – بطاقة.

فنحن إذاً مطالبون بالتّوسع فيما لم يتوسّع فيه الغابرون، فإذا تخطيّنا باللّغة الأدب والدّين والإنسانيّات، إلى العلوم والتّقنيات، نكون قد اختزنّا تراثنا العريق، وتطلّعنا – عبر العربيّة – إلى إرساء الاصطلاح العلميّ الذي نتمنّى أن يكون مُوحَّداً على امتداد بلاد العروبة.


المراجع:
  1. كتاب أقرب الموارد في فُصح العربية والشوارد، لسعيد الشرتوني بيروت سنة 1889.
  2. كتاب «محيط المحيط» للمعلّم بطرس البستاني، بيروت 1867.
  3. درس الألسنية العامة – فردينان دوسوسير (1857 – 1913).
  4. مجلة «لغة العرب» لإنستاس الكرملي، بغداد 1912.
  5. الألفاظ والحروف، للفارابي (مخطوط) نسخه العبد الضعيف عبد الله الخفيف، سنة 1124 هـ / 1712 م (مكتبة شوقي حماده).
  6. مجلة البيان / يونيو 1897، السنة الأولى – الجزء الرابع.
  7. وهذا هو رأي أستاذنا الشيخ عبد الله العلايلي.
  8. وهذا هو رأي العلايلي أيضاً.
  9. كتاب التهذيب في أصول التعريب، للدكتور أحمد بك عيسى – ط 1 – القاهرة 1923.
  10. كان كارنيليوس فانديك الكبير من معسكر القائلين بطواعية العربية لتكون لغة علم.
  11. الشيخ مصطفى المراغي، شيخ الأزهر (1935 – 1945).
  12. يريد بمذاهب اللغة، المجاز في النسبة، والمجاز في المفردات، والمجاز في المركبات، والتشبيه والكناية.
  13. نماذج من كتاب (مرجع الألفاظ الدخيلة على اللغة العربية) يحتوي على 1014 كلمة دخيلة، مخطوط لشوقي حمادة.

مُنْتَجات غير قانونيّة لفقدان الوزن

إنَّ سيبوترامين كان في السابق يُتَداوَل بوصفة طبيّة. ولكن تمّ حظره في العام 2010، بسبب زيادة خطر الإصابة بالنّوبات القلبيّة والسّكتات الدّماغية، بالإضافة إلى الآثار الضارّة الخطيرة الأُخرى.

إنّ وجود سيبوترامين في أربعة منتجات تَسبّب في ردود فعل سلبيّة خطيرة لدى المستهلكين. ونصحت الجهات المعنيّة بعدم شراء أو استهلاك هذه المُنتَجات.

تمّ اختبار المُنتَجات لاحتوائها مكوّنات طبيّة قويّة غير مُعلن عنها، بما في ذلك مادّة محظورة لفقدان الوزن وستيرويد قوي، إذ سجّلت بعد استهلاكها لمدّة ثلاثة أشهر تقريباً مُعدّل ضربات القلب سريعا جدًّا. المعروف أيضا باسم عدم انتظام دقّات القلب البُطَيني، ما أدّى إلى فقدان الوعي واحتاج المستهلك إلى الإنعاش لإنقاذ حياته. وأصيب مُستهلك في العشرينيّات من العمر بخفقان وأرق وعانى من أفكار انتحاريّة، بعد تناوله مُنتَجاً مماثلاً لأربعة أيّام، وفي حادث مماثل عانى مستهلك في الثلاثينيّات من العمر خفقان بعد تناوله لِمنتَج مُماثل.

تمّ العثور على العديد من منتجات فقدان الوزن التي يمكن أن تسبّب آثاراً ضارّة خطيرة، مثل اضطرابات المِزاج والهلوسة والنّوبات القلبيّة والسّكتات الدماغيّة.

البروفيسور تشان تشينج لينج

كانت ردود الفعل السلبيَّة التي عاشها هؤلاء المستهلكون متوافقة مع تأثيرات سيبوترامين، التي وُجِدت في المنتجات الثلاثة. وقد تمّ تسويق المنتجات الثلاثة على منصّات التجارة الالكترونية ووسائل التّواصل الاجتماعي المُختلفة. كما تم تسويقها على أنّها ليست لها أيّة آثار جانبيّة، وأنّها قادرة على توفير فقدان الوزن بسرعة، أي في غضون أيام. ونصح البروفيسور تشان تشينج لينج، مدير مجموعة تنظيم المُنتجات الصحيّة، المستهلكين بعدم استهلاك مُنتجات لفقدان الوزن بسرعة، سواء تمّ بيعها عبر الانترنت أو في المتاجر. وقال « تمّ العثور على العديد من منتجات فقدان الوزن، التي يتمّ بيعها على منصّات التجارة الالكترونية تحتوي على المادة المحظورة، سيبوترامين، التي يمكن أن تسبّب آثاراً ضارّة خطيرة، مثل اضطرابات المِزاج والهلوسة والنّوبات القلبيّة والسّكتات الدماغيّة».


إكتشاف قد يغلب البكتيريا المُقاومة
إن أمراض الرّئة التي تسبّبها الالتهابات البكتيريّة تشكل أحد الأسباب الرئيسيّة للوفاة في جميع أنحاء العالم.

قد يساعد اكتشاف علاج مُحتمَل يعتمد على دفاعات الجسم المناعيّة الطبيعية في محاربة البكتيريا التي لا تتأثر بمعظم المضادّات الحيويّة. فقد وجد العلماء أنّ جزءاً ينتجه الجسم LL-37 يغيّر الطّريقة التي تتصرّف بها الخلايا عندما يتمّ غزوها من قبل البكتيريا. ويقول الخبراء إنَّ الجزء يعمل كإنذار باندلاع حريق. ويحذّر الجهاز المناعي للجسم من العدوى، وينبّهه إلى الحاجة لاتخاذ إجراءات عاجلة.

وركّز الفريق من مركز أبحاث الالتهابات، على أمراض الرّئة التي تسبّبها الالتهابات البكتيريّة. والتي تشكل أحد الأسباب الرئيسيّة للوفاة في جميع أنحاء العالم. فيما تقاوم هذه العدوى بشكل متزايد المضادّات الحيويّة، ممّا يصعب علاجها. وكانت قد وُجدت دراسات سابقة أُجريت على الفئران إنّ LL-37 يرشد الخلايا الموجودة في الرّئة المصابة إلى استدعاء خلايا مُتخصّصة يمكنها أن تدمِّر التهديدات البكتيريّة. وفي الاختبارات التي أُجريت على خلايا الرّئة البشريّة. وَجد الباحثون أنّ LL-37 يستهدف الخلايا المُصابة على وجه التحديد ويكشف عن الخطر ويُنتج إشارة تستدعي الخلايا المُتَخصِّصة. في الوقت نفسه زيادة الـ LL-37 في الخلايا المُصابة تُسبّب التدمير الذاتي، وتزيل الخطر عن الخلايا السليمة الأخرى، قبل أن تنمو البكتيريا وتنتشر.

ويقول الخبراء إنّ هذا الاكتشاف قد يؤدّي إلى طرق جديدة لعلاج هذه العدوى المقاومة للعقاقير المُتعدِّدة. وقال الدكتور دونالد ج. ديفيدسون من مركز أبحاث
الالتهاب في مركز الأبحاث الطبيّة «أصبح بحثنا عن علاجات بديلة ومكمّلة للعدوى المقاومة للمضادّات الحيويّة أكثر إلحاحاً. وقد تكون محاولة تعزيز أفضل الدفاعات الطبيعيّة الفعالة لجسم الإنسان جزءاً هامًّا من حلولنا المستقبليّة».


فائدة غير متوقّعة لعصير البندورة

كشفت دراسة جديدة أجرتها جامعة طوكيو للطبّ والأسنان أنّ شرب عصير البندورة يمكن أن يساعد على تقليل خطر الإصابة بأمراض القلب. وقدّم الباحثون لـ 481 مشاركاً يابانيا، عصير البندورة غير المُمَلَّح، طوال عام كامل. وسجّل المشاركون مقدار استهلاكهم للعصير يوميًّا. بالإضافة إلى التّغييرات الصحيّة التي لاحظوها. وبيّنت النتائج أنَّ ضغط الدّم انخفض بنسبة 3 في المئة في المتوسّط لدى 94 مشاركاً يعانون من ارتفاع ضغط الدّم غير المُعالج.

ومن بين المصابين بارتفاع الكولسترول في الدَّم، شهد 125 منهم انخفاضاً متوسّطاً بنسبة 3.3 في المئة في المادّة الدهنيّة، التي يمكن أن تسدّ الأوعية الدمويّة وتسبّب النوبات القلبية والسكتات الدماغيّة. وشوهدت الآثار المفيدة بشكل متماثل لدى الرّجال والنساء من الفئات العمريّة المختلفة، ولفتت الدراسة إلى أنّ زيادة الاستهلاك اليومي من الفاكهة والخضار، بما في ذلك البندورة، يساهم في الحفاظ على صحة القلب والدورة الدمويّة، ولكنها حذّرت من شرب أكثر من 150 ملل من عصير الفاكهة أو الخضار يوميًّا، بسبب نسبة السكّر المرتفعة.


تناول هذه الأطعمة مع بعضها يحارب الالتهاب

استناداً إلى خبراء موقع «Prevention» إنّ تناول بعض الأطعمة مع بعض آخر يزيد في فعاليّتها لمحاربة الالتهابات في الجسم وتقوية جهاز المناعة. إنَّ كلّ طعام صحّي يملك خصائص معيّنة، لكن ما هو مجهول عند عدد كبير من الأشخاص أنّ استهلاك مأكولات معيّنة مع بعضها يؤدي إلى إنتاج منافع صحيّة مضادّة للالتهاب تفوق تلك التي يتمّ الحصول عليها عادة عند تناولها بمفردها. فما هي هذه الأطعمة تحديداً؟

الورقيَّات الخضراء مع زيت الزّيتون

أظهرت الأبحاث العلميَّة أنَّ مزج الخضار مع مصدر من الدّهون الصحيّة يعزّز امتصاص مضادات الأكسدة مثل الـ «Lutein» و الـ «Beta-Carotene». تشتهر مادة «Lutein». المتوافرة في الورقيَّات الخضراء، بقدرتها على خفض الالتهاب في العينين، وبالتالي المساعدة على الوقاية من الاضطرابات العصبيّة التنكّسيّة مثل الضمور البُقَعي المُرتبط بالتقدُّم في العمر. أمّا الـ «Beta-Carotene»، فقد تبيّن أنّها تقلّل الالتهاب بشكل عام لدى كبار السنّ. لا تترددوا إذاً في سكب قليل من زيت الزّيتون على سلَطة الخضار للتأكُّد من حصولكم على هذه الميزات. ولكن بالمقابل قد تخفض من فعاليّة بعض الأدوية المسيلة للدّم.

السبانخ مع التّوت الأزرق

يُنصح بتحضير «smoothie» مؤلّف من السبانخ والتّوت الأزرق وشربه قبل التمارين وبعدها. وجدت دراسة أُجريت على الرّياضيين أنّ الذين تناولوا التّوت الأزرق يوميّاً لمدّة 6 أسابيع انخفض لديهم التهاب العضلات بعد التمارين. في حين توصّل بحث آخر إلى أنّ السبانخ يستطيع تحسين التّنفّس وتدفُّق الأوكسجين خلال التّمارين. النيترات الموجودة في السبانخ تساعد العضلات على العمل بفعاليّة خلال الرّياضة، في حين أنّ التوت الأزرق يساهم في خفض آلام العضلات عقب الانتهاء من النشاط. ويزيد من الخلايا في جهاز المناعة للجسم.

العدس مع الحامض

المرأة التي قد بلغت ما قبل انقطاع الطمث تكون معرّضة لفقر الدم بسبب نقص الحديد. استناداً إلى «Iron Disorders Institute»، فإنّ هذا التّفاعل ناتج من استجابة التهابيّة، ويمكن أن يحدّ من كمية الحديد المُتاحة لبقيّة الجسم. تناول المأكولات الغنيّة بهذا المعدن، مثل العدس، مع الفاكهة الحمضية، كالحامض، يزيد بقوّة من نسبة الحديد التي يمتصها الجسم.

البطاطا الحلوة مع فلفل الحرّيف

رشّ فلفل الحرّيف أو أيّ بهار آخر على المأكولات البرتقالية اللون المليئة بال “Beta-Carotene»، مثل البطاطا الحلوة، يعزّز امتصاص الفيتامين A. ثبت أنَّ هذا الخيار مفيد في الأمراض الجلدية الالتهابيّة، مثل البثور. ولكن قد يسبّب عند بعض الأشخاص آلاماً عابرة في المعدة أو حرقة.

توت العلّيق والعنب

الاثنان يضمّان مستويات عالية جدّاً من مضادّات الأكسدة، وثبت علميّاً أنّه عندما يتعلّق الأمر بمضادات الأكسدة، فإنَّ الحصول على الاثنين يكون أفضل من واحد. يحتوي توت العلّيق على حامض «Ellagic» المعروف بقدرته على تعزيز قدرة الـ «Quercetin» المتوفّرة في العنب. عند مزجهما سويّاً، فانّهما يحاربان الالتهاب بقوّة. كشفت الدراسات أنّ هذا المزيج يستطيع أيضاً خفض خطر الإصابة بأمراض القلب والأوعية الدمويّة، وهشاشة العظام، وسرطان الرِّئة ويعزّز المناعة ضدّ الالتهابات الفيروسية.

اللّوز مع الكفير (الكفير هو اللبن المخمّر يتداوله بكثرة أهل القوقاز وهو من الأطباق الشعبية لديهم)

يكفي إضافة بعض اللّوز المبروش إلى وعاء الكفير لأمعاء صحية. على غرار اللّبن، فإنّ هذا النوع من مشتقات الحليب يؤمّن الكثير من البكتيريا الجيّدة والبروبيوتك للمعدة. ولزيادة البكتيريا الصّديقة للأمعاء، من المُفيد تناول اللَّوز مع الكفير، إذ بيّنت الأبحاث أنّ الألياف الموجودة في قشور اللّوز تعمل بمثابة بروبيوتك، التي تُغذّي البروبيوتك المتوفرة في الكفير، وتخلق بكتيريا مِعويّة واقية تكافح التهاب الأمعاء المُزمن وأمراض مثل داء كرون والتهاب القولون التّقرّحي.

الثُّوم مع البصل والأرز الأسمر

صحيح أنّ الثوم والبصل قد يسبّبان رائحة فم كريهة، ولكنَّهما يشكّلان إضافة جيّدة إلى الحبوب الكاملة مثل الأرز الأسمر. يساهم هذا المزيج في زيادة قدرة الجسم على امتصاص الزّنك بمعدّل يتخطى 3 أضعاف. أظهرت الدّراسات أنّ كبار السنّ الذين استهلكوا مكمّلات الزنك انخفض لديهم خطر التعرض للأمراض المرتبطة بالالتهاب المُزمن، مثل السّرطان وتصلّب الشرايين والاضطرابات المناعيّة، بنسبة 66 في المئة، ويساهم في تخفيض ضغط الدّم والتهابات الأمعاء.

نجيب البعيني….

انعقد في المكتبة الوطنية في بعقلين، نهار السبت في ١٦ حزيران ٢٠١٩، حفل تكريم للمرحوم الأديب الأستاذ نجيب البعيني بحضور شعبي وثقافي حاشد. عرّف بالمتحدثين الشاعرة زلفا أبو علي، وكانت كلمات للأستاذ غازي صعب، الدكتور ميشال كعدي، الدكتور رياض غنام، الأستاذ فادي الشامي، ورئيس تحرير مجلة الضّحى، الدكتور محمد شيّا.

وفي ما يلي أجزاء من كلمة رئيس تحرير مجلة الضّحى.

السيّدات والسّادة،

تأتي مُبادرة الاحتفال بذكرى الأديب الأستاذ نجيب البعيني في مَحَلِّها الصّحيح وزمنها الصّحيح؛ فلطالما شكّلت المكتبة الوطنيّة في بعقلين للمرحوم الأستاذ نجيب مكاناً أثيراً على قلبه، وفسحة ثقافية يعود إليها باستمرار لمتابعة آخر ما وصلها من مؤلفات، أو ليهديها أعماله، أو ليشارك في ندوة أو احتفال. والمكتبة الوطنيّة على ما أعرف، وكما عبّر مديرها بُعَيْد وفاة الأستاذ نجيب، كانت تعتبره من أصدقائها المُقرّبين، بل ربما الأكثر قُرباً.

أمّا بخصوص زمن هذه اللفتة التكريمية لذكرى الأستاذ نجيب فهي أكثر من ضروريّة، ليس فقط لإعطاء نجيب البعيني الشخص حقّه من التكريم والتقدير، وإنّما أكثر من ذلك لأخذ العِبرة الصّحيحة من عطاءات الأستاذ نجيب الواسعة، ومن نوعيّة إنتاجه، والقيمة المُضافة الكامنة في إنتاج المرحوم الصديق الأستاذ نجيب.

في هذا الباب حصراً، رغبتُ أن أُسهمَ بشيء يُضاف إلى كل ما قيل على أهميته في نجيب البعيني وإنتاجه.

من هذه الجهة بالذات سأقرأ سيرة المرحوم نجيب وإسهامه الثقافي من منظارين مُتكاملين: منظار أنطونيو غرامشي، الفيلسوف الإيطالي اليساري في ثلاثينيّات القرن الماضي، ومنظار المُعلِّم الخالد الشهيد كمال جنبلاط في ستينيّات وسبعينيّات القرن الماضي أيضاً.

طَوّر أنطونيو غرامشي، الفيلسوف والمفكّر الإيطالي اليساري، والذي مات تحت التعذيب في سجون الديكتاتور موسوليني سنة 1937، نظريّة البراكسيس الثقافي، وهي تعني الممارسة الصحيحة المستندة إلى نظريّة أو إطار نظري صحيح. المُمارسة هنا هي الأفكار وقد أصبحت قيد الإنجاز. جوهر البراكسيس هو وحدة النظريّة والممارسة، أي وحدة الأفكار وتجلّياتها على أرض الواقع، في سياق الانتماء لهموم وقضايا أوسع الشرائح الشعبية الأكثر حاجة وفقراً. وترجمة النظرية والأفكار على الوجه الصحيح إنّما تكون بالالتزام الداخلي العميق بنشر الوعي بين الشرائح الشعبيّة تلك، وتعميقه جذرياً برفعه من مستوى الوعي اليومي الحدثي الآني والعارض إلى مستوى الوعي الجذري الذي بات في وسعه أن يلتقط ويدرك ليس فقط تعاقب الأحداث السياسيّة والاجتماعيّة وإنّما ترابطها وأسبابها ومكمن الأزمة فيها؛ وإذ ينجح المثقّف في إداء رسالته فهو يسهم في جعل ردّ الجماهير على أزماتها ردّاً شاملاً عميقاً، لا سطحياً، مُجتزءاً، أو متفرّقاً. وعلى أساس هذه المرجعيّة الفكرية يصبح بمقدور الشرائح الشعبية الأكثر فقراً وحاجة أن تكتشف – وهو الأهم – نوعية المشاريع والقادة الذين يحملون همومها بصدق ويتحمّلون في ذلك ما يتحملون من تضحيات، ونوعية الساسة الآخرين المعادين للقضايا الشعبيّة عند كلّ مفصل حقيقي، والمدافعين بطرق مختلفة عن مصالحهم الفئوية أو الطبقية أو الشخصيّة لا أكثر. وبسبب من إدراك غرامشي العميق لأهميّة الثقافة والمثقّف فهو يميّز بين نمطين من المثقّفين: الأوّل هو المثقّف التقليدي الذي يعيش في برجه العاجي ويعتقد أنّه أعلى من كلّ الناس، أمّا الثاني فهو المثقّف العضوي المُنخرط في هموم عصره والمرتبط عضوياً بقضايا شعبه، وبخاصّة هموم الطبقات الكادحة وسائر المظلومين والمُهمّشين فيه. كان غرامشي يؤمن بالأهمّية القصوى لفئة المثقفين، وكان له نقده لنظريات ماركس ولينين، وبخاصة ستالين، تلك النظريّات الحتميّة التي تقول إنّ في وسع العمّال أن ينجزوا ثورتهم على نحو حتمي حين تصل البروليتاريا إلى حافة المجاعة. رأيُ غرامشي أنّ الأمر لن يكون كذلك فعليّاً، وأنّ الثورة، والبروليتاريا، بحاجة دائماً للمثقّف الثوري العضوي المُنتمي.

وظيفة الثقافة، ووظيفة المثقف، أن يقوما،إذاً، بهذا التمييز؛ وحين لا يفعلان ذلك فهما وفق غرامشي لا يستحقّان عنوان الثقافة والمثقّف الحقيقيين وينزلقان بسرعة ليتحوّلا إلى ثقافة رجعيّة ومثقف رجعي – وما أكثرهم في أيامنا هذه رغم اللبوس الخادع الذي يرتدونه.

هذا هو دور، بل تعريف، المثقّف العُضوي المُندمج والمُنتمي حسب غرامشي. وإذا أمعنتم النّظر جيّداً في سيرة الأديب نجيب البعيني اليوميّة، وفي إنتاجه على وجه العموم، لاستنتجتم من دون صعوبة أنّ المرحوم الأديب نجيب البعيني كان مثقّفاً عضويّاً منتمياً بامتياز؛ هكذا عاش قضايا مجتمعه وشعبه مدافعاً عن مصالحه ومطالبه دون هوادة ومن على كل المنابر، وهكذا مارس قناعاته تلك حتى لحظات عمره الأخيرة معنا من على صفحات مجلّة الضّحى، كما في منابر ومُنتديات ثقافيّة أُخرى عدة؛ له نرفع القُبَّعة هذه الأمسية وفي كلِّ حين تقديراً واحتراماً.

المقارنة الثانية والأخيرة التي سأجريها باختصار شديد هي مع تعريف كمال جنبلاط للمثقّف الحقيقي، المُثقّف الملتزم، المثقف الذي يستحق شرف حمل رسالة الثقافة في المجتمع، وذلك من أجل فَهم أفضل لحقيقة الوظيفة التي تمثّلها وقد أدّاها فقيدنا الأديب الأستاذ نجيب البعيني.

إذا راجعنا كتابات المعلم كمال جنبلاط بعامّة، وبخاصّة محاضرته التي افتتح بها اجتماع كتّاب آسيا وإفريقيا في بيروت سنة 1967، لرأيناه لا يملّ من التأكيد أنّ للأدب دائما وظيفة ودوراً بالغ الأهميّة في حياة الجماعات؛ وأنَّ للأدب رسالة مُحدّدة حدّدها جنبلاط بأنّها «التزامٌ ما أمكن، لا إلزام»؛ وأنّ للأدب قضيّة، إذ لا يمكن لأدب حقيقي إلّا أن يحمل قضية سامية يدافع عنها، وقضيّة الحريّة برأي جنبلاط هي القضيّة الحقيقيّة في كلّ أدب حقيقي، يقول في محاضرته تلك: «قضيّة الحريّة التي نجتمع لمناقشتها… هي قضيّة الإنسان منذ أن وُجد…. والأدب استثارة لهذه المعرفة الحقيقيّة الدائمة، وليس هو تغشية للواقع أو تخيُّلاً أو خلقاً من عدم، أو إبداعاً من الخواء الفارغ، أو تقليداً أجوف للحرف والخطّ الميت» ونصح جنبلاط المؤلّفين عمليّاً بالتنقيب عن كنوز حضارتنا وثقافتنا المعنويّة والروحيّة والتي نكاد ننساها من فرط أخذنا بالمعايير الغربيّة وتركْنا لحضارتنا وثقافتنا ورموزنا التي صَنعت عبر التاريخ ثقافتنا وحضارتنا. يقول جنبلاط: «يجب أن ننظر إلى فنونها وآدابها وعلومها الدّفينة وعاداتها بعين شعوبها، أي ببصيرة فتوّة الإنسان فينا، لا بمنظار مدنيّتنا الغربيّة التي هي في معظم الأحيان سطحيّة في نظرتها للغير وغروره وتبتعد بنا عن الطبيعة».

لهذه الفئة المُتغرّبة من المثقّفين، يوجّه جنبلاط النقد القاسي، فقد انقطعت الفئة تلك عن جذورها وحيّدت نفسها عن قضايا مجتمعها وأمّتها وباتت غريبة عنه وعن شعبها، وتخلّت عن شرف قيادة مجتمعها وشرف الخدمة العامّة فيه، ويضيف جنبلاط على نحو لا يُصَدّق: «.. لقد كان همّ معظم هؤلاء التعلّم لأجل بلوغ وظيفة أو تحصيل أو التميّز بجاه…وهكذا تحوّل أكثر المثقفين»، يضيف جنبلاط، «إلى طبقة ارستقراطية برجوازيّة جديدة.. وانفصلوا بشعورهم وبتفكيرهم وتوجُّههم عن الشّعب ومصالحه الأساسية». وينهي المعلّم بملاحظة ميدانيّة ثاقبة ولافتة، ومُحزنة، إذ يقول: «قليل من المثقفين في بلادنا من يستطيع أن يكون مُختاراً في قريته أو عضواً في بلديّة بلدته، نتيجة هذا التأفّف والانفصال والابتعاد».

أكتفي بهذا القدر من المعايير التي وضعها الشهيد كمال جنبلاط للتمييز بين المُثقّف الحقيقي والمثقف الزائف، المثقّف الذي يبذل كلّ ما يستطيع لخدمة قضايا مجتمعه وشعبه، والآخر الذي لا يعنيه غير طموحاته الشخصية الصغيرة، الماديّة والمعنويّة.

لن استرسل أكثر لضيق الوقت، إلّا أنّ ما أوردته مُختصراً هو كاف كما أعتقد لإظهار المعدِن الحقيقي الذي تتكوّن منه شخصية الأديب المرحوم نجيب البعيني، شخصيّة المثقف العضوي المُلتزم قضايا الناس؛ وكما تعرفون فقد بادلته الناس في غير مناسبة في بلدته ومنطقته وفي لبنان بعامّة الحبَّ نفسه، والتقدير والاحترام في كلّ مناسبة.

المرحوم الأستاذ نجيب البعيني، مثقَّف حقيقي، سنفتقد باستمرار عطاءاته وكتاباته وأنشطته الثقافية الواسعة؛ وسنفتقد أكثر شعوره الإنسانيّ العميق وتواضعه الجمّ وحبّه لأصدقائه، وإخلاصه للقضايا العامة، وعلى نحو يكاد ينسى فيه نفسه ومصلحته…. لم يعمل يوماً لمنفعة شخصيّة أو لجاه أو لمركز… على ما بات سائداً هذه الأيام مع الأسف.

رحمة الله لروح فقيدنا الأديب الكبير الأستاذ نجيب البعيني، وهو باق فينا وفي أسرته ومجتمعه بالتأكيد.

الدِّيك الفصيح منَ البيضةِ يصيح

في أحد الأيّام الدّراسية لعام 1928 قام مفتّش التّربية والتعليم في وزارة المعارف المصريّة بتفقُّد مدرسة قرية (الخطاطبة) ، ثم وجّه سؤالاً إلى طلّاب أحد الصفوف الابتدائية، ووعد من يُحسن الإجابة بأنّه سيقدّم له عشرين قرشاً مكافأة. أمّا السؤال فكان: «لو افترضنا جدلاً أنّكم ضعتم في إحدى الصّحارى ولم تتمكنوا من معرفة اتجاهكم، وفجأة ظهر أمامكم رجل ومعه بوصلة ثم طلب منكم عشرين قرشاً عن كل جهة يرشدكم إليها فكم تنقدونه؟» صرخ الأطفال جميعاً: نعطيه ثمانين قرشاً. غير أنّ طالباً وحيداً من بين خمسين طالباً خالف زملاءه وقال: «نعطيه عشرين قرشاً لا غير والسبب أنّنا متى عرفنا جهة واحدة أصبح باستطاعتنا معرفة بقية الجهات». أثار هذا الجواب العميق دهشة المفتّش واستغرابه في آن معاً وكان ذلك الطفل هو جمال عبدالناصر ولم يكن يخطر ببال أحد أنّ ذلك الطفل سيصبح عظيماً من عظماء العالم فيما بعد.

يا خضر «ابعث لي عَ راسي راس»!

﴿الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا﴾ (الكهف، 46)

بتاريخ الثّلاثاء في 22 كانون الثاني 2009، قرأت في جريدة النّهار مقالاً للسيّدة ماري قْصَيفي تقول فيه: «في كلّ قرية من قرى لبنان عائلة تتوق إلى صبّي بعد سلسلة ولادات تكون نتيجتها مجموعة بنات. وفي الشّمال اللّبناني كنيسة تُسمّى «مار الياس الرّاس» أمامها بئر عجائبيّة، مياهها تَهَبُ البنين للمحرومات والمحرومين. كان على كلّ عائلة محرومة ترغب في الحصول على وليّ للعهد الذي طال انتظاره أن تذهب إلى هذه البئر وتربط آخر بنت وُلدت في العائلة بحبلٍ على خاصرتها ثم تُدلَّى الفتاة في تلك البئر حتى تغمرَها المياه إلى عنقها، إذْ ذاك وفي عتمة المكان وبرودة المياه وما يُحيق بالفتاة من برودة ورجفان ورُعب بين الحياة والموت لا يَسَعُ الطّفلة إلّا الصُراخ والتضرّع إلى مار الياس تنفيذ ما لقّنها ذووها أن تقوله: «يا مار الياس ابعث لي عَ راسي راس» والرأس المطلوب هو الصّبيُّ للعائلة الرّاجية.

وبالفعل قامت إحدى العائلات بما تقتضيه تلك التقاليد وأنزل رجال العائلة الطفلة الهَالِعَة إلى البئر بعدما وعدوها بإعطائها كلّ ما ترغب به، وحين أخرجوها وهي ترتجف من شدّة البرد والخوف، سألها أحدُهم عمّا تريده؟ فكانت إجابتُها بأنّها تطلب جزمة كاوتشوك! ضحك الجميع وقبّلها بعضهم، غير أنّ أحدهم صرخ قائلاً: اطلبي سواراً من الذهب». هذه الحكاية روتها الكاتبة «قْصَيفي» في جريدة النّهار تعود إلى حقبة الخمسينيّات من القرن الماضي.

رويت هذه القصّة أمام رجال كانوا يعاونوننا في قطاف موسم الزّيتون. ضحك أحدهم وقد تجاوز السّبعين من العمر ويدعى أبو طاهر شامية من بلدة عَين جرفا وقال: «ألم تسمع من قبل حكاية تماثلها في بلدتكم؟» أجبته: « بـ لا، فقال: إذا تكرّمت، اسمح لي أن أروي لك ما حدث في بيت جدّي منذ نحو خمسين سنة تقريباً».

في النهاية إنّ هذه التقاليد المتشابهة، كلّها، في المسيحيّة والإسلام، هي من قبيل الإيمان بقدرة الخالق وأولياء الزّمان، وما الخضرُ عليه السلام عند الطوائف الإسلاميّة إلاّ القديس جاورجيوس أو مار الياس عند الطوائف المسيحية، وحتّى الدروز وهم إحدى الطوائف الإسلاميّة يطلقون عليه لقب «أبو إبراهيم» والقصد من هذا أنّه لَقَبُ الرّجولة والإقدام لكون صاحبه، مار جرجس، أنقذ البشريّة من التنين الرّوماني الوثني القاتل كما تروي بعض الأساطير التاريخية.

حذارِ أن يطفو على نفسك ما ليس في قعرها

نـعــيـــــبُ زماننـــــا والـعـيــــبُ فينـــــــا                ومـــــــا لـزمـــــانـنـــــا عيـــب سوانـــــــا
ونهـجـــو ذا الزمـــــــانَ بغـيـــر ذنـــــبٍ                 ولـــــــو نــطــــق الزمــــــانُ هجـــــانــــــا
ويـــــأبى الـذئـــــبُ يـــــأكـــلُ لـــحـــــــمَ                ذئبٍ ونــــأكـــــل بعضنــــا بعضاً عيانا

هذا القولُ البليغ والذي اعتمده في أكثر كتاباته ومؤلفاته الأديب الكبير سعيد تقي الدين إنْ نمّ على شيء فأقلّه نفس صادقة وعقلٌ نيّر في التّعامل والتّخاطب. وممّا لا شكّ فيه أنّ من كان الصدق شعاره وقول الحقّ مبدؤه وإيمانه فهو لا يخاف ولا يهاب أيّ إنسان ولو كان سلطان زمانه، وبأمثاله يعلو شأن مجتمعه ويترسّخ بُنيانه.

إذاً الصراحة والصدق والأمانة في قول الحقّ مبدأ كل شريف، وبأمثالهم يسود التفاهم والتّفهّم. تداولتُ هذا القول مع أحد رجالات منطقتنا والمشهود لهم بالرأي السديد والنظر البعيد، فكانت إجابته أنَّ ما قالته الأمثال هو من واقع الحال، وأنَّه في كل بلدة وقرية نجد بعض الأفراد وحتى العائلات من صفاتها وعبر تاريخها اللّف والدوران وعدم قول الصراحة والصدق لتصح عليهم صفات هي أقرب إلى حقيقتهم وواقعهم، فمثلاً نقول عن عائلة فلان هم عائلة الحرباية أي يتلوّنون ألف لون ولون، وهم في الوجه مراية وفي القفا مذراية. أو هذه عائلة الثعالب لما يُعرف عن أفرادها من الدّهاء والخبث إمّا بالتلوّي أو التلطّي. أو هذه عائلة العدس إذ ليس لها ممسك أو مدخل أو لقولها مبدأ. أو هذه عائلة اليهود، خُبثٌ واستغلال وإنكار للمواثيق والعهود.

وفي هذا الصّدد حدّثني مهاجر كان قد خدم في الجيش الإنكليزي إبّان الحرب العالمية الثانية، وذلك بعد أن انتهى من خدمته وإحالته على التقاعد إذ عاد إلى بلدته.

وممّا حدثنا به عن ضابط كان معهم في الجيش المذكور أنّه كان كاذباً ومخادعاً وسيّئ السيرة والسريرة من خلال تصرفاته… ففي قعر نفسه غير ما يظهره على وجهه حيث يتظاهر لجنوده أنّه يحبّهم ويغار عليهم وعلى سعادتهم، وكثيراً ما كان يردّد ويقول بأنّه فرد منهم وليس رئيساً عليهم وأنّه يفديهم بحياته قبل حياتهم.

أحد الجنود الذي يعمل في خدمته كان يعلم علم اليقين أنّ هذا الضابط بوجهين ولسانين متناقضين، وأنّ ما يضمره في ذاته غير الذي يظهره في تعامله وأنّه مخادع وكاذب كبير. ويوماً أراد أن يُعرّيه ويجرّده من تواريه بعد أن ضاق ذرعاً بتصرفاته، فدخل عليه طالباً إجازة كي يذهب إلى بيته ويُبرّر طلبه أنّه اشتاق لرؤية زوجته وأولاده حيث أصبح له مدّة طويلة لم يشاهدهم. أجاب الضابط: «أمهلْني أسبوعاً لأنظر في أمرك..»، وعند نهاية الأسبوع أتى الجندي وكرّر طلبه.

الضابط أجاب بعد أن هزّ برأسه قائلاً: «لقد استعلمت من زوجتك أنّها لا تريد ذهابك إلى البيت وبكتاب خطّي، وترجو أن لا أسمح لك مطلقاً بالذهاب كونك سكّير فظّ الطباع، تعذّبها وتضربها وتضرب كلّ من يحاول أن يردعك عنها وخاصّة أولادك وجيرانك، والأنسب أن تبقى هنا في ساحة القتال وخارج بيتك». الجندي عند سماع هذا الجواب أغرق في الضحك أمام الضابط ثم أخذ يردّد: لقد تأكّد لي ما كان يتداوله الجميع.

قال الضابط: لماذا تضحك، وماذا كان يردد الجميع؟
قال الجندي وبجرأة: سيّدي كيف أَجابتك زوجتي بكتاب خطّي وأنا رجل أعزب لا زوجة لي ولا أولاد!

والواقع كم من الرجال سواء أكانوا عاديين أم سياسيين يماثلون هذا الضابط قديماً وحديثاً.

المؤرخ د. حسن البعيني: سيرة حياة، كلمات وشهادات

كتاب صدر عن اللجنة الثقافية في المجلس المذهبي لطائفة الموحدين الدروز، سجّل الكلمات التي ألقيت في تكريم اللجنة بالتعاون مع بلدية مزرعة الشوف، ورابطة آل البعيني، للمؤرخ د. حسن البعيني تقديراً لعطاءاته وكتاباته القيمة، وذلك 13 نيسان 2019، في بلدته مزرعة الشوف.

تكلّم في الحفل كل من الشيخ د. سامي أبي المنى رئيس اللجنة الثقافية، د. بسام البعيني رئيس رابطة آل البعيني، المهندس يحي بو كروم رئيس بلدية مزرعة الشوف، د. حارث البستاني، العميد الدكتور أحمد حطيط، الدكتور طارق قاسم، والدكتور رياض غنّام.

كما تليت شهادات تقدير من رسميين وعارفين وأصدقاء وزملاء هم: وليد بك جنبلاط، الأستاذ ثائر منصور الأطرش، الأستاذ فندي أبو فخر، الشيخ غالب سليقا، النائب الكندي زياد أبو لطيف، الدكتور محمد البسام، الدكتور حسيب عبد الساتر، الدكتور أديب خطار، الأستاذ خالد حميدان، الأستاذ غسان الغصيني. واختتم الحفل بكلمة من المكرّم، جاء في بعضها: أمام أهل الوفاء أنحني إكراماً وإجلالاً، وإليهم أوجّه التحيّة الطيّبة، والشكر الجزيل على لفتتاهم الكريمة، سواء تجسدت بالكلماتأو بالأعمال. وختم المكرّم كلمته شعراً:

 

 

أهلـــــي الأحبـــــة أخوتــــــي أخواتــــــي          عيـشـتــمـــــــوني أسعـــــــد الأوقــــــــاتِ
تكريمـكـــم لــــــي فرحــةٌ بـــــــل منحــةٌ           لــــــــو تسمعــــــون بداخلي نبضـــــاتــي

إنـــــي لأحسبــــــه وســــامــــــاً غــاليــــــاً           مـنـكــــــم يتـــوّج بــــالنجــــــاح حيــــــاتي
عـــن شكركــــم يـبـــدو لســـاني عاجزاً            مهمـــا  نظمتُ  وصفتُ  من  كلمـــاتِ

العدد 28